كتاب المكاسب - ج ٥

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-15-X
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٤٨

الاحتمال الأوّل

أحدها : أن تكون الجملة جواباً للشرط ، فيكون حكماً شرعيّاً بأنّ التصرّف التزامٌ بالعقد وإن لم يكن التزاماً عرفاً.

الاحتمال الثاني

الثاني : أن تكون توطئةً للجواب ، وهو قوله : «ولا شرط [له (١)]» لكنّه توطئةٌ لحكمة الحكم وتمهيدٌ لها لا علّةٌ حقيقيّةٌ (٢) فيكون إشارةً إلى أنّ الحكمة في سقوط الخيار بالتصرّف دلالته غالباً على الرضا ، نظير كون الرضا حكمةً في سقوط خيار المجلس بالتفرّق في قوله عليه‌السلام : «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» فإنّه لا يعتبر في الافتراق دلالته (٣) على الرضا.

وعلى هذين المعنيين ، فكلّ تصرّفٍ مسقطٌ وإن علم عدم دلالته على الرضا.

الاحتمال الثالث

الثالث : أن تكون الجملة إخباراً عن الواقع ، نظراً إلى الغالب وملاحظة نوع التصرّف لو خُلّي وطبعه ، ويكون علّةً للجواب ، فيكون نفي الخيار معلّلاً بكون التصرّف غالباً دالاّ على الرضا بلزوم العقد ، وبعد ملاحظة وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدّى علّته كما في قوله : «[لا تأكل (٤)] الرمّان لأنّه حامضٌ» دلّ على اختصاص الحكم بالتصرّف الذي يكون كذلك ، أي : دالاّ بالنوع غالباً على التزام العقد وإن لم يدلّ في شخص المقام ، فيكون المسقط من التصرّف ما كان له ظهورٌ نوعيٌّ‌

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) في «ش» : «حقيقة».

(٣) في «ش» : «دلالة».

(٤) في «ق» : «لا تشرب».

١٠١

في الرضا ، نظير ظهور الألفاظ في معانيها مقيّداً بعدم قرينةٍ توجب صرفه عن الدلالة ، كما إذا دلّ الحال أو المقال على وقوع التصرّف للاختبار ، أو اشتباهاً بعينٍ اخرى مملوكةٍ له ، ويدخل فيه كلّ ما يدلّ نوعاً على الرضا وإن لم يعد تصرّفاً عرفاً كالتعريض للبيع والإذن للبائع في التصرّف فيه.

الاحتمال الرابع

الرابع : أن تكون إخباراً عن الواقع ويكون العلّة هي نفس الرضا الفعلي الشخصي ، ويكون إطلاق الحكم مقيّداً بتلك العلّة ، فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي ، فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار.

المناقشة في الاحتمالين الأوّلين

ثمّ إنّ الاحتمالين الأوّلين وإن كانا موافقين لإطلاق سائر الأخبار وإطلاقات بعض كلماتهم مثل ما تقدّم من التذكرة : من أنّ مطلق التصرّف لمصلحة نفسه مسقطٌ (١) ، وكذا غيره كالمحقّق والشهيد الثانيين (٢) بل لإطلاق بعض معاقد الإجماع ، إلاّ أنّهما بعيدان عن ظاهر الخبر ؛ مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم ، فإنّ الظاهر منها عدم السقوط بالتصرّف للاختبار والحفظ ، بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة على الرضا ، كما سيجي‌ء (٣) ، ويؤيّده حكم بعضهم بكفاية الدالّ على الرضا وإن لم يعدّ تصرّفاً ، كتقبيل الجارية للمشتري ، على ما صرّح به في التحرير‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٩٩.

(٢) راجع جامع المقاصد ٤ : ٢٨٣ و ٢٩١ ، والمسالك ٣ : ١٩٧ و ٢٠١.

(٣) يجي‌ء في الصفحة ١٠٤ وما بعدها.

١٠٢

والدروس (١).

فعلم أنّ العبرة بالرضا ، وإنّما اعتبر التصرّف للدلالة ، وورد النصّ أيضاً بأنّ العرض على البيع إجازةٌ (٢) ، مع أنّه ليس حدثاً عرفاً.

وممّا يؤيّد عدم إرادة الأصحاب كون التصرّف مسقطاً إلاّ من جهة دلالته على الرضا : حكمهُم بأنَّ كلَّ تصرّفٍ يكون إجازةً من المشتري في المبيع يكون فسخاً من البائع ، فلو كان التصرّف (٣) مسقطاً تعبّدياً عندهم من جهة النصّ لم يكن وجهٌ للتعدّي عن كونه إجازةً إلى كونه فسخاً.

وقد صرّح في التذكرة : بأنّ الفسخ كالإجازة يكون بالقول وبالفعل (٤) ، وذكر التصرّف [مثالاً (٥)] للفسخ والإجازة الفعليّين (٦).

فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرّف مسقطاً لا للدلالة على الرضا : بأنّ الأصحاب يعدّونه في مقابل الإجازة (٧).

المناقشة في الاحتمال الرابع

وأمّا المعنى الرابع : فهو وإن كان أظهر الاحتمالات من حيث‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٨ ، والدروس ٣ : ٢٧٢.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٥٩ ، الباب ١٢ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٣) في «ق» زيادة : «عندهم» ، ولعلّ التكرار من سهو القلم.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٧.

(٥) لم يرد في «ق».

(٦) كذا في «ش» ، وفي «ق» و «ف» : «فعلاً» ، لكن شُطب عليه في «ف» ، وكتب أعلاه ما أثبتناه.

(٧) راجع الجواهر ٢٣ : ٦٦.

١٠٣

اللفظ ، بل جزم به في الدروس (١) ، ويؤيّده ما تقدّم من رواية عبد الله [بن الحسن (٢)] بن زيد ، الحاكية للنبويّ الدالّ كما في الدروس أيضاً (٣) على الاعتبار بنفس الرضا ، وظاهر بعض كلماتهم الآتية.

إلاّ أنّ المستفاد من تتبّع الفتاوى الإجماع على عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد ؛ مع أنّ أظهريّته بالنسبة إلى المعنى الثالث غير واضحة.

تعيّن الاحتمال الثالث

فتعيّن إرادة المعنى الثالث ، ومحصّله : دلالة التصرّف لو خُلّي وطبعه على الالتزام وإن لم يفد في خصوص المقام ، فيكون التصرّف إجازةً فعليّةً في مقابل الإجازة القوليّة ؛ وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.

الاستشهاد بكلمات الفقهاء عليه

قال في المقنعة : إنّ هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع ، إلاّ أن يحدث فيه المبتاع حدثاً يدلّ على الرضا بالابتياع (٤) ، انتهى. ومَثّل للتصرّف في مقامٍ آخر بأن ينظر من الأمة إلى ما يحرم لغير المالك (٥).

وقال في المبسوط في أحكام العيوب : إذا كان المبيع بهيمةً وأصاب بها عيباً فله ردّها ، وإذا كان في طريق الردّ جاز له ركوبها‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٢٧.

(٢) لم يرد في «ق» ، لكنّه موجود في «ش» والمصدر ، وفيما تقدّم في الصفحة ١٠٠.

(٣) الدروس ٣ : ٢٢٧ ٢٢٨.

(٤) المقنعة : ٥٩٩ ، وانظر ٥٩٢ أيضاً.

(٥) المقنعة : ٥٩٣.

١٠٤

وسقيها وعلفها وحلبها وأخذ لبنها ، وإن نتجت كان له نتاجها. ثمّ قال : ولا يسقط الردّ ؛ لأنّه إنّما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الردّ بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيبٌ عنده ، وليس هنا شي‌ءٌ من ذلك (١) ، انتهى.

وفي الغنية : لو هلك المبيع في مدّة الخيار فهو من مال بائعه ، إلاّ أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثاً يدلّ على الرضا (٢) ، انتهى.

وقال الحلبي قدس‌سره في الكافي في خيار الحيوان ـ : فإن هلك في مدّة الخيار فهو من مال البائع ، إلاّ أن يحدث فيه حدثاً يدلّ على الرضا (٣) ، انتهى.

وفي السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيّام قال : هذا إذا لم يُحدث في هذه المدّة حدثاً يدلّ على الرضا أو يتصرّف فيه تصرّفاً ينقص قيمته ، أو يكون لمثل ذلك التصرّف اجرةٌ ، بأن يركب الدابّة أو يستعمل الحمار أو يقبّل الجارية أو يلامسها أو يدبّرها تدبيراً ليس له الرجوع فيه كالمنذور (٤) ، انتهى.

وقال في موضعٍ آخر : إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة (٥).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٣٩.

(٢) الغنية : ٢٢١.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٤) السرائر ٢ : ٢٨٠.

(٥) السرائر ٢ : ٢٧٧.

١٠٥

وأمّا العلاّمة : فقد عرفت أنّه استدلّ على أصل الحكم بأنّ التصرّف دليل الرضا باللزوم (١).

وقال في موضعٍ آخر : لو ركب الدابّة ليردّها سواء قصرت المسافة أو طالت لم يكن ذلك رضاً بها. ثمّ قال : ولو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها لم يكن ذلك رضاً منه بإمساكه ، ولو حلبها في طريقه فالأقرب أنّه تصرّفٌ يؤذن بالرضا (٢).

وفي التحرير في مسألة سقوط ردّ المعيب بالتصرّف قال : وكذا لو استعمل المبيع أو تصرّف فيه بما يدلّ على الرضا (٣).

وقال في الدروس : استثنى بعضهم من التصرّف ركوب الدابّة والطحن عليها وحلبها ، إذ بها يعرف حالها ليختبر (٤) ، وليس ببعيد (٥).

وقال المحقّق الكركي : لو تصرّف ذو الخيار غير عالمٍ ، كأن ظنّها جاريته المختصّة فتبيّنت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة (٦) ففي الحكم تردّدٌ ، ينشأ : من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرّف ، ومن أنّه غير قاصدٍ إلى لزوم البيع ، إذ لو علم لم يفعل ، والتصرّف إنّما عُدّ‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٩٨.

(٢) التذكرة : ٥٢٩.

(٣) التحرير ١ : ١٨٤.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الدروس : «للمختبر».

(٥) الدروس ٣ : ٢٧٢.

(٦) في المصدر : أو ذهل عن كون المشتراة ذات خيار.

١٠٦

مسقطاً لدلالته على الرضا باللزوم (١).

وقال في موضعٍ آخر : ولا يعدّ ركوب الدابّة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالمٍ أو ليردّها تصرّفاً. ثمّ قال : وهل يعدّ حملها للاستخبار تصرّفاً؟ ليس ببعيدٍ أن لا يعدّ. وكذا لو أراد ردّها وحلبها لأخذ اللبن ، على إشكالٍ ينشأ من أنّه ملكه ، فله استخلاصه (٢) ، انتهى.

وحكي عنه في موضعٍ آخر أنّه قال : والمراد بالتصرّف المسقط ما كان المقصود منه التملّك ، لا الاختبار ولا حفظ المبيع كركوب الدابّة للسقي (٣) ، انتهى.

ومراده من التملّك : البقاء عليه والالتزام به ، ويحتمل أن يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك ، لا للاختبار أو الحفظ.

ظهور كلمات الفقهاء في المعنى الثالث

هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام ، الظاهرة في المعنى الثالث ، وحاصله : التصرّف على وجهٍ يدلّ عرفاً لو خُلّي وطبعه على الالتزام بالعقد ، ليكون إسقاطاً فعليّاً للخيار ، فيخرج منه ما دلّت القرينة على وقوعه لا عن الالتزام.

لكن يبقى الإشكال المتقدّم سابقاً (٤) : من أنّ أكثر أمثلة‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٥.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٤.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٠ ، وانظر جامع المقاصد ٤ : ٢٩١ و ٣٠٤.

(٤) راجع الصفحة ٩٩.

١٠٧

التصرّف المذكورة في النصوص والفتاوى ليست كذلك ، بل هي واقعةٌ غالباً مع الغفلة أو التردّد أو العزم على الفسخ مطلقاً ، أو إذا اطّلع على ما يوجب زهده فيه ، فهي غير دالّةٍ في نفسها عرفاً على الرضا.

ومنه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقاً (١) من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرّف فيه في الثلاثة فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأنّ الغالب في التصرّفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم ، فلا يسقط بها الخيار (٢) ، إذ فيه : أنّ هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنّه رضاً ؛ لأنّ المصحِّح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاً هو ظهوره فيه عرفاً من أجل الغلبة ، فإذا فرض أنّ الغالب في مثل هذه التصرّفات وقوعها لا عن التزامٍ للعقد بل مع العزم على الفسخ أو التردّد فيه أو الغفلة ، كان تعليل الحكم على المطلق بهذه العلّة الغير الموجودة إلاّ في قليلٍ من أفراده مستهجناً.

وأمّا الاستشهاد لذلك بما سيجي‌ء : من أنّ تصرّف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقطٍ لخياره اتّفاقاً ، وليس ذلك إلاّ من جهة صدوره لا عن التزامٍ بالعقد ، بل مع العزم على الفسخ بردّ مثل الثمن ، ففيه : ما سيجي‌ء.

وممّا ذكرنا من استهجان التعليل على تقدير كون غالب التصرّفات‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٩٩.

(٢) راجع الرياض ٨ : ٢٠٢ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٠.

١٠٨

واقعةً لا عن التزامٍ يظهر فساد الجمع بهذا الوجه ، يعني حمل الأخبار المتقدّمة (١) على صورة دلالة التصرّفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد ، جمعاً بينها وبين ما دلّ من الأخبار على عدم سقوطه بمجرّد التصرّف ، مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدّمة (٢) التي لم يستفصل في جوابها بين تصرّف المشتري في العبد المتوفّى في زمان الخيار وعدمه ، وإنّما أُنيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي ، ومثل الخبر المصحّح : في رجلٍ اشترى شاةً فأمسكها ثلاثة أيّامٍ ثمّ ردّها؟ قال : «إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها يردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبنٌ فليس عليه شي‌ءٌ» (٣). ونحوه الآخر (٤).

وما فيهما من «ردّ ثلاثة أمداد» لعلّه محمولٌ على الاستحباب ؛ مع أنّ ترك العمل به لا يوجب ردّ الرواية ، فتأمّل.

وقد أفتى بذلك في المبسوط فيما لو باع شاةً غير مصرّاةٍ وحلبها أيّاماً ثمّ وجد المشتري بها عيباً. ثمّ قال : وقيل : ليس له ردّها ، لأنّه تصرّفٌ بالحلب (٥).

وبالجملة ، فالجمع بين النصّ والفتوى الظاهرين في كون التصرّف‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٩٧ ٩٨.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ١٠٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٦٠ ، الباب ١٣ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٥ ، الحديث ١٠٧ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٣٦٠ ، الباب ١٣ من أبواب الخيار ، ذيل الحديث الأوّل.

(٥) المبسوط ٢ : ١٢٥ ١٢٦.

١٠٩

مسقطاً لدلالته على الرضا بلزوم العقد ، وبين ما تقدّم من التصرّفات المذكورة في كثيرٍ من الفتاوى خصوصاً ما ذكره غير واحدٍ (١) من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الردّ ، أو التردّد فيه وفي التصرّف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الإشكال ، والله العالم بحقيقة الحال.

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٥١ ، وقال السيّد المجاهد في المناهل : ٣٤٠ بعد نقل القولين في التصرّفات المراد منها مجرّد الاختبار ـ : «والمسألة محلّ إشكال». وراجع الأقوال في التصرّف للاستخبار ، المقابس : ٢٤٧ أيضاً.

١١٠

الثالث

خيار الشرط‌

معنى خيار الشرط

أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد ، ولا خلاف في صحّة هذا الشرط ، ولا في أنّه لا يتقدّر بحدٍّ عندنا ، ونقلُ الإجماع عليه مستفيضٌ (١). والأصل فيه قبل ذلك : الأخبار العامّة المسوّغة لاشتراط كلّ شرطٍ إلاّ ما استثني ، والأخبار الخاصّة الواردة في بعض أفراد المسألة.

الدليل على هذا الخيار

فمن الاولى : الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوى تواتره : «إنّ المسلمين عند شروطهم» (٢) وزيد في صحيحة ابن سنان : «إلاّ كلّ شرطٍ خالف كتاب الله فلا يجوز» (٣). وفي موثّقة إسحاق بن عمّار : «إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» (٤).

__________________

(١) نقله السيّد المرتضى في الانتصار : ٤٣٤ ، المسألة ٢٤٦ ، والشيخ في الخلاف ٣ : ١١ و ٢٠ ، ذيل المسألة ٧ و ٢٥ من كتاب البيوع ، وابن زهرة في الغنية : ٢١٨ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٠.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٥٣ ٣٥٤ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ، ٢ و ٥ ، والمستدرك ١٣ : ٣٠٠ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٤ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٥.

١١١

نعم ، في صحيحةٍ أُخرى لابن سنان : «من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم ، فيما وافق كتاب الله» (١).

لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة ، للإجماع على عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب. وتمام الكلام في معنى هذه الأخبار وتوضيح المراد من الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد إن شاء الله تعالى.

والمقصود هنا بيان أحكام الخيار المشترط في العقد ، وهي تظهر برسم مسائل :

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

١١٢

مسألة

لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه

لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه ؛ لعموم أدلّة الشرط.

قال في التذكرة : لو شرط خيار الغد صحّ عندنا ، خلافاً للشافعي (١). واستدلّ له في موضعٍ آخر بلزوم صيرورة العقد جائزاً بعد اللزوم (٢). ورُدّ بعدم المانع من ذلك ؛ مع أنّه كما في التذكرة (٣) منتقضٌ بخيار التأخير وخيار الرؤية.

يشترط تعيين المدّة دفعاً للغرر

نعم ، يشترط تعيين المدّة ، فلو تراضيا على مدّةٍ مجهولةٍ كقدوم الحاجّ بطل بلا خلاف ، بل حكي الإجماع عليه صريحاً (٤) ؛ لصيرورة المعاملة بذلك غرريّة. ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات وإقدام العقلاء عليه أحياناً ، فإنّ المستفاد من تتبّع أحكام المعاملات‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٤) حكاه في المقابس : ٢٤٦ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦١ أيضاً.

١١٣

عدم رضا الشارع بذلك ؛ إذ كثيراً ما يتّفق التشاحّ في مثل الساعة والساعتين من زمان الخيار فضلاً عن اليوم واليومين.

وبالجملة ، فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلى المداقّة ، وإلاّ لم يكن بيع الجزاف وما تعذّر تسليمه والثمن المحتمل للتفاوت القليل وغير ذلك من الجهالات غرراً ؛ لتسامح الناس في غير مقام الحاجة إلى المداقّة في أكثر الجهالات.

ولعلّ هذا مراد بعض الأساطين من قوله : «إنّ دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته (١) في العرف» (٢) وإلاّ فالغرر لفظٌ لا يرجع في معناه إلاّ إلى العرف.

نعم الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالباً إلى التشاحّ بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعدّ غرراً ، كتفاوت المكاييل والموازين.

ويشير إلى ما ذكرنا الأخبار الدالّة على اعتبار كون السلَم إلى أجلٍ معلوم (٣) ، وخصوص موثّقة غياث : «لا بأس بالسلَم في كيلٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ ، لا يسلم إلى دياس أو إلى حصاد» (٤) مع أنّ التأجيل إلى الدياس والحصاد وشبههما فوق حدّ الإحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع.

__________________

(١) في «ق» : «دائرتها» ، والمناسب ما أثبتناه ، كما في «ش».

(٢) الظاهر أنّ المراد من «بعض الأساطين» هو كاشف الغطاء قدس‌سره ، ولكن لم نعثر عليه في شرحه على القواعد.

(٣) راجع الوسائل ١٣ : ٥٧ ، الباب ٣ من أبواب السلف.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥٨ ، الباب ٣ من أبواب السلف ، الحديث ٥.

١١٤

وربما يستدلّ (١) على ذلك بأنّ اشتراط المدّة المجهولة مخالفٌ للكتاب والسنّة ؛ لأنّه غررٌ.

وفيه : أنّ كون البيع بواسطة الشرط مخالفاً للكتاب والسنّة غير كون نفس الشرط مخالفاً للكتاب والسنّة ، ففي الثاني يفسد الشرط ويتبعه البيع ، وفي الأوّل يفسد البيع فيلغو الشرط.

اللهمّ إلاّ أن يراد أنّ نفس الالتزام بخيارٍ في مدّةٍ مجهولةٍ غررٌ وإن لم يكن بيعاً ، فيشمله دليل نفي الغرر ، فيكون مخالفاً للكتاب والسنّة. لكن لا يخفى سراية الغرر إلى البيع ، فيكون الاستناد في فساده إلى فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفا.

__________________

(١) استدلّ به في الجواهر ٢٣ : ٣٢ ، واستدلّ به في المصابيح (مخطوط) : ١٣١ أيضاً.

١١٥

مسألة

لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدّة المجهولة كقدوم الحاجّ ، وبين عدم ذكر المدّة أصلاً ، كأن يقول : «بعتك على أن يكون لي الخيار» ، وبين ذكر المدّة المطلقة ، كأن يقول : «بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة» ؛ لاستواء الكلّ في الغرر.

خلافاً للمحكيّ (١) عن المقنعة والانتصار والخلاف والجواهر والغنية والحلبي ، فجعلوا مدّة الخيار في الصورة الاولى (٢) ثلاثة أيّام. ويحتمل حمل الثانية عليها ، وعن الانتصار والغنية والجواهر : الإجماع عليه (٣).

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦١ ، وراجع المقنعة : ٥٩٢ ، والانتصار : ٤٣٨ ، المسألة ٢٥٠ ، والخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥ ، والجواهر : ٥٤ ، المسألة ١٩٤ ، والغنية : ٢١٩ ، والكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٢) في «ش» : «الثانية».

(٣) حكاه أيضاً السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦١ ، وراجع الانتصار : ٤٣٩ ذيل المسألة ٢٥٠ ، والغنية : ٢١٩ ، والجواهر : ٥٤ ، المسألة ١٩٤.

١١٦

وفي محكيّ الخلاف : وجود أخبار الفرقة به (١).

ولا شكّ أنّ هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبارٍ ، فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة ؛ ولذا مال إليه في محكيّ الدروس (٢). لكن العلاّمة في التذكرة لم يحكِ هذا القول إلاّ عن الشيخ قدس‌سره وأوَّلَه بإرادة خيار الحيوان (٣).

وعن العلاّمة الطباطبائي في مصابيحه : الجزم به (٤) ، وقوّاه بعض المعاصرين (٥) منتصراً لهم بما في مفتاح الكرامة : من أنّه ليس في الأدلّة ما يخالفه ، إذ الغرر مندفعٌ بتحديد الشرع وإن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحّة العقد مع الجهل به أو بمدّته. وزاد في مفتاح الكرامة (٦) : بأنّ الجهل يؤول إلى العلم الحاصل من الشرع (٧).

مناقشة القول المذكور

وفيه : ما تقدّم في مسألة تعذّر التسليم (٨) : من أنّ بيع الغرر‌

__________________

(١) حكاه أيضاً السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦١ ، وراجع الخلاف ٣ : ٢٠ ، ذيل المسألة ٢٥.

(٢) حكاه السيّد الطباطبائي في المصابيح (مخطوط) : ١٣٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣٤ ، وانظر الدروس ٣ : ٢٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٠.

(٤) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٣٤ ، وانظر المصابيح (مخطوط) : ١٣٢ ، وقال بعد نقل هذا القول ـ : «وهو الأقوى».

(٥) قوّاه في الجواهر ٢٣ : ٣٣ ٣٤.

(٦) في «ش» وهامش «ن» زيادة : «التعليل».

(٧) مفتاح الكرامة ٤ : ٥٦٢.

(٨) راجع الجزء الرابع ، الصفحة ١٨٩.

١١٧

موضوعٌ عرفيٌّ حكم فيه الشارع بالفساد ، والتحديد بالثلاثة تعبّدٌ شرعيٌّ لم يقصده المتعاقدان ، فإن ثبت بالدليل كان مخصّصاً لعموم نفي الغرر وكان التحديد تعبّدياً ، نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة (١) ، أو يكون حكماً شرعيّاً ثبت في موضوعٍ خاصّ ، وهو إهمال مدّة الخيار.

والحاصل : أنّ الدعوى في تخصيص أدلّة نفي الغرر لا في تخصّصها. والإنصاف : أنّ ما ذكرنا من حكاية الأخبار ونقل الإجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر ؛ لأنّ الظاهر بقرينة عدم تعرّض الشيخ لذكر شي‌ءٍ من هذه الأخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار أنّه عوّل في هذه الدعوى [على (٢)] اجتهاده في دلالة الأخبار الواردة في شرط الحيوان (٣). ولا ريب أنّ الإجماعات المحكيّة إنّما تجبر قصور السند المرسل المتّضح دلالته أو القاصر دلالته ، لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأساً ، فالتعويل حينئذٍ على نفس الجابر ولا حاجة إلى ضمّ المنجبر ، إذ نعلم إجمالاً أنّ المجمعين اعتمدوا على دلالاتٍ اجتهاديّةٍ استنبطوها من الأخبار ؛ ولا ريب أنّ المستند غالباً في إجماعات القاضي وابن زهرة إجماع السيّد في الانتصار.

نعم ، قد روي في كتب العامّة : أنّ حنّان بن منقذ كان يُخدَع في البيع لشجّةٍ أصابته في رأسه ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بعت فقل‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٣ : ٤٤٣ ٤٥٠ ، الباب ٥٤ و ٥٥ و ٥٦ من أبواب الوصايا.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٨ ٣٥٠ ، الباب ٣ من أبواب الخيار.

١١٨

لا خلابة» (١) وجعل له الخيار ثلاثاً ، وفي روايةٍ : «ولك الخيار ثلاثاً» (٢). والخلابة : الخديعة.

وفي دلالته فضلاً عن سنده ما لا يخفى. وجبرهما (٣) بالإجماعات كما ترى! إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخّرين إلى خلافها (٤) في الخروج عن قاعدة الغرر مشكلٌ ، بل غير صحيحٍ ، فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوّة.

القول ببطلان الشرط دون العقد والمناقشة فيه

ثمّ إنّه ربما يقال (٥) ببطلان الشرط دون العقد ، ولعلّه مبنيٌّ على أنّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد.

وفيه : إنّ هذا على القول به فيما إذا لم يوجب الشرط فساداً في أصل البيع كما فيما نحن فيه ؛ حيث إنّ جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريّاً ، وإلاّ فالمتّجه فساد البيع ولو لم نقل بسراية الفساد من الشرط إلى المشروط ، وسيجي‌ء تمام الكلام في مسألة الشروط (٦).

__________________

(١) راجع السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٧٣ ، وكنز العمّال ٤ : ٥٩ ، الحديث ٩٤٩٩ ، والصفحة ٩١ ، الحديث ٩٦٨٢.

(٢) راجع السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٧٣ ، وكنز العمّال ٤ : ٥٩ ، الحديث ٩٤٩٩ ، والصفحة ٩١ ، الحديث ٩٦٨٢.

(٣) في «ش» : «جبرها».

(٤) ذهب إليه العلاّمة في التحرير ١ : ١٦٦ ، والمختلف ٥ : ٦٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٠١ ، والسبزواري في الكفاية : ٩١ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٨ : ١٨٨ ، وقال السيّد الطباطبائي في المصابيح (مخطوط) : ١٣٢ : «وربما لاح ذلك من ظاهر الوسيلة والسرائر والشرائع والنافع والجامع واللمعة ، لتضمّنها اعتبار التعيين في المدّة».

(٥) نقله الشهيد في المسالك ٣ : ٢٠٢ ، بلفظ : «قيل» ، ولكن لم نعثر على القائل.

(٦) انظر الجزء السادس ، الصفحة ٨٩ ٩٠.

١١٩

مسألة

مبدأ خيار الشرط

مبدأ هذا الخيار عند الإطلاق (١) من حين العقد ؛ لأنّه المتبادر من الإطلاق.

ولو كان زمان الخيار منفصلاً كان مبدؤه أوّل جزءٍ من ذلك الزمان ، فلو شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد.

فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان ، بناءً على أنّ مبدأه من حين العقد ، ولو جُعل مبدؤه من حين التفرّق بطل ؛ لأدائه إلى جهالة مدّة الخيار.

وعن الشيخ والحلّي : أنّ مبدأه من حين التفرّق (٢). وقد تقدّم عن الشيخ وجهه (٣) مع عدم تمامه (٤).

__________________

(١) لم ترد «عند الإطلاق» في غير «ق».

(٢) حكى عنهما ذلك الشهيد في الدروس ٣ : ٢٦٩ ، وراجع الخلاف ٣ : ٣٣ ، المسألة ٤٤ من كتاب البيوع ، والمبسوط ٢ : ٨٥ ، والسرائر ٢ : ٢٤٧.

(٣) تقدّم في الصفحة ٩٢ ٩٣.

(٤) كذا في «ق» ، والأصحّ : «عدم تماميّته» ، كما في «ش».

١٢٠