كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

كيفيّة حلف البائع على عدم تقدّم العيب

وإذا حلف البائع فلا بدّ من حلفه على عدم تقدّم العيب أو نفي استحقاق الردّ أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع واطّلع على خفايا أمره ، كما يشهد بالإعسار والعدالة وغيرهما ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر.

ولو لم يختبر ، ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شكّ في ذلك وجهٌ ، احتمله في جامع المقاصد (١) وحكي عن جماعةٍ (٢) ، كما يُحلَف على طهارة المبيع استناداً إلى الأصل. ويمكن الفرق بين الطهارة وبين ما نحن فيه : بأنّ المراد بالطهارة في استعمال المتشرّعة ما يعمّ غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي ، كما أنّ المراد بالملكيّة والزوجيّة ما استند إلى سببٍ شرعيٍّ ظاهريٍّ ، كما تدلّ عليه رواية حفص الواردة في جواز الحلف على ملكيّة ما أُخذ من يد المسلمين (٣).

وفي التذكرة بعد ما حكى عن بعض الشافعيّة جواز الاعتماد على أصالة السلامة في هذه الصورة قال : وعندي فيه نظرٌ ، أقربه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم (٤). واستحسنه في المسالك ، قال : لاعتضاده بأصالة عدم التقدّم ، فيحتاج المشتري إلى إثباته (٥). وقد سبقه إلى ذلك في‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٥.

(٢) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٥٩.

(٣) الوسائل ١٨ : ٢١٥ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٢.

(٤) التذكرة ١ : ٥٤١.

(٥) المسالك ٣ : ٢٩٩.

٣٤١

الميسيّة (١) ، وتبعه في الرياض (٢).

أقول : إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في إسقاط أصل الدعوى بحيث لا تسمع البيّنة بعد ذلك ، ففيه إشكالٌ. نعم ، لو أُريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البيّنة ، فله وجهٌ وإن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفى بذلك منه ، فيردّ الحاكم اليمين على المشتري ، فيحلف (٣). وهذا أوفق بالقواعد.

ثمّ الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع ، بل عن الرياض : لزوم الحلف مع الاختبار على البتّ قولاً واحداً (٤). لكن الظاهر أنّ المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم ؛ إذ مع الاختبار يتمكّن من الحلف على البتّ ، فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي العلم ، لا أنّ اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار ، فافهم.

لو باع الوكيل فوجد المشتري به عيباً

فرعٌ :

لو باع الوكيل ، فوجد به المشتري عيباً يوجب الردّ ردَّه على الموكِّل ؛ لأنّه المالك والوكيل نائبٌ عنه بطلت وكالته بفعل ما أُمر به ، فلا عهدة عليه.

__________________

(١) لا يوجد لدينا ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٥٩.

(٢) الرياض ٨ : ٢٧٤.

(٣) مفتاح الكرامة ٤ : ٦٥٩.

(٤) الرياض ١ : ٥٤٠.

٣٤٢

اختلاف الموكّل والمشتري

ولو اختلف الموكِّل والمشتري في قِدَم العيب وحدوثه ، فيحلف الموكِّل على عدم التقدّم كما مرّ ، ولا يُقبل إقرار الوكيل بقِدَمه ؛ لأنّه أجنبيٌّ.

وإذا كان المشتري جاهلاً بالوكالة ولم يتمكّن الوكيل من إقامة البيّنة فادّعى على الوكيل بقِدَم العيب ، فإن اعترف الوكيل بالتقدّم لم يملك الوكيل ردّه على الموكِّل ؛ لأنّ إقرار الوكيل بالسبق دعوى بالنسبة إلى الموكِّل لا تُقبل إلاّ بالبيّنة ، فله إحلاف الموكِّل على عدم السبق ؛ لأنّه لو اعترف نَفَعَ الوكيلَ بدفع الظلامة عنه ، فله عليه مع إنكاره اليمين. ولو ردّ اليمين على الوكيل فحلف على السبق الزم الموكّل. ولو أنكر الوكيل التقدّم حلف ليدفع عن نفسه الحقّ اللازم عليه لو اعترف ولم يتمكّن من الردّ على الموكّل ؛ لأنّه لو أقرّ ردّ عليه.

وهل للمشتري تحليف الموكِّل لأنّه مقرٌّ بالتوكيل؟ الظاهر لا ؛ لأنّ دعواه على الوكيل يستلزم إنكار وكالته ، وعلى الموكِّل يستلزم الاعتراف به. واحتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذةً له بإقراره (١).

ثمّ إذا لم يحلف الوكيل ونكل فحلف المشتري اليمين المردودة وردّ العين على الوكيل ، فهل للوكيل ردّها على الموكّل أم لا؟ وجهان ، بناهما في القواعد على كون اليمين المردودة كالبيّنة فينفذ في حقّ الموكِّل ، أو كإقرار المنكر ، فلا ينفذ (٢). ونظر (٣) فيه في‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٩.

(٢) القواعد ٢ : ٧٨ ٧٩.

(٣) في «ش» : «تنظّر».

٣٤٣

جامع المقاصد : بأنّ كونها كالبيّنة لا يوجب نفوذها للوكيل على الموكِّل ؛ لأنّ الوكيل معترفٌ بعدم سبق العيب ، فلا تنفعه البيّنة القائمة على السبق الكاذبة باعترافه ، قال : اللهمّ إلاّ أن يكون إنكاره لسبق العيب استناداً إلى الأصل ، بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى ثبوته ، كأن يقول : «لا حقّ لك عليَّ في هذه الدعوى» أو «ليس في المبيع عيبٌ يثبت لك به الردُّ عليَّ» فإنّه لا تمنع حينئذٍ تخريج المسألة على القولين المذكورين (١) ، انتهى.

وفي مفتاح الكرامة : أنّ اعتراضه مبنيٌّ على كون اليمين المردودة كبيّنة الرادّ ، والمعروف بينهم أنّه كبيّنة المدّعى (٢).

أقول : كونه كبيّنة المدّعى لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذِّب لها على الموكّل. وتمام الكلام في محلّه.

الرابعة

لو رَدّ سلعةً بالعيب فأنكر البائع أنّها سلعته

لو رَدّ سلعةً بالعيب فأنكر البائع أنّها سلعته ، قُدّم قول البائع كما في التذكرة (٣) والدروس (٤) وجامع المقاصد (٥) لأصالة عدم حقٍّ له عليه ، وأصالة عدم كونها سلعته. وهذا بخلاف ما لو ردّها بخيارٍ فأنكر كونها‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٦٠.

(٢) مفتاح الكرامة ٤ : ٦٦٤ ٦٦٥.

(٣) التذكرة ١ : ٥٤١.

(٤) الدروس ٣ : ٢٨٩.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٦١.

٣٤٤

له ، فأحتمل هنا في التذكرة والقواعد تقديم قول المشتري (١) ، ونسبه في التحرير إلى القيل (٢) ؛ لاتّفاقهما على استحقاق الفسخ بعد أن احتمل مساواتها للمسألة الأُولى.

الكلام في المسألة يع في فرعين

أقول : النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار ومع الاتّفاق عليه ، كما لا يخفى. لكن ظاهر المسألة الأُولى كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئاً عن كون السلعة هذه المعيوبة أو غيرها ، والحكم بتقديم (٣) قول البائع مع يمينه. وأمّا إذا اتّفقا على الخيار واختلفا في السلعة ، فلذي الخيار حينئذٍ الفسخ من دون توقّفٍ على كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها ، فإذا فسخ وأراد ردّ السلعة فأنكرها البائع ، فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها.

نعم ، استدلّ عليه في الإيضاح بعد ما قوّاه ـ : بأنّ الاتّفاق منهما على عدم لزوم البيع واستحقاق الفسخ ، والاختلاف في موضعين : أحدهما : خيانة المشتري فيدّعيها البائع بتغيّر السلعة والمشتري ينكرها ، والأصل عدمها. الثاني : سقوط حقّ الخيار الثابت للمشتري ، فالبائع يدّعيه والمشتري ينكره والأصل بقاؤه (٤).

وتبعه في الدروس ، حيث قال : لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤١ ، والقواعد ٢ : ٧٩.

(٢) التحرير ١ : ١٨٥.

(٣) في «ش» : «تقديم».

(٤) الإيضاح ١ : ٤٩٩.

٣٤٥

حلف ، ولو صدّقه على كون المبيع معيوباً وأنكر تعيين المشتري حلف المشتري (١) ، انتهى.

أقول : أمّا دعوى الخيانة ، فلو احتاجت إلى الإثبات ولو كان معها أصالة عدم كون المال الخاصّ هو المبيع ، لوجب القول بتقديم [قول (٢)] المشتري في المسألة الأُولى وإن كانت هناك أُصولٌ متعدّدةٌ على ما ذكرها في الإيضاح وهي : أصالة عدم الخيار ، وعدم حدوث العيب ، وصحّة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه لأنّ أصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم ، وهو واردٌ على جميع الأُصول العدميّة (٣) ، نظير أصالة الصّحة.

وأمّا ما ذكره : من أصالة صحّة القبض ، فلم نتحقّق معناها وإن فسّرناها من قِبَله بما ذكرنا ، لكن أصالة الصّحة لا تنفع لإثبات لزوم القبض.

وأمّا دعوى سقوط حقّ الخيار فهي انّما تجدي إذا كان الخيار المتّفق عليه لأجل العيب كما فرضه في الدروس وإلاّ فأكثر الخيارات ممّا أجمع على بقائه مع التلف ، مع أنّ أصالة عدم سقوط الخيار لا تُثبت إلاّ ثبوته ، لا وجوب قبول هذه السلعة إلاّ من جهة التلازم الواقعي بينهما. ولعلّ نظر الدروس إلى ذلك (٤).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٨٩.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) في «ش» : «العمليّة».

(٤) في «ش» ، وهامش «ف» زيادة : «لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر مجالٌ ، كما نبّهنا عليه مراراً».

٣٤٦

وأمّا الثاني (١) وهو الاختلاف في المسقط ففيه أيضاً مسائل :

الاولى

الاختلاف في مسقط الخيار :

لو اختلفا في علم المشتري بالعيب

لو اختلفا في علم المشتري بالعيب وعدمه‌ قدّم منكر العلم ، فيثبت الخيار.

الثانية

لو اختلفا في زوال العيب قبل علم المشتري أو بعده‌

لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده‌ على القول بأنّ زواله بعد العلم لا يُسقط الأرش بل ولا الردّ ففي تقديم مدّعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه وعدم زواله المسقط للخيار ، أو تقديم مدّعي عدم ثبوت الخيار ؛ لأنّ سببه أو شرطه العلم به حال وجوده وهو غير ثابتٍ فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار ، وجهان ، أقواهما الأوّل. والعبارة المتقدّمة من التذكرة (٢) في سقوط الردّ بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ تومئ إلى الثاني ، فراجع.

لو اختلفا في كون الزائل هو القديم أو الحادث

ولو اختلفا بعد حدوث عيبٍ جديدٍ وزوال أحد العيبين في كون الزائل هو القديم حتّى لا يكون خيارٌ أو الحادث حتّى يثبت الخيار ، فمقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار. ولا يعارضه أصالة بقاء الجديد ؛ لأنّ بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلاّ من حيث‌

__________________

(١) عِدلٌ لقوله : «أمّا الأوّل» في الصفحة ٣٣٩.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٣٤٠ ، وراجع الصفحة ٣٢٥ أيضاً.

٣٤٧

استلزامه لزوال القديم ، وقد ثبت في الأُصول : أنّ أصالة عدم أحد الضدّين لا يثبت وجود الضدّ الآخر ليترتّب عليه حكمه (١).

لكنّ المحكيّ في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف ، قال : لو اشترى عبداً وحدث في يد المشتري (٢) نكتة بياضٍ بعينه ، ووجد نكتة قديمة ، ثمّ زالت إحداهما ، فقال البائع : الزائلة القديمة فلا ردّ ولا أرش ، وقال المشتري : بل الحادثة ولِيَ الردّ ، قال الشافعي : يحلفان على ما يقولان ، فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الردّ واستفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش (٣) ، انتهى.

الثالثة

إذا ادّعى البائع حدوث العيب عند المشتري والمشتري سبقه

لو كان عيبٌ مشاهداً (٤) غير المتّفق عليه ، فادّعى البائع حدوثه عند المشتري والمشتري سبقه ، ففي الدروس : أنّه كالعيب المنفرد (٥) ، يعني أنّه يحلف البائع كما لو لم يكن سوى هذا العيب واختلفا في السبق والتأخّر. ولعله لأصالة عدم التقدّم.

ويمكن أن يقال : إنّ عدم التقدّم هناك راجعٌ إلى عدم سبب‌

__________________

(١) راجع فرائد الأُصول ٢ : ٦٠ و ٣٣٨.

(٢) كذا في المصدر ، وفي «ش» : «في يده» ، وفي «ق» : «في يد المشتري في يده».

(٣) التذكرة ١ : ٥٣٠.

(٤) في «ش» : «مشاهدٌ».

(٥) الدروس ٣ : ٢٨٩.

٣٤٨

الخيار ، وأمّا هنا فلا يرجع إلى ثبوت المسقط ، بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري ، وقد مرّ غير مرّةٍ : أنّ أصالة التأخّر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخّر ، وإنّما يثبت (١) عدم التقدّم الذي لا يثبت به التأخّر.

ثمّ قال في الدروس : ولو ادّعى البائع زيادة العيب عند المشتري وأنكر احتمل حلف المشتري لأنّ الخيار متيقّنٌ والزيادة موهومةٌ ، ويحتمل حلف البائع إجراءً للزيادة مجرى العيب الجديد (٢).

أقول : قد عرفت الحكم في العيب الجديد وأنّ حلف البائع فيه محلّ نظر.

ثمّ لا بدّ من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدارٍ من العيب موجودٍ زائدٍ على المقدار (٣) المتّفق عليه أنّه كان متقدّماً أو متأخّراً. وأمّا إذا اختلفا في أصل الزيادة ، فلا إشكال في تقديم قول المشتري.

الرابعة

لو اختلفا في البراءة

لو اختلفا في البراءة قدّم منكرها ، فيثبت الخيار ؛ لأصالة عدمها الحاكمة على أصالة لزوم العقد.

ما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى

وربّما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك ، قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جُعلت فداك! المتاع يباع في " من‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «بها».

(٢) الدروس ٣ : ٢٨٩.

(٣) في «ق» كلمةٌ غير واضحة ، لعلّها : «المتعيّن» ، أو «المعيّن».

٣٤٩

يزيد" فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه : بري‌ء من كلّ عيبٍ فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبقَ إلاّ نقد الثمن فربّما زهد فيه ، فإذا زهد فيه ادّعى عيوباً وأنّه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدَّق فلا يجب عليه ، أم لا يصدَّق؟ فكتب عليه‌السلام أنّ عليه الثمن .. الخبر» (١).

مناقشة المحقّق الاردبيلي للمكاتبة

وعن المحقّق الأردبيلي : أنّه لا يلتفت الى هذا الخبر لضعفه مع الكتابة ومخالفة القاعدة (٢) ، انتهى.

وما أبعد ما بينه وبين ما في الكفاية : من جعل الرواية مؤيّدة لقاعدة «البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر» (٣) ، وفي كلٍّ منهما نظر.

وفي الحدائق : أنّ المفهوم من مساق الخبر المذكور : أنّ إنكار المشتري إنّما وقع مدالسةً ؛ لعدم رغبته في المبيع ، وإلاّ فهو عالمٌ بتبرّي البائع ، والإمام عليه‌السلام إنّما ألزمه بالثمن من هذه الجهة (٤).

وفيه : أنّ مراد السائل ليس حكم العالم بالتبرّي المنكر له فيما بينه وبين الله ، بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدّم قوله في ظاهر الشرع من البائع والمشتري ، مع أنّ حكم العالم بالتبرّي المنكر له مكابرةً معلومٌ لكلّ أحدٍ ، خصوصاً للسائل ، كما يشهد به قوله : «أيصدَّق أم لا يصدَّق؟» الدالّ على وضوح حكم صورتي صدقه وكذبه.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٢٠ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٤٣٧.

(٣) كفاية الأحكام : ٩٤.

(٤) الحدائق ١٩ : ٩١.

٣٥٠

توجيه المكاتبة

والأولى توجيه الرواية : بأنّ الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلاّل عند البيع بالبراءة من العيوب على وجهٍ يسمعه كلّ من حضر للشراء ، فدعوى المشتري مخالفةٌ للظاهر ، نظير دعوى الغبن والغفلة عن القيمة ممّن لا يخفى عليه قيمة المبيع.

إشكال آخر في المكاتبة والذبّ عنه

بقي في الرواية إشكالٌ آخر ؛ من حيث إنّ البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب ، بل يعتبر وقوعه في متن العقد.

ويمكن التفصّي عنه : إمّا بالتزام كفاية تقدّم الشرط على العقد بعد وقوع العقد عليه ، كما تقدّم (١) في باب الشروط. وإمّا بدعوى أنّ نداء الدلاّل بمنزلة الإيجاب ؛ لأنّه لا ينادي إلاّ بعد أن يرغب فيه أحد الحضّار بقيمته ، فينادي الدلاّل ويقول : بعتك هذا الموجود بكلّ عيبٍ ، ويكرّر ذلك مراراً من دون أن يتمّ الإيجاب حتّى يتمكّن من إبطاله عند زيادة من زاد ، والحاصل : جَعَل نداءه إيجاباً للبيع. ولو أبيت إلاّ عن أنّ المتعارف في الدلاّل كون ندائه قبل إيجاب البيع ، أمكن دعوى كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك ، مع أنّ الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الإيجاب ، كما لا يخفى.

__________________

(١) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «كما يأتي» ، وهذا هو المناسب للترتيب الموجود في النسخ ، حتّى نسخة الأصل وهي «ق» حيث إنّ «القول في الشروط» يأتي متأخراً في الجزء السادس الصفحة ١١ ـ ، والظاهر أنّ المؤلّف قدس‌سره كتب «القول في الشروط» قبل هذا الموضوع ، ثمّ حصل تقديم وتأخير في تنضيد الأوراق.

ويؤيّد هذا الاستظهار بدأ باب الشروط في نسخة «ق» بالتحميد.

٣٥١

ثمّ الحلف هنا على نفي العلم بالبراءة ؛ لأنّه الموجب لسقوط الخيار لا انتفاء البراءة واقعاً.

الخامسة

لو ادّعى البائع رضا المشتري بالعيب أو سائر المسقطات

لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار أو تصرّفه فيه أو حدوث عيبٍ عنده ، حلف المشتري ؛ لأصالة عدم هذه الأُمور.

ولو وُجد في المعيب عيبٌ اختلفا في حدوثه وقِدَمِه ، ففي تقديم مدّعي الحدوث ؛ لأصالة عدم تقدّمه كما تقدّم سابقاً في دعوى تقدّم العيب وتأخّره (١) أو مدّعي عدمه ؛ لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب والشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري ، فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتّى يضمنه المشتري (٢) ..

وأمّا الثالث (٣) ، ففيه مسائل :

الاختلاف في الفسخ :

لو اختلفا في الفسخ وكان الخيار باقياً

الاولى

لو اختلفا في الفسخ ، فإن كان الخيار باقياً فله إنشاؤه. وفي الدروس‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٣٩ ٣٤٠.

(٢) كذا في النسخ ، ولا يخفى عدم مجي‌ء جواب «لو» ، وهو «وجهان».

(٣) وهو الاختلاف في الفسخ ، وراجع المقسم في الصفحة ٣٣٩.

٣٥٢

أنّه يمكن جعل إقراره إنشاءً (١). ولعلّه لما اشتهر : من أنّ «مَنْ مَلِكَ شيئاً مَلِكَ الإقرار به» كما لو ادّعى الزوج الطلاق. ويدلّ عليه بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر بعتق مملوكه ثمّ جاء العبد يدّعي النفقة على أيتام الرجل وأنّه رقٌّ لهم (٢). وسيجي‌ء الكلام في (٣) هذه القاعدة.

لو كان الخيار منقضياً

وإن كان بعد انقضاء زمان الخيار كما لو تلف العين افتقر مدّعيه إلى البيّنة ، ومع عدمها حلف الآخر على نفي علمه بالفسخ إن ادّعى عليه عِلْمَه بفسخه.

اذا لم يثبت الفسخ فهل للمشتري المدّعي للفسخ الارش؟

ثمّ إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدّعى للفسخ الأرش لئلاّ يخرج من الحقّين ، أم لا ؛ لإقراره بالفسخ؟ وزاد في الدروس : أنّه يحتمل أن يأخذ أقلّ الأمرين من الأرش وما زاد على القيمة من الثمن إن اتّفق ؛ لأنّه بزعمه يستحقّ استرداد الثمن وردّ القيمة ، فيقع التقاصّ‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٨٦.

(٢) لم نعثر على الخبر ، وقال السيّد اليزدي في حاشيته على الكتاب في الصفحة ٩٥ ذيل قول المؤلف : «ويدلُّ عليه بعض الأخبار» : «أقول الظاهر أنّ نظره إلى ما ورد بهذا المعنى فيمن أقرّ ببيع مملوكه ثمّ جاء وادّعى الرقية ، وإلاّ فلم نرَ خبراً في العتق على ما وصفه بعد الفحص ، فيكون لفظ" العتق" غلطاً من النسخة أو سهواً من القلم بدلاً عن لفظ" البيع" ، وأمّا ما أشرنا إليه فهو الخبر عن محمّد بن عبد الله الكاهلي ، قال : قلت لأبي عبد الله : كان .. إلخ» ، راجع الوسائل ١٣ : ٥٣ ، الباب ٢٦ من أبواب بيع الحيوان ، وفيه حديث واحد.

(٣) في «ش» زيادة : «فروع».

٣٥٣

في القيمة (١) ويبقى قدر الأرش مستحقّاً على التقديرين (٢) ، انتهى.

الثانية

لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت‌

لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت‌ بناءً على فوريّة الخيار ففي تقديم مدّعي التأخّر ؛ لأصالة بقاء العقد وعدم حدوث الفسخ في أوّل الزمان ، أو مدّعي عدمه ؛ لأصالة صحّة الفسخ ، وجهان.

ولو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتّفاق على زمان الفسخ ، ففي الحكم بتأخّر العقد لتصحيح الفسخ وجهٌ ، يُضعّف بأنّ أصالة تأخّر العقد الراجعة حقيقةً إلى أصالة عدم تقدّمه على الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يُثبت وقوع الفسخ في أوّل الزمان.

وهذه المسألة نظير ما لو ادّعى الزوج الرجوع في عدّة المطلّقة وادّعت هي تأخّره عنها.

الثالثة

لو ادّعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريّته

لو ادّعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريّته بناءً على فوريّته‌ سُمع قوله إن احتُمل في حقّه الجهل ، للأصل. وقد يفصّل بين الجهل بالخيار فلا يعذر إلاّ إذا نشأ في بلدٍ لا يعرفون الأحكام والجهل بالفوريّة فيعذر مطلقاً ؛ لأنّه ممّا يخفى على العامّة.

__________________

(١) في «ش» والمصدر : «قدر القيمة».

(٢) الدروس ٣ : ٢٨٧.

٣٥٤

القول في ماهيّة العيب‌

وذكر بعض أفراده

اعلم أنّ حكم الردّ والأرش معلّقٌ في الروايات على مفهوم «العيب» و «العوار».

معنى «العوار» و «العيب»

أمّا العوار ، ففي الصحاح : أنّه العيب (١). وأمّا العيب ، فالظاهر من اللغة والعرف : أنّه النقص عن مرتبة الصحّة المتوسّطة بينه وبين الكمال. فالصحّة : «ما يقتضيه أصل الماهيّة المشتركة بين أفراد الشي‌ء لو خُلّي وطبعَه» ، والعيب والكمال يلحقان له لأمرٍ خارجٍ عنه.

ما يعلم به مقتضى حقيقة الشيء

ثمّ مقتضى حقيقة الشي‌ء قد يُعلم (٢) من الخارج ، كمقتضى حقيقة الحيوان الأناسي وغيره فإنّه يعلم أنّ العمى عيبٌ ، ومعرفة الكتابة في العبد والطبخ في الأمة كمالٌ فيهما. وقد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب الأفراد ، فإنّ وجود صفةٍ في أغلب أفراد الشي‌ء يكشف عن كونه مقتضى الماهيّة المشتركة بين أفراده ، وكون التخلّف في النادر لعارضٍ.

وهذا وإن لم يكن مطّرداً في الواقع ؛ إذ كثيراً ما يكون أغلب‌

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦١ ، مادة «عور».

(٢) في «ش» : «يعرف».

٣٥٥

استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد

الأفراد متّصفةً بصفةٍ لأمرٍ عارضيٍّ أو لأُمورٍ مختلفةٍ ، إلاّ أنّ بناء العرف والعادة على استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد ؛ ومن هنا استمرّت العادة على حصول الظنّ بثبوت صفةٍ لفردٍ من ملاحظة أغلب الأفراد ، فإنّ وجود الشي‌ء في أغلب الأفراد لا يمكن (١) الاستدلال به على وجوده في فردٍ غيرها ؛ لاستحالة الاستدلال ولو ظنّاً بالجزئي على الجزئي ، إلاّ أنّه يستدلّ من حال الأغلب على حال القدر المشترك ، ثمّ يستدلّ من ذلك على حال الفرد المشكوك.

المراد بـ «الخلقة الاصليّة»

إذا عرفت هذا تبيّن لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثيرٍ (٢) منهم ب «الخروج عن المجرى الطبيعي» ، وهو ما يقتضيه الخِلقة الأصليّة. وأنّ المراد بالخلقة الأصليّة : ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع ، وأنّ ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيبٌ ، وما خرج عنه بالمزيّة فهو كمالٌ ، فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها ، فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيبٌ ، ونقصه عنه كمالٌ ، وكذا كونها مورد العساكر.

لو تعارض مقتضى الحقيقة الاصليّة وحال اغلب الافراد

ثمّ لو تعارض مقتضى الحقيقة الأصليّة وحال أغلب الأفراد الّتي يستدلّ بها على حال الحقيقة عرفاً رُجّح الثاني وحُكم للشي‌ء بحقيقةٍ ثانويّةٍ اعتباريّةٍ يُعتبر الصحّة والعيب والكمال بالنسبة إليها. ومن هنا لا يُعدّ ثبوت الخراج على الضيعة عيباً مع أنّ حقيقتها لا تقتضي ذلك ،

__________________

(١) في «ش» : «وإن لم يمكن».

(٢) منهم العلامة في القواعد ٢ : ٧٢ ، وراجع جامع المقاصد ٤ : ٣٢٢ ٣٢٣ ، والحدائق ١٩ : ١١٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٦١٠.

٣٥٦

وإنّما هو شي‌ءٌ عرض أغلب الأفراد فصار مقتضى الحقيقة الثانوية ، فالعيب لا يحصل إلاّ بزيادة الخراج على مقتضى الأغلب. ولعلّ هذا هو الوجه في قول كثيرٍ منهم (١) بل عدم الخلاف بينهم في أنّ الثيبوبة ليست عيباً في الإماء.

وقد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الأصليّة ، والصحّة (٢) من مقتضى الحقيقة الثانوية ، كالغُلفة فإنّها عيبٌ في الكبير ؛ لكونها مخالفةً لما عليه الأغلب. إلاّ أن يقال : إنّ الغُلفة بنفسها ليست عيباً إنّما العيب كون الأغلف مورداً للخطر بختانه ؛ ولذا اختصّ هذا العيب بالكبير دون الصغير.

ويمكن أن يقال : إنّ العبرة بالحقيقة الأصليّة والنقص عنها عيبٌ وإن كان على طبق الأغلب ، إلاّ أنّ حكم العيب لا يثبت مع إطلاق العقد حينئذٍ ؛ لأنّه إنّما يثبت من جهة اقتضاء الإطلاق للالتزام بالسلامة ، فيكون كما لو التزمه صريحاً في العقد ، فإذا فُرض الأغلب على خلاف مقتضى الحقيقة الأصليّة لم يقتض الإطلاق ذلك بل اقتضى عكسه ، أعني التزام البراءة من ذلك النقص. فإطلاق العقد على الجارية بحكم الغلبة منزَّلٌ على التزام البراءة من عيب الثيبوبة ، وكذا الغُلفة في الكبير ، فهي‌

__________________

(١) منهم : المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٧ ، والمختصر النافع : ١٢٦ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٧٣ ، وغيره من كتبه ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٨٠ مع ادّعائه عدم الخلاف بين الأصحاب ، راجع تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة ٤ : ٦١٨ ، والجواهر ٢٣ : ٢٧٦.

(٢) في «ش» زيادة : «بالخروج» مع تبديل «من» ب «إلى».

٣٥٧

أيضاً عيبٌ في الكبير لكون العبد معها مورداً للخطر عند الختان ، إلاّ أنّ الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لمّا كان هي الغلفة لم يقتض الإطلاق التزام سلامته من هذا العيب ، بل اقتضى التزام البائع البراءة من هذا العيب.

فقولهم : «إنّ الثيبوبة ليست عيباً في الإماء» ، وقول العلاّمة قدس سرّه في القواعد : «إنّ الغُلفة ليست عيباً في الكبير المجلوب» (١) لا يبعد إرادتهم نفي حكم العيب من الردّ والأرش ، لا نفي حقيقته. ويدلّ عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيباً (٢) ، مع أنّه في التحرير (٣) والتذكرة (٤) اختار الأرش مع اشتراط البَكارة ، مع أنّه لا أرش في تخلّف الشرط بلا خلافٍ ظاهر.

وتظهر الثمرة فيما لو شرط (٥) المشتري البَكارة والختان ، فإنّه يثبت على الوجه الثاني حكم العيب من الردّ والأرش ؛ لثبوت العيب ، غاية الأمر عدم ثبوت الخيار مع الإطلاق ؛ لتنزّله منزلة تبرّي البائع من هذا العيب ، فإذا زال مقتضى الإطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب. وأمّا على الوجه الأوّل ، فإنّ الاشتراط لا يفيد إلاّ خيار تخلّف الشرط دون الأرش.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧٣ ، والعبارة منقولة بالمعنى ، فإنّه قال عند عدّ العيوب ـ : «وعدم الختان في الكبير ، دون الصغير والأمة والمجلوب من بلاد الشرك».

(٢) التحرير ١ : ١٨٢.

(٣) التحرير ١ : ١٨٦.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٩.

(٥) في «ش» : «اشترط».

٣٥٨

لكنّ الوجه السابق أقوى ، وعليه فالعيب إنّما يوجب الخيار إذا لم يكن غالباً في أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها ، والغلبة الصنفيّة مقدّمةٌ على النوعيّة عند التعارض ، فالثيبوبة في الصغيرة الغير المجلوبة عيبٌ ؛ لأنّها ليست غالبةً في صنفها وإن غلبت في نوعها.

هل العيب يدور مدار النقص المالي أو نقص الشيء من حيث عنوانه؟

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشي‌ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالاً ، فإنّ الإنسان الخصيّ ناقصٌ في نفسه وإن فُرض زيادته من حيث كونه مالاً ، وكذا البغل الخصيّ حيوانٌ ناقصٌ وإن كان زائداً من حيث الماليّة على غيره ؛ ولذا ذكر جماعةٌ ثبوت الردّ دون الأرش في مثل ذلك (١).

المحتمل قويّاً أنّ المناط هو النقص المالي

ويحتمل قويّاً أن يقال : إنّ المناط في العيب هو النقص المالي ، فالنقص الخَلقي الغير الموجب للنقص كالخصاء ونحوه ليس عيباً ، إلاّ أنّ الغالب في أفراد الحيوان لمّا كان عدمه كان إطلاق العقد منزَّلاً على إقدام المشتري على الشي‌ء (٢) مع عدم هذا النقص اعتماداً على الأصل والغلبة ، فكانت السلامة عنه بمنزلة شرطٍ اشترط في العقد ، لا يوجب تخلّفه إلاّ خيار تخلّف الشرط.

الثمرة في المسألة

وتظهر الثمرة في طروّ موانع الردّ بالعيب بناءً على عدم منعها عن الردّ بخيار تخلّف الشرط ، فتأمّل. وفي صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدّة الخيار ، فإنّه مضمونٌ على الأوّل بناءً على إطلاق‌

__________________

(١) كما تقدّم عنهم في الصفحة ٣١٨ في الموضع الثاني من الموضعين اللذين يسقط فيهما الأرش دون الردّ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦١٣ ٦١٤.

(٢) في «ش» بدل «الشي‌ء» : «الشراء».

٣٥٩

كلماتهم : أنّ العيب مضمونٌ على البائع ، بخلاف الثاني فإنّه لا دليل على أنّ فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدّة الخيار مضمونٌ على البائع ، بمعنى كونه سبباً للخيار.

وللنظر في كلا شقّي الثمرة مجال.

مرسلة السيّاري في المقام

وربّما يستدلّ (١) لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السيّاري الحاكية لقضيّة (٢) ابن أبي ليلى ، حيث قدّم إليه رجلٌ خصماً له ، فقال : إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها (٣) شعراً ، وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ ، فقال له ابن أبي ليلى : إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوه ، فما الذي كرهت؟ فقال له : أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به ، قال (٤) حتّى أخرج إليك فإنّي أجد أذى في بطني ، ثم دخل بيته وخرج من بابٍ آخر ، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي ، فقال له : أيّ شي‌ءٍ تروون عن أبي جعفر عليه‌السلام في المرأة لا يكون على ركبها شعرٌ ، أيكون هذا عيباً؟ فقال له محمّد بن مسلم : أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه ، ولكن حدّثني أبو جعفر عن أبيه ، عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «كلّ ما كان في أصل الخِلْقة فزاد أو نقص فهو عيبٌ» فقال له ابن أبي ليلى : حسبُك هذا! فرجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب (٥).

__________________

(١) راجع الجواهر ٢٣ : ٢٤٣.

(٢) في «ش» : «لقصّة».

(٣) كذا في النسخ ، والصواب : «كشفتها» ، كما في الوسائل.

(٤) في «ش» زيادة : «فاصبر».

(٥) الوسائل ١٢ : ٤١٠ ، الباب الأوّل من أحكام العيوب ، وفيه حديث واحد.

٣٦٠