كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

أنّ المالك للمال ليس هو الجنس المتحقّق في ضمن المجموع.

ما ذكرناه جارٍ في كلّ حقٍّ ثبت لمتعدّد

ثم إنّ ما ذكرنا جارٍ في كلّ حقٍّ ثبت لمتعدّدٍ لم يُعلم من الخارج كونه على خصوص واحدٍ من الوجوه المذكورة. نعم ، لو علم ذلك من دليلٍ خارجٍ اتّبع ، كما في حدّ القذف ؛ فإنّ النصّ قد دلّ على أنّه لا يسقط بعفو أحد الشريكين (١) ، وكحقّ القصاص ، فإنّه لا يسقط بعفو أحد الشريكين ، لكن مع دفع الآخر مقدار حصّة الباقي من الدية إلى أولياء المقتصّ منه جمعاً بين الحقّين.

الاشكال على حكم المشهور في حقّ الشفعة والجواب عنه

لكن يبقى الإشكال في حكم المشهور من غير خلافٍ يعرف بينهم وإن احتمله في الدروس (٢) ـ : من أنّ أحد الورثة إذا عفى عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكلّ المبيع ، فإنّ الظاهر أنّ قولهم بذلك ليس لأجل دليلٍ خارجيٍّ ، والفرق بينه وبين ما نحن فيه مشكلٌ.

ويمكن أن يفرّق بالضرر ؛ فإنّه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين تضرّر الآخر بالشركة. بل لعلّ هذا هو السرّ في عدم سقوط حدّي القذف والقصاص بعفو البعض ؛ لأنّ الحكمة فيهما التشفّي ، فإبطالهما بعفو أحد الشركاء إضرارٌ على غير العافي ، وهذا غير موجودٍ فيما نحن فيه ، فتأمّل.

ما اخترناه هو مختار العلّامة وولده والشهيدين

ثمّ إنّ ما اخترناه من الوجه الأوّل (٣) هو مختار العلاّمة في القواعد بعد أن احتمل الوجه الثاني وولده في الإيضاح والشهيد في الدروس‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٨ : ٤٥٦ ، الباب ٢٢ من أبواب حدّ القذف ، الحديث ١ و ٢.

(٢) الدروس ٣ : ٣٧٨.

(٣) أي المعنى الأوّل من معنيي الوجه الثالث ، راجع الصفحة ١١٨.

١٢١

والشهيد الثاني في المسالك ، وحكي عن غيرهم (١).

كلام العلّامة في القواعد

قال في القواعد : وهل للورثة التفريق؟ فيه نظرٌ ، أقربه المنع ، وإن جوّزناه مع تعدّد المشتري (٢). وزاد في الإيضاح بعد توجيه المنع بأنّه لم يكن لمورّثهم إلاّ خيارٌ واحد ـ : أنّه لا وجه لاحتمال التفريق (٣).

وقال في الدروس في باب خيار العيب : لو جوّزنا لأحد المشتريين الردّ لم نجوّزه لأحد الوارثين عن واحدٍ ؛ لأنّ التعدّد طارٍ على العقد سواء كان الموروث خيار العيب (٤) أو غيره (٥) ، انتهى.

وقال في المسالك بعد المنع عن تفرّق المشتريين في الخيار : هذا كلّه فيما لو تعدّد المشتري ، أمّا لو تعدّد مستحقّو (٦) المبيع مع اتحاد المشتري ابتداءً كما لو تعدّد وارث المشتري الواحد فإنّه ليس لهم التفرّق لاتّحاد الصفقة ، والتعدّد طارٍ ، مع احتماله (٧) ، انتهى.

ظاهر كلامه في التذكرة الوجه الأوّل

وظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجهُ الأوّل من الوجوه المتقدّمة ، قال : لو فسخ بعضهم وأجاز الآخر فالأقوى أنّه ينفسخ في الكلّ ، كالمورّث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (٨) ، انتهى.

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩١ ، ومستند الشيعة ١٤ : ٤١٤ ٤١٥.

(٢) القواعد ٢ : ٦٨.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.

(٤) في «ش» والمصدر : «عيب».

(٥) الدروس ٣ : ٢٨٥.

(٦) في «ش» : «مستحقّ المبيع» ، وفي المصدر : «المستحقّ للمبيع».

(٧) المسالك ٣ : ٢٨٧.

(٨) التذكرة ١ : ٥١٨.

١٢٢

ويحتمل أن لا يريد بذلك أنّ لكلٍّ منهما ملك الفسخ في الكلّ ، كما هو مقتضى الوجه الأوّل ، بل يملك الفسخ في البعض ويسري في الكلّ ، نظير فسخ المورّث في البعض.

وكيف كان ، فقد ذكر في خيار العيب : أنّه لو اشترى عبداً فمات وخلّف وارثين فوجدا به عيباً لم يكن لأحدهما ردّ حصّته خاصّةً للتشقيص (١) ، انتهى.

وقال في التحرير : لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيبٍ ، فرضي أحدهما ، سقط حقّ الآخر عن (٢) الردّ دون الأرش (٣).

والظاهر أنّ خيار العيب وخيار المجلس واحدٌ ، كما تقدّم عن الدروس (٤). فلعلّه رجوعٌ عمّا ذكره في خيار المجلس.

ثمّ إنّه ربما يحمل ما في القواعد وغيرها : من عدم جواز التفريق (٥) ، على أنّه لا يصحّ تبعّض المبيع (٦) من حيث الفسخ والإجازة ، بل لا بدّ من الفسخ في الكلّ أو الإجازة ، فلا دلالة فيها على عدم استقلال كلٍّ منهم على الفسخ في الكلّ ، وحينئذٍ فإن فسخ أحدهم وأجاز الآخر قُدّم الفسخ على الإجازة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٢) في «ش» والمصدر : «من».

(٣) التحرير ١ : ١٨٣.

(٤) تقدّم في الصفحة المتقدّمة ، ولكنّه قال : «سواء كان الموروث خيار العيب أو غيره».

(٥) القواعد ٢ : ٦٨ ، وراجع مستند الشيعة ١٤ : ٤١٤.

(٦) في محتمل «ق» : «البيع».

١٢٣

ويُنسب تقديم الفسخ إلى كلّ مَن مَنعَ من التفريق ، بل في الحدائق تصريح الأصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة على المجيز (١). ولازم ذلك الاتّفاق على أنّه متى فسخ أحدهم انفسخ في الكلّ. وما أبعد بين هذه الدعوى وبين ما في الرياض ، من قوله : ولو اختلفوا يعني الورثة قيل : قُدّم الفسخ ، وفيه نظرٌ (٢).

لكنّ الأظهر في معنى عبارة القواعد ما ذكرنا ، وأنّ المراد بعدم جواز التفريق : أنّ فسخ أحدهم ليس ماضياً مع عدم موافقة الباقين ، كما يدلّ عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب : إنّه «إذا ورثا خيار عيبٍ (٣) ، فلا إشكال في وجوب توافقهما» (٤) فإنّ المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي ، ومعناه : عدم نفوذ التخالف ، ولا ريب أنّ عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما (٥) مع فسخ صاحبه ، بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته (٦) ، وهو المطلوب.

وأصرح منه ما تقدّم من عبارة التحرير ثمّ التذكرة (٧). نعم ، ما تقدّم من قوله في الزوجة غير ذات الولد : «أقربه ذلك إن اشترى‌

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ٧١.

(٢) الرياض ٨ : ٢٠٣.

(٣) في «ش» : «أمّا لو أورثا خيار العيب».

(٤) القواعد ٢ : ٧٤.

(٥) في «ق» : «أحدهم» ، وهو لا يوافق السياق.

(٦) في «ش» زيادة : «لفسخ صاحبه».

(٧) تقدّمتا في الصفحة المتقدّمة.

١٢٤

بخيارٍ لترث من الثمن» (١) قد يدلّ على أنّ فسخ الزوجة فقط كافٍ في استرجاع تمام الثمن لترث منه ؛ إذ استرداد مقدار حصّتها موجبٌ للتفريق الممنوع عنده وعند غيره.

حاصل الوجه الثالث

وكيف كان ، فمقتضى أدلّة الإرث ثبوت الخيار للورثة على الوجه الثالث الذي اخترناه. وحاصله : أنّه متى فسخ أحدهم وأجاز الآخر لغى الفسخ.

وقد يتوهّم استلزام ذلك بطلان حقّ شخصٍ ، لعدم إعمال الآخر حقّه.

ويندفع : بأنّ الحقّ إذا كان مشتركاً لم يجز إعماله إلاّ برضا الكلّ ، كما لو جعل الخيار لأجنبيين على سبيل التوافق.

فرع :

إذا اجتمع الورثة كلّهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم ، فإن كان عين الثمن موجوداً في ملك الميّت دفعوه إلى المشتري ، وإن لم يكن موجوداً أُخرج من مال الميّت ولا يمنعون من ذلك وإن كان على الميّت دينٌ مستغرقٌ للتركة ، لأنّ المحجور له الفسخ بخياره. وفي اشتراط ذلك بمصلحة الديّان وعدمه وجهان. ولو كان مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا الورثة (٢) عليه لأنّه حقٌ لهم ، فلا يجبرون على إعماله.

ولو لم يكن للميّت مالٌ ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان :

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١١٤.

(٢) في «ق» : «الوارث».

١٢٥

من أنّه ليس لهم كالأجنبيّ المجعول له الخيار ، أو الوكيل المستناب في الفسخ والإمضاء إلاّ حقّ الفسخ وانحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميّت يوفى عنه ديونه وخروج الثمن عن ملكه في المعيّن واشتغال ذمّته ببدله في الثمن الكليّ ، فلا يكون مال الورثة عوضاً عن المبيع إلاّ على وجه كونه وفاءً لدين الميّت ، وحينئذٍ فلا اختصاص له بالورثة على حسب سهامهم ، بل يجوز للغير أداء ذلك الدين ، بل لو كان للميّت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء. وهذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع.

ومن أنّهم قائمون مقام الميّت في الفسخ بردّ الثمن أو بدله وتملّك المبيع ، فإذا كان المبيع مردوداً على الورثة من حيث إنّهم قائمون مقام الميّت ، اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث إنّهم كنفس الميّت ، كما أنّ معنى إرثهم لحقّ الشفعة استحقاقهم لتملّك الحصّة بثمنٍ من مالهم لا من مال الميّت.

إذا فسخ بعض الورثة

ثمّ لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة وإن لم يوافقه الباقي وفسخ ، ففي انتقال المبيع إلى الكلّ أو إلى الفاسخ ، وجهان : ممّا ذكرنا من مقتضى الفسخ ، وما ذكرنا أخيراً من مقتضى النيابة والقيام مقام الميّت.

الاظهر في الفرعين

والأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي والوكيل في كونها لاستيفاء حقٍّ للغير ، بل هي ولاية استيفاء حقٍّ متعلّقٍ بنفسه ، فهو كنفس الميّت لا نائبٍ عنه في الفسخ ؛ ومن هنا جرت السيرة : بأنّ ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن يردّون مثل الثمن من أموالهم ، ويستردّون المبيع لأنفسهم من دون أن يُلزموا بأداء الديون منه بعد الإخراج. والمسألة تحتاج إلى تنقيحٍ زائد.

١٢٦

مسألة

لو كان الخيار لأجنبيٍّ ومات

لو كان الخيار لأجنبيٍّ ومات ، ففي انتقاله إلى وارثه كما في التحرير (١) ، أو إلى المتعاقدين ، أو سقوطه كما اختاره غير واحدٍ من المعاصرين (٢) وربما يظهر من القواعد (٣) ، وجوهٌ :

من أنّه حقٌّ تركه الميّت فلوارثه.

ومن أنّه حقٌّ لمن اشترط له من المتعاقدين ؛ لأنّه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلى موكّله دون وارثه (٤).

ومن أنّ ظاهر الجعل أو محتملة مدخليّة نفس الأجنبي ، فلا يدخل فيما تركه.

وهذا لا يخلو عن قوّة لأجل الشكّ في مدخليّة نفس الأجنبيّ.

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٨.

(٢) منهم النراقي في المستند ١٤ : ٤١٣ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٢.

(٣) القواعد ٢ : ٦٩.

(٤) التذكرة ١ : ٥١٨.

١٢٧

وفي القواعد : لو جعل الخيار لعبد أحدهما ، فالخيار لمولاه (١) ؛ ولعلّه لعدم نفوذ فسخه ولا إجازته بدون رضا مولاه ، وإذا أمره بأحدهما اجبر شرعاً عليه ، فلو امتنع فللمولى فعله عنه ، فيرجع الخيار بالأخرة له.

لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبيّ كذلك ، مع أنّه قال : لو كان العبد لأجنبيٍّ لم يملك مولاه ولا يتوقّف على رضاه إذا لم يمنع حقّا للمولى (٢) ، فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضاً وحلاّ ، فافهم.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٦٩.

(٢) القواعد ٢ : ٦٩.

١٢٨

مسألة

هل الفسخ يحصل بالفعل كما يحصل بالقول؟

ومن أحكام الخيار سقوطه بالتصرّف بعد العلم بالخيار. وقد مرّ بيان ذلك في مسقطات الخيار. [والمقصود هنا بيان أنّه كما (١)] يحصل إسقاط الخيار والتزام العقد بالتصرّف فيكون التصرّف إجازةً فعليّةً ، كذلك يحصل الفسخ بالتصرّف ، فيكون فسخاً فعليّاً.

وقد صرّح في التذكرة : بأنّ الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل (٢). وقد ذكر جماعةٌ كالشيخ (٣) وابن زهرة (٤) وابن إدريس (٥) وجماعةٌ من المتأخّرين عنهم كالعلاّمة (٦)

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٧.

(٣) راجع المبسوط ٢ : ٨٣ ٨٤.

(٤) الغنية : ٢١٩.

(٥) السرائر ٢ : ٢٨٢.

(٦) انظر التذكرة ١ : ٥٣٥ ، وفيه : «إنّ خيار المشتري يسقط بوطيه». وقال بعد أسطر : «ولو وطأها البائع في مدّة خياره فإنّه يكون فسخاً للبيع» ، وراجع القواعد ٢ : ٦٩ أيضاً.

١٢٩

وغيره (١) قدّس الله أسرارهم ـ : أنّ التصرّف إن وقع فيما انتقل عنه كان فسخاً ، وإن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة.

هل التصرّف فسخ مطلقاً أو في ما إذا كان كاشفاً عن قصد الفسخ؟

وقد عرفت في مسألة الإسقاط (٢) : أنّ ظاهر الأكثر أنّ المسقط هو التصرّف المؤذن بالرضا ، وقد دلّ عليه الصحيحة المتقدّمة في خيار الحيوان (٣) المعلِّلة للسقوط : بأنّ التصرّف رضاً بالعقد فلا خيار ، وكذا النبويّ المتقدّم (٤).

ومقتضى ذلك منهم : أنّ التصرّف فيما انتقل عنه إنّما يكون فسخاً إذا كان مؤذناً بالفسخ ليكون فسخاً فعليّاً ، وأمّا ما لا يدلّ على إرادة الفسخ ، فلا وجه لانفساخ العقد به وإن قلنا بحصول الإجازة به ؛ بناءً على حمل الصحيحة المتقدّمة على سقوط الخيار بالتصرّف تعبّداً شرعيّاً ، من غير أن يكون فيه دلالةٌ عرفيّةٌ نوعيّةٌ على الرضا بلزوم العقد ، كما تقدّم نقله عن بعضٍ (٥). إلاّ أن يدّعى الإجماع على اتّحاد ما يحصل به الإجازة والفسخ ، فكلّ ما يكون إجازةً لو ورد على ما في يده يكون‌

__________________

(١) مثل الشهيدين في الدروس ٣ : ٢٧٠ ، والمسالك ٣ : ١٩٧ و ٢١٣ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤١٢ ، ونسبه المحقّق التستري في المقابس : ٢٤٧ إلى الأصحاب.

(٢) في الجزء الخامس ، الصفحة ١٠٢.

(٣) وهي صحيحة ابن رئاب المتقدّمة في الجزء الخامس ، الصفحة ٩٧.

(٤) المتقدّم في الجزء الخامس ، الصفحة ١٠٠ ، المروي عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..».

(٥) راجع الجزء الخامس ، الصفحة ٩٩ و ١٠٣.

١٣٠

فسخاً إذا ورد منه على ما في يد صاحبه.

وهذا الاتّفاق وإن كان الظاهر تحقّقه ، إلاّ أنّ أكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرّف تدلّ على اعتبار الدلالة على الرضا في التصرّف المسقط ، فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة على الفسخ في التصرّف الفاسخ ، ويدلّ عليه كثيرٌ من كلماتهم في هذا المقام أيضاً.

قال في التذكرة : أمّا العرض على البيع والإذن فيه والتوكيل والرهن غير المقبوض بناءً على اشتراطه فيه والهبة غير المقبوضة ، فالأقرب أنّها من البائع فسخٌ ومن المشتري إجازةٌ ؛ لدلالتها على طلب المبيع واستيفائه (١) ، وهذا هو الأقوى ، ونحوها في جامع المقاصد (٢).

دلالة التصرّفات غير الجائزة لغير المالك على إرادة الفسخ بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح

ثمّ إنّك قد عرفت الإشكال في كثيرٍ من أمثلتهم المتقدّمة للتصرّفات الملزمة ، كركوب الدابّة في طريق الردّ ونحوه ممّا لم يدلّ على الالتزام أصلاً ، لكنّ الأمر هنا أسهل ، بناءً على أنّ ذا الخيار إذا تصرّف فيما انتقل عنه تصرّفاً لا يجوز شرعاً إلاّ من المالك أو بإذنه ، دلّ ذلك بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعاً على إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرّف.

قال في التذكرة : لو قبّل الجارية بشهوةٍ ، أو باشر في ما دون الفرج ، أو لمس بشهوةٍ ، فالوجه عندنا أنّه يكون فسخاً ؛ لأنّ الإسلام يصون صاحبه عن القبيح ، فلو لم يختر الإمساك لكان مُقدِماً على‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣١١.

١٣١

المعصية (١) ، انتهى.

ثمّ نقل عن بعض الشافعيّة احتمال العدم ؛ نظراً إلى حدوث هذه الأُمور عمّن يتردّد في الفسخ والإجازة (٢).

وفي جامع المقاصد عند قول المصنّف قدس‌سره : «ويحصل الفسخ بوطء البائع وبيعه وعتقه وهبته» قال : لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيلٌ ، وتنزيل فعله على ما يجوز له مع ثبوت طريق الجواز (٣) ، انتهى.

دلالة التصرّفات الاعتباريّة المتوقّف نفوذها على الملك على إرادة الفسخ

ثمّ إنّ أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعاً ، كما صرّح به جماعةٌ (٤) كغيرها من الأمارات الشرعيّة ، فيدلّ على الفسخ ، لا من الأُصول التعبّدية حتّى يقال : إنّها لا تثبت إرادة المتصرّف للفسخ ؛ لما تقرّر : من أنّ الأُصول التعبّديّة لا تثبت إلاّ اللوازم الشرعيّة لمجاريها ، وهنا كلامٌ مذكورٌ في الأُصول (٥).

ثمّ إنّ مِثل التصرّف الذي يحرم شرعاً إلاّ على المالك أو مأذونه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٩ ٣١٠.

(٤) كالشهيدين في الدروس ١ : ٣٢ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٣٨ ، وتمهيد القواعد : ٣١٢ ، والمسالك ١ : ٢٣٩ و ٦ : ١٧٤ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ١١٩ و ١٠ : ١٣٥ ، و ١٢ : ٤٦٣ ، وراجع تفصيل ذلك في فرائد الأُصول ٣ : ٣٥٥ و ٣٧٤.

(٥) راجع فرائد الأُصول ٣ : ٢٣٣.

١٣٢

التصرّفُ الذي لا ينفذ شرعاً إلاّ من المالك أو مأذونه وإن لم يحرم ، كالبيع والإجارة والنكاح ، فإنّ هذه العقود وإن حلّت لغير المالك لعدم عدّها تصرّفاً في ملك الغير ، إلاّ أنّها تدلّ على إرادة الانفساخ بها بضميمة أصالة عدم الفضوليّة ، كما صرّح به (١) جامع المقاصد (٢) عند قول المصنّف : «والإجارة والتزويج في معنى البيع» ، والمراد بهذا الأصل الظاهر ، فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ ، مع أنّه لو أُريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير ، فهو حاكمٌ على أصالة عدم الفسخ ، لكنّ الإنصاف : أنّه لو أُريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ.

لا اشكال في إناطة الفسخ بدلالة التصرّف عليه

وكيف كان ، فلا إشكال في إناطة الفسخ (٣) عندهم كالإجازة بدلالة التصرّف عليه. ويؤيّده استشكالهم في بعض أفراده من حيث دلالته بالالتزام على الالتزام بالبيع أو فسخه ، ومن حيث إمكان صدوره عمّن يتردّد في الفسخ ، كما ذكره في الإيضاح (٤) وجامع المقاصد في وجه إشكال القواعد في كون العرض على البيع والإذن فيه فسخاً (٥).

لو وقع التصرّف في ما انتقل عنه نسياناً

وممّا ذكرنا يعلم : أنّه لو وقع التصرّف فيما انتقل عنه نسياناً للبيع أو مسامحةً في التصرّف في ملك الغير أو اعتماداً على شهادة الحال بالإذن ، لم يحصل الفسخ بذلك.

__________________

(١) في «ش» : «بها».

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣١١.

(٣) في «ش» زيادة : «بذلك».

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٩.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣١١.

١٣٣

مسألة

هل التصرّف سببٌ أو كاشف؟

هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف أو يحصل قبله متّصلاً به؟ وبعبارةٍ اخرى : التصرّف سببٌ أو كاشف؟ فيه وجهان ، بل قولان :

من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرّف فسخاً أو إجازةً وأنّه فسخٌ فعليٌّ في مقابل القوليّ ، وظهور اتّفاقهم على أنّ الفسخ بل مطلق الإنشاء لا يحصل بالنيّة ، بل لا بدّ من حصوله بالقول أو الفعل.

وممّا عرفت من التذكرة وغيرها : من تعليل تحقّق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح (١) ، ومن المعلوم : أنّه لا يُصان عنه إلاّ إذا وقع الفسخ قبله ؛ وإلاّ لوقع الجزء الأوّل منه محرّماً.

ويمكن أن يحمل قولهم بكون التصرّف فسخاً على كونه دالاّ عليه وإن لم يتحقّق به ، وهذا المقدار يكفي في جعله مقابلاً للقول. ويؤيّده ما دلّ من الأخبار المتقدّمة (٢) على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد وسقوط الخيار ، كما اعترف به في الدروس (٣) وصرّح به في التذكرة ،

__________________

(١) راجع الصفحة ١٣١ ١٣٢.

(٢) المتقدّمة في خيار الحيوان في الجزء الخامس ، الصفحة ٩٧ وما بعدها.

(٣) الدروس ٣ : ٢٢٧.

١٣٤

حيث ذكر : «أنّ قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرّف رضاً بالعقد (١) وإن اعتبر كونه مكشوفاً عنه بالتصرّف (٢) ، فمقتضى المقابلة هو كون كراهة العقد باطناً وعدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرّف.

ويؤيّده أنّهم ذكروا : أنّه لا تحصل الإجازة بسكوت البائع ذي الخيار على وطء المشتري ، معلّلاً : بأنّ السكوت لا يدلّ على الرضا (٣) ؛ فإنّ هذا الكلام ظاهرٌ في أنّ العبرة بالرضا. وصرّح في المبسوط : بأنّه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره (٤) ، فاقتصر في الإجازة على مجرّد الرضا.

وأمّا ما اتّفقوا عليه : من عدم حصول الفسخ بالنيّة ، فمرادهم بها نيّة الانفساخ ، أعني الكراهة الباطنيّة لبقاء العقد والبناء على كونه منفسخاً من دون أن يدلّ عليها بفعلٍ مقارنٍ له. وأمّا مع اقترانها بالفعل فلا قائل بعدم تأثيره (٥) فيما يكفي فيه الفعل ؛ إذ كلّ ما يكفي (٦)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٤ ، وفيه : «لأنّ قصدهما للتبايع رضاً به».

(٢) هكذا وردت العبارة في الأصل ، لكن جاءت عبارة «وإن اعتبر كونه مكشوفاً عنه بالتصرّف» في «ش» بعد قوله : «وسقوط الخيار».

(٣) كما في المبسوط ٢ : ٨٣ ، والغنية : ٢٢١ ، والقواعد ٢ : ٦٩ ، والتذكرة ١ : ٥٣٥ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٠١.

(٤) المبسوط ٢ : ٨٣.

(٥) في «ش» : «تأثيرها».

(٦) في ظاهر «ق» : «يكتفى».

١٣٥

فيه الفعل من الإنشاءات ولا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل ؛ لأنّ الفعل لا إنشاء فيه ، فالمنشأ يحصل بإرادته المتّصلة بالفعل لا بنفس الفعل ، لعدم دلالته عليه.

نعم ، يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصلاً ؛ لأنّ اللفظ أبداً مسبوقٌ بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدالّ على الفسخ. وقد ذكر العلاّمة في بعض مواضع التذكرة : بأنّ اللازم بناءً على القول بتضمّن الوطء للفسخ عود الملك إلى الواطئ مع الوطء أو قُبيلَه ، فيكون حلالاً (١).

المسألة ذات قولين

هذا ، وكيف كان ، فالمسألة ذات قولين :

ففي التحرير قوّى حرمة الوطء الذي يحصل به الفسخ ، وأنّ الفسخ يحصل بأوّل جزءٍ منه (٢) ، فيكشف عن عدم الفسخ قبله. وهو لازم كلّ من قال بعدم صحّة عقد الواهب الذي يتحقّق به الرجوع ، كما في الشرائع (٣) وعن المبسوط (٤) والمهذّب (٥) والجامع (٦) ، والحكم في باب الهبة والخيار واحدٌ. وتوقّف الشهيد في الدروس في المقامين (٧) مع حكمه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٤.

(٢) التحرير ١ : ١٦٨.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٣١.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٤.

(٥) المهذّب ٢ : ٩٥.

(٦) الجامع : ٣٦٧.

(٧) راجع الدروس ٣ : ٢٧١ ، و ٢ : ٢٨٩.

١٣٦

بصحّة رهن ذي الخيار (١).

وجزم الشهيد والمحقّق الثانيان بالحِلّ (٢) ؛ نظراً إلى حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن.

ثمرة القولين في المسألة

ثمّ إنّه لو قلنا بحصول الفسخ قُبيل هذه الأفعال فلا إشكال في وقوعها في ملك الفاسخ ، فيترتّب عليها آثارها ، فيصحّ بيعه وسائر العقود الواقعة منه على العين ، لمصادفتهما للملك. ولو قلنا بحصوله بنفس الأفعال ، فينبغي عدم صحّة التصرّفات المذكورة كالبيع والعتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرطٌ لصحّتها.

وقد يقرّر المانع بما في التذكرة عن بعض العامّة : من أنّ الشي‌ء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد ، كما أنّ التكبيرة الثانية في الصلاة بنيّة الشروع في الصلاة يخرج بها عن الصلاة ، ولا يشرع بها في الصلاة. وبأنّ (٣) البيع موقوفٌ على الملك الموقوف على الفسخ المتأخّر عن البيع.

وأجاب في التذكرة عن الأوّل بمنع عدم صحّة حصول الفسخ والعقد بشي‌ءٍ واحدٍ بالنسبة إلى شيئين (٤). وأجاب الشهيد عن الثاني بمنع‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٩١.

(٢) راجع المسالك ٣ : ٢١٦ ، وجامع المقاصد ٤ : ٣١٠.

(٣) ظاهر العبارة يقتضي أنّ هذا المانع موجود في التذكرة ، ولكن لم نعثر عليه فيها ، نعم نقله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٠١ بلفظ : «فاندفع أيضاً ما قيل ..» ، وذكر العلاّمة في التذكرة ١ : ٤٩٠ : «أنّه لو باع شيئاً بشرط أن يبيع إيّاه لم يصحّ .. وجاء الدور».

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٨.

١٣٧

الدور التوقّفي ، وأنّ الدور معيٌّ (١).

وقال في الإيضاح : إنّ الفسخ يحصل بأوّل جزءٍ من العقد (٢). وزاد في باب الهبة قوله : فيبقى المحلّ قابلاً لمجموع العقد (٣) ، انتهى.

وقد يستدلّ للصحّة : بأنّه إذا وقع العقد على مال الغير فملكه بمجرّد العقد كان كمن باع مال غيره ثمّ ملكه.

أقول : إن قلنا : بأنّ المستفاد من أدلّة توقّف البيع والعتق على الملك نحو قوله : «لا بيع إلاّ في ملك» (٤) ، و «لا عتق إلاّ في ملك» (٥) هو اشتراط وقوع الإنشاء في ملك المنشئ ، فلا مناص عن القول بالبطلان ؛ لأنّ صحّة العقد حينئذٍ تتوقّف على تقدّم تملّك العاقد على جميع أجزاء العقد لتقع فيه ، فإذا فرض العقد أو جزءٌ من أجزائه فسخاً كان سبباً لتملّك العاقد مقدّماً عليه ؛ لأنّ المسبّب إنّما يحصل بالجزء الأخير من سببه ، فكلّما فرض جزءٌ من العقد قابلٌ للتجزية سبباً للتملّك ، كان التملّك متأخّراً عن بعض ذلك الجزء ، وإلاّ لزم تقدّم وجود المسبّب على السبب. والجزء الذي لا يتجزّأ غير موجودٍ ، فلا يكون سبباً ، مع أنّ غاية الأمر حينئذٍ المقارنة بينه وبين التملّك.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) راجع إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٨ ، و ٢ : ٤١٧.

(٣) راجع إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٨ ، و ٢ : ٤١٧.

(٤) راجع عوالي اللآلي ٢ : ٢٤٧ ، الحديث ١٦ ، وفيه : «لا بيع إلاّ فيما تملك».

(٥) راجع الوسائل ١٦ : ٧ ٨ ، الباب ٥ من أبواب كتاب العتق ، الأحاديث ١ و ٢ و ٦.

١٣٨

لكنّك عرفت أنّ الشرط بمقتضى الأدلّة سبق (١) التملّك على جميع أجزاء العقد قضاءً لحقّ الظرفيّة.

وأمّا دخول المسألة في «من باع شيئاً ثمّ ملكه» فهو بعد فرض القول بصحّته يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانياً ، بناءً على ما ذكرنا (٢) في مسألة الفضولي : من توقّف لزوم العقد المذكور على الإجازة. إلاّ أن يقال : إنّ المتوقّف على الإجازة عقد الفضولي وبيعه للمالك ، وأمّا بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب فلا يحتاج إلى الإجازة بعد العقد. لكن هذا على تقدير القول به والإغماض عمّا تقدّم في عقد الفضولي لا يجري في مثل العتق (٣).

وإن قلنا (٤) : إنّ المستفاد من تلك الأدلّة هو عدم وقوع البيع في ملك الغير ليؤثّر (٥) في نقل مال الغير بغير إذنه ، فالممنوع شرعاً تمام السبب في ملك الغير ، لا وقوع بعض أجزائه في ملك الغير وتمامه في ملك نفسه ليُنقل بتمام العقد الملكُ الحادث ببعضه ، فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل إلى البائع بأوّل جزءٍ منه.

وهذا لا يخلو عن قوّةٍ ؛ إذ لا دلالة في أدلّة اعتبار الملكيّة في المبيع إلاّ على اعتبار كونه مملوكاً قبل كونه مبيعاً ، والحصر في قوله‌

__________________

(١) في «ش» بدل «سبق» : «سبب».

(٢) راجع الجزء الثالث : ٤٣٥.

(٣) في «ش» زيادة : «الغير القابل للفضولي».

(٤) عطف على قوله : «إن قلنا بأنّ المستفاد» في الصفحة المتقدّمة.

(٥) في «ش» : «المؤثّر».

١٣٩

«لا بيع إلاّ في ملك» إضافيٌّ بالنسبة إلى البيع في ملك الغير ، أو في غير ملكٍ كالمباحات الأصليّة ، فلا يعمّ المستثنى منه البيعَ الواقع بعضه في ملك الغير وتمامه في ملك البائع.

هذا ، مع أنّه يقرب أن يقال : إنّ المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد ؛ لأنّ العرف لا يفهمون من لفظ «البيع» إلاّ هذا المعنى المأخوذ في قولهم : «بعت» ، وحينئذٍ فالفسخ الموجب للملك يحصل بأوّل جزءٍ من العقد ، والنقل والتملّك (١) يحصل بتمامه ، فيقع النقل في الملك. وكذا الكلام في العتق وغيره من التصرّفات القوليّة ، عقداً كان أو إيقاعاً.

ولعلّ هذا معنى ما في الإيضاح : من أنّ الفسخ يحصل بأوّل جزءٍ (٢) ، وبتمامه يحصل العتق.

نعم ، التصرّفات الفعليّة المحقِّقة للفسخ كالوطء والأكل ونحوهما لا وجه لجواز الجزء الأوّل منها ؛ فإنّ ظاهر قوله تعالى (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (٣) اعتبار وقوع الوطء فيما اتّصف بكونها مملوكةً ، فالوطء المحصِّل للفسخ لا يكون بتمامه حلالاً.

وتوهّم أنّ الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كلّ ما يحصل به قولاً كان أو فعلاً ، فاسدٌ ؛ فإنّ معنى جواز الفسخ لأجل الخيار الجواز الوضعي أعني الصحّة لا التكليفي ، فلا ينافي تحريم ما يحصل به‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «العرفي».

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٨.

(٣) المؤمنون : ٦.

١٤٠