كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

ظاهر المرسلة كون مجرّد الخروج عن المجرى الطبيعي عيباً

فإنّ ظاهر إطلاق الرواية المؤيَّد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصيّة الرواية في تلك القضيّة المشعر بظهورها فيها ، وفهم ابن أبي ليلى من حيث قوله وعمله كون مجرّد الخروج عن المجرى الطبيعي عيباً (١) وإن كان مرغوباً فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه ، كما يظهر من قول ابن أبي ليلى : «إنّ الناس ليحتالون .. إلخ» ، وتقرير المشتري له في ردّه.

لكنّ الإنصاف : عدم دلالة الرواية على ذلك.

الانصاف عدم دلالة الرواية على ذلك

أمّا أوّلاً : فلأنّ ظاهر الحكاية أنّ ردّ المشتري لم يكن لمجرّد عدم الشعر بل لكونها في أصل الخلقة كذلك ، الكاشف عن مرضٍ في العضو أو في أصل المزاج ، كما يدلّ عليه عدم اكتفائه في عذر الردّ بقوله : «لم أجد على ركبها شعراً» حتّى ضمّ إليه دعواه «أنّه لم يكن لها قطُّ».

وقول ابن أبي ليلى : «إنّ الناس ليحتالون في ذلك حتّى يذهبوه» لا يدلّ على مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض ، وإنّما هي مغالطةٌ عليه تفصّياً عن خصومته ، لعجزه عن حكمها ، وإلاّ فالاحتيال لإذهاب شعر الركب لا يدلّ على أنّ عدمه في أصل الخلقة شي‌ءٌ مرغوبٌ فيه ، كما أنّ احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدلّ على كون عدمه من أصله لقَرَعٍ أو شبهه أمراً مرغوباً فيه.

وبالجملة ، فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب ممّا يُقطع أو يُحتمل كونه لأجل مرضٍ عيباً. وقد عُدّ من العيوب الموجبة للأرش ما (٢) هو أدون من ذلك.

__________________

(١) في «ق» : «غالباً».

(٢) في «ش» ومحتمل «ق» : «بما».

٣٦١

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله عليه‌السلام : «فهو عيبٌ» إنّما يراد به بيان موضوع العيب توطئةً لثبوت أحكام العيب له ، والغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو ردّ المعيوب ؛ ولذا اشتهر : كلّ معيوبٍ مردودٌ. وأمّا باقي أحكام العيب وخياره مثل عدم جواز ردّه بطروّ موانع الردّ بخيار العيب ، وكونه مضموناً على البائع قبل القبض وفي مدّة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتّبها على العيب ، فتأمّل.

وثالثاً (١) : فلأنّ (٢) الرواية لا تدلّ على الزائد عما يدلّ عليه العرف ؛ لأنّ المراد بالزيادة والنقيصة على أصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعاً ، فإنّ زيادة شعر رأس الجارية أو حدّة بصر العبد أو تعلّمهما للصنعة (٣) والطبخ ، وكذا نقص العبد بالختان وحلق الرأس ليس عيباً قطعاً ، فتعيّن أن يكون المراد بها الزيادة والنقيصة الموجبتين لنقصٍ في الشي‌ء من حيث الآثار والخواصّ المترتّبة عليه ، ولازم ذلك نقصه من حيث الماليّة ؛ لأنّ المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتّب عليها من الآثار والمنافع.

ورابعاً (٤) : لو سلّمنا مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب ، فلا ينهض لرفع اليد بها عن العرف المحكَّم في مثل ذلك لولا النصّ المعتبر ، لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال والمرسِل (٥) ، فافهم.

__________________

(١) في «ش» : «وأمّا ثالثاً».

(٢) في «ف» و «ق» بدل «فلأنّ» : «أنّ».

(٣) في «ش» ومحتمل «ق» : «للصيغة».

(٤) في «ش» : «وأمّا رابعاً فلأنا».

(٥) لم ترد «والمرسِل» في «ش».

٣٦٢

الأولى في تعريف العيب

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ الأولى في تعريف العيب ما في التحرير والقواعد : من أنّه نقصٌ في العين ، أو زيادةٌ فيها تقتضي النقيصة الماليّة في عادات التجار (١). ولعلّه المراد بما في الرواية كما عرفت ومراد كلّ من عبّر بمثلها ؛ ولذا قال في التحرير بعد ذلك : «وبالجملة كلّ ما زاد أو نقص عن أصل الخلقة». والقيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض ، كما قد يقال ذلك في العبد الخصيّ.

ولا ينافيه ما ذكره في التحرير : من أنّ عدم الشعر على العانة عيبٌ في العبد والأمة (٢) ؛ لأنّه مبنيٌّ على ما ذكرنا في الجواب الأوّل عن الرواية : من أنّ ذلك كاشفٌ أو موهمٌ لمرضٍ في العضو أو المزاج ، لا على أنّه لا يعتبر في العيب النقيصة الماليّة.

وفي التذكرة بعد أخذ نقص الماليّة في تعريف العيب ، وذكر كثيرٍ من العيوب ـ : والضابط أنّه يثبت الردّ بكلّ ما في المعقود عليه من منقّص القيمة أو العين نقصاً يفوت به غرضٌ صحيحٌ بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه (٣) ، انتهى كلامه.

وما أحسنه! حيث لم يجعل ذلك تعريفاً للعيب ، بل لما يوجب الردّ فيدخل فيه مثل خصاء العبد ، كما صرّح به في التذكرة معلّلاً بأنّ الغرض قد يتعلّق بالفحوليّة وإن زادت قيمته باعتبارٍ آخر ، وقد دخل المشتري على ظنّ السلامة ، انتهى (٤). ويخرج منه مثل الثيبوبة والغُلفة في المجلوب.

__________________

(١) التحرير ١ : ١٨٢ ، والقواعد ٢ : ٧٢ ، والعبارة من التحرير.

(٢) التحرير ١ : ١٨٢ ، وفيه : «عدم الشعر على العانة في الرجل والمرأة عيب».

(٣) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٨.

٣٦٣

ولعلّ من عمّم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك (١) ، وعن جماعةٍ (٢) أراد به مجرّد موجب الردّ ، لا العيب الذي يترتّب عليه كثيرٌ من الأحكام وإن لم يكن فيه أرشٌ (٣) ، كسقوط خياره بتصرّفٍ أو حدوث عيبٍ وغير ذلك.

وعليه يبتني قول جامع المقاصد ، كما عن تعليق الإرشاد ، حيث ذكرا (٤) : أنّ اللازم تقييد قول العلاّمة : «يوجب نقص الماليّة» بقوله : «غالباً» ليندرج مثل الخصاء والجَبّ (٥) ؛ لأنّ المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أنّ الكلام في موجبات الردّ ، لا خصوص العيب. ويدلّ على ذلك أنّه قيّد «كونَ عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيباً» ب «علم المشتري بجلبه» ؛ إذ ظاهره أنّه مع عدم العلم عيبٌ ، فلولا أنّه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الردّ لم يكن معنىً لدخل علم المشتري وجهله في ذلك.

__________________

(١) المسالك ٣ : ٢٩٠.

(٢) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦١١ عن الميسيّة ، وقال : «وهو قضية إطلاق المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والمراسم وفقه القرآن للراوندي والوسيلة والغنية ..».

(٣) لم ترد عبارة «وإن لم يكن فيه أرش» في «ش».

(٤) في «ش» : «ذكر».

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٢٣ وحاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٦٢ والعبارة للأوّل.

٣٦٤

الكلام في بعض أفراد العيب‌

مسألة

عدم الخلاف في كون المرض عيباً

لا إشكال ولا خلاف في كون المرض عيباً ، وإطلاق كثيرٍ وتصريح بعضهم (١) يشمل حُمّى يومٍ ، بأن يجده في يوم البيع قد عرض له الحُمّى وإن لم يكن نوبة له في الأُسبوع.

قال في التذكرة : الجُذام والبَرَص والعَمَى والعَوَر والعَرَج والقَرْن والفَتْق والرتَق والقَرَع (٢) والصمَم والخَرَس عيوبٌ إجماعاً. وكذا أنواع المرض ، سواءً استمرّ كما في الممراض ، أو كان عارضاً ولو حُمّى يومٍ. والإصبع الزائدة والحَوَل والحَوَص والسبَل واستحقاق القتل في الردّة أو القصاص والقطع بالسرقة أو الجناية والاستسعاء في الدين عيوبٌ إجماعاً (٣).

ثمّ إنّ عدّ حُمّى اليوم المعلوم كونها حُمّى يومٍ يزول في يومه ولا يعود مبنيٌّ على عدِّ موجبات الردِّ لا العيوب الحقيقيّة ؛ لأنّ ذلك ليس مُنقِّصاً للقيمة.

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٧ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٧٢ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٢٨١.

(٢) في محتمل «ق» : «الصرع».

(٣) التذكرة ١ : ٥٤٠.

٣٦٥

مسألة

الحَبَل عيبٌ في الإماء‌

الحَبَل عيبٌ في الإماء‌ كما صرّح به جماعةٌ (١) ، وفي المسالك (٢) : الإجماع عليه ، في مسألة ردّ الجارية الحامل بعد الوطء. ويدلّ عليه الأخبار الواردة في تلك المسألة (٣). وعلّله في التذكرة باشتماله على تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع (٤). هذا مع عدم كون الحمل للبائع ، وإلاّ فالأمر أوضح. ويؤيّده عجز الحامل عن كثيرٍ من الخدمات وعدم قابليّتها للاستيلاد إلاّ بعد الوضع.

الحبل في غير الاماء من الحيوانات

أمّا في غير الإماء من الحيوانات ، ففي التذكرة : أنّه ليس بعيبٍ ولا يوجب الردّ بل [ذلك (٥)] زيادةٌ في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في‌

__________________

(١) مثل العلامة في التذكرة ١ : ٥٤٠ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٢٨١ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٢.

(٢) المسالك ٣ : ٢٨٧ ٢٨٨.

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٥ ٤١٧ ، الباب ٥ من أبواب العيوب.

(٤) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٥) لم يرد في «ق».

٣٦٦

بيع الحامل ، كما هو مذهب الشيخ ، وقال بعض الشافعيّة : يردّ به ، وليس بشي‌ءٍ (١) ، انتهى.

ورجّح المحقّق [الثاني (٢)] كونه عيباً وإن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل ؛ لأنّه وإن كان زيادةً من وجهٍ ، إلاّ أنّه نقيصةٌ من وجهٍ آخر ، لمنع الانتفاع بها عاجلاً ، ولأنه لا يؤمن عليها من أداء الوضع إلى الهلاك (٣).

والأقوى على قول الشيخ (٤) ما اختاره في التذكرة ؛ لعدم النقص في الماليّة بعد كونه زيادةً من وجهٍ آخر ، وأداء الوضع إلى الهلاك نادرٌ في الحيوانات لا يعبأ به. نعم ، عدم التمكّن من بعض الانتفاعات نقصٌ يوجب الخيار دون الأرش ، كوجدان العين مستأجرةً.

لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري

وكيف كان ، فمقتضى كون الحمل عيباً في الإماء أنّه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردّها ؛ لحدوث العيب في يده (٥) سواءً نقصت بعد الولادة أم لا ، لأنّ العيب الحادث مانعٌ وإن زال ، على ما تقدّم من التذكرة (٦).

وفي التذكرة : لو كان المبيع جاريةً (٧) فحبلت وولدت في يد‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٣١.

(٤) وهو دخول الحمل في بيع الحامل.

(٥) في «ق» : «في يدها» ، وهو سهو.

(٦) تقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٧) في «ش» زيادة : «معيبة».

٣٦٧

المشتري ، فإن نقصت بالولادة سقط الردّ بالعيب القديم وكان له الأرش ، وإن لم تنقص فالأولى جواز ردّها وحدها من دون الولد إلى أن قال : وكذا حكم الدابّة لو حملت وولدت عند المشتري (١) ، فإن نقصت بالولادة فلا ردّ ، وإن لم تنقص ردّها [دون ولدها (٢)] لأنّه للمشتري (٣) ، انتهى.

وفي مقامٍ آخر : لو اشترى جاريةً أو بهيمةً حائلاً فحبلت عند المشتري فإن نقصت بالحمل فلا ردّ (٤) ، وإن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الردّ (٥) ، انتهى.

وفي الدروس : لو حملت إحداهما يعني الجارية والبهيمة عند المشتري لا بتصرّفه فالحمل له ، فإن فسخَ ردَّ الامَّ ما لم تنقص بالحمل أو الولادة. وظاهر القاضي : أن الحمل عند المشتري يمنع الردّ ، لأنّه إمّا بفعله أو إهمال المراعاة حتّى ضربها الفحل ، وكلاهما تصرّفٌ (٦) ، انتهى.

لكن صرّح في المبسوط باستواء البهيمة والجارية في أنّه إذا حملت‌

__________________

(١) في «ش» : «لو حملت عند المشتري وولدت».

(٢) من «ش» والمصدر.

(٣) التذكرة ١ : ٥٣٢.

(٤) العبارة في «ش» والمصدر هكذا : «لو اشترى جاريةً حائلاً أو بهيمةً حائلاً فحبلت ، ثمّ اطّلع على عيب ، فإن نقصت بالحمل فلا ردّ إن كان الحمل في يد المشتري ، وبه قال الشافعي».

(٥) التذكرة ١ : ٥٣٢.

(٦) الدروس ٣ : ٢٨٥ ، وفيه : «وأطلق القاضي».

٣٦٨

إحداهما عند المشتري وولدت ولم تنقص بالولادة فوجد فيها عيباً ردَّ الامَّ دون الولد (١).

وظاهر ذلك كلّه خصوصاً نسبة منع الردّ إلى خصوص القاضي وخصوصاً مع استدلاله على المنع بالتصرّف ، لا حدوث العيب تسالمهم على أنّ الحمل الحادث عند المشتري في الأمة ليس في نفسه عيباً بل العيب هو النقص الحاصل (٢) بالولادة. وهذا مخالفٌ للأخبار المتقدّمة في ردّ الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحَبَل (٣) ، وللإجماع المتقدّم عن المسالك (٤) ، وتصريح هؤلاء بكون الحمل (٥) عيباً يُردّ منه لاشتماله على التغرير بالنفس.

والجمع بين كلماتهم مشكلٌ ، خصوصاً بملاحظة العبارة الأخيرة المحكيّة عن التذكرة : من إطلاق كون الحمل عند البائع عيباً وإن لم يُنقِّص ، وعند المشتري بشرط النقص فافهم ـ (٦) من غير فرقٍ بين الجارية والبهيمة ، مع أنّ ظاهر العبارة الأُولى كالتحرير والقواعد الفرق ، فراجع.

قال في القواعد : لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٢٧.

(٢) في «ش» : «الحادث».

(٣) تقدّم في الصفحة ٢٩٣ ٢٩٤.

(٤) تقدّم في الصفحة ٣٦٦.

(٥) في «ش» : «الحبل».

(٦) لم ترد «فافهم» في «ش».

٣٦٩

تصرّفٍ فالأقرب أنّ للمشتري الردّ بالعيب السابق ، لأنّ الحمل زيادة (١) ، انتهى. وهذا بناءٌ منه على أنّ الحمل ليس عيباً في غير الأمة.

وفي الإيضاح : أنّ هذا (٢) على قول الشيخ في كون الحمل تابعاً للحامل في الانتقال ظاهرٌ (٣) ، وأمّا عندنا فالأقوى ذلك ؛ لأنّه كالثمرة المتجدّدة على الشجرة ، وكما لو أطارت الريح ثوباً للمشتري في الدار المبتاعة والخيار له فلا يؤثّر ، ويحتمل عدمه ؛ لحصول خطرٍ ما ، ولنقص منافعها ، فإنّها لا تقدر على الحمل العظيم (٤) ، انتهى.

وممّا ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلى الإيضاح : من أنّ ما قرّبه في القواعد مبنيٌّ على قول الشيخ : من دخول الحمل في بيع الحامل.

نعم ، ذكر في جامع المقاصد : أنّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره إن تمّ فإنّما يُخرَّج على قول الشيخ : من كون المبيع في زمن الخيار مِلكاً للبائع بشرط تجدّد الحمل في زمان الخيار (٥).

ولعلّه فهم من العبارة ردّ الحامل مع حملها على ما يتراءى من تعليله بقوله : «لأنّ الحمل زيادةٌ» يعني : أنّ الحامل رُدَّت إلى البائع مع الزيادة ، لا مع النقيصة. لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلاً لعدم كون الحمل عيباً في غير الأمة.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧٥ ، وراجع التحرير ١ : ١٨٤ أيضاً.

(٢) في «ش» زيادة : «بناء».

(٣) في «ق» : «ظاهراً».

(٤) الإيضاح ١ : ٤٩٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٤١.

٣٧٠

الاقوى عدم جواز الردّ ما دام الحمل

وكيف كان ، فالأقوى في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الردّ ما دام الحمل ، وابتناء حكمها بعد الوضع وعدم النقص على ما تقدّم : من أنّ زوال العيب الحادث يؤثّر في جواز الردّ أم لا؟ وأمّا حمل غير الأمة فقد عرفت أنّه ليس عيباً موجباً للأرش ؛ لعدم الخطر فيه غالباً ، وعجزها عن تحمّل بعض المشاقّ لا يوجب إلاّ فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الردّ دون الأرش.

لكن لمّا كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الردّ ما يعمّ نقص الصفات الغير الموجب للأرش ، [و (١)] كان متحقّقاً (٢) هنا مضافاً إلى نقصٍ آخر وهو كون المبيع متضمّناً لمال الغير ؛ لأنّ المفروض كون الحمل للمشتري اتّجه الحكم بعدم جواز الردّ حينئذٍ.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) في «ش» : «محقّقاً».

٣٧١

مسألة

هل الثيوبة عيب في الاماء

الأكثر على أنّ الثيبوبة ليست عيباً في الإماء ، بل في التحرير : لا نعلم فيه خلافاً (١) ، ونسبه في المسالك (٢) كما عن غيره (٣) إلى إطلاق الأصحاب ؛ لغلبتها فيهنّ ، فكانت بمنزلة الخلقة الأصليّة. واستدلّ عليه أيضاً برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب على ما ادّعاه المستدلّ ـ : «عن رجلٍ باع جاريةً على أنّها بِكرٌ ، فلم يجدها كذلك؟ قال : لا تردّ عليه ، ولا يجب عليه شي‌ءٌ ؛ إنّه قد يكون تذهب في حال مرضٍ أو أمرٍ يصيبها» (٤).

وفي كلا الوجهين نظر :

ففي الأوّل : ما عرفت سابقاً : من أنّ وجود الصفة في أغلب أفراد الطبيعة إنّما يكشف عن كونها بمقتضى أصل وجودها المعبَّر عنه بالخلقة الأصليّة إذا لم يكن مقتضى الخلقة معلوماً كما (٥) نحن فيه ، وإلاّ فمقتضى‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٨٢.

(٢) المسالك ٣ : ٢٩٥.

(٣) مثل الحدائق ١٩ : ٩٨ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦١٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب العيوب ، الحديث ٢.

(٥) في «ش» : «فيما».

٣٧٢

الغالب لا يقدَّم على ما علم أنّه مقتضى الخلقة الأصليّة وعُلم كون النقص عنها موجباً لنقص الماليّة كما فيما نحن فيه ، خصوصاً مع ما عرفت من إطلاق مرسلة السيّاري (١) ، غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل إطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة ، ولا يثبت الخيار بوجودها وإن كانت نقصاً في الخلقة الأصليّة.

وأمّا رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود ؛ لتعليله عليه‌السلام عدم الردّ مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارضٍ ، وقدح هذا الاحتمال إمّا لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضموناً على البائع ، وإمّا لأنّ اشتراط البكارة كنايةٌ عن عدم وطء أحدٍ لها ، فمجرّد ثيبوبتها لا يوجب تخلّف الشرط الموجب للخيار ، بل مقتضى تعليل عدم الردّ بهذا الاحتمال أنّه لو فرض عدمه لثبت الخيار ، فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمالٍ طبيعيٍّ ، فعدمها نقصٌ في أصل الطبيعة فيكون عيباً.

عدم اقتضاء اطلاق العقد في الاماء السلامة عن الثيوبة

وكيف كان ، فالأقوى أنّ الثيبوبة عيبٌ عرفاً وشرعاً ، إلاّ أنّها لمّا غلبت على الإماء لم يقتض إطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك.

وتظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقاً أو اشترط خصوص البكارة ، فإنّه يثبت بفقدها التخيير بين الردّ والأرش ؛ لوجود العيب وعدم المانع من تأثيره. ومثله ما لو كان المبيع صغيرةً أو كبيرةً لم يكن الغالب على صنفها الثيبوبة ، فإنّه يثبت حكم العيب.

والحاصل : أنّ غلبة الثيبوبة مانعةٌ عن حكم العيب لا موضوعِهِ ،

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٣٦٠.

٣٧٣

فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب ، ولعلّ هذا (١) مراد المشهور أيضاً. ويدلّ على ذلك ما عرفت (٢) من العلاّمة رحمه‌الله في التحرير : من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيباً ، مع أنّه في كتبه (٣) ، بل المشهور كما في الدروس (٤) على ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة ، فلولا أنّ الثيبوبة عيبٌ لم يكن أرشٌ في مجرّد تخلّف الشرط.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مستندهم في ثبوت الأرش ورود النصّ بذلك فيما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس : «في رجلٍ اشترى جاريةً على أنّها عذراء ، فلم يجدها عذراء؟ قال : يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق» (٥).

ثمّ إنّه نسب في التذكرة إلى أصحابنا عدم الردّ بمقتضى رواية سماعة المتقدّمة ، وأوَّلَه بما وجّهنا به تلك الرواية (٦). وذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية (٧) مع تعليلها الدالّ على تأويلها.

لو شرط الثيبوبة فبانت بكراً

ولو شرط الثيبوبة فبانت بكراً كان له الردّ ؛ لأنّه قد يقصد الثيّب لغرضٍ صحيح.

__________________

(١) في «ش» زيادة : «هو».

(٢) في الصفحة ٣٧٢.

(٣) كما في المختلف ٥ : ١٧٤ ، والتحرير ١ : ١٨٦ ، والتذكرة ١ : ٥٣٩.

(٤) الدروس ٣ : ٢٧٦.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٦ ، الحديث ١٤ ، والتهذيب ٧ : ٦٤ ، الحديث ٢٧٨ ، وعنهما في الوسائل ١٢ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب العيوب ، الحديث الأوّل.

(٦) التذكرة ١ : ٥٣٩ ٥٤٠ ، وتقدّمت الرواية في الصفحة ٣٧٢.

(٧) النهاية : ٣٩٤ ٣٩٥.

٣٧٤

مسألة

هل عدم الختان عيبٌ في العبد؟

ذكر في التذكرة والقواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير ؛ لأنّه يخاف عليه من ذلك (١). وهو حسنٌ على تقدير تحقّق الخوف على وجهٍ لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه. ويلحق بذلك المملوك الغير المجدّر ، فإنّه يخاف عليه ، لكثرة موت المماليك بالجدري. ومثل هذين وإن لم يكن نقصاً في الخلقة الأصليّة ، إلاّ أنّ عروض هذا النقص أعني الخوف مخالفٌ لمقتضى ما عليه الأغلب في النوع أو الصنف.

ولو كان الكبير مجلوباً من بلاد الشرك ، فظاهر القواعد كون عدم الختان عيباً فيه مع الجهل دون العلم (٢). وهو غير مستقيمٍ ؛ لأنّ العلم والجهل بكونه مجلوباً لا يؤثّر في كونه عيباً. نعم ، لمّا كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن إطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاماً بسلامته من هذا العيب ، كما ذكرنا نظيره في الثيّب.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٩ ، والقواعد ٢ : ٧٣.

(٢) القواعد ٢ : ٧٣.

٣٧٥

وتظهر الثمرة هنا أيضاً فيما لو اشترط الختان فظهر أغلف ، فيثبت الرد والأرش.

فإخراج العلاّمة قدس‌سره الثيبوبة وعدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب ؛ لكونه قدس‌سره في مقام عدّ العيوب الموجبة فعلاً للخيار.

٣٧٦

مسألة

عدم الحيض ممّن شأنها الحيض

عدم الحيض ممّن شأنها الحيض بحسب السنّ والمكان وغيرهما من الخصوصيّات التي لها مدخلٌ (١) في ذلك عيبٌ‌ تُردّ منه (٢) الجارية ؛ لأنّه خروجٌ عن المجرى الطبيعي ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن رجلٍ اشترى جاريةً مدركةً فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهرٍ وليس بها حملٌ ، قال : «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبرٍ فهذا عيبٌ تُردُّ منه» (٣) وليس التقييد بمضيّ ستّة أشهرٍ إلاّ في مورد السؤال ، فلا داعي إلى تقييد كونه عيباً بذلك ، كما في ظاهر بعض الكلمات (٤).

ثمّ إنّ حمل الرواية على صورة عدم التصرّف في الجارية حتّى بمثل قول المولى لها : «اسقني ماءً» و «أغلقي الباب» في غاية البعد. وظاهر الحليّ في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأساً (٥).

__________________

(١) في «ش» : «مدخلية».

(٢) في «ش» : «معه».

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٣ ، الباب ٣ من أبواب العيوب ، وفيه حديث واحد.

(٤) مثل الشيخ في النهاية : ٣٩٥ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣٧ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٧٢.

(٥) راجع السرائر ٢ : ٣٠٤ ٣٠٥.

٣٧٧

مسألة

الإباق عيبٌ بلا خلاف

الإباق عيبٌ بلا إشكالٍ ولا خلافٍ ؛ لأنّه من أفحش العيوب. وتدلّ عليه صحيحة أبي همّام (١) الآتية في عيوب السَّنَة (٢). لكن في رواية محمّد بن قيس : أنّه «ليس في الإباق عهدةٌ» (٣) ، ويمكن حملها على أنّه ليس كعيوب السَّنَة يكفي حدوثها بعد العقد ، كما يشهد قوله عليه‌السلام في رواية يونس : «إنّ العهدة في الجنون والبرص سنةٌ» (٤) ، بل لا بدّ من ثبوت كونه كذلك عند البائع ، وإلاّ فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع ، ولا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع.

هل يشترط الاعتياد؟

وهل يكفي المرّة عنده أو يشترط الاعتياد؟ قولان : من الشكّ في كونه عيباً. والأقوى ذلك ، وفاقاً لظاهر الشرائع (٥) وصريح‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١١ ، الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٢.

(٢) لم نعثر عليها فيما يأتي.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢٢ ، الباب ١٠ من أبواب العيوب ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤١٢ ، الباب ٢ من أبواب العيوب ، الحديث ٥.

(٥) الشرائع ٢ : ٣٧.

٣٧٨

التذكرة (١) ؛ لكون ذلك بنفسه نقصاً بحكم العرف.

ولا يشترط إباقه عند المشتري قطعاً.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨ ، وفيه : «والمرّة الواحدة في الإباق تكفي ..» ، وأمّا القول بالاعتياد فقد نسبه في المسالك ٣ : ٢٩٦ إلى بعض الأصحاب ، وقال : «وهو أقوى» ، وقال في الروضة ٣ : ٤٩٩ : «والأقوى اعتبار اعتياده».

٣٧٩

مسألة

الثفل الخارج عن العادة

الثفل الخارج عن العادة في الزيت والبذر ونحوهما عيبٌ‌ يثبت به الردّ والأرش ؛ لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشي‌ء.

وفي رواية ميسِّر بن عبد العزيز ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشتري زِقَّ زيتٍ يجد فيه دُرديّاً؟ قال : إن كان يعلم أنّ الدُّردي يكون في الزيت فليس عليه أن يردّه ، وإن لم يكن يعلم فله أن يردّه» (١).

نعم ، في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : «أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى في رجلٍ اشترى من رجلٍ عُكّةً فيها سمنٌ احتكرها حُكرةً ، فوجد فيها رُبّاً ، فخاصمه إلى عليٍّ عليه‌السلام ، فقال له عليٌّ عليه‌السلام : لك بكيل الرُّبّ سمناً ، فقال له الرجل : إنّما بعته منه حُكرةً ، فقال له عليٌّ عليه‌السلام : إنّما اشترى منك سمناً ولم يشتر منك رُبّاً» (٢) قال في الوافي : يقال‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٩ ، الباب ٧ من أبواب العيوب ، الحديث الأولّ ، نقله عن الكافي ، ولكن الموجود في المتن أقرب وأشبه لما في التهذيب ٧ : ٦٦ ، الحديث ٢٨٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٩ ، الباب ٧ من أبواب العيوب ، الحديث ٣.

٣٨٠