كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

«اشترى المتاع حُكرةً» أي جملةً (١).

وهذه الرواية بظاهرها منافٍ (٢) لحكم العيب من الردّ أو الأرش ، وتوجيهها بما يطابق القواعد مشكلٌ ، وربّما استُشكل في أصل الحكم بصحّة البيع لو كان كثيراً وعلم (٣) ؛ للجهل بمقدار المبيع. وكفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجةٌ بالإجماع كما تقدّم (٤) أو مفروضةٌ في صورة انضمام الظرف المفقود هنا ؛ لأنّ الدُّردي غير متموَّل.

والأولى أن يقال : إنّ وجود الدُّردي إن أفاد نقصاً في الزيت من حيث الوصف وإن أفضى بعد التخليص إلى نقص الكمّ نظير الغشّ في الذهب كان الزائد منه على المعتاد عيباً وإن أفرط في الكثرة ، ولا إشكال في صحّة البيع حينئذٍ ، لأنّ المبيع زيتٌ وإن كان معيوباً ، وعليه يحمل ما في التحرير : من أنّ الدُّردي في الزيت والبذر عيبٌ موجبٌ للردّ أو الأرش (٥).

وإن لم يفد إلاّ نقصاً في الكم ، فإن بيع (٦) ما في العُكّة بعد وزنها مع العُكّة ومشاهدة شي‌ءٍ منه تكون أمارةً على باقيه وقال : «بعتك ما في هذه العُكّة من الزيت كلّ رطلٍ بكذا» فظهر امتزاجه بغيره الغير الموجب لتعيّبه ، فالظاهر صحّة البيع وعدم ثبوت الخيار أصلاً ؛ لأنّه‌

__________________

(١) الوافي ١٨ : ٧٣٩ ، ذيل الحديث ١٨٢٠٢.

(٢) كذا ، والمناسب : «منافية».

(٣) لم ترد «وعلم» في «ش».

(٤) راجع الجزء الرابع ، الصفحة ٣٢١ ٣٢٢.

(٥) التحرير ١ : ١٨٢.

(٦) في «ش» : «باع».

٣٨١

اشترى السمن الموجود في هذه العُكّة ، ولا يقدح الجهل بوزنه ؛ للعلم به مع الظرف ، والمفروض معرفة نوعه بملاحظة شي‌ءٍ منها بفتح رأس العُكّة ، فلا عيب ولا تبعّض صفقةٍ ، إلاّ أن يقال : إنّ إطلاق شراء ما في العُكّة من الزيت في قوّة اشتراط كون ما عدا العُكّة سمناً ، فيلحق بما سيجي‌ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدارٍ خاصّ.

وإن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله : «بعتك ما في هذه العُكّة» فتبيّن بعضه دُرديّاً صحّ البيع في الزيت مع خيار تبعّض الصفقة.

قال في التحرير : لو اشترى سمناً فوجد فيه غيره تخيّر بين الرّد وأخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن (١).

ولو باع (٢) ما في العُكّة من الزيت على أنّه كذا وكذا رطلاً ، فتبيّن نقصه عنه لوجود الدُّردي ، صحّ البيع وكان للمشتري خيار تخلّف الوصف أو الجزء ، على الخلاف المتقدّم (٣) فيما لو باع الصبرة على أنّها كذا وكذا فظهر ناقصاً.

ولو باعه مع مشاهدته ممزوجاً بما لا يُتموّل بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت ، فالظاهر عدم صحّة البيع وإن عرف وزن المجموع مع العُكّة ؛ لأنّ كفاية معرفة وزن الظرف والمظروف إنّما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهولٍ آخر غير قابلٍ للبيع ، كما لو علم بوزن مجموع الظرف والمظروف لكن علم بوجود صخرةٍ في الزيت مجهولة الوزن.

__________________

(١) التحرير ١ : ١٨٢.

(٢) في «ق» : «ولو باعه».

(٣) انظر الجزء السادس ، الصفحة ٨١ ٨٢.

٣٨٢

مسألة

ثبوت الخيار في الجنون والبرص والجذام والقرن إلى سنة

قد عرفت (١) أنّ مطلق المرض عيبٌ ، خصوصاً الجنون والبَرَص والجُذام والقَرَن‌. ولكن تختصّ هذه الأربعة من بين العيوب بأنّها لو حدثت إلى سنةٍ من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرَّدّ والأرش. هذا هو المشهور ، ويدلّ عليه ما استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

روايات أحداث السنة

ففي رواية عليّ بن أسباط عنه في حديث خيار الثلاثة : «إنّ أحداث السنّة تردّ بعد السنة ، قلت : وما أحداث السنة؟ قال الجنون والجُذام والبَرَص والقَرَن ، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يردّ على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه» (٢).

وفي رواية ابن فضّال المحكيّة عن الخصال : «في أربعة أشياء خيار سنة : الجنون والجُذام والقَرَن والبَرَص» (٣).

وفي روايةٍ أُخرى له عنه عليه‌السلام قال : «تردّ الجارية من أربع‌

__________________

(١) في الصفحة ٣٦٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٢ ، الباب ٢ من أبواب العيوب ، الحديث ٤.

(٣) الخصال : ٢٤٥ ، الحديث ١٠٤ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٤١٢ ، الباب ٢ من أبواب العيوب ، الحديث ٧.

٣٨٣

خصال : من الجنون والجُذام والبَرَص والقَرَن والحَدَبَة» (١) هكذا في التهذيب. وفي الكافي : «القَرَن : الحَدَبَة ، إلاّ أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر» (٢) ، انتهى.

ومراده : أنّ الحَدَب ليس خامساً لها ، لأنّ القَرَن يرجع إلى حَدَبٍ في الفرج. لكن المعروف أنّه عَظْمٌ في الفرج كالسنّ يمنع الوطء.

ترك الجذام في رواية الحلبي

وفي الصحيح عن محمّد بن عليٍّ قيل : وهو مجهولٌ (٣) ، واحتمل بعضٌ (٤) كونه الحلبي عنه عليه‌السلام قال : «يردّ المملوك من أحداث السنة ، من الجنون والبَرَص والقَرَن ، قال : قلت وكيف يردّ من أحداث؟ فقال : هذا أوّل السنة يعني المحرّم فإذا اشتريت مملوكاً فحدث فيه هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجّة رددت على صاحبه» (٥) ، وهذه الرواية لم يذكر فيها الجذام (٦) مع ورودها في مقام التحديد والضبط لهذه الأُمور ،

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١١ ، الباب ٢ من أبواب العيوب ، الحديث الأوّل ، وراجع التهذيب ٧ : ٦٤ ، الحديث ٢٧٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٦ ، الحديث ١٥.

(٣) قاله المحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ١٠٤ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٦١.

(٤) وهو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٤٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٩٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٦٤ ، الحديث ٢٧٥ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٤١٢ الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ، ذيل الحديث ٢.

(٦) وردت كلمة «الجذام» في الحديث المنقول في التهذيب وغيره ـ ، بل وردت في كتب الفروع ، مثل الحدائق والجواهر أيضاً ، نعم ذكر السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٦١ ، الحديث كما ذكره المصنف ، وقال : «وقد ترك فيه الجذام» ، والظاهر أنّ المصنّف أخذه منه.

٣٨٤

فيمكن أن يدّعى معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة.

اشكال المحقّق الأردبيلي في الجذام

ومن هنا استشكل المحقّق الأردبيلي في الجذام (١). وليس التعارض من باب المطلق والمقيّد كما ذكره في الحدائق ردّاً على الأردبيلي رحمه‌الله (٢). إلاّ أن يريد أنّ التعارض يشبه تعارض المطلق والمقيّد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمالٌ يجري في معارضه ، وهو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام ، فإنّه أقرب الاحتمالات المتطرّقة فيما نحن فيه.

توجيه ترك ذكر الجذام في الرواية

ويمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها على المشتري بمجرّد حدوث الجذام ، فلا معنى للردّ ، وحينئذٍ فيشكل الحكم بالردّ في باقي الأخبار.

توجيه الشهيد الثاني لذلك ومناقشته

ووجّهه في المسالك : بأنّ عتقه على المشتري موقوفٌ على ظهور الجذام بالفعل ، ويكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادّته في نفس الأمر وإن لم يظهر ، فيكون سبب الخيار مقدّماً على سبب العتق ، فإن فسخ انعتق على البائع ، وإن أمضى انعتق على المشتري (٣).

وفيه أوّلاً :

أنّ ظاهر هذه الأخبار : أنّ سبب الخيار ظهور هذه الأمراض ؛ لأنّه المعنيّ بقوله : «فحدث فيه هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجّة» ، ولو لا ذلك لكفى وجود موادّها في السنة ، وإن تأخّر ظهورها عنها‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مجمع الفائدة ، نعم استشكل في القَرَن والبَرَص كما نقل عنه في الحدائق ١٩ : ١٠٥ ١٠٦ ، وراجع مجمع الفائدة ٨ : ٤٤٩ ٤٥٠.

(٢) راجع الحدائق ١٩ : ١٠٥ ١٠٦.

(٣) المسالك ٣ : ٣٠٥.

٣٨٥

ولو بقليلٍ بحيث يكشف عن وجود المادّة قبل انقضاء السنة. وهذا ممّا لا أظنّ (١) أحداً يلتزمه ، مع أنّه لو كان الموجب للخيار هي موادّ هذه الأمراض كان ظهورها زيادةً في العيب حادثةً في يد المشتري ، فلتكن مانعةً من الردّ ؛ لعدم قيام المال بعينه حينئذٍ ، فيكون في التزام خروج هذه العيوب عن عموم كون النقص الحادث مانعاً عن الردّ تخصيصٌ (٢) آخر للعمومات.

وثانياً : أنّ سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطروّ سببه ، بل ينبغي أن يكون الانعتاق القهري بسببه (٣) مانعاً شرعيّاً بمنزلة المانع العقلي عن الردّ كالموت ؛ ولذا لو حدث الانعتاق بسببٍ آخر غير الجذام فلا أظنّ أحداً يلتزم عدم الانعتاق إلاّ بعد لزوم البيع ، خصوصاً مع بناء العتق على التغليب.

هذا ، ولكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضَدة بالشهرة المحقَّقة والإجماع المدّعى في السرائر (٤) والغنية (٥) مشكلٌ ، فيمكن العمل بها في موردها ، أو الحكم من أجلها بأنّ تقدّم سبب الخيار يوجب توقّف الانعتاق على إمضاء العقد ولو في غير المقام. ثمّ لو فسخ المشتري فانعتاقه على البائع موقوفٌ على دلالة الدليل على عدم جواز تملّك‌

__________________

(١) في ظاهر «ق» : «يظنّ».

(٢) في النسخ : «تخصيصاً».

(٣) في «ش» : «سببه».

(٤) السرائر ٢ : ٣٠٢.

(٥) الغنية : ٢٢٢ ٢٢٣.

٣٨٦

المجذوم ، لا أنّ جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه.

عدم ذكر القرن في كلام الاكثر

ثمّ إنّ زيادة «القَرَن» ليس في كلام الأكثر ، فيظهر منهم العدم ، فنسبة المسالك الحكم في الأربعة إلى المشهور (١) كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتاً عن الخلاف فيه (٢). وعن التحرير : نسبته إلى أبي عليّ (٣) ، وفي مفتاح الكرامة : أنّه لم يظفر بقائلٍ غير الشهيدين وأبي عليّ (٤) ؛ ومن هنا تأمّل المحقّق الأردبيلي من عدم صحّة الأخبار وفقد الانجبار (٥).

شمول الحكم لصورة التصرّف أيضاً

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق الأخبار على وجهٍ يبعد التقييد فيها شمولُ الحكم لصورة التصرّف. لكن المشهور تقييد الحكم بغيرها ، ونُسب إليهم جواز الأرش قبل التصرّف وتعيّنه بعده (٦) ، والأخبار خاليةٌ عنه ، وكلا الحكمين (٧) مشكلٌ ، إلاّ أن الظاهر من كلمات بعضٍ عدم الخلاف الصريح فيهما. لكن كلام المفيد قدس‌سره مختصٌّ بالوطء (٨) ، والشيخ وابن زهرة لم‌

__________________

(١) المسالك ٣ : ٣٠٥.

(٢) الدروس ٣ : ٢٨١.

(٣) التحرير ١ : ١٨٥.

(٤) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٦٠ ٦٦١ ، مع زيادة نقله عن جامع الشرائع.

(٥) مجمع الفائدة ٨ : ٤٤٩ ٤٥٠.

(٦) لم نعثر عليه بعينه ، نعم في مجمع الفائدة (٨ : ٤٥٠) : «وثبت عندهم : أن الردّ يسقط مع التصرف في المبيع مطلقاً دون الأرش».

(٧) في «ش» : «كلاهما».

(٨) سيأتي في كلامه في الصفحة الآتية.

٣٨٧

يذكرا التصرّف ولا الأرش (١).

نعم ، ظاهر الحلّي الإجماع على تساويها (٢) مع سائر العيوب من هذه الجهة ، وأنّ هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونةً ، إلاّ أنّ الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض وانقضاء الخيار (٣). ولو ثبت أنّ أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنةٍ من ظهورها ، وثبت أنّ أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابقٌ للقاعدة ، ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيّب بمادّة هذه الأمراض الكامنة في المبيع ، لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه.

قال في المقنعة : ويردّ العبد والأمة من الجنون والجُذام والبَرَص ما بين ابتياعهما وبين سنةٍ واحدة ، ولا يُردّان بعد سنةٍ ، وذلك أنّ أصل هذه الأمراض يتقدّم ظهورها بسنةٍ ولا يتقدّم بأزيد ، فإن وطأ المبتاع الأمة في هذه السنة لم يجز له ردّها وكان له قيمة ما بينها صحيحةً وسقيمةً (٤) ، انتهى.

وظاهره : أنّ نفس هذه الأمراض تتقدّم بسنةٍ ؛ ولذا أورد عليه في السرائر : أنّ هذا موجبٌ لانعتاق المملوك على البائع فلا يصحّ البيع (٥). ويمكن أن يريد به ما ذكرنا : من إرادة موادّ هذه الأمراض.

__________________

(١) راجع النهاية : ٣٩٤ ، والغنية : ٢٢٢.

(٢) في «ق» : «تساويه».

(٣) راجع السرائر ٢ : ٣٠١ ٣٠٢.

(٤) المقنعة : ٦٠٠.

(٥) السرائر ٢ : ٣٠٢.

٣٨٨

خاتمة

في عيوبٍ متفرّقة‌

هل الكفر عيب في العبد والجارية

قال في التذكرة : بأنّ (١) الكفر ليس عيباً في العبد ولا في الجارية (٢). ثمّ استحسن قول بعض الشافعيّة بكونه عيباً في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجّس والتوثّن دون التهوّد والتنصّر. والأقوى كونه موجباً للردّ في غير المجلوب وإن كان أصلاً في المماليك ، إلاّ أنّ الغالب في غير المجلوب الإسلام ، فهو نقصٌ ؛ (٣) لتنفّر الطباع عنه ، خصوصاً بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثيرٍ من الاستخدامات.

نعم ، الظاهر عدم الأرش فيه ؛ لعدم صدق العيب عليه عرفاً وعدم كونه نقصاً أو زيادةً في أصل الخلقة.

لو ظهرت الأمة محرَّمةً على المشتري أو ممّن ينعتق عليه

ولو ظهرت الأمة محرَّمةً على المشتري برضاعٍ أو نسبٍ فالظاهر عدم الردّ به ؛ لأنّه لا يعدّ نقصاً بالنوع ، ولا عبرة بخصوص المشتري.

ولو ظهر (٤) ممّن ينعتق عليه فكذلك ، كما في التذكرة (٥) معلّلاً : بأنّه‌

__________________

(١) في «ش» : «إنّ».

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٩.

(٣) في «ش» زيادة : «موجب».

(٤) أي العبد ، كما في التذكرة.

(٥) التذكرة ١ : ٥٤٠.

٣٨٩

ليس نقصاً عند كلّ الناس وعدم نقص ماليّته عند غيره.

لو ظهر أنّ البائع باعه نيابة

وفي التذكرة : لو ظهر أنّ البائع باعه وكالةً أو ولايةً أو وصايةً أو أمانةً ، ففي ثبوت الردّ لخطر فساد النيابة احتمال (١). أقول : الأقوى عدمه.

لو اشترى ما عليه أثر الوقف

وكذا لو اشترى ما عليه أثر الوقف. نعم ، لو كان عليه أمارةٌ قويّةٌ عليه لم يبعد كونه موجباً للردّ ، لقلّة رغبة الناس في تملّك مثله ، وتأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة أصل الشي‌ء لو خلي وطبعه أثراً بيّناً.

هل الصيام والاحرام والاعتداد عيب؟

وذكر في التذكرة : أنّ الصيام والإحرام والاعتداد ليست عيوباً (٢).

أقول : أمّا عدم إيجابها الأرش فلا إشكال فيه. وأمّا عدم إيجابها الردّ ففيه إشكالٌ إذا فات بها الانتفاع بها في مدّةٍ طويلةٍ ، فإنّه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجراً.

وقال أيضاً : إذا كان المملوك نمّاماً أو ساحراً أو قاذفاً للمحصنات أو شارباً للخمر أو مقامراً ففي كون هذه عيوباً إشكالٌ ، أقربه العدم (٣).

وقال : لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيّئ الأدب أو ولد زنا أو مغنيّاً أو حجّاماً أو أكولاً أو زهيداً ، فلا ردّ. ويردّ الدابّة بالزهادة. وكون الأمة عقيماً لا يوجب الردّ ؛ لعدم القطع بتحقّقه فربّما كان من الزوج أو لعارضٍ ، انتهى.

ومراده العارض الاتّفاقي لا المرض العارضي.

قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الردّ : والضابط أنّ الردّ يثبت بكلّ ما في المعقود عليه من منقِّص القيمة أو العين نقصاً يفوت به غرضٌ صحيحٌ بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه (٤) ، انتهى.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٠ ، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش ، وكتب في آخرها «صح».

(٢) التذكرة ١ : ٥٤٠ ، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش ، وكتب في آخرها «صح».

(٣) التذكرة ١ : ٥٤٠ ، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش ، وكتب في آخرها «صح».

(٤) التذكرة ١ : ٥٤٠ ، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش ، وكتب في آخرها «صح».

٣٩٠

القول في الأرش‌

الارش لغةً واصطلاحاً

وهو لغةً كما في الصحاح (١) وعن المصباح (٢) ـ : دية الجراحات ، وعن القاموس : أنّه الدية (٣). ويظهر من الأوّلين أنّه في الأصل اسمٌ للفساد.

ويُطلق في كلام الفقهاء على مالٍ يؤخذ بدلاً عن نقصٍ مضمونٍ في مالٍ أو بدنٍ (٤) ، لم يقدّر له في الشرع مقدّرٌ.

وعن حواشي الشهيد قدس‌سره : أنّه يطلق بالاشتراك اللفظي على معانٍ :

كلام الشهيد في معنى الارش

منها : ما نحن فيه.

ومنها : نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدّر الشرعي.

__________________

(١) الصحاح ٣ : ٩٩٥ ، مادّة «أرش».

(٢) المصباح المنير : ١٢ ، مادّة «أرش».

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٢٦١ ، مادّة «أرش».

(٤) في «ش» زيادة : «و».

٣٩١

ومنها : ثمن التالف المقدّر شرعاً بالجناية ، كقطع يد العبد.

ومنها : أكثر الأمرين من المقدّر الشرعي والأرش ، وهو ما تلف بجناية الغاصب (١) ، انتهى.

وفي جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارةٌ إلى أنّ هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كلٍّ من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كلٍّ منها وبين الآخر ، فلا يكون مشتركاً معنوياً بينهما ، ولا حقيقةً ومجازاً ، فهي كلّها منقولاتٌ عن المعنى اللغويّ بعلاقة الإطلاق والتقييد. وما ذكرناه في تعريف الأرش فهو كلّي انتزاعيٌّ عن تلك المعاني ، كما يظهر بالتأمّل.

عدم ثبوت الارش إلّا مع ضمان النقص

وكيف كان ، فقد ظهر من تعريف الأرش : أنّه لا يثبت إلاّ مع ضمان النقص المذكور.

ثمّ إنّ ضمان النقص تابعٌ في الكيفيّة لضمان المنقوص ، وهو الأصل.

ضمان اليد

فإن كان مضموناً بقيمته كالمغصوب والمستام وشبههما ويسمّى ضمان اليد كان النقص مضموناً بما يخصّه من القيمة إذا وزّعت على الكلّ.

ضمان المعاوضة

وإن كان مضموناً بعوضٍ ، بمعنى أنّ فواته يوجب عدم تملّك عوضه المسمّى في المعاوضة ويسمّى ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضموناً بما يخصّه من العوض إذا وزّع على مجموع الناقص والمنقوص لا نفس قيمة العيب ؛ لأنّ الجزء تابعٌ للكلّ في الضمان ؛ ولذا عرّف جماعةٌ الأرشَ في عيب المثمن فيما نحن فيه : بأنّه جزءٌ من الثمن نسبته إليه‌

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٢.

٣٩٢

المضمون هو وصف الصحّة بما يخصّه من الثمن

كنسبة التفاوت بين الصحيح والمعيب إلى الصحيح (١) ؛ وذلك لأنّ ضمان تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة ، بمعنى أنّ البائع ضامنٌ لتسليم المبيع تامّاً إلى المشتري ، فإذا فاته تسليم بعضه ضَمِنَه بمقدار ما يخصّه من الثمن لا بقيمته.

ظاهر كلام جماعة أنّ المضمون قيمة العيب كلّها وتوجيهه

نعم ، ظاهر كلام جماعةٍ من القدماء (٢) كأكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب كلّها ، إلاّ أنّها محمولةٌ على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقيّة للمبيع ، بقرينة ما فيها : من أنّ البائع يردّ على المشتري ، وظاهره كون المردود شيئاً من الثمن ، الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه. فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن في بعض الأوقات ، كما إذا اشترى جاريةً بدينارين وكانت (٣) معيبها تسوي مائةً وصحيحها تسوي أزيد ، فيلزم استحقاق مائة دينارٍ ، فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلاً بقرينة عدم صدق الردّ والاسترجاع تعيّن كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن ، فإذا بُني الأمر [على ملاحظة الغلبة (٤)] فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة.

__________________

(١) كما في القواعد ٢ : ٧٤ ، والإرشاد ١ : ٣٧٦ ، وجامع المقاصد ٤ : ١٩٢ ، وفيه : «لأنّ المعروف أنّ الأرش جزءٌ من الثمن ..» ، ومجمع الفائدة ٨ : ٤٢٦.

(٢) مثل عليّ بن بابويه والمفيد كما في الدروس ٣ : ٢٨٧ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣١ ٦٣٣.

(٣) في «ش» : «كان» ، وهو الأنسب.

(٤) لم يرد في «ق».

٣٩٣

ما توهّمه بعض من لا تحصيل له

وقد توهّم بعض من لا تحصيل له : أنّ العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح والمعيب ، ومنشأه ما يُرى (١) في الغالب : من وقوع الثمن في الغالب نقداً غالباً مساوياً لقيمة المبيع ، فإذا ظهر معيباً وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت ، وإلاّ فلو فرض أنّه اشترى عبداً بجاريةٍ تسوي معيبها أضعاف قيمته ، فإنّه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها ومعيبها قطعاً.

الظاهر عدم الخلاف في المسألة

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال ولا خلاف في ذلك وإن كان المتراءى من الأخبار خلافه ، إلاّ أنّ التأمّل فيها قاضٍ بخلافه.

الاشكال من جهة اُخرى

نعم ، يشكل الأمر في المقام من جهةٍ أُخرى ، وهي : أنّ مقتضى ضمان وصف الصحّة بمقدار ما يخصّه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار ؛ لعدم مقابلٍ له حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع ، مع أنّه لم يقل به أحدٌ ، ويلزم من ذلك أيضاً تعيّن أخذ الأرش من الثمن ، مع أنّ ظاهر جماعةٍ عدم تعيّنه منه معلّلاً بأنّه غرامة (٢).

وتوضيحه : أنّ الأرش لتتميم المعيب حتّى يصير (٣) مقابلاً للثمن ، لا لنقص (٤) الثمن حتّى يصير مقابلاً للمعيب ؛ ولذا سُمّي أرشاً كسائر الاروش المتداركة للنقائص ، فضمان العيب على هذا الوجه خارجٌ عن‌

__________________

(١) كذا في ظاهر «ق» ، وفي «ش» : «ما يتراءى».

(٢) صرّح به العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٢٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٩٤.

(٣) في «ق» : «يصلح» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.

(٤) في «ش» : «لا لتنقيص».

٣٩٤

الضمانين المذكورين ؛ لأنّ ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة إلى الفائت المضمون ومقابله ؛ إذ لا معنى له غير ضمان الشي‌ء وأجزائه بعوضه المسمّى وأجزائه ، والضمان الآخر يقتضي ضمان الشي‌ء بقيمته الواقعيّة.

الجواب عن الاشكال

فلا أوثق من أن يقال : إنّ مقتضى المعاوضة عرفاً هو عدم مقابلة وصف الصحّة بشي‌ءٍ من الثمن ، لأنّه أمرٌ معنويٌّ كسائر الأوصاف ؛ ولذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدراً حصل الربا من جهة صدق الزيادة وعدم عدّ العيب نقصاً يتدارك بشي‌ءٍ من مقابله ، إلاّ أنّ الدليل من النصّ والإجماع دلّ على ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف (١) ، بمعنى وجوب تداركه بمقدارٍ من الثمن مُنضافٍ (٢) إلى ما يقابل بأصل المبيع لأجل اتّصافه بوصف الصحّة ، فإنّ هذا الوصف كسائر الأوصاف وإن لم يقابله شي‌ءٌ من الثمن ، لكن له مدخلٌ في وجود مقدارٍ من الثمن وعدمه ، فإذا تعهّده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله ، وللمشتري أيضاً إسقاط هذا الالتزام عنه.

هل الضمان بعين بعض الثمن أو بمقداره؟

نعم ، يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن ، كما هو ظاهر تعريف الأرش في كلام الأكثر بأنّه جزءٌ من الثمن (٣) ، أو بمقداره ، كما هو مختار العلاّمة في صريح التذكرة (٤) وظاهر‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «وكونه في عهدة البائع».

(٢) في «ش» : «يُضاف».

(٣) منهم العلاّمة والمحقّق الثاني وغيرهما ، وقد تقدّم عنهم في الصفحة ٣٩٣ ٣٩٤.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٨ ، وفيه : والأقرب أنّه لا يتعيّن حقّ المشتري فيه بل للبائع إبداله.

٣٩٥

غيرها والشهيدين في كتبهما (١)؟ وجهان : تردّد بينهما في جامع المقاصد (٢).

الأقوى في المسألة

وأقواهما الثاني ؛ لأصالة عدم تسلّط المشتري على شي‌ءٍ من الثمن ، وبراءة ذمّة البائع من وجوب دفعه ؛ لأنّ المتيقّن من مخالفة الأصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدارٍ وقع الإقدام من المتعاقدين على زيادته على الثمن لداعي وجود هذه الصفة ، لا في مقابلها ، مضافاً إلى إطلاق قوله عليه‌السلام في روايتي حمّاد وعبد الملك : إنّ (٣) «له أرش العيب» (٤) ، ولا دليل على وجوب كون التدارك بجزءٍ من عين الثمن ، عدا ما يتراءى من ظاهر التعبير في روايات الأرش عن تدارك العيب ب : «ردّ التفاوت إلى المشتري» (٥) الظاهر في كون المردود شيئاً كان عنده أوّلاً ، وهو بعض الثمن.

لكن التأمّل التامّ يقضي بأنّ هذا التعبير وقع بملاحظة أنّ الغالب‌

__________________

(١) راجع الدروس ٣ : ٢٨٧ ، والمسالك ٣ : ٢٩٩ ٣٠٠ ، والروضة ٣ : ٤٧٤.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ١٩٤.

(٣) في «ش» : «إنّه».

(٤) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب العيوب ، الحديث ٧ ، والصفحة ٤١٦ ، الباب ٥ من أبواب العيوب ، الحديث ٣.

(٥) لم نعثر على العبارة بلفظها ، نعم يدلّ على مفادها ما ورد في أبواب الخيار وأبواب أحكام العيوب ، منها ما ورد في الوسائل ١٢ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأوّل ، وفيه : «يرد عليه فضل القيمة» ، والصفحة ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، والصفحة ٤١٣ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العقود ، وغيرهما.

٣٩٦

وصول الثمن إلى البائع وكونه من النقدين ، فالردّ باعتبار النوع ، لا الشخص. ومن ذلك يظهر أنّ قوله عليه‌السلام في رواية ابن سنان : «ويوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها» (١) محمولٌ على الغالب : من كون الثمن كلّياً في ذمّة المشتري ، فإذا اشتغلت ذمّة البائع بالأرش حسب المشتري عند أداء الثمن ما في ذمّته عليه.

الظاهر تعيّن الارش من النقدين

ثمّ على المختار من عدم تعيّنه من عين الثمن ، فالظاهر تعيّنه من النقدين ؛ لأنّهما الأصل في ضمان المضمونات ، إلاّ أن يتراضى على غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة.

واستظهر المحقّق الثاني من عبارة القواعد والتحرير بل الدروس عدم تعيّنه منهما ؛ حيث حكموا (٢) في باب الصرف بأنّه لو وجد عيبٌ في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرّق جاز أخذ الأرش من غير النقدين ولم يجز منهما ، فاستشكل ذلك بأنّ الحقوق الماليّة إنّما يرجع فيها إلى النقدين ، فكيف الحقّ الثابت باعتبار نقصانٍ في أحدهما؟ (٣).

ويمكن رفع هذا الإشكال : بأنّ المضمون بالنقدين هي الأموال المتعيّنة المستقرّة ، والثابت هنا ليس مالاً في الذمّة ، وإلاّ بطل البيع فيما قابلة من الصحيح ؛ لعدم وصول عوضه قبل التفرّق ، وإنّما هو حقٌّ لو أعمله جاز له مطالبة المال ، فإذا اختار الأرش من غير النقدين‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأوّل.

(٢) في «ش» : «حكما».

(٣) جامع المقاصد ٤ : ١٩٢ ١٩٤ ، وراجع القواعد ٢ : ٣٩ ، والتحرير ١ : ١٧٢ ، والدروس ٣ : ٣٠٤.

٣٩٧

ابتداءً ورضي به الآخر فالمختار (١) نفس الأرش ، لا عوضٌ عنه. نعم ، للآخر الامتناع منه ؛ لعدم تعيّنه عليه ، كما أنّ لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام وإن لم يكن للآخر الامتناع حينئذٍ.

وبالجملة ، فليس هنا شي‌ءٌ معيّنٌ ثابتٌ في الذمّة ، إلاّ أنّ دفع غير النقدين يتوقّف على رضا ذي الخيار ويكون نفس الأرش ، بخلاف دفع النقدين ، فإنّه إذا اختير غيرهما لم يتعيّن (٢) للأرشيّة.

هل يعقل استغراق الارش للثمن؟

ثمّ إنّه قد تبيّن ممّا ذكرنا في معنى الأرش : أنّه لا يكون إلاّ مقداراً مساوياً لبعض الثمن ، ولا يعقل أن يكون مستغرقاً له ، لأنّ المعيب إن لم يكن ممّا يتموّل ويبذل في مقابله شي‌ءٌ من المال بطل بيعه ، وإلاّ فلا بدّ من أن يبقى له من الثمن قسطٌ.

تصوير ذلك فيما لو حصل قبل القبض أو في زمان الخيار عيب مستغرق للقيمة

نعم ، ربما يتصوّر ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيبٌ يستغرق للقيمة مع بقاء الشي‌ء على صفة التملّك (٣) ، بناءً على أنّ مثل ذلك غير ملحقٍ بالتلف في انفساخ العقد به ، بل يأخذ المشتري أرش العيب ، وهو هنا مقدار تمام الثمن. لكن عدم إلحاقه بالتلف مشكلٌ ، بناءً على أنّ العيب إذا كان مضموناً على البائع بمقتضى قوله عليه‌السلام : «إن حدث بالحيوان حدثٌ فهو من مال البائع حتّى ينقضي خياره» (٤)

__________________

(١) في «ش» : «فمختاره».

(٢) كذا في النسخ ، لكن قال الشهيدي قدس‌سره : «الصواب : فإنّه إذا اختير أحدهما يتعيّن للأرشيّة» هداية الطالب : ٥٤٨.

(٣) في محتمل «ق» : «الملك».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ ، وليس فيه : «حتّى ينقضي خياره».

٣٩٨

كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع ، والمفروض : أنّه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلاً ؛ لعدم كونه متموّلاً يُبذل بإزائه شي‌ءٌ من المال ، فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث (١) بعده مضموناً على البائع. إلاّ أن يمنع ذلك وأنّ ضمانه على البائع موجب (٢) الحكم بكون دَرَكه عليه ، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا الحكم لا مطلقاً حتّى ينفسخ العقد به ، ويرجع هذا الملك الموجود الغير المتموّل إلى البائع. بل لو فرضنا حدوث العيب على وجهٍ أخرجه عن الملك فلا دليل على إلحاقه بالتلف ، بل تبقى العين الغير المملوكة حقّا للمشتري وإن لم يكن ملكاً له كالخمر المتّخذ للتخليل ويأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشاً لا من باب انفساخ العقد.

كلمات العلّامة في الارش المستوعب في العيب المتقدّم على العقد

هذا ، إلاّ أنّ العلاّمة قدس‌سره في القواعد والتذكرة والتحرير (٣) ومحكيّ النهاية (٤) يظهر منه الأرش المستوعب في العيب المتقدّم على العقد الذي ذكرنا أنّه لا يعقل فيه استيعاب الأرش للثمن.

قال في القواعد : لو باع العبد الجاني خطأً ضَمِنَ أقلَّ الأمرين على رأيٍ ، والأرش على رأيٍ ، وصحّ البيع إن كان موسراً ، وإلاّ تخيّر المجنيّ عليه. ولو كان عمداً وقف على إجازة المجنيّ عليه ، ويضمن الأقلّ من الأرش والقيمة لا الثمن معها ، وللمشتري الفسخ مع الجهل ، فيرجع‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «مثل هذا».

(٢) في «ش» بدل «موجب» : «بمعنى».

(٣) ستأتي النصوص المنقولة عن هذه المصادر.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٤٨٥ ٤٨٦.

٣٩٩

بالثمن أو الأرش. فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضاً ، وإلاّ فقدر الأرش. ولا يرجع لو كان عالماً ، وله أن يفديه كالمالك ولا يرجع به عليه. ولو اقتصّ منه فلا ردّ وله الأرش ، وهو نسبة تفاوت ما بين كونه جانياً وغير جانٍ من الثمن (١) ، انتهى.

وذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب (٢). وقال في أوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني : ولو كان المولى معسراً لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلاً ، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه ، ولا يحصل من ذمّة المعسر ، فيبقى حقّ المجنيّ عليه مقدّماً على حقّ المشتري ، ويتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ ، فيرجع بالثمن [معه (٣)] أو مع الاستيعاب ، لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه. ولو كان عالماً بتعلّق الحقّ [به (٤)] فلا رجوع إلى أن قال : وإن أوجبت الجناية قصاصاً تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ والأرش ، فإن اقتصّ منه احتمل تعيّن الأرش ، وهو قسط قيمة ما بينه جانياً وغير جانٍ. ولا يبطل البيع من أصله (٥) ؛ لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فلم‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٣) أثبتناه من المصدر ، وفي «ش» بعد قوله : «بالثمن» زيادة : «وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة».

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) في المصدر زيادة : «وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة».

٤٠٠