كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

ثمّ إنّه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتّى يلزم فساد البيع ولو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد ، بل من جهة أنّه إسقاطٌ لما لم يتحقّق ، بناءً على ما عرفت : من أنّ الخيار إنّما يتحقّق بالرؤية ، فلا يجوز إسقاطه قبلها ، فاشتراط الإسقاط لغوٌ ، وفساده من هذه الجهة لا يؤثّر في فساد العقد ، فيتعيّن المصير إلى ثالث الأقوال المتقدّمة.

لكن الإنصاف : ضعف وجه هذا القول.

أقوى الأقوال

وأقوى الأقوال أوّلها ؛ لأنّ دفع الغرر عن هذه المعاملة وإن لم يكن لثبوت (١) الخيار ، لأنّ الخيار حكمٌ شرعيٌّ لا دخل له في الغرر العرفي المتحقّق في البيع ، إلاّ أنّه لأجل سبب الخيار ، وهو اشتراط تلك الأوصاف المنحلّ إلى ارتباط الالتزام العقدي بوجود هذه الصفات ، لأنّها إمّا شروطٌ للبيع وإمّا قيودٌ للمبيع كما تقدّم سابقاً واشتراط سقوط الخيار راجعٌ إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك الصفات وعدمها ، والتنافي بين الأمرين واضحٌ.

عدم صحّة قياس هذا الشرط باشتراط البراءة

وأمّا قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة ، فيدفعه الفرق بينهما : بأنّ نفي العيوب ليس مأخوذاً في البيع على وجه الاشتراط أو التقييد ، وإنّما اعتمد المشتري فيهما على أصالة الصحّة ، لا على تعهّد البائع لانتفائها حتّى ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها ، بخلاف الصفات فيما نحن فيه ، فإنّ البائع يتعهّد لوجودها في المبيع والمشتري يعتمد على هذا التعهّد ، فاشتراط البائع على المشتري عدم تعهّده لها‌

__________________

(١) في ظاهر «ق» أو محتملة : «بثبوت».

٢٦١

والتزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك.

نعم ، لو شاهده المشتري واشتراه معتمِداً على أصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه وعدم الفسخ لو ظهرت المخالفة ، كان نظير اشتراط البراءة من العيوب. كما انّه لو أخبر بكيله أو وزنه فصدّقه المشتري فاشترط عدم الخيار لو ظهر النقص ، كان مثل ما نحن فيه ، كما يظهر من التحرير في بعض فروع الإخبار بالكيل (١).

والضابط في ذلك : أنّ كلّ وصفٍ تعهّده البائع وكان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده ، وكلّ وصفٍ اعتمد المشتري في رفع الغرر على أمارةٍ أُخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده ، كالأصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك.

وممّا ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد (٢) وغيره (٣) في المنع والجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة وبين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحّته وفساده (٤).

جواز اشتراط عدم الخيار لو تيقّن المشتري بوجود الصفات

وظهر أيضاً أنّه لو تيقّن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع ، فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار على تقدير فقدها ؛

__________________

(١) راجع التحرير ١ : ١٧٧.

(٢) راجع الدروس ٣ : ١٩٨ و ٢٧٦ ، حيث حكم ببطلان العقد لو تبرّأ البائع أو شرط رفع الخيار في خيار الرؤية ، والصفحة ٢٨٢ حيث حكم بأنّ من مسقطات خيار العيب التبرّي من العيب.

(٣) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٩٢ و ٦٢٤.

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «صحّتها وفسادها».

٢٦٢

لأنّ دفع (١) الغرر ليس بالتزام تلك الصفات ، بل لعلمه بها ، وكذا لو اطمأنّ بوجودها ولم يتيقّن. والضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات وتعهّدها من البائع وعدمه (٢).

وظهر أيضاً ضعف ما يقال : من أنّ الأقوى في محلّ الكلام الصحّة ، لصدق تعلّق البيع بمعلومٍ غير مجهولٍ ، ولو أنّ الغرر ثابتٌ في البيع نفسه لم يُجدِ في الصحّة ثبوت الخيار ، وإلاّ لصحّ ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار ، وهو معلوم العدم. وإقدامه (٣) بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال الغرر عليه من قبل نفسه (٤) ، انتهى.

توضيح الضعف : أنّ المجدي في الصحّة ما هو سبب الخيار ، وهو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار. وأمّا كون الإقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري. والمسألة موضع إشكال.

__________________

(١) في «ش» : «رفع».

(٢) في «ش» زيادة : «هذا مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار ، على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع ، خرج اشتراط التبرّي من العيوب بالنصّ والإجماع ، لأنّ قاعدة «نفي الغرر» قابلة للتخصيص ، كما أشرنا إليه سابقاً».

(٣) في «ش» والمصدر زيادة : «على الرضا».

(٤) الجواهر ٢٣ : ٩٦.

٢٦٣

مسألة

عدم سقوط هذا الخيار ببذل التفاوت أو إبدال العين

لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت ولا بإبدال العين ؛ لأنّ العقد إنّما وقع على الشخصي ، فتملّك غيره يحتاج إلى معاوضةٍ جديدة.

ولو شرط في متن العقد الإبدال لو ظهر على خلاف الوصف ، ففي الدروس : أنّ الأقرب الفساد (١). ولعلّه لأنّ البدل المستحقّ عليه بمقتضى الشرط :

إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلى معاوضةٍ جديدةٍ على تقدير ظهور المخالفة ، بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة ، وينعقد بيعٌ آخر ، فيحصل بالشرط انفساخ عقدٍ وانعقاد عقدٍ آخر ، كلٌّ منهما معلَّقٌ على ظهور المخالفة ، ومن المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك.

وإن كان بإزاء المبيع الذي ظهر على خلاف الوصف ، فمرجعه أيضاً إلى انعقاد معاوضةٍ تعليقيّةٍ غرريّة ؛ لأنّ المفروض جهالة المبدل. وعلى أيّ تقديرٍ ، فالظاهر عدم مشروعيّة الشرط المذكور ، فيَفسد ويُفسد العقد.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٧٦.

٢٦٤

وبذلك ظهر ضعف ما في الحدائق : من الاعتراض على الشهيد قدس‌سره ، حيث قال بعد نقل عبارة الدروس وحكمه بالفساد ما لفظه :

إنّ ظاهر كلامه أنّ الحكم بالفساد أعمّ من أن يظهر على الوصف أو لا.

وفيه : أنّه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط ، ومجرّد شرط البائع الإبدال مع عدم ظهور (١) الوصف لا يصلح سبباً للفساد ؛ لعموم الأخبار المتقدّمة. نعم ، لو ظهر مخالفاً فإنّه يكون فاسداً من حيث المخالفة ، ولا يجبره هذا الشرط ، لإطلاق الأخبار في الخيار. والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور وعدمه. وبالجملة ، فإنّي لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجهاً يحمل عليه (٢) ، انتهى (٣).

__________________

(١) في «ش» : «عدم الظهور على الوصف».

(٢) الحدائق ١٩ : ٥٩.

(٣) في «ق» بعد كلمات شطب عليها زيادة : «ولا يخفى ضعفه».

٢٦٥

مسألة

ثبوت خيار الرؤية في كلّ عقدٍ

الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كلّ عقدٍ واقعٍ على عينٍ شخصيّةٍ موصوفةٍ كالصلح والإجارة ؛ لأنّه لو لم يحكم بالخيار مع تبيّن المخالفة ، فإمّا أن يحكم ببطلان العقد ؛ لما تقدّم (١) عن الأردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة. وإمّا أن يحكم بلزومه من دون خيار.

والأوّل مخالفٌ لطريقة الفقهاء في تخلّف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه.

والثاني فاسدٌ من جهة أنّ دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد وحرمة النقض ، ومعلومٌ أنّ عدم الالتزام بترتّب آثار العقد على العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضاً للعقد ، بل قد تقدّم عن بعضٍ أنّ ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاءً وعملاً بالعقد حتّى يجوز ، بل هو تصرّفٌ لم يدلّ عليه العقد ، فيبطل.

والحاصل : أنّ الأمر في ذلك دائرٌ بين فساد العقد وثبوته مع الخيار ، والأوّل منافٍ لطريقة الأصحاب في غير باب ، فتعيّن الثاني.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٥٤.

٢٦٦

مسألة

لو اختلفا في اختلاف الصفة وعدمه

لو اختلفا ، فقال البائع : لم يختلف صفته (١) ، وقال المشتري : قد اختلفت ، ففي التذكرة : قُدّم قول المشتري ؛ لأصالة براءة ذمّته من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة (٢). وردّه في المختلف في نظير المسألة بأنّ إقراره بالشراء إقرارٌ بالاشتغال بالثمن (٣). ويمكن أن يكون مراده ببراءة الذمّة عدم وجوب تسليمه إلى البائع ؛ بناءً على ما ذكره في أحكام الخيار من التذكرة : من عدم وجوب تسليم الثمن ولا المثمن في مدّة الخيار وإن تسلّم الآخر (٤).

وكيف كان ، فيمكن أن يخدش بأنّ المشتري قد أقرّ باشتغال ذمّته بالثمن سواءً اختلف صفة المبيع أم لم يختلف ، غاية الأمر سلطنته على الفسخ لو ثبت أنّ البائع التزم على نفسه اتّصاف البيع (٥) بأوصافٍ‌

__________________

(١) في «ش» : «صفة».

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٧.

(٣) المختلف ٥ : ٢٩٧.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٧.

(٥) كذا في النسخ ، والظاهر : «المبيع».

٢٦٧

مفقودة ، كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتباً ، وحيث لم يثبت ذلك فالأصل عدمه ، فيبقى الاشتغال لازماً غير قابلٍ للإزالة بفسخ العقد.

هذا ، ويمكن دفع ذلك بأنّ أخذ الصفات في المبيع وإن كان في معنى الاشتراط ، إلاّ أنّه بعنوان التقييد ، فمرجع الاختلاف إلى الشكّ في تعلّق البيع بالعين الملحوظ فيها صفاتٌ مفقودة ، أو تعلّقه بعينٍ لوحظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمّها (١) ، واللزوم من أحكام البيع المتعلّق بالعين على الوجه الثاني ، والأصل عدمه.

ومنه يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد ، وقد تقدّم توضيح ذلك وبيان ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيّر (٢) ما شاهداه قبل البيع.

__________________

(١) في ظاهر «ق» : «يعمّهما».

(٢) في «ش» : «تغيير».

٢٦٨

مسألة

لو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأوّل

لو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأوّل بطل ، كما عن المبسوط (١) والقاضي (٢) وابن سعيد (٣) قدس‌سرهما والعلاّمة في كتبه (٤) وجامع المقاصد (٥). واستدلّ عليه في التذكرة وجامع المقاصد : بأنّ بعضه عينٌ حاضرةٌ وبعضه في الذمّة مجهولٌ.

وعن المختلف : صحّته (٦). ولا يحضرني الآن حتّى أتأمّل في دليله ، والذي ذُكر للمنع لا ينهض مانعاً.

فالذي يقوى في النظر : أنّه إذا باع البعض المنسوج المنضمّ إلى غزلٍ معيّن على أن ينسجه على ذلك المنوال فلا مانع منه ، وكذا إذا ضمّ‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٧.

(٢) المهذّب ١ : ٣٥٢.

(٣) الجامع للشرائع : ٢٥٦ ٢٥٧.

(٤) القواعد ٢ : ٦٨ ، والتحرير ١ : ١٦٧ ، والتذكرة ١ : ٥٢٤.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٢.

(٦) المختلف ٥ : ٧٣.

٢٦٩

معه مقداراً معيّناً كلّياً من الغزل الموصوف على أن ينسجه كذلك ؛ إذ لا مانع من ضمّ الكلّي إلى الشخصي ، وإليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام ، حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة والصبغ. وكذا إذا باعه أذرعاً معلومةً منسوجةً مع هذا المنسوج بهذا المنوال.

ولو لم ينسجه في الصورتين الأُوليين على ذلك المنوال ثبت الخيار ، لتخلّف الشرط. ولو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول ، وبقي على مال البائع ، وكان للمشتري الخيار في المنسوج ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، والله العالم.

٢٧٠

[السابع (١)]

في خيار العيب‌

إطلاق العقد يقتضي السلامة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيّاً على سلامة العين من العيب ، وإنّما تُرك اشتراطه صريحاً اعتماداً على أصالة السلامة ، وإلاّ لم يصحّ العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة ، وهي صحّتها التي هي من أهمّ ما يتعلّق به الأغراض.

ولذا اتّفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها ، ولم يذكروا اشتراط صفة الصحّة ، فليس ذلك إلاّ من حيث الاعتماد في وجودها على الأصل ، فإنّ من يشتري عبداً لا يعلم أنّه صحيحٌ سويّ أم فالجٌ مُقعد ، لا يعتمد في صحّته إلاّ على أصالة السلامة ، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقاً على بقائه على ما شاهده ، فلا يحتاج إلى ذكر تلك الصفات في العقد ، وكما يعتمد على إخبار البائع بالوزن.

قال في التذكرة : الأصل في المبيع من الأعيان والأشخاص السلامة من العيوب والصحّة ، فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في‌

__________________

(١) لم يرد في «ق».

٢٧١

مقابلة تلك العين ، فإنّما بنى إقدامه على غالب ظنّه المستند إلى أصالة السلامة (١) ، انتهى.

وقال في موضعٍ آخر : إطلاق العقد واشتراط السلامة يقتضيان السلامة على ما مرّ : من أنّ القضاء العرفي يقتضي (٢) أنّ المشتري إنّما بذل ماله بناءً على أصالة السلامة ، فكأنها مشترطةٌ في نفس العقد (٣) ، انتهى.

معنى الانصراف إلى السلامة

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح ليرد عليه :

أوّلاً : منع الانصراف ؛ ولذا لا يجري في الأيمان والنذور.

وثانياً : عدم جريانه فيما نحن فيه ؛ لعدم كون المبيع مطلقاً ، بل هو جزئيٌّ حقيقيٌّ خارجي.

وثالثاً : بأنّ مقتضاه عدم وقوع العقد رأساً على المعيب ، فلا معنى لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتّى يثبت التخيير بينهما.

ودفع جميع هذا : بأنّ وصف الصحّة قد أُخذ شرطاً في العين الخارجيّة نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجيّة ، وإنّما استغني عن ذكر وصف الصحّة لاعتماد المشتري في وجودها على الأصل ، كالعين المرئيّة سابقاً حيث يعتمد في وجود أصلها وصفاتها على الأصل.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٤.

(٢) في «ق» : «أن يقضي».

(٣) التذكرة ١ : ٥٣٨.

٢٧٢

ولقد أجاد في الكفاية حيث قال : إنّ المعروف بين الأصحاب أنّ إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة (١).

ولو باع كلّياً حالاّ أو سَلَماً كان الانصراف [إلى الصحيح (٢)] من جهة ظاهر الإقدام أيضاً (٣). ويحتمل [كونه (٤)] من جهة الإطلاق المنصرف إلى الصحيح في مقام الاشتراء ، وإن لم ينصرف إليه في غير هذا المقام (٥).

اشتراط الصحّة في العقد يفيد التأكيد

ثمّ إنّ المصرَّح به في كلمات جماعةٍ (٦) : أنّ اشتراط الصحّة في متن العقد يفيد التأكيد ؛ لأنّه تصريحٌ بما يكون الإطلاق منزّلاً عليه ، وإنّما ترك لاعتماد المشتري على أصالة السلامة ، فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط خيارٌ آخر غير خيار العيب ، كما لو اشترط كون الصبرة كذا وكذا صاعاً ، فإنّه لا يزيد على ما إذا ترك الاشتراط واعتمد على إخبار البائع بالكيل ، أو اشترط بقاء الشي‌ء على الصفة السابقة المرئيّة فإنّه في حكم ما لو ترك ذلك اعتماداً على أصالة بقائها.

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٩٣ ، ولكن فيه : «لا أعرف خلافاً بينهم في أنّ إطلاق ..».

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) في «ق» زيادة كلمة غير مقروّة ، ولعلّها «لا الإطلاق».

(٤) لم يرد في «ق».

(٥) في «ش» زيادة : «فتأمّل».

(٦) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٨٢ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ٧٩ ، وفي الجواهر ٢٣ : ٢٣٥ بعد نسبته إلى صريح جماعة قال : «بل لم أجد قائلاً بغيره».

٢٧٣

وبالجملة ، فالخيار خيار العيب اشترط الصحّة أم لم يشترط. ويؤيّده ما ورد من رواية يونس «في رجل اشترى جاريةً على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء؟ قال : يردّ عليه فضل القيمة» (١) فإنّ اقتصاره عليه‌السلام على أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الردّ يدلّ على أنّ الخيار خيار العيب ، ولو كان هنا خيار تخلّف الاشتراط لم يسقط الردّ بالتصرّف في الجارية بالوطء أو مقدّماته. ومنه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك : من ثبوت خيار الاشتراط هنا ، فلا يسقط الردّ بالتصرّف (٢).

ودعوى : عدم دلالة الرواية على التصرّف أو عدم دلالته على اشتراط البكارة في متن العقد ، ممنوعةٌ (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب العيوب ، الحديث الأوّل.

(٢) المسالك ٣ : ٢٨٢.

(٣) في «ش» بدل «ممنوعة» : «كما ترى».

٢٧٤

مسألة

التخيير بين الردّ وأخذ الأرش عند ظهور العيب

ظهور العيب في المبيع يوجب تسلّط المشتري على الردّ وأخذ الأرش بلا خلافٍ ، ويدلّ على الردّ الأخبار المستفيضة الآتية (١).

وأمّا الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدلّ على التخيير بينه وبين الردّ ، بل ما دلّ على الأرش يختصّ بصورة التصرّف المانع من الردّ (٢) ، فيجوز أن يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري ، لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذّر الآخر.

نعم ، في الفقه الرضوي : «فإن خرج السلعة معيباً (٣) وعلم المشتري ، فالخيار إليه إن شاء ردّه وإن شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب» (٤) ، وظاهره كما في الحدائق (٥) التخيير بين الردّ وأخذه بتمام‌

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٨٠ و ٢٩٣ وما بعدها.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، والصفحة ٤١٣ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٣) كذا ، والمناسب : «معيبة» ، وفي المصدر : «فإن خرج في السلعة عيب».

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٣.

(٥) الحدائق ١٩ : ٦٤.

٢٧٥

الثمن وأخذ الأرش. ويحتمل زيادة الهمزة في لفظة «أو» ويكون «واو» العطف ، فيدلّ على التخيير بين الردّ والأرش.

وقد يتكلّف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار ، وهو صعبٌ جدّاً. وأصعب منه جعله مقتضى القاعدة ، بناءً على أنّ الصحّة وإن كانت وصفاً ، فهي بمنزلة الجزء ، فيتدارك فائته باسترداد ما قابلة من الثمن ، ويكون الخيار حينئذٍ لتبعّض الصفقة.

وفيه : منع المنزلة عرفاً ولا (١) شرعاً ، ولذا لم يبطل البيع فيما قابلة من الثمن ، بل كان الثابت بفواته مجرّد استحقاق المطالبة ، بل لا يستحقّ المطالبة بعين ما قابلة على ما صرّح به العلاّمة (٢) وغيره (٣). ثمّ منع كون الجزء الفائت يقابل بجزءٍ من الثمن إذا أُخذ وجوده في المبيع الشخصي على وجه الشرطيّة ، كما في بيع الأرض على أنّها جربانٌ معيّنة ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

الاجماع على التخيير

وبالجملة ، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الإجماع على التخيير بين الردّ والأرش. نعم ، يظهر من الشيخ في غير موضعٍ من المبسوط : أنّ أخذ الأرش مشروطٌ باليأس عن الردّ (٤) ، لكنّه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية (٥) وبعض مواضع المبسوط (٦) ينافيه‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والأولى حذف «لا».

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٨.

(٣) كصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٩٤.

(٤) راجع المبسوط ٢ : ١٣١ ١٣٢.

(٥) راجع النهاية : ٣٩٣.

(٦) راجع المبسوط ٢ : ١٢٦ ١٤٠.

٢٧٦

إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش (١) ، فافهم.

هل ظهور العيب مثبت للخيار أو كاشف عنه؟

ثمّ إنّ في كون ظهور العيب مثبِتاً للخيار أو كاشفاً عنه ما تقدّم في خيار الغبن. وقد عرفت أنّ الأظهر ثبوت الخيار بمجرّد العيب والغبن واقعاً ، وإن كان ظاهر كثيرٍ من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب ، خصوصاً بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع على خلاف ما اشترط.

وقد صرّح العلاّمة بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية قبلها ، معلّلاً بأنّ الخيار إنّما يثبت بالرؤية (٢). لكنّ المتّفق عليه هنا نصّاً وفتوى جواز التبرّي وإسقاط خيار العيب.

ما يؤيّد ثبوت الخيار بنفس العيب

ويؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب : أنّ استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو أحد طرفي الخيار لا معنى لثبوته بظهور العيب ، بل هو ثابتٌ بنفس انتفاء وصف الصحّة.

هذا ، مضافاً إلى أنّ الظاهر من بعض أخبار المسألة أنّ السبب هو نفس العيب. لكنّها لا تدلّ على العلّية التامّة ، فلعلّ الظهور شرطٌ.

وكيف كان ، فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن : من وجوب الرجوع في كلّ حكمٍ من أحكام هذا الخيار إلى دليله وأنّه يفيد ثبوته بمجرّد العيب أو بظهوره ، والمرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين‌

__________________

(١) لم نعثر على الأخبار المطلقة ، بل الأخبار كما ذكره الشيخ في الصفحة ٢٧٥ مخصوصة بالأرش في صورة التصرّف المانع عن الردّ ، نعم نقل في الموضع المذكور عن الفقه الرضوي ما يدلّ على التخيير.

(٢) راجع التذكرة ١ : ٤٦٧ و ٥٣٣.

٢٧٧

هي القواعد ، فافهم.

لا فرق في هذا الخيار بين الثمن والمثمن

ثمّ إنّه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن والمثمن ، كما صرّح به العلاّمة (١) وغيره (٢) ، هنا وفي باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي الصرف معيباً (٣). والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه وإن كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع ، لأنّ الغالب كون الثمن نقداً غالباً والمثمن متاعاً فيكثر فيه العيب ، بخلاف النقد.

__________________

(١) راجع التذكرة ١ : ٥٣٢ ، والمختلف ٥ : ١٨٨.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٨٦ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٣٧.

(٣) راجع الشرائع ٢ : ٤٩ ، والتذكرة ١ : ٥١٣ ، والقواعد ٢ : ٣٩ ، والمختلف ٥ : ١١٩ ١٢٠.

٢٧٨

القول في مسقطات هذا الخيار‌

بطرفيه أو أحدهما.

مسألة

يسقط الردّ خاصّةً بأُمور :

مسقطات الردّ :

١ ـ التصريح باسقاطه

أحدها : التصريح بالتزام العقد وإسقاط الردّ واختيار الأرش ، ولو أطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الأرش ، ولو أسقط الخيار فلا يبعد سقوطه.

٢ ـ التصرّف في المعيب

الثاني : التصرّف في المعيب عند علمائنا‌ كما في التذكرة (١) ، وفي السرائر : الإجماع على أنّ التصرّف يُسقط الردّ بغير خلافٍ منهم (٢) ، ونحوه المسالك (٣) ، وسيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي والشيخين‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٥.

(٢) السرائر ٢ : ٣٠٢.

(٣) راجع المسالك ٣ : ٢٨٣ ، ولكن ليس فيه دعوى الإجماع أو نفي الخلاف ، نعم قال في الصفحة ٢٠١ في خيار الحيوان : «لا خلاف في سقوطه بالتصرّف».

٢٧٩

وابن زهرة وظاهر المحقّق ، بل المحقّق الثاني (١).

الاستدلال على مسقطيّة التصرّف

واستدلّ [عليه (٢)] في التذكرة أيضاً تبعاً للغنية (٣) ـ : بأنّ تصرّفه فيه رضاً منه به على الإطلاق ، ولو لا ذلك كان ينبغي له الصبر والثبات حتّى يعلم حال صحّته وعدمها ، وبقول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح : «أيّما رجلٍ اشترى شيئاً وبه عيبٌ أو عوارٌ ولم يتبرّأ إليه ولم يبيّنه (٤) فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و (٥) علم بذلك العوار وبذلك العيب ، فإنّه يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» (٦).

ويدلّ عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيباً؟ قال : إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب» (٧).

هل يسقط الردّ بمطلق التصرّف؟

هذا ، ولكنّ الحكم بسقوط الردّ بمطلق التصرّف ، حتّى مثل قول‌

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٨٦ ٢٨٩.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) راجع الغنية : ٢٢٢.

(٤) في «ش» : «ولم يتبيّن له» ، واختلفت المصادر الحديثيّة فيها.

(٥) في «ش» بدل «و» : «ثمّ».

(٦) التذكرة ١ : ٥٢٥ ، والرواية أوردها في الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٦٣ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

٢٨٠