كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

الرواية مخالفةً للقاعدة ، وإنّما المخالف لها هي قاعدة «أنّ الخراج بالضمان» إذا انضمّت إلى الإجماع على كون النماء للمالك. نعم ، الإشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع أفراد الخيار. لكن الظاهر من إطلاق غير واحدٍ عموم القاعدة للثمن واختصاصها بالخيارات الثلاثة أعني خيار المجلس والشرط والحيوان وسيجي‌ء الكلام في أحكام الخيار (١).

وإن كان التلف قبل الردّ فمن البائع (٢) ؛ بناءً على عدم ثبوت الخيار قبل الردّ.

وفيه مع ما عرفت من منع المبنى ـ : منعُ البناء ، فإنّ دليل ضمان من لا خيار له مالَ صاحبِه هو تزلزلُ البيع سواءً كان بخيارٍ متّصلٍ أم بمنفصلٍ ، كما يقتضيه أخبار تلك المسألة ، كما سيجي‌ء (٣).

ثمّ إن قلنا : بأنّ تلف الثمن من المشتري انفسخ البيع ، وإن قلنا : بأنّه من البائع فالظاهر بقاء الخيار ، فيردّ البدل ويرتجع المبيع.

السادس

ردّ الثمن إلى الوكيل أو الوليّ مع التصريح به

لا إشكال في القدرة على الفسخ بردّ الثمن على نفس المشتري ، أو بردّه على وكيله المطلق‌ أو الحاكم أو العدول مع التصريح بذلك‌

__________________

(١) سيجي‌ء في الجزء السادس ، الصفحة ١٧٨ ١٨١.

(٢) كذا في «ش» ، ولكن في «ق» و «ف» بدل «البائع» : «المشتري» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.

(٣) انظر الجزء السادس ، الصفحة ١٧٥ ، مسألة أنّ المبيع في ضمان من ليس له الخيار.

١٤١

في العقد.

إذا كان المشروط الردّ إلى المشتري فامتنع ردّه إليه

وإن كان المشروط هو ردّه إلى المشتري مع عدم التصريح ببدله ، فامتنع ردّه إليه عقلاً لغيبةٍ ونحوها ، أو شرعاً لجنونٍ ونحوه ، ففي حصول الشرط بردّه إلى الحاكم ، كما اختاره المحقّق القمّي في بعض أجوبة مسائله (١) وعدمه ، كما اختاره سيّد مشايخنا في مناهله (٢) ، قولان.

وربما يظهر من صاحب الحدائق الاتّفاق على عدم لزوم ردّ الثمن إلى المشتري مع غيبته ، حيث إنّه بعد [نقل (٣)] قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار ، وأنّه لا اعتبار بالإشهاد خلافاً لبعض علمائنا قال : إنّ ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه ؛ فما ذكروه : من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري وجعل الثمن أمانةً إلى أن يجي‌ء المشتري ، وإن كان ظاهرهم الاتّفاق عليه ، إلاّ أنّه بعيدٌ عن مساق الأخبار المذكورة (٤) ، انتهى.

أقول : لم أجد فيما رأيت مَن تعرّض لحكم ردّ الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار ، ولم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانةً عند البائع حتّى يحضر المشتري. وذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنّما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل‌

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ١٤١ ، المسألة ٩٩.

(٢) المناهل : ٣٣٤.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) الحدائق ١٩ : ٣٥ ٣٦.

١٤٢

العامّة وبعض الخاصّة (١) ، حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم ، ولا تنافي بينه وبين اعتبار حضوره لتحقّق شرطٍ آخر للفسخ ، وهو ردّ الثمن إلى المشتري ، مع أنّ ما ذكره من أخبار المسألة لا يدلّ على اعتبار حضور الخصم في الفسخ وإن كان موردها صورة حضوره لأجل تحقّق الردّ ، إلاّ أنّ الفسخ قد يتأخّر عن الردّ بزمانٍ ؛ بناءً على مغايرة الفسخ للردّ وعدم الاكتفاء به عنه.

نعم ، لو قلنا بحصول الفسخ بالردّ اختصّ موردها بحضور الخصم. لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار ، خصوصاً لو فرض قولهم بحصول الفسخ بردّ (٢) الثمن ، فافهم.

لو لم يصرّح باشتراط الردّ إلى المشتري قام وليّه مقامه

وكيف كان ، فالأقوى فيما لم يصرّح باشتراط الردّ إلى خصوص المشتري هو قيام الوليّ مقامه ؛ لأنّ الظاهر من «الردّ إلى المشتري» حصوله عنده وتملّكه له حتّى لا يبقى الثمن في ذمّة البائع بعد الفسخ ، ولذا لو دفع إلى وارث المشتري كفى. وكذا لو ردّ وارث البائع مع أنّ المصرَّح به في العقد ردّ البائع ، وليس ذلك لأجل إرثه للخيار ؛ لأنّ ذلك متفرّعٌ على عدم مدخليّة خصوص البائع في الرد ، وكذا الكلام في وليّه.

ودعوى : أنّ الحاكم إنّما يتصرّف في مال الغائب على وجه الحفظ‌

__________________

(١) أمّا بعض الخاصّة فهو ابن الجنيد كما نقله العلاّمة في المختلف ٥ : ٧٦ ، وأمّا العامّة فنسبه في التذكرة ١ : ٥٢٢ ، إلى أبي حنيفة ومحمّد ، ومثله في الخلاف ٣ : ٣٥ ، ذيل المسألة ٤٧ ، من كتاب البيوع ، وراجع الفتاوى الهنديّة ٣ : ٤٣.

(٢) في «ش» : «بمجرّد ردّ».

١٤٣

أو (١) المصلحة ، والثمن قبل ردّه باقٍ على ملك البائع ، وقبضه عنه الموجب لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحةً للغائب أو شبهه ، فلا يكون وليّاً في القبض ، فلا يحصل ملكُ المشتري المدفوعَ بعد الفسخ.

مدفوعة : بأنّ هذا ليس تصرّفاً اختياريّاً من قبل الوليّ حتّى يناط بالمصلحة ، بل البائع حيث وجد من هو منصوبٌ شرعاً لحفظ مال الغائب صحّ له الفسخ ؛ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليّه للثمن حتّى يقال : إنّ ولايته في القبول متوقّفةٌ على المصلحة ، بل المعتبر تمكين المشتري أو وليّه منه إذا حصل الفسخ.

الردّ إلى عدول المؤمنين

وممّا ذكرنا يظهر جواز الفسخ بردّ الثمن إلى عدول المؤمنين ليحفظوها حِسْبةً عن الغائب وشبهه.

لو اشترى الأب للطفل أو الحاكم للصغير بخيار البائع

ولو اشترى الأب للطفل بخيار البائع ، فهل يصحّ له الفسخ مع ردّ الثمن إلى الوليّ الآخر أعني الجدّ مطلقاً ، أو مع عدم التمكّن من الردّ إلى الأب ، أو لا؟ وجوهٌ.

ويجري مثلها فيما لو اشترى الحاكم للصغير ، فردّ البائع إلى حاكمٍ آخر ، وليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمةٌ للأوّل حتّى لا يجوز قبوله للثمن ، ولا يجري ولايته بالنسبة إلى هذه المعاملة بناءً على عدم جواز مزاحمة الحاكم (٢) لحاكمٍ آخر في مثل هذه الأُمور ؛ لما عرفت : من أنّ أخذ الثمن من البائع ليس تصرّفاً اختياريّاً ، بل البائع إذا وجد من‌

__________________

(١) في «ش» بدل «أو» : «و».

(٢) في «ش» : «حاكم».

١٤٤

يجوز أن يتملّك الثمن عن المشتري عند فسخه جاز له الفسخ. وليس في مجرّد تملّك الحاكم الثاني الثمنَ عن المشتري مزاحمةٌ للحاكم الأوّل ، غاية الأمر وجوب دفعه إليه ، مع احتمال عدم الوجوب ؛ لأنّ هذا ملكٌ جديدٌ للصغير لم يتصرّف فيه الحاكم الأوّل ، فلا مزاحمة. لكن الأظهر أنّها مزاحمةٌ عرفاً.

السابع

لو ردّ البائع بعض الثمن

إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن لم يكن له ذلك إلاّ بردّ الجميع ، فلو ردّ بعضه لم يكن له الفسخ. وليس للمشتري التصرّف في المدفوع إليه ؛ لبقائه على ملك البائع.

والظاهر أنّه ضامنٌ له لو تلف إذا دفعه إليه على وجه الثمنيّة ، إلاّ أن يصرّح بكونها أمانةً عنده إلى أن يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع.

ولو شرط البائع الفسخ في كلِّ جزءٍ بردّ ما يخصّه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع ، وللمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقيّة المبيع وخرجت المدّة. وهل له ذلك قبل خروجها؟ الوجه ذلك.

ويجوز اشتراط الفسخ في الكلّ بردّ جزءٍ معيّنٍ من الثمن في المدّة ، بل بجزءٍ غير معيّنٍ ، فيبقى الباقي في ذمّة البائع بعد الفسخ.

الثامن

اشتراط المشتري الفسخ بردّ المثمن

كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ بردّ الثمن ، كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ بردّ المثمن. ولا إشكال في انصراف الإطلاق إلى العين ، ولا في جواز التصريح بردّ بدله مع تلفه ؛ لأنّ مرجعه إلى اشتراط الخيار‌

١٤٥

بردّ المبيع مع وجوده وبدله مع تلفه وعدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ.

وفي جواز اشتراط ردّ بدله ولو مع التمكّن من العين إشكالٌ : من أنّه خلاف مقتضى الفسخ ؛ لأنّ مقتضاه رجوع كلٍّ من العوضين إلى صاحبه ، فاشتراط البدل اشتراطٌ للفسخ على وجهٍ غير مشروعٍ ، بل ليس فسخاً في الحقيقة (١).

نعم ، لو اشترط ردّ التالف بالمثل في القيمي وبالقيمة في المثلي أمكن الجواز ؛ لأنّه بمنزلة اشتراط إيفاء ما في الذمّة بغير جنسه ، لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة والقيمي بالمثل ، ولا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد إلى البائع ، فتأمّل.

ويجوز اشتراط الفسخ لكلٍّ منهما بردّ ما انتقل إليه أو بدله ؛ والله العالم.

__________________

(١) لم يذكر المؤلّف قدس‌سره الشقّ الآخر للإشكال ؛ اتّكالاً على وضوحه ، وهو عموم : «المؤمنون عند شروطهم».

١٤٦

مسألة

جريان خيار الشرط في كلّ معاوضة لازمة إلّا ما خرج بالدليل

لا إشكال ولا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع وجريانه في كلّ معاوضةٍ لازمةٍ‌ كالإجارة والصلح والمزارعة والمساقاة بل قال في التذكرة : الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كلِّ عقد معاوضةٍ ، خلافاً للجمهور (١). ومراده ما يكون لازماً ؛ لأنّه صرّح بعدم دخوله في الوكالة والجعالة والقراض والعارية والوديعة ؛ لأنّ الخيار لكلٍّ منهما دائماً ، فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه (٢).

الاستدلال عليه

والأصل فيما ذكر عموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣) ، بل الظاهر المصرَّح به في كلمات جماعةٍ (٤) دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة ولو من طرفٍ واحدٍ ، بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة ، إلاّ أن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.

(٤) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٠٤ في الضمان والهبة وغيرهما ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٣٣٦ ، والمحقّق التستري في المقابس : ٢٤٨ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٩ أيضاً.

١٤٧

يدّعى من الخارج عدم معنىً للخيار في العقد الجائز ولو من الطرف الواحد. فعن الشرائع والإرشاد والدروس وتعليق الإرشاد ومجمع البرهان والكفاية (١) : دخول خيار الشرط في كلّ عقدٍ سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق والعتق. وظاهرها ما عدا الجائز ؛ ولذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير (٢) بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة.

وكيف كان : فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أنّ مقتضى عموم أدلّة الشرط الصحّة في الكلّ وإنّما الإخراج لمانع ؛ ولذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس‌سره ـ : إنّه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان : «المؤمنون عند شروطهم» (٣) ، فالمهمّ هنا بيان ما خرج عن هذا العموم.

عدم جريان خيار الشرط في الإيقاعات

فنقول : أمّا الإيقاعات ، فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها ، كما يرشد إليه استدلال الحلّي في السرائر على عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود (٤).

قيل : لأنّ المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبّه عليه‌

__________________

(١) حكاه عنها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٨ ، راجع الشرائع ٢ : ٢٣ ، والإرشاد ١ : ٣٧٥ ، والدروس ٣ : ٢٦٨ ، وحاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٦٠ ، ومجمع الفائدة ٨ : ٤١١ ، وكفاية الأحكام : ٩٢.

(٢) التحرير ١ : ١٦٨.

(٣) الدروس ٣ : ٢٦٨ ، وفيه : «المسلمون» بدل «المؤمنون» ، وهو مطابق للمصدر ، وراجع الحديث في الوسائل ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديثان ١ و ٢.

(٤) السرائر ٢ : ٢٤٦.

١٤٨

جملةٌ من الأخبار والإيقاع إنّما يقوم بواحدٍ (١).

وفيه : أنّ المستفاد من الأخبار كون الشرط قائماً بشخصين : المشروط له ، والمشروط عليه ، لا كونه متوقِّفاً على الإيجاب والقبول ؛ ألا ترى أنّهم جوّزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمةَ مدّةٍ (٢) تمسّكاً بعموم : «المؤمنون عند شروطهم» ، غاية الأمر توقّف لزومه كاشتراط مالٍ على العبد على قبول العبد على قول بعضٍ (٣). لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب والقبول.

الاستدلال على ذلك

فالأولى الاستدلال عليه مضافاً إلى إمكان منع صدق الشرط ، أو (٤) انصرافه ، خصوصاً على ما تقدّم عن القاموس (٥) ـ : بعدم مشروعيّة الفسخ في الإيقاعات حتّى تقبل لاشتراط التسلّط على الفسخ فيها. والرجوع في العدّة ليس فسخاً للطلاق ، بل هو حكم شرعيٌّ في بعض أقسامه لا يقبل (٦) الثبوت في غير مورده ، بل ولا السقوط في مورده. ومرجع هذا إلى أنّ مشروعيّة الفسخ لا بدّ لها من دليلٍ ، وقد وجد في‌

__________________

(١) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٦٤ ، واللفظ للأوّل ، وراجع الوسائل ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديثان ١ و ٤ وغيرهما في غير الباب.

(٢) راجع المسالك ١٠ : ٢٩٢ ، ونهاية المرام ٢ : ٢٥١ ، وكشف اللثام (الطبعة الحجريّة) ٢ : ١٨٥.

(٣) كما قاله العلاّمة في التحرير ٢ : ٧٩.

(٤) في «ش» بدل «أو» : «و».

(٥) تقدّم في الصفحة ٢٢.

(٦) في «ق» : «لا تقبل».

١٤٩

العقود من جهة مشروعيّة الإقالة وثبوت خيار المجلس والحيوان وغيرهما في بعضها ، بخلاف الإيقاعات ؛ فإنّه لم يُعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتّى يصحّ اشتراط ذلك فيها.

وبالجملة ، فالشرط لا يَجعل غيرَ السبب الشرعي سبباً ، فإذا لم يعلم كون الفسخ سبباً لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه بناءً على أنّ اللزوم في الإيقاعات حكمٌ شرعيٌّ كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سبباً باشتراط التسلّط عليه في متن الإيقاع.

هذا كلّه ، مضافاً إلى الإجماع عن المبسوط ونفي الخلاف عن السرائر على عدم دخوله في العتق والطلاق (١) ، وإجماع المسالك على عدم دخوله في العتق والإبراء (٢).

عدم جريان خيار الشرط في العقود المتضمنة للإيقاع

وممّا ذكرنا في الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمّن الإيقاع ولو كان عقداً ، كالصلح المفيد فائدة الإبراء ، كما في التحرير وجامع المقاصد (٣).

وفي غاية المرام : أنّ الصلح إن وقع معاوضةً دخله خيار الشرط ، وإن وقع عمّا في الذمّة مع جهالته أو على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها لم يدخله ؛ لأنّ مشروعيّته لقطع المنازعة فقط ، واشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيّتَه ، وكلّ شرطٍ ينافي مشروعيّة العقد غير لازمٍ (٤) ، انتهى.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨١ ، والسرائر ٢ : ٢٤٦.

(٢) المسالك ٣ : ٢١٢ ، وفيه : «محلّ وفاق».

(٣) التحرير ١ : ١٦٧ ، وجامع المقاصد ٤ : ٣٠٤.

(٤) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٩٥ ، وفيه : «غير جائز».

١٥٠

والكبرى المذكورة في كلامه راجعةٌ إلى ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات ، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك الراجع إلى الشكّ في سببيّة الفسخ لرفع الإيقاع.

أقسام العقود من حيث دخول خيار الشرط فيها :

وأمّا العقود : فمنها ما لا يدخله اتّفاقاً ، ومنها ما اختلف فيه ، ومنها ما يدخله اتّفاقاً.

١ ـ ما لا يدخله اتّفاقاً

فالأوّل : النكاح ، فإنّه لا يدخله اتّفاقاً ، كما عن الخلاف والمبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالك : الإجماع عليه (١). ولعلّه لتوقّف ارتفاعه شرعاً على الطلاق وعدم مشروعيّة التقايل فيه.

٢ ـ ما اختلف في دخوله فيه :

أـ الوقف

ومن الثاني : الوقف ، فإنّ المشهور عدم دخوله فيه ، وعن المسالك : أنّه موضع وفاق (٢). ويظهر من محكيّ السرائر والدروس وجود الخلاف فيه (٣). وربما علّل باشتراط القربة فيه وأنّه فكّ ملكٍ بغير عوضٍ (٤) ، والكبرى في الصغريين ممنوعةٌ.

__________________

(١) حكى الإجماع عنها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٨ ، وراجع الخلاف ٣ : ١٦ ، المسألة ١٧ من كتاب البيوع ، وفيه : «.. بلا خلاف» ، وتعرّض للمسألة في النكاح وحكم هناك أيضاً بالبطلان ، ولكن لم يتعرّض للإجماع ، راجع الخلاف ٤ : ٢٩٢ ، المسألة ٥٩ من كتاب النكاح ، والمبسوط ٢ : ٨١ ، والسرائر ٢ : ٢٤٦ ، وجامع المقاصد ٤ : ٣٠٣ ، والمسالك ٣ : ٢١٢ ، وفيه : «.. محلّ وفاق».

(٢) المسالك ٣ : ٢١٢ ، وحكاه السيّد المجاهد في المناهل : ٣٣٦.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٨ ، وراجع السرائر ٢ : ٢٤٥ ، والدروس ٣ : ٢٦٨.

(٤) كما علّله بذلك في جامع المقاصد ٤ : ٣٠٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٨ ٥٦٩.

١٥١

ويمكن الاستدلال له بالموثّقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونَه أحقّ بالوقف عند الحاجة ، وهي قوله عليه‌السلام : «من أوقف أرضاً ثمّ قال : إن احتجتُ إليها فأنا أحقّ بها ، ثمّ مات الرجل فإنّها ترجع في الميراث» (١) وقريبٌ منها غيرها (٢). وفي دلالتهما (٣) على المدّعى تأمّلٌ.

ويظهر من المحكيّ عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة (٤) تجويز اشتراط الخيار في الوقف (٥) ، ولعلّه (٦) المخالف الذي أُشير إليه في محكيّ السرائر والدروس (٧).

حكم الصدقة

حكم الوقف

وأمّا حكم الصدقة فالظاهر أنّه حكم الوقف ، قال في التذكرة في باب الوقف : إنّه يشترط في الوقف الإلزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه ، ويكون الوقف باطلاً كالعتق والصدقة (٨) ، انتهى.

لكن قال في باب خيار الشرط : أمّا الهبة المقبوضة ، فإن كانت لأجنبيٍّ غير معوّضٍ عنها ولا قصد بها القربة ولا تصرّف [المتّهب (٩)] ،

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٠ ، الحديث ٦١٢.

(٢) راجع الوسائل ١٣ : ٢٩٧ ، الباب ٣ من أبواب الوقوف ، الحديث ٣.

(٣) في «ش» : «دلالتها».

(٤) في «ق» زيادة : «ما يظهر منه» ، والظاهر أنّها من سهو القلم.

(٥) راجع المقنعة : ٦٥٢ ، والانتصار : ٤٦٨ ، المسألة ٢٦٤ ، والنهاية : ٥٩٥.

(٦) كذا في النسخ ، ولعلّ وجه إفراد الضمير باعتبار تقدير «كلّ واحد» قبل «المشايخ الثلاثة».

(٧) تقدّمت الحكاية عنهما في الصفحة السابقة.

(٨) التذكرة ٢ : ٤٣٤.

(٩) في «ق» بدل «المتّهب» : «الواهب» ، وهو سهو من القلم.

١٥٢

يجوز للواهب الرجوع فيها ، وإن اختلّ أحد القيود لزمت. وهل يدخلها خيار الشرط؟ الأقرب ذلك (١) ، انتهى.

وظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتّى الصدقة.

وكيف كان ، فالأقوى عدم دخوله فيها ؛ لعموم ما دلّ على أنّه لا يُرجع فيما كان لله (٢) ، بناءً على أنّ المستفاد منه كون اللزوم حكماً شرعيّاً لماهيّة الصدقة ، نظير الجواز للعقود الجائزة.

ولو شكّ في ذلك كفى في عدم سببيّة الفسخ التي يتوقّف صحّة اشتراط الخيار عليها. وتوهّم إمكان إثبات السببيّة بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع.

ب ـ الصلح

ومنه (٣) : الصلح ، فإنّ الظاهر المصرّح به في كلام جماعةٍ كالعلاّمة في التذكرة (٤) ـ : دخول الخيار فيه مطلقاً ، بل عن المهذّب البارع في باب الصلح : الإجماع على دخوله فيه بقولٍ مطلقٍ (٥).

وظاهر المبسوط كالمحكيّ عن الخلاف (٦) ـ : عدم دخوله فيه مطلقاً.

وقد تقدّم التفصيل عن التحرير وجامع المقاصد وغاية المرام (٧)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٢) يدلّ عليه ما في الوسائل ١٣ : ٣١٥ ، الباب ١١ من أبواب الوقوف والصدقات ، وغيره من الأبواب.

(٣) أي : من أقسام ما اختلف فيه.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٥) المهذّب البارع ٢ : ٥٣٨.

(٦) راجع المبسوط ٢ : ٨٠ ، والخلاف ٣ : ١٢ ، المسألة ١٠ من كتاب البيوع.

(٧) تقدّم في الصفحة ١٥٠.

١٥٣

ولا يخلو عن قربٍ ؛ لما تقدّم من الشكّ في سببيّة الفسخ لرفع الإبراء أو ما يفيد فائدته.

ج ـ الضمان

ومنه : الضمان ، فإنّ المحكيّ عن ضمان التذكرة والقواعد (١) : عدم دخول خيار الشرط [فيه (٢)] ، وهو ظاهر المبسوط (٣).

والأقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه.

د ـ الرهن

ومنه : الرهن ، فإنّ المصرَّح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن (٤) ؛ لأنّ الرهن وثيقةٌ للدين ، والخيار ينافي الاستيثاق ؛ ولعلّه لذا استشكل في التحرير (٥) وهو ظاهر المبسوط (٦) ، ومرجعه إلى أنّ مقتضى طبيعة الرهن شرعاً بل عرفاً كونها وثيقةً ، والخيار منافٍ لذلك.

وفيه : أنّ غاية الأمر كون وضعه على اللزوم ، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.

هـ ـ الصرف

ومنه : الصرف ، فإنّ صريح المبسوط والغنية والسرائر عدم دخول‌

__________________

(١) حكاه عنهما في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٩ ، وراجع التذكرة ٢ : ٨٦ ، وفيه : «وكذا لو شرط الضامن الخيار لنفسه كان باطلاً» ، والقواعد ٢ : ١٥٥.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) راجع المبسوط ٢ : ٨٠.

(٤) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٩٥ ، وفيه : «وفي الراهن إشكال من أصالة الجواز .. ، ومن منافاته لعقد الرهن ؛ لأنّه وثيقة لدين المرتهن ، ومع حصول الخيار ينفي الفائدة».

(٥) التحرير ١ : ١٦٧ ، وفيه : «وفي الراهن إشكال».

(٦) راجع المبسوط ٢ : ٧٩.

١٥٤

خيار الشرط فيه (١) ، مدّعين على ذلك الإجماع. ولعلّه لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف والسلم ـ : بأنّ (٢) المقصود من اعتبار التقابض فيهما أن يفترقا ولم يبق (٣) بينهما علقةٌ ، ولو أثبتنا الخيار بقيت العلقة (٤).

والملازمة ممنوعةٌ كما في التذكرة ؛ ولذا جزم فيها بدخوله في الصرف وإن استشكله أوّلاً كما في القواعد (٥).

٣ ـ ما يدخله خيار الشرط اتفاقا

ومن الثالث (٦) : أقسام البيع ما عدا الصرف ومطلق الإجارة والمزارعة والمساقاة وغير ما ذكر من موارد الخلاف ، فإنّ الظاهر عدم الخلاف [فيها (٧)].

هل يدخل خيار الشرط في القسمة؟

واعلم أنّه ذكر في التذكرة تبعاً للمبسوط (٨) ـ : دخول خيار الشرط في القسمة وإن لم يكن فيها ردٌّ (٩). ولا يتصوّر إلاّ بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام ، وأمّا التراضي الفعلي فلا يتصوّر دخول خيار الشرط فيه ؛ بناءً على وجوب ذكر الشرط في متن العقد.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٩ ، والغنية : ٢٢٠ ، والسرائر ٢ : ٢٤٤.

(٢) كذا في «ق» ، والمناسب : «من أنّ» ، كما في «ش».

(٣) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «لا يبقى».

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٥) القواعد ٢ : ٦٧.

(٦) وهو ما يدخله الخيار قطعاً.

(٧) لم يرد في «ق».

(٨) المبسوط ٢ : ٨٢.

(٩) التذكرة ١ : ٥٢٢.

١٥٥

عدم جريانه في المعاطاة

ومنه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة وإن قلنا بلزومها من أوّل الأمر أو بعد التلف ، والسرّ في ذلك : أنّ الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي.

حكم الصداق والسبق والرماية

وذكر فيهما أيضاً دخول الخيار في الصداق (١). ولعلّه لمشروعيّة الفسخ فيه في بعض المقامات ، كما إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل.

وفيه نظرٌ.

إناطة دخول خيار الشرط بصحّة التقايل في العقد

وذكر في المبسوط أيضاً دخول هذا الخيار في السبق والرماية ؛ للعموم (٢).

أقول : والأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحّة التقايل في العقد ، فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة أحدهما أو كليهما على الفسخ ، فإنّ إقدامه على ذلك حين العقد كافٍ في ذلك بعد ما وجب عليه شرعاً القيام والوفاء بما شرطه على نفسه ، فيكون أمر الشارع إيّاه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ والالتزام وعدم الاعتراض عليه قائماً مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه ، وإن لم يرضَ فعلاً.

وأمّا إذا لم يصحّ التقايل فيه لم يصحّ اشتراط الخيار فيه ؛ لأنّه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراضٍ منهما ، فالالتزام حين العقد لسلطنة أحدهما عليه لا يحدث له أثراً ؛ لما عرفت : من أنّ الالتزام حين العقد لا يفيد إلاّ فائدة الرضا الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه ، ولا يجعل الفسخ مؤثّراً شرعيّاً ، والله العالم.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨١ ، والتذكرة ١ : ٥٢٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٨١.

١٥٦

خيار الغبن‌

الغبن لغة واصطلاحا

واصلة الخديعة ، قال في الصحاح : هو بالتسكين في البيع ، و (١) بالتحريك في الرأي (٢).

وهو في اصطلاح الفقهاء : تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر. وتسمية المملّك غابناً والآخر مغبوناً ، مع أنّه قد لا يكون خَدْعٌ أصلاً كما لو كانا جاهلين لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة على وجه الخَدْع.

والمراد بما يزيد أو ينقص : العوض مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط ، فلو باع ما يسوي (٣) مائة دينار بأقلّ منه مع اشتراط الخيار للبائع ، فلا غبن ؛ لأنّ المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنُه عن المبيع بالبيع اللازم ، وهكذا غيره من الشروط.

والظاهر أنّ كون الزيادة ممّا لا يتسامح به شرطٌ خارجٌ عن‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «الغبن».

(٢) الصحاح ٦ : ٢١٧٢ ، مادة «غبن».

(٣) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «ما يساوي».

١٥٧

مفهومه ، بخلاف الجهل بقيمته.

ثمّ إنّ ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الأصحاب ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا (١) ، وعن نهج الحقّ نسبته إلى الإماميّة (٢) ، وعن الغنية والمختلف الإجماع عليه صريحاً (٣). نعم ، المحكيّ عن المحقّق قدس‌سره في درسه إنكاره (٤). ولا يعدّ ذلك خلافاً في المسألة ، كسكوت جماعةٍ عن التعرّض له.

نعم ، حكي عن الإسكافي منعه (٥). وهو شاذٌّ.

الاستدلال بآية (تجارة عن تراض) على هذا الخيار

واستدلّ في التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٦) قال : ومعلومٌ أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض (٧). وتوجيهه : أنّ رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضاً عمّا يدفعه مبنيٌّ على عنوانٍ مفقودٍ ، وهو عدم نقصه عنه في الماليّة ، فكأنه قال : «اشتريت هذا الذي يسوي (٨) درهماً بدرهمٍ» فإذا تبيّن أنّه لا يسوي (٩) درهماً تبيّن أنّه لم يكن راضياً به عوضاً ، لكن لمّا كان المفقود صفةً‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٢) نهج الحقّ وكشف الصدق : ٤٨١.

(٣) الغنية : ٢٢٤ ، والمختلف ٥ : ٤٤.

(٤) حكاه الشهيد في الدروس ٣ : ٢٧٥.

(٥) حكاه عنه الشهيد في الدروس ٣ : ٢٧٥ ، بهذه العبارة : «ويظهر من كلام ابن الجنيد».

(٦) النساء : ٢٩.

(٧) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٨) في «ش» : «يساوي».

(٩) في «ش» : «يساوي».

١٥٨

من صفات المبيع لم يكن تبيّن فقده كاشفاً عن بطلان البيع ، بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبيّن فقدها إلاّ الخيار ، فراراً عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به ، فالآية إنّما تدلّ على عدم لزوم العقد ، فإذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي كان كالرضا السابق ؛ لفحوى حكم الفضولي والمُكره.

ويضعّف بمنع كون الوصف المذكور عنواناً ، بل ليس إلاّ من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلّفه شيئاً ، بل قد لا يكون داعياً أيضاً. كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليّته ، فقد يُقدم على أخذ الشي‌ء وإن كان ثمنه أضعاف قيمته والتفت إلى احتمال ذلك ، مع أنّ أخذه على وجه التقييد لا يوجب خياراً إذا لم يذكر في متن العقد.

الأولى الاستدلال عليه بآية (ولا تأكلوا أموالكم)

ولو أبدل قدس‌سره هذه الآية بقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) كان أولى ، بناءً على أنّ أكل المال على وجه الخَدْع ببيع ما يسوي درهماً بعشرةٍ مع عدم تسلّط المخدوع بعد تبيّن خدعه على ردّ المعاملة وعدم نفوذ ردّه أكلُ المال بالباطل ، أمّا مع رضاه بعد التبيّن بذلك فلا يُعدّ أكلاً بالباطل.

ومقتضى الآية وإن كان حرمة الأكل حتّى قبل تبيّن الخَدْع ، إلاّ أنّه خرج بالإجماع وبقي ما بعد اطّلاع المغبون وردِّه للمعاملة.

لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بناءً على ما ذكرنا : من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي ،

__________________

(١) البقرة : ١٨٨.

١٥٩

فمع التكافؤ يرجع إلى أصالة اللزوم. إلاّ أن يقال : إنّ التراضي مع الجهل بالحال لا يخرج (١) عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلاً بالباطل.

ويمكن أن يقال : إنّ آية التراضي يشمل غير صورة الخَدْع ، كما إذا أقدم المغبون على شراء العين محتمِلاً لكونه بأضعاف قيمته ، فيدلّ على نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضٍ (٢) ، فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل ، فتعارض مع آية النهي ، المختصّة بصورة الخَدْع ، الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل ، فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل وتكافئهما إلى أصالة اللزوم.

ما استدل به في التذكرة والمناقشة فيه

واستدلّ أيضاً في التذكرة : بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثبت الخيار في تلقّي الركبان وإنّما أثبته للغبن (٣). ويمكن أن يمنع صحّة حكاية إثبات الخيار ؛ لعدم (٤) وجودها في الكتب المعروفة بين الإماميّة ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

__________________

(١) كذا في «ق» ، لكن قال الشهيدي قدس‌سره بعد أن ذكر العبارة بصيغة الإثبات وبيان الغرض منها ـ : «فما استشكل به سيّدنا الأُستاذ قدس‌سره على العبارة ناشٍ عن الغلط في نسخته من حيث اشتمالها على كلمة" لا" قبل" يخرج"» ، هداية الطالب : ٤٥٤ ، وراجع حاشية السيّد اليزدي في مبحث الخيارات : ٣٥ ، ذيل قول المؤلّف : إلاّ أن يقال ..

(٢) في «ش» : «معارضة».

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ف» ، وفي «ق» : «وعدم».

١٦٠