كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

وأمّا الإسقاط بعوضٍ بمعنى المصالحة عنه به ، فلا إشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب.

ولو أطلق وكان للإطلاق منصرفٌ ، كما لو صالح عن الغبن المحقَّق في المتاع المشترى بعشرين بدرهم ، فإنّ المتعارف من الغبن المحتمَل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعةً أو خمسةً في العشرين ، فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم.

فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر ، وأنّ المبيع يسوي درهمين ، ففي بطلان الصلح ؛ لأنّه لم يقع على الحقّ الموجود.

أو صحّته مع لزومه ؛ لما ذكرنا : من أنّ الخيار حقّ واحدٌ له سببٌ واحدٌ وهو التفاوت الذي له أفرادٌ متعدّدةٌ فإذا أسقطه سقط.

أو صحّته متزلزلاً ؛ لأنّ الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أنّ عوضه المتعارف درهمٌ تبيّن كونه ممّا يبذل في مقابله أزيد من الدرهم ، ضرورة أنّه كلّما كان التفاوت المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد ممّا يبذل في مقابله لو كان أقلّ [فيحصل الغبن في المصالحة (١)] ، ولا (٢) فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليّته مع العلم بعينه ، وبين كونه لأجل الجهل بعينه.

هل يجوز اسقاط هذا الخيار قبل ظهور الغبن؟

[وجوهٌ (٣)] ، وهذا هو الأقوى [فتأمّل (٤)].

وأمّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن ، فالظاهر أيضاً‌

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) في «ش» : «إذ لا».

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) تقدّم في الجزء الثالث : ١٧٢ ١٧٣.

١٨١

جوازه ، ولا يقدح عدم تحقّق شرطه بناءً على كون ظهور الغبن شرطاً لحدوث الخيار ؛ إذ يكفي في ذلك تحقّق السبب المقتضي للخيار ، وهو الغبن الواقعي وإن لم يعلم به. وهذا كافٍ في جواز إسقاط المسبَّب قبل حصول شرطه ، كإبراء المالك الودعيَّ المفرِّط عن الضمان ، وكبراءة البائع من العيوب الراجعة إلى إسقاط الحقّ المسبَّب عن وجودها قبل العلم بها. ولا يقدح في المقام أيضاً كونه إسقاطاً لما لم يتحقّق ؛ إذ لا مانع من ذلك إلاّ التعليق وعدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلاً عن الإيقاعات ، وهو غير قادحٍ هنا ، فإنّ الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقّف تحقّق مفهوم الإنشاء عليه ، وأمّا ما نحن فيه وشبهه مثل طلاق مشكوك الزوجيّة ، وإعتاق مشكوك الرقّيّة منجّزاً ، والإبراء عمّا احتمل الاشتغال به فقد تقدّم في شرائط الصيغة (١) : أنّه لا مانع منه (٢) ، ومنه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع وضمان دَرَك المبيع عند ظهوره مستحقّاً للغير.

نعم ، قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به ، فإنّه لا بدّ من وقوع شي‌ءٍ بإزائه وهو غير معلومٍ ، فالأولى ضمّ شي‌ءٍ إلى المصالح عنه المجهول التحقّق ، أو ضمّ سائر الخيارات إليه بأن يقول : «صالحتك عن كلّ خيارٍ لي بكذا» ، ولو تبيّن عدم الغبن لم يقسّط العوض عليه ؛ لأنّ المعدوم إنّما دخل على تقدير وجوده ، لا منجّزاً باعتقاد الوجود.

__________________

(١) في «ش» زيادة : «لأنّ مفهوم العقد معلّق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلّم».

(٢) في «ش» : «يختصّ».

١٨٢

٢ ـ اشتراط سقوطه في متن العقد

الثاني من المسقطات : اشتراط سقوط الخيار في متن العقد ، والإشكال فيه من الجهات المذكورة هنا ، أو المتقدّمة في إسقاط الخيارات المتقدّمة قد عُلم التفصّي عنها.

دعوى لزوم الغرر من إسقاط الخيار ودفعه

نعم ، هنا وجهٌ آخر للمنع مختصٌّ (١) بهذا الخيار وخيار الرؤية ، وهو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه.

قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه : ولو اشترطا رفعه أو رفع خيار الرؤية ، فالظاهر بطلان العقد للغرر (٢) ، انتهى. ثمّ احتمل الفرق بين الخيارين : بأنّ الغرر في الغبن سهل الإزالة.

وجَزَم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد والشرط (٣) ، وتَرَدّد فيه المحقّق الثاني ، إلاّ أنّه استظهر الصحّة (٤).

ولعلّ توجيه كلام الشهيد هو : أنّ الغرر باعتبار الجهل بمقدار ماليّة المبيع كالجهل بصفاته ؛ لأنّ وجه كون الجهل بالصفات غرراً هو رجوعه إلى الجهل بمقدار ماليّته ؛ ولذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل لها في القيمة.

لكن الأقوى الصحّة ؛ لأنّ مجرّد الجهل بمقدار الماليّة لو كان غرراً‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٧٦ ، مع تقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

(٢) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٨٨ ، وفيه : «ولو شرط في العقد سقوط هذه الثلاثة (أي خيار العيب والغبن والرؤية) بطل الشرط والعقد على الخلاف».

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٢ ٣٠٣.

(٤) سيجي‌ء في الصفحة ٢٥٨ وما بعدها.

١٨٣

لم يصحّ البيع مع الشكّ في القيمة ، وأيضاً فإنّ ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتّى يكون إسقاطه موجباً لثبوته ، وإلاّ لم يصحّ البيع ، إذ لا يجدي في الإخراج عن الغرر ثبوت الخيار ؛ لأنّه حكمٌ شرعيٌّ لا يرتفع به موضوع الغرر ، وإلاّ لصحّ كلّ بيعٍ غرريٍّ على وجه التزلزل وثبوت الخيار ، كبيع المجهول وجوده والمتعذّر تسليمه.

وأمّا خيار الرؤية ، فاشتراط سقوطه راجعٌ إلى إسقاط اعتبار ما اشترطاه من الأوصاف في العين الغير المرئيّة ، فكأنهما تبايعا سواءً وجد فيها تلك الأوصاف أم لا ، فصحّة البيع موقوفةٌ على اشتراط تلك الأوصاف ، وإسقاط الخيار في معنى إلغائها الموجب للبطلان.

مع احتمال الصحّة هناك أيضاً ؛ لأنّ مرجع إسقاط خيار الرؤية إلى التزام عدم تأثير تخلّف تلك الشروط ، لا إلى عدم التزام ما اشترطاه من الأوصاف ، ولا تنافي بين أن يُقدم على اشتراء العين بانياً على وجود تلك الأوصاف ، وبين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلّفت ، فتأمّل. وسيجي‌ء تمام الكلام في خيار الرؤية (١).

وكيف كان ، فلا أرى إشكالاً في اشتراط سقوط خيار الغبن [من حيث لزوم الغرر (٢)] ؛ إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلاً لم يلزم منه غررٌ.

٣ ـ تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن

الثالث : تصرّف المغبون بأحد التصرّفات المسقطة للخيارات المتقدّمة بعد علمه بالغبن.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) كما ادّعاه في الجواهر ٢٣ : ٦٨ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٨٨ و ٦٠٠.

١٨٤

ويدلّ عليه ما دلّ على سقوط خياري المجلس والشرط به مع عدم ورود نصٍّ فيهما واختصاص النصّ بخيار الحيوان وهو : إطلاقُ بعض معاقد الإجماع بأنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازةٌ وفيما انتقل عنه فسخٌ (١) ، و (٢) العلّةُ المستفادة من النصّ في خيار الحيوان المستدلّ بها في كلمات العلماء على السقوط ، وهي الرضا بلزوم العقد.

مع أنّ الدليل هنا إمّا نفي الضرر وإمّا الإجماع ، والأوّل منتفٍ ، فإنّه كما لا يجري مع الإقدام عليه كذلك (٣) لا يجري مع الرضا به بعده. وأمّا الإجماع فهو غير ثابتٍ مع الرضا.

إلاّ أن يقال : إنّ الشكّ في الرفع لا الدفع ، فيستصحب ، فتأمّل. أو ندّعي أنّ ظاهر قولهم فيما نحن فيه : «إنّ هذا الخيار لا يسقط بالتصرّف» شموله للتصرّف بعد العلم بالغبن واختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك.

لكنّ الإنصاف عدم شمول التصرّف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن ، وغرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار أنّ التصرّف مسقطٌ لكلّ خيارٍ ولو وقع قبل العلم بالخيار كما في العيب والتدليس سوى هذا الخيار. ويؤيّد ذلك ما اشتهر بينهم : من أنّ التصرّف قبل العلم بالعيب والتدليس ملزمٌ ؛ لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الردّ ، وإنّما يثبت الأرش في خصوص العيب لعدم دلالة التصرّف على الرضا بالعيب.

__________________

(١) في «ش» زيادة : «عموم».

(٢) في «ش» : «فكذلك».

(٣) المسالك ٣ : ٢٠٧.

١٨٥

وكيف كان ، فاختصاص التصرّف الغير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفى على المتتبّع في كلماتهم.

نعم ، لم أجد لهم تصريحاً بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك (١) وتبعه جماعةٌ (٢) ، مع أنّه إذا اقتضى الدليل للسقوط فلا ينبغي الاستشكال من جهة ترك التصريح (٣). بل ربما يستشكل في حكمهم بعدم السقوط بالتصرّف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس والعيب بالتصرّف قبل العلم. والاعتذار بالنصّ إنّما يتمّ في العيب دون التدليس ، فإنّه مشتركٌ مع خيار الغبن في عدم النصّ ، ومقتضى القاعدة في حكم التصرّف قبل العلم فيهما واحدٌ.

والتحقيق أن يقال : إنّ مقتضى القاعدة عدم السقوط ؛ لبقاء الضرر ، وعدم دلالة التصرّف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد وتحمّل الضرر.

نعم ، قد ورد النصّ في العيب على السقوط (٤) ، وادّعي عليه الإجماع (٥) ، مع أنّ ضرر السقوط فيه متدارَكٌ بالأرش وإن كان نفس إمساك‌

__________________

(١) صرّح به النراقي في المستند ١٤ : ٣٩٥ ، ولم نعثر على غيره ، نعم جاء في مجمع الفائدة ٨ : ٤٠٤ : «وأمّا تصرّف المغبون في مال الغابن فيحتمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الجهل عذر» ، ونحوه ما ورد في الرياض ١ : ٥٢٥.

(٢) كذا وردت العبارة في «ق» ، ووردت في «ش» هكذا : «لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل ممّا لا ينبغي».

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٦٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار.

(٤) ادّعاه في الغنية : ٢٢٢ ، والمختلف ٥ : ١٨٣ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٦.

(٥) في «ش» : «العين».

١٨٦

المعيب (١) قد يكون ضرراً ، فإن تمّ دليلٌ في التدليس أيضاً قلنا به ، وإلاّ وجب الرجوع إلى دليل خياره.

ثمّ إنّ الحكم بسقوط الخيار بالتصرّف بعد العلم بالغبن مبنيٌّ على ما تقدّم في الخيارات السابقة : من تسليم كون التصرّف دليلاً على الرضا بلزوم العقد ، وإلاّ كان اللازم في غير ما دلّ فعلاً على الالتزام بالعقد من أفراد التصرّف ، الرجوع إلى أصالة بقاء الخيار.

٤ ـ تصرّف المشتري المغبون تصرّفاً مخرجاً عن الملك

الرابع من المسقطات : تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرّفاً مخرجاً عن الملك على وجه اللزوم كالبيع والعتق. فإنّ المصرَّح به في كلام المحقّق (٢) ومن تأخّر عنه (٣) هو سقوط خياره حينئذٍ ، وقيل : إنّه المشهور (٤). وهو كذلك بين المتأخّرين.

نعم ، ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحةً عند كذب البائع : أنّه لو هلك السلعة أو تصرّف فيها ، سقط الردّ (٥).

والظاهر اتّحاد هذا الخيار مع خيار الغبن ، كما يظهر من جامع‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٢.

(٢) مثل العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٢٣ ، والشهيد في غاية المراد ٢ : ٩٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٤٨ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٢ : ٣٧٦ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٥٧٢.

(٣) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٦٥ ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٧٤ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥٢٥.

(٤) المبسوط ٢ : ١٤٣.

(٥) في «ش» : «ولا يبطل».

١٨٧

المقاصد في شرح قول الماتن : «ولا يسقط (١) الخيار بتلف العين» فراجع (٢).

واستدلّ على هذا الحكم في التذكرة (٣) بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك. وهو بظاهره مشكلٌ ؛ لأنّ الخيار غير مشروطٍ عندهم بإمكان ردّ العين.

ويمكن أن يوجّه بأنّ حديث «نفي الضرر» لم يدلّ على الخيار ، بل المتيقّن منه جواز ردّ العين المغبون فيها ، فإذا امتنع ردّها ، فلا دليل على جواز فسخ العقد ، وتضرّر المغبون من جهة زيادة الثمن معارَضٌ بتضرّر الغابن بقبول البدل ، فإنّ دفع الضرر من الطرفين إنّما يكون بتسلّط المغبون على ردّ العين ، فيكون حاله من حيث إنّ له القبول والردّ حالَ العالم بالغبن قبل المعاملة في أنّ له أن يشتري وأن يترك ، وليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه ؛ مع أنّ إخراج المغبون العينَ عن ملكه التزامٌ بالضرر ، ولو جهلاً منه به.

هذا ، ولكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدّس روحه السعيدة في اللمعة (٤) بما توضيحه : أنّ الضرر الموجب للخيار قبل التصرّف ثابتٌ مع التصرّف ، والتصرّف مع الجهل بالضرر ليس إقداماً عليه ؛ لما عرفت من أنّ الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلاّ صورة الإقدام عليه عالماً به ، فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد بردّ نفس العين مع بقائها على ملكه وبدلها مع عدمه ، وفوات خصوصيّة العين‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣١٨.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٣) راجع اللمعة الدمشقيّة : ١٢٨.

(٤) في «ش» زيادة : «المبيعة».

١٨٨

على الغابن ليس ضرراً ؛ لأنّ العين (١) إن كانت مثليّةً فلا ضرر بتبدّلها بمثلها ، وإن كانت قيميّةً فتعريضها للبيع يدلّ على إرادة قيمتها ، فلا ضرر أصلاً ، فضلاً عن أن يعارض به ضرر زيادة الثمن على القيمة ، خصوصاً مع الإفراط في الزيادة.

والإنصاف أنّ هذا حسنٌ جدّاً ، لكن قال في الروضة : إن لم يكن الحكم إجماعاً (٢).

أقول : والظاهر عدمه ؛ لأنّك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدّم على المحقّق فيما تتبّعتُ.

لا فرق في المغبون المتصرّف بين البائع والمشتري

ثمّ إنّ مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرّف بين البائع والمشتري.

قال في التحرير بعد أن صرّح بثبوت الخيار للمغبون بائعاً كان أو مشترياً ـ : «ولا يسقط الخيار بالتصرّف مع إمكان الردّ» (٣) ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم ، وبين فكّ الملك كالعتق والوقف ، وبين المانع عن الردّ مع البقاء على الملك كالاستيلاد ، بل ويعمّ التلف.

وعن جماعةٍ : تخصيص العبارة بالمشتري (٤). فإن أرادوا قصرَ‌

__________________

(١) راجع الروضة البهيّة ٣ : ٤٦٦ ، ولكن لم نعثر فيه على دعوى الإجماع ، ولعلّها تستفاد من عبارة : «لكن لم أقف على قائلٍ به».

(٢) التحرير ١ : ١٦٦.

(٣) قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٧٢ : «وقد صرّح الأكثر بأنّ المراد به المشتري» ، ولم نعثر على غيره ، وراجع الشرائع ٢ : ٢٢ ، والمهذّب البارع ٢ : ٣٧٦ ، واللمعة : ١٢٨ ، والرياض ٨ : ١٩٢.

(٤) منهم : ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٢ : ٣٧٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٧١ ٤٧٢ ، والصيمري في غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٩١ ٢٩٢.

١٨٩

الحكم عليه فلا يُعرف له وجهٌ ، إلاّ أن يبنى على مخالفته لعموم دليل الخيار ، أعني نفي الضرر ، فيقتصر على مورد الإجماع.

الناقل الجائز لا يمنع الردّ بالخيار اذا فسخه

ثمّ إنّ ظاهر التقييد بصورة امتناع الردّ ، وظاهر التعليل بعدم إمكان الاستدراك ما صرّح به جماعةٌ (١) : من أنّ الناقل الجائز لا يمنع الردّ بالخيار إذا فسخه ، فضلاً عن مثل التدبير والوصيّة من التصرّفات الغير الموجبة للخروج عن الملك فعلاً. وهو حسنٌ ؛ لعموم نفي الضرر ، ومجرّد الخروج عن الملك لا يُسقط تدارك ضرر الغبن.

لو اتّفق زوال المانع

ولو اتّفق زوال المانع كموت ولد أُمّ الولد وفسخ العقد اللازم لعيبٍ أو غبنٍ ففي جواز الردّ وجهان : من أنّه متمكّنٌ حينئذٍ ، ومن استقرار البيع. وربما يُبنيان على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزُل أو كالذي لم يَعُد. وكذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقلٍ جديد ، وعدم الخيار هنا أولى ؛ لأنّ العود هنا بسببٍ جديد ، وفي الفسخ برفع السبب السابق.

هل تلحق الاجارة بالبيع؟

وفي لحوق الإجارة بالبيع قولان :

من امتناع الردّ ، وهو مختار الصيمري (٢) وأبي العبّاس (٣).

ومن أنّ مورد الاستثناء هو التصرّف المخرِج عن الملك ، وهو المحكيّ عن ظاهر الأكثر (٤).

__________________

(١) اختاره في غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٩١ ، وفيه : «سواء كان وارداً على العين .. أو على المنافع كالإجارة».

(٢) اختاره في المهذّب البارع ٢ : ٣٧٧.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٧٥.

(٤) في «ش» زيادة : «فتأمّل».

١٩٠

ولو لم يعلم بالغبن إلاّ بعد انقضاء الإجارة توجّه الردّ ؛ وكذا لو لم يعلم به حتّى انفسخ البيع.

هل يلحق الامتزاج بالخروج عن الملك؟

وفي لحوق الامتزاج مطلقاً أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوهٌ ، أقواها اللحوق ؛ لحصول الشركة ، فيمتنع ردّ العين الذي هو مورد الاستثناء ، وكذا لو تغيّرت العين بالنقيصة ، ولو تغيّرت بالزيادة العينيّة أو الحكميّة أو من الجهتين ، فالأقوى الردّ في الوسطى بناءً على حصول الشركة في غيرها المانعة عن ردّ العين (١). هذا كلّه في تصرّف المغبون.

تصرّف الغابن

لو كان المبيع خارجاً عن ملك الغابن بالعقد اللازم

وأمّا تصرّف الغابن ، فالظاهر أنّه لا وجه لسقوط خيار المغبون به ، وحينئذٍ فإن فسخ ووجد العين خارجةً عن ملكه لزوماً بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم ، ففي تسلّطه على إبطال ذلك من حينها (٢) أو من أصلها كالمرتهن والشفيع أو رجوعه إلى البدل ، وجوهٌ :

من وقوع العقد في متعلّق حقّ الغير ، فإنّ حقّ المغبون ثابتٌ بأصل المعاملة الغبنيّة ، وإنّما يظهر له بظهور السبب ، فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب ، وحيث وقع العقد في ملك الغابن ، فلا وجه لبطلانه من رأسٍ.

ومن أنّ وقوع العقد في متعلّق حقّ الغير يوجب تزلزله من رأسٍ كما في بيع الرهن ومقتضى فسخ البيع الأوّل تلقيّ الملك من الغابن الذي وقع البيع معه ، لا من المشتري الثاني.

ومن أنّه لا وجه للتزلزل ، إمّا لأنّ التصرّف في زمان خيار‌

__________________

(١) في «ش» : «حينه».

(٢) في «ش» : الغير ، وفي «ف» شطب على «المتصرّف».

١٩١

غير (١) المتصرّف صحيحٌ لازم كما سيجي‌ء في أحكام الخيار (٢) فيستردّ الفاسخ البدل ، وإمّا لعدم تحقّق الخيار قبل ظهور الغبن فعلاً على وجهٍ يمنع من تصرّف مَن عليه الخيار ، كما هو ظاهر الجماعة هنا وفي خيار العيب قبل ظهوره ، فإنّ غير واحدٍ ممّن منع من تصرّف غير ذي الخيار بدون إذنه أو استشكاله (٣) فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن والعيب (٤). وهذا هو الأقوى ، وستأتي تتمّةٌ لذلك في أحكام الخيار (٥).

لو حصل مانعٌ من الردّ

وكذا الحكم لو حصل مانعٌ من ردّه كالاستيلاد ، ويحتمل هنا تقديم حقّ الخيار ؛ لسبق سببه على الاستيلاد.

لو خرج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز ؛ لأنّ معنى جوازه تسلّط أحد المتعاقدين على فسخه ، أمّا تسلّط الأجنبيّ وهو المغبون ، فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحاً.

وفي المسالك : لو كان الناقل ممّا يمكن إبطاله كالبيع بخيارٍ الزم‌

__________________

(١) انظر الجزء السادس ، الصفحة ١٤٤ ١٥٠.

(٢) في «ش» : «استشكل».

(٣) لم نعثر على قائلٍ به صراحةً ، نعم يظهر ممّن حكم بعدم سقوط خيار المغبون بتصرّف الغابن وأنّه يلزمه المثل أو القيمة بعد الفسخ ، كما في المهذّب البارع ٢ : ٣٧٧ ، وجامع المقاصد ٤ : ٢٩٥ ، والمسالك ٣ : ٢٠٦ وغيرها.

(٤) انظر الجزء السادس ، الصفحة ١٥٤.

(٥) في «ش» : «وإن تعذّر».

١٩٢

بالفسخ ، فإن امتنع فَسَخَه الحاكم ، فإن امتنع (١) فَسخَه المغبون (٢).

ويمكن النظر فيه : بأنّ فسخ المغبون إمّا بدخول العين في ملكه ، وإمّا بدخول بدلها ، فعلى الأوّل لا حاجة إلى الفسخ حتّى يتكلّم في الفاسخ ، وعلى الثاني فلا وجه للعدول عمّا استحقّه بالفسخ إلى غيره.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه لا منافاة ؛ لأنّ البدل المستحقّ بالفسخ إنّما هو للحيلولة ، فإذا أمكن ردّ العين وجب على الغابن تحصيلها ، لكن ذلك إنّما يتمّ مع كون العين (٣) على ملك المغبون ، وأمّا مع عدمه وتملّك المغبون للبدل فلا دليل على وجوب تحصيل العين.

لو اتّفق عود الملك إلى الغابن

ثمّ على القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز ، لو اتّفق عود الملك إليه لفسخٍ في العقد الجائز أو اللازم (٤) فإن كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجوب ردّ العين. وإن كان بعده ، فالظاهر عدم وجوب ردّه ؛ لعدم الدليل بعد تملّك البدل.

ولو كان العود بعقدٍ جديد فالأقوى عدم وجوب الردّ مطلقاً ؛ لأنّه ملكٌ جديد تلقّاه من مالكه ، والفاسخ إنّما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل.

تصرّف الغابن تصرّفاً مغيّراً للعين

ولو تصرّف الغابن تصرّفاً مغيّراً للعين ، فإمّا أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج.

__________________

(١) المسالك ٣ : ٢٠٦ ، مع تفاوت في بعض الألفاظ.

(٢) في «ش» زيادة : «باقية».

(٣) لم ترد عبارة «في العقد الجائز أو اللازم» في «ش».

(٤) و (٢) لم يردا في «ق».

١٩٣

إن كان التغيير بالنقيصة

فإن كان بالنقيصة : فإمّا أن يكون نقصاً يوجب الأرش ، وإمّا أن يكون ممّا لا يوجبه.

فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش ، كما هو مقتضى الفسخ ؛ لأنّ الفائت مضمونٌ بجزءٍ من العوض ، فإذا ردّ تمام العوض وجب ردّ مجموع المعوّض ، فيتدارك الفائت [منه] (١) ببدله ، ومثل ذلك ما لو تلف بعض العين.

وإن كان ممّا لا يوجب شيئاً ، ردَّه بلا شي‌ءٍ. ومنه ما لو وجد العين مستأجرةً ، فإنّ على الفاسخ الصبر إلى أن ينقضي مدّة الإجارة ، ولا يجب على الغابن بذل [عوض (٢) المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقيّة المدّة بعد الفسخ ؛ لأنّ المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخلّلة بين العقد والفسخ ، فهي ملكٌ للمفسوخ عليه ، فالمنفعة الدائمة تابعةٌ للملك المطلق ، فإذا تحقّق في زمانٍ مَلِكَ منفعةَ العين بأسرها. ويحتمل انفساخ الإجارة في بقيّة المدّة ؛ لأنّ ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزلٌ ، وهو الذي جزم به المحقّق القمّي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع (٣). وفيه نظرٌ ؛ لمنع تزلزل ملك المنفعة.

نعم ، ذكر العلاّمة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبايعين : أنّه إذا وجد البائع العين مستأجرةً كانت الأُجرة للمشتري الموجر ووجب عليه للبائع أُجرة المثل للمدّة الباقية بعد الفسخ (٤) ، وقرّره‌

__________________

(١) لم يردا في «ق»

(٢) لم يردا في «ق»

(٣) راجع جامع الشتات ٣ : ٤٣١ ٤٣٢ ، المسألة ٢٠٣.

(٤) القواعد ٢ : ٩٦.

١٩٤

على ذلك شرّاح الكتاب (١) ، وسيجي‌ء ما يمكن أن يكون فارقاً بين المقامين.

إن كان التغيير بالزيادة

وإن كان التغيير بالزيادة : فإن كانت حُكميّةً محضة كقصارة الثوب وتعليم الصنعة ، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة ، بأن تقوَّم العين معها ولا معها وتؤخذ النسبة. ولو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة ، فالظاهر عدم شي‌ءٍ لمحدثها ؛ لأنّه إنّما عمل في ماله ، وعمله لنفسه غير مضمونٍ على غيره ، ولم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال ولو في ضمن العين.

لو كانت الزيادة عيناً كالغرس

ولو كانت الزيادة عيناً محضاً كالغرس :

ففي تسلّط المغبون على القلع بلا أرشٍ ، كما اختاره في المختلف في الشفعة (٢) أو عدم تسلّطه عليه مطلقاً ، كما عليه المشهور ، فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري.

أو تسلّطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا (٣) وقيل به في الشفعة والعارية (٤) وجوهٌ :

من أنّ صفة كونه منصوباً المستلزمة لزيادة قيمته إنّما هي عبارةٌ‌

__________________

(١) راجع إيضاح الفوائد ١ : ٥٢١ ، وجامع المقاصد ٤ : ٤٤٦ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٧٦٠.

(٢) راجع المختلف ٥ : ٣٥٦.

(٣) لم نعثر عليه في المسالك ، نعم صرح به في الروضة ٣ : ٤٦٩.

(٤) راجع الشرائع ٢ : ١٧٣ ، و ٣ : ٢٦٠ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٦١ و ٣٨٣.

١٩٥

عن كونه في مكانٍ صار ملكاً للغير ، فلا حقّ للغرس ، كما إذا باع أرضاً مشغولة بماله وكان ماله في تلك الأرض أزيد قيمةً ، مضافاً إلى ما في المختلف في مسألة الشفعة : من أنّ الفائت لمّا حدث في محلٍّ مُعرضٍ للزوال لم يجب تداركه (١) ومن أنّ الغرس المنصوب الذي هو مالٌ للمشتري مالٌ مغايرٌ للمقلوع عرفاً ، وليس كالمتاع الموضوع في بيتٍ بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان ، مضافاً إلى مفهوم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس لعِرقِ ظالمٍ (٢) حقٌّ» (٣) فيكون كما لو باع الأرض المغروسة.

ومن أنّ الغرس إنّما وقع في ملكٍ متزلزلٍ ، ولا دليل على استحقاق الغرس على الأرض البقاءَ : وقياس الأرض المغروسة على‌

__________________

(١) راجع المختلف ٥ : ٣٥٦‌

(٢) قال ابن الأثير في النهاية : «وفي حديث إحياء الموات : " ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ" هو أن يجي‌ء الرجل إلى أرضٍ قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساً غصباً ليستوجب به الأرض.

والرواية" لعرقٍ" بالتنوين ، وهو على حذف المضاف : أي لذي عرقٍ ظالمٍ ، فجعل العِرْقَ نفسه ظالماً ، والحقّ لصاحبه ، أو يكون الظالم من صفة صاحب العِرْق ، وإن رُوي" عِرقِ" بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق ، والحقّ للعرق ، وهو أحد عروق الشجرة».

انظر النهاية لابن الأثير : مادّة «عرق» ، وانظر مجمع البحرين : المادّة نفسها.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ ، الحديث ٦ ، ورواه في الوسائل ١٧ : ٣١١ ، الباب ٣ من أبواب الغصب ، الحديث الأوّل عن الصادق عليه‌السلام.

١٩٦

الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها ولا تغرم لها اجرة المثل فاسدٌ ؛ للفرق بتملّك المنفعة في تمام المدّة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ المستحقّ هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكانٍ في الأرض.

فالتحقيق : أنّ كلاّ من المالكين يملك ماله لا بشرط حقٍّ له على الآخر ولا عليه له ، فلكلٍّ منهما تخليص ماله عن مال صاحبه. فإن أراد مالك الغرس قلعَه فعليه أرش طمّ الحفر ، وإن أراد مالك الأرض تخليصَها فعليه أرش الغرس ، أعني تفاوت ما بين كونه منصوباً دائماً وكونه مقلوعاً. وكونه مالاً للمالك على صفة النصب دائماً ليس اعترافاً على عدم (١) تسلّطه على قلعه ؛ لأنّ المال هو الغرس المنصوب ، ومرجع دوامه إلى دوام ثبوت هذا المال الخاصّ له ، فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان ، فافهم.

ويبقى الفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة التفليس ، حيث ذهب الأكثر إلى أن ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس ولو مع الأرش. ويمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملكٍ متزلزلٍ فيما نحن فيه ، فحقّ المغبون إنّما تعلّق بالأرض قبل الغرس ، بخلاف مسألة التفليس ؛ لأنّ سبب التزلزل هناك بعد الغرس ، فيشبه بيع الأرض المغروسة وليس للمشتري قلعه ولو مع الأرش بلا خلافٍ ، بل عرفت أنّ العلاّمة قدس‌سره في المختلف جعل التزلزل موجباً لعدم استحقاق أرش الغرس.

ثمّ إذا جاز القلع ، فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع ، أم له مطالبة‌

__________________

(١) في «ش» : «بعدم».

١٩٧

المالك بالقلع ، ومع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟ وجوهٌ ، ذكروها (١) فيما لو دخلت أغصان شجر الجار إلى داره. ويحتمل الفرق بين المقامين من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك ، ولذا قيل فيه بعدم وجوب إجابة المالكِ الجارَ إلى القلع وإن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله. هذا كلّه حكم القلع (٢) وأمّا لو اختار المغبون الإبقاء ، فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت حقٍّ لأحد المالكين على الآخر استحقاقه الأُجرة على البقاء ؛ لأنّ انتقال الأرض إلى المغبون بحقٍّ سابقٍ على الغرس ، لا بسببٍ لاحقٍ له. هذا كلّه حكم الشجر.

حكم الزرع

وأمّا الزرع : ففي المسالك : أنّه يتعيّن إبقاؤه بالأُجرة (٣) لأنّ له أمداً ينتظر. ولعلّه لإمكان الجمع بين الحقّين على وجهٍ لا ضرر فيه على الطرفين ، بخلاف مسألة الشجر ، فإنّ في تعيين إبقائه بالأُجرة ضرراً على مالك الأرض ، لطول مدّة البقاء ، فتأمّل.

لو طلب مالك الغرس القلع

ولو طلب مالك الغرس القلع ، فهل لمالك الأرض منعه لاستلزام نقص أرضه ، فإنّ كلاّ منهما مسلّط على ماله ولا يجوز تصرّفه في مال غيره إلاّ بإذنه ، أم لا ؛ لأنّ التسلّط على المال لا يوجب منع مالكٍ آخر عن التصرّف في ماله؟ وجهان : أقواهما الثاني.

__________________

(١) راجع تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة ٥ : ٥٠٤ ، والمناهل : ٣٨٨ ٣٨٩ ، والجواهر ٢٦ : ٢٧٧.

(٢) في «ش» : «التخليص».

(٣) لم نعثر عليه في المسالك ، نعم هو موجود في الروضة ٣ : ٤٦٩.

١٩٨

إن كان التغيير بالامتزاج

ولو كان التغيّر بالامتزاج : فإمّا أن يكون بغير جنسه ، وإمّا أن يكون بجنسه.

فإن كان بغير الجنس ، فإن كان على وجه الاستهلاك عرفاً بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو في حكم التالف يرجع إلى قيمته. وإن كان لا على وجهٍ يُعدّ تالفاً كالخلّ الممتزج مع الأنجبين ففي كونه شريكاً أو كونه كالمعدوم (١) ، وجهان (٢).

وإن كان الامتزاج بالجنس ، فإن كان بالمساوي يثبت الشركة ، وإن كان بالأردإ فكذلك ، وفي استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه ، وجوهٌ. ولو كان بالأجود احتمل الشركة في الثمن ، بأن يُباع ويُعطى من الثمن بنسبة قيمته ، ويحتمل الشركة بنسبة القيمة ، فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردي‌ء كان المجموع بينهما أثلاثاً ، وردّه الشيخ في مسألة رجوع البائع على المفلّس بعين ماله بأنّه يستلزم الربا (٣). قيل : وهو حسنٌ مع عموم الربا لكلّ معاوضة (٤).

حكم تلف العوضين

بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن :

__________________

(١) في «ق» : «كالمعدومة».

(٢) في «ش» زيادة : «من حصول الاشتراك قهراً لو كانا لمالكين ، ومن تغيّر حقيقته ، فيكون كالتلف الرافع للخيار».

(٣) المبسوط ٢ : ٢٦٣.

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٤ : ١١٣ ، بلفظ : «وهو يتمّ على القول بثبوته في كلّ معاوضة».

١٩٩

وتفصيله : أنّ التلف إمّا أن يكون فيما وصل إلى الغابن ، أو فيما وصل إلى المغبون. والتلف ، إمّا بآفةٍ أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبيّ.

لو تلف ما في يد المغبون

وحكمها : أنّه لو تلف ما في يد المغبون ، فإن كان بآفةٍ فمقتضى ما تقدّم من التذكرة (١) في الإخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم إمكان الاستدراك سقوط الخيار. لكنّك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلاً عن غيره ؛ ولذا اختار غير واحدٍ بقاء الخيار (٢) ، فإذا فسخ غرم قيمة (٣) يوم التلف أو يوم الفسخ وأخذ ما عند الغابن أو بدله. وكذا لو كان بإتلافه.

ولو كان بإتلاف الأجنبيّ ففسخ المغبون ، أخذ الثمن ورجع الغابن إلى المُتلِف إن لم يرجع المغبون عليه. وإن رجع عليه بالبدل ثمّ ظهر الغبن ففسخ ردّ على الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ.

ولو كان بإتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون أخذ القيمة من الغابن. وإن فسخ أخذ الثمن. ولو كان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثمّ ظهر الغبن ففسخ وجب عليه ردّ القيمة ؛ لأنّ ما أبرأه بمنزلة المقبوض.

لو تلف ما في يد الغابن

ولو تلف ما في يد الغابن بآفةٍ أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٨٨.

(٢) كالشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٧٣ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٨ : ١٩٢ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٦٠٧.

(٣) في «ش» و «ف» : «قيمته».

٢٠٠