الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام

الشيخ محمد مهدي الآصفي

الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

الشيخ محمد مهدي الآصفي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام ـ الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦١
 &

الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام ـ الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦٢
 &



عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قلت له : آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟ فقال : وما هما ؟ قال : قلت : قوله تعالىٰ : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ثم ادعو فلا أرىٰ الاجابة. قال : فقال لي : افترىٰ الله اخلف وعده ؟ قال : قلت : لا ، قال : فمه ؟ قلت : لا أدري. فقال : الآية الاخرىٰ ، قلت : قوله تعالىٰ : ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) فاُنفق فلا أرىٰ خلفاً. قال : افترىٰ الله اخلف وعده ؟ قال : قلت : لا. قال : فمه ؟ قلت : لا أدري.

قال لكني اُخبرك إن شاء الله تعالىٰ. أما إنكم لو اطعتموه فيما امركم ثم دعوتموه لأجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم ، وأما قولك : تنفقون فلا ترون خلفاً ، أما إنكم لو كسبتم المال من حلّه ثم انفقتموه في حقه ، لم ينفق رجل درهماً إلّا أخلفه الله عليه ، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لاجابكم ، وإن كنتم عاصين.

قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟ فقال : إذا أدّيت الفريضة مجدت الله وعظمته وتمدحه بكل ما تقدر عليه ، وتصلي علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلي علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك وما صنع بك فتحمده وتشكره علىٰ ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنباً ذنباً وتقرّ بها أو بما ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلىٰ الله من جميع معاصيك وأنت تنوي الّا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ، ويكون من قولك : « اللّهم إني أعتذر اليك من ذنوبي وأستغفرك وأتوب اليك ، فأعنّي علىٰ طاعتك ، ووفقني لما أوجبت علي من كلّ ما يرضيك ؛ فإني لم أر

٦٣
 &

أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلّا بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليّ بنعمة أنال بها رضوانك والجنة » ثم تسأل بعد ذلك حاجتك ؛ فإني أرجو أن لا يخيبك إن شاء الله تعالىٰ (١).

وهذه الرواية تشير الىٰ شروط استجابة الدعاء وآدابه.

وكنا نود في هذا الفصل أن نتحدث أوّلاً عن شروط استجابة الدعاء ، ثم نتحدث عن آداب الدعاء ، لو لا أني واجهت بعض الصعوبة في فرز (الشروط) عن (الآداب) ، وآثرت دمج الشروط والآداب.

وفيما يلي اُشير اشارة سريعة الىٰ طائفة من الشروط والآداب المتعلقة بالدعاء من خلال النصوص الاسلامية.

١ ـ معرفة الله :

من أهم شروط استجابة الدعاء معرفة الله ، والايمان بسلطانه المطلق وقدرته المطلقة علىٰ تحقيق ما يطلبه عبده منه. في الدر المنثور عن معاذ بن جبل ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو عرفتم الله حق معرفته ، لزالت لدعائكم الجبال » (٢).

ورویٰ العياشي في تفسيره عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالىٰ : ( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) ، قال : « يعلمون أني أقدر أن اُعطيهم ما يسألوني » (٣).

وروىٰ الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية نفسها عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « ( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) ليتحققوا أني قادر علىٰ إعطائهم ما سألوه ( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) » (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٩ ، وفلاح السائل : ٣٨ ـ ٣٩ ، وعدة الداعي : ١٦.

(٢) الميزان ٢ : ٤٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٦٤
 &

وروي أن الإمام الصادق عليه‌السلام قرأ : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ).

فسئل : « ما لنا ندعوا ، ولا يستجاب لنا ؟ فقال : لأنكم تدعون من لا تعرفون ، وتسألون ما لا تفهمون » (١).

وفي هذا الحديث تأكيد علىٰ أهمية دور وعي السؤال والمسؤول عنه في امر الاستجابة في الدعاء.

وعن ابي عبدالله الصادق عليه‌السلام : قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله عزّوجلّ ، من سألني ، وهو يعلم اني اضر وانفع استجبت له » (٢).

٢ ـ حسن الظن بالله :

حسن الظن بالله من شعب معرفة الله تعالىٰ ، والله تعالىٰ يعطي عباده بقدر حسن ظنهم به ، ويقينهم بسعة رحمته وكرمه.

في الحديث القدسي : « انا عند ظن عبدي بي ، فلا يظن بي إلّا خيراً » (٣).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادعوا الله ، وانتم موقنون بالاجابة » (٤).

ورویٰ ابن فهد الحلي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة » (٥).

واوحیٰ الله تعالیٰ الیٰ موسیٰ : « ما دعوتني ورجوتني فإني سامع لك » (٦).

عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال : « إذا دعوت فأقبل بقلبك ، وظنّ حاجتك

__________________

(١) الصافي : ٥٧ ، ط. حجرية ايران في تفسير الآية ٨٦ ، من سورة البقرة.

(٢) ثواب الأعمال : ٨٤.

(٣) الميزان ٢ : ٣٧.

(٤) الميزان ٢ : ٣٦.

(٥) عدة الداعي : ١٠٣ ، ووسائل الشيعة ٤ : ١١٠٥ ، ح ٨٧٠٢.

(٦) وسائل الشيعة ٤ : ١١٠٥ ، ح ٨٧٠٣.

٦٥
 &

بالباب » (١).

وفي الحديث القدسي : « انا عند ظنّ عبدي بي فلا يظن بي الّا خيراً » (٢).

وعن الامام الصادق عليه‌السلام : « فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن الاجابة » (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا دعوت فاقبل بقلبك ، وظنّ حاجتك بالباب » (٤).

وفي مقابل ذلك القنوطُ عن رحمة الله ، وعن اجابة الدعاء ، وهو من اسباب ابتعاد الانسان عن رحمة الله ، فقد يدعو الانسان فيؤخر الله تعالىٰ الاجابة لامر يعود إليه بالصلاح ، ولا يعرفه ، ويعرفه الله فيسوء ظنه بالله تعالىٰ ، ويقنط من رحمته عز شأنه ، فيحجبه هذا القنوط واليأس عن رحمة الله.

عن الامام الصادق عليه‌السلام : « لا يزال العبد بخير ورجاء ورحمة من الله عزّوجلّ ، ما لم يستعجل ، فيقنط ، ويترك الدعاء. وقيل له : كيف يستعجل ؟ قال : يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرىٰ الاجابة » (٥).

وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، إني قد سألت الله الحاجة منذ كذا وكذا سنة ، وقد دخل قلبي من ابطائها شيء ، فقال : يا أحمد ، إيّاك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتىٰ يقنطك. اخبرني عنك لو أني قلت لك قولاً كنت تثق به منّي ، فقلت له : جعلت فداك ، إذا لم اثق بقولك فبمن اثق ، وأنت حجة الله علىٰ خلقه ؟ قال : فكن بالله اوثق ، فإنك علىٰ موعد من الله عزّوجلّ ، أليس الله يقول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ

__________________

(١) أصول الكافي : ٥١٩ ، ووسائل الشيعة ٤ : ١١٠٥ ، ح ٨٧٠٠.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٠٥.

(٣) أصول الكافي ، باب الاقبال علىٰ الدعاء.

(٤) أصول الكافي ، باب الاقبال علىٰ الدعاء ، ج ٣.

(٥) أصول الكافي : ٥٢٧ ، ووسائل الشيعة ٤ : ١١٠٧ ، ح ٨٧١١.

٦٦
 &

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) وقال :

( لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ) ، وقال : ( وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ) فكن بالله اوثق منك بغيره ، ولا تجعلوا في انفسكم إلّا خيراً فإنّه لغفور لكم » (١).

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام : قال : « إن العبد إذا عجل فقام لحاجته (يعني انصرف عن الدعاء ولم يطل في الدعاء ، والوقوف بين يدي الله طالباً للحاجة) يقول الله عزّوجلّ ، أما يعلم عبدي أني انا الله الذي اقضي الحوائج ؟! » (٢).

وعن هشام بن سالم عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال : « كان بين قول الله عزّوجلّ ، ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ) وبين اخذ فرعون أربعون عاما » (٣).

وعن اسحاق بن عمّار قال : « قلت لأبي عبدالله : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر ؟

قال : نعم ، عشرين سنة » (٤).

٣ ـ الاضطرار الى الله :

ولابدّ في الدعاء أن يلجأ الانسان الىٰ الله تعالىٰ ، لجوء المضطر الذي لا يجد من دون الله عزّوجلّ من يرجوه ومن يضع فيه ثقته ورجاءه ، فإذا توزع رجاء الانسان في الله تعالىٰ وغيره من عباده ، لم ينقطع إلىٰ الله حق الانقطاع ، ولم يجد في نفسه حالة الاضطرار إلىٰ الله ، وهو شرط اساسي في استجابة الدعاء.

عن امير الؤمنين في وصيته لمحمّد بن الحنفية : « وبالاخلاص يكون

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٧١.

(٢) وسائل الشيعة : ١١٠٦ ، ح ٨٧٠٩.

(٣) أصول الكافي : ٥٦٢.

(٤) أصول الكافي : ٥٦٢.

٦٧
 &

الخلاص ، فإذا اشتد الفزع فالىٰ الله المفزع » (١).

ففي حالة الاضطرار ينقطع رجاء الانسان عن كل أحد ، ويفزع الىٰ الله حق الفزع ، ولا يكون له رجاء إلّا عند الله عزّوجلّ.

وروي أن الله اوحیٰ الیٰ عيسیٰ عليه‌السلام :

« ادعني دعاء الحزين الغريق ، الذي ليس له مغيث. يا عيسیٰ ، سلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة » (٢).

وروي عن الامام الصادق عليه‌السلام :

« وإذا أراد احدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا اعطاه فلييأس من الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إلّا عند الله عزّوجلّ ، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلّا اعطاه » (٣).

٤ ـ الدخول من الابواب التي أمر الله تعالىٰ بها :

والدعاء اقبال علىٰ الله تعالىٰ ، فلابد أن يكون هذا الاقبال عن الطرق التي امر الله تعالىٰ بها.

روي أن رجلاً من بني اسرائيل عبد الله تعالىٰ اربعين ليلة ثم دعا الله تعالىٰ ، فلم يستجيب له ، فشكا ذلك إلیٰ عيسیٰ بن مريم عليه‌السلام.

فسأل عيسیٰ بن مريم الله تعالیٰ عن ذلك ، فقال الله : « يا عيسیٰ ، إنه دعاني ، وفي قلبه شك منك » (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١١٢١ ، ح ٨٧٦٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١١٧٤ ، ح : ٨٩٥٨.

(٣) تفسير الصافي : ٥٨ ، ط : ايران الحجرية ، أصول الكافي : ٣٨٢ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٧٤ ، ح : ٨٩٥٦.

(٤) كلمة الله ، ح : ٣٧١.

٦٨
 &

٥ ـ اقبال القلب علىٰ الله :

وهو من أهمّ شروط الاستجابة ، فإن حقيقة الدعاء في اقبال القلب علىٰ الله ، فإذا اشتغل قلب الانسان بغير الله تعالىٰ من شواغل الدنيا لم يحقق الانسان حقيقة الدعاء.

وروي عن الامام الصادق عليه‌السلام : « إن الله عزّوجلّ لا يقبل دعاء بظهر قلب ساه » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن الاجابة » (٢).

وعن أبي عبدالله الصادق قال : « قال أمير المؤمنين : لا يقبل الله عزّوجلّ دعاء قلب لاه » (٣).

وفي الحديث القدسي : « يا موسیٰ ، ادعني بالقلب النقي واللسان الصادق » (٤).

وفي وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « لا يقبل الله دعاء قلب ساه » (٥).

وعن سلمان بن عمرو قال : « سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن الله عزّوجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن الاجابة » (٦).

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أيضاً :

« إنّ الله عزّوجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس » (٧).

فلابدّ في الدعاء من اقبال القلب علىٰ الله ، وحضوره عند الله. و (اللهو)

__________________

(١) أصول الكافي ، باب الاقبال علىٰ الدعاء.

(٢) أصول الكافي ، باب الاقبال علىٰ الدعاء ، ح ١.

(٣) أصول الكافي ، باب الاقبال علىٰ الدعاء ، ح ٢.

(٤) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٣٣٩.

(٦) وسائل الشيعة ٤ : ١١٠٥ ، ح : ٨٧٠٥.

(٧) وسائل الشيعة ٤ : ١١٠٦ ، ح : ٨٧٠٧.

٦٩
 &

و (السهو) و (القسوة) من الحجب والعوائق التي تعيق القلب وتمنعه من الاقبال علىٰ الله.

وفي قراءة الأدعية المأثورة ينبغي أن يستحضر القارئ للدعاء حالة الدعاء ، ويحذر من أن ينفصل قلبه عن لسانه فيشتغل لسانه بقراءة الدعاء ويشتغل قلبه عن لسانه بغير ذلك من شواغل الدنيا.

٦ ـ الخضوع وترقيق القلب :

إذا اراد الانسان أن يصيب دعاؤه الاستجابة فلابدّ له أن يطلب رقة القلب ، ويسعى الىٰ ترقيق قلبه. فإن القلب إذا رق شفّ وزالت الحجب بينه وبين الله تعالىٰ ، وكان قريباً من الله.

ولاُسلوب السؤال والدعاء تأثير في ترقيق القلب. وما ورد من النصوص في التذلل عند الطلب والدعاء ، ورد لتحقيق هذه الغاية.

روى احمد بن فهد الحلّي في عدة الداعي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ابتهل ودعا كان كما يستطعم المسكين (١).

وروي أنه كان فيما أوحىٰ الله عزّوجلّ الىٰ موسىٰ عليه‌السلام :

« ألق كفيك ذُلاً بين يديّ كفعل العُبيد المستصرخ الىٰ سيّده ، فإذا فعلت ذلك رحمت ، وأنا أكرم الاكرمين القادرين » (٢).

وعن محمّد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ : ( فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) (٣) ، فقال عليه‌السلام : الاستكانة هي الخضوع ، والتضرع

__________________

(١) عدة الداعي : ١٣٩ ، والمجالس للمفيد : ٢٢.

(٢) عدة الداعي : ١٣٩.

(٣) المؤمن : ٧٦.

٧٠
 &

هو رفع اليدين والتضرع بهما » (١).

ولأنّ الغاية من هذا الاسلوب في الدعاء لم يكن واضحاً للناس ، كان المشككون يشككون الناس في (اسلوب الدعاء). تریٰ لماذا نرفع اليدين إلیٰ السماء ؟ وهل يكون الله في جهة السماء حتىٰ نرفع يدينا الىٰ السماء ؟ فكان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يوضحون لهم أن الله تعالىٰ في كل مكان ، ولكننا بهذ الاسلوب في الدعاء نتخذ شعار الاستكانة والحاجة بين يدي الله ، فإن رفع اليدين علامة الاستكانة والحاجة. وهذا الشعار له تأثير ايحائي في ترقيق القلب وازالة القسوة عنه ، وتخليصه وتحضيره بين يديه تبارك وتعالىٰ.

روى الطبرسي في (الاحتجاج) أن ابا قرة قال للرضا عليه‌السلام :

« ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم الىٰ السماء ؟ قال أبو الحسن عليه‌السلام : إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة ... واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الأيدي ورفعها الىٰ السماء لحال الاستكانة علامة العبودية والتذلل له » (٢).

ولحظات (الرقة) هي لحظات نزول الرحمة ، وعلىٰ الانسان أن يغتنم هذه اللحظات بالتوجه الىٰ الله للدعاء ، فإن الرحمة نازلة من دون حساب في هذه اللحظات. لا لأن لنزول رحمة الله تعالىٰ وقتاً خاصاً ومحدوداً ، بل لأن لاستقبال الرحمة وقتاً محدوداً وحالة خاصة وهي حالة الرقة ، فإذا رق قلب الانسان امكنه ان يستقبل هذه الرحمة.

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اغتنموا الدعاء عند الرقة فانها رحمة » (٣).

عن أبي بصير عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال : « إذا رقّ أحدكم فليدع ؛

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٣٤٨.

(٢) أصول الكافي : ٥٢٢ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٠١ ، ح : ٨٦٨٧.

(٣) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٣.

٧١
 &

فإنّ القلب لا يرقّ حتىٰ يخلص » (١).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ، فدونك دونك فقد قصد قصدك » (٢).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك وقد قصد قصدك » (٣).

والحديث دقيق ، فإن الاستجابة لها علاقة مباشرة بحالة الداعي ، وإن القلب كلما رقّ ، واستكان ، كان الداعي اقرب الیٰ الاستجابة ، وبعكس ذلك كلّما تمنع القلب وقسیٰ كان ابعد عن الاستجابة.

وقد ورد في النصوص الاسلامية الاستفادة من لحظات انكسار النفس ورقة القلب ، لما يلم بالانسان من المصائب والهموم في هذه الدنيا للتوجه إلىٰ الله بالدعاء والسؤال.

فإن هذه اللحظات تهيئ الانسان للاقبال علىٰ الله ولاستقبال رحمة الله ؛ والسر في ذلك كلّه أن القلب لا يتمكّن من هذا (الاقبال) و (الاستقبال) إلّا في حالات الرقة. وعلىٰ الانسان الذي يريد وجه الله والاقبال عليه تعالىٰ في الدعاء ان يكتسب هذه الرقة.

روي عن اسحاق بن عمّار قال : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ادعو فأشتهي البكاء ، ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقّ وأبكي ، فهل يجوز ذلك ؟ فقال : نعم ، فتذكر فإذا رققت فابك ، وادع ربك تبارك وتعالىٰ » (٤).

وإذا لم يتسنّ له البكاء ليرق قلبه فليتباك ، فإن التباكي يؤدي إلىٰ البكاء ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١١٢٠ ، ح : ٨٧٦١ ، أصول الكافي : ٥٢١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١١٤١ ، ح : ٨٧٦٣.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ١١٤١ ، ح : ٨٧٦٦.

(٤) أصول الكافي : ٥٢٣ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٢١ ، ح : ٨٧٦٧.

٧٢
 &

والبكاء ، يؤدي إلىٰ ترقيق القلب ، ورقة القلب تفتح القلب علىٰ الله تعالىٰ.

عن سعد بن يسار قال : « قلت لأبي عبدالله (الصادق) عليه‌السلام : إني اتباكى في الدعاء ، وليس لي بكاء. قال : نعم » (١).

وعن أبي حمزة قال : « قال أبو عبدالله عليه‌السلام لأبي بصير : إن خفت امراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله فمجّده ، واثن عليه كما هو أهله ، وصلّ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسل حاجتك ، وتباك ... إن أبي كان يقول : إن اقرب ما يكون العبد من الربّ عزّوجلّ وهو ساجد باكٍ » (٢).

٧ ـ مداومة الدعاء في الشدّة والرخاء :

المداومة علىٰ الدعاء في الشدّة والرخاء ، وتقدم الدعاء في الرخاء علىٰ الدعاء في الشدّة مما ورد التأكيد عليه في النصوص الاسلامية.

وقد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« تعرف الىٰ الله في الرخاء يعرفك في الشدة » (٣).

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام :

« من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل البلاء ، وقيل : صوت معروف ، ولم يحجب عن السماء ، ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل البلاء ، وقالت الملائكة : ذا الصوت لا نعرفه » (٤).

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام :

« إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١١٢٢ ، ح : ٨٧٦٩ ، أصول الكافي : ٥٢٣.

(٢) أصول الكافي : ٥٢٤ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٢٢ ، ح : ٨٧٧٠.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٧ ، ح : ٨٦٧٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٦ ، ح : ٨٦٦٤.

(٥) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٦ ، ح : ٨٦٦٥.

٧٣
 &

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أيضاً :

« من سرّه أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرّخاء » (١).

وعنه عليه‌السلام أيضاً :

« كان جدي يقول : تقدّموا في الدعاء ، فإن العبد إذا كان دعّاء فنزل به البلاء فدعا قيل : صوت معروف.

وإذا لم يكن دعّاء ، فنزل به البلاء ، قيل : اين كنت قبل اليوم ؟ » (٢).

وهذه النصوص ترمز الىٰ معنىً ظريف ودقيق ، فإن الدعاء اقبال علىٰ الله ، وأنفذ الدعاء وأقربه الىٰ الاستجابة اكثره اقبالاً علىٰ الله.

فإذا تم الاقبال وخلص القلب ، وتوجه بكلّه إلىٰ الله لم يكن بين الدعاء وبين الاستجابة عند ذلك حجاب ؛ وإذا ضعف الاقبال كانت الاستجابة بقدره ، والاقبال علىٰ الله ، وتحضير القلب عند الله يتم للانسان بكثرة الدعاء.

وهو يتمّ للانسان بكثرة الدعاء ، شأنه في ذلك شأن اي عمل آخر في حياة الانسان ، وكلّما اكثر الانسان من الدعاء تمكن من الاقبال علىٰ الله تعالىٰ اكثر ، وانقاد له قلبه في التوجه الیٰ الله اكثر.

فإذا فاجأه البلاء ، وتوجه الىٰ الله عند نزول البلاء انقاد له قلبه في الاقبال والتوجه بسرعة وبيسر ، وكان دعاؤه قريباً من الاستجابة ، ولم يحل بينه وبين الاستجابة يومئذ شيء.

وروي عن الفضل بن عباس قال : « قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده امامك. تعرّف الىٰ الله في الرخاء يعرفك في الشدة » (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٦ ، ح : ٨٦٦٠.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٦ ، ح : ٨٦٦٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٣٥٨.

٧٤
 &

وعن علي بن الحسين أنه كان يقول : « لم أر مثل التقدم في الدعاء ، فإن العبد ليس تحضره الاجابة في كل ساعة » (١).

وعن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا ذر ، تعرّف إلىٰ الله في الرخاء يعرفك في الشدّة ، فإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » (٢).

وروي أن أبا جعفر عليه‌السلام ، كان يقول :

« ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ، ليس إذا اعطىٰ فتر ، فلا تمل الدعاء فانه من الله عزّوجلّ بمكان » (٣).

٨ ـ الوفاء بعهد الله :

في تفسير القمي عن الصادق عليه‌السلام : قيل له « إن الله تعالىٰ يقول : ادعوني استجب لكم ، وإنا ندعوه فلا يستجاب لنا ، فقال : لأنكم لا توفون بعهد الله ، وإن الله يقول : « أوفوا بعهدي اُوفِ بعهدكم » والله لو وفيتم لله لوفیٰ لكم » (٤).

٩ ـ اقتران الدعاء بالعمل :

من شروط استجابة الدعاء اقتران الدعاء بالعمل ، فلا ينفع الدعاء من غير عمل ولا يغني العمل عن الدعاء.

وهاتان نقطتان : النقطة الاولىٰ أن الدعاء لا يغني عن العمل.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصاياة لأبي ذر :

__________________

(١) الارشاد للمفيد : ٢٧٧.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٩٨ ، عدة الداعي لابن فهد الحلي : ١٢٧.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ١١١١ ، ح : ٨٧٢٩.

(٤) تفسير الصافي : ٥٧ ، ط. حجرية ، تفسير الآية ١٨٦ ، من سورة البقرة.

٧٥
 &

« يا ابا ذر ، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر » (١).

وعن عمر بن يزيد قال : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : رجل قال : لاقعدن في بيتي ، ولأصلين ولأصومن ، ولأعبدن ربّي ، فأما رزقي فسيأتيني ، فقال :

هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام :

« الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر » (٣).

وعنه عليه‌السلام أيضاً :

« ثلاثة ترد عليهم دعوتهم :

رجل جلس في بيته وقال : يا رب ارزقني ، فيقال له : ألم اجعل لك سبيلاً إلىٰ طلب الرزق ... » (٤).

والنقطة الثانية أن العمل لا يغني عن الدعاء.

وقد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

« يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملاً واحداً ، فيرىٰ احدهما صاحبه فوقه فيقول :

يا رب ، بما اعطيته وكان عملنا واحداً ؟

فيقول الله تعالىٰ : سألني ، ولم تسألني.

ثم قال : اسألوا الله من فضله ، وأجزلوا فإنه لا يتعاظمه شيء » (٥).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : « إنّ لله عباداً يعملون فيعطيهم ، وآخرين

__________________

(١) وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة ، أبواب الدعاء ، باب ٣٢ ، ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١١٦٠ ، ح : ٨٩١٣.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ١١٧٥ ، ح : ٨٩٦٥.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ١١٧٥ ، ح : ٨٩٦٥.

(٥) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٤ ، ح : ٨٦٠٨.

٧٦
 &

يسألون صادقين فيعطيهم ، ثم يجمعهم في الجنة ، فيقول الذين عملوا : ربّنا عملنا فأعطيتنا ، فبما أعطيت هؤلاء ؟

فيقول : هؤلاء عبادي. اعطيتكم اجوركم ولم ألتْكم من أعمالكم شيئاً ، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم ، وهو فضلي اُوتيه من اشاء » (١).

١٠ ـ الدعاء ضمن السنن الالهية :

ليس الدعاء اختراقاً لسنن الله تعالىٰ في الطبيعة والكون والمجتمع والتاريخ. وسنن الله تعالىٰ لا تتحول ولا تتبدل.

وعلىٰ الداعي أن لا يطلب في دعائه ما يخالف سنن الله تعالىٰ في المجتمع والتاريخ أو في الطبيعة والكون ، أو ما يخالف احكام الله التشريعية.

وقد سئل أمير المؤمنين : « أي دعوة اضل ؟

قال : الداعي بما لا يكون » (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يكون وما لا يحل ».

و (ما لا يكون) هو طلب تغيير السنن الالهية في المجتمع والتاريخ أو الطبيعة والكون.

و (ما لا يحل) هو مخالفة النظام التشريعي لله تعالىٰ في حياة الانسان.

وفي ذلك يقول تعالىٰ : ( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ) (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٤ ، ح : ٨٦٠٩.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٢٤.

(٣) التوبة : ٨٠.

٧٧
 &

١١ ـ اجتناب الذنوب :

ومن شروط الاستجابة اجتناب الذنوب والتوبة عنها ، فإن جوهر الدعاء الاقبال علىٰ الله تعالىٰ ، وكيف يتأتى الإنسان يمارس معصية الله تعالىٰ ، ويعرض عن أمره وحكمه ، ولم يتب إلىٰ الله ، كيف يتأتىٰ له أن يقبل علىٰ الله ؟

عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إن العبد يسأل الله الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلىٰ اجل قريب ، أو الىٰ وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً ، فيقول الله تعالىٰ للملك : لا تقض حاجته ، واحرمه إيّاها ، فإنه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان مني » (١).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « مرّ موسى عليه‌السلام برجل وهو ساجد ، فانصرف من حاجته وهو ساجد ، فقال عليه‌السلام : لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك ، فأوحىٰ الله إليه ، يا موسیٰ ، لو سجد حتیٰ ينقطع عنقه ما قبلته « ما استجبت له » حتیٰ يتحوّل عما اكره إلىٰ ما احب » (٢).

١٢ ـ الاجتماع للدعاء وطلب التأمين من المؤمنين :

مما ورد التأكيد عليه في النصوص الاسلامية الدعاء في اجتماع المؤمنين. فإن اجتماع المؤمنين بين يدي الله تعالىٰ دائماً من منازل رحمة الله تعالىٰ. ولم يجتمع جمع من المؤمنين ، ولله تعالىٰ في اجتماعهم رضاً إلا كان اجتماعهم قريباً من رحمة الله تعالىٰ ، ومن منازل رحمته وفضله.

عن ابن خالد قال : « قال أبو عبدالله الصادق عليه‌السلام : ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا ودعوا الله عزّوجلّ في أمر إلّا استجاب لهم ، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة

__________________

(١) أصول الكافي : ٤٤٠.

(٢) عدة الداعي : ١٢٥.

٧٨
 &

يدعون الله عزّوجلّ عشر مرات إلّا استجاب الله لهم ، فإن يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرّة ، فيستجيب الله العزيز الجبار لهم » (١).

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال :

« كان أبي إذا حزبه أمر دعا النساء والصبيان ، ثم دعا وأمّنوا » (٢).

١٢ ـ الترسل في الدعاء :

ومما ينبغي أن ننتبه إليه في الدعاء أن لا يفقد الداعي في الدعاء حالة الترسل في السؤال والطلب من الله. فإن حقيقة الدعاء وروحه هو الاقبال علىٰ الله بالسؤال ، والالحاح والتضرع في الطلب ، وقراءة الادعية المأثورة وترتيلها. ينبغي أن لا يفقد الداعي هذه الحالة ، ففي حالة الترسل في الدعاء من دون تكلّف قد يجد الانسان في نفسه من الاقبال والتوجه إلىٰ الله والتضرع والرقة ما لا يجده في حالة قراة الادعية الماثورة.

اذن ينبغي للداعي أن يحتفظ في نفسه بـ (حالة الدعاء) بما في هذه الحالة من الترسل ، وعدم التكلّف في التوجه إلىٰ الله والتضرع بين يديه. وقد كان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يفضلون للداعي احياناً أن يدعو مترسلا بما يخطر علىٰ باله ، ولا يدعو بالمأثور لئلا يفقد الدعاء بالمأثور حالة الترسل والاسترسال في الدعاء.

روي عن زرارة قال : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : علمني دعاءً.

فقال : إن أفضل الدعاء ما جرىٰ علىٰ لسانك » (٣).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام انه سأله سائل أن يعلمه دعاءً ، فقال : « إن أفضل

__________________

(١) أصول الكافي : ٥٢٥.

(٢) أصول الكافي : ٥٢٥ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٤٤ ، ح : ٨٨٦٣.

(٣) الامان من الاخطار ، لابن طاووس : ٣.

٧٩
 &

الدعاء ما جریٰ علیٰ لسانك » (١).

١٤ ـ تحضير النفس للدعاء بالحمد والاستغفار والصلاة :

الدعاء اقبال علىٰ الله ، ولابدّ لهذا الاقبال من تحضير للنفس.

ومن التحضير لذلك البدء بحمدالله تعالىٰ والثناء عليه والشكر لنعمائه وفضله ، والاستغفار بين يدي الله من الذنوب ، والصلاة والسّلام علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته ، فإن ذلك من أساليب الإعداد والتحضير النفسي للدعاء ، ويتهيّأ الإنسان خلال هذا التقديم للاقبال علىٰ الله والسؤال والطلب من الله.

وقد ورد الحمد ، والثناء ، والشكر ، والاستغفار والصلاة علىٰ رسول الله وأهل بيته في مقدمة أكثر الادعية كما يتخلل الكثير منها.

عن العيص بن قاسم قال : « قال أبو عبدالله عليه‌السلام : إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن علىٰ ربّه وليمدحه ... فإذا طلبت الحاجة فمجدوا الله العزيز الجبار ، وامدحوه ، واثنوا عليه ، تقول : يا أجود من اعطىٰ ، ويا خير من سئل ، ويا أرحم من استرحم ، يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً احد ، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، يا من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضي ما أحب ، يا من يحول بين المرء وقلبه ، يا من هو بالمنظر الاعلی ، يا من ليس كمثله شيء ، يا سميع يا بصير. وأكثر من اسماء الله عزّوجلّ فإن اسماء الله عزّوجلّ كثيرة ، وصلّ علىٰ محمد وآل محمد ، وقل : اللّهم أوسع عليّ من رزقك الحلال ما اكفّ به وجهي ، واُؤدي به عني (عن) امانتي ، واصل به رحمي ، ويكون عوناً لي في الحج والعمرة وقال : إن رجلاً دخل المسجد فصلىٰ ركعتين ثم سأل الله عزّوجلّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجّل العبد ربه ، وجاء آخر فصلیٰ رکعتين ثم اثنیٰ علیٰ الله عزّوجلّ

__________________

(١) المصدر السابق.

٨٠