كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

مسألة

المسقط الرابع التصرف

ومن مسقطات هذا الخيار : التصرّف على وجهٍ يأتي في خياري الحيوان والشرط ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس وفي الصرف (١) ، والعلاّمة قدس‌سره في التذكرة (٢) ، ونُسب إلى جميع من تأخّر عنه (٣) ، بل ربما يُدّعى إطباقهم (٤) عليه ، وحكي عن الخلاف والجواهر والكافي والسرائر (٥).

ولعلّه لدلالة التعليل في بعض أخبار [خيار (٦)] الحيوان. وهو‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨٣ ٨٤ و ٩٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٧.

(٣) لم نعثر عليه ، ولعلّه يستفاد من عبارات المصابيح (المخطوط) : ١٢٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٧ ٥٤٨ ، والمقابس : ٢٤٣ ، والمناهل : ٣٣٧ ٣٣٨.

(٤) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٨.

(٥) الخلاف ٣ : ٢٤ ، المسألة ٣١ من كتاب البيوع ، وجواهر الفقه : ٥٤ ٥٥ ، المسألة ١٩٦ ، والكافي في الفقه : ٣٥٣ ، والسرائر ٢ : ٢٤٧ ٢٤٨.

(٦) لم يرد في «ق».

٨١

الوجه أيضاً في اتّفاقهم على سقوط خيار الشرط ، وإلاّ فلم يرد فيه نصٌّ بالخصوص ، بل سقوط خيار المشتري بتصرّفه مستفادٌ من نفس تلك الرواية المعلِّلة ؛ حيث قال : «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضاً منه ، فلا شرط» (١) ، فإنّ المنفيّ يشمل شرط المجلس والحيوان ، فتأمّل.

وتفصيل التصرّف المُسقِط سيجي‌ء (٢) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٢) انظر الصفحة ٩٧ ، الثالث من مسقطات خيار الحيوان.

٨٢

الثاني

خيار الحيوان‌

عموم هذا الخيار لكلّ ذي حياة

لا خلاف بين الإماميّة في ثبوت الخيار في الحيوان المشترى (١) ، وظاهر النصّ (٢) والفتوى : العموم لكلِّ ذي حياةٍ ، فيشمل مثلَ الجرادِ والزُّنْبُورِ والسَّمَكِ وَالعَلَقِ ودُودِ القزِّ ، ولا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة ، فمثل السَّمك المخرَج من الماء والجراد المحرَز في الإناء وشبه ذلك خارجٌ ؛ لأنّه لا يباع من حيث إنّه حيوانٌ ، بل من حيث إنّه لحمٌ مثلاً (٣) ، ويشكل فيما صار كذلك لعارضٍ ، كالصيد المشرف على الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلّم.

وعلى كلّ حالٍ ، فلا يُعدّ زهاق روحه تلفاً من البائع قبل القبض ، أو في زمان الخيار.

هل يختصّ هذا الخيار بالبيع المعيّن أو يعمّ الكلّي أيضاً؟

وفي منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوهٌ.

ثمّ إنّه هل يختصّ هذا الخيار بالبيع المعيَّن كما هو المنساق في‌

__________________

(١) في «ش» : «للمشتري».

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٨ ، الباب ٣ من أبواب الخيار.

(٣) لم ترد «مثلاً» في «ش».

٨٣

النظر من الإطلاقات ، ومع (١) الاستدلال له في بعض معاقد الإجماع «كما في التذكرة» (٢) بالحكمة الغير الجارية في الكلّي الثابت في الذمّة أو يعمّ الكلّي كما هو المتراءى من النصّ والفتوى؟

لم أجد مصرِّحاً بأحد الأمرين. نعم ، يظهر من بعض المعاصرين قدس‌سره الأوّل. ولعلّه الأقوى.

وكيف كان ، فالكلام في مَن له هذا الخيار ، وفي مدّته من حيث المبدأ والمنتهى ، ومسقطاته يتمّ برسم مسائل :

__________________

(١) كذا في «ق» ، ولم ترد «و» في «ش» ، وشطب على «مع» في «ف».

(٢) التذكرة ١ : ٥١٩.

٨٤

مسألة

المشهور اختصاص خار الحوان بالمشتر

المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري ، حكي (١) عن الشيخين (٢) والصدوقين (٣) والإسكافي (٤) وابن حمزة (٥) والشاميّين الخمسة (٦) والحلّيين الستّة (٧) ومعظم المتأخّرين (٨) ، وعن الغنية وظاهر الدروس : الإجماع‌

__________________

(١) حكاه في المختلف ٥ : ٦٤ ، والرياض ٨ : ١٨١ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٣ ٥٥٤ ، والمستند ١٤ : ٣٧٥ وغيرها.

(٢) راجع المقنعة : ٥٩٢ ، والمبسوط ٢ : ٧٨ ، والنهاية : ٣٨٦.

(٣) المقنع : ٣٦٥.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٥ : ٦٤.

(٥) الوسيلة : ٢٤٨.

(٦) راجع الكافي في الفقه : ٣٥٣ ، والمهذّب ١ : ٣٥٣ ، والدروس ٣ : ٢٧٢ ، والروضة ٣ : ٤٥٠ ، وجامع المقاصد ٤ : ٢٩١.

(٧) السرائر ٢ : ٢٤٣ ٢٤٤ ، والشرائع ٢ : ٢٢ ، والجامع للشرائع : ٢٤٧ و ٢٦١ ، والنزهة : ٨٦ ، والمختلف ٥ : ٦٤ ، والإيضاح ١ : ٤٨٣ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٤٥.

(٨) لم نعثر عليه بعينه ، نعم في الرياض ٨ : ١٨١ ، والمستند ١٤ : ٣٧٥ : عليه عامّة المتأخّرين.

٨٥

الدليل على الاختصاص

عليه (١) ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : «إذا افترقا وجب البيع» (٢) خرج المشتري وبقي البائع ، بل لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) بالنسبة إلى ما ليس فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط ، ويثبت الباقي بعدم القول بالفصل. ويدلّ عليه أيضاً ظاهر غير واحدٍ من الأخبار :

منها : صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما الشرط في الحيوان؟ قال : ثلاثة أيّامٍ للمشتري. قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا [منهما (٤)(٥) ، وظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري وإطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيواناً.

ويتلوها في الظهور رواية عليّ بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّامٍ للمشتري» (٦) فإنّ ذكر القيد مع إطلاق الحكم قبيح إلاّ لنكتة جليّة.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٤ ، وراجع الغنية : ٢١٩ ، والدروس ٣ : ٢٧٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٤.

(٣) المائدة : ١.

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ ، و ٣٤٦ ، الباب الأوّل منها ، الحديث ٣.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٥.

٨٦

ونحوها صحيحة الحلبي في الفقيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّامٍ للمشتري» (١) ، وصحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الشرط (٢) في الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري» (٣).

وأظهر من الكلّ صحيحة ابن رئاب المحكيّة عن قرب الإسناد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ اشترى جاريةً ، لمن الخيار؟ للمشتري أو للبائع أو لهما (٤) كليهما؟ قال : الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّامٍ ، فإذا مضت ثلاثة أيّامٍ فقد وجب الشراء» (٥).

عن السيّد المرتضى ثبوته للبائع أيضاً والدليل عليه

وعن سيّدنا المرتضى قدس‌سره وابن طاوس : ثبوته للبائع أيضاً (٦) ، وحكي عن الانتصار : دعوى الإجماع عليه (٧) ؛ لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس ، ولصحيحة محمّد بن مسلم : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّامٍ في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيعٍ حتّى يفترقا» (٨) ، وبها تخصّص عمومات اللزوم مطلقاً أو بعد الافتراق ؛ وهي أرجح‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠١ ، الحديث ٣٧٦١ ، والوسائل ١٢ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٢) في «ق» : «الشروط» ، والظاهر أنّه سهو.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٤) في «ق» زيادة «أو» ، ولعلّها من سهو القلم.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٥٠ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٩.

(٦) حكاه عنهما الشهيد في غاية المراد ٢ : ٩٧.

(٧) الانتصار : ٤٣٣ ، المسألة ٢٤٥.

(٨) الوسائل ١٢ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

٨٧

بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكيّة عن قرب الإسناد.

وقد صرّحوا بترجيح رواية مثل محمّد بن مسلم وزرارة وأضرابهما على غيرهم من الثقات ؛ مضافاً إلى ورودها في الكتب الأربعة المرجّحة على مثل قرب الإسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بُعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها.

وأمّا الصحاح الأُخر المكافِئة سنداً لصحيحة ابن مسلم ، فالإنصاف أنّ دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة ، فيمكن حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة ؛ لأنّ الغالب في المعاملة ، خصوصاً معاملة الحيوان ، كون إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطّلاعه على خفايا الحيوان ، ولا ريب أنّ الأظهريّة في الدلالة مقدّمة (١) في باب الترجيح على الأكثريّة.

وأمّا ما ذكر في تأويل صحيحة ابن مسلم : من أنّ خيار الحيوان للمشتري على البائع فكان بين المجموع (٢) ، ففي غاية السقوط.

وأمّا الشهرة المحقّقة ، فلا تصير حجّةً على السيّد ، بل مطلقاً ، بعد العلم بمستند المشهور وعدم احتمال وجود مرجِّحٍ لم يذكروه.

وإجماع الغنية لو سلِّم رجوعه إلى اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرّد ثبوته له معارَضٌ بإجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع ؛ ولعلّه لذا قوّى في المسالك (٣) قول السيّد مع قطع النظر عن الشهرة ، بل‌

__________________

(١) في «ش» : «متقدّمة».

(٢) ذكره المحقّق التستري في المقابس : ٢٤٤ ، واحتمله في الجواهر ٢٣ : ٢٧.

(٣) المسالك ٣ : ٢٠٠.

٨٨

الاتّفاق ، على خلافه. وتبعه على ذلك في المفاتيح (١) وتوقّف في غاية المراد (٢) وحواشي القواعد (٣) وتبعه في المقتصر (٤).

ضعف هذا القول

هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّ أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة حتّى محمّد بن مسلم الراوي للصحيحة ، مع أنّ المرجع بعد التكافؤ عموم أدلّة لزوم العقد بالافتراق والمتيقّن خروج المشتري ، فلا ريب في ضعف هذا القول.

القول بثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمناً كان أو مثمناً

نعم ، هنا قولٌ ثالثٌ لعلّه أقوى منه ، وهو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمناً أو مثمناً ، نسب إلى جماعةٍ من المتأخّرين (٥) ، منهم الشهيد في المسالك (٦) ؛ لعموم صحيحة ابن مسلم «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام» (٧) ولا ينافيه تقييد الحيوان ب «المشترى» في موثّقة ابن فضّال (٨) ؛ لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب ؛

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٣ : ٦٨.

(٢) غاية المراد ٢ : ٩٦ ٩٧.

(٣) لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٥.

(٤) المقتصر : ١٦٨ ١٦٩.

(٥) منهم المحقّق الأردبيلي ٨ : ٣٩٢ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ٢٥ و ٢٦ ، والمحقّق النراقي في المستند ١٤ : ٣٧٧ ، وقوّاه الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٥٠.

(٦) المسالك ٣ : ٢٠٠.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٨) الوسائل ١٢ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

٨٩

لأنّ الغالب كون صاحب الحيوان مشترياً.

ولا ينافي هذه الدعوى التمسّك بإطلاق صحيحة ابن مسلم ؛ لأنّ الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها ، ولا توجب تنزيل الإطلاق.

ولا ينافيها أيضاً ما دلّ على اختصاص الخيار بالمشتري (١) ؛ لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان. ولا صحيحة محمّد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين ؛ لإمكان تقييدها وإن بعُد بما إذا كان العوضان حيوانين.

لا محيص عن المشهور

لكن الإشكال في إطلاق الصحيحة الأُولى (٢) من جهة قوّة انصرافه إلى المشتري ، فلا مخصّص يعتدّ به ؛ لعمومات اللزوم مطلقاً أو بعد المجلس ، فلا محيص عن المشهور.

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٩ ٣٥٠ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الأحاديث ١ ، ٤ ، ٥ ، ٨ و ٩.

(٢) وهي صحيحة الفضيل المتقدّمة في الصفحة ٨٦.

٩٠

مسألة

عدم الفرق بين الأمة وغيرها في مدّة الخيار

لا فرق بين الأمة وغيرها في مدّة الخيار ، وفي الغنية كما عن الحلبي ـ : أنّ مدّة خيار الأمة مدّة استبرائها (١) ، بل عن الأوّل دعوى الإجماع عليه ، وربما ينسب (٢) هذا إلى المقنعة (٣) والنهاية (٤) والمراسم (٥) من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدّة الاستبراء. ولم أقف لهم على دليل.

__________________

(١) الغنية : ٢١٩ ، والكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٢) نسبه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٤ إلى ظاهرها.

(٣) المقنعة : ٥٩٢ ٥٩٣.

(٤) العبارة ساقطة من النهاية المتداولة بين أيدينا. نعم ، هي موجودة في النهاية المطبوعة مع نكت النهاية ٢ : ١٤٤ ١٤٥ ، والمطبوعة ضمن الجوامع الفقهيّة : ٣٣٦ ، ونقلها العلامة بلفظها في المختلف ٥ : ٢٢٣.

(٥) المراسم : ١٧٥.

٩١

مسألة

مبدأ خيار الحيوان

مبدأ هذا الخيار من حين العقد ، فلو لم يفترقا ثلاثة أيّامٍ انقضى خيار الحيوان وبقي خيار المجلس ؛ لظاهر قوله عليه‌السلام : «إنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيّامٍ ، وفي غيره حتّى يتفرّقا» (١).

خلافاً للمحكيّ عن ابن زهرة فجعله من حين التفرّق (٢) ، وكذا الشيخ والحلّي في خيار الشرط المتّحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه.

قال في المبسوط : الأولى أن يقال : إنّه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرّق ؛ لأنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد ، والعقد لم يثبت قبل التفرّق (٣) ، انتهى. ونحوه المحكيّ عن السرائر (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ ، و ٣٤٦ ، الباب الأوّل من الأبواب ، الحديث ٣ و ٥.

(٢) الغنية : ٢٢٠.

(٣) المبسوط ٢ : ٨٥.

(٤) السرائر ٢ : ٢٤٧.

٩٢

وهذه الدعوى لم نعرفها. نعم ، ربما يستدلّ (١) عليه (٢) بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثةٍ من حين العقد ، بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس ، وبلزوم (٣) اجتماع السببين على مسبّب واحد ، وما دلّ على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة من البائع (٤) مع أنّ التلف في الخيار المشترك من المشتري.

ويردّ الأصل بظاهر (٥) الدليل ، مع أنّه بالتقرير الثاني ، مثبِتٌ. وأدلّة «التلف من البائع» محمولٌ (٦) على الغالب من كونه بعد المجلس. ويردّ التداخل بأنّ الخيارين إن اختلفا من حيث الماهيّة فلا بأس بالتعدّد. وإن اتّحدا فكذلك ، إمّا لأنّ الأسباب معرِّفات ، وإمّا لأنّها عللٌ ومؤثِّراتٌ يتوقّف استقلال كلِّ واحدٍ [منها (٧)] في التأثير على عدم مقارنة الآخر أو سبقه ، فهي عللٌ تامّةٌ إلاّ من هذه الجهة ، وهو المراد ممّا في التذكرة في الجواب عن أنّ الخيارين مِثْلان فلا يجتمعان ـ : من أنّ الخيار واحدٌ والجهة متعدّدة (٨).

__________________

(١) راجع الاستدلال وردّه في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٣ ، والجواهر ٢٣ : ٢٨.

(٢) كذا ، والمناسب : «عليها».

(٣) في «ق» : للزوم ، ولعلّه من سهو القلم.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٢ و ٥.

(٥) في «ش» : «ظاهر».

(٦) كذا ، والمناسب : محمولة.

(٧) لم يرد في «ق».

(٨) التذكرة ١ : ٥٢٠.

٩٣

المراد بزمان العقد

ثمّ إنّ المراد بزمان العقد [هل (١)] زمان مجرّد الصيغة كعقد الفضولي على القول بكون الإجازة ناقلةً أو زمان الملك ، عبّر بذلك للغلبة؟ الظاهر هو الثاني ، كما استظهره بعض المعاصرين (٢) ، قال : فعلى هذا لو أسلم حيواناً في طعامٍ وقلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان وإن كان بائعاً ، كان مبدؤه بعد القبض. وتمثيله بما ذكر مبنيٌّ على اختصاص (٣) الخيار بالحيوان المعيّن ، وقد تقدّم التردّد في ذلك (٤).

ثمّ إنّ ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف ولو قبل القبض يدلّ على أنّه لا يعتبر في الخيار الملك ، لكن لا بدّ له من أثر. وقد تقدّم الإشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض (٥).

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) لم نعثر عليه في ما بأيدينا من كتب معاصريه ، نعم في بعض الشروح : أنّه المحقّق الشيخ علي كاشف الغطاء قدس‌سره في تعليقته على اللمعة.

(٣) كذا في «ق» أيضاً ، لكن ذكر الشهيدي بعد توجيه العبارة بصيغة الإثبات ـ : أنّ في بعض النسخ المصحّحة «عدم اختصاص» ، ووجّهه أيضاً بتوجيهٍ ، راجع هداية الطالب : ٤٣٣.

(٤) تقدّم في الصفحة ٨٣ ٨٤.

(٥) تقدّم في الصفحة ٤٩.

٩٤

مسألة

دخول الليلتين المتوسّطتين في الثلاثة أيام

لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين في الثلاثة أيّام ، لا لدخول الليل في مفهوم اليوم ، بل للاستمرار المستفاد من الخارج ، ولا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار.

ولو عقد في الليل ، فالظاهر بقاء الخيار إلى آخر اليوم الثالث ، ويحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد. لكن فيه : أنّه يصدق حينئذٍ الأقلّ من ثلاثة أيّام ، والإطلاق على المقدار المساوي للنهار ولو من الليل خلاف الظاهر.

قيل : والمراد بالأيّام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالةً ، فتدخل الثالثة ، وإلاّ لاختلفت مفردات الجمع في استعمالٍ واحد (١) ، انتهى.

فإن أراد الليلة السابقة على الأيّام فهو حسن ، إلاّ أنّه لا يعلّل بما ذكر. وإن أراد الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمالٍ واحد ، إذ لا نقول باستعمال اليومين الأوّلين‌

__________________

(١) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٨.

٩٥

في اليوم والليلة واستعمال اليوم الثالث في خصوص النهار ، بل نقول : إنّ اليوم مستعملٌ في خصوص النهار أو مقداره من نهارين ، لا في مجموع النهار والليل أو مقدارهما ، ولا في مقدار (١) النهار ولو ملفّقاً من الليل. والمراد من «الثلاثة أيّام» هي بلياليها أي ليالي مجموعها ، لا كلّ واحدٍ منها ، فالليالي لم تُرَد من نفس اللفظ ، وإنّما أُريدت من جهة الإجماع وظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار ، فكأنه قال : الخيار يستمرّ إلى أن يمضي ستّ وثلاثون ساعةً من النهار.

__________________

(١) في «ش» بدل «مقدار» : «باقي».

٩٦

مسألة

مسقطات خيار الحيوان :

١ ـ اشتراط سقوطه في العقد

يسقط هذا الخيار بأُمور :

أحدها : اشتراط سقوطه في العقد

ولو شرط سقوط بعضه ، فقد صرّح بعضٌ (١) بالصحّة. ولا بأس به.

٢ ـ إسقاطه بعد العقد

والثاني : إسقاطه بعد العقد ، وقد تقدّم الأمران (٢).

٣ ـ التصرّف

(٣)] الثالث : التصرّف‌ ولا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار. ويدلّ عليه قبل الإجماع النصوص :

ففي صحيحة ابن رئاب : «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيّام فذلك رضى منه ولا شرط له ، قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء» (٤).

__________________

(١) صرّح به السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٥٩.

(٢) تقدّما في الصفحة ٥١ و ٦١.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

٩٧

النصوص الدالّة على مسقطيّة التصرّف

وصحيحة الصفّار : «كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام في الرجل اشترى دابّةً من رجلٍ فأحدث فيها [حدثاً (١)] من أخذ الحافر أو نعْلها أو رَكِبَ ظهرها فراسخ ، إله أن يردّها في الثلاثة أيّامٍ (٢) التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها (٣) أو الركوب الذي ركبها (٤) فراسخ؟ فوقّع عليه‌السلام إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى» (٥).

وفي ذيل الصحيحة المتقدّمة عن قرب الإسناد : «قلت [له] (٦) أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ فقال : إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزم البيع» (٧).

واستدلّ عليه في التذكرة بعد الإجماع ـ : بأنّ التصرّف دليل الرضا (٨). وفي موضعٍ آخر منها : أنّه دليل الرضا بلزوم العقد (٩). وفي موضعٍ آخر منها كما في الغنية (١٠) ـ : أنّ التصرّف إجازة (١١).

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) كذا في «ق» وفاقاً للتهذيب ، وفي «ش» : «الثلاثة الأيّام» ، وفاقاً للوسائل.

(٣) في «ق» : «يحدثها» ، وهو سهو.

(٤) في «ش» : يركبها.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

(٦) من «ش» والمصدر.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

(٨) التذكرة ١ : ٥١٩.

(٩) التذكرة ١ : ٥٢٨.

(١٠) الغنية : ٢١٩.

(١١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

٩٨

المراد من «الحدث» في النصوص

أقول : المراد بالحدث إن كان مطلق التصرّف الذي لا يجوز لغير المالك إلاّ برضاه كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «أو نظر إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء» ، فلازمه كون مطلق استخدام المملوك ، بل مطلق التصرّف فيه مسقطاً ، كما صرّح به في التذكرة في بيان التصرّف المسقط للردّ بالعيب ـ : من أنّه لو استخدمه بشي‌ءٍ خفيف مثل «اسقني» أو «ناولني الثوب» أو «أغلق الباب» سقط الردّ. ثمّ استضعف قول بعض الشافعيّة بعدم السقوط ، معلّلاً بأنّ مثل هذه الأُمور قد يؤمر به غير المملوك : بأنّ المسقط مطلق التصرّف. وقال أيضاً : لو كان له على الدابّة سرج أو ركاب فتركهما عليها بطل الردّ ، لأنّه استعمالٌ وانتفاعٌ (١) ، انتهى.

وقال في موضعٍ من التذكرة : عندنا أنّ الاستخدام بل كلّ تصرّفٍ يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الردّ (٢) ، انتهى.

وهو في غاية الإشكال ؛ لعدم تبادر ما يعمّ ذلك من لفظ «الحدث» وعدم دلالة ذلك على الرضا بلزوم العقد ؛ مع أنّ من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشترى عن ذلك في أثناء الثلاثة ، فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو ؛ مع أنّهم ذكروا أنّ الحكمة في هذا الخيار الاطّلاع على أُمورٍ خفيّةٍ في الحيوان توجب زهادة (٣) المشتري ، وكيف يطّلع الإنسان على ذلك بدون النظر إلى الجارية ولمسها وأمرها بغلق الباب والسقي وشبه ذلك؟

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٠.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣١.

(٣) في «ق» : «زهاد».

٩٩

وإن كان المراد مطلق التصرّف بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب (١) ، ويظهر من استدلال العلاّمة وغيره على المسألة بأنّ التصرّف دليل الرضا بلزوم العقد فهو لا يناسب إطلاقهم الحكم بإسقاط التصرّفات التي ذكروها.

ودعوى : أنّ جميعها ممّا يدلّ لو خلي وطبعه على الالتزام بالعقد ، فيكون إجازةً فعليّةً ، كما ترى!

المراد من «فذلك رضىً منه» في صحيحة ابن رئاب

ثمّ إنّ قوله عليه‌السلام في الصحيحة : «فذلك رضى منه» يراد منه الرضا بالعقد في مقابلة كراهة ضدّه أعني الفسخ ، وإلاّ فالرضا بأصل الملك مستمرٌّ من زمان العقد إلى حين الفسخ ؛ ويشهد لهذا المعنى رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام عن أبيه عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجلٍ اشترى عبداً بشرطٍ إلى ثلاثة أيّامٍ فمات العبد في الشرط ، قال : يستحلف بالله تعالى ما رضيه ، ثمّ هو بري‌ءٌ من الضمان» (٢) فإنّ المراد بالرضا الالتزام بالعقد ، والاستحلاف في الرواية محمولةٌ على سماع دعوى التهمة أو على صورة حصول القطع للبائع بذلك.

المحتملات في ذلك :

إذا عرفت هذا فقوله عليه‌السلام : «فذلك رضى منه ولا شرط [له]» (٣) يحتمل وجوهاً‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٩٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٤.

(٣) لم يرد في «ق».

١٠٠