كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض والمرتدّ. وقال أبو حنيفة والشافعي : يرجع بجميع [ثمنه (١)] ؛ لأنّ تلفه لمعنىً (٢) استحقّ عليه عند البائع ، فجرى إتلافه (٣) ، انتهى.

وقال في التحرير في بيع الجاني خطأً : ولو كان السيّد معسراً لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من (٤) رقبة العبد ، فيتخيّر المشتري مع عدم علمه ، فإن فسخ يرجع بالثمن ؛ وكذا إن كانت الجناية مستوعبةً ، وإن لم يستوعب رجع بالأرش (٥) ، انتهى.

وقال في أوائل البيع في هذه المسألة : ولو كان السيّد معسراً لم يسقط حقّ المجنيّ عليه عن رقبة العبد ، وللمشتري الفسخ مع عدم العلم (٦) ، فإن فسخ رجع بالثمن ، وإن لم يفسخ واستوعبت الجناية قيمته وانتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضاً ، وإن لم يستوعب رجع بقدر الأرش. ولو علم المشتري بتعلّق الحقّ برقبة العبد لم يرجع بشي‌ءٍ. ولو اختار المشتري أن يفديه جاز ورجع به على البائع مع الإذن ، وإلاّ فلا (٧) ، انتهى.

__________________

(١) في المصدر : «الثمن» ، والكلمة ساقطة من «ق».

(٢) كذا في ظاهر «ق» ، وفي المصدر : «بمعنى» ، وفي «ش» : «لأمر».

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٥ ٤٦٦.

(٤) في «ش» والمصدر : «عن».

(٥) و (٧) التحرير ١ : ١٨٥ و ١٦٥.

(٦) في «ش» بدل «فيتخيّر المشتري إلى مع عدم العلم» : «وللمشتري الفسخ مع عدم علمه».

٤٠١

قوله : «وانتزعت» إمّا راجعٌ إلى رقبة العبد ، أو إلى القيمة إذا باعه المجنيّ عليه وأخذ قيمته ، وهذا القيد غير موجودٍ في باقي عبارات العلاّمة في كتبه الثلاثة.

وكيف كان : فالعبد المتعلّق برقبته حقٌّ للمجنيّ عليه يستوعب قيمته ، إمّا أن يكون له قيمةٌ تبذل بإزائه ، أو لا ، وعلى الأوّل : فلا بدّ أن يبقى شي‌ءٌ من الثمن للبائع بإزائه ، فلا يرجع بجميع الثمن عليه. وعلى الثاني : فينبغي بطلان البيع.

ولو قيل : إنّ انتزاعه عن ملك المشتري لحقٍّ كان عليه عند البائع يوجب غرامته على البائع كان اللازم من ذلك مع منعه (١) في نفسه أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتصّ من الجاني عمداً.

وقد عرفت من التذكرة والقواعد الحكم بقسطٍ من الثمن فيه.

وبالجملة ، فالمسألة محلّ تأمّلٍ ، والله العالم.

__________________

(١) في «ش» : «مع بُعده».

٤٠٢

مسألة

طريق معرفة الأرش

يُعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح والمعيب ليعرف التفاوت بينهما ، فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت. وإذا لم تكن القيمة معلومةً فلا بدّ من الرجوع إلى العارف بها.

أنحاء الإخبار عن القيمة

وهو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعيّن أو لمثله في الصفات المقصودة ، كمن يخبر : بأنّ هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا ، وهذا داخلٌ في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة على سائر المحسوسات : من العدالة ، والإخبار عن الحسّ ، والتعدّد.

وقد يخبر عن نظره وحدسه من جهة كثرة ممارسته أشباه هذا الشي‌ء وإن لم يتّفق اطّلاعه على مقدار رغبة الناس في أمثاله ، وهذا يحتاج إلى الصفات السابقة وزيادة المعرفة والخبرة بهذا الجنس ، ويقال له بهذا الاعتبار : أهل الخبرة.

وقد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيّاتٍ في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيّات واضحةً ، كالصائغ العارف بأصناف الذهب والفضّة من حيث الجودة والرداءة ، مع كون‌

٤٠٣

قيمة الجيّد والردي‌ء محفوظةً عند الناس معروفةً بينهم ، فقوله : «هذا قيمته كذا» يريد به أنّه من جنس قيمته كذا ، وهذا في الحقيقة لا يدخل في المقوِّم ، وكذا القسم الأوّل ، فمرادهم بالمقوِّم هو الثاني.

حكم أنحاء الاخبار من حيث شروط القبول

لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط القبول وإن احتمل في غير الأوّل الاكتفاء بالواحد :

إمّا للزوم الحرج لو اعتبر التعدّد.

وإمّا لاعتبار الظنّ في مثل ذلك ممّا انسدّ فيه باب العلم ويلزم من طرح قول العادل الواحد والأخذ بالأقلّ لأصالة براءة ذمّة البائع تضييعُ حقِّ المشتري في أكثر المقامات.

وإمّا لعموم ما دلّ على قبول قول العادل ، خرج منه ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الأوّل ، دون ما كان من قبيل الفتوى كالثاني ؛ لكونه ناشئاً عن حدسٍ واجتهادٍ وتتبّع الأشباه والأنظار وقياسه عليها حتّى أنّه يحكم لأجل ذلك بأنّه ينبغي أن يبذل بإزائه كذا وكذا وإن لم يوجد راغبٌ يبذل له ذلك.

لو تعذّر معرفة القيمة

ثمّ لو تعذّر معرفة القيمة لفقد أهل الخبرة أو توقّفهم ففي كفاية الظنّ أو الأخذ بالأقلّ وجهان. ويحتمل ضعيفاً الأخذ بالأكثر ؛ لعدم العلم بتدارك العيب المضمون إلاّ به.

٤٠٤

مسألة

لو تعارض المقوّمون

لو تعارض المقوّمون ، فيحتمل :

تقديم بيّنة الأقلّ ؛ للأصل.

وبيّنة الأكثر ؛ لأنّها مثبتة.

والقرعة ؛ لأنّها لكلّ أمرٍ مشتبه.

والرجوع إلى الصلح ؛ لتشبّث كلٍّ من المتبايعين بحجّةٍ شرعيّةٍ ظاهريّةٍ ، والمورد غير قابل للحلف ؛ لجهل كلٍّ منهما بالواقع.

وتخيير الحاكم ؛ لامتناع الجمع وفقد المرجّح.

الأقوى وجوب الجمع بين البيّنات مهما أمكن

لكنّ الأقوى من الكلّ ما عليه المعظم (١) : من وجوب الجمع بينهما بقدر الإمكان ؛ لأنّ كلاّ منهما حجّةٌ شرعيّة (٢) ، فإذا تعذّر العمل به (٣) في‌

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٥٩٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣٨ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٧٥ وغيره من كتبه ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٢ ٦٣٣.

(٢) في «ش» زيادة : «يلزم العمل به».

(٣) في «ق» : «بها».

٤٠٥

تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه ، فإذا قوّمه أحدهما بعشرةٍ فقد قوّم كلاّ من نصفه بخمسةٍ ، وإذا قوّمه الآخر (١) بثمانيةٍ فقد قوّم كلاّ من نصفه بأربعةٍ ، فيعمل بكلٍّ منهما في نصف المبيع. وقولهما (٢) وإن كانا متعارضين في النصف أيضاً كالكلّ ، فيلزم ممّا ذكر طرح كلا القولين في النصفين ، إلاّ أنّ طرح قول كلٍّ منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولى في مقام امتثال أدلّة العمل بكلّ بيّنةٍ من طرح كليهما أو إحداهما رأساً ، وهذا معنى قولهم : «إنّ الجمع بين الدليلين والعمل بكلٍّ منهما ولو من وجهٍ أولى من طرح أحدهما رأساً» ؛ ولذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة : الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البيّنتان في دارٍ في يد رجلين يدّعيها كلٌّ منهما (٣).

بل ما نحن فيه أولى بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالى ؛ لأنّ الأخذ بأحدهما كلّيةً وطرح (٤) الآخر كذلك في التكاليف الشرعيّة الإلهيّة لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حقّ الله سبحانه ؛ لرجوع الكلّ إلى امتثال أمر الله سبحانه ، بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس ، فإنّ في التبعيض جمعاً بين حقوق الناس ومراعاةً للجميع ولو في الجملة ؛ ولعلّ هذا هو السرّ في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي‌ءٍ من موارد الفقه (٥).

__________________

(١) في «ق» : «الأُخرى».

(٢) في «ش» : «قولاهما».

(٣) تمهيد القواعد : ٢٨٤.

(٤) في «ش» : «ترك».

(٥) في «ش» ومصحّحة «ف» بدل «موارد الفقه» : «الموارد».

٤٠٦

بعض الاشكالات في ما ذكرناه

وقد يُستشكل ما ذكرنا : تارةً بعدم التعارض بينهما عند التحقيق ؛ لأنّ مرجع بيّنة النفي إلى عدم وصول نظرها وحدسها إلى الزيادة ، فبيّنة الإثبات المدّعية للزيادة سليمة.

وأُخرى بأنّ الجمع فرع عدم اعتضاد إحدى البيّنتين بمرجّحٍ ، وأصالة البراءة هنا مرجّحةٌ للبيّنة الحاكمة بالأقلّ.

وثالثةً بأنّ في الجمع مخالفةً قطعيّةً وإن كان فيه موافقةٌ قطعيّةٌ ، لكنّ التخيير الذي لا يكون فيه إلاّ مخالفةٌ احتماليّةٌ أولى منه.

ويندفع الأوّل بأنّ المفروض أنّ بيّنة النفي تشهد بالقطع على نفي الزيادة واقعاً ، وأنّ بذل الزائد في مقابل المبيع سفهٌ.

دفع الاشكالات المتقدّمة

ويندفع الثاني بما قرّرناه في الأُصول (١) : من أنّ الأُصول الظاهريّة لا تصير مرجِّحةً للأدلّة الاجتهاديّة ، بل تصلح مرجعاً في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض ، كما في الظاهرين المتعارضين كالعامّين من وجهٍ المطابق أحدهما للأصل ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل. والحاصل : أنّ بيّنة الزيادة تثبت أمراً مخالفاً للأصل ، ومعارضتها بالأُخرى النافية لها لا يوجب سقوطها بالمرّة لفقد المرجّح ، فيجمع بين النفي والإثبات في النصفين.

ويندفع الثالث بأنّ ترجيح الموافقة الاحتماليّة الغير المشتملة على المخالفة القطعيّة على الموافقة القطعيّة المشتملة عليها إنّما هو في مقام الإطاعة والمعصية الراجعتين إلى الانقياد والتجرّي ؛ حيث إنّ ترك‌

__________________

(١) راجع فرائد الأُصول ٤ : ١٥١ ١٥٢.

٤٠٧

التجرّي أولى من تحصيل العلم بالانقياد ، بخلاف مقام إحقاق حقوق الناس ، فإنّ مراعاة الجميع (١) أولى من إهمال أحدهما رأساً وإن اشتمل على إعمال الآخر ؛ إذ ليس الحقّ فيهما لواحدٍ (٢) كما في حقوق الله سبحانه.

حكومة قاعدة «الجمع مهما أمكن» على دليل القرعة

ثمّ إنّ قاعدة الجمع حاكمةٌ على دليل القرعة ؛ لأنّ المأمور به هو العمل بكلٍّ من الدليلين لا بالواقع المردّد بينهما ؛ إذ قد يكون كلاهما مخالفاً للواقع ، فهما سببان مؤثّران بحكم الشارع في حقوق الناس ، فيجب مراعاتها وإعمال أسبابها بقدر الإمكان ، إذ لا ينفع توفية حقِّ واحدٍ مع إهمال حقِّ الآخر رأساً (٣).

ما هو المعروف في كيفيّة الجمع

ثمّ إنّ المعروف في الجمع بين البيّنات الجمع بينها (٤) في قيمتي الصحيح ، فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما ومن الثلاث ثلثها (٥) ومن الأربع ربعها (٦) وهكذا في المعيب ، ثمّ تلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح وبين المأخوذ للمعيب ويؤخذ بتلك النسبة. فإذا كان إحدى قيمتي الصحيح اثني عشر والأُخرى ستّةً ، وإحدى قيمتي المعيب أربعةً (٧)

__________________

(١) في محتمل «ق» : «الجمع».

(٢) في «ش» زيادة : «معيّن».

(٣) في «ش» زيادة : «على النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع».

(٤) كذا في ظاهر «ق» ، وفي «ش» : «بينهما».

(٥) في «ش» : «ثلثهما».

(٦) في «ش» : «ربعهما».

(٧) في «ق» : «ستّة» ، وهو سهو.

٤٠٨

والأُخرى اثنين ، أُخذ للصحيح تسعةٌ وللمعيب ثلاثةٌ ، والتفاوت بالثلثين ، فيكون الأرش ثلثي الثمن (١).

طريق آخر للجمع

ويحتمل الجمع بطريقٍ آخر ، وهو : أن يرجع إلى البيّنة في مقدار التفاوت ويجمع بين البيّنات فيه من غير ملاحظة القيم. وهذا منسوبٌ إلى الشهيد قدس‌سره على ما في الروضة (٢).

وحاصله قد يتّحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور ، فإنّ التفاوت بين الصحيح والمعيب على قول كلٍّ من البيّنتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الأوّل.

قد يختلف حاصل الجمعين

وقد يختلفان ، كما إذا كانت إحدى قيمتي [الصحيح (٣)] اثني عشر والأُخرى ثمانيةً ، وقيمة المعيب على الأوّل عشرة وعلى الثاني خمسةٌ. فعلى الأوّل : يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح أعني العشرة ، ونصف قيمتي المعيب وهو سبعة ونصف ، فالتفاوت بالربع ، فالأرش ربع الثمن ، أعني ثلاثةً من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر. وعلى الثاني : يؤخذ التفاوت بين الصحيح والمعيب على إحدى البيّنتين بالسدس وعلى‌

__________________

(١) في «ش» زيادة ما يلي : «ويمكن أيضاً على وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين ، بأن تعمل في نصفه بقول المثبت للزيادة ، وفي نصفه الآخر بقول النافي ، فإذا قوّمه إحداهما باثني عشر والآخر بثمانية أُخذ في نصف الأربعة بقول المثبت وفي نصفها الآخر بقول النافي ، جمعاً بين حقّي البائع والمشتري ، لكنّ الأظهر هو الجمع على النهج الأوّل».

(٢) الروضة البهيّة ٣ : ٤٧٨.

(٣) لم يرد في «ق».

٤٠٩

الأُخرى ثلاثة أثمان ، ويُنصّف المجموع أعني ستّة ونصف (١) من اثني عشر جزءاً ويؤخذ نصفه وهو ثلاثة وربع ، وقد كان في الأوّل ثلاثة.

وقد ينقص عن الأوّل ، كما إذا اتّفقا على أنّ قيمة المعيب ستّةً ، وقال إحداهما : قيمة الصحيح ثمانيةٌ ، وقال الأُخرى : عشرةٌ. فعلى الأوّل : يجمع القيمتان ويؤخذ نصفهما تسعة ، ونسبته إلى الستّة بالثلث. وعلى الثاني : يكون التفاوت على إحدى البيّنتين ربعاً وعلى الأُخرى خمسين فيؤخذ نصف (٢) الربع ونصف الخمسين ، فيكون ثُمناً وخُمساً ، وهو ناقصٌ عن الثلث بنصف خمس.

صور اختلاف المقوّمين :

توضيح هذا المقام : أنّ الاختلاف إمّا أن يكون في الصحيح فقط مع اتّفاقهما على المعيب ، وإمّا أن يكون في المعيب فقط ، وإمّا أن يكون فيهما.

١ ـ الاختلاف في الصحيح فقط

فإن كان في الصحيح فقط كما في المثال الأخير فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائماً ؛ لأنّك قد عرفت أنّ الملحوظ على طريق المشهور نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح المجعول قيمةً منتزعةً ، وعلى الطريق الآخر نسبة المعيب إلى كلٍّ من القيمتين المستلزمة لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البيّنتين في العمل ، والمفروض في هذه الصورة أنّ نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفةٌ لنسبة نصفه إلى كلٍّ من‌

__________________

(١) كذا في «ق» ، والمناسب : «نصفاً» كما في «ش».

(٢) من هنا إلى قوله : «وتوهّم أنّ حكم شراء شي‌ءٍ ..» في الصفحة ٤١٤ مفقود من نسخة الأصل «ق».

٤١٠

النصفين ؛ لأنّ نسبة الكلّ إلى الكلّ تساوي نسبة نصفه إلى كلٍّ من نصفي ذلك الكلّ ، وهو الأربعة والنصف في المثال ، لا إلى كلٍّ من النصفين (١) المركّب منهما ذلك الكلّ كالأربعة والخمسة ، بل النصف المنسوب إلى أحد بعضي (٢) المنسوب إليه كالأربعة نسبةٌ مغايرةٌ لنسبته إلى البعض الآخر ، أعني الخمسة ، وهكذا غيره من الأمثلة.

٢ ـ الاختلاف في المعيب فقط

وإن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين أبداً ؛ لأنّ نسبة الصحيح إلى نصف مجموع قيمتي المعيب على ما هو طريق المشهور مساويةٌ لنسبة نصفه إلى نصف إحداهما ونصفه الآخر إلى نصف الأُخرى ، كما إذا اتّفقا (٣) على كون الصحيح اثني عشر وقالت إحداهما : المعيب ثمانية ، وقالت الأُخرى : ستّة ، فإنّ تفاوت السبعة والاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساوٍ لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثني عشر والستّة مع الاثني عشر ؛ لأنّ نسبة الأوّلين بالثلث والآخرين بالنصف ونصفهما السدس والربع ، وهذا بعينه تفاوت السبعة والاثني عشر.

٣ ـ الاختلاف في الصحيح والمعيب معاً

وإن اختلفا في الصحيح والمعيب ، فإن اتّحدت النسبة بين الصحيح والمعيب على كلتا البيّنتين (٤) فيتّحد الطريقان دائماً ، كما إذا قوّمه إحداهما صحيحاً باثني عشر ومعيباً بستّة ، وقوّمه الأُخرى صحيحاً بستّة ومعيباً‌

__________________

(١) في «ف» بدل «النصفين» : «البعضين».

(٢) في «ش» : «بعض».

(٣) كذا ، والمناسب : «اتّفقتا» ، لرجوع الضمير إلى البيّنتين.

(٤) في نسخة بدل «ن» : «النسبتين».

٤١١

بثلاثة ، فإنّ نصف الصحيحين أعني التسعة تفاوتُه مع نصف مجموع المعيبين وهو الأربعة ونصف عينُ نصف تفاوتي الاثني عشر مع الستّة والستّة مع الثلاثة.

والحاصل : أنّ كلّ صحيحٍ ضِعفُ المعيب ، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضِعف نصف المعيبين.

وإن اختلفت النسبة ، فقد يختلف الطريقان وقد يتّحدان ، وقد تقدّم مثالهما في أوّل المسألة (١).

المتعيّن هو الطريق المنسوب إلى الشهيد والوجه فيه

ثمّ إنّ الأظهر بل المتعيّن في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلى الشهيد قدس‌سره وفاقاً للمحكيّ عن إيضاح النافع ، حيث ذكر أنّ طريق المشهور ليس بجيّدٍ (٢) ، ولم يذكر وجهه. ويمكن إرجاع كلام الأكثر إليه ، كما سيجي‌ء (٣).

ووجه تعيّن هذا الطريق : أنّ أخذ القيمة من القيمتين على طريق المشهور أو النسبة المتوسّطة من النسبتين على الطريق الثاني ، إمّا للجمع بين البيّنتين بإعمال كلٍّ منهما في نصف العين كما ذكرنا ، وإمّا لأجل أنّ ذلك توسّطٌ بينهما لأجل الجمع بين الحقّين بتنصيف ما به التفاوت نفياً وإثباتاً على النهج الذي ذكرناه أخيراً في الجمع بين البيّنتين ، كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع أحدهما المردّد بينهما من عند الودعي ولم تكن هنا بيّنةٌ تشهد لأحدهما‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٤٠٩.

(٢) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٣.

(٣) يجي‌ء في الصفحة ٤١٦.

٤١٢

بالاختصاص ، بل ولا ادّعى أحدهما اختصاصه بالدرهم الموجود.

فعلى الأوّل فاللازم وإن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح والمعيب كما فعله المشهور بأن يُجمع الاثنا عشر والثمانية المفروضتان (١) قيمتين للصحيح في المثال المتقدّم ، ويؤخذ نصف أحدهما (٢) قيمة نصف المبيع صحيحاً ، ونصف الأُخرى قيمةً للنصف الآخر منه ، ولازم ذلك كون تمامه بعشرة ، ويجمع قيمتا المعيب أعني العشرة والخمسة ويؤخذ لكلِّ نصفٍ من المبيع المعيوب نصفٌ من أحدهما ، ولازم ذلك كون تمام المبيع بسبعةٍ ونصف (٣) ، إلاّ أنّه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدى القيمتين أعني العشرة إلى المجموع من نصف (٤) الأُخرى أعني سبعة ونصفاً كما نسب إلى المشهور ؛ لأنّه إذا فرض لكلِّ نصفٍ من المبيع قيمةٌ تغاير قيمةَ النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة إلى كلٍّ من النصفين صحيحاً ومعيباً وأخذ الأرش لكلِّ نصفٍ على حسب تفاوت صحيحه ومعيبه.

فالعشرة ليست قيمةً لمجموع الصحيح إلاّ باعتبار أنّ نصفه مقوَّمٌ ، بستّةٍ ونصفه الآخر بأربعةٍ ، وكذا السبعة ونصف (٥) ليست قيمةً لمجموع المعيب إلاّ باعتبار أنّ نصفه مقوَّمٌ بخمسةٍ ونصفه الآخر باثنين ونصف ،

__________________

(١) في «ف» : «المفروضتين».

(٢) في «ش» : «إحديهما».

(٣) في «ف» بدل «المبيع بسبعة ونصف» : «المعيب بخمسة عشر».

(٤) في «ف» : «نصفي».

(٥) في «ش» : «والنصف».

٤١٣

فلا وجه لأخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة والسبعة ونصف (١) ، بل لا بدّ من أخذ تفاوت ما بين الأربعة والاثنين ونصف لنصفٍ منه ، وتفاوت ما بين الستّة والخمسة للنصف الآخر.

توهّم ودفعه

وتوهّم : أنّ حكم شراء شي‌ءٍ تَغايَرَ قيمتا نصفيه حكم ما لو اشترى بالثمن [الواحد (٢)] مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحاً ومعيباً ، بأن اشترى عبداً وجاريةً [باثني عشر (٣)] فظهرا معيبين ، والعبد يسوي أربعةً صحيحاً واثنين ونصف (٤) معيباً ، والجارية يسوي ستّةً صحيحة وخمسةً معيبة ، فإنّه لا شكّ في أنّ اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحةً ومعيبةً أعني العشرة والسبعة ونصف (٥) وأخذ التفاوت وهو الربع من الثمن ، وهو ثلاثةٌ إذا فرض الثمن اثني عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه.

مدفوعٌ : بأنّ الثمن في المثال لمّا كان موزّعاً على العبد والجارية بحسب قيمتهما ، فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشاً فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته وللجارية سدسه (٦) كما هو الطريق المختار ؛ لأنّه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعةً وخمساً سُدسَه وهو واحدٌ وخُمس ، ومن مقابل العبد أعني أربعةً وأربعة أخماس ثلاثة أثمانٍ وهو واحدٌ وأربعة‌

__________________

(١) في «ش» : «والنصف».

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) كذا في «ق» ، والمناسب : «نصفاً» ، كما في «ش».

(٥) في «ش» : «النصف».

(٦) كذا في «ق» ، والمناسب : «سدسها» ، كما في «ش».

٤١٤

أخماسٍ ، فالثلاثة التي هي ربع الثمن منطبقٌ على السدس وثلاثة أثمان. بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ المبذول في مقابل كلٍّ من النصفين المختلفين بالقيمة أمرٌ واحد ، وهو نصف الثمن.

فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كلٍّ من الجارية والعبد في المثال المفروض بثمنٍ مساوٍ للآخر ، بأن اشترى كلاّ منهما بنصف الاثني عشر في عقدٍ واحدٍ أو عقدين ، فلا يجوز حينئذٍ أخذ الربع من اثني عشر ، بل المتعيّن حينئذٍ أن يؤخذ من ستّة الجارية سُدس ، ومن ستّة العبد اثنان وربع ، فيصير مجموع الأرش ثلاثة وربعاً (١) ، وهو المأخوذ في المثال المتقدّم على الطريق الثاني.

لا فرق بين شهادة البيّنات بالقيم ، وبين شهادتها بنفس النسبة

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّه لا فرق بين شهادة البيّنات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح والمعيب وإن لم يذكروا القيم.

هذا كلّه إذا كان مستند المشهور في أخذ القيمة الوسطى إلى (٢) العمل بكلٍّ من البيّنتين في جزءٍ من المبيع.

أمّا (٣) إذا كان المستند مجرّد الجمع بين الحقّين (٤) ، بأن تنزّل القيمة الزائدة وترفع (٥) الناقصة على حدٍّ سواء ، فالمتعيّن الطريق الثاني [أيضاً (٦)] ،

__________________

(١) في «ق» بدل «ربعاً» : «أربعة» ، وهو سهو ظاهراً.

(٢) لم ترد «إلى» في «ش».

(٣) في «ش» : «وأمّا».

(٤) في «ش» زيادة : «على ما ذكرناه أخيراً».

(٥) في «ش» : «يرتفع».

(٦) لم يرد في «ق».

٤١٥

سواءً شهدت البيّنتان بالقيمتين أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح والمعيب.

أمّا إذا شهدتا بنفس التفاوت ، فلأنه إذا شهدت إحداهما بأنّ التفاوت بين الصحيح والمعيب بالسدس وهو الاثنان من اثني عشر ، وشهدت الأُخرى بأنّه بثلاثة أثمان وهو الثلاثة من ثمانية ، زدنا على السدس ما تنقص من ثلاثة أثمان صار (١) كلُّ واحدٍ (٢) سدساً ونصف سدس وثُمنه ، وهو من الثمن المفروض اثني عشر ثلاثةٌ وربع ، كما ذكرنا سابقاً.

وإن شهدت البيّنتان بالقيمتين ، فمقتضى الجمع بين الحقّين في هذا المقام (٣) تعديلُ قيمتي كلٍّ من الصحيح والمعيب بالزيادة والنقصان بأخذ (٤) قيمةٍ نسبته إلى المعيب دون نسبة القيمة الزائدة وفوق نسبة الناقصة ، فيؤخذ من الاثني عشر والعَشر (٥) ومن الثمانية والخمسة قيمتان للصحيح والمعيب نسبة إحداهما إلى الأُخرى يزيد على السدس بما ينقص من ثلاثة أثمان ، فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما على المعيب بسدسٍ ونصف سدس وثُمن سدس.

إمكان إرجاع كلام الاكثر إلى الطريق الثاني

ومن هنا يمكن إرجاع كلام الأكثر إلى الطريق الثاني ، بأن يريدوا‌

__________________

(١) في «ش» : «وصار».

(٢) في «ش» زيادة : «من التفاوتين بعد التعديل».

(٣) العبارة في «ش» هكذا : «بين حقّي البائع والمشتري في مقام إعطاء الأرش وأخذه تعديل ..».

(٤) في «ق» : «أخذ».

(٥) في «ش» : «العشرة».

٤١٦

من «أوسط القيم المتعدّدة للصحيح والمعيب» القيمة المتوسّطة بين القيم لكلٍّ منهما من حيث نسبتهما إلى قيمة الآخر ، فيكون مرادهم من أخذ قيمتين للصحيح والمعيب [قيمةً (١)] متوسّطةً من حيث نسبة إحداهما إلى الأُخرى بين أقوال جميع البيّنات المقوّمين للصحيح والفاسد. وليس في كلام الأكثر أنّه تجمع قيم الصحيح وتنتزع منها قيمةٌ وكذلك قيم المعيب ثمّ تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الأُخرى.

قال في المقنعة : فإن اختلف أهل الخبرة عُمل على أوسط القيم (٢) ونحوه في النهاية (٣). وفي الشرائع عُمل على الأوسط (٤).

وبالجملة ، فكلّ من عبّر بالأوسط يحتمل أن يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد (٥).

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) المقنعة : ٥٩٧.

(٣) النهاية : ٣٩٣.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٨.

(٥) في «ش» زيادة ما يلي :

«هذا ، مع أنّ المستند في الجميع هو ما ذكرنا : من وجوب العمل بكلٍّ من البيّنتين في قيمة نصف المبيع. نعم ، لو لم يكن بيّنةٌ أصلاً لكن علمنا من الخارج أنّ قيمة الصحيح إمّا هذا وإمّا ذاك وكذلك قيمة المعيب ولم نقل حينئذٍ بالقرعة أو الأصل ، فاللازم الاستناد في التنصيف إلى الجمع بين الحقّين على هذا الوجه ، وقد عرفت أنّ الجمع بتعديل التفاوت ؛ لأنّه الحقّ ، دون خصوص القيمتين المحتملتين. والله العالم».

٤١٧

تمّ

الجزء الخامس

ويليه

الجزء السادس

وأوّله في

الشروط

٤١٨

العناوين العامّة

القول في الخيار وأقسامه وأحكامه.............................................. ١١

في أقسام الخيار :............................................................ ٢٥

الأوّل : خيار المجلس......................................................... ٢٧

الثاني : خيار الحيوان......................................................... ٨٣

الثالث : خيار الشرط...................................................... ١١١

الرابع : خيار الغبن......................................................... ١٥٧

الخامس : خيار التأخير..................................................... ٢١٧

السادس : خيار الرؤية...................................................... ٢٤٥

السابع : خيار العيب....................................................... ٢٧١

القول في ماهيّة العيب...................................................... ٣٥٥

الكلام في بعض أفراد العيب................................................. ٣٦٥

٤١٩

القول في الأرش............................................................ ٣٩١

تعارض المقوّمين............................................................ ٤٠٥

٤٢٠