كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

هل الشرط الفاسد يوجب الخيار للمشروط له؟

ثمّ على تقدير صحّة العقد ، ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجهٌ ؛ من حيث كونه في حكم تخلّف الشرط الصحيح ، فإنّ المانع الشرعي كالعقلي ، فيدلّ عليه ما يدلّ على خيار تخلّف الشرط. ولا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي ؛ ولذا يُعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريّته.

ولكن يشكل : بأنّ العمدة في خيار تخلّف الشرط هو الإجماع ، وأدلّة نفي الضرر قد تقدّم غير مرةٍ أنّها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعةٍ ؛ لأنّ المعلوم إجمالاً أنّه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقهٍ جديدٍ خصوصاً إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذراً ، فرُبَّ ضررٍ يترتّب على المعاملات من أجل الجهل بأحكامها ، خصوصاً الصحّة والفساد ، فإنّ ضرورة الشرع قاضيةٌ في أغلب الموارد بأنّ الضرر المترتّب على فساد معاملةٍ مع الجهل به لا يتدارك ، مع أنّ مقتضى تلك الأدلّة نفي الضرر الغير الناشئ عن تقصير المتضرّر في دفعه ، سواء كان الجهل متعلّقاً بالموضوع أم بالحكم ، وإن قام الدليل في بعض المقامات على التسوية بين القاصر والمقصّر.

الأقوى عدم الخيار

فالأقوى في المقام عدم الخيار وإن كان يسبق خلافه في بوادي الأنظار (١).

__________________

(١) في «ش» : «بادي الأنظار».

١٠١

الثاني

لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد على القول بإفساده

لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد على القول بإفساده ، لم يصحّ بذلك العقد ؛ لانعقاده بينهما على الفساد ، فلا ينفع إسقاط المفسد.

ويحتمل الصحّة بناءً على أنّ التراضي إنّما حصل على العقد المجرّد عن الشرط ، فيكون كتراضيهما عليه حال العقد.

وفيه : أنّ التراضي إنّما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق ، كما في بيع المكرَه والفضولي ، أمّا إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع ؛ لأنّ متعلّق الرضا لم يُعقد عليه ومتعلّق العقد لم يُرض به.

ويظهر من بعض مواضع التذكرة التردّد في الفساد بعد إسقاط الشرط ، قال : يشترط في العمل المشروط على البائع أن يكون محلَّلاً ، فلو اشترى العِنَب على شرط أن يعصره البائع خمراً لم يصحّ الشرط والبيع على إشكالٍ ، ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع والرضا به خالياً عنه وهو المانع من صحّة البيع ، ومن اقتران البيع بالمبطل.

وبالجملة ، فهل يُثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله‌

١٠٢

بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحاً ، أو إيقاف البيع بدونه فإن لم يرض بدونه بطل وإلاّ صحّ؟ نظرٌ (١) ، انتهى.

ولا يُعرف وجهٌ لما ذكره من احتمال الإيقاف.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٠.

١٠٣

[الثالث] (١)

لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظاً ولم يذكر في العقد ، فهل يبطل العقد بذلك‌ بناءً على أنّ الشرط الفاسد مفسدٌ أم لا؟ وجهان ، بل قولان مبنيّان على تأثير الشرط قبل العقد.

فإن قلنا : بأنّه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور ، وقد تقدّم في الشروط لم يفسد ، وإلاّ فسد (٢). ويظهر من المسالك هنا قولٌ ثالث ، قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع : المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد ، فلو كان في أنفسهما ذلك ولم يشترطاه لم يضرّ. ولو شرطاه قبل العقد لفظاً ، فإن كانا يعلمان بأنّ الشرط المتقدّم لا حكم له ، فلا أثر له ، وإلاّ اتّجه بطلان العقد كما لو ذكراه في متنه ؛ لأنّهما لم يقدما إلاّ على الشرط ولم يتمّ لهما ، فيبطل العقد (٣) ، انتهى.

وفي باب المرابحة بعد ذكر المحقّق في المسألة المذكورة : أنّه «لو كان‌

__________________

(١) مكانه بياض في «ق».

(٢) في «ش» : «أفسد».

(٣) المسالك ٣ : ٢٢٤.

١٠٤

من قصدهما ذلك ولم يشترطاه لفظاً كره» قال في المسالك : أي لم يشترطا في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله. نعم ، لو توهّم لزوم ذلك أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله ، اتّجه الفساد (١) ، انتهى.

ثم حكى اعتراضاً على المحقّق قدس‌سره وجواباً عنه بقوله :

قيل عليه : إنّ مخالفة القصد لِلَّفظ تقتضي بطلان العقد ؛ لأنّ العقود تتبع القصود ، فكيف يصحّ العقد مع مخالفة اللفظ للقصد. وأُجيب : بأنّ القصد وإن كان معتبراً في الصحّة فلا يعتبر في البطلان ، لتوقّف البطلان على اللفظ والقصد ، وكذلك الصحّة ، ولم يوجد في الفرض. ثمّ قال قدس‌سره : وفيه منعٌ ظاهر ، فإنّ اعتبارهما معاً في الصحّة يقتضي كون تخلّف أحدهما كافياً في البطلان ، ويرشد إليه عبارة الساهي والنائم (٢) والمكرَه ، فإنّ المتخلّف الموجب للبطلان هو القصد [خاصّةً ، وإلاّ فاللفظ موجودٌ (٣)].

ثمّ قال : والذي ينبغي فهمه أنّه لا بدّ من قصدهما [إلى (٤)] البيع المترتّب عليه أثر الملك للمشتري على وجهٍ لا يلزمه ردّه ، وإنّما يفتقر قصدهما لردّه بعد ذلك بطريق الاختيار ، نظراً إلى وثوق البائع بالمشتري أنّه لا يمتنع من ردّه إليه بعقدٍ جديدٍ بمحض اختياره ومروّته ، انتهى (٥) كلامه.

أقول : إذا أوقعا العقد المجرّد على النحو الذي يوقعانه مقترناً‌

__________________

(١) المسالك ٣ : ٣٠٨.

(٢) في «ش» والمصدر : «الغالط».

(٣) لم يردا في «ق».

(٤) لم يردا في «ق».

(٥) المسالك ٣ : ٣٠٨ ٣٠٩.

١٠٥

بالشرط وفُرض عدم التفاوت بينهما في البناء على الشرط والالتزام به إلاّ بالتلفّظ بالشرط وعدمه ، فإن قلنا بعدم اعتبار التلفّظ في تأثير الشرط الصحيح والفاسد ، فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط وغيره ، فإنّ العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام على العقد مقيّداً بالالتزام بما اشترطه خارج العقد ، بل إقدامه كإقدام من يعتقد الصحّة ، كما لا فرق في إيقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده وعدم ترتّب أثرٍ شرعيٍّ عليه ، وغيره.

وبالجملة ، فالإقدام على العقد مقيّداً أمرٌ عرفيٌّ يصدر من المتعاقدين وإن علما بفساد الشرط.

وأمّا حكم صورة نسيان ذكر الشرط : فإن كان مع نسيان أصل الشرط كما هو الغالب فالظاهر الصحّة ؛ لعدم الإقدام على العقد مقيّداً ، غاية الأمر أنّه كان عازماً على ذلك لكن غفل عنه. نعم ، لو اتّفق إيقاع العقد مع الالتفات إلى الشرط ثمّ طرأ عليه النسيان في محلّ ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمداً تعويلاً على تواطئهما السابق.

١٠٦

[الرابع] (١)

لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلّق غرضٍ معتدٍّ به

لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلّق غرضٍ معتدٍّ به عند العقلاء‌ فظاهر كلام جماعةٍ من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغواً غير مفسدٍ للعقد.

قال في التذكرة في باب العيب : لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء ولا يزيد به الماليّة ، فإنّه لغوٌ لا يوجب الخيار (٢). وقد صرّح في مواضع أُخر في باب الشروط بصحّة العقد ولغوية الشرط (٣).

وقد صرّح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافراً فبان مسلماً (٤). ومرجعه إلى لغويّة الاشتراط.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٤.

(٣) راجع التذكرة ١ : ٤٩٤ ، وفيها : «فيما لو باع مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً بشرط أن يقال بمكيال معين إلى أن قال : صحّ البيع لكن يلغو الشرط» ، والصفحة ٤٩٥ ، والجزء ٢ : ١٢.

(٤) الدروس ٣ : ٢١٥.

١٠٧

وقد ذكروا في السلم لغويّة بعض الشروط (١) ، كاشتراط الوزن بميزانٍ معيّن.

ولعلّ وجه عدم قدح هذه الشروط : أنّ الوفاء بها لمّا لم يجب شرعاً ولم يكن في تخلّفها أو تعذّرها خيارٌ خرجت عن قابليّة تقييد العقد بها ؛ لعدم عدّها كالجزء من أحد العوضين.

ويشكل : بأنّ لغويّتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين ، فاللازم إمّا بطلان العقد وإمّا وجوب الوفاء ، كما إذا جعل بعض الثمن ممّا لا يُعدّ مالاً في العرف.

__________________

(١) كما في التذكرة ١ : ٥٥٦ ، والدروس ٣ : ٢٥٣ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٤٥٣ ٤٥٤ ، وتقدّم في الصفحة ٢٠.

١٠٨

في أحكام الخيار (١)

الخيار موروث بأنواعه

الخيار موروثٌ بأنواعه بلا خلافٍ بين الأصحاب ، كما في الرياض (٢) وظاهر الحدائق (٣).

وفي التذكرة : إنّ الخيار عندنا موروثٌ ؛ لأنّه من الحقوق كالشفعة والقصاص في جميع أنواعه ، وبه قال الشافعي إلاّ في خيار المجلس (٤).

الاستدلال عليه بما ورد في إرث ما ترك الميّت

وادّعى في الغنية : الإجماع على إرث خياري المجلس والشرط. واستدلّ عليه مع ذلك ـ : بأنّه حقٌ للميّت ، فيورث لظاهر القرآن (٥). وتبعه بعض من تأخّر عنه (٦) ، وزيد عليه الاستدلال بالنبوي : «ما ترك‌

__________________

(١) في «ش» : «الكلام في أحكام الخيار».

(٢) الرياض ٨ : ٢٠٢.

(٣) الحدائق ١٩ : ٧٠.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٥) الغنية : ٢٢١.

(٦) الظاهر والله العالم أنّ المراد به هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٤٩ ، حيث قال : «خيار المجلس والشرط ، موروث عندنا».

١٠٩

الميّت من حقٍّ فلوارثه» (١).

الاستدلال المذكور يتوقّف على أمرين :

١ ـ كون الخيار حقّاً لا حكماً

أقول : الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب والسنّة الواردين في إرث ما ترك الميّت يتوقّف على ثبوت أمرين :

أحدهما : كون الخيار حقّا لا حكماً شرعيّاً ، كالإجازة (٢) لعقد الفضولي ، وجواز الرجوع في الهبة وسائر العقود الجائزة ، فإنّ الحكم الشرعي ممّا لا يورث ، وكذا ما تردّد بينهما ، للأصل. وليس في الأخبار ما يدلّ على ذلك ، عدا ما دلّ على انتفاء الخيار بالتصرّف معلّلاً بأنّه رضاً (٣) ، كما تقدّم في خيار الحيوان (٤). والتمسّك بالإجماع على سقوطه بالإسقاط فيكشف عن كونه حقّا لا حكماً ، مستغنى عنه بقيام الإجماع على نفس الحكم.

٢ ـ كونه حقّاً قابلاً للانتقال

الثاني : كونه حقّا قابلاً للانتقال ليصدق أنّه ممّا تركه الميّت ، بأن لا يكون وجود الشخص وحياته مقوّماً له ، وإلاّ فمثل حقّ الجلوس في السوق والمسجد وحقّ الخيار المجعول للأجنبيّ (٥) وحقّ التولية والنظارة غير قابلٍ للانتقال ، فلا يورث. وإثبات هذا الأمر بغير الإجماع أيضاً مشكلٌ ، والتمسّك في ذلك باستصحاب بقاء الحقّ وعدم انقطاعه بموت‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في المجاميع الحديثيّة ، نعم أورده الفقهاء في كتبهم مثل المسالك ١٢ : ٣٤١ ، والرياض ٢ : ٢٠٢.

(٢) في «ش» : «كإجازة العقد الفضولي».

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٤) راجع الجزء الخامس : ٩٧ وما بعدها.

(٥) لم ترد «وحقّ الخيار المجعول للأجنبي» في «ش».

١١٠

ذي الحقّ أشكل ؛ لعدم إحراز الموضوع ؛ لأنّ الحقّ لا يتقوّم إلاّ بالمستحقّ.

وكيف كان ، ففي الإجماع المنعقد على نفس الحكم كفايةٌ إن شاء الله تعالى.

إرث الخيار ليس تابعاً لارث المال

بقي الكلام : في أنّ إرث الخيار ليس تابعاً لإرث المال فعلاً ، فلو فرض استغراق دين الميّت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث.

ولو كان الوارث ممنوعاً لنقصانٍ فيه كالرقّية أو القتل للمورث أو الكفر فلا إشكال في عدم الإرث ؛ لأنّ الموجب لحرمانه من المال موجبٌ لحرمانه من سائر الحقوق.

لو كان حرمان الوارث لتعبّدٍ شرعي

ولو كان حرمانه من المال لتعبّدٍ شرعيٍّ كالزوجة غير ذات الولد ، أو مطلقاً بالنسبة إلى العقار ، وغير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة ففي حرمانه من الخيار المتعلّق بذلك المال مطلقاً ، أو عدم حرمانه كذلك ، وجوهٌ ، بل أقوال :

الاقوال في المسألة

ثالثها : التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلاً إلى الميّت أو عنه ، فيرث في الأوّل ، صرّح به فخر الدين في الإيضاح (١) ، وفسّر به عبارة والده ، كالسيّد العميد (٢) وشيخنا الشهيد في الحواشي (٣).

ورابعها : عدم الجواز في تلك الصورة والإشكال في غيرها ، صرّح به في جامع المقاصد (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٤٥١.

(٣) لا توجد لدينا ، وحكاه عنها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٠.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٦.

١١١

ولم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقاً ، وإن أمكن توجيهه : بأنّ ما يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميّت فالفسخ لا معنى له ؛ لأنّه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شي‌ءٌ من المثمن. وبعبارةٍ اخرى : الخيار علاقةٌ لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته عليه ، ولا علاقة هنا ولا سلطنة. وإن كان قد انتقل إلى الميّت فهو لباقي الورثة ، ولا سلطنة لهذا المحروم ، والخيار حقٌّ فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلّطه على ما وصل بإزائه.

ولكن يردّ ذلك بما في الإيضاح : من أنّ الخيار لا يقتضي (١) الملك كخيار الأجنبي (٢) فعمومات الإرث بالنسبة إلى الخيار لم يخرج عنها الزوجة وإن خرجت عنها بالنسبة إلى المال.

والحاصل : أنّ حق الخيار ليس تابعاً للملكيّة ؛ ولذا قوّى بعض المعاصرين (٣) ثبوت الخيار في الصورتين.

ويضعّفه : أنّ حقّ الخيار علقةٌ في الملك المنتقل إلى الغير من حيث التسلّط على استرداده إلى نفسه أو (٤) من هو منصوبٌ من قبله ، كما في الأجنبي. وبعبارةٍ اخرى : ملكٌ لتملّك المعوّض لنفسه أو لمن نصب عنه. وهذه العلاقة لا تنتقل من الميّت إلاّ إلى وارثٍ يكون كالميّت في كونه مالكاً لأنْ يملك ، فإذا فُرض أنّ الميّت باع أرضاً بثمنٍ ، فالعلاقة‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر : «لا يتوقّف على الملك».

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.

(٣) وهو صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٣ : ٧٧.

(٤) في «ش» زيادة : «إلى».

١١٢

المذكورة إنّما هي لسائر الورثة دون الزوجة ؛ لأنّها بالخيار لا تردّ شيئاً من الأرض إلى نفسها ولا إلى آخر هي من قِبَله لتكون كالأجنبي المجعول له الخيار.

نعم ، لو كان الميّت قد انتقلت إليه الأرض كان الثمن المدفوع إلى البائع متزلزلاً في ملكه ، فيكون في معرض الانتقال إلى جميع الورثة ومنهم الزوجة ، فهي أيضاً مالكةٌ لتملّك حصّتها من الثمن.

لكن فيه : ما ذكرنا سابقاً (١) : من أنّ الخيار حقٌّ فيما انتقل عنه بعد إحراز التسلّط على ما وصل بإزائه ، وعبّر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلّط الزوجة على مال الغير (٢).

وحاصله : أنّ الميّت إنّما كان له الخيار والعلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلّطه على ردّ ما في يده لتملّك ما انتقل عنه بإزائه ، فلا تنتقل هذه العلاقة إلاّ إلى من هو كذلك من ورثته كما مرّ نظيره في عكس هذه الصورة وليست الزوجة كذلك. وقد تقدّم (٣) في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل : أنّ أدلّة الخيار مسوقةٌ لبيان تسلّط ذي الخيار على صاحبه ، من جهة تسلّطه على تملّك ما في يده ، فلا يثبت بها تسلّط الوكيل على ما وصل إليه لموكّله ، وما نحن فيه كذلك.

ويمكن دفعه : بأنّ ملك بائع الأرض للثمن لمّا كان متزلزلاً وفي معرض الانتقال إلى جميع الورثة ، اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت‌

__________________

(١) في الصفحة المتقدّمة.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٦ ٣٠٧.

(٣) راجع الجزء الخامس : ٢٩ و ٣٢.

١١٣

ذي الخيار ثبوت حقٍّ للزوجة وإن لم يكن لها تسلّطٌ على نفس الأرض. والفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدّم في الوكيل : أنّ الخيار هناك وتزلزل ملك الطرف الآخر وكونه في معرض الانتقال إلى موكّل الوكيل كان متوقّفاً على تسلّط الوكيل على ما في يده ، وتزلزل ملك الطرف الآخر هنا وكونه في معرض الانتقال إلى الورثة ثابتٌ على كلّ حالٍ ولو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة ، فإنّ باقي الورثة لو ردّوا الأرض واستردّوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه ، فحقّ الزوجة في الثمن المنتقل إلى البائع ثابتٌ ، فلها استيفاؤه بالفسخ.

رأي المؤلّف

ثمّ إنّ ما ذُكر واردٌ على فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة بثمنٍ معيّنٍ تشترك فيه الزوجة ، إلاّ أن يلتزم عدم تسلّطهم على الفسخ إلاّ في مقدار حصّتهم من الثمن ، فيلزم تبعيض الصفقة ، فما اختاره في الإيضاح : من التفصيل مفسِّراً به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوّة.

قال في القواعد : الخيار موروثٌ بالحصص كالمال في (١) أيّ أنواعه كان ، إلاّ الزوجة غير ذات الولد [في الأرض (٢)] على إشكالٍ ، أقربه ذلك إن اشترى بخيارٍ لترث من الثمن (٣) ، انتهى.

وقال في الإيضاح : ينشأ الإشكال : من عدم إرثها [منها] (٤) فلا يتعلّق بها فلا ترث من خيارها ، ومن أنّ الخيار لا يتوقّف على‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر : «من».

(٢) من «ش» والمصدر.

(٣) القواعد ٢ : ٦٨.

(٤) من «ش» والمصدر.

١١٤

الملك كالأجنبيّ ، ثمّ فرّع المصنّف : أنّه لو اشترى المورّث بخيارٍ (١) فالأقرب إرثها من الخيار ؛ لأنّ لها حقّا في الثمن. ويحتمل عدمه ؛ لأنّها لا ترث من الثمن إلاّ بعد الفسخ ، فلو عُلّل بإرثها دار. والأصحّ اختيار المصنّف ؛ لأنّ الشراء يستلزم منعها من شي‌ءٍ نزّله الشارع منزلة جزءٍ من التركة ، وهو الثمن ، فقد تعلّق الخيار بما ترث منه (٢) ، انتهى.

وقد حمل العبارة على هذا المعنى السيّد العميد الشارح للكتاب (٣).

واستظهر خلاف ذلك من العبارة جامع المقاصد ، فإنّه (٤) بعد بيان منشأ الإشكال على ما يقرب من الإيضاح قال :

ما أفاده المحقّق الثاني في المسألة

والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميّت قد اشترى [أرضاً (٥)] بخيارٍ ، فأرادت الفسخ لترث من الثمن. وأمّا إذا باع أرضاً بخيارٍ فالإشكال حينئذٍ بحاله ؛ لأنّها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئاً ، وحَمَل الشارحان العبارة على أنّ الأقرب إرثها إذا اشترى بخيارٍ ، لأنّها حينئذٍ تفسخ فترث من الثمن ، بخلاف ما إذا باع بخيار. وهو خلاف الظاهر ؛ فإنّ المتبادر أنّ المشار إليه بقوله : «ذلك» هو عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة ، مع أنّه من حيث الحكم غير مستقيمٍ أيضاً ؛ فإنّ الأرض حقٌّ لباقي الورّاث استحقّوها بالموت ، فكيف تملك‌

__________________

(١) العبارة في «ش» والمصدر : «لو كان المورّث قد اشترى بخيار».

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.

(٣) كنز الفوائد ١ : ٤٥١.

(٤) في «ق» زيادة : «قال».

(٥) من «ش» والمصدر.

١١٥

الزوجة إبطال استحقاقهم [لها (١)] وإخراجها عن ملكهم؟ نعم ، لو قلنا : إنّ ذلك يحصل (٢) بانقضاء [مدّة (٣)] الخيار استقام ذلك. وأيضاً فإنّها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميّت أرضاً [بخيارٍ (٤)] بطريقٍ أولى ؛ لأنّها ترث حينئذٍ من الثمن. وأقصى ما يلزم من إرثها من الخيار أن يبطل حقّها من الثمن ، وهو أولى من (٥) إرثها حقّ غيرها [من الأرض (٦)] التي (٧) اختصّوا بملكها. ثمّ قال : والحقّ أنّ إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعدٌ جدّاً ، وإبطال حقٍّ قد ثبت لغيرها يحتاج إلى دليل. نعم قوله : «لترث من الثمن» على هذا التقدير يحتاج إلى تكلّف زيادة تقديرٍ ، بخلاف ما حملا عليه (٨) ، انتهى.

وقد تقدّم ما يمكن أن يقال على هذا الكلام.

ثمّ إنّ الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحقِّ الحَبْوَة من الورثة إذا اشترى الميّت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيارٍ ، هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة أو المبيعة.

__________________

(١) من «ش» والمصدر.

(٢) في المصدر : «ينتقل».

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) في «ش» زيادة : «إبطال».

(٦) من «ش» والمصدر.

(٧) في «ق» : «الذي».

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٦ ٣٠٧.

١١٦

مسألة

في كيفيّة استحقاق كلٍّ من الورثة للخيار‌ مع أنّه شي‌ءٌ واحدٌ غير قابلٍ للتجزية والتقسيم وجوهٌ :

وجوه في كيفية استحقاق الورثة للخيار

١ ـ استحقاق كلٍّ منهم خياراً مستقلاً كالمورّث

الأوّل : ما اختاره بعضٌ (١) : من استحقاق كلٍّ منهم خياراً مستقلا كمورّثه ، بحيث يكون له الفسخ في الكلّ وإن أجاز الباقون (٢) ، نظير حدّ القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقّين ، وكذلك حقّ الشفعة على المشهور. واستند (٣) في ذلك إلى أنّ ظاهر النبويّ المتقدّم وغيره ثبوت الحقّ لكلّ وارثٍ ، لتعقّل تعدّد من لهم الخيار ، بخلاف المال الذي لا بدّ من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك ، لعدم تعدّد المُلاّك شرعاً لمالٍ واحدٍ ، بخلاف محلّ البحث.

٢ ـ استحقاق كلٍّ منهم خياراً مستقلّاً في نصيبه

الثاني : استحقاق كلٍّ منهم خياراً مستقلا في نصيبه ، فله الفسخ‌

__________________

(١) في «ش» : «بعضهم».

(٢) كما اختاره الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢١٤ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩١ ، وغيرهما كما سيجي‌ء في الصفحة ١٢١.

(٣) استند إليه صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٣ : ٧٦.

١١٧

فيه ، دون باقي الحصص ، غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ والإمضاء تُبعَّض الصفقة على من عليه الخيار فيثبت له الخيار. ووجه ذلك : أنّ الخيار لمّا لم يكن قابلاً للتجزية ، وكان مقتضى أدلّة الإرث كما سيجي‌ء اشتراك الورثة فيما ترك مورّثهم ، تعيّن تبعّضه بحسب متعلّقه ، فيكون نظير المشتريين لصفقةٍ واحدةٍ إذا قلنا بثبوت الخيار لكلٍّ منهما.

٣ ـ استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار

الثالث : استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار ، فيشتركون فيه من دون ارتكاب تعدّده بالنسبة إلى جميع المال ، ولا بالنسبة إلى حصّة كلٍّ منهم ؛ لأنّ مقتضى أدلّة الإرث في الحقوق الغير القابلة للتجزية والأموال القابلة لها أمرٌ واحدٌ ، وهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة ، إلاّ أن التقسيم في الأموال لمّا كان أمراً ممكناً كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع إلى اختصاص كلٍّ منهم بحصّةٍ مشاعةٍ ، بخلاف الحقوق فإنّها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها ، فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكلّ ولا في حصّته ، فافهم (١).

معنىً آخر لقيام الخيار بالمجموع

وهنا معنىً آخر لقيام الخيار بالمجموع ، وهو : أن يقوم بالمجموع من حيث تحقّق الطبيعة في ضمنه ، لا من حيث كونه مجموعاً ، فيجوز لكلٍّ منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يُجِز الآخر ؛ لتحقّق الطبيعة في الواحد ، وليس له الإجازة بعد ذلك. كما أنّه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده ؛ لأنّ الخيار الواحد إذا قام بماهيّة الوارث ، واحداً كان أو متعدّداً ، كان إمضاء الواحد كفسخه ماضياً ، فلا عبرة بما يقع متأخّراً عن الآخر ؛ لأنّ‌

__________________

(١) كلمة «فافهم» مشطوب عليها ظاهراً في «ق».

١١٨

الأوّل قد استوفاه. ولو اتّحدا زماناً كان ذلك كالإمضاء والفسخ من ذي الخيار بتصرّفٍ واحد ، لا أنّ الفاسخ متقدّمٌ ، كما سيجي‌ء في أحكام التصرّف (١).

فساد الوجه الأوّل

ثمّ إنّه لا ريب في فساد مستند الوجه الأوّل المذكور له ؛ لمنع ظهور النبويّ وغيره في ثبوت ما ترك لكلّ واحدٍ من الورثة ؛ لأنّ المراد بالوارث في النبوي وغيره ممّا أفرد فيه لفظ «الوارث» جنس الوارث المتحقّق في ضمن الواحد والكثير ، وقيام الخيار بالجنس يتأتّى على الوجوه الأربعة المتقدّمة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وأمّا ما ورد فيه لفظ «الورثة» (٢) بصيغة الجمع ، فلا يخفى أنّ المراد به أيضاً إمّا جنس الجمع ، أو جنس الفرد ، أو الاستغراق القابل للحمل على المجموعي والأفرادي. والأظهر هو الثاني ، كما في نظائره.

هذا كلّه ، مع قيام القرينة العقليّة واللفظية على عدم إرادة ثبوته لكلِّ واحدٍ مستقلا في الكلّ.

أمّا الاولى : فلأنّ المفروض أنّ ما كان للميّت وتركه للوارث حقٌّ واحدٌ شخصيٌّ ، وقيامه بالأشخاص المتعدّدين أوضح استحالةً وأظهر بطلاناً من تجزّيه وانقسامه على الورثة ، فكيف يدّعى ظهور أدلّة الإرث فيه؟

__________________

(١) سيجي‌ء أحكام التصرّف في الصفحة ١٢٩.

(٢) ورد اللفظ في موارد متعدّدة ، منها : ما ورد في الوسائل ١٣ : ٣٣٢ ، الباب ٨ من كتاب السكنى والحبيس ، الحديث ٢ ، و ١٩ : ٢٤٧ ، الباب ٢٤ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ١ و ٢ ، والأبواب المناسبة الأُخرى.

١١٩

وأمّا الثانية : فلأنّ مفاد تلك الأدلّة بالنسبة إلى المال المتروك والحقّ المتروك شي‌ءٌ واحدٌ ، ولا يستفاد منها بالنسبة إلى المال الاشتراك وبالنسبة إلى الحقّ التعدّد ، إلاّ مع استعمال الكلام في معنيين.

هذا ، مع أنّ مقتضى ثبوت ما كان للميّت لكلٍّ من الورثة أن يكونوا كالوكلاء المستقلّين ، فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو فسخه ، ولا يؤثّر اللاحق ، فلا وجه لتقدّم الفسخ على الإجازة على ما ذكره.

عدم دلالة أدلّة الارث على الوجه الثاني

وأمّا الوجه الثاني : فهو وإن لم يكن منافياً لظاهر أدلّة الإرث : من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث ، إلاّ أنّ تجزئة الخيار بحسب متعلّقه كما تقدّم ممّا لم تدلّ عليه أدلّة الإرث. أمّا ما كان منها كالنبوي غير متعرّضٍ للقسمة فواضحٌ ، وأمّا ما تعرّض فيه للقسمة كآيات قسمة الإرث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوتُ القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحقّ أو إسقاطه ، فيقسّم بينهم العين المستردّة بالفسخ ، أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الإجازة على طريق الإرث.

المتيقّن من الأدلّة هو الوجه الثالث

وأمّا ثبوت الخيار لكلٍّ منهم مستقلا في حصّته ، فلا يستفاد من تلك الأدلّة ، فالمتيقّن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع ، فإن اتّفق المجموع على الفسخ انفسخ في المجموع ، وإلاّ فلا دليل على الانفساخ في شي‌ءٍ منه.

عدم الدليل على المعنى الثاني للوجه الثالث أيضاً

ومن ذلك يظهر : أنّ المعنى الثاني للوجه الثالث وهو قيام الخيار بالطبيعة المتحقّقة في ضمن المجموع أيضاً لا دليل عليه ، فلا يؤثّر فسخ أحدهم وإن لم يجز الآخر ، مع أنّ هذا المعنى أيضاً مخالفٌ لأدلّة الإرث ؛ لما عرفت من أنّ مفادها بالنسبة إلى المال والحقّ واحدٌ ، ومن المعلوم‌

١٢٠