كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

نعم ، يمكن أن يقال هنا : إنّ المتبادر من جعل الخيار جعله في زمانٍ لولا الخيار لزم العقد ، كما أشار إليه في السرائر ، لكن لو تمّ هذا لاقتضى كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة ، مع أنّ هذا إنّما يتمّ مع العلم بثبوت خيار المجلس ، وإلاّ فمع الجهل به لا يقصد إلاّ الجعل من حين العقد ، بل الحكم بثبوته من حين التفرّق حكمٌ على المتعاقدين بخلاف قصدهما.

١٢١

مسألة

جعل الخيار للأجنبي

يصحّ جعل الخيار لأجنبيٍّ.

قال في التذكرة : لو باع العبد وشرط الخيار للعبد صحّ البيع والشرط عندنا (١) (٢). وحكي عنه الإجماع في الأجنبيّ (٣) ، قال : لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ (٤) ولو جعل الخيار لمتعدّدٍ ، كان كلٌّ منهم ذا خيار ، فإن اختلفوا في الفسخ والإجازة قدّم الفاسخ ؛ لأنّ مرجع الإجازة إلى إسقاط خيار المجيز ؛ بخلاف ما لو وكّل جماعةً في الخيار ، فإنّ النافذ هو التصرّف (٥) السابق ؛ لفوات محلّ الوكالة بعد ذلك.

وعن الوسيلة : أنّه إذا كان الخيار لهما واجتمعا على فسخٍ أو‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «معاً».

(٢) راجع التذكرة ١ : ٥٢١.

(٣) حكى عنه ذلك السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٢ ، وراجع التذكرة ١ : ٥٢١ ، وفيه : «عندنا».

(٤) راجع التذكرة ١ : ٥٢١.

(٥) في «ش» : «تصرّف».

١٢٢

إمضاءٍ نفذ ، وإن لم يجتمعا بطل. وإن كان لغيرهما ورضي نفذ البيع ، وإن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء (١) ، انتهى.

وفي الدروس : يجوز اشتراطه لأجنبيٍّ منفرداً ولا اعتراض عليه ، ومعهما أو مع أحدهما ، ولو خولف أمكن اعتبار فعله ، وإلاّ لم يكن لذكره فائدةٌ (٢) ، انتهى.

أقول (٣) : لو لم يمض فسخ الأجنبيّ مع إجازته والمفروض عدم مضيّ إجازته مع فسخه ، لم يكن لذكر الأجنبيّ فائدة.

هل يجب على الأجنبي أن يراعي مصلحة الجاعل؟

ثمّ إنّه ذكر غير واحدٍ : أنّ الأجنبيّ يراعي المصلحة للجاعل (٤). ولعلّه لتبادره من الإطلاق ، وإلاّ فمقتضى التحكيم نفوذ حكمه على الجاعل من دون ملاحظة [مصلحة (٥)] ، فتعليل وجوب مراعاة الأصلح بكونه أميناً لا يخلو عن نظر.

ثمّ إنّه ربما يتخيّل : أنّ اشتراط الخيار للأجنبيّ مخالفٌ للمشروع ، نظراً إلى أنّ الثابت في الشرع صحّة الفسخ بالتفاسخ ، أو بدخول الخيار بالأصل كخياري المجلس والشرط ، أو بالعارض كخيار الفسخ بردّ الثمن لنفس المتعاقدين.

__________________

(١) حكاه في الجواهر ٢٣ : ٣٤ ، وراجع الوسيلة : ٢٣٨.

(٢) الدروس ٣ : ٢٦٨.

(٣) في «ش» زيادة : «و».

(٤) منهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣٥.

(٥) لم يرد في «ق».

١٢٣

وهو ضعيفٌ بمنع (١) اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعاً ولا عقلاً ، بل المعتبر فيه تعلّق حقّ الفاسخ بالعقد أو بالعين وإن كان أجنبيّا ؛ فحينئذٍ يجوز للمتبايعين اشتراط حقٍّ للأجنبيّ في العقد ؛ وسيجي‌ء نظيره في إرث الزوجة للخيار مع عدم إرثها من العين (٢).

__________________

(١) في «ش» : «لمنع».

(٢) انظر الجزء السادس ، الصفحة ١١١ ١١٤.

١٢٤

مسألة

جواز اشتراط استئمار الأجنبي

يجوز لهما اشتراط الاستئمار ، بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي في أمر العقد فيأتمر بأمره ، أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداءً.

وعلى الأوّل : فإن فسخ المشروط عليه من دون استئمارٍ لم ينفذ. ولو استأمره ، فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعاً ، إذ الغرض من الشرط ليس مجرّد الاستئمار ، بل الالتزام بأمره ؛ مع أنّه لو كان الغرض مجرّد ذلك لم يوجب ذلك أيضاً ملك الفسخ. وإن أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ ، بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذٍ ، إذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه ، أمّا مع عدم رضا الآخر بالفسخ فواضحٌ ، إذ المفروض أنّ الثالث لا سلطنة له على الفسخ والمتعاقدان لا يريدانه ، وأمّا مع طلب الآخر للفسخ فلأنّ وجوب الفسخ حينئذٍ على المستأمر بالكسر راجعٌ إلى حقٍّ لصاحبه عليه ، فإن اقتضى اشتراط الاستئمار ذلك الحقّ [على صاحبه (١)] عرفاً ، فمعناه سلطنة صاحبه على الفسخ ، فيرجع اشتراط الاستئمار إلى شرطٍ لكلٍّ منهما على صاحبه.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

١٢٥

والحاصل : أنّ اشتراط الاستئمار من واحدٍ منهما على صاحبه إنّما يقتضي ملكه للفسخ إذا أذن له الثالث المستأمر ، واشتراطه لكلٍّ منهما على صاحبه يقتضي ملك كلِّ واحدٍ منهما للفسخ عند الإذن.

وممّا ذكرنا يتّضح حكم الشقّ الثاني ، وهو الائتمار بأمره الابتدائي ، فإنّه إن كان شرطاً لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به ، وإن كان لكلٍّ منهما ملكا كذلك.

هل يعتبر مراعاة المستأمر للمصلحة؟

ثمّ في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة وعدمه وجهان ، [أوجههما (١)] العدم إن لم يستفد الاعتبار من إطلاق العقد بقرينةٍ حاليّةٍ أو مقاليّةٍ.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

١٢٦

مسألة

بيع الخيار

من أفراد خيار الشرط : ما يضاف البيع إليه ، ويقال له : «بيع الخيار» ، وهو جائزٌ عندنا كما في التذكرة (١) ، وعن غيرها : الإجماع عليه (٢).

معنى بيع الخيار

وهو : أن يبيع شيئاً ويشترط الخيار لنفسه مدّةً بأن يردّ الثمن فيها ويرتجع المبيع.

ما يدلّ عليه

والأصل فيه بعد العمومات المتقدّمة في الشرط (٣) النصوص المستفيضة.

منها : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : «سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ، وقد سأله : رجلٌ مسلمٌ احتاج إلى بيع داره ، فمشى إلى أخيه فقال له : أبيعك داري هذه ويكون لك أحبّ إليّ من أن يكون لغيرك ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢١.

(٢) كما في جامع المقاصد ٤ : ٢٩٣ ، والمسالك ٣ : ٢٠٢ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٥.

(٣) تقدّمت في الصفحة ١١١ ١١٢ وغيرها.

١٢٧

على أن تشترط لي أنّي إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردّها عليَّ؟ قال : لا بأس بهذا ، إن جاء بثمنها ردّها عليه. قلت : أرأيت لو كان للدار غلّةٌ لمن تكون؟ قال : للمشتري ، ألا ترى أنّها لو احترقت كانت من ماله» (١).

ورواية معاوية بن ميسرة ، قال : «سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ باع داراً [له (٢)] من رجلٍ ، وكان بينه وبين الذي اشترى [منه (٣)] الدار خلطةٌ ، فشرط : أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ، فأتاه بماله؟ قال : له شرطه. قال له أبو الجارود : فإنّ هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين؟ قال : هو ماله ؛ وقال عليه‌السلام : أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري» (٤).

وعن سعيد بن يسار في الصحيح ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نخالط أُناساً من أهل السواد وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم في العشرة اثنى عشر وثلاثة عشر ، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا رجلٌ منهم على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً بأنّه باع وقبض الثمن منه ، فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقتٍ بيننا وبينهم أن نردّ عليه الشراء ، فإن جاء الوقت‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٥ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٥ ٣٥٦ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

١٢٨

ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ، فما ترى في هذا الشراء؟ قال : أرى أنّه لك إن لم يفعله ، وإن جاء بالمال (١) فرُدّ عليه» (٢).

وعن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن بعت رجلاً على شرطٍ ، فإن أتاك بمالك ، وإلاّ فالبيع لك» (٣).

إذا عرفت هذا‌ فتوضيح المسألة يتحقّق بالكلام في أُمور :

الأوّل

أنحاء اشتراط ردّ الثمن في بيع الخيار

أنّ اعتبار ردّ الثمن في هذا الخيار يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يؤخذ قيداً للخيار على وجه التعليق أو التوقيت ، فلا خيار قبله ، ويكون مدّة الخيار منفصلةً دائماً عن العقد ولو بقليل ، ولا خيار قبل الردّ. والمراد بردّ الثمن : فعل ما له دخلٌ في القبض من طرفه وإن أبى المشتري.

الثاني : أن يؤخذ قيداً للفسخ بمعنى أنّ له الخيار في كلّ جزءٍ من المدّة المضروبة والتسلّط على الفسخ على وجه مقارنته لردّ الثمن أو تأخّره عنه.

الثالث : أن يكون ردّ الثمن فسخاً فعليّاً ، بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملّك منه المبيع.

وعليه حَمَل في الرياض ظاهرَ الأخبار الدالّة على عود المبيع‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «المؤقّت» ، والموجود في المصادر الحديثيّة : «للوقت».

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٤ ، الباب ٧ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٣) نفس المصدر ، الحديث ٢.

١٢٩

بمجرّد ردّ الثمن (١).

الرابع : أن يؤخذ ردّ الثمن قيداً لانفساخ العقد ، فمرجع ثبوت الخيار له إلى كونه مسلّطاً على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ.

وهذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة (٢) ، ويحتمل الثالث ، كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار وموثّقة إسحاق بن عمّار (٣).

وعنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار أصلاً ، وإنّما ذكره في أمثلة الشروط الجائزة في متن العقد ، قال : أن يبيع ويشترط على المشتري إن ردّ الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له (٤) ، انتهى.

الخامس : أن يكون ردّ الثمن شرطاً لوجوب الإقالة على المشتري ، بأن يلتزم المشتري على نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن واستقاله. وهو ظاهر الوسيلة ، حيث قال : إذا باع شيئاً على أن يقيله في وقت كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدّة (٥) ، انتهى.

وحينئذٍ (٦) فإن أبى أجبره الحاكم أو أقال عنه ، وإلاّ استقلّ بالفسخ.

وهو محتمل روايتي سعيد بن يسار وإسحاق بن عمّار على أن‌

__________________

(١) الرياض ٨ : ١٨٩.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ١٢٨.

(٣) تقدّمتا في الصفحة ١٢٧ ١٢٨.

(٤) الغنية : ٢١٥.

(٥) الوسيلة : ٢٤٩.

(٦) لم ترد «وحينئذٍ» في «ش».

١٣٠

يكون «ردّ المبيع إلى البائع» فيهما كنايةً عن ملزومه وهي الإقالة ، لا أن يكون وجوب الردّ كنايةً عن تملّك البائع للمبيع بمجرّد فسخه بعد ردّ الثمن على ما فهمه الأصحاب (١) ، ومرجعه إلى أحد الأوّلين.

والأظهر في كثيرٍ من العبارات مثل الشرائع والقواعد والتذكرة (٢) هو الثاني.

صحّة الأنحاء المذكورة عدا الاربع

لكن الظاهر صحّة الاشتراط بكلٍّ من الوجوه الخمسة عدا الرابع ؛ فإنّ فيه إشكالاً من جهة أنّ انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاءٍ فعليٍّ أو قوليٍّ يشبه انعقاده بنفسه في مخالفة المشروع من توقّف المسبَّبات على أسبابها الشرعيّة ؛ وسيجي‌ء في باب الشروط ما يتّضح به صحّة ذلك وسقمه (٣).

الثاني (٤)

أنحاء الثمن المشروط ردّه لفسخ البيع وحكم كلّ واحدٍ منها

الثمن المشروط ردُّه : إمّا أن يكون في الذمّة ، وإمّا أن يكون معيّناً. وعلى كلّ تقديرٍ : إمّا أن يكون قد قبضه ، وإمّا أن (٥) لم يقبضه.

فإن لم يقبضه فله الخيار وإن لم يتحقّق ردّ الثمن ؛ لأنّه شرطٌ على تقدير قبضه. وإن لم يفسخ حتّى انقضت المدّة لزم البيع. ويحتمل العدم ؛ بناءً على أنّ اشتراط الردّ بمنزلة اشتراط القبض [قبله (٦)].

__________________

(١) راجع المقابس : ٢٤٨ ، والمصابيح (مخطوط) : ١٣٧.

(٢) راجع الشرائع ٢ : ٢٢ ، والقواعد ٢ : ٦٦ ، والتذكرة ١ : ٥٢١.

(٣) انظر الجزء السادس ، الصفحة ٥٩ ٦٠.

(٤) في «ش» وهامش «ف» : «الأمر الثاني» ، وكذا في الموارد الآتية.

(٥) لم ترد «أن» في «ش».

(٦) لم يرد في «ق».

١٣١

وإن قبض الثمن المعيّن :

فإمّا أن يشترط ردّ عينه.

أو يشترط ردّ ما يعمّ بدله مع عدم التمكّن من العين بسببٍ لا منه ، أو مطلقاً ، أو ولو مع التمكّن منه ، على إشكالٍ في الأخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعاً بل لغةً ردّ العين مع الإمكان. وفي جواز اشتراط ردّ القيمة في المثلي والعكس (١) وجهان.

وإمّا أن يطلق.

فعلى الأوّل ، لا خيار إلاّ بردّ العين ، فلو تلف لا من البائع فالظاهر عدم الخيار ، إلاّ أن يكون إطلاق اشتراط ردّ العين في الخيار لإفادة سقوطه بإتلاف البائع ، فيبقى الخيار في إتلاف غيره على حاله. وفيه نظر.

وعلى الثاني ، فله ردّ البدل في موضع صحّة الاشتراط.

وأمّا الثالث ، فمقتضى ظاهر الشرط فيه ردّ العين. ويظهر من إطلاق محكيّ الدروس وحاشية الشرائع : أنّ الإطلاق لا يحمل على العين (٢). ويحتمل حمله على الثمن الكلّي ، وسيأتي (٣).

__________________

(١) كذا في «ق» ، وفي غيره : «بالعكس».

(٢) راجع الدروس ٣ : ٢٦٩ ، ولم نعثر عليه في حاشية الشرائع للمحقّق الكركي لأنّ الموجود عندنا ناقص ولا على الحاكي عنه ، نعم جاء في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٥ هكذا : «ولا يحمل إطلاقه على العين كما صرّح به الشهيد والمحقّق الثاني في حاشيته» ، والظاهر أنّ المراد حاشيته على الإرشاد ، لأنّه جاء فيها : «ولا يحمل الإطلاق على عين الثمن» حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٥٧.

(٣) في الصفحة الآتية.

١٣٢

وإن كان الثمن كلّياً ، فإن كان في ذمّة البائع كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدّمة (١) فردُّه بأداء ما في الذمّة ، سواءً قلنا : إنّه عين الثمن أو بدله ، من حيث إنّ ما في ذمّة البائع سقط عنه بصيرورته ملكاً له ، فكأنه تَلِفَ ، فالمراد بردّه المشترط : ردُّ بدله.

وإن لم يكن الثمن في ذمّة البائع وقَبضَه ، فإن شرط ردَّ ذلك الفرد المقبوض أو ردَّ مثله بأحد الوجوه المتقدّمة (٢) فالحكم على مقتضى الشرط. وإن أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو ردّ ما يعمّ البدل ، إمّا مطلقاً ، أو مع فقد العين.

ويدلّ عليه صريح (٣) بعض الأخبار المتقدّمة (٤) إلاّ أنّ المتيقّن منها صورة فقد العين.

الثالث

هل يكفي مجرّد الردّ في الفسخ؟

قيل (٥) : ظاهر الأصحاب بناءً على ما تقدّم : من أنّ ردّ الثمن في هذا البيع عندهم مقدّمةٌ لفسخ البائع أنّه لا يكفي مجرّد الردّ في الفسخ.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٢٨.

(٢) راجع الصفحة المتقدّمة.

(٣) في «ش» : «صريحاً».

(٤) كما في رواية ابن ميسرة المتقدّمة في الصفحة ١٢٨.

(٥) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٥ ، والمقابس : ٢٤٨ ، والمناهل : ٣٣٣.

١٣٣

وصرّح به في الدروس (١) وغيره (٢).

ولعلّ منشأ الظهور : أنّ هذا القسم فردٌ من خيار الشرط مع اعتبار شي‌ءٍ زائدٍ فيه ، وهو ردّ الثمن. وعلّلوا ذلك أيضاً : بأنّ الردّ من حيث هو لا يدلّ على الفسخ أصلاً (٣). وهو حسنٌ مع عدم الدلالة ، أمّا لو فرض الدلالة عرفاً إمّا بأن يفهم منه كونه تمليكاً للثمن من المشتري ليتملّك منه المبيع على وجه المعاطاة ، وإمّا بأن يدلّ الردّ بنفسه على الرضا بكون المبيع ملكاً له والثمن ملكاً للمشتري فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقّق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك دلالةً.

وما قيل : من أنّ الردّ يدلّ على إرادة الفسخ والإرادة غير المراد (٤). ففيه : أنّ المدّعى دلالته على إرادة كون المبيع ملكاً له والثمن ملكاً للمشتري ، ولا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا ؛ مع أنّ ظاهر الأخبار كفاية الردّ في وجوب ردّ المبيع بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملّك المبيع بردّ الثمن (٥) ، فيحمل على تحقّق الفسخ الفعليّ به.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٦٩.

(٢) مثل المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٩٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٠٢.

(٣) علّله بذلك المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٢٩٢ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٥ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٣٣٣ ، والمحقّق التستري في المقابس : ٢٤٨.

(٤) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٥ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٣٣٣.

(٥) راجع الرواية في الصفحة ١٢٨.

١٣٤

الرابع

مسقطات بيع الخيار

يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد على الوجه الثاني من الوجهين الأوّلين ، بل وعلى الوجه الأوّل ؛ بناءً على أنّ تحقّق السبب وهو العقد كافٍ في صحّة إسقاط الحقّ. لكن مقتضى ما صرّح به في التذكرة : من أنّه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان بعد العقد (١) بناءً على حدوثهما من زمان التفرّق عدم الجواز أيضاً. إلاّ أن يفرّق هنا : بأنّ المشروط له مالكٌ للخيار قبل الردّ ولو من حيث تملّكه للردّ الموجب له فله إسقاطه ، بخلاف ما في التذكرة.

ويسقط أيضاً بانقضاء المدّة وعدم ردّ الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقاً ، على التفصيل المتقدّم.

ولو تبيّن المردود من غير الجنس فلا ردّ. ولو ظهر معيباً كفى في الردّ ، وله الاستبدال.

هل يسقط هذا الخيار بالتصرّف في الثمن المعيّن؟

ويسقط أيضاً بالتصرّف في الثمن المعيّن مع اشتراط ردّ العين أو حمل الإطلاق عليه ، وكذا الفرد المدفوع من الثمن الكلّي إذا حمل الإطلاق على اعتبار ردّ عين المدفوع. كلّ ذلك لإطلاق ما دلّ (٢) على أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد ولا خيار. وقد عمل‌

__________________

(١) لم نعثر عليه بعينه ، نعم جاء فيها : «لو قلنا : بأنّ مبدأ المدّة العقد وأسقطا الخيار مطلقاً قبل التفرّق سقط الخياران : خيار المجلس والشرط ، وإن قلنا بالتفرّق سقط خيار المجلس دون خيار الشرط ؛ لأنّه غير ثابت» التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٢) يدلّ عليه ما في الوسائل ١٢ : ٣٥١ ، الباب ٤ وغيره من أبواب الخيار.

١٣٥

الأصحاب بذلك في غير مورد النصّ كخياري المجلس والشرط.

ظاهر المحكيّ عن الأردبيلي والسبزواري عدم السقوط

وظاهر المحكي (١) عن المحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية (٢) عدم سقوط هذا الخيار بالتصرّف في الثمن ؛ لأنّ المدار في هذا الخيار عليه ؛ لأنّه شُرّع لانتفاع البائع بالثمن ، فلو سقط الخيار سقطت الفائدة ، وللموثّق المتقدّم (٣) المفروض في مورده تصرّف البائع في الثمن وبيع الدار لأجل ذلك (٤).

المحكيّ عن الطباطبائي ردّهما

والمحكيّ عن العلاّمة الطباطبائي في مصابيحه الردّ على ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب بما محصّله : أنّ التصرّف المسقط ما وقع في زمان الخيار ولا خيار إلاّ بعد الردّ ، ولا ينافي شي‌ءٌ ممّا ذكر لزومَه بالتصرّف بعد الردّ ؛ لأنّ ذلك منه بعده لا قبله وإن كان قادراً على إيجاد سببه فيه ؛ إذ المدار على الفعل لا على القوّة ، على أنّه لا يتمّ فيما اشترط فيه الردّ في وقتٍ منفصلٍ عن العقد كيومٍ بعد سنةٍ مثلاً (٥) ، انتهى محصّل كلامه.

__________________

(١) حكاه السيّد المجاهد في المناهل : ٣٤٠ ، وراجع مجمع الفائدة ٨ : ٤٠٢ و ٤١٣ ، وكفاية الأحكام : ٩٢.

(٢) في «ش» زيادة : «أنّ الظاهر».

(٣) المتقدّم في الصفحة ١٢٧ ١٢٨.

(٤) ذكر التعليل في مجمع الفائدة ٨ : ٤١٣ ، مع تفاوت في الألفاظ ، نعم حكاه عنه السيّد المجاهد في المناهل : ٣٤٠ بالألفاظ المذكورة.

(٥) حكاه عنه السيّد المجاهد في المناهل : ٣٤١ ، والعبارة المحكيّة موجودة في المصابيح (مخطوط) : ١٣٩ ، وقد نقل الشيخ حاصلها ، كما قال.

١٣٦

مناقشة الردّ المذكور

وناقش بعض من تأخّر عنه فيما ذكره قدس‌سره من كون حدوث الخيار بعد الردّ لا قبله ـ : بأنّ ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار ، وبأنّ الظاهر من إطلاق العرف وتضعيف كثيرٍ من الأصحاب قولَ الشيخ (١) بتوقّف الملك على انقضاء الخيار ببعض الأخبار المتقدّمة في هذه المسألة الدالّة على أنّ غلّة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدّة زمان الخيار (٢) ، انتهى.

مناقشة المؤلّف لجميع ما تقدّم

أقول : في أصل الاستظهار المتقدّم والردّ المذكور عن المصابيح والمناقشة على الردّ نظرٌ.

أمّا الأوّل : فلأنه لا مخصِّص لدليل سقوط الخيار بالتصرّف المنسحب في غير مورد النصّ عليه باتّفاق الأصحاب.

وأمّا بناءُ هذا العقد على التصرّف فهو من جهة أنّ الغالب المتعارف البيع بالثمن الكلّي ، وظاهر الحال فيه كفاية ردّ مثل الثمن ؛ ولذا قوّينا (٣) حمل الإطلاق في هذه الصورة على ما يعمّ البدل ، وحينئذٍ فلا يكون التصرّف في عين الفرد المدفوع دليلاً على الرضا بلزوم العقد ؛ إذ لا منافاة بين فسخ العقد وصحّة هذا التصرّف واستمراره ، وهو مورد الموثّق المتقدّم أو منصرف إطلاقه.

أو من جهة تواطؤ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرّف أيضاً ، أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرّد التصرّف في الثمن ، وقد مرّ (٤)

__________________

(١) يأتي قول الشيخ في أحكام الخيار ، في مسألة : أنّ المبيع يملك بالعقد.

(٢) الجواهر ٢٣ : ٤٠ ، مع تفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) راجع الصفحة ١٣٣.

(٤) مرّ في الصفحة ١٠٣.

١٣٧

أنّ السقوط بالتصرّف ليس تعبّداً شرعيّاً مطلقاً حتّى المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد.

وأمّا الثاني : فلأنّ المستفاد من النصّ والفتوى كما عرفت (١) كون التصرّف مسقطاً فعليّاً كالقولي يُسقط الخيار في كلّ مقامٍ يصحّ إسقاطه بالقول : والظاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولاً قبل الردّ.

هذا ، مع أنّ حدوث الخيار بعد الردّ مبنيٌّ على الوجه الأوّل المتقدّم (٢) من الوجوه الخمسة في مدخليّة الردّ في الخيار ، ولا دليل على تعيينه (٣) في بيع الخيار المتعارف بين الناس ، بل الظاهر من عبارة غير واحدٍ هو الوجه الثاني.

أو نقول : إنّ المتّبع مدلول الجملة الشرطيّة الواقعة في متن العقد ، فقد يؤخذ الردّ فيها قيداً للخيار وقد يؤخذ قيداً للفسخ.

نعم ، لو جُعل الخيار والردّ في جزءٍ معيّنٍ من المدّة كيومٍ بعد السنة كان التصرّف قبله تصرّفاً مع لزوم العقد ، وجاء فيه الإشكال في صحّة الإسقاط هنا (٤) من عدم تحقّق الخيار ، ومن تحقّق سببه.

وأمّا المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالردّ بلزوم جهالة مدّة الخيار ، ففيه : أنّها لا تقدح مع تحديد زمان التسلّط على الردّ والفسخ بعده إن‌

__________________

(١) راجع الصفحة ١٠٤ و ١٠٧.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٢٩.

(٣) في «ش» : «تعيّنه».

(٤) في «ش» زيادة : «ولو قولاً».

١٣٨

شاء. نعم ، ذكر في التذكرة : أنّه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرّق إذا جعلنا مبدأه عند الإطلاق من حين العقد (١). لكن الفرق يظهر بالتأمّل.

وأمّا الاستشهاد عليه بحكم العرف ، ففيه : أنّ زمان الخيار عرفاً لا يراد به إلاّ ما كان الخيار متحقّقاً فيه شرعاً أو بجعل المتعاقدين ، والمفروض أنّ الخيار هنا جعليٌّ ، فالشكّ (٢) في تحقّق الخيار قبل الردّ بجعل المتعاقدين.

وأمّا ما ذكره بعض الأصحاب (٣) في ردّ الشيخ من بعض أخبار المسألة ، فلعلّهم فهموا من مذهبه توقّف الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقاً حتّى المنفصل ، كما لا يبعد عن إطلاق كلامه وإطلاق ما استدلّ له به من الأخبار (٤).

الخامس

لو تلف المبيع كان من المشتري

لو تلف المبيع كان من المشتري ، سواءً كان قبل الردّ أو بعده ، ونماؤه أيضاً له مطلقاً. والظاهر عدم سقوط خيار البائع ، فيستردّ المثل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٢) في «ف» : «فالشأن».

(٣) كما ذكره السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٩٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٨٠.

(٤) قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٥٩٥ : «وقد يحتجّ له برواية الحلبي" فإذا افترقا فقد وجب البيع"» ، وأخبار أُخر أشار إليها في الجواهر ٢٣ : ٨١.

١٣٩

أو القيمة بردّ الثمن أو بدله. ويحتمل عدم الخيار ، بناءً على أنّ مورد هذا الخيار هو إلزام أنّ له ردّ الثمن وارتجاع البيع (١) ، وظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك ، فلا خيار مع تلفه.

ثمّ إنّه لا تنافي بين شرطيّة البقاء وعدم جواز تفويت الشرط ، فلا يجوز للمشتري إتلاف المبيع كما سيجي‌ء في أحكام الخيار (٢) لأنّ غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله ، ولا يتمّ إلاّ بالتزام إبقائه للبائع (٣).

لو تلف الثمن فممّن يكون؟

ولو تلف الثمن :

فإن كان بعد الردّ وقبل الفسخ ، فمقتضى ما سيجي‌ء : من «أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له» (٤) كونه من المشتري وإن كان ملكاً للبائع ، إلاّ أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن ويدّعى اختصاصها بالمبيع ، كما ذكره بعض المعاصرين (٥) واستظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدّمة (٦). ولم أعرف وجه الاستظهار ، إذ ليس فيها إلاّ أنّ نماء الثمن للبائع وتلف المبيع من المشتري ، وهما إجماعيّان حتّى في مورد كون التلف ممّن لا خيار له ، فلا حاجة لهما إلى تلك الرواية ، ولا تكون‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : «المبيع».

(٢) يجي‌ء في الجزء السادس ، الصفحة ١٤٤.

(٣) في «ف» : «على البائع».

(٤) يجي‌ء في الجزء السادس ، الصفحة ١٧٦.

(٥) ذكره صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٨٨.

(٦) تقدّمت في الصفحة ١٢٨.

١٤٠