كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

المشتري للعبد المشترى «ناولني الثوب» أو «أغلق الباب» على ما صرّح به العلاّمة في التذكرة (١) في غاية الإشكال ؛ لإطلاق قوله عليه‌السلام : «إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه» المعتضد بإطلاق الأخبار في الردّ خصوصاً ما ورد في ردّ الجارية بعد ما لم تحض ستّة أشهرٍ عند المشتري (٢) (٣) ونحو ذلك ممّا يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرّف فيه بمثل «أغلق الباب» ونحوه وعدم (٤) ما يصلح للتقييد ممّا استدلّ به للسقوط ، فإنّ مطلق التصرّف لا يدلّ على الرضا ، خصوصاً مع الجهل بالعيب.

وأمّا المرسلة (٥) فقد عرفت إطلاقها لما يشمل لبس الثوب واستخدام العبد ، بل وطء الجارية لولا النصّ المسقط للخيار به.

وأمّا الصحيحة (٦) فلا يُعلم المراد من «إحداث شي‌ءٍ في المبيع» لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغةً ولا عرفاً لمثل استخدام العبد وشبهه ممّا مرّ من الأمثلة ، فلا يدلّ على أزيد ممّا دلّ عليه ذيل المرسلة : من أنّ العبرة بتغيّر العين وعدم قيامها بعينها. اللهمّ إلاّ أن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٠.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٣ ، الباب ٣ من أبواب أحكام العيوب ، وفيه حديث واحد.

(٣) في «ش» زيادة : «وردّ المملوك في أحداث السنة».

(٤) عطف على قوله : «لإطلاق».

(٥) يعني مرسلة جميل المتقدّمة في الصفحة السابقة.

(٦) يعني صحيحة زرارة المتقدّمة في الصفحة السابقة أيضاً.

٢٨١

يستظهر بمعونة ما تقدّم في خيار الحيوان : من النصّ الدالّ على أنّ المراد بإحداث الحدث في المبيع هو : أن ينظر إلى ما حرم النظر إليه قبل الشراء (١) ، فإذا كان مجرّد النظر المختصّ بالمالك حدثاً دلّ على سقوط الخيار هنا وفي الحيوان (٢) بكلّ تصرّفٍ ، فيكون ذلك النصّ دليلاً على المراد بالحدث هنا. وهذا حسنٌ ، لكن إقامة البيّنة على اتّحاد معنى الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى مشكلةٌ (٣).

هل مسقطيّة التصرّف من حيث دلالته على الرضا؟

ثمّ إنّه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرّف ، فلا دليل على كونه من حيث الرضا بالعقد (٤) وإن كان النصّ في خيار الحيوان دالاّ على ذلك ، بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدّمة (٥) في المراد من التعليل (٦). لكن كلمات كثيرٍ منهم في هذا المقام أيضاً تدلّ على سقوط هذا الخيار بالتصرّف من حيث الرضا ، بل عرفت من التذكرة والغنية : أنّ علّة السقوط دلالة التصرّف نوعاً على الرضا (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ٣ ، وراجع الصفحة ٩٧ ٩٨.

(٢) لم ترد «وفي الحيوان» في «ش».

(٣) في «ق» : «مشكل».

(٤) في «ش» زيادة : «فلا يتقيّد بالتصرّف الدالّ عليه».

(٥) في «ش» زيادة : «هناك».

(٦) تقدّمت في الصفحة ١٠٠ ١٠٢.

(٧) راجع الصفحة ٢٨٠.

٢٨٢

ظهور كلمات الفقهاء في ذلك

ونحوه في الدلالة على كون السقوط بالتصرّف من حيث دلالته على الرضا كلماتُ جماعةٍ ممّن تقدّم عليه ومن تأخّر عنه.

قال في المقنعة : فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتّى أحدث فيه حدثاً لم يكن له الردّ ، وكان له أرش العيب خاصّةً ، وكذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثاً بعد العلم ، ولا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاً به منه (١) ، انتهى.

فإنّ تعليله عدمَ سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث على الرضا بالعيب ظاهرٌ خصوصاً بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أنّ سقوط الردّ بالحدث لدلالته على الرضا بأصل البيع ، ومثلها عبارة النهاية من غير تفاوتٍ (٢).

وقال في المبسوط : إذا كان المبيع بهيمةً فأصاب بها عيباً كان له ردّها ، فإذا كان في طريق الردّ جاز له ركوبها وعلفها وسقيها وحلبها وأخذ لبنها ، وإن نتجت كان له نتاجها ؛ كلّ هذا لأنّه ملكه وله فائدته وعليه مئونته ، والردّ لا يسقط ، لأنّه إنّما يسقط الردّ بالرضا بالمعيب أو ترك الردّ بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيبٌ عنده ، وليس هنا شي‌ءٌ من ذلك (٣) ، انتهى.

وقال في الغنية : ولا يسقط بالتصرّف بعد العلم بالعيب حقُّ المطالبة بالأرش ؛ لأنّ التصرّف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب (٤) ، انتهى.

__________________

(١) المقنعة : ٥٩٧.

(٢) راجع النهاية : ٣٩٣ ، لكن مع تفاوت في الألفاظ.

(٣) المبسوط ٢ : ١٣٩.

(٤) الغنية : ٢٢٢.

٢٨٣

وفي السرائر ، قال في حكم من ظهر على عيبٍ فيما اشتراه : ولا يجبر على أحد الأمرين يعني الردّ والأرش قال : هذا إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة ، أو ينقص قيمته بتصرّفه (١) ، انتهى.

وفي الوسيلة : ويسقط الردّ بأحد ثلاثة أشياء : بالرضا ، وبترك الردّ بعد العلم به والمعرفة (٢) إذا عرف أنّ له الخيار (٣) ، وبحدوث عيبٍ آخر عنده (٤) ، انتهى.

وهي بعينه كعبارة المبسوط المتقدّمة ظاهرةٌ في أنّ التصرّف ليس بنفسه مسقطاً إلاّ إذا دلّ على الرضا.

وقال في التذكرة : لو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها لم يكن ذلك رضاً منه بإمساكها ، ولو حلبها في طريق الردّ فالأقوى أنّه تصرّفٌ يؤذن بالرضا بها. وقال بعض الشافعيّة : لا يكون رضاً بإمساكه ؛ لأنّ اللبن مالُه قد استوفاه في حال الردّ (٥) ، انتهى.

وفي جامع المقاصد والمسالك في ردّ ابن حمزة القائل بأنّ التصرّف بعد العلم يسقط الأرش أيضاً ـ : أنّ التصرّف لا يدلّ على إسقاط الأرش ، نعم يدلّ على الالتزام بالعقد (٦).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٧٧.

(٢) لم ترد «والمعرفة» في «ش» والمصدر.

(٣) في «ش» والمصدر : «الردّ».

(٤) الوسيلة : ٢٥٦.

(٥) التذكرة ١ : ٥٢٩.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٣٢ ، والمسالك ٣ : ٢٨٣ ٢٨٤.

٢٨٤

وفي التحرير : لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرّف فيه بما يدلّ على الرضا قبل علمه بالعيب وبعده سقط الردّ (١) ، انتهى.

عدم كون التصرّف من حيث هو مسقطاً

هل التصرّف قبل العلم بالعيب يسقط الردّ؟

وقد ظهر من جميع ذلك : أنّ التصرّف من حيث هو ليس مسقطاً ، وإنّما هو التزامٌ ورضاً بالعقد فعلاً ، فكلّ تصرّفٍ يدلّ على ذلك عادةً فهو مسقطٌ ، وما ليس كذلك فلا دليل على الإسقاط به ، كما لو وقع نسياناً أو للاختبار ، ومقتضى ذلك : أنّه لو وقع التصرّف قبل العلم بالعيب لم يسقط ، خصوصاً إذا كان ممّا يتوقّف العلم بالعيب عليه وحصل بقصد الاختبار ، إلاّ أنّ المعروف خصوصاً بين العلاّمة ومن تأخّر عنه (٢) ـ : عدم الفرق في السقوط بالتصرّف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده.

رأي المؤلّف في المسألة

والذي ينبغي أن يقال وإن كان ظاهر المشهور خلافه ـ : إنّ التصرّف بعد العلم مسقطٌ للردّ إذا كان دالاّ بنوعه على الرضا كدلالة اللفظ على معناه ، لا مطلق التصرّف ، والدليل على إسقاطه مضافاً إلى أنّه التزامٌ فعليٌّ فيدلّ عليه ما يدلّ على اعتبار الالتزام إذا دلّ عليه باللفظ ـ : ما تقدّم في خيار الحيوان (٣) من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاً بالبيع ، ولذا تعدّينا إلى خيار المجلس والشرط وحكمنا بسقوطهما بالتصرّف ، فكذلك خيار العيب.

وأمّا التصرّف قبل العلم بالعيب ، فإن كان مغيِّراً للعين بزيادةٍ أو‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٨٤.

(٢) راجع التحرير ١ : ١٨٣ ، والقواعد ٢ : ٧٤ ، والدروس ٣ : ٢٨٣.

(٣) تقدّم في الصفحة ٩٧.

٢٨٥

ضابط التصرّف المسقط قبل العلم

نقيصةٍ أو تغيّر هيئةٍ أو ناقلاً لها بنقلٍ لازمٍ أو جائزٍ وبالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي‌ء بعينه فهو مسقطٌ أيضاً ؛ لمرسلة جميل المتقدّمة (١).

ويلحق بذلك تعذّر الردّ بموتٍ أو عتقٍ أو إجارةٍ أو شبه ذلك.

وظاهر المحقّق في الشرائع الاقتصار على ذلك ، حيث قال في أوّل المسألة : ويسقط الردّ بإحداثه فيه حدثاً كالعتق وقطع

الثوب سواءً كان قبل العلم بالعيب أو بعده (٢). وفي مسألة ردّ المملوك من أحداث السنة : فلو أحدث ما يغيّر عينه أو صفته ثبت الأرش (٣) ، انتهى.

وهو الظاهر من المحكيّ عن الإسكافي ، حيث قال : فإن وجد بالسلعة عيباً وقد أحدث فيه ما لا يمكن [معه (٤)] ردّها إلى ما كانت عليه قبله ، كالوطء للأمة والقطع للثوب أو تعذّر الردّ بموتٍ أو نحوه ، كان له فضل ما بين الصحّة والعيب (٥) ، انتهى.

وهذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرّف قبل العلم ، وأمّا ما عدا ذلك من التصرّف قبل العلم كحلب الدابّة وركوبها وشبه ذلك فلا دليل على السقوط به بحيث تطمئنّ به النفس ، أقصى (٦)

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٢٨٠.

(٢) الشرائع ٢ : ٣٦.

(٣) الشرائع ٢ : ٤٠.

(٤) لم يرد في «ق».

(٥) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ١٧٨ ١٧٩.

(٦) في «ش» : «وأقصى».

٢٨٦

ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدّمة (١) بضميمة ما تقدّم (٢) في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر واللمس ، وقيام النصّ (٣) والإجماع على سقوط ردّ الجارية بوطئها قبل العلم ، مع عدم دلالته على الالتزام بالبيع وعدم تغييره للعين ، وإطلاق معقد الإجماع المدّعى في كثيرٍ من العبائر ، كالتذكرة والسرائر والغنية وغيرها (٤).

وفي نهوض ذلك كلّه لتقييد إطلاق أخبار الردّ خصوصاً ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد ، كالنصّ بردّ الجارية بعد ستّة أشهر (٥) ، وردّ الجارية إذا لم يطأها (٦) وردّ المملوك من أحداث السنة (٧) نظرٌ ، بل منعٌ ، خصوصاً معاقد الإجماع ؛ فإنّ نَقَلَة الإجماع كالعلاّمة والحلّي وابن زهرة قد صرّحوا في كلماتهم المتقدّمة بأنّ العبرة بالرضا بالعقد ، فكأنّ دعوى الإجماع وقعت من هؤلاء على السقوط بما يدلّ على الرضا من التصرّف ، خصوصاً ابن زهرة في الغنية حيث إنّه اختار‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٢٨٠ ضمن كلام العلاّمة.

(٢) راجع الصفحة ٩٧ ٩٨.

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٤ ٤١٥ ، الباب ٣ من أبواب أحكام العيوب.

(٤) تقدّم عن التذكرة والسرائر في الصفحة ٢٧٩ ، وراجع الغنية : ٢٢٢ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٦.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤١٣ ، الباب ٣ من أبواب العيوب ، وفيه حديث واحد.

(٦) لم نعثر على هذا النصّ ، نعم يستفاد ممّا ورد باشتراط رد الجارية بعدم الوطء ، راجع الوسائل ١٢ : ٤١٤ ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٧) راجع الوسائل ١٢ : ٤١١ ، الباب ٢ من أبواب العيوب.

٢٨٧

ما قوّيناه من التفصيل بين صورتي العلم والجهل والمغيّر وغيره (١).

قال قدس‌سره : وخامسها يعني مسقطات الردّ التصرّف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلاّ بملكه أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب ، فإنّه يمنع من الردّ لشي‌ءٍ من العيوب ، ولا يسقط حقّ المطالبة بالأرش ، لأنّ التصرّف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب ، وكذا حكمه لو (٢) كان قبل العلم بالعيب وكان مغيّراً للعين بزيادةٍ فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصانٍ فيه كالقطع (٣). وإن لم يكن كذلك فله الردّ بالعيب إذا علم ما لم يكن أمةً فيطأها (٤) فإنّه يمنع من ردّها لشي‌ءٍ من العيوب إلاّ الحَبَل (٥) ، انتهى كلامه. وقد أجاد قدس‌سره فيما استفاده من الأدلّة.

وحكي من المبسوط أيضاً : أنّ التصرّف قبل العلم لا يسقط به الخيار (٦). لكن صرّح بأنّ الصبغ وقطع الثوب يمنع من الردّ (٧). فإطلاق التصرّف قبل العلم محمولٌ على غير المغيّر.

وظاهر المقنعة والمبسوط (٨) : أنّه إذا وجد العيب بعد عتق العبد‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «حيث».

(٢) في «ش» والمصدر بدل «لو» : «إن».

(٣) في «ش» زيادة : «للثوب».

(٤) العبارة في «ش» هكذا : «إذا علمه ما لم يكن وطء الجارية».

(٥) الغنية : ٢٢٢.

(٦) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٦ ، ولم نعثر عليه في المبسوط.

(٧) المبسوط ٢ : ١٣٩.

(٨) صرّح به في المقنعة : ٥٩٧ ٥٩٨ ، ولم نعثر على جميع ما ذكر في المبسوط ، نعم ذكر فيه حكم العيب بعد العتق ، راجع المبسوط ٢ : ١٣٢ ، ولكن ذكره تماماً وصريحاً في النهاية : ٣٩٣ ٣٩٤.

٢٨٨

والأمة لم يكن له ردّهما ، وإذا وجده بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيّراً بين الردّ و (١) أرش العيب ، وفرّقا بينهما وبين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق.

ويردّه مع أنّ مثلهما تصرّفٌ يؤذن بالرضا مرسلة جميل (٢) ؛ فإنّ العين مع الهبة والتدبير غير قائمةٍ ، وجواز الرجوع وعدمه لا دخل له في ذلك ؛ ولذا اعترض عليهما الحلّي بالنقض بما لو باعه بخيارٍ مع أنّه لم يقل أحدٌ من الأُمّة بجواز الردّ حينئذٍ (٣) بعد ما ذكر : أنّ الذي يقتضيه أُصول المذهب أنّ المشتري إذا تصرّف في المبيع فإنّه لا يجوز له ردّه ، ولا خلاف [في (٤)] أنّ الهبة والتدبير تصرّف (٥).

وبالجملة ، فتعميم الأكثر لأفراد التصرّف مع التعميم لما بعد العلم وما قبله مشكلٌ. والعجب من المحقّق الثاني أنّه تنظّر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة ، مع تصريحه في مقامٍ آخر بما عليه الأكثر (٦).

٣ ـ المسقط الثالث : تلف العين أو صيرورته كالتالف

الثالث : تلف العين أو صيرورته كالتالف ، فإنّه يسقط الخيار هنا ، بخلاف الخيارات المتقدّمة الغير الساقطة بتلف العين.

والمستند فيه بعد ظهور الإجماع إناطة الردّ في المرسلة السابقة (٧)

__________________

(١) في «ش» زيادة : «أخذ».

(٢) المتقدّمة في الصفحة ٢٨٠.

(٣) في «ش» زيادة : «وقال».

(٤) من «ش».

(٥) السرائر ٢ : ٢٩٩.

(٦) راجع جامع المقاصد ٤ : ٣٤٢ و ٢٩١.

(٧) وهي مرسلة جميل المتقدّمة في الصفحة ٢٨٠.

٢٨٩

بقيام العين ، فإنّ الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه ، فلو تلف أو انتقل إلى ملك الغير أو استُؤجر أو رُهن أو أبق العبد أو انعتق العبد على المشتري ، فلا ردّ.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ عدّ انعتاق العبد على المشتري مسقطاً برأسه كما في الدروس (١) لا يخلو عن شي‌ءٍ. نعم ، ذكر أنّه يمكن إرجاع هذا الوجه إلى التصرّف ، وهو أيضاً لا يخلو عن شي‌ءٍ ، والأولى ما ذكرناه.

ثمّ إنّه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز ردّه ؛ للأصل ، خلافاً للشيخ (٢) ، بل المفيد (٣) قدس‌سرهما.

«فرع» :

وطء الجارية مانع عن ردّها بالعيب والدليل عليه

لا خلاف نصّاً (٤) وفتوى في أنّ وطء الجارية يمنع عن ردّها بالعيب ، سواءً قلنا بأنّ مطلق التصرّف مانعٌ أم قلنا باختصاصه بالتصرّف الموجب لعدم كون الشي‌ء قائماً بعينه ، غاية الأمر كون الوطء على هذا القول مستثنى عن التصرّف الغير المغيّر للعين كما عرفت (٥) من عبارة الغنية مع أنّ العلاّمة قدس‌سره علّل المنع في موضعٍ من التذكرة بأنّ الوطء جنايةٌ ، ولهذا يوجب غرامة جزءٍ من القيمة كسائر جنايات المملوك (٦).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٨٦.

(٢) المبسوط ٢ : ١٣١.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٤ ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب العيوب.

(٥) راجع الصفحة ٢٨٨.

(٦) التذكرة ١ : ٥٢٦.

٢٩٠

وقد تقدّم (١) في كلام الإسكافي أيضاً : أنّ الوطء ممّا لا يمكن معه ردّ المبيع إلى ما كان عليه قبله ، ويشير إليه ما سيجي‌ء في غير واحدٍ من الروايات من قوله : «معاذ الله أن يجعل لها أجراً!» (٢) فإنّ فيه إشارةً إلى أنّه لو ردّها لا بدّ أن يردّ معها شيئاً تداركاً للجناية ؛ إذ لو كان الوطء مجرّد استيفاء منفعةٍ لم يتوقّف ردّها على ردّ عوض المنفعة ، فإطلاق الأجر عليه في الرواية على طبق ما يتراءى في نظر العرف [من كون هذه الغرامة كأنّها اجرةٌ للوطء (٣)].

وحاصل معناه : أنّه إذا حكمت بالردّ مع أرش جنايتها كان ذلك في الأنظار بمنزلة الأُجرة وهي ممنوعةٌ شرعاً ؛ لأنّ إجارة الفروج غير جائزة. وهذا إنّما وقع من أمير المؤمنين عليه‌السلام مبنيّاً على تقرير رعيّته على ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع ، فلا يقال : إنّ المتعة مشروعة ، وقد ورد «أنّ المنقطعات مستأجراتٌ» (٤) فلا وجه للاستعاذة بالله من جعل الأُجرة للفروج. هذا ما يخطر عاجلاً بالبال في معنى هذه الفقرة ، والله العالم.

النصوص المستفيضة في المسألة

وكيف كان ، ففي النصوص المستفيضة الواردة في المسألة كفايةٌ :

ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجلٍ اشترى جاريةً فوقع عليها؟ قال : إن وجد فيها عيباً فليس له أن‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٨٦.

(٢) يجي‌ء في الصفحة الآتية ، في صحيحة ابن مسلم ورواية ميسّر.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) راجع الوسائل ١٤ : ٤٤٦ ، الباب ٤ من أبواب المتعة ، الحديث ٢ و ٤.

٢٩١

يردّها ، ولكن يردّ عليه بقيمة ما نقَّصها العيب. قلت : هذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ قال : نعم» (١).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : «أنّه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ، فيجد بها عيباً بعد ذلك؟ قال : لا يردّها على صاحبها ، ولكن يقوّم ما بين العيب والصحّة ، ويردّ على المبتاع ، معاذ الله أن يجعل لها أجراً!» (٢).

ورواية ميسّر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان عليٌّ لا يردّ الجارية بعيبٍ إذا وطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب ، وكان يقول : معاذ الله! أن أجعل لها أجراً .. الخبر» (٣).

وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجلٍ اشترى جاريةً فوطأها ، ثمّ رأى فيها عيباً ، قال : تُقوَّم وهي صحيحةٌ ، وتُقوَّم وبها الداء ، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين القيمتين (٤)» (٥).

وما عن حمّاد في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ، ثمّ ظهر على عيبٍ : أنّ البيع لازمٌ ، وله أرش العيب» (٦) إلى‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٨.

(٤) في «ش» والمصدر : «ما بين الصحّة والداء».

(٥) الوسائل ١٢ : ٤١٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٢.

(٦) الوسائل ١٢ : ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٧.

٢٩٢

غير ذلك ممّا سيجي‌ء.

المشهور أنّ الوطء لا يمنع من الردّ بعيب الحمل مطلقاً والدليل عليه

ثمّ إنّ المشهور استثنوا من عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل ، فإنّه عيبٌ إجماعاً ، كما في المسالك (١). إلاّ أنّ الوطء لا يمنع من الردّ به ، بل يردّها ويردّ معها العُشر أو نصفه على المشهور بينهم.

واستندوا في ذلك إلى نصوصٍ مستفيضة :

منها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن رجلٍ اشترى جاريةً حُبلى ولم يعلم بحَبَلها ، فوطأها؟ قال : يردّها على الذي ابتاعها منه ، ويردّ عليها (٢) نصف عشر قيمتها لنكاحه إيّاها ، وقد قال عليّ عليه‌السلام : لا تُردّ التي ليست بحُبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها» (٣).

ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تردّ التي ليست بحُبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب ، وتردّ الحُبلى ويردّ معها نصف عشر قيمتها» (٤). وزاد في الكافي ، قال : وفي رواية اخرى : «إن كانت بكراً فعشر قيمتها ، وإن كانت ثيّباً فنصف عشر قيمتها» (٥).

__________________

(١) المسالك ٣ : ٢٨٧ ٢٨٨ ، وفيه بعد بيان المقدّمة الخامسة من مقدّمات تحرير المسألة التي منها : أنّ الحمل في الأمة عيب ـ : «وهذه المقدّمات كلّها إجماعيّة».

(٢) كذا ، وفي الوسائل : «معها» ، وفي الكافي والتهذيب والاستبصار : عليه.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأوّل ، والصفحة ٤١٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأوّل أيضاً.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤١٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٣.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٤ ، ذيل الحديث ٣ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٤١٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٤.

٢٩٣

ومرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ باع جاريةً حُبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى؟ قال : يردّها ويردّ نصف عشر قيمتها» (١).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية ، فيقع عليها فيجدها حُبلى؟ قال : تردّ ويردّ معها شيئاً» (٢).

وصحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «في الرجل يشتري الجارية الحُبلى فينكحها؟ قال : يردّها ويكسوها» (٣).

ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يشتري الجارية وهي حُبلى فيطأها؟ قال : يردّها ويردّ عشر قيمتها» (٤).

هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات ، وقد عمل بها المشهور ، بل ادّعي على ظاهرها الإجماع في الغنية (٥) كما عن الانتصار (٦) ، وعدم الخلاف في السرائر (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٧ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٩.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٧ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٦.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤١٧ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٧.

(٥) الغنية : ٢٢٢.

(٦) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٤ ، وراجع الانتصار : ٤٣٩ ، المسألة ٢٥١.

(٧) السرائر ٢ : ٢٩٨.

٢٩٤

المحكيّ عن الاسكافي أنّ الوطء لا يمنع من الردّ بعيب الحمل اذا كان من المولى

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي فحكم بالردّ مع كون الحمل من المولى ؛ لبطلان بيع أُمّ الولد ، حيث قال : فإن وجد في السلعة عيباً كان عند البائع وقد أحدث المشتري في السلعة ما لا يمكن ردّها إلى ما كانت عليه قبله كالوطء للأمة أو القطع للثوب أو تلف السلعة بموتٍ أو غيره كان للمشتري فضل ما بين الصحّة والعيب دون ردّها ، فإن كان العيب ظهور حملٍ من البائع وقد وطأها المشتري من غير علمٍ بذلك ، كان عليه ردّها ونصف عشر قيمتها (١) ، انتهى.

واختاره في المختلف (٢) : وهو ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال : فإن وجد بها عيباً بعد أن وطأها لم يكن له ردّها وكان له أرش العيب خاصّةً ، [اللهمّ (٣)] إلاّ أن يكون العيب من حَبَلٍ فيلزمه ردّها على كلّ حالٍ وطأها أو لم يطأها ويردّ معها إذا وطأها نصف عشر قيمتها (٤) ، انتهى.

ويمكن استفادة هذا من إطلاق المبسوط القولَ بمنع الوطء من الردّ (٥) ؛ فإنّ من البعيد عدم استثناء وطء الحامل وعدم تعرّضه لحكمه مع اشتهار المسألة في الروايات وألسنة القدماء.

وقال في الوسيلة : إذا وطأ الأمة ثمّ علم بها عيباً لم يكن له‌

__________________

(١) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ١٧٨ ١٧٩.

(٢) المختلف ٥ : ١٧٩.

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) النهاية : ٣٩٣.

(٥) المبسوط ٢ : ١٢٧.

٢٩٥

ردّها ، إلاّ إذا كان العيب حملاً وكان حرّا ، فإنّه وجب عليه ردّها ويردّ معها نصف عشر قيمتها ، وإن كان الحمل مملوكاً لم يجب ذلك (١) ، انتهى. وظاهر الرياض (٢) اختيار هذا القول (٣).

العمل بقول المشهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه

أقول (٤) : ظاهر الأخبار المتقدّمة في بادئ النظر وإن كان ما ذكره المشهور ، إلاّ أنّ العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوهٍ (٥) :

أحدها : من حيث مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولى ، حتّى تكون الجملة الخبريّة واردةً في مقام دفع توهّم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدّمة المانعة من ردّ الجارية بعد الوطء ؛ إذ لو بقي الحمل على إطلاقه لم يستقم دعوى وقوع الجملة الخبريّة في مقام دفع توهّم الحظر ؛ إذ لا منشأ لتوهّم حظر ردّ الحامل حتّى أُمّ الولد ، فلا بدّ إمّا من التقييد ، أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبريّة.

الثاني : مخالفة لزوم العُقر على المشتري لقاعدة : «عدم العُقْر في وطء الملك» ، أو قاعدة : «كون الردّ بالعيب فسخاً من حينه» ، لا من أصله.

__________________

(١) الوسيلة : ٢٥٦.

(٢) في «ش» زيادة : «أيضاً».

(٣) الرياض ٨ : ٢٦٤ ٢٦٥.

(٤) في «ش» بدل «أقول» : «والإنصاف أنّ».

(٥) في «ش» زيادة : «أُخر».

٢٩٦

الثالث : مخالفته لما دلّ على كون التصرّف عموماً (١) والوطء بالخصوص (٢) مانعاً من الردّ.

الرابع : أنّ الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة : «رجلٌ باع جاريةً حُبلى وهو لا يعلم» (٣) وقوع السؤال عن بيع أُمّ الولد ، وإلاّ لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدةٌ. ويشير إليه ما في بعض الروايات المتقدّمة من قوله : «يكسوها» (٤) ، فإنّ في ذلك إشارةً إلى تشبّثها بالحرّية للاستيلاد ، فنسب الكسوة إليها تشبيهاً (٥) بالحرائر ، ولم يصرّح ب «العُقْر» الذي هو جزءٌ من القيمة.

الخامس : ظهور هذه الأخبار في كون الردّ بعد تصرّف المشتري في الجارية بغير الوطء من نحو «اسقني ماءً» أو «أغلق الباب» وغيرهما ممّا قلّ أن تنفكّ عنه الجارية ، وتقييدها بصورة عدم هذه التصرّفات تقييدٌ بالفرض النادر ، وإنّما دعي إلى هذا التقييد في غير هذه الأخبار ممّا دلّ على ردّ الجارية بعد مدّةٍ طويلة (٦) الدليل الدالّ على اللزوم بالتصرّف (٧). لكن لا داعي هنا لهذا التقييد ، إذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولى لِتَسلم الأخبار عن جميع ذلك ، وغاية الأمر تعارض‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام الخيار.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٤ ٤١٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٣) المتقدّمة في الصفحة ٢٩٤.

(٤) الوارد في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة في الصفحة ٢٩٤.

(٥) في «ش» : «تشبّهاً».

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ٤١١ ، الباب ٢ من أبواب العيوب.

(٧) راجع الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام الخيار.

٢٩٧

هذه الأخبار مع ما دلّ على منع الوطء عن الردّ (١) بالعموم من وجهٍ ، فيبقى ما عدا الوجه الثالث مرجِّحاً لتقييد هذه الأخبار.

ولو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدّم وبين إطلاق الحمل في هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولى ، وجب الرجوع إلى عموم ما دلّ على أنّ إحداث الحدث مسقطٌ ؛ لكونه رضاً بالبيع (٢) ، ويمكن الرجوع إلى ما دلّ على جواز الردّ مع قيام العين (٣).

نعم ، لو خُدش في عموم ما دلّ على المنع عن (٤) الردّ بمطلق التصرّف وجب الرجوع إلى أصالة جواز الردّ الثابت قبل الوطء لكن يبقى لزوم العُقْر ممّا لا دليل عليه إلاّ الإجماع المركّب وعدم الفصل بين الردّ والعُقر ، فافهم.

المشهور إطلاق الحكم بوجوب ردّ نصف العشر

ثمّ إنّ المحكيّ عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب ردّ نصف العشر (٥) ، بل عن الانتصار والغنية : الإجماع عليه (٦). إلاّ أن يدّعى انصراف إطلاق الفتاوى ومعقد الإجماع كالنصوص إلى الغالب : من كون الحامل ثيّباً ، فلا يشمل فرض حمل البكر بالسَّحق أو بوطء الدُّبُر ؛ ولذا ادّعى عدم الخلاف في السرائر على اختصاص نصف العشر بالثيّب‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٤١٣ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٥٠ ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٣٦٣ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

(٤) في «ش» : «من».

(٥) حكاه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٣٧.

(٦) تقدّم عنهما في الصفحة ٢٩٤.

٢٩٨

وثبوت العشر في البكر (١).

بل معقد إجماع الغنية بعد التأمّل موافقٌ للسرائر أيضاً ، حيث ذكر في الحامل : أنّه يردّ معها نصف عشر قيمتها على ما مضى بدليل إجماع الطائفة (٢). ومراده بما مضى كما يظهر لمن راجع كلامه ما ذكره سابقاً مدّعياً عليه الإجماع : من أنّه إذا وطأ المشتري في مدّة خيار البائع ففسخ يردّ معها العشر إن كانت بكراً ونصف العشر إن كانت ثيّباً (٣). وأمّا الانتصار فلا يحضرني حتّى أُراجعه ؛ وقد عرفت إمكان تنزيل الجميع على الغالب.

رأي المؤلّف التفصيل

وحينئذٍ فتكون مرسلة الكافي المتقدّمة (٤) بعد انجبارها بما عرفت من السرائر والغنية دليلاً على التفصيل في المسألة ، كما اختاره جماعةٌ من المتأخّرين (٥) ، مضافاً إلى ورود العشر في بعض الروايات المتقدّمة المحمولة على البكر ، إلاّ أنّه بعيدٌ ؛ ولذا نسبه الشيخ قدس‌سره إلى سهو الراوي في إسقاط لفظ «النصف» (٦) ، وفي الدروس : أنّ الصدوق ذكرها بلفظ «النصف» (٧).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٩٨.

(٢) الغنية : ٢٢٢.

(٣) الغنية : ٢٢١.

(٤) المتقدّمة في الصفحة ٢٩٣.

(٥) منهم : المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٣٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٨٨.

(٦) راجع التهذيب ٧ : ٦٣ ، ذيل الحديث ٢٧٢.

(٧) الدروس ٣ : ٢٨٠ ، وراجع الفقيه ٣ : ١٣١ ، الحديث ٣٨٢٠.

٢٩٩

وأمّا ما تقدّم ممّا دلّ على أنّه يردّ معها شيئاً (١) ، فهو بإطلاقه خلاف الإجماع ، فلا بدّ من جعله وارداً في مقام ثبوت أصل العُقر لا مقداره.

وأمّا ما دلّ على أنّه يكسوها (٢) ، فقد حمل على كسوةٍ تساوي العشر أو نصفه ، ولا بأس به في مقام الجمع.

حكم الوطء في الدبر والتقبيل واللمس

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق جواز الردّ ولو مع الوطء في الدُّبُر ، ويمكن دعوى انصرافه إلى غيره ، فيقتصر في مخالفة العمومات على منصرف اللفظ. وفي لحوق التقبيل واللمس بالوطء وجهان : من الخروج عن مورد النصّ ، ومن الأولويّة.

ولو انضمّ إلى الحمل عيبٌ آخر ، فقد استشكل في سقوط الردّ بالوطء : من صدق كونها معيبةً بالحمل ، وكونها معيبةً بغيره.

وفيه : أنّ كونها معيبةً بغير الحمل لا يقتضي إلاّ عدم تأثير ذلك العيب في الردّ مع التصرّف ، لا نفي تأثير عيب الحمل.

اختصاص الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب

ثمّ إنّ صريح بعض (٣) النصوص والفتاوى (٤) وظاهر باقيها اختصاص الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب ، فلو وطأ عالماً به سقط الردّ. لكن إطلاق كثيرٍ من الروايات يشمل العالم.

__________________

(١) وهي رواية عبد الرحمن المتقدّمة في الصفحة ٢٩٤.

(٢) تدلّ عليه صحيحة ابن مسلم المتقدّمة في الصفحة ٢٩٤.

(٣) وهو صريح صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الصفحة ٢٩٣.

(٤) وهو صريح الانتصار : ٤٣٩ ، المسألة ٢٥١ ، والغنية : ٢٢٢ ، والدروس ٣ : ٢٧٩ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٤.

٣٠٠