كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

في زمان الخيار. وربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختصّ الخيار. وظاهر ابن الجنيد توقّف الملك على انقضاء الخيار (١) ، انتهى.

ما هو رأي الشيخ الطوسي في المسألة؟

فإنّ في هذا الكلام شهادةً من وجهين على عدم توقّف ملك المشتري على انقضاء خياره عند الشيخ ، بل المأخذ المذكور صريحٌ في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس‌سره أيضاً ، لكن ينافيه جعل قول ابن الجنيد مقابلاً لقول الشيخ ، واللازم نقل كلام الشيخ قدس‌سره في الخلاف والمبسوط.

كلام الشيخ في الخلاف

قال في محكيّ الخلاف : العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول ، فإن كان مطلقاً فإنّه يلزم بالافتراق بالأبدان ، وإن كان مشروطاً يلزم بانقضاء الشرط ، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدّم ، وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد ، لكنّه لم ينتقل إلى المشتري حتّى ينقضي الخيار ، فإن انقضى (٢) الخيار ملك المشتري بالعقد الأوّل (٣) ، انتهى.

وظاهر هذا الكلام كما قيل (٤) هو الكشف ، فحينئذٍ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعنى عدم حقٍّ له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الأصيل إذا وقع مع الفضولي وبين عدم انتقاله إلى المشتري بحسب الظاهر حتّى ينقضي خياره ، فإذا انقضى ملك بسبب‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٧٠.

(٢) في «ق» بدل فإن «انقضى» : «فإذا انتقل» ، وهو من سهو القلم.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٢ ، المسألة ٢٩ من كتاب البيوع.

(٤) قاله الشهيد في المسالك ٣ : ٢١٥.

١٦١

العقد الأوّل بمعنى كشف الانقضاء عنه ، فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير إجازة عقد الفضولي. ولا يرد حينئذٍ عليه : أنّ اللازم منه بقاء الملك بلا مالك. وحاصل هذا القول : أنّ الخيار يوجب تزلزل الملك.

ويمكن حمله أيضاً على إرادة الملك اللازم الذي لا حقّ ولا علاقة لمالكه السابق فيه ، فوافق المشهور ؛ ولذا عبّر في غاية المراد بقوله : «ويلوح من كلام الشيخ توقّف الملك على انقضاء الخيار» (١) ولم ينسب ذلك إليه صريحاً.

كلام الشيخ في المبسوط

وقال في المبسوط : البيع إن كان مطلقاً غير مشروطٍ فإنّه يثبت بنفس العقد ويلزم بالتفرّق بالأبدان ، وإن كان مشروطاً لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد ، وإن كان مقيّداً بشرطٍ لزم بانقضاء الشرط (٢) ، انتهى.

وظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع والمشتري. لكن قال في باب الشفعة : إذا باع شِقصاً بشرط الخيار ، فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة ؛ لأنّ الشفعة إنّما تجب إذا انتقل الملك إليه. وإن كان الخيار للمشتري وجب الشفعة [للشفيع (٣)] لأنّ الملك يثبت للمشتري بنفس العقد ، وله المطالبة بعد [انقضاء] (٤) الخيار.

__________________

(١) غاية المراد ٢ : ١٠٥ ، وفيه : «فيلوح من كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط توقّف ملك المشترى على سقوطه».

(٢) المبسوط ٢ : ٨٣.

(٣) و (٤) أثبتناهما من «ش» والمصدر.

١٦٢

وحكم خيار المجلس والشرط في ذلك سواءٌ ، على ما فصّلناه (١). ولعلّ هذا مأخذ ما تقدّم (٢) من النسبة في ذيل عبارة الدروس.

هذا ، ولكن الحلّي قدس‌سره في السرائر ادّعى رجوع الشيخ عمّا ذكره في الخلاف (٣).

استظهار ما يوافق المشهور من المبسوط

ويمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور.

مثل استدلاله في مواضع على المنع عن التصرّف في مدّة الخيار : بأنّ فيه إبطالاً لحقّ ذي الخيار ، كما في مسألة بيع أحد النقدين على غير صاحبه في المجلس (٤) ، وفي مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع (٥) ؛ فإنّه لو قال بعدم الملك تعيّن تعليل المنع به ، لا بإبطال حقّ ذي الخيار من الخيار ؛ لأنّ التعليل بوجود المانع في مقام فقد المقتضي كما ترى! ومنها : أنّه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانياً في المجلس ؛ لأنّ شروعهما في البيع قطعٌ للخيار (٦) ، مع أنّه لم يصحّح في باب الهبة البيع الذي يتحقّق به الرجوع فيها ، لعدم وقوعه في الملك (٧). فلولا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصحّ البيع ثانياً ؛ لوقوعه في غير الملك‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٢٣.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٦١.

(٣) السرائر ٢ : ٣٨٦.

(٤) راجع المبسوط ٢ : ٩٦.

(٥) راجع المبسوط ٢ : ٢١١.

(٦) المبسوط ٢ : ٩٦.

(٧) المبسوط ٣ : ٣٠٤.

١٦٣

على ما ذكره (١) في الهبة.

وربما ينسب (٢) إلى المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار أحد المتبايعين الذي له الخيار مفلّساً ، حيث حكم بأنّ له الخيار في الإجازة والفسخ ، لأنّه ليس بابتداء ملك ؛ لأنّ الملك قد سبق بالعقد (٣) ، انتهى. لكنّ النسبة لا تخلو عن تأمّلٍ لمن لاحظ باقي العبارة.

وقال ابن سعيد قدس‌سره في الجامع على ما حكي عنه ـ : إنّ المبيع يُملك بالعقد وبانقضاء الخيار ، وقيل : بالعقد ولا ينفذ تصرّف المشتري إلاّ بعد انقضاء خيار البائع (٤) ، انتهى.

الأقوى ما هو المشهور والاستدلال عليه

وقد تقدّم حكاية التوقّف عن ابن الجنيد أيضاً (٥).

وكيف كان ، فالأقوى هو المشهور ؛ لعموم أدلّة حِلّ البيع ، وأكل المال إذا كانت تجارةً عن تراضٍ ، وغيرهما ممّا ظاهره كون العقد علّةً تامّةً لجواز التصرّف الذي هو من لوازم الملك.

ويدلّ عليه لفظ «الخيار» في قولهم عليهم‌السلام : «البيّعان بالخيار» (٦) ، وما دلّ على جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحلّ له‌

__________________

(١) في «ش» : «على ما ذكرنا».

(٢) نسبه العلاّمة بحر العلوم ، انظر المصابيح (مخطوط) : ١١٦.

(٣) المبسوط ٢ : ٢٦٦.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٤٨.

(٥) تقدّم في الصفحة ١٦١.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب أحكام الخيار ، الأحاديث ١ و ٢ و ٣.

١٦٤

قبل ذلك (١) ، فإنّه يدلّ على الحِلّ بعد العقد في زمن الخيار ، إلاّ أن يلتزم بأنّه نظير حِلّ وطء المطلّقة الرجعيّة الذي يحصل به الرجوع.

ويدلّ عليه : ما تقدّم في أدلّة بيع الخيار بشرط ردّ المبيع (٢) : من كون نماء المبيع للمشتري وتلفه منه (٣) فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم وهو الملك ، إلاّ أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار ، بل من باب اشتراط انفساخ البيع بردّ الثمن وقد تقدّم (٤) في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال وما يشهد له من بعض العنوانات ، لكن تقدّم : أنّه بعيدٌ في الغاية أو يقال : إنّ النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع ؛ لأنّ الخيار يحدث بردّ مثل الثمن وإن ذكرنا في تلك المسألة : أنّ الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس مشروطاً حدوثه بالردّ (٥) ، إلاّ أنّ الرواية قابلةٌ للحمل عليه ، إلاّ أن يتمسّك بإطلاقه (٦) الشامل لما إذا جعل الخيار من أوّل العقد في فسخه مقيّداً بردّ مثل الثمن.

هذا ، مع أنّ الظاهر أنّ الشيخ يقول بالتوقّف في الخيار المنفصل أيضاً.

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديثين ١ و ٣.

(٢) في «ش» : «الثمن».

(٣) تقدّم في الجزء الخامس : ١٣٩ في الأمر الخامس ذيل بيع الخيار.

(٤) تقدّم في الجزء الخامس : ١٢٩ في الأمر الأوّل ذيل بيع الخيار.

(٥) في «ش» زيادة : «في أدلّة بيع الخيار».

(٦) كذا في النسخ ، والمناسب : «بإطلاقها».

١٦٥

الاستدلال للقول المشهور بالاخبار الواردة في العينة والمناقشة فيه

وربما يتمسّك بالأخبار الواردة في العينة (١) وهي : أن يشتري الإنسان شيئاً بنسيةٍ ثمّ يبيعه بأقلّ منه في ذلك المجلس نقداً. لكنّها لا دلالة لها من هذه الحيثيّة ؛ لأنّ بيعها على بائعها الأوّل وإن كان في خيار المجلس أو الحيوان ، إلاّ أن بيعه عليه مسقطٌ لخيارهما اتّفاقاً. وقد صرّح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك ، مع منعه عن بيعه على غير صاحبه في المجلس (٢).

نعم ، بعض هذه الأخبار يشتمل على فقراتٍ يستأنس بها لمذهب المشهور ، مثل صحيح يسار بن يسار : «عن الرجل يبيع المتاع ويشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال : نعم لا بأس به. قلت : أشتري متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك» (٣) فإنّ في ذيلها دلالةً على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار.

ولا استئناس بها أيضاً عند التأمّل ؛ لما عرفت : من أنّ هذا البيع جائزٌ عند القائل بالتوقّف ، لسقوط خيارهما بالتواطؤ على هذا البيع ، كما عرفت التصريح به من المبسوط (٤).

ويذبّ بذلك عن الإشكال المتقدّم نظيره سابقاً (٥) : من أنّ الملك‌

__________________

(١) كما تمسّك بها صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٣ : ٨٠ ، وراجع الوسائل ١٢ : ٣٦٩ و ٣٧٥ ، الباب ٥ و ٨ من أبواب أحكام العقود.

(٢) راجع المبسوط ٢ : ٩٦ و ١٤٢ ١٤٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٠ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣ ، وفيه بدل «يسار بن يسار» : «بشار بن يسار».

(٤) عرفته آنفاً ، وراجع الصفحة ١٦٤ أيضاً.

(٥) راجع الصفحة ٥٣ ، الشرط السابع من شروط صحّة الشرط ، وراجع ١٣٧ ١٣٨.

١٦٦

إذا حصل بنفس البيع الثاني مع أنّه موقوفٌ على الملك لزم الدور الوارد على من صحّح البيع الذي يتحقّق به الفسخ ، وحينئذٍ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله : «أشتري متاعي» من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم : من عدم جواز البيع قبل الافتراق ، ويكون جواب الإمام عليه‌السلام مبنيّاً على جواز بيعه على البائع ؛ لأنّ تواطؤهما على البيع الثاني إسقاطٌ للخيار من الطرفين ، كما في صريح المبسوط (١). فقوله : «ليس هو متاعك» إشارةٌ إلى أنّ ما ينتقل إليك بالشراء إنّما انتقل إليك بعد خروجه عن ملكك بتواطُئكما على المعاملة الثانية المسقط لخياركما ، لا بنفس العقد. وهذا المعنى في غاية الوضوح لمن تأمّل في فقه المسألة.

ثمّ لو سلّم ما ذكر من الدلالة أو الاستئناس لم يدفع به إلاّ القول بالوقف (٢) دون الكشف ، كما لا يخفى.

ومثل هذه الرواية في عدم الدلالة ولا الاستئناس صحيحة محمّد ابن مسلم : «عن رجلٍ أتاه رجلٌ فقال : ابتع لي متاعاً (٣) لعلي أشتريه منك بنقدٍ أو بنسيةٍ ، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال : ليس به بأسٌ ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (٤).

فإنّ الظاهر : أنّ قوله : «إنّما يشتريه .. إلخ» إشارةٌ إلى أنّ هذا‌

__________________

(١) كما تقدّم عنه في الصفحة ١٦٣ ، المنقول عن باب الصرف.

(٢) في «ش» : «بالنقل».

(٣) في «ق» : «متاعك».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٨.

١٦٧

ليس من بيع ما ليس عندك (١) ، وأنّ بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الأوّل ، فقوله : «بعد ما يملكه» إشارةٌ إلى استيجاب العقد مع الأوّل ، كما يظهر من قولهم عليهم‌السلام في أخبارٍ أُخر واردةٍ في هذه المسألة : «ولا توجب البيع قبل أن تستوجبه» (٢) مع أنّ الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل إلى مكان غيره ليأخذ منه المتاع ورجوعه إلى منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك ، فيلزم العقد الأوّل بالتفرّق. ولو فرض اجتماعهما في مجلسٍ واحدٍ كان تعريضه للبيع ثانياً بحضور البائع دالاّ عرفاً على سقوط خياره ، ويسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع.

وبالجملة ، ليس في قوله : «بعد ما يملكه» دلالةٌ على أنّ تملّكه بنفس العقد ، مع أنّها على تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف ، كما لا يخفى.

ضعف ما استدلّ به في التذكرة أيضاً

ونحوه في الضعف : الاستدلال في التذكرة (٣) بما دلّ على أنّ مال العبد المشترى لمشتريه مطلقاً أو مع الشرط أو علم البائع من غير تقييدٍ بانقضاء الخيار ؛ إذ فيه (٤) : أنّ الكلام مسوقٌ لبيان ثبوت المال للمشتري على نحو ثبوت العبد له ، وأنّه يدخل في شراء العبد حتّى إذا ملك العبد ملك ماله. مع أنّ الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار‌

__________________

(١) في «ش» : «عنده».

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.

(٣) راجع التذكرة ١ : ٤٩٩ و ٥٣٤.

(٤) في الأصل : «فيها».

١٦٨

المختصّ بالمشتري ، والتمسّك بإطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما ترى!

أشدّ ضعفاً من الكلّ

وأشدّ ضعفاً من الكلّ ما قيل (١) : من أنّ المقصود للمتعاقدين والذي وقع التراضي عليه انتقال كلٍّ من الثمن والمثمن حال العقد ، فهذه المعاملة إمّا صحيحةٌ كذلك كما عند المشهور (٢) فثبت المطلوب ، أو باطلةٌ من أصلها ، أو أنّها صحيحةٌ إلاّ أنّها على غير ما قصداه وتراضيا عليه.

توضيح الضعف : أنّ مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد ، لكنّ الإنشاء لمّا كان علّةً لتحقّق المُنشأ عند تحقّقه كان الداعي على الإنشاء حصول المنشأ عنده ، لكنّ العلّية إنّما هو (٣) عند العرف ، فلا ينافي كونه في الشرع سبباً محتاجاً إلى تحقّق شرائط أُخر بعده ، كالقبض في السلم والصرف ، وانقضاء الخيار في محلّ الكلام. فالعقد مدلوله مجرّد التمليك والتملّك مجرّداً عن الزمان ، لكنّه عرفاً علّةٌ تامّةٌ لمضمونه ، وإمضاء الشارع له تابعٌ لمقتضى الأدلّة ، فليس في تأخير الإمضاء تخلّف أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد ، وإنّما فيه التخلّف عن داعي المتعاقدين ، ولا ضرر فيه.

وقد تقدّم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفةً أو ناقلة (٤).

__________________

(١) قاله صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٣ : ٧٩.

(٢) في الجواهر : «أمّا صحيحة كذلك عند الشارع فيثبت المطلوب».

(٣) كذا ، والمناسب : «هي».

(٤) راجع الجزء الثالث : ٣٩٩ وما بعدها.

١٦٩

الاستدلال برواية : «الخراج بالضمان» والمناقشة فيه

وقد يستدلّ (١) أيضاً بالنبويّ المشهور المذكور في كتب الفتوى للخاصّة والعامّة على جهة الاستناد إليه وهو : أنّ «الخراج بالضمان» (٢) بناءً على أنّ المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختصّ بالبائع في ضمان المشتري ، فخراجه له ، وهي علامة ملكه.

وفيه : أنّه لم يُعلم من القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار القول بكون ضمانه على المشتري حتّى يكون نماؤه له.

العمدة في قول المشهور

وقد ظهر بما ذكرنا : أنّ العمدة في قول المشهور عموم أدلّة «حِلّ البيع» و «التجارة عن تراضٍ» وأخبار الخيار.

الاستدلال للقول الآخر بما دلّ على أنّ تلف المبيع في زمان الخيار من مال البائع

واستدلّ للقول الآخر (٣) بما دلّ على كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار (٤) ، فيدلّ بضميمة قاعدة «كون التلف من المالك لأنّه مقابل الخراج» على كونه في ملك البائع ، مثل :

صحيحة ابن سنان «عن الرجل يشتري العبد أو الدابّة بشرطٍ إلى يومٍ أو يومين ، فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدثٌ ، على مَن ضمان ذلك؟ فقال : على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ويصير المبيع للمشتري ، شرط له البائع أو لم يشترط. قال : وإن كان بينهما شرطٌ أيّاماً معدودةً فهلك في يد المشتري ، فهو‌

__________________

(١) كما استدلّ به في الجواهر ٢٣ : ٨١.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢١٩ ، الحديث ٨٩ ، وعنه في المستدرك ١٣ : ٣٠٢ ، الباب ٧ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

(٣) وهو القول بأنّ الملك إنّما يتحقّق بانقضاء الخيار.

(٤) استدلّ به في الرياض ٨ : ٢٠٥ ، والجواهر ٢٣ : ٨١.

١٧٠

من مال البائع» (١).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل اشترى أمةً من رجلٍ بشرط ، يوماً أو يومين ، فماتت عنده وقد قطع الثمن ، على مَن يكون ضمان ذلك؟ قال : ليس على الذي اشترى ضمانٌ حتّى يمضي شرطه» (٢).

ومرسلة ابن رباط : «إن حدث بالحيوان حدثٌ قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع» (٣).

والنبويّ المرويّ في قرب الإسناد في العبد المشترى بشرطٍ فيموت ، قال : «يستحلف بالله ما رضيه ، ثمّ هو بري‌ءٌ من الضمان» (٤).

المناقشة في الاستدلال المذكور

وهذه الأخبار إنّما تجدي في مقابل من ينكر تملّك المشتري مع اختصاص الخيار ، وقد عرفت أنّ ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس : من القطع بتملّك المشتري مع اختصاص الخيار (٥) ، وكذلك ظاهر العبارة المتقدّمة عن الجامع (٦).

__________________

(١) وردت الصحيحة في الكافي والفقيه والتهذيب ، ولكن المنقول في المتن أوفق بما في التهذيب ، انظر التهذيب ٧ : ٢٤ ، الحديث ١٠٣ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ ، والصفحة ٣٥٥ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٥.

(٤) لم نعثر عليه في قرب الإسناد ، ولا على الحاكي عنه ، نعم رواه في الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٤ من التهذيب.

(٥) راجع الصفحة ١٦٢ و ١٦٠ ١٦١.

(٦) تقدّمت في الصفحة ١٦٤.

١٧١

وعلى أيّ حالٍ ، فهذه الأخبار إمّا أن تجعل مخصِّصة لأدلّة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك والضمان ، أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلّة المسألة ، فيرجع بعد التكافؤ إلى أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار.

لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهاتٍ ، أعظمها الشهرة المحقَّقة المؤيَّدة بالإجماع المحكيّ عن السرائر (١).

هل القول بالتوقّف يشمل الخيار المنفصل؟

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم من عبارتي المبسوط والخلاف (٢) من كون الخلاف في العقد المقيّد بشرط الخيار عمومُه للخيار المنفصل عن العقد ، كما إذا شرط الخيار من الغد. كما أنّ مقتضى تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط والحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضاً.

اختصاص محلّ الكلام بخياري الحيوان والشرط

فخيار العيب والغبن والرؤية والتدليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها.

وممّا يدلّ على الاختصاص : أنّ ما ذكر من الأدلّة مختصّةٌ بالخيارين ، وأنّ الظاهر من لفظ «الانقضاء» في تحريرات محلّ الخلاف انقطاع الخيار الزماني.

دخول خيار المجلس في محلّ الكلام

وأمّا خيار المجلس ، فالظاهر دخوله في محلّ الكلام ؛ لنصّ الشيخ بذلك في عبارته المتقدّمة عنه في باب الشفعة (٣) ، ولقوله في الاستبصار‌

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٢ ، وراجع السرائر ٢ : ٢٤٨ و ٣٨٦.

(٢) تقدّمت عبارتهما في الصفحة ١٦١ و ١٦٢.

(٣) تقدّمت في الصفحة ١٦٢ ١٦٣.

١٧٢

إنّ العقد سببٌ لاستباحة الملك إلاّ أنّه مشروطٌ بأن يتفرّقا بالأبدان ولا يفسخا العقد (١) ، ولنصّ الشيخ في الخلاف والمبسوط على أنّ التفرّق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به (٢). ومراده من اللزوم تحقّق علّة الملك ، لا مقابل الجواز ، كما لا يخفى. مع أنّ ظاهر عبارة الدروس المتقدّمة (٣) في مأخذ هذا الخلاف : أنّ كلّ خيارٍ يمنع من التصرّف في المبيع فهو داخلٌ فيما يتوقّف الملك على انقضائه. وكذلك العبارة المتقدّمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع (٤). وقد تقدّم عن الشيخ في صرف المبسوط : أنّ خيار المجلس مانعٌ عن التصرّف في أحد العوضين (٥).

وجه آخر للاختصاص

ومن ذلك يظهر وجهٌ آخر لخروج خيار العيب وإخوته عن محلّ الكلام ، فإنّ الظاهر عدم منعها من التصرّف في العوضين قبل ظهورها ، فلا بدّ أن يقول الشيخ باللزوم والملك قبل الظهور ، والخروج عن الملك بعد الظهور وتنجّز الخيار ، وهذا غير لائقٍ بالشيخ.

فثبت أنّ دخولها في محلّ الكلام مستلزمٌ : إمّا لمنع التصرّف في موارد هذا الخيار ، وإمّا للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله ، وكلاهما غير لائقٍ بالالتزام. مع أنّ كلام العلاّمة في المختلف كالصريح في كون التملّك بالعقد اتّفاقياً في المعيب ؛ لأنّه ذكر في الاستدلال : أنّ‌

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٧٣.

(٢) راجع الخلاف ٣ : ٢٢ ، المسألة ٢٩ من كتاب البيوع ، والمبسوط ٢ : ٨٣.

(٣) تقدّمت في الصفحة ١٦٠ ١٦١.

(٤) تقدّمت في الصفحة ١٦٤.

(٥) تقدّم في الصفحة ١٦٣.

١٧٣

المقتضي للملك موجودٌ والخيار لا يصلح للمنع ، كما في بيع المعيب. وذكر أيضاً أنّه لا منافاة بين الملك والخيار ، كما في المعيب (١).

وقد صرّح الشيخ قدس‌سره أيضاً في المبسوط : بأنّه إذا اشترى شيئاً فحصل منه نماءٌ ثمّ وجد به عيباً ردّه دون نمائه ، محتجّاً بالإجماع وبالنبويّ : «الخراج بالضمان» (٢) وستجي‌ء تتمّةٌ لذلك إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المختلف ٥ : ٦٢.

(٢) المبسوط ٢ : ١٢٦ ، وفيه : «بلا خلاف» ، وراجع الحديث في عوالي اللآلي ١ : ٢١٩ ، الحديث ٨٩ ، وعنه المستدرك ١٣ : ٣٠٢ ، الباب ٧ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

١٧٤

مسألة

المبيع في ضمان من ليس له الخيار

ومن أحكام الخيار ، كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة ، على المعروف بين القائلين بتملّك المشتري بالعقد.

توضيح المسألة

وتوضيح هذه المسألة : أنّ الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا إشكال ولا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع. ويدلّ عليه ما تقدّم (١) في المسألة السابقة من الأخبار.

وكذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلافٍ في ذلك ؛ لقوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن سنان : «وإن كان بينهما شرطٌ أيّاماً معدودةً فهلك في يد المشتري ، فهو من مال بائعه» (٢).

ولو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع ، فظاهر قوله عليه‌السلام : «حتّى ينقضي شرطه ، ويصير المبيع للمشتري» (٣) [كذلك (٤)] بناءً على‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٧٠ ١٧١.

(٢) راجع الصحيحة في الصفحة ١٧٠.

(٣) ورد ذلك في صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الصفحة ١٧٠ أيضاً.

(٤) من «ش».

١٧٥

أنّ المناط انقضاء الشرط الذي تقدّم أنّه يطلق على خيار المجلس في الأخبار (١) ، بل ظاهره : أنّ المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري واختصاصه به بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه.

وإلى هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم في السرائر ، حيث قال : فكلّ من كان له خيارٌ فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيارٌ ؛ لأنّه قد استقرّ عليه العقد ، والذي له الخيار ما استقرّ عليه العقد ولزم. فإن كان الخيار للبائع دون المشتري [وكان المتاع قد قبضه المشتري وهلك في يده (٢)] كان هلاكه من مال المشتري دون البائع (٣) ؛ لأنّ العقد مستقرٌّ عليه ولازمٌ من جهته (٤).

قاعدة «التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له»

ومن هنا يعلم أنّه يمكن بناءً على فهم هذا المناط طرد الحكم في كلّ خيارٍ ، فتثبت القاعدة المعروفة : من «أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له» من غير فرقٍ بين أقسام الخيار ولا بين الثمن والمثمن ، كما يظهر من كلمات غير واحدٍ من الأصحاب ، بل نسبه (٥) جماعةٌ إلى‌

__________________

(١) لم نعثر على تصريح له بذلك ، نعم ربّما يدلّ عليه مثل قوله فيما تقدّم في مسألة سقوط خيار المجلس بالتصرّف ذيل قول الإمام عليه‌السلام : «فلا شرط» : «فإنّ المنفي يشمل شرط المجلس والحيوان» ، وما تقدّم أيضاً في بيان مبدأ خيار الحيوان ، راجع الجزء الخامس ، الصفحة ٨٢ و ٩٢.

(٢) من «ش» والمصدر.

(٣) في «ق» : «من مال البائع دون المشتري» ، وهو سهو مخالف لما في السرائر.

(٤) السرائر ٢ : ٢٧٧.

(٥) لم نعثر على هذه النسبة ، نعم يستفاد هذا الإطلاق من كلمات بعض الفقهاء ، راجع المسالك ٣ : ٢١٧ ، والرياض ٨ : ٢٠٨ ٢٠٩ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٨ ٥٩٩ ، والجواهر ٢٣ : ٨٥ ٩٠.

١٧٦

إطلاق الأصحاب.

كلمات الفقهاء في المسألة

قال في الدروس في أحكام القبض : «وبالقبض ينتقل الضمان إلى القابض إذا لم يكن له خيار» (١) ، انتهى. فإنّ ظاهره كفاية مطلق الخيار في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض ، ونحوه كلامه قدس‌سره في اللمعة (٢).

وفي جامع المقاصد في شرح قول المصنّف قدس‌سره : «ولو ماتت الشاة المُصَرّاة أو الأمة المدلّسة فلا شي‌ء له ، وكذا لو تعيّبت عنده قبل علمه» قال : وتقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهرٍ ؛ لأنّ العيب إذا تجدّد بعد علمه يكون كذلك ، إلاّ أن يقال : إنّه غير مضمونٍ عليه الآن لثبوت خياره ، ولم أظفر في كلام المصنّف وغيره بشي‌ءٍ في ذلك (٣) ، انتهى.

وقال في شرح قول المصنّف قدس‌سره : «ولا يسقط الخيار بتلف العين» : مقتضى إطلاق كلامهم أنّه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري انفسخ البيع ، لاختصاص الخيار بالمشتري ، ثمّ تردّد فيه وفي خيار الرؤية (٤).

وفي المسالك في مسألة أنّ العيب الحادث يمنع من الردّ بالعيب القديم وأنّ الحادث في أيّام خيار الحيوان مضمونٌ على البائع قال : وكذا كلّ خيارٍ مختصٍّ بالمشتري (٥).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢١٠ ٢١١.

(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٣٢.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٤.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٣١٨.

(٥) المسالك ٣ : ٢٨٤.

١٧٧

وعن مجمع البرهان في مسألة أنّ تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استناداً إلى عموم قاعدة «تلف المبيع قبل الضمان» قال (١) : إنّ هذه القاعدة معارضةٌ بقاعدةٍ أُخرى ، وهي : أنّ تلف المبيع (٢) في الخيار المختصّ بالبائع من مال المشتري (٣) ، فإنّ الظاهر من جعل هذه قاعدةً كونها مسلّمةً بين الأصحاب.

وصرّح بنحو ذلك المحقّق جمال الدين في حاشية الروضة (٤) ، واستظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض ، معترفاً بعمومها من جهاتٍ اخرى.

ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار ، ولا بين الثمن والمثمن

وظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار ، ولا بين الثمن والمثمن ، ولا بين الخيار المختصّ بالبائع والمختصّ بالمشتري ؛ ولذا نفى في الرياض الخلاف في أنّ التلف في مدّة الخيار ممّن لا خيار له (٥).

وفي مفتاح الكرامة : أنّ قولهم : «التلف في مدّة الخيار ممّن لا خيار له» قاعدةٌ لا خلاف فيها. ثمّ ذكر فيها (٦) تبعاً للرياض : أنّ‌

__________________

(١) كذا في «ق» ، وفي «ش» بدل «تلف المبيع قبل الضمان قال» : «تلف المال قبل القبض».

(٢) في «ش» : «المال».

(٣) لم ترد العبارة بلفظها في مجمع الفائدة ، نعم قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة : «وفي مجمع البرهان ما حاصله : إنّ هذه القاعدة .. إلخ» ، انظر مفتاح الكرامة ٤ : ٥٨١ ، ومجمع الفائدة ٨ : ٤٠٦ ٤٠٧.

(٤) حاشية الروضة : ٣٦٤ ، ذيل قول الشارح : «لانتقال المبيع إليه».

(٥) الرياض ٨ : ٢٠٨.

(٦) في «ش» : «فيه».

١٧٨

الحكم في بعض أفراد المسألة مطابقٌ للقاعدة (١).

الانصاف عدم شمول كلماتهم لمطلق الخيار

لكنّ الإنصاف : أنّه لم يعلم من حال أحدٍ من معتبري الأصحاب الجزم بهذا التعميم ، فضلاً عن اتّفاقهم عليه.

فإنّ ظاهر قولهم : «التلف في زمان الخيار» هو الخيار الزماني ، وهو الخيار الذي ذهب جماعةٌ إلى توقّف الملك على انقضائه (٢) ، لا مطلق الخيار ليشمل خيار الغبن والرؤية والعيب ونحوها ، ألا ترى أنّهم اتّفقوا على أنّه إذا مات المعيب لم يكن مضموناً على البائع ولو كان الموت بعد العلم بالعيب؟ ألا ترى أنّ المحقّق الثاني ذكر : أنّ الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري كان من ضمان البائع (٣)؟

وأمّا ما نقلنا عنه سابقاً (٤) في شرح قوله : «ولو تعيّبت قبل علمه» فهو مجرّد احتمالٍ ، حيث اعترف بأنّه لم يظفر فيه على شي‌ءٍ ، مع أنّه ذكر في شرح قول المصنّف في باب العيوب : «وكلّ عيبٍ يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار ، فإنّه لا يمنع الردّ في الثلاثة» : نفيَ ذلك الاحتمال على وجه الجزم ، حيث قال : الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان ، و [كذا (٥)] كلُّ خيارٍ يختصّ بالمشتري كخيار الشرط له. وهل خيار الغبن والرؤية كذلك؟ يبعد القول به‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٩ ٦٠٠.

(٢) كما تقدّم عن الشيخ وابن الجنيد وابن سعيد في الصفحة ١٦٠ ١٦١ و ١٦٤.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٤٥.

(٤) نقله في الصفحة ١٧٧.

(٥) من «ش» والمصدر.

١٧٩

خصوصاً على القول بالفوريّة ، لا خيار العيب ؛ لأنّ العيب الحادث يمنع من الردّ بالعيب القديم قطعاً (١) ، انتهى. ومن ذلك يُعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن (٢).

فلم يبقَ في المقام ما يجوز الركون إليه إلاّ ما أشرنا إليه (٣) : من أنّ مناط خروج المبيع عن ضمان البائع على ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «حتّى ينقضي (٤) شرطه ويصير المبيع للمشتري» هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار وصيرورة المبيع مختصّاً بالمشتري لازماً عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه ، فيدلّ على : أنّ كلّ من له شرطٌ وليس المعوّض الذي وصل إليه لازماً عليه فهو غير ضامنٍ له حتّى ينقضي (٥) شرطه ويصير مختصّاً به لازماً عليه.

عدم شمول صحيحة ابن سنان لمطلق الخيار أيضاً

وفي الاعتماد على هذا الاستظهار تأمّلٌ في مقابلة القواعد ، مع أنّه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه ؛ لأنّ ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل وعدم كون المبيع لازماً على المشتري ثابتاً من أوّل الأمر ، كما يظهر من لفظة «حتّى» الظاهرة في الابتداء ، وهذا المعنى مختصٌّ بخيار المجلس والحيوان والشرط ولو كان منفصلاً ، بناءً على أنّ البيع متزلزلٌ ولو قبل حضور زمان الشرط ؛ ولذا ذكرنا جريان‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٧.

(٢) نقله في الصفحة ١٧٧.

(٣) أشار إليه في الصفحة ١٧٦.

(٤) في ظاهر «ق» : «يمضي».

(٥) في ظاهر «ق» : «يمضي».

١٨٠