كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

في بعض كتبه (١).

والحاصل : أنّ جواز العقد الراجع إلى تسلّط الفاسخ على تملّك ما انتقل عنه وصار مالاً لغيره وأخذه منه بغير رضاه منافٍ لهذا العموم.

الاستدلال برواية المؤمنون عند شروطهم

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» (٢). وقد استدلّ به على اللزوم غير واحدٍ منهم المحقّق الأردبيلي قدس‌سره (٣) بناءً على أنّ الشرط مطلق الإلزام والالتزام ولو ابتداءً من غير ربطٍ بعقدٍ آخر ، فإنّ العقد على هذا شرطٌ ، فيجب الوقوف عنده ويحرم التعدّي عنه ، فيدلّ على اللزوم بالتقريب المتقدّم في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائيّة ، بل المتبادر عرفاً هو الإلزام التابع ، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتّى في مثل قوله عليه‌السلام في دعاء التوبة : «ولك يا ربِّ شرطي أن لا أعود في مكروهك ، وعهدي أن أهجر جميع معاصيك» (٤) ، وقوله عليه‌السلام في أوّل دعاء الندبة : «بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا» (٥) كما لا يخفى على من تأمّلها.

مع أنّ كلام بعض أهل اللغة يساعد على ما ادّعينا من الاختصاص ،

__________________

(١) راجع التذكرة ٢ : ٦ ، وفيه بعد الحكم بعدم جواز رجوع المقرض بعد قبض المستقرض هكذا : «صيانة لملكه».

(٢) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٣٨٣ ، ومنهم المحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ٤.

(٤) الصحيفة السجّادية : ١٦٦ ، من دعائه عليه‌السلام في ذكر التوبة وطلبها.

(٥) مصباح الزائر : ٤٤٦ ، وعنه في البحار ١٠٢ : ١٠٤.

٢١

ففي القاموس : الشرط إلزام الشي‌ء والتزامه في البيع ونحوه (١).

الاستدلال بأخبار اُخر

ومنها : الأخبار المستفيضة‌ في أنّ «البيّعان (٢) بالخيار ما لم يفترقا» (٣) ، وأنّه «إذا افترقا وجب البيع» (٤) ، وأنّه «لا خيار لهما بعد الرضا» (٥).

فهذه جملةٌ من العمومات الدالّة على لزوم البيع عموماً أو خصوصاً. وقد عرفت أنّ ذلك مقتضى الاستصحاب أيضاً (٦).

مقتضى الاستصحاب أيضا اللزوم

وربما يقال : إنّ مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك (٧) ، فإنّ الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع ، وهذا الاستصحاب حاكمٌ على الاستصحاب المتقدّم المقتضي للّزوم. ورُدّ بأنّه :

إن أُريد بقاء علاقة الملك أو علاقةٍ تتفرّع على الملك ، فلا ريب‌

__________________

(١) القاموس ٢ : ٣٦٨ ، مادّة (الشرط).

(٢) كذا في «ق» ، والوجه فيه الحكاية ، وفي «ش» ومصحّحة بعض النسخ «ن» : «البيّعين».

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ١ ، ٢ و ٣ ، و ٣٥٠ ، الباب ٣ من الأبواب ، الحديث ٦ ، والمستدرك ١٣ : ٢٩٧ ٢٩٨ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٤ ، ٦ و ٨ ، و ٢٩٩ ، الباب ٢ من الأبواب ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٤ ، و ٣٤٨ ، الباب ٢ من الأبواب ، الحديث ٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

(٦) تقدّم في الصفحة ١٤ (المعنى الثالث من معاني الأصل).

(٧) في «ش» زيادة : «عن العين».

٢٢

في زوالها بزوال الملك.

وإن أُريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه ، فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك ، وإنّما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليلٍ ؛ فإذا فقد الدليل فالأصل عدمها.

وإن أُريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع ، فإنّها تستصحب عند الشكّ ، فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار ، كما يقال : الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرّف ، في مقابل من جعلها لازمةً بالتصرّف ، ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس ، بل مطلقاً بناءً على أنّ الواجب هنا الرجوع في زمان الشكّ إلى عموم (أَوْفُوا) (١) لا الاستصحاب ـ : أنّه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق ، فيبقى ذلك الاستصحاب سليماً عن الحاكم (٢).

ظاهر المختلف أن الأصل عدم اللزوم والمناقشة فيه

ثمّ إنّه يظهر من المختلف في مسألة أنّ المسابقة لازمة أو جائزة ـ : أنّ الأصل عدم اللزوم (٣) ، ولم يردّه من تأخّر عنه (٤) إلاّ بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٥) ، ولم يُعلم (٦) وجهٌ صحيحٌ لتقرير هذا الأصل. نعم ، هو حسنٌ في خصوص عقد المسابقة وشبهه ممّا لا يتضمّن‌

__________________

(١) في «ش» : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

(٢) في «ش» وهامش «ف» زيادة : «فتأمّل».

(٣) المختلف ٦ : ٢٥٥.

(٤) راجع جامع المقاصد ٨ : ٣٢٦ ، والجواهر ٢٨ : ٢٢٣.

(٥) المائدة : ١.

(٦) في «ش» : «ولم يكن».

٢٣

تمليكاً أو تسليطاً ؛ ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر وعدم زواله بدون رضا الطرفين.

إذا شك في عقد أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز

ثمّ إنّ ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم إنّما هو في الشكّ في حكم الشارع باللزوم ، ويجري أيضاً فيما إذا شكّ في عقدٍ خارجيٍّ أنّه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز (١) ، بناءً على أنّ المرجع في الفرد المردّد بين عنواني العامّ والمخصّص إلى العموم. وأمّا بناءً على خلاف ذلك ، فالواجب الرجوع عند الشكّ في اللزوم إلى الأصل ، بمعنى استصحاب الأثر وعدم زواله بمجرّد فسخ أحد المتعاقدين ، إلاّ أن يكون هنا أصلٌ موضوعيٌّ يثبت العقد الجائز ، كما إذا شكّ في أنّ الواقع هبةٌ أو صدقةٌ ، فإنّ الأصل عدم قصد القربة ، فيحكم بالهبة الجائزة.

لكن الاستصحاب المذكور إنّما ينفع في إثبات صفة اللزوم ، وأمّا تعيين العقد اللازم حتّى يترتّب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا أُريد تعيين البيع عند الشكّ فيه وفي الهبة فلا ، بل يُرجع في أثر كلّ عقدٍ إلى ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه ، فإذا شكّ في اشتغال الذمّة بالعوض حكم بالبراءة التي هي من آثار الهبة ، وإذا شكّ في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان ؛ لعموم «على اليد» إن كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة ، وإن كان المستند دخوله في «ضمان العين» أو قلنا بأنّ خروج الهبة من ذلك العموم مانعٌ عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقاً لها ، كان الأصل البراءة أيضاً.

__________________

(١) أو الجائز» مشطوب عليها في «ق».

٢٤

في أقسام الخيار‌

وهي كثيرةٌ إلاّ أنّ أكثرها متفرّقةٌ ، والمجتمع منها في كلِّ كتابٍ سبعةٌ ، وقد أنهاها بعضهم إلى أزيد من ذلك ، حتّى أنّ المذكور في اللمعة مجتمعاً أربعة عشر (١) ، مع عدم ذكره لبعضها ، ونحن نقتفي أثَر المقتصِر على السبعة كالمحقّق (٢) والعلاّمة (٣) قدس‌سرهما لأنّ ما عداها لا يستحقّ عنواناً مستقلا ، إذ ليس له أحكامٌ مغايرةٌ لسائر أنواع الخيار ، فنقول وبالله التوفيق‌ :

__________________

(١) اللمعة الدمشقيّة : ١٢٧.

(٢) قال في الشرائع (٢ : ٢١) : «أمّا أقسامه فخمسة» ، وقال في المختصر النافع (١٢١) : «وأقسامه ستّة». ولم نقف على قولٍ له بالسبعة.

(٣) القواعد ٢ : ٦٤ ، التذكرة ١ : ٥١٥ ، والإرشاد ١ : ٣٧٤.

٢٥
٢٦

في خيار المجلس‌

المراد بـ «المجلس»

والمراد بـ «المجلس» مطلق مكان المتبايعين حين البيع ، وإنّما عبّر بفرده الغالب ، وإضافة الخيار إليه لاختصاصه به وارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق.

الدليل على هذا الخيار

ولا خلاف بين الإماميّة في ثبوت هذا الخيار ، والنصوص به مستفيضة (١).

والموثّق الحاكي لقول عليّ عليه‌السلام : «إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب» (٢) مطروحٌ أو مؤوّلٌ.

ولا فرق بين أقسام البيع وأنواع المبيع. نعم ، سيجي‌ء استثناء بعض أشخاص المبيع كالمنعتق على المشتري.

وتنقيح مباحث هذا الخيار ومسقطاته يحصل برسم مسائل :

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٧.

٢٧

مسألة

هل يثبت خيار المجلس للوكيل مطلقاً؟

لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصيلين ، ولا في ثبوته للوكيلين في الجملة. وهل يثبت لهما مطلقاً؟ خلاف.

قال في التذكرة : لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلّق الخيار بهما وبالموكّلين مع حضورهما في المجلس ، وإلاّ فبالوكيلين ، فلو مات الوكيل في المجلس والموكّل غائبٌ انتقل الخيار إليه ؛ لأنّ ملكه أقوى من ملك الوارث. وللشافعيّة قولان : أحدهما : أنّه يتعلّق بالموكّل ، والآخر : أنّه يتعلّق بالوكيل (١) ، انتهى.

أقسام الوكيل

١ ـ أن يكون وكيلا في مجرد إجراء العقد

أقول : والأولى أن يقال : إنّ الوكيل إن كان وكيلاً في مجرّد إجراء العقد ، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما وفاقاً لجماعةٍ منهم المحقّق والشهيد الثانيان (٢) لأنّ المتبادر من النصّ غيرهما وإن عمّمناه لبعض أفراد الوكيل (٣) ولم نقل بما قيل (٤) تبعاً لجامع المقاصد (٥) بانصرافه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٨.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٢٨٥ ، والمسالك ٣ : ١٩٤ ١٩٥.

(٣) المراد بهذا «البعض» هو الوكيل في التصرّف المالي ، غاية الآمال : ٤٨٨.

(٤) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ٢٤١.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٢٨٦.

٢٨

عدم ثبوت الخيار للوكيل في هذه الصورة

بحكم الغلبة إلى خصوص العاقد المالك ؛ مضافاً إلى أنّ مفاد أدلّة الخيار إثبات حقٍّ وسلطنةٍ لكلٍّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه ، فلا يثبت بها هذا التسلّط لو لم يكن مفروغاً عنه في الخارج.

ألا ترى : أنّه لو شكّ المشتري في كون المبيع ممّن ينعتق عليه لقرابةٍ أو يجب صرفه لنفقةٍ أو إعتاقه لنذرٍ ، فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلّة الخيار ، بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز ردّه على البائع وعدم وجوب عتقه.

هذا مضافاً إلى ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه وبين خيار الحيوان (١) ، الذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في إجراء الصيغة ، فإنّ المقام وإن لم يكن من تعارض المطلق والمقيّد إلاّ أنّ سياق الجميع يشهد باتّحاد المراد من لفظ «المتبايعين» ، مع أنّ ملاحظة حكمة الخيار تبعّد ثبوته للوكيل المذكور ؛ مضافاً إلى أدلّة سائر الخيارات ، فإنّ القول بثبوتها لمُوقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.

والظاهر عدم دخوله في إطلاق العبارة المتقدّمة عن التذكرة (٢) ، فإنّ الظاهر من قوله : «اشترى الوكيل أو باع» تصرّف الوكيل بالبيع والشراء ، لا مجرّد إيقاع الصيغة.

ومن جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الأحاديث ١ ، ٥ و ٣٥٠ ، الباب ٣ من الأبواب نفسها ، الحديث ٦.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٢٨.

٢٩

هو ظاهر الحدائق (١).

وأضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكّل من الفسخ بزعم : أنّ الخيار حقٌّ ثبت للعاقد بمجرّد إجرائه للعقد ، فلا يبطل بمنع الموكّل.

وعلى المختار ، فهل يثبت للموكِّلَين؟ فيه إشكالٌ :

من أنّ الظاهر من «البيّعين» في النصّ المتعاقدان ، فلا يعمّ الموكّلين ؛ وذكروا : أنّه لو حلف على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله.

ومن أنّ الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين ، ونسبة الفعل إليهما شائعة ، ولذا لا يتبادر من قوله : «باع فلان ملكه الكذائي» كونه مباشراً للصيغة. وعدم الحِنث بمجرّد التوكيل في إجراء الصيغة ممنوعٌ.

ثبوت الخيار للموكّل في هذه الصورة مع حضوره مجلس العقد

فالأقوى ثبوته لهما ولكن مع حضورهما في مجلس العقد ، والمراد به مجلسهما المضاف عرفاً إلى العقد ، فلو جلس هذا في مكانٍ وذاك في مكانٍ آخر فاطّلعا على عقد الوكيلين ، فمجرّد ذلك لا يوجب الخيار لهما ، إلاّ إذا صدق كون مكانيهما مجلساً لذلك العقد ، بحيث يكون الوكيلان ك‍ : لساني الموكّلين ، والعبرة بافتراق الموكّلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين.

هذا كلّه إن كان وكيلاً في مجرّد إيقاع العقد.

٢ ـ أن يكون وكيلا مستقلا في التصرف المالي

وإن كان وكيلاً في التصرّف المالي كأكثر الوكلاء ، فإن كان مستقلا في التصرّف في مال الموكّل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحقّقها نظير العامل في القراض وأولياء القاصرين فالظاهر ثبوت الخيار له ،

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ٧.

٣٠

لعموم النصّ.

ثبوت الخيار للوكيل في هذه الصورة

ودعوى تبادر المالكين ممنوعةٌ ، خصوصاً إذا استندت إلى الغلبة ، فإنّ معاملة الوكلاء والأولياء لا تحصى.

وهل يثبت الخيار للموكّل أيضاً؟

وهل يثبت للموكّلين أيضاً مع حضورهما كما تقدّم عن التذكرة (١)؟ إشكالٌ :

من تبادر المتعاقدين من النصّ ، وقد تقدّم عدم حِنث الحالف على ترك البيع ببيع وكيله.

ومن أنّ المستفاد من أدلّة سائر الخيارات وخيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص (٢) : كون الخيار حقّا لصاحب المال ، شُرّع (٣) إرفاقاً له ، وأنّ ثبوته للوكيل لكونه نائباً عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه ، إلاّ أن يدّعى مدخليّة المباشرة للعقد ، فلا يثبت لغير المباشر.

ولكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوّةٍ.

لو ثبت الخيار لمتعدّدين

وحينئذٍ فقد يتحقّق في عقدٍ واحدٍ الخيار لأشخاصٍ كثيرةٍ من طرفٍ واحدٍ أو من الطرفين ، فكلّ من سبق من أهل الطرف الواحد إلى إعماله نفذ وسقط خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه ، وليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز (٤).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٨.

(٢) راجع الصفحة ٢٩ ، الهامش الأوّل.

(٣) في «ش» : «شرعاً».

(٤) في «ش» زيادة : «فإنّ تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين ، وهذا فرض من جانب واحد».

٣١

ما هو المراد من التفرّق؟

ثمّ على المختار من ثبوته للموكِّلين ، فهل العبرة فيه بتفرّقهما عن مجلسهما حال العقد ، أو عن مجلس العقد ، أو بتفرّق المتعاقدين ، أو بتفرّق الكلّ ، فيكفي بقاء أصيلٍ مع وكيل الآخر (١) في مجلس العقد؟ وجوهٌ ، أقواها الأخير.

٣ ـ أن لا يكون مستقلا في التصرف

عدم ثبوت الخيار للوكيل في هذه الصورة

وإن لم يكن مستقلا في التصرّف في مال الموكّل قبل العقد وبعده ، بل كان وكيلاً في التصرّف على وجه المعاوضة كما إذا قال له : اشتر لي عبداً فالظاهر حينئذٍ عدم الخيار للوكيل ، لا لانصراف الإطلاق إلى غير ذلك ، بل لما ذكرنا في القسم الأوّل (٢) : من أنّ إطلاق أدلّة الخيار مسوقٌ لإفادة سلطنة كلٍّ من العاقدين على ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكّنه من ردّ ما انتقل إليه ، فلا تنهض لإثبات هذا التمكّن عند الشكّ فيه ، ولا لتخصيص ما دلّ على سلطنة الموكّل على ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرّف الوكيل فيه بردّه إلى مالكه الأصلي.

وفي ثبوته للموكّلين ما تقدّم (٣).

والأقوى اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه (٤).

هل للموكل تفويض حق الخيار إلى الوكيل؟

ثمّ هل للموكّل بناءً على ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا حقٍّ خياري؟ الأقوى العدم ؛ لأنّ المتيقّن من‌

__________________

(١) في «ش» : «آخر».

(٢) وهو الوكيل في إجراء لفظ العقد فقط ، راجع الصفحة ٢٨ ٢٩.

(٣) راجع الصفحة المتقدّمة.

(٤) آنفاً.

٣٢

الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده. نعم ، يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرّف فسخاً أو التزاماً.

عدم ثبوت الخيار للفضولي

وممّا ذكرنا اتّضح عدم ثبوت الخيار للفضوليّين وإن جعلنا الإجازة كاشفةً ، لا لعدم صدق «المتبايعين» ؛ لأنّ البيع النقل ولا نقل هنا كما قيل (١) لاندفاعه بأنّ البيع النقل العرفي ، وهو موجودٌ هنا. نعم ، ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعاً بالبيع ، وهذا المعنى منتفٍ في الفضولي قبل الإجازة.

ويندفع أيضاً : بأنّ مقتضى ذلك عدم الخيار في الصرف والسلم قبل القبض ، مع أنّ هذا المعنى لا يصحّ على مذهب الشيخ القائل بتوقّف الملك على انقضاء الخيار (٢).

فالوجه في عدم ثبوته للفضوليّين فحوى ما تقدّم : من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلّين (٣). نعم ، في ثبوته للمالكين بعد الإجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجهٌ. واعتبار مجلس الإجازة على القول بالنقل ، له وجهٌ. خصوصاً على القول بأنّ الإجازة عقدٌ مستأنف ، على ما تقدّم توضيحه في مسألة عقد الفضولي (٤). ويكفي حينئذٍ الإنشاء أصالةً من أحدهما ، والإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلسٌ‌

__________________

(١) قاله صاحب الجواهر ٢٣ : ٩.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٢ ، المسألة ٢٩ من كتاب البيوع.

(٣) راجع الصفحة المتقدّمة.

(٤) راجع الجزء الثالث : ٣٩٩.

٣٣

عرفاً. نعم ، يحتمل في أصل [المسألة (١)] أن تكون الإجازة من المجيز التزاماً بالعقد ، فلا خيار بعدها خصوصاً إذا كانت بلفظ «التزمت» ، فتأمّل.

ولا فرق في الفضوليّين بين الغاصب وغيره ، فلو تبايع غاصبان ثمّ تفاسخا لم يزُل العقد عن قابليّة لحوق الإجازة ، بخلاف ما لو ردّ الموجب منهما قبل قبول الآخر ، لاختلال صورة المعاقدة ، والله العالم.

__________________

(١) لم ترد في «ق».

٣٤

مسألة

هل يثبت الخيار إذا كان العاقد واحدا؟

لو كان العاقد واحداً لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولايةً أو وكالةً على وجهٍ يثبت له الخيار مع التعدّد بأن كان وليّاً أو وكيلاً مستقلا في التصرّف فالمحكيّ عن ظاهر الخلاف والقاضي والمحقّق (١) والعلاّمة (٢) والشهيدين (٣) والمحقّق الثاني (٤) والمحقّق الميسي (٥) والصيمري (٦) وغيرهم ، ثبوتُ هذا الخيار له عن الاثنين ؛ لأنّه بائعٌ ومشترٍ ، فله ما لكلٍّ منهما كسائر أحكامهما الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين.

__________________

(١) حكاه عن ظاهرهم المحقّق التستري في المقابس : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٥ ٥١٦.

(٣) الدروس ٣ : ٢٦٥ ، والمسالك ٣ : ١٩٧ ١٩٨.

(٤) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٥ ، والمحقّق التستري في المقابس : ٢٤١ ، وراجع تعليقة المحقّق على الإرشاد (مخطوط) : ٢٥٣ ٢٥٤.

(٥) لا يوجد لدينا كتابه ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٥ ، والمحقّق التستري في المقابس : ٢٤١.

(٦) حكى عنه ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٥ ، والمقابس : ٢٤١. وراجع غاية المرام (مخطوط) : ٢٨٨.

٣٥

واحتمال كون الخيار لكلٍّ منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين بشخصٍ واحد ، مندفعٌ باستقرار سائر أحكام المتبايعين ، وجعل الغاية التفرّق المستلزم للتعدّد مبنيٌّ على الغالب.

خلافاً للمحكيّ في التحرير من القول بالعدم (١) ، واستقربه فخر الدين قدّس الله سرّه (٢) ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي (٣) والفاضل الخراساني (٤) والمحدّث البحراني (٥) ، واستظهره بعض الأفاضل ممّن عاصرناهم (٦).

الأقوى عدم ثبوت الخيار له عن الاثنين

ولا يخلو عن قوّةٍ بالنظر إلى ظاهر النصّ ؛ لأنّ الموضوع فيه صورة التعدّد ، والغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدّد ، ولولاها لأمكن استظهار كون التعدّد في الموضوع لبيان حكم كلٍّ من البائع والمشتري كسائر أحكامهما ؛ إذ لا يفرِّق العرف بين قوله : «المتبايعان كذا» وقوله : «لكلٍّ من البائع والمشتري» ، إلاّ أنّ التقييد بقوله : «حتّى يفترقا» ظاهرٌ في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية ، ولا يمكن فرض التفرّق في غير المتعدّد.

ومنه يظهر سقوط القول بأنّ كلمة «حتّى» تدخل على الممكن والمستحيل ، إلاّ أن يدّعى أنّ التفرّق غايةٌ مختصّةٌ بصورة التعدّد ،

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٥.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨١ ، وفيه : «والأولى عدم الخيار هنا».

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٣٨٩.

(٤) كفاية الأحكام : ٩١ ، وفيه : «لا يخلو عن قوّة».

(٥) الحدائق ١٩ : ١٣ و ١٦.

(٦) وهو المحقّق التستري في المقابس : ٢٤١ ، وفيه : «ولعلّ القول الثاني أقوى».

٣٦

لا مخصّصةٌ للحكم بها.

وبالجملة ، فحكم المشهور بالنظر إلى ظاهر اللفظ مشكلٌ. نعم ، لا يبعد بَعد تنقيح المناط ، لكن الإشكال فيه. والأولى التوقّف ، تبعاً للتحرير وجامع المقاصد (١).

ثمّ لو قلنا بالخيار ، فالظاهر بقاؤه إلى أن يسقط بأحد المسقطات غير التفرّق.

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٥ ، وجامع المقاصد ٤ : ٢٨٧.

٣٧

مسألة

قد يستثني بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار :

استثناء بعض أشخاص المبيع عن خيار المجلس :

١ ـ من ينعتق على أحد المتبايعين

منها : من ينعتق على أحد المتبايعين ، والمشهور كما قيل (١) ـ : عدم الخيار مطلقاً ، بل عن ظاهر المسالك أنّه محلّ وفاق (٢). واحتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع (٣). والكلام فيه مبنيٌّ على قول المشهور : من عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار ، وإلاّ فلا إشكال في ثبوت الخيار.

والظاهر أنّه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس العين ؛ لأنّ مقتضى الأدلّة الانعتاق بمجرّد الملك ، والفسخ بالخيار من حينه لا من أصله ، ولا دليل على زواله بالفسخ مع قيام الدليل على عدم‌

__________________

(١) قاله المحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ١٦.

(٢) نسبه إلى ظاهر المسالك المحقّق التستري في المقابس : ٢٤٠ ، وانظر المسالك ٣ : ٢١٢.

(٣) الدروس ٣ : ٢٦٦.

٣٨

زوال الحرّية بعد تحقّقها إلاّ على احتمالٍ ضعّفه في التحرير فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيباً (١) مبنيٍّ على تزلزل العتق.

وأمّا الخيار بالنسبة إلى أخذ القيمة ، فقد يقال (٢) : [إنّه (٣)] مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار ودليل عدم عود الحرّ إلى الرقّية ، فيفرض المنعتق كالتالف ، فلمن انتقل إليه أن يدفع القيمة ويستردّ الثمن. وما في التذكرة : من أنّه وطّن نفسه على الغبن المالي ، والمقصود من الخيار أن ينظر ويتروّى لدفع الغبن عن نفسه ممنوعٌ ؛ لأنّ التوطين على شرائه عالماً بانعتاقه عليه ليس توطيناً على الغبن من حيث المعاملة ، وكذا لمن انتقل عنه أن يدفع الثمن ويأخذ القيمة. وما في التذكرة : من تغليب جانب العتق (٤) إنّما يجدي مانعاً عن دفع العين.

لكنّ الإنصاف : أنّه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه ؛ لأنّ شراءه إتلافٌ له في الحقيقة وإخراجٌ له عن الماليّة ، وسيجي‌ء سقوط الخيار بالإتلاف بل بأدنى تصرّف (٥) ، فعدم ثبوته به أولى. ومنه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه ؛ لأنّ بيعه ممّن ينعتق عليه إقدامٌ على إتلافه وإخراجه عن الماليّة.

__________________

(١) لم نعثر فيه إلاّ على هذه العبارة : «ولو اشترى من يعتق عليه ثمّ ظهر على عيب سابق فالوجه أنّ له الأرش خاصّة» انظر التحرير ١ : ١٨٤.

(٢) احتمله الشهيد في الدروس ٣ : ٢٦٦.

(٣) الزيادة اقتضاها السياق.

(٤) التذكرة ١ : ٥١٦ ، وفيه : «لكن النظر إلى جانب العتق أقوى».

(٥) يجي‌ء في الصفحة ٨١ و ٩٧.

٣٩

والحاصل : أنّا إذا قلنا : إنّ الملك في من ينعتق عليه تقديريٌّ لا تحقيقي ، فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاةٌ على إخراجه عن الماليّة ، وسلكه في سلك ما لا يتموّل. لكنّه حسنٌ مع علمهما ، فتأمّل.

وقد يقال (١) : إنّ ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبنيٌّ على أنّ الخيار والانعتاق هل يحصلان بمجرّد البيع أو بعد ثبوت الملك آناً ما ، أو الأوّل بالأوّل والثاني بالثاني ، أو العكس؟

فعلى الأوّلين والأخير يقوى القول بالعدم ؛ لأنصيّة أخبار العتق وكون القيمة بدل العين ، فيمتنع استحقاقها من دون المبدل ، ولسبق تعلّقه على الأخير. ويحتمل قريباً الثبوت ؛ جمعاً بين الحقّين ودفعاً للمنافاة من البين ، وعملاً بالنصّين وبالإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين ، وتنزيلاً للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيبٍ في أحدهما ، وللعتق منزلة تلف العين ، ولأنهم حكموا بجواز الفسخ والرجوع إلى القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممّن ينعتق على المشتري ، أو تعيّب بما يوجب ذلك. والظاهر عدم الفرق بينه وبين المقام.

وعلى الثالث يتّجه الثاني ؛ لما مرّ ، ولسبق تعلّق حقّ الخيار وعروض العتق.

ثمّ قال : وحيث كان المختار في الخيار : أنّه بمجرّد العقد ، وفي العتق : أنّه بعد الملك ، ودلّ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب على أنّ أحكام العقود والإيقاعات تتبعها بمجرّد حصولها إذا لم يمنع عنها مانعٌ ، من غير فرقٍ بين الخيار وغيره ، بل قد صرّحوا بأنّ الخيار يثبت بعد‌

__________________

(١) القائل هو صاحب المقابس قدس‌سره ، كما سيأتي.

٤٠