كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

الدليل على كون التبريّ مسقطاً

والأصل في الحكم قبل الإجماع ، مضافاً إلى ما في التذكرة : من أنّ الخيار إنّما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة ، فإذا صرّح البائع بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق صحيحة زرارة المتقدّمة (١) ومكاتبة جعفر ابن عيسى الآتية (٢).

عدم الفرق بين التبرّي تفصيلاً أو اجمالاً

ومقتضى إطلاقهما كمعقد الإجماع المحكي عدم الفرق بين التبرّي تفصيلاً وإجمالاً ، ولا بين العيوب الظاهرة والباطنة ؛ لاشتراك الكلّ في عدم المقتضي للخيار مع البراءة.

خلافاً للمحكيّ في السرائر عن بعض أصحابنا : من عدم كفاية التبرّي إجمالاً (٣). وعن المختلف نسبته إلى الإسكافي (٤) ، بل (٥) إلى صريح آخر كلام القاضي المحكيّ في المختلف (٦) ، مع أنّ المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور (٧) ، وفي الدروس نسب المشهور إلى أشهر القولين (٨).

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة هو التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٢٨٠.

(٢) الآتية في الصفحة ٣٤٩ ٣٥٠ ، وراجع الوسائل ١٢ : ٤٢٠ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العيوب ، وفيه حديث واحد.

(٣) السرائر ٢ : ٢٩٦ ٢٩٧.

(٤) المختلف ٥ : ١٧٠.

(٥) في «ش» ومصحّحة «ف» : وقد ينسب إلى.

(٦) نسبه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٥ ، وراجع المختلف ٥ : ١٧٠ ١٧١.

(٧) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٥ ، وفيه : «مع أنّ القاضي في الكامل وافق».

(٨) الدروس ٣ : ٢٨٢.

٣٢١

التبريّ من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار

وأمّا التبرّي من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار ، فيدلّ على صحّته وسقوط الخيار به عموم «المؤمنون عند شروطهم» (١).

قال في التذكرة بعد الاستدلال بعموم «المؤمنون» : لا يقال : إنّ التبرّي ممّا لم يوجد يستدعي البراءة ممّا لم يجب ؛ لأنّا نقول : التبرّي إنّما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد ، لا من العيب (٢) ، انتهى.

أقول : المفروض أنّ الخيار لا يحدث إلاّ بسبب حدوث العيب ، والعقد ليس سبباً لهذا الخيار ، فإسناد البراءة إلى الخيار لا ينفع ، وقد اعترف قدس‌سره في بعض كلماته بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية بعد العقد وقبل الرؤية (٣). نعم ، ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد (٤) ، لكنّه مخالفٌ لسائر كلماته وكلمات غيره كالشهيد (٥) والمحقّق الثاني (٦). وبالجملة ، فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب والبراءة من خيار الرؤية ، بل الغرر في الأوّل أعظم ، إلاّ أنّه لمّا قام النصّ والإجماع على صحّة التبرّي من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحّته. مع إمكان الفرق بين العيوب والصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأوّل بالاعتماد على أصالة السلامة فلا يقدح عدم التزام البائع‌

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٥.

(٣) راجع التذكرة ١ : ٤٦٧ و ٥٣٣ ، وتقدم في الصفحة ٢٥٨ أيضاً.

(٤) لم نعثر عليه فيها ، ونقل عنها سابقاً في خيار الرؤية : «أنّه فاسد ومفسد» ، راجع الصفحة ٢٥٩.

(٥) الدروس ٣ : ٢٧٦.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٣.

٣٢٢

بعدمها ، بخلاف الثاني فإنّ الغرر لا يندفع فيه إلاّ بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر.

وأمّا البراءة (١) عن العيوب المتجدّدة فلا يلزم من اشتراطها غررٌ في البيع حتّى يحتاج إلى دفع الغرر بأصالة عدمها ؛ لأنّها غير موجودةٍ بالفعل في المبيع حتّى يوجب جهالةً.

الاحتمالات في ما يضاف إليه التبريّ

ثمّ إنّ البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أُمور :

الأول : عهدة العيوب ، ومعناه (٢) : عدم (٣) تعهّد سلامته من العيوب ، فيكون مرجعه إلى عدم التزام سلامته ، فلا يترتّب على ظهور العيب ردٌّ ولا أرشٌ ، فكأنه باعه على كلّ تقدير.

الثاني : ضمان العيب ، وهذا أنسب بمعنى البراءة ، ومقتضاه عدم ضمانه بمالٍ ، فتصير الصحّة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا توجب إلاّ تخييراً بين الردّ والإمضاء مجّاناً ، ومرجع ذلك إلى إسقاط أرش العيوب في عقد البيع ، لا خيارها.

الثالث : حكم العيب ، ومعناه : البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب العيب.

__________________

(١) شطب على كلمة «البراءة» في «ق».

(٢) قال الشهيدي قدس‌سره : «ضمير" معناه" راجع إلى" العهدة" ، ويجوز تذكير الضمير إذا كانت التاء في المرجع مصدرية. وأما ضمير" مرجعه" فهو راجع إلى" التبرّي" لا إلى" العهدة" ، هذا بناءً على كون النسخة : " ومعناه تعهّد سلامته من العيوب" ، وأمّا بناءً على كونها : " ومعناه عدم تعهّد سلامته من العيوب" فضمير معناه راجع إلى التبرّي» ، هداية الطالب : ٥٢٤.

(٣) لم ترد «عدم» في «ش».

٣٢٣

والأظهر في العرف هو المعنى الأوّل ، والأنسب بمعنى البراءة هو الثاني.

وقد تقدّم عن التذكرة المعنى الثالث (١) ، وهو بعيدٌ عن اللفظ ، إلاّ أن يرجع إلى المعنى الأوّل. والأمر سهلٌ.

التبريّ من العيوب مسقط للخيار فقط

ثمّ إنّ تبرّي البائع عن العيوب مطلقاً أو عن عيبٍ خاصٍّ إنّما يسقط تأثيره من حيث الخيار. أمّا سائر أحكامه فلا ، فلو تلف بهذا العيب في أيّام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النصّ (٢).

لكن في الدروس : أنّه لو تبرّأ من عيبٍ فتلف به في زمن خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع ، وكذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده وتلف في زمان خيار المشتري. ويحتمل الضمان ؛ لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه. وأقوى إشكالاً ما لو تلف به وبعيبٍ آخر تجدَّدَ في الخيار (٣) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

ما قيل بكونه مسقطاً للردّ والارش :

١ ـ زوال العيب قبل العلم به

ثمّ إنّ هنا أُموراً يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ والأرش بها :

منها : زوال العيب قبل العلم به ، كما صرّح به في غير موضعٍ من التذكرة (٤) ، ومال إليه في جامع المقاصد (٥) ، واختاره في المسالك (٦).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٢٢.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٥١ و ٣٥٥ ، الباب ٥ و ٨ من أبواب الخيار.

(٣) الدروس ٣ : ٢٨٣.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٧ و ٥٤١.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٢.

(٦) المسالك ٣ : ٢٩٣.

٣٢٤

بل وكذا لو زال بعد العلم به قبل الردّ ، وهو ظاهر التذكرة حيث قال في أواخر فصل العيوب : لو كان المبيع معيباً عند البائع ثمّ أقبضه وقد زال عيبه فلا ردَّ ، لعدم موجبه. وسبق العيب لا يوجب خياراً كما لو سبق على العقد ثمّ زال قبله ، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ سقط حقّ الردّ (١) ، انتهى.

وهو صريحٌ في سقوط الردّ وظاهرٌ في سقوط الأرش كما لا يخفى على المتأمّل ، خصوصاً مع تفريعه في موضعٍ آخر قبل ذلك عدم الردّ والأرش معاً على زوال العيب ، حيث قال : لو اشترى عبداً وحدث في يد المشتري نكتةُ بياضٍ في عينه ووجد نكتةٌ قديمةٌ ثمّ زالت إحداهما ، فقال البائع : الزائلة هي القديمة فلا ردَّ ولا أرش ، وقال المشتري : بل الحادثة ولي الردّ ، قال الشافعي يتحالفان .. إلى آخر ما حكاه عن الشافعي (٢).

وكيف كان ، ففي سقوط الردّ بزوال العيب وجهٌ ؛ لأنّ ظاهر أدلّة الردّ خصوصاً بملاحظة أنّ الصبر على العيب ضررٌ هو ردّ المعيوب وهو المتلبّس بالعيب ، لا ما كان معيوباً في زمانٍ ، فلا يتوهّم هنا استصحاب الخيار.

وأمّا الأرش ، فلمّا ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصّحة عند العقد فقد استقرّ بالعقد ، خصوصاً بعد العلم بالعيب ، والصحّة إنّما حدثت في ملك المشتري ، فبراءة ذمّة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلى دليلٍ ، فالقول بثبوت الأرش وسقوط الردّ قويٌّ لو لم يكن تفصيلاً‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤١.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٠.

٣٢٥

مخالفاً للإجماع. ولم أجد من تعرّض لهذا الفرع قبل العلاّمة أو بعده (١).

٢ ـ التصرّف بعد العلم بالعيب

ومنها : التصرّف بعد العلم بالعيب ، فإنّه مسقطٌ للأمرين عند ابن حمزة في الوسيلة (٢). ولعلّه لكونه علامة الرضا بالمبيع بوصف العيب ، والنصّ المثبت للأرش بعد التصرّف ظاهرٌ فيما قبل العلم. ورُدّ بأنّه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب.

والأولى أن يقال : إنّ الرضا بالعيب لا يوجب إسقاط الأرش ، وإنّما المسقط له إبراء البائع عن عهدة العيب ، وحيث لم يدلّ التصرّف عليه فالأصل بقاء حقّ الأرش الثابت قبل التصرّف ، مع أنّ اختصاص النصّ بصورة التصرّف قبل العلم ممنوعٌ ، فليراجع.

٣ ـ التصرّف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب

ومنها : التصرّف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب ، كالبغل الخصيّ بل العبد الخصيّ على ما عرفت (٣) ، فإنّ الأرش منتفٍ لعدم تفاوت القيمة ، والردّ لأجل التصرّف.

وقد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر على المشتري بصبره على المعيب (٤).

__________________

(١) في «ش» زيادة ما يلي :

«نعم ، هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي ، وهو : أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد. لكن عرفت مراراً أنّ المرجع في ذلك هي الأدلّة ولا منشأ لهذه القاعدة».

(٢) الوسيلة : ٢٥٧.

(٣) عرف في الصفحة ٣١٨.

(٤) استشكل فيه الشهيدان في الدروس ٣ : ٢٨٨ ، والمسالك ٣ : ٢٨٤ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦١٣.

٣٢٦

وفيه : أنّ العيب في مثله لا يُعدّ ضرراً ماليّاً بالفرض ، فلا بأس بأن [يكون (١)] الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرّف مع عدم أرشٍ فيه.

وحلّه : أنّ الضرر إمّا أن يكون من حيث القصد إلى ما هو أزيد ماليّةً من الموجود ، وإمّا أن يكون من حيث القصد إلى خصوصيّةٍ مفقودةٍ في العين مع قطع النظر عن قيمته. والأوّل مفروض الانتفاء ، والثاني قد رضي به وأقدم عليه المشتري بتصرّفه فيه ، بناءً على أنّ التصرّف دليل الرضا بالعين الخارجية ، كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبيّن عدمها فيه.

إلاّ أن يقال : إنّ المقدار الثابت من سقوط الردّ بالتصرّف هو مورد ثبوت الأرش ، وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم سقوط الردّ بالتصرّف كما في غير العيب والتدليس من أسباب الخيار ، خصوصاً بعد تنزيل الصحّة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة الّتي لا يوجب فواتها أرشاً ، فإنّ خيار التخلّف فيها لا يسقط بالتصرّف كما صُرّح به (٢). نعم ، لو اقتصر في التصرّف المسقط على ما يدلّ على الرضا كان مقتضى عموم ما تقدّم سقوط الردّ بالتصرّف مطلقاً.

٤ ـ حدوث العيب في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب

ومنها : حدوث العيب في المعيب المذكور ، والاستشكال هنا بلزوم الضرر في محلّه ، فيحتمل ثبوت الردّ مع قيمة النقص الحادث لو كان‌

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) راجع الجواهر ٢٣ : ٩٦ ، وجاء فيه حول خيار تخلّف الوصف : «وسقوطه بالتصرف قبل العلم به نحو ما سمعته في الغبن وبعده يسقط إن دلّ على الرضا ، وإلاّ فلا» ، ونسبه في مفتاح الكرامة (٤ : ٥٨٦) إلى ظاهر الأكثر.

٣٢٧

موجباً له ؛ لأنّ الصحّة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في البيع (١) التي لا يوجب فواتها أرشاً ، والنصّ الدالّ على اشتراط الردّ بقيام العين وهي المرسلة المتقدّمة (٢) مختصٌّ بمورد إمكان تدارك ضرر الصبر على المعيب بالأرش ، والإجماع فيما نحن فيه غير متحقّق ، مع ما عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة (٣).

هذا كلّه ، مضافاً إلى أصالة جواز الردّ الثابت قبل حدوث العيب ؛ وبها يدفع (٤). معارضة الضرر المذكور بتضرّر البائع بالفسخ ونقل المعيب إلى ملكه بعد خروجه عن ملكه سليماً عن هذا العيب.

وكيف كان ، فلو ثبت الإجماع أو استفيض نقله (٥) على سقوط الردّ بحدوث العيب والتغيير على وجهٍ يشمل المقام ، وإلاّ فسقوط الردّ هنا محلّ نظرٍ بل منع.

٥ ـ ثبوت احد مانعي الردّ فيما لا يؤخذ الارش فيه

ومنها : ثبوت أحد مانعي الردّ (٦) في المعيب‌ الذي لا يجوز أخذ‌

__________________

(١) في «ش» : «المبيع».

(٢) تقدمت في الصفحة ٢٨٠.

(٣) في الصفحة ٣٠٦.

(٤) في «ش» بدل «وبها يدفع» : «وهي المرجع بعد».

(٥) في «ش» : «بنقله».

(٦) قال الشهيدي قدس سرّه : «يعني بهما : التصرّف وحدوث العيب بعد القبض ، وإنّما عبّر عنهما بمانعي الردّ مع أنّه جعل المسقطات أربعة ، لأنّ" الإسقاط" الّذي هو أحدها إنّما هو من قبيل المسقط لا المانع ، و" تلف العين" الّذي هو ثالثها لا يبقى معه موضوعٌ للردِّ حتّى يُعدّ مانعاً ؛ وجعل الأوّل أوّلاً لتقدّمه في كلامه ، والثاني ثانياً لتأخّره فيه» ، هداية الطالب : ٥٢٦.

٣٢٨

الأرش فيه لأجل الربا.

الكلام في المانع الأوّل

أمّا المانع الأوّل ، فالظاهر أنّ حكمه كما تقدّم في المعيب الذي لا ينقص ماليّته (١) ؛ فإنّ المشتري لمّا أقدم على معاوضة أحد الربويّين بالآخر أقدم على عدم مطالبة مالٍ زائدٍ على ما يأخذه بدلاً عن ماله وإن كان المأخوذ معيباً ، فيبقى وصف الصحّة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها إلاّ جواز الردّ بلا أرشٍ ، فإذا تصرّف فيه خصوصاً بعد العلم تصرّفاً دالاّ على الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم عليه (٢) ، كما في خيار التدليس بعد التصرّف (٣).

الكلام في المانع الثاني

وأمّا المانع الثاني ، فظاهر جماعةٍ كونه مانعاً فيما نحن فيه من الردّ أيضاً ، وهو مبنيٌّ على عموم منع العيب الحادث من الردّ حتّى في صورة عدم جواز أخذ الأرش. وقد عرفت النظر فيه (٤).

ما أفاده العلّامة في وجه امتناع الردّ

وذكر في التذكرة وجهاً آخر لامتناع الردّ ، وهو : أنّه لو ردَّ ، فإمّا أن يكون مع أرش العيب الحادث ، وإمّا أن يردّ بدونه ، فإن ردَّه بدونه كان ضرراً على البائع ، وإن ردَّ مع الأرش لزم الربا ، قال : لأنّ المردود حينئذٍ يزيد على وزن عوضه (٥).

والظاهر أنّ مراده من ذلك : أنّ ردّ المعيب لمّا كان بفسخ المعاوضة ، ومقتضى المعاوضة بين الصحيح والمعيب من جنسٍ واحدٍ أن‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣١٨.

(٢) في «ش» : «لزم العقد».

(٣) في «ش» زيادة : «نعم ، التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط ، كما تقدّم».

(٤) راجع الصفحة ٣٢٧ ٣٢٨.

(٥) التذكرة ١ : ٥٣١.

٣٢٩

لا يُضمن وصف الصحّة بشي‌ءٍ ؛ إذ لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه ، فيكون وصف الصحّة في كلٍّ من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال ، فإذا حصل الفسخ وجب ترادّ العوضين من غير زيادةٍ ولا نقيصة ؛ ولذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين ، فإذا استردّ المشتري الثمن لم يكن عليه إلاّ ردّ ما قابلة لا غير ، فإن ردّ إلى البائع قيمة العيب الحادث عنده (١) لم يكن ذلك إلاّ باعتبار كون ذلك العيب مضموناً عليه بجزءٍ من الثمن ، فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن ووصف صحّته ، فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا.

احتمالان في مراد العلّامة قدّس سرّه

فمراد العلاّمة قدس‌سره بلزوم الربا : إمّا لزوم الربا في أصل المعاوضة ، إذ لولا ملاحظة جزءٍ من الثمن في مقابلة صفة الصحّة لم يكن وجهٌ لغرامة بدل الصفة وقيمتها عند استرداد الثمن ، وإمّا لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن وزيادة. والأوّل أولى.

وممّا ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا : بأنّ قيمة العيب الحادث غرامةٌ لما فات في يده مضموناً عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب ، فلا ينضمّ إلى المثمن حتى يصير أزيد من الثمن.

إذ فيه : وضوح الفرق ؛ فإنّ المقبوض بالسوم إنّما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض ، والعيب الحادث في (٢) المبيع لا يتصوّر ضمان المشتري له إلاّ بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع وتلف وصف‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «كما هو الحكم في غير الربويّين إذا حصل العيب عنده».

(٢) في «ق» زيادة : «ملك» ، والظاهر أنّها من سهو القلم.

٣٣٠

الصحّة منه في يد المشتري ، فإذا فرض أنّ صفة الصحّة لا تقابل بجزءٍ من المال في عقد المعاوضة (١) ، فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة ، لا يستحقّ البائع عند الفسخ قيمتها.

والحاصل : أنّ البائع لا يستحقّ من المشتري إلاّ ما وقع مقابلاً بالثمن ، وهو نفس المثمن ، من دون اعتبار صحّته جزءً ، فكأنه باع عبداً كاتباً فقبضه المشتري ثمّ فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة (٢).

ما به يتدارك ضرر المشتري

ثمّ إنّ صريح جماعةٍ من الأصحاب عدم الحكم على المشتري بالصبر على المعيب مجّاناً فيما نحن فيه (٣) ، فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين ، اقتصر في المبسوط على حكايتهما (٤).

أحدهما : جواز ردّ المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث ؛ لما تقدّم (٥) إليه الإشارة : من أنّ أرش العيب الحادث في يد المشتري نظير أرش العيب الحادث في المقبوض بالسوم ، في كونها غرامة تالفٍ مضمونٍ على المشتري لا دخل له في العوضين حتى يلزم الربا.

الثاني : أن يفسخ البيع لتعذّر إمضائه ، وإلزام المشتري ببدله من‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «الربوية».

(٢) في «ش» زيادة : «نعم هذا يصحّ في غير الربويين ؛ لأنّ وصف الصحّة فيه يقابل بجزءٍ من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحّة».

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٧٩ ، والتذكرة ١ : ٥٣١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٦٣.

(٤) المبسوط ٢ : ١٣٣.

(٥) تقدم في الصفحة المتقدّمة.

٣٣١

غير الجنس معيباً بالعيب القديم وسليماً عن الجديد ، ويُجعل بمثابة التالف ؛ لامتناع ردّه بلا أرش ومع الأرش.

واختار في الدروس تبعاً للتحرير (١) الوجه الأوّل مشيراً إلى تضعيف الثاني بقوله : لأنّ تقدير الموجود معدوماً خلاف الأصل (٢). وتبعه المحقّق الثاني معلّلاً بأنّ الربا ممنوعةٌ في المعاوضات لا في الضمانات ، وأنّه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام وإن كانت ربويّةً ، فكما لا يعدّ هنا رباً فكذا لا يعدّ في صورة النزاع (٣).

أقول : قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه وبين أرش عيب المقبوض بالسوم ، فإنّه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه ، والعيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري ولا يقدّر في ملك البائع إلاّ بعد فرض رجوع مقابله من الثمن إلى المشتري ، والمفروض عدم المقابلة بينه وبين جزءٍ من المبيع (٤).

٦ ـ تأخير الاخذ بمقتضى الخيار

ومنها : تأخير الأخذ بمقتضى الخيار ، فإنّ ظاهر الغنية إسقاطه للردّ والأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة : التبرّي ، والرضا بالعيب ، وترك (٥) الردّ مع العلم ؛ لأنّه على الفور بلا خلافٍ. ولم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش. ثمّ ذكر حدوث العيب وقال : ليس له ها هنا إلاّ الأرش. ثمّ ذكر التصرّف وحكم فيه بالأرش (٦).

__________________

(١) التحرير ١ : ١٨٣.

(٢) الدروس ٣ : ٢٨٨.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٦٥.

(٤) العبارة في «ش» هكذا : «بين شي‌ءٍ منه وبين صحّة البيع».

(٥) في «ش» والمصدر بدل «ترك» : «تأخير».

(٦) الغنية : ٢٢١ ٢٢٢.

٣٣٢

فإنّ في إلحاق الثالث بالأوّلين في ترك ذكر الأرش فيه ثمّ ذكره في الأخيرين وقوله : «ليس (١) هاهنا» ، ظهوراً في عدم ثبوت الأرش بالتأخير ، مع أنّ هذا هو القول الآخر في المسألة على ما يظهر ؛ حيث نسب إلى الشافعي القول بسقوط الردّ والأرش بالتأخير (٢) ؛ ولعلّه لأنّ التأخير دليل الرضا.

ويردّه بعد تسليم الدلالة ـ : أنّ الرضا بمجرّده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرّف. نعم ، سقوط الردّ وحده له وجهٌ ، كما هو صريح المبسوط والوسيلة على ما تقدّم (٣) من عبارتهما في التصرّف المسقط ، ويحتمله أيضاً عبارة الغنية المتقدّمة (٤) ، بناءً على ما تقدّم في سائر الخيارات : من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم على المتيقّن السالمة عمّا يدلّ على التراخي ، عدا ما في الكفاية : من إطلاق الأخبار وخصوص بعضها (٥).

وفيه : أنّ الإطلاق في مقام بيان أصل الخيار ، وأمّا الخبر الخاصّ فلم أقف عليه ، وحينئذٍ فالقول بالفور وفاقاً لمن تقدّم للأصل لا يخلو‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «له» ، وشطب عليها في «ق».

(٢) العبارة من قوله : «مع أنّ ..» إلى هنا وردت في «ش» هكذا : «وهذا أحد القولين منسوب إلى الشافعي» ، راجع التذكرة ١ : ٥٢٩ و ٥٣٠ ، والمغني ٤ : ١٦٠.

(٣) تقدّم في الصفحة ٢٨٣ ٢٨٤.

(٤) تقدّمت في الصفحة ٢٨٣.

(٥) الكفاية : ٩٤ ، وفيه : «ومستنده عموم أدلة الخيار من غير تقييدٍ ، وخصوص بعض الأخبار».

٣٣٣

عن قوّةٍ ، مع ما تقدّم من نفي الخلاف في الغنية في كونه على الفور (١). ولا يعارضه ما في المسالك والحدائق : من أنّه لا نعرف فيه (٢) خلافاً (٣) ؛ لأنّا عرفناه ولذا جعله في التذكرة أقرب (٤). وكذا ما في الكفاية : من عدم الخلاف (٥) ؛ لوجود الخلاف ، بل نفي الخلاف (٦).

نِعْمَ (٧) ما في الرياض : من (٨) أنّه ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة (٩).

والتحقيق رجوع المسألة إلى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام وعدمه ؛ ولذا لم يتمسّك في التذكرة للتراخي إلاّ به (١٠) ، وإلاّ فلا يحصل من فتوى الأصحاب إلاّ الشهرة بين المتأخّرين المستندة إلى الاستصحاب ، ولا اعتبار بمثلها وإن قلنا بحجّية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظنّ ؛ لعدم الظنّ كما لا يخفى ، والله العالم.

__________________

(١) تقدم في الصفحة ٣٣٢.

(٢) أي : في عدم سقوط الخيار بالتراخي.

(٣) المسالك ٣ : ٣٠٢ ، والحدائق ١٩ : ١١٧.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٩ ، وفيه : «لو علم بالعيب وأهمل المطالبة لحظةً هل يسقط الرد؟ الأقرب أنّه لا يسقط».

(٥) كفاية الأحكام : ٩٤.

(٦) لم ترد «بل نفي الخلاف» في «ش».

(٧) كذا ، والمناسب : «ونِعْمَ».

(٨) في «ش» : «نعم في الرياض أنّه».

(٩) الرياض ٨ : ٢٦٠.

(١٠) التذكرة ١ : ٥٢٩ ، وفيه : «لأنّ الأصل بقاء ما ثبت».

٣٣٤

مسألة

هل يجب الاعلام بالعيب؟

قال في المبسوط : من باع شيئاً فيه عيبٌ لم يبيّنه فعل محظوراً‌ وكان المشتري بالخيار (١) ، انتهى. ومثله ما عن الخلاف (٢).

وفي موضعٍ آخر من المبسوط : وجب عليه أن يبيّنه ولا يكتمه أو يتبرّأ إليه من العيوب ، والأوّل أحوط (٣). ونحوه عن فقه الراوندي (٤). ومثلهما في التحرير ، وزاد الاستدلال عليه بقوله : «لئلاّ يكون غاشّاً» (٥). وظاهر ذلك كلِّه عدم الفرق بين العيب الجليّ والخفيّ.

الاقوال في المسألة

وصريح التذكرة والسرائر (٦) كظاهر الشرائع (٧) : الاستحباب مطلقاً ،

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٣٨.

(٢) الخلاف ٣ : ١٢٥ ، المسألة : ٢١١.

(٣) المبسوط ٢ : ١٢٦.

(٤) فقه القرآن ٢ : ٥٦.

(٥) التحرير ١ : ١٨٣.

(٦) التذكرة ١ : ٥٢٥ و ٥٣٨ ، والسرائر ٢ : ٢٩٦.

(٧) الشرائع ٢ : ٣٦.

٣٣٥

وظاهر جماعةٍ التفصيل بين العيب الخفيّ والجليّ ، فيجب في الأوّل مطلقاً كما هو ظاهر جماعةٍ (١) ، أو مع عدم التبرّي كما في الدروس (٢).

مبنى الاقوال

فالمحصَّل من ظواهر كلماتهم خمسة أقوال. والظاهر ابتناء الكلّ على دعوى صدق الغشّ وعدمه.

هل يصدق «الغشّ» عند عدم الاعلام؟

والذي يظهر من ملاحظة العرف واللغة في معنى الغشّ : أنّ كتمان العيب الخفيّ وهو الذي لا يظهر بمجرّد الاختبار المتعارف قبل البيع غِشٌّ ، فإنّ الغِشّ كما يظهر من اللغة خلاف النصح.

وأمّا العيب الظاهر ، فالظاهر أنّ ترك إظهاره ليس غِشّاً. نعم ، لو أظهر سلامته عنه على وجهٍ يعتمد عليه كما إذا فتح قرآناً بين يدي العبد الأعمى مُظهراً أنّه بصيرٌ يقرأ ، فاعتمد المشتري على ذلك وأهمل اختباره كان غِشّاً.

قال في التذكرة في ردّ استدلال الشافعي على وجوب إظهار العيب مطلقاً بالغِشّ ـ : إنّ الغِشّ ممنوعٌ ، بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري وتبيّنه ، والتقصير في ذلك من المشتري (٣) ، انتهى.

ويمكن أن يحمل بقرينة ذكر التقصير على العيب الظاهر. كما أنّه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدّمة (٤) المشتملة على لفظ «الكتمان» ،

__________________

(١) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٣٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٨٥ ، وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٩.

(٢) الدروس ٣ : ٢٨٧.

(٣) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٤) تقدّمت الإشارة إليها في الصفحة المتقدّمة.

٣٣٦

وعلى الاستدلال بالغشّ على العيب الخفيّ ، بل هذا الجمع ممكنٌ في كلمات الأصحاب مطلقاً. ومن أقوى الشواهد على ذلك أنّه حكي عن موضعٍ من السرائر : أنّ كتمان العيوب مع العلم بها حرامٌ ومحظورٌ بغير خلافٍ (١) ، مع ما تقدّم من نسبة الاستحباب إليه ، فلاحظ.

هل يسقط التبريّ من العيوب وجوب الاعلام؟

ثمّ التبرّي من العيوب هل يُسقط وجوب الإعلام في مورده كما عن المشهور (٢) ، أم لا؟ فيه إشكالٌ ، منشؤه (٣) : أنّ لزوم الغشّ من جهة ظهور إطلاق العقد في التزام البائع بالصحّة ، فإذا تبرّأ من العيوب ارتفع الظهور ، أو من جهة إدخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامداً والتبرّي لا يرفع اعتماد المشتري على أصالة الصحّة ، فالتغرير إنّما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد على الأصل. والأحوط الإعلام مطلقاً كما تقدّم عن المبسوط (٤).

هل يبطل البيع في مثل شوب اللبن بالماء؟

ثمّ إنّ المذكور في جامع المقاصد (٥) والمسالك (٦) وعن غيرهما (٧) : أنّه‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٩٧ ، ولكن ليس فيه نفي الخلاف ، ولعلّ المراد من العبارة هكذا : «بغير نقل خلاف» ، ويؤيّده أنّه قال بعد الحكم في موضعٍ منها بالاستحباب : «وقال بعض أصحابنا : بل ذلك واجب».

(٢) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٩.

(٣) في «ش» بدل «منشؤه» : «نشأ» ، وزيادة : «من دعوى صدق الغش ومن».

(٤) تقدم في الصفحة ٣٣٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٣٣.

(٦) المسالك ٣ : ١٢٩ و ٢٨٥.

(٧) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ٦٢٩) عن إيضاح النافع والميسية ، وحكم به في الجواهر ٢٣ : ٢٤٦ ، أيضاً.

٣٣٧

ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء ؛ لأنّ ما كان من غير الجنس لا يصحّ العقد فيه ، والآخر مجهول. إلاّ أن يقال : إنّ جهالة الجزء غير مانعةٍ إن كانت الجملة معلومةً ، كما لو ضمّ ماله ومال غيره وباعهما ثمّ ظهر البعض مستحقّاً ، فإنّ البيع لا يبطل في ملكه وإن كان مجهولاً قدره وقت العقد (١) ، انتهى.

رأي المؤلّف

أقول : الكلام في مزج اللبن بمقدارٍ من الماء يستهلك في اللبن ولا يُخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز ، فلا وجه للإشكال المذكور. نعم ، لو فرض المزج على وجهٍ يوجب تعيّب الشي‌ء من دون أن يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته إلى حقيقة ذلك الشي‌ء توجّه ما ذكروه في بعض الموارد.

__________________

(١) العبارة من جامع المقاصد.

٣٣٨

مسائل

في اختلاف المتبايعين‌

وهو تارةً في موجب الخيار ، وأُخرى في مسقطة ، وثالثةً في الفسخ.

الاختلاف في موجب الخيار

أمّا الأوّل ، ففيه مسائل :

الاُولى

لو اختلفا في تعيّب المبيع

لو اختلفا في تعيّب المبيع وعدمه مع تعذّر ملاحظته لتلفٍ أو نحوه ، فالقول قول المنكر بيمينه.

الثانية

لو اختلفا في كون الشي‌ء عيباً

لو اختلفا في كون الشي‌ء عيباً وتعذّر تبيُّن الحال لفقد أهل الخبرة‌ كان الحكم كسابقه. نعم ، لو علم كونه نقصاً كان للمشتري الخيار في الردّ دون الأرش ، لأصالة البراءة.

الثالثة

لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع

لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخّره عن ذلك‌

٣٣٩

بأن حدث بعد القبض وانقضاء الخيار ، كان القول قول منكر تقدّمه ؛ للأصل حتّى لو علم تاريخ الحدوث وجهل تاريخ العقد ؛ لأنّ أصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب.

وعن المختلف : أنّه حكى عن ابن الجنيد : أنّه إن ادّعى البائع أنّ العيب حدث عند المشترى حلف المشتري إن كان منكراً (١) ، انتهى (٢).

العمل طبق القرينة القطعيّة بلا يمين لو كانت

هذا إذا لم تشهد القرينة القطعيّة ممّا (٣) لا يمكن عادةً حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدّمه عليه ، وإلاّ عمل عليها من غير يمين.

لو أقام كلٌّ منهما بيّنة على مدّعاه

قال في التذكرة : ولو أقام أحدهما بيّنةً (٤) عمل بها. ثمّ قال : ولو أقاما بيّنةً عمل ببيّنة المشتري ، لأنّ القول قول البائع لأنّه منكرٌ ، فالبيّنة على المشتري (٥).

وهذا منه مبنيٌّ على سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البيّنة ، وفيه كلامٌ في محلّه وإن كان لا يخلو عن قوّةٍ.

__________________

(١) المختلف ٥ : ١٧٢.

(٢) في «ش» زيادة : «ولعلّه لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود ، وعدم استحقاقه الثمن كلاّ وعدم لزوم العقد ؛ نظير ما إذا ادّعى البائع تغيّر العين عند المشتري وأنكر المشتري ، وقد تقدّم في محلّه».

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر : «بما».

(٤) لم ترد «بيّنة» في «ق».

(٥) التذكرة ١ : ٥٤١.

٣٤٠