كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّه المصطفى وأهل بيته الطاهرين.

أمّا بعد :

فقد تمّ بعون الله وفضله تحقيق القسم الثالث من كتاب المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره الذي تضمّن مباحث الخيارات والنقد والنسيئة والقبض ، بعد أن أكملنا القسمين الأوّلين منه ، وهما : المكاسب المحرّمة والبيع.

وقد أشرنا في مقدّمة الجزء الأوّل إلى حصولنا على مصوّرة النسخة الأصليّة لقسم الخيارات من مكتبة الإمام الرضا عليه‌السلام بمشهد المقدّسة. وذكرنا خصوصيّاتها وأنّا رمزنا لها ب «ق».

وبناءً على ما تقدّم كان عملنا في هذا القسم وفقاً للآتي :

أوّلاً : اكتفينا في تحقيق هذا القسم وهو قسم الخيارات ومباحث النقد والنسيئة والقبض بالنسخة الأصليّة «ق» ونسخة «ش» ، أمّا سائر النسخ فلم نُشر إليها إلاّ عند الضرورة.

ثانياً : رجّحنا نسخة الأصل على غيرها عند الاختلاف إلاّ إذا‌

٧

ثبت خطؤها فرجّحنا غيرها مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.

ثالثاً : أثبتنا الزيادات الضروريّة من نسخة «ش» أو غيرها في المتن بين معقوفتين ، وجعلنا غيرها في الهامش.

رابعاً : لم نذكر الزيادات أو الاختلافات التي ثبت كونها مغلوطة أو كانت خالية من الفائدة.

خامساً : افتقدت نسخة الأصل بعض الصفحات فأبدلناها بنسخة «ف» ؛ لأنّها كانت أقرب النسخ إلى الأصل.

وبذلك جاء هذا القسم من كتاب المكاسب بحمد الله أقرب إلى الأصل ، بل مطابقاً معه.

وأخيراً نودّ أن نوجّه شكرنا لجميع الإخوة الذين بذلوا جهودهم في إصدار الكتاب ضمن مجموعة تراث الشيخ الأعظم قدس‌سره جامعاً بين الدقّة في التحقيق والجودة في الإخراج ، سواء الذين ذكرناهم في مقدّمة الجزء الأوّل ومن اشتركوا معهم بعد ذلك ، سيّما حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد حسين الأحمدي الشاهرودي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مسؤول لجنة التحقيق

محمّد علي الأنصاري‌

٨

القول

في الخيار

وأقسامه وأحكامه‌

٩

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

١٠

القول

في الخيار

وأقسامه وأحكامه‌

مقدّمتان :

الاولى

في معنى الخيار

الخيار لغةً : اسم مصدرٍ من «الاختيار» ، غُلّب في كلمات جماعةٍ من المتأخّرين في «مِلْكِ فسخ العقد» (١) على ما فسّره به في موضعٍ من الإيضاح (٢) ، فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة وفي عقد الفضولي ، وملك الوارث ردَّ العقد على ما زاد على الثلث ، وملك العمّة والخالة لفسخ العقد على بنت الأخ والأُخت ، وملك الأمة المزوّجة من عبدٍ فسخ العقد إذا أُعتقت ، وملك كلٍّ من الزوجين للفسخ بالعيوب.

ولعلّ التعبير ب «المِلْك» للتنبيه على أنّ الخيار من الحقوق لا من‌

__________________

(١) لم نعثر عليه إلاّ في كلام فخر المحقّقين قدس‌سره في الإيضاح ، الذي ذكره المؤلّف رحمه‌الله.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٢.

١١

الأحكام ، فيخرج ما كان من قبيل الإجازة والردّ لعقد الفضولي والتسلّط على فسخ العقود الجائزة ، فإنّ ذلك من الأحكام الشرعيّة لا من الحقوق ؛ ولذا لا تورّث ولا تسقط بالإسقاط.

تعريف آخر للخيار والمناقشة فيه

وقد يعرّف بأنّه : مِلْك إقرار العقد وإزالته (١).

ويمكن الخدشة فيه بأنّه :

إن أُريد من «إقرار العقد» إبقاؤه على حاله بترك الفسخ ، فذكره مستدرَكٌ ؛ لأنّ القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه ؛ إذ القدرة لا تتعلّق بأحد الطرفين.

وإن أُريد منه إلزام العقد وجعله غير قابلٍ لأن يفسخ ، ففيه : أنّ مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار ، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار ، مع أنّ ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ جعله لازماً مطلقاً ، فينتقض بالخيار المشترك ، فإنّ لكلٍّ منهما إلزامه من طرفه لا مطلقاً.

إطلاق الخيار في الاخبار

ثمّ إنّ ما ذكرناه من معنى الخيار هو المتبادر منه (٢) عند الإطلاق في كلمات المتأخّرين ، وإلاّ فإطلاقه في الأخبار (٣) وكلمات الأصحاب على سلطنة الإجازة والردّ لعقد الفضولي وسلطنة الرجوع في الهبة وغيرهما من أفراد السلطنة شائع.

__________________

(١) عرّفه بذلك الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٤٣ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٨ : ١٧٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣.

(٢) في «ش» زيادة : «عرفاً».

(٣) راجع الوسائل ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١ و ٢ ، و ١٣ : ٣٣٦ ، الباب ٤ من أبواب أحكام الهبات ، الحديث ٦.

١٢

الثانية

الأصل في البيع اللزوم

ذكر غير واحدٍ (١) تبعاً للعلاّمة في كتبه (٢) : أنّ الأصل في البيع اللزوم. قال في التذكرة : الأصل في البيع اللزوم ؛ لأنّ الشارع وضعه [مفيداً (٣)] لنقل الملك ، والأصل الاستصحاب ، والغرض تمكّن كلٍّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه ، وإنّما يتمّ باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه (٤) ، انتهى.

معاني الأصل

١ ـ الراجح

أقول : المستفاد من كلمات جماعةٍ أنّ الأصل هنا قابلٌ لإرادة معانٍ‌

الأوّل : الراجح ، احتمله في جامع المقاصد مستنداً في تصحيحه إلى الغلبة (٥).

__________________

(١) منهم : الشهيد قدس‌سره في القواعد والفوائد ٢ : ٢٤٢ ، القاعدة ٢٤٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٤٤ ، والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٩٢ بلفظ : «الأصل في العقود اللزوم» وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣.

(٢) لم نقف عليه في كتبه ، عدا القواعد ٢ : ٦٤ ، والتذكرة التي ذكرها المؤلف قدس‌سره.

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) التذكرة ١ : ٥١٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٢٨٢.

١٣

وفيه : أنّه إن أراد غلبة الأفراد ، فغالبها ينعقد جائزاً لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط ، وإن أراد غلبة الأزمان ، فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة ؛ مع أنّه لا يناسب ما في القواعد من قوله : وإنّما يخرج من الأصل لأمرين : ثبوتِ خيارٍ أو ظهورِ عيب (١).

٢ ـ القاعدة المستفادة من العمومات

الثاني : القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشكّ في بعض الأفراد أو بعض الأحوال‌ (٢).

وهذا حسنٌ ، لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الأصل.

٣ ـ الاستصحاب

الثالث : الاستصحاب‌ (٣) ، ومرجعه إلى أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرّد فسخ أحدهما.

وهذا حسنٌ.

٤ ـ المعنى اللغوي

الرابع : المعنى اللغوي ، بمعنى أنّ وضع البيع وبناءَه عرفاً وشرعاً على اللزوم وصيرورة المالك الأوّل كالأجنبي ، وإنّما جعل الخيار فيه حقّا خارجيّاً لأحدهما أو لهما ، يسقط بالإسقاط وبغيره. وليس البيع كالهبة التي حَكَم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب ، بمعنى كونه حكماً شرعيّاً له أصلاً وبالذات بحيث لا يقبل الإسقاط (٤).

__________________

(١) القواعد ٢ : ٦٤.

(٢) أشار إليه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣ بلفظ : «ويمكن كونه بمعنى القاعدة».

(٣) صرّح بذلك العلاّمة قدس‌سره في عبارته المتقدّمة عن التذكرة.

(٤) قال الشهيدي قدس‌سره : «قد حكي هذا الوجه عن السيّد الصدر في مقام توجيه مراد الشهيد قدس‌سره من قوله : " الأصل في البيع اللزوم" كي يندفع عنه إيراد الفاضل التوني عليه بإنكاره الأصل ، لأجل خيار المجلس» ، (هداية الطالب : ٤٠٦) ، وراجع شرح الوافية (مخطوط) : ٣٢٣.

١٤

ومن هنا ظهر : أنّ ثبوت خيار المجلس في أوّل أزمنة انعقاد البيع لا ينافي كونه في حدّ ذاته مبنيّاً على اللزوم ؛ لأنّ الخيار حقٌّ خارجيٌّ قابلٌ للانفكاك. نعم ، لو كان في أوّل انعقاده محكوماً شرعاً بجواز الرجوع بحيث يكون حكماً فيه ، لا حقّا مجعولاً قابلاً للسقوط ، كان منافياً لبنائه على اللزوم. فالأصل هنا كما قيل (١) نظير قولهم : إنّ الأصل في الجسم الاستدارة ، فإنّه لا ينافي كون أكثر الأجسام على غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي.

وممّا ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية ، حيث أنكر هذا الأصل لأجل خيار المجلس (٢). إلاّ أن يريد أنّ الأصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم ، وسيأتي ما فيه.

معنى قول العلّامة : إنّه لا يخرج من هذا الاصل إلّا بأمرين

بقي الكلام في معنى قول العلاّمة في القواعد والتذكرة : «إنّه لا يخرج من هذا الأصل إلاّ بأمرين : ثبوت خيارٍ ، أو ظهور عيب». فإنّ ظاهره أنّ ظهور العيب سببٌ لتزلزل البيع في مقابل الخيار ، مع أنّه من أسباب الخيار.

وتوجيهه بعطف الخاصّ على العامّ كما في جامع المقاصد (٣) غير ظاهر ؛ إذ لم يعطف العيب على أسباب الخيار ، بل عطف على نفسه ، وهو مباينٌ له لا أعمّ.

نعم ، قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله : وإنّما يخرج عن‌

__________________

(١) نسبه الشهيدي إلى شارح الوافية ، انظر شرح الوافية (مخطوط) : ٣٢٣.

(٢) الوافية : ١٩٨.

(٣) لم يصرّح بذلك ، نعم يستفاد من عبارته ، انظر جامع المقاصد ٤ : ٢٨٢.

١٥

الأصل بأمرين : أحدهما : ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقصٍ في أحد العوضين ، بل للتروّي خاصّةً. والثاني : ظهور عيبٍ في أحد العوضين (١) ، انتهى.

توجيه كلام العلّامة والمناقشة فيه

وحاصل التوجيه على هذا ـ : أنّ الخروج عن اللزوم لا يكون إلاّ بتزلزل العقد لأجل الخيار ، والمراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتاً بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين ، لا لاقتضاء نقصٍ في أحد العوضين ، وبظهور العيب ما كان الخيار لنقص أحد العوضين.

لكنّه مع عدم تمامه تكلّفٌ في عبارة القواعد ؛ مع أنّه في التذكرة ذكر في الأمر الأوّل الذي هو الخيار فصولاً سبعة بعدد أسباب الخيار ، وجعل السابع منها خيار العيب ، وتكلّم فيه كثيراً (٢). ومقتضى التوجيه : أن يتكلّم في الأمر الأوّل فيما عدا خيار العيب.

توجيه آخر

ويمكن توجيه ذلك : بأنّ العيب سببٌ مستقلٌّ لتزلزل العقد في مقابل الخيار ، فإنّ نفس ثبوت الأرش بمقتضى العيب وإن لم يثبت خيار الفسخ ، موجبٌ لاسترداد جزءٍ من الثمن ، فالعقد بالنسبة إلى جزءٍ من الثمن متزلزلٌ قابلٌ لإبقائه في ملك البائع وإخراجه عنه ، ويكفي في تزلزل العقد مِلْكُ إخراجِ جزءٍ ممّا مَلِكَه البائع بالعقد عن مِلْكِه. وإن شئت قلت : إنّ مرجع ذلك إلى مِلْك فسخ العقد الواقع على مجموع العوضين من حيث المجموع ، ونقض مقتضاه من تملك كلٍّ من مجموع العوضين في مقابل الآخر.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٥.

(٢) انظر التذكرة ١ : ٥١٥ و ٥٢٤.

١٦

لكنّه مبنيٌّ على كون الأرش جزءاً حقيقيّا من الثمن كما عن بعض العامّة (١) ليتحقّق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.

وقد صرّح العلاّمة في كتبه : بأنّه لا يعتبر في الأرش كونه جزءاً من الثمن ، بل له إبداله ؛ لأنّ الأرش غرامة (٢). وحينئذٍ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلاً في العقد.

رجوع إلى معاني «الأصل»

ثمّ إنّ «الأصل» بالمعنى الرابع إنّما ينفع مع الشكّ في ثبوت خيارٍ في خصوص البيع ؛ لأنّ الخيار حقٌّ خارجيٌّ يحتاج ثبوته إلى الدليل. أمّا لو شكّ في عقدٍ آخر من حيث اللزوم والجواز فلا يقتضي ذلك الأصل لزومه ؛ لأنّ مرجع الشكّ حينئذٍ إلى الشكّ في الحكم الشرعي.

وأمّا الأصل بالمعنى الأوّل فقد عرفت عدم تمامه.

وأمّا بمعنى الاستصحاب فيجري في البيع وغيره إذا شكّ في لزومه وجوازه.

الأدلة على أصالة اللزوم

وأمّا بمعنى القاعدة فيجري في البيع وغيره ؛ لأنّ أكثر العمومات الدالّة على هذا المطلب يعمّ غير البيع ، وقد أشرنا في مسألة المعاطاة إليها ، ونذكرها هنا تسهيلاً على الطالب :

الاستدلال بآية أوفوا بالعقود

فمنها : قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) دلّ على وجوب الوفاء بكلّ عقد. والمراد بالعقد : مطلق العهد كما فسّر به في صحيحة ابن سنان المرويّة في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) أو ما يسمّى عقداً لغةً‌

__________________

(١) حكاه العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٢٨.

(٢) لم نقف عليه في غير التذكرة ١ : ٥٢٨.

(٣) المائدة : ١.

(٤) تفسير القمّي ١ : ١٦٠.

١٧

وعرفاً. والمراد بوجوب الوفاء : العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب دلالته اللفظيّة ، نظير الوفاء بالنذر ، فإذا دلّ العقد مثلاً على تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك (١) من ترتيب آثار ملكيّة ذلك الغير له ، فأخذه من يده بغير رضاه والتصرّف فيه كذلك نقضٌ لمقتضى ذلك العهد ، فهو حرام.

فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضاً لمضمون العقد ومنها التصرّفات الواقعة بعد فسخ المتصرّف من دون رضا صاحبه كان هذا لازماً مساوياً للزوم العقد وعدم انفساخه بمجرّد فسخ أحدهما ، فيستدلّ بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر ، وهو معنى اللزوم (٢).

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قيل : من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد : العملُ بما يقتضيه من لزومٍ وجواز (٣) ، فلا يتمّ الاستدلال به على اللزوم.

توضيح الضعف : أنّ اللزوم والجواز من الأحكام الشرعيّة للعقد ، وليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم ، هذا المعنى أعني : وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه يصير بدلالة الآية حكماً شرعيّاً للعقد ، مساوياً للّزوم.

وأضعف من ذلك : ما نشأ من عدم التفطّن لوجه دلالة الآية على‌

__________________

(١) في «ق» كُتب على «التمليك» : «العقد».

(٢) في «ش» وهامش «ف» زيادة : «بل قد حُقِّق في الأُصول : أن لا معنى للحكم الوضعي إلاّ ما انتزع من الحكم التكليفي».

(٣) قاله العلاّمة قدس‌سره في المختلف ٦ : ٢٥٥.

١٨

اللزوم مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور وهو (١) : أنّ المفهوم من الآية عرفاً حكمان : تكليفيٌّ ووضعيٌّ (٢).

وقد عرفت أن ليس المستفاد منها إلاّ حكمٌ واحدٌ تكليفيٌّ يستلزم حكماً وضعيّاً (٣).

الاستدلال بآية (أحل الله البيع)

ومن ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٤) على اللزوم ، فإنّ حلّية البيع التي لا يراد منها إلاّ حلّية جميع التصرّفات المترتّبة عليه التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضا الآخر مستلزمةٌ لعدم تأثير ذلك الفسخ وكونه لغواً غير مؤثّر.

الاستدلال بآية (تجارة عن تراض)

ومنه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلّية أكل المال بالتجارة عن تراضٍ (٥) ، فإنّه يدلّ على أنّ التجارة سببٌ لحلّية التصرّف بقولٍ مطلق حتّى بعد فسخ أحدهما من دون رضا الآخر.

فدلالة الآيات الثلاث على أصالة اللزوم على نهجٍ واحد ، لكن الإنصاف أنّ في دلالة الآيتين بأنفسهما على اللزوم نظراً (٦).

__________________

(١) يعني : ما نشأ من عدم التفطّن.

(٢) لم نقف على قائله.

(٣) راجع الصفحة المتقدّمة.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) المستفاد من قوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) النساء : ٢٩.

(٦) في «ش» بدل قوله «لكنّ الإنصاف .. إلخ» عبارة : «لكن يمكن أن يقال : إنّه إذا كان المفروض الشكّ في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين الأخيرتين لم يمكن التمسّك في رفعه إلاّ بالاستصحاب ، ولا ينفع الإطلاق». وقد وردت هذه العبارة في «ف» في الهامش.

١٩

الاستدلال بآية أكل المال بالباطل

ومنها : قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) دلّ على حرمة الأكل بكلّ وجهٍ يسمّى باطلاً عرفاً ، وموارد ترخيص الشارع ليس من الباطل ، فإنّ أكل المارّة من ثمر (٢) الأشجار التي يمرّ بها باطلٌ لولا إذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه ، وكذلك الأخذ بالشفعة والخيار ؛ فإنّ رخصة الشارع في الأخذ بهما (٣) يكشف عن ثبوت حقٍّ لذوي الخيار والشفعة ؛ وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ أخذ مال الغير وتملّكه من دون إذن صاحبه باطلٌ عرفاً.

نعم ، لو دلّ الشارع على جوازه كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حقٍّ للفاسخ متعلّقٍ بالعين.

الاستدلال بروايتي لا يحل مال امرئ مسلم والناس مسلطون

وممّا ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٤).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٥) فإنّ مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع : أن لا يجوز أخذه من يده وتملّكه عليه من دون رضاه ؛ ولذا استدلّ المحقّق في الشرائع على عدم جواز رجوع المقرض فيما أقرضه : بأنّ فائدة الملك التسلّط (٦). ونحوه العلاّمة‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٨.

(٢) في «ش» : «ثمرة».

(٣) في ظاهر «ق» : «بها» ، ولعلّه من سهو القلم.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩ ، و ٤٥٧ ، الحديث ١٩٨.

(٦) الشرائع ٢ : ٦٨.

٢٠