كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

٤ ـ المسقط الرابع : حدوث عيبٍ عند المشتري

الرابع (١) من المسقطات : حدوث عيبٍ عند المشتري.

وتفصيل ذلك : أنّه إذا حدث العيب بعد العقد على المعيب ، فإمّا أن يحدث قبل القبض ، وإمّا أن يحدث بعده في زمان خيارٍ يضمن فيه البائع المبيع أعني خيار المجلس والحيوان والشرط وإمّا أن يحدث بعد مضيّ الخيار. والمراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير.

العيب الحادث قبل القبض

وأمّا الأوّل : فلا خلاف ظاهراً في أنّه لا يمنع الردّ ، بل في أنّه (٢) هو كالموجود قبل العقد حتّى في ثبوت الأرش فيه ، على الخلاف الآتي (٣) في أحكام القبض.

العيب الحادث في زمان الخيار

وأمّا الحادث في زمن الخيار : فكذلك لا خلاف في أنّه غير مانعٍ عن الردّ ، بل هو سببٌ مستقلٌّ موجبٌ للردّ ، بل الأرش على الخلاف الآتي (٤) فيما قبل القبض بناءً على اتّحاد المسألتين ، كما يظهر من بعضٍ.

__________________

(١) من هنا إلى قوله : «واستدلّ العلاّمة في التذكرة على أصل الحكم» في الصفحة ٣٠٤ ، مفقود من نسخة «ق».

(٢) قال الشهيدي قدس‌سره : «الظاهر أنّ قوله : " في أنّه" في الموضع الثاني غلط في العبارة ؛ إذ قضيّته عدم الخلاف في ثبوت الأرش فيه ، وهو منافٍ لقوله : " على الخلاف" الآتي في أحكام القبض» ، هداية الطالب : ٥١٣.

(٣) في غير «ش» : «المتقدّم» ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» بما أثبتناه. والمظنون : أنّ ما في الأصل مطابق لما في أكثر النسخ. ولعلّ المؤلّف قدس‌سره كتب «أحكام القبض» قبل «القول في الخيارات» ، ثمّ نضدت الأوراق كذلك.

(٤) في غير «ش» : «السابق» ، والكلام فيه وفيما يأتي أيضاً نفس الكلام المتقدّم في الهامش السابق.

٣٠١

ويدلّ على ذلك ما يأتي (١) : من أنّ الحدث في زمان الخيار مضمونٌ على البائع ومن ماله ، ومعناه : ضمانه على الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل قبل العقد ، إلاّ أنّ المحكيّ عن المحقّق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيبٌ ـ : أنّ تأثير العيب الحادث في زمن الخيار وكذا عدم تأثيره في الردّ بالعيب القديم إنّما هو ما دام الخيار ، فإذا انقضى الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون على المشتري (٢).

قال في الدروس : لو حدث في المبيع عيبٌ غير مضمونٍ على المشتري لم يمنع من الردّ إن كان قبل القبض أو في مدّة خيار المشتري المشترط أو بالأصل ، فله الردّ ما دام الخيار ، فإن خرج الخيار ففي الردّ خلافٌ بين ابن نما وتلميذه المحقّق قدس‌سرهما ، فجوّزه ابن نما لأنّه من ضمان البائع ، ومنعه المحقّق قدس‌سره ؛ لأنّ الردّ لمكان الخيار ، وقد زال. ولو كان حدوث العيب في مبيعٍ صحيحٍ في مدّة الخيار فالباب واحدٌ (٣) ، انتهى.

لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقّق هو الفرع الثاني ، وهو‌

__________________

(١) في غير «ش» : «ما تقدّم».

(٢) المراد من الحكاية ما سينقله عن الدروس ، وليس فيه النقل عن المحقّق في درسه ، بل فيه الخلاف بين ابن نما وتلميذه المحقّق في المسألة ، ويبدو أنّ منشأ هذه النسبة ما نقله صاحب الحدائق (١٩ : ١١٠) حيث قال : «المنقول عن المحقّق في الدرس على ما نقله في الدروس ..» ، نعم قال الشهيد في غاية المراد (٢ : ٦٣) بعد أن نقل قول المحقّق ـ : «ونقل عن شيخه ابن نما في الدرس ، الثاني ..».

(٣) الدروس ٣ : ٢٨٩.

٣٠٢

حدوث العيب في مبيعٍ صحيح (١). ولعلّ الفرع الأوّل مترتّبٌ عليه ؛ لأنّ العيب الحادث إذا لم يكن مضموناً على البائع حتّى يكون سبباً للخيار غاية الأمر كونه غير مانعٍ عن الردّ كخيار (٢) الثلاثة كان مانعاً عن الردّ بالعيب السابق ؛ إذ لا يجوز الردّ بالعيب مع حدوث عيبٍ مضمونٍ على المشتري ، فيكون الردّ في زمان الخيار بالخيار ، لا بالعيب السابق.

فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث ؛ ولذا ذكر في اللمعة : أنّ هذا من المحقّق منافٍ لما ذكره في الشرائع : من أنّ العيب الحادث في الحيوان مضمونٌ على البائع ، مع حكمه بعدم الأرش (٣).

ثمّ إنّه ربما يجعل (٤) قول المحقّق عكساً لقول شيخه ، ويضعّف كلاهما بأنّ الظاهر تعدّد الخيار ، وفيه : أنّ قول ابن نما رحمه‌الله لا يأبى عن التعدّد ، كما لا يخفى.

العيب الحادث بعد القبض والخيار

وأمّا الثالث أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض والخيار فالمشهور أنّه مانعٌ عن الردّ بالعيب السابق ، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام (٥) وفي ظاهر الغنية (٦) الإجماع عليه.

__________________

(١) اللمعة الدمشقية : ١١٨ ١١٩.

(٢) في «ش» : «بالخيارات» ، وفي مصحّحة «ن» : «بخيار عيب».

(٣) اللمعة : ١١٩ ، وراجع الشرائع ٢ : ٥٧ ، وفيه : «ولو حدث فيه من غير جهة المشتري لم يكن ذلك العيب مانعاً من الردّ بأصل الخيار ، وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردّد ، والظاهر لا».

(٤) جعله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٤٢.

(٥) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٦.

(٦) الغنية : ٢٢٢.

٣٠٣

المراد بالعيب هنا

والمراد بالعيب هنا مجرّد النقص ، لا خصوص ما يوجب الأرش ، فيعمّ عيب الشركة وتبعّض الصفقة إذا اشترى اثنان شيئاً فأراد أحدهما ردّه بالعيب ، أو اشترى واحدٌ صفقةً وظهر العيب في بعضه فأراد ردّ المعيب خاصّةً ؛ ونحوه نسيان العبد الكتابة كما صرّح به في القواعد (١) وغيره (٢) ، ونسيان الدابّة للطحن كما صرّح به في جامع المقاصد (٣).

الاستدلال على الحكم بمرسلة جميل

ويمكن الاستدلال على الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدّمة (٤) ؛ فإنّ «قيام العين» وإن لم ينافِ بظاهره مجرّد (٥) نقص الأوصاف ، كما اعترف به بعضهم (٦) في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين ، إلاّ أنّ الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب وخياطته وصبغه ما يقابل تغيّر الأوصاف والنقص الحاصل ولو لم يوجب أرشاً ، كصبغ الثوب وخياطته.

نعم ، قد يتوهّم شموله لما يقابل الزيادة ، كالسِّمَن وتعلُّم الصنعة. لكنّه يندفع : بأنّ الظاهر من قيام العين بقاؤه بمعنى أن لا ينقص ماليّته ، لا بمعنى أن لا يزيد ولا ينقص ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ما استدلّ به العلّامة

واستدلّ العلاّمة في التذكرة على أصل الحكم قبل المرسلة (٧) :

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧٥.

(٢) مثل جامع المقاصد ٤ : ٣٤١ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٦٤٠.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٤٢.

(٤) تقدّمت في الصفحة ٢٨٠.

(٥) في «ف» : «لمجرّد».

(٦) اعترف به الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٦٢.

(٧) يعني مرسلة جميل المشار إليها آنفاً.

٣٠٤

بأنّ العيب الحادث يقتضي إتلاف جزءٍ من المبيع ، فيكون مضموناً على المشتري ، فيسقط ردّه ؛ للنقص الحاصل في يده ؛ فإنّه ليس تحمّل البائع له بالعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث (١).

والمرسلة (٢) لا تشمل جميع أفراد النقص ، مثل نسيان الدابّة للطحن وشبهه.

المناقشة في الاستدلالين

والوجه المذكور بعدها (٣) قاصرٌ عن إفادة المدّعى ؛ لأنّ المرجع بعد عدم الأولويّة من أحد الطرفين إلى أصالة ثبوت الخيار وعدم ما يدلّ على سقوطه ، غاية الأمر أنّه لو كان الحادث عيباً كان عليه الأرش للبائع إذا ردّه ، كما لو تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيّب العين. أمّا مثل نسيان الصنعة وشبهه فلا يوجب أرشاً بل يردّه ؛ لأنّ النقص حدث في ملكه وإنّما يضمن وصف الصحّة لكونه كالجزء التالف ، فيرجع (٤) بعد الفسخ ببدله.

نعم ، لو عُلّل الردّ بالعيب القديم بكون الصبر على المعيب ضرراً ، أمكن أن يقال : إنّ تدارك ضرر المشتري بجواز الردّ مع تضرّر البائع بالصبر على العيب الحادث ممّا لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر. لكنّ العمدة في دليل الردّ هو النصّ والإجماع ، فاستصحاب الخيار عند الشكّ في المسقط لا بأس به.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٠.

(٢) في «ش» : «هذا» ، ولكنّ المرسلة.

(٣) في «ش» بدل «بعدها» : «في التذكرة».

(٤) في «ش» زيادة : «البائع».

٣٠٥

المستفاد من المرسلة إناطة الحكم بمطلق النقص

إلاّ أنّ الإنصاف أنّ المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ والخياطة هو إناطة الحكم بمطلق النقص.

توضيح ذلك : أنّ المراد ب «قيام العين» هو ما يقابل الأعمّ من تلفها وتغيّرها ، على ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة على ذلك. لكنّ المراد من التغيّر هو الموجب للنقص لا الزيادة ، لأنّ مثل السِّمَن لا يمنع الردّ قطعاً ، والمراد بالنقص هو الأعمّ من العيب الموجب للأرش ، فإنّ النقص الحاصل بالصبغ والخياطة إنّما هو لتعلّق حقّ المشتري بالثوب من جهة الصبغ والخياطة ، وهذا ليس عيباً اصطلاحيّاً.

ودعوى : اختصاصه بالتغيّر الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعمّ مثل نسيان الدابّة للطحن.

يدفعه : أنّ المقصود مجرّد النقص ، مع أنّه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث وإن لم يكن عيباً اصطلاحيّاً ، ثبت في المغيّر وغيره ؛ للقطع بعدم الفرق ، فإنّ المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيباً اصطلاحيّاً لا يجوز ردّ العين إلاّ مع أرشه ، وكونه مجرّد نقصٍ لا يوجب أرشاً كنسيان الكتابة والطحن. أمّا الفرق في (١) أفراد النقص الغير الموجب للأرش بين مغيّر العين حسّا وغيره فلا مجال لاحتماله.

مقتضى الاصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب وزواله

ثمّ إنّ ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في أصل المسألة ، وأنّ حدوث العيب لا يمنع عن الردّ (٢). لكنّه شاذٌّ على الظاهر.

ثمّ مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب‌

__________________

(١) في «ق» بدل «في» : «بين» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.

(٢) راجع المقنعة : ٥٩٧.

٣٠٦

الحادث وزواله ، فلا يثبت بعد زواله ؛ لعدم الدليل على الثبوت بعد السقوط.

قال في التذكرة : عندنا أنّ العيب المتجدّد مانعٌ عن الردّ بالعيب السابق ، سواءً زال أم لا (١).

لكن في التحرير : لو زال العيب الحادث عند المشتري ولم يكن بسببه كان له الردّ ولا أرش عليه (٢) ، انتهى.

ولعلّ وجهه : أنّ الممنوع هو ردّه معيوباً لأجل تضرّر البائع وضمان المشتري لما يحدث ، وقد انتفى الأمران.

لو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرش

ولو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرش أو غير مجبورٍ جاز الردّ ، كما في الدروس (٣) وغيره (٤) ؛ لأنّ عدم الجواز لحقّ البائع ، وإلاّ فمقتضى قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب ، غاية الأمر ثبوت قيمة العيب ، وإنّما منع من الردّ هنا للنصّ (٥) والإجماع ، أو للضرر.

المراد بالارش الذي يغرمه المشتري عند الردّ

وممّا ذكرنا يعلم : أنّ المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الردّ قيمة العيب ، لا الأرش الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم الردّ ؛ لأنّ العيب القديم مضمونٌ بضمان المعاوضة والحادث مضمونٌ بضمان اليد.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٠.

(٢) التحرير ١ : ١٨٣.

(٣) الدروس ٣ : ٢٨٤.

(٤) الروضة البهيّة ٣ : ٤٩٦ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٧.

(٥) وهو مرسلة جميل المتقدّمة في الصفحة ٢٨٠.

٣٠٧

لو رضي البائع بأخذه معيوباً

ثمّ إنّ صريح المبسوط : أنّه لو رضي البائع بأخذه معيوباً لم يجز مطالبته بالأرش (١). وهذا أحد المواضع التي أشرنا (٢) في أوّل المسألة إلى تصريح الشيخ فيها بأنّ الأرش مشروطٌ باليأس من الردّ ، وينافيه إطلاق الأخبار في أخذ (٣) الأرش (٤).

تنبيه :

هل تبعّض الصفقة مانع من الردّ؟

ظاهر التذكرة (٥) والدروس (٦) : أنّ من العيب المانع من الردّ بالعيب القديم تبعّض الصفقة على البائع.

فروع المسألة :

وتوضيح الكلام في فروع هذه المسألة : أنّ التعدّد المتصوَّر فيه التبعّض إمّا في العوض (٧) ثمناً كان أو مثمناً وإمّا في البائع ، وإمّا في المشتري.

فالأوّل : كما إذا اشترى شيئاً واحداً أو شيئين بثمنٍ واحدٍ من مشترٍ (٨) واحدٍ فظهر بعضه معيباً ، وكذا [لو (٩)] باع شيئاً بثمنٍ ، فظهر بعض الثمن معيباً.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٣٢.

(٢) أشار إليه في الصفحة ٢٧٦.

(٣) في «ش» : «بأخذ».

(٤) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٤ ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٥) راجع التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٦) الدروس ٣ : ٢٨٤.

(٧) في «ش» : «في أحد العوضين».

(٨) كذا في «ق» ، والظاهر : «من بائع» ، كما في «ش».

(٩) لم يرد في «ق».

٣٠٨

والثاني : كما إذا باع اثنان من واحدٍ شيئاً واحداً فظهر معيباً ، وأراد المشتري أن يردّ على أحدهما نصيبه دون الآخر.

والثالث : كما إذا اشترى اثنان من واحدٍ شيئاً فظهر معيباً ، فاختار أحدهما الردّ دون الآخر ، وألحق بذلك الوارثان لمشترٍ واحدٍ للمعيب.

وأمّا التعدّد في الثمن : بأن يشتري شيئاً واحداً بعضَه بثمنٍ وبعضَه الآخر بثمنٍ آخر ، فلا إشكال في كون هذا عقدين ، ولا إشكال في جواز التفريق بينهما.

١ ـ التعدّد في العوض

أمّا الأوّل : فالمعروف أنّه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الردّ ، بل الظاهر المصرَّح به في كلمات بعضٍ الإجماع عليه (١) ؛ لأنّ المردود إن كان جزءاً مشاعاً من المبيع الواحد فهو ناقصٌ من حيث حدوث الشركة ، وإن كان معيّناً فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه ، وكلٌّ منهما نقصٌ يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح ، فهو أولى بالمنع عن الردّ من نسيان الدابّة الطحن.

عدم جواز التبعيض والدليل عليه

وهذا الضرر وإن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيواناً فردّه المشتري بخيار الثلاثة إلاّ أنّه يوجب الضرر على المشتري ؛ إذ قد يتعلّق غرضه بإمساك الجزء الصحيح. ويدلّ عليه النصّ المانع عن الردّ بخياطة الثوب والصبغ (٢) ، فإنّ المانع فيهما ليس‌

__________________

(١) صرّح به الشيخ في الخلاف ٣ : ١١٠ ، المسألة ١٨٠ من كتاب البيوع ، والسيّد ابن زهرة الحلبي في الغنية : ٢٢٣ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٩ ٦٣٠.

(٢) تدلّ عليه مرسلة جميل المتقدّمة في الصفحة ٢٨٠.

٣٠٩

إلاّ حصول الشركة [في الثوب (١)] بنسبة الصبغ والخياطة لا مجرّد تغيّر الهيئة ؛ ولذا لو تغيّر بما يوجب الزيادة كالسِّمَن لم يمنع عن الردّ قطعاً.

استدلال صاحب الجواهر على عدم جواز التبعيض ومناقشته

وقد يستدلّ (٢) بعد ردّ الاستدلال بتبعّض الصفقة بما ذكرناه مع دفعه (٣) بظهور الأدلّة في تعلّق حقّ الخيار بمجموع المبيع لا كلّ جزءٍ منه ؛ لا أقلّ من الشكّ ؛ لعدم إطلاقٍ موثوقٍ به ، والأصل اللزوم.

وفيه مضافاً إلى أنّ اللازم من ذلك عدم جواز ردّ المعيب منفرداً وإن رضي البائع ؛ لأنّ المنع حينئذٍ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه وهو لزوم الضرر على البائع حتّى ينتفي برضا البائع ـ : أنّه لا يشكّ أحدٌ في أنّ دليل هذا الخيار كغيره من أدلّة جميع الخيارات صريحٌ (٤) في ثبوت حقّ الخيار لمجموع المبيع لا كلّ جزءٍ ؛ ولذا لم يجوّز أحدٌ تبعيض ذي خيارٍ بين (٥) أجزاءِ ما لَه فيه الخيار ، ولم يحتمل هنا أحدٌ ردَّ الصحيح دون المعيب ، وإنّما وقع الإشكال في أنّ محلّ الخيار هو هذا الشي‌ء المعيوب غاية الأمر أنّه يجوز ردّ الجزء الصحيح معه إمّا لئلاّ يتبعّض الصفقة عليه ، وإمّا لقيام الإجماع على جواز ردّه ، وإمّا لصدق المعيوب على المجموع كما تقدّم أو أنّ محلّ الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوباً ولو من حيث بعضه؟

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) استدلّ به صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٤٨.

(٣) في «ش» : «مع جوابه».

(٤) في «ق» : «صريحة».

(٥) في «ش» بدل «ذي خيار بين» : «ذي الخيار أجزاء».

٣١٠

وبعبارةٍ اخرى : الخيار المسبّب عن وجود الشي‌ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبّب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب الخيار (١) أم لا؟ بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في الردّ (٢) في ردّ المبيع (٣) الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد ، لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتّصف بالعيب ، نظير أخبار خيار الحيوان ، وهذا المقدار لا يدلّ على حكم ما لو انضمّ المعيب إلى غيره ، بل قد يدلّ كأخبار خيار الحيوان على اختصاص الخيار بخصوص ما هو متّصفٌ بالعيب عرفاً باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب ، لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محلّ الكلام.

ومنه يظهر عدم جواز التشبّث في المقام بقوله في مرسلة جميل : «إذا كان الشي‌ء قائماً بعينه» (٤) لأنّ المراد ب «الشي‌ء» هو المعيب ، ولا شكّ في قيامه هنا بعينه.

العمدة في المسألة

وبالجملة ، فالعمدة في المسألة مضافاً إلى ظهور الإجماع ما تقدّم (٥) : من أنّ مرجع جواز الردّ منفرداً إلى إثبات سلطنةٍ للمشتري‌

__________________

(١) في «ش» : «للخيار».

(٢) راجع النصوص الواردة في الردّ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ ٤١٩ ، الباب ٢ و ٣ و ٧ ، وغيرها من أبواب أحكام العيوب.

(٣) كذا في ظاهر «ق» ، وفي «ش» : البيع.

(٤) تقدّمت المرسلة في الصفحة ٢٨٠.

(٥) قال الشهيدي قدس‌سره : «لم يتقدّم لهذا ذكر في السابق ، ولعلّ في النسخة تقديماً وتأخيراً وكان العبارة في الأصل هكذا : فالعمدة في المسألة مضافاً إلى ما تقدّم من ظهور الإجماع أنّ مرجع .. إلخ» ، هداية الطالب : ٥٢٠.

٣١١

على الجزء الصحيح من حيث إمساكه ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع ، ومنع سلطنته على الردّ أوّلاً أولى ، ولا أقلّ من التساوي ، فيرجع إلى أصالة اللزوم. والفرق بينه وبين خيار الحيوان الإجماع ، كما أنّ للشفيع أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة. وبالجملة ، فالأصل كافٍ في المسألة.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكروه : من إلحاق تبعّض الصفقة بالعيب الحادث : أنّه لو رضي البائع بتبعّض الصفقة جاز الردّ ، كما في التذكرة معلّلاً بأنّ الحقّ لا يعدوهما (١). وهذا ممّا يدلّ على أنّ محلّ الخيار هو الجزء المعيب ، إلاّ أنّه منع من ردّه نقصه بالانفراد عن باقي المبيع ، إذ لو كان محلّه المجموع لم يجز ردّ المعيب وحده إلاّ بالتفاسخ المجوّز لردّ (٢) الصحيح منفرداً أيضاً.

٢ ـ تعدّد المشتري

الأقوى عدم جواز الانفراد

وأمّا الثاني : وهو تعدّد المشتري (٣) بأن اشتريا شيئاً واحداً فظهر فيه عيبٌ ، فإنّ الأقوى فيه عدم جواز انفراد أحدهما على المشهور كما عن جماعةٍ (٤). واستدلّ عليه في التذكرة (٥) وغيرها (٦) بأنّ التشقيص عيبٌ‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٢) في «ش» بدل «المجوّز لردّ» : «ومعه يجوز ردّ».

(٣) كذا في «ق» ، ولا يخفى أنّ الصورة الثانية بحسب التقسيم المتقدّم في أوّل البحث إنّما كانت صورة تعدّد البائع ، لكن المؤلف قدس‌سره عكس الترتيب ، وأمّا مصحّح «ش» فقد عكس العدد فكتب هنا : «وأمّا الثالث» ، وفي الصورة الآتية : «وأمّا الثاني».

(٤) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ٦٣٠) عن المختلف وإيضاح النافع والمسالك والمفاتيح. راجع المختلف ٥ : ١٨٦ ، والمسالك ٣ : ٢٨٦ ، والمفاتيح ٣ : ٧١ ، وإيضاح النافع (مخطوط) لا يوجد لدينا.

(٥) راجع التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٦) المسالك ٣ : ٢٨٦.

٣١٢

مانعٌ من الردّ. خلافاً للمحكيّ عن الشيخ في باب الشركة (١) والإسكافي (٢) والقاضي (٣) والحلّي (٤) وصاحب البشرى (٥) ، فجوّزوا الافتراق.

وفي التذكرة : ليس عندي فيه بُعدٌ ؛ إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقّصاً ، فالشركة حصلت بإيجابه (٦). وقوّاه في الإيضاح (٧) لما تقدّم من التذكرة.

وظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدّد المشتري. واستجوده في التحرير (٨) وقوّاه جامع المقاصد (٩) وصاحب المسالك (١٠).

كلام الشيخ في المبسوط

وقال في المبسوط : إذا اشترى الشريكان عبداً بمال الشركة ، ثمّ‌

__________________

(١) راجع الخلاف ٣ : ٣٣٣ ، المسألة ١٠ من كتاب الشركة ، والمبسوط ٢ : ٣٥١.

(٢) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ١٨٧ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٢٨٥.

(٣) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه ، نعم حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ١٨٧ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٢٨٥.

(٤) السرائر ٢ : ٣٤٥.

(٥) وهو جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر ، أخو السيّد ابن طاوس ، وأمّا كتابه البشرى فلا يوجد لدينا ، نعم حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٧٧.

(٦) التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٧) الإيضاح ١ : ٤٩٤.

(٨) التحرير ١ : ٢٧٤.

(٩) جامع المقاصد ٤ : ٣٣٤ ، وفيه : «لا يبعد الفرق بين ..».

(١٠) المسالك ٣ : ٢٨٦.

٣١٣

أصابا به عيباً كان لهما أن يردّاه وكان لهما أن يمسكاه ، فإن أراد أحدهما الردّ والآخر الإمساك كان لهما ذلك.

ثمّ قال : ولو اشترى أحد الشريكين للشركة ثمّ أصابا به عيباً كان لهما أن يردّا وأن يمسكا ، فإن أراد أحدهما الردّ والآخر الإمساك نُظِرَ : فإن أطلق العقد ولم يخبر البائع أنّه قد اشترى للشركة لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه اشتراه لنفسه ، فإذا ادّعى أنّه اشتراه له ولشريكه ، فقد ادّعى خلاف الظاهر ، فلم يقبل قوله وكان القول قول البائع مع يمينه.

إلى أن قال : وإن أخبر البائع بذلك ، قيل : فيه وجهان : أحدهما وهو الصحيح أنّ له الردّ ؛ لأنّ الملك بالعقد وقع لاثنين ، فقد علم البائع أنّه يبيعه من اثنين وكان لأحدهما أن ينفرد بالردّ دون الآخر ، وقيل : فيه وجهٌ آخر ، وهو أنّه ليس له الردّ ، لأنّ القبول في العقد كان واحداً (١) ، انتهى.

وظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحداً عن اثنين ، أمّا إذا تحقّق القبول من الشريكين ، فلا كلام في جواز الافتراق. ثمّ الظاهر منه مع اتّحاد القبول التفصيل بين علم البائع وجهله.

مقتضى التأمّل في كلامه هو التفصيل

لكن التأمّل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحدٍ ، فإنّه قدس‌سره علّل عدم جواز الردّ في صورة عدم إخبار المشتري بالاشتراك : بأنّ الظاهر أنّه اشتراه لنفسه ، لا بعدم علم‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٥١.

٣١٤

البائع بالتعدّد. وكذا حكمه قدس‌سره بتقدّم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البيّنة من المشتري على أنّ الشراء بالاشتراك دليلٌ على أنّه يجوز التفريق بمجرّد ثبوت التعدّد في الواقع بالبيّنة وإن لم يعلم به البائع ، إلاّ أن يحمل «اليمين» على يمين البائع على نفي العلم ، ويراد من «البيّنة» البيّنة على إعلام المشتري للبائع بالتعدّد. وكيف كان ، فمبنى المسألة على ما يظهر من كلام الشيخ على تعدّد العقد بتعدّد المشتري ووحدته.

الاقوى عدم جواز الافتراق مطلقاً

والأقوى في المسألة : عدم جواز الافتراق مطلقاً ؛ لأنّ الثابت من الدليل هنا خيارٌ واحدٌ متقوّمٌ باثنين ، فليس لكلٍّ منهما الاستقلال ، ولا دليل على تعدّد الخيار هنا إلاّ إطلاق الفتاوى والنصوص : من أنّ «من اشترى معيباً فهو بالخيار» (١) الشامل لمن اشترى جزءاً من المعيب. لكن الظاهر بعد التأمّل انصرافه إلى غير المقام ، ولو سلّمنا الظهور لكن لا ريب في أنّ ردّ هذا المبيع منفرداً عن المبيع الآخر نقصٌ حدث فيه ، بل ليس قائماً بعينه ولو بفعل الممسك لحصّته ، وهو مانعٌ من الردّ. ومن ذلك يعلم قوّة المنع وإن قلنا بتعدّد العقد.

وما ذكروه تبعاً للتذكرة (٢) ـ : من أنّ التشقيص حصل بإيجاب البائع (٣) ، فيه : أنّه أخرجه غيرَ مبعّضٍ وإنّما تبعّض بالإخراج ، والمقصود‌

__________________

(١) لم ترد العبارة بعينها في النصوص ، بل هي مستفادة من الروايات ، راجع الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، وغيره من أبواب أحكام العيوب.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٦.

(٣) الإيضاح ١ : ٤٩٤ ، ومجمع الفائدة ٨ : ٤٣٦ ، والمسالك ٣ : ٢٨٦.

٣١٥

حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج ، وخلاف ذلك ضررٌ عليه ، وعلمُ البائع بذلك ليس فيه إقدامٌ على الضرر إلاّ على تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض ، وهو محلّ الكلام.

والحاصل : أنّ الفرق بين هذه المسألة والمسألة الاولى غير وجيه.

٣ ـ تعدّد البائع والظاهر جواز التفرّق

وأمّا الثالث (١) : وهو تعدّد البائع ، فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق ؛ إذ لا ضرر على البائع بالتفريق.

ولو اشترى اثنان من اثنين عبداً واحداً فقد اشترى كلٌّ من كلٍّ ربعاً ، فإن أراد أحدهما ردَّ ربعٍ إلى أحد البائعين دخل في المسألة الثانية (٢) ولذا لا يجوز ؛ لأنّ المعيار تبعّض الصفقة على بائع الواحد.

__________________

(١) في «ش» : «الثاني» ، وقد تقدّم الكلام في وجه ذلك في الهامش (٣) من الصفحة ٣١٢.

(٢) في «ش» : «الثالثة».

٣١٦

مسألة

يسقط الأرش دون الردّ في موضعين :

مسقطات الارش دون الردّ :

١ ـ إذا اشترى ربويّاً بجنسه

أحدهما : إذا اشترى ربويّاً بجنسه فظهر عيبٌ في أحدهما ، فلا أرش حذراً من الربا.

ويحتمل جواز أخذ الأرش ، نفى (١) عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه وجهاً ثالثاً لبعض الشافعيّة ، موجِّهاً له بأنّ المماثلة في مال الربا إنّما يشترط في ابتداء العقد وقد حصلت ، والأرش حقٌّ ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (٢) ، انتهى.

ثمّ ذكر أنّ الأقرب أنّه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين ؛ لأنّ الجنس لو امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس ، لأنّه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي‌ءٍ آخر (٣) ، انتهى.

وعن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا (٤)

__________________

(١) في «ش» : «ونفى».

(٢) التذكرة ١ : ٥٣١.

(٣) التذكرة ١ : ٥٣١.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٦٨.

٣١٧

المتقدّم على العلاّمة ، وحاصل وجهه : أنّ صفة الصحّة لم تُقابل بشي‌ءٍ من الثمن حتّى يكون المقابل للمعيب الفاقد للصّحة أنقص منه قدراً ، بل لم تُقابل بشي‌ءٍ أصلاً ولو من غير الثمن وإلاّ لثبت في ذمّة البائع وإن لم يختر المشتري الأرش ، بل الصحّة وصفٌ التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي‌ءٍ من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع ، إلاّ أنّ الشارع جوّز للمشتري مع تبيّن فقده أخذ ما يخصّه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره. وهذه غرامةٌ شرعيّةٌ حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع.

هذا ، ولكن يمكن أن يدّعى : أنّ المستفاد من أدلّة تحريم الربا وحرمة المعاوضة إلاّ مثلاً بمثلٍ بعد ملاحظة أنّ الصحيح والمعيب جنسٌ واحدٌ أنّ وصف الصحّة في أحد الجنسين كالمعدوم لا يترتّب على فقده استحقاق عوضٍ ، ومن المعلوم : أنّ الأرش عوض وصف الصحّة عرفاً وشرعاً ، فالعقد على المتجانسين لا يجوز أن يصير سبباً لاستحقاق أحدهما على الآخر زائداً على ما يساوي الجنس الآخر. وبالجملة ، فبناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مالٍ في مقابل الصحّة المفقودة في أحدهما.

والمسألة في غاية الإشكال ، ولا بدّ من مراجعة أدلّة الربا وفهم حقيقة الأرش ، وسيجي‌ء بعض الكلام فيه إن شاء الله.

٢ ـ ما لو لم يوجب العيب نقصاً في القيمة

الثاني : ما لو لم يوجب العيب نقصاً في القيمة ، فإنّه لا يتصوّر هنا أرشٌ حتّى يحكم بثبوته ، وقد مثّلوا لذلك بالخصاء في العبيد (١).

__________________

(١) كما مثل به في الدروس ٣ : ٢٨٨ ، والمسالك ٣ : ٢٨٤ ، والجواهر ٢٣ : ٢٤٣.

٣١٨

وقد يناقش في ذلك : بأنّ الخصاء موجبٌ في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة ، وإنّما يرغب في الخصيّ قليلٌ من الناس لبعض الأغراض الفاسدة ، أعني : عدم تستّر النساء منه (١) فيكون واسطةً في الخدمات بين المرء وزوجته ، وهذا المقدار لا يوجب زيادةً في أصل الماليّة ، فهو كعنبٍ معيوب يُرغب فيه لجودة خمره.

لكنّ الإنصاف : أنّ الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيراً لا نادراً بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لولا هذا الغرض ، صحّ أن يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقداراً لماليّة الخصيّ ، فكأنّ هذا الغرض صار غرضاً مقصوداً متعارفاً ، وصحّة الغرض وفساده شرعاً لا دخل لها في الماليّة العرفيّة ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فالعبرة في مقدار الماليّة برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه ، سواءً كان من جهة أغراض أنفسهم أم من جهة بيعه على من له غرضٌ فيه مع كثرة ذلك المشتري وعدم ندرته بحيث يلحق بالاتّفاقيات.

__________________

(١) في «ق» : «منهنّ» ، ولعلّه من سهو القلم.

٣١٩

مسألة

يسقط الردّ والأرش معاً بأُمور :

مسقطات الردّ والارش :

١ ـ العلم بالعيب قبل العقد

أحدها : العلم بالعيب قبل العقد بلا خلافٍ ولا إشكال ؛ لأنّ الخيار إنّما ثبت مع الجهل.

وقد يستدلّ بمفهوم صحيحة زرارة المتقدّمة (١). وفيه نظر.

وحيث لا يكون العيب المعلوم سبباً لخيارٍ ، فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريداً به الخيار الخاصّ الذي له أحكامٌ خاصّةٌ فسد الشرط وأفسد ؛ لكونه مخالفاً للشرع. ولو أراد به مجرّد الخيار كان من خيار الشرط ولحقه أحكامه ، لا أحكام خيار العيب.

٢ ـ التبريّ من العيوب

الثاني : تبرّي البائع عن العيوب إجماعاً في الجملة‌ على الظاهر المصرّح به في محكي الخلاف (٢) والغنية (٣) ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع (٤).

__________________

(١) تقدمت في الصفحة ٢٨٠ ، واستدل به في الجواهر ٢٣ : ٢٣٨.

(٢) الخلاف ٣ : ١٢٧ ١٢٨ ، المسألة ٢١٣ من كتاب البيوع.

(٣) الغنية : ٢٢١ ٢٢٢.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٥.

٣٢٠