الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام

الشيخ محمد مهدي الآصفي

الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

الشيخ محمد مهدي الآصفي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

نحاربهم هم أعداء الله ورسوله وأئمة الكفر.

إن المساحة المؤمنة من المجموعة البشرية بعضهم من بعض ، وبعضهم أولياء بعض ؛ يجمعهم الولاء لله وللرسول ، وحبّ الله ورسوله ، ويجمعنا بهم هذا الولاء والحبّ ... ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ ) (١).

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (٢).

وهذه هي مساحة الولاء في الساحة البشرية.

ومساحة البراءة علىٰ الأرض ، وفي المجتمع هي المساحة التي تضم أعداء الله ورسوله من الكفار ، والمشركين ، ومن أئمة الكفر من الذين يحادّون الله ورسوله ، ويشاقّونهها ، ويصدون الناس عن دين الله ، ويحاربون الله ورسوله.

هؤلاء يشكّلون جبهة متميزة علىٰ وجه الارض ... تقف دائماً في قبال الجماعة المؤمنة ، وتضمر لها الكيد والمكر ، وترث العداء للمؤمنين خلفاً عن سلف ، ولن تكفّ عن محاربة الامة المسلمة حتىٰ تتبع ملّتها. ولن يهدأ لهم بال ما دام لهذا الدين قائمة علیٰ وجه الارض. ( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) (٣).

هؤلاء بعضهم أولياء بعض ، وبعضهم من بعض ، اُمة واحدة في قبال الامة المسلمة ... والموقف منهم المفاصلة التامة. ليست بيننا وبينهم صلة أو مودّة ، ومن

__________________

(١) التوبة : ٧١.

(٢) الانفال : ٧٢.

(٣) البقرة : ١٢٠.

٢٤١
 &

يتخذهم منا أولياء فهو منهم ، وينقطع ما بيننا وبينه من وشيجة الولاء.

والقرآن الكريم صريح وحاسم في تقرير هذه الحقيقة. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (١).

مساحة الحبّ والبغض للنفس :

وما سبق من الحبّ والبغض هو الحبّ النابع من الولاء ، والبغض النابع من البراءة ، إلّا أن الاسلام لا يمنع المسلم من أن يحبّ لنفسه ، أو يبغض لنفسه في مساحة محدودة ، وإن كان يسعىٰ لتهذيب القلب المؤمن حتىٰ لا يحبّ إلّا في الله ولا يبغض إلّا في الله.

ومع ذلك يُخضع هذه المساحة من الحبّ والبغض النفسيين لضابطة دقيقة. وتلك أن لا يحبّ من يبغضه الله ومن يحارب الله ورسوله ، ولا يبغض أولياء الله والمؤمن بالله ورسوله.

فليس للمؤمن خيار في هاتين الحالتين ، ولا يجوز له أن يضمر كرهاً لمؤمن أو يضمر حباً لكافر.

ثالثاً : تحكيم الحبّ في الله :

تحكيم (الحبّ في الله) علىٰ كل علاقاته وصلاته ، وميوله القلبية تماماً ، كما كان عليه أن يحكّم حبّ الله علىٰ كل علاقاته.

فليس من حظْرٍ في الاسلام علىٰ المسلم أن يحبّ الانسان لنفسه ما يشاء

__________________

(١) المائدة : ٥١.

٢٤٢
 &

وما تهوىٰ نفسه ، وإن كان من منهج التربية الاسلامية أن يسعىٰ ليكون (حبّ الله) هو مصدر كل حبّ في حياته ، حتىٰ لا يحبّ شيئاً إلّا لله.

ولكن لا يجوز أن يكون حبّه لشيء أشدّ من حبّه لله. وهذه هي اُولىٰ الضابطتين السابقتين في الحبّ ، ولا يجوز له أن يحبّ من يبغضه الله ، أو يبغض من يحبّه الله وهذه هي ثانية الضابطتين. والضابطة الثالثة التي نذكر هنا ألّا يجعل من (حبّه لنفسه) محوراً حاكماً للحبّ والبغض بمعزل عن الضوابط الشرعية للحبّ والبغض ، بعكس (الحبّ في الله) فإنه المحور الحاكم للحبّ والبغض في حياة الانسان ، فما كان من الحبّ في الله فهو حاكم علیٰ كل علاقات الانسان ، وما كان من الحبّ للنفس فهو محكوم لضوابط الحبّ والبغض في الاسلام.

وهذا هو الفرق الثالث بين (حبّ الله) و (الحبّ في الله) من جانب وبين الحبّ للنفس من جانب آخر.

وهذا هو معنىٰ محورية الحبّ في الله في علاقات المسلم وميوله القلبية ، كما كان حبّ الله محوراً للحبّ والبغض في حياة الانسان المسلم.

ونفس محورية (الحبّ في الله) وتحكيمه علىٰ علاقات الانسان وميوله ضمن نقطتين :

النقطة الاولىٰ : أن يحكّم (الحبّ في الله) سلباً في نفي ما لا ينسجم مع الحبّ في الله من حبّ ، وإيجاباً في إثبات ما يتطلّبه الحبّ في الله من حبّ.

فإن (الحبّ في الله) ، كما كان الأمر في (حبّ الله) ، يستتبع حبّاً وبغضاً ... ولن يكون المسلم صادقاً في (حبّه في الله) إلّا إذا حكّم حبّه في الله في كل علاقاته وميوله ، واستجاب لكل ما يستتبعه (الحبّ في الله) من حبّ وبغض ، وكما لم يكن له خيار في (الحبّ في الله) و (البغض في الله) ، ليس له خيار فيما يستتبعه الحبّ في الله

٢٤٣
 &

من حبّ وبغض.

فإن امتداد (الولاء) في علاقات الانسان وارتباطاته وصلاته وميوله وتعلّقاته القلبية لا حدّ لها ، وإذا استجاب الانسان للولاء فلا خيار له فيما يستتبعه الولاء من حبّ وبغض ، مهما امتدّ في حلقات سلسلة الوشائج والعلاقات.

ولعل هذا الحديث الذي رواه الفريقان من المسلمين في حبّ أهل البيت عليهم‌السلام لحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحبّ الله ... بهذا التسلسل الولائي ... ما يلقي الضوء علىٰ مسألة تحكيم الحبّ في الله علىٰ صلات المسلم وعلاقاته وميوله القلبية.

عن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّوا اللهَ لما يغذوكم من نعمه ، وأحبّوني بحبّ الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي » (١).

فلن يكون حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبّ في الله حقاً إلّا إذا كان المسلم يستجيب لكل ما يستتبعه هذا الحبّ من حبّ وبغض « وأحبّوا أهل بيتي لحبّي ».

هذا في الجانب الايجابي فيما يستتبعه الحبّ في الله من حبّ وأما في الجانب السلبي فإن الحبّ في الله کـ (حبّ الله) ، قضيته مبدئية في حياة الانسان تستتبع البغض والكره والحرب أحياناً ، وتكلف الانسان الكثير في هذا الجانب ، ومن دون هذه الناحية السلبية لن يكون الانسان صادقاً في حبّه وولائه.

فلن يكون الحبّ في الله أمراً شاقاً ، لو لم يستلزم مثل هذه التبعات في حياة الانسان وعلاقاته وميوله وصلاته ، ولو لم يتطلب من الانسان أن يدفع ضريبة هذا الحبّ من علاقاته وصلاته ، ومن ذات نفسه وميوله وتعلّقاته.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٢٢ ، ح ٣٧٨٩ ، ط. دار الفكر ، والمستدرك علیٰ الصحيحين للحاكم النيسابوري ٣ : ١٥٠. قال الحاكم : وهذا حديث صحيح الاسناد لم يخرجاه. وبحار الانوار ٧٠ : ١٤. وأمالي الصدوق : ٢١٩. وعلل الشرائع ١ : ١٣٩ ، ط. المكتبة الحيدرية. وأمالي الطوسي ١ : ٢٨٠. وبشارة المصطفیٰ : ١٦١.

٢٤٤
 &

والشواهد علىٰ حاكمية الحبّ في الله في الشريعة كثيرة نذكر جملة من هذه الشواهد :

عن زيد بن أرقم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام : « أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم » (١).

وعن أبي هريرة قال : « نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (٢).

وفي حديث الغدير يقول البراء بن عازب : « أخذ (رسول الله) بيد علي ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » (٣).

وعن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « ألستم تعلمون ، أو ألستم تشهدون أني أولىٰ بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلىٰ. قال فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه. اللّهم عادِ من عاداه ووالِ من والاه » (٤).

والأحاديث بهذا المضمون كثيرة.

(فالحبّ في الله) ـ إذن ـ محور حاكم في حياة الإنسان يستتبع الحبّ والبغض ، والولاء والعداء.

وقد ورد هذا المضمون في الزيارات المأثورة لأولياء الله وأئمة المسلمين كثيراً. ففي زيارة سيد الشهداء الحسين عليه‌السلام (فمعكم معكم لا مع عدوكم) (٥).

فإن محبّة الحسين عليه‌السلام ، عندما تكون لله ، تتطلّب المفاصلة والمقاطعة مع

__________________

(١) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ : ١٤٩.

(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ : ١٤٩ ، قال الحاكم : هذا حديث من حديث أبي عبدالله أحمد بن حنبل. وقد أخرج الفقيد السعيد الشيخ عبدالحسين الاميني رحمه‌الله حديث الغدير عن مئة طريق فزائداً في كتابه القيم (الغدير) الجزء الاول منه.

(٣) المصدر السابق.

(٤) مسند الامام أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١.

(٥) مفاتيح الجنان ـ زيارة الاربعين للامام الحسين عليه‌السلام.

٢٤٥
 &

أعدائه (لا مع عدوكم) ، ومن دون هذه المقاطعة والمفاصلة لا تكتسب هذه المحبّة قيمتها الحقيقية.

وهذه هي النقطة الاولىٰ في (الحبّ في الله).

النقطة الثانية : أن يحكّم المؤمن (الحبّ في الله) في درجات الحبّ وفي الايثار وتقديم حبّ علىٰ حبّ وتفضيل أمر علىٰ آخر.

فإذا تزاحمت الميول ، والعلاقات ، والتعلّقات القلبية قدّم منها ما كان في الله وأخّر منها ما كان لنفسه ، وآثر منها ما كان لله علىٰ ما كان لنفسه ، ضمن الضوابط الواردة في الشريعة في تقديم الأهم علىٰ المهم.

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتىٰ أكون أحبّ إليه من ماله وولده » (١).

ورواه مسلم في الصحيح عن أنس بالصورة التالية : « لا يؤمن عبد حتىٰ أكون أحبّ إليه من أهله وماله ومن الناس أجمعين » (٢).

وعن طريق ابن ليلىٰ الانصاري عن رسول الله : « لا يؤمن عبدٌ لله حتىٰ أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله » (٣).

وعندما يكون الحبّ في الله حاكماً علىٰ علاقات الانسان وتعلّقاته النفسية يتحول إلىٰ محور حاكم في حياة الانسان.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٦ ، ط. دار الطباعة ، سنة ١٢٨٦.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٩ ، ط. دار الفكر ، بيروت. ورواه في كنز العمال ١ : ٣٧. حديث ٧٠.

(٣) نقله الشيخ عبدالحسين الاميني في كتابه سيرتنا وسنتنا سيرة نبينا وسنته : ١١ ، عن النصيبي في الجزء الثاني من أحاديثه ، والحافظ البيهقي في شعب الايمان والديلمي في مسنده ، ورواه العلامة المجلسي في البحار باختلاف يسير ٢٧ : ٧٦.

٢٤٦
 &

وبهذا يختلف (الحبّ في الله) عن (حبّ النفس) الذي يقع في الدائرة المسموح بها إسلامياً.

فإن الثاني يقع دائماً محكوماً للاول ، فحبّ القوم والوطن أمر جائز ولم يمنع عنه الاسلام « في الدائرة المسموح بها شرعاً » إلّا أن هذا الحبّ لا يشكّل محوراً حاكماً في العلاقات الاجتماعية والتعلّقات القلبية ، ويكون محكوماً لضوابط (حبّ الله) و (الحبّ في الله).

فلا يجوز للانسان أن يمتدَّ مع حبّه لقومه ووطنه في كل مستلزمات هذا الحبّ وتوابعه ، من دون قيود. ولا يسمح للانسان أن يحبّ اعداء الله ورسوله من قومه ووطنه ، كما لا يجوز أن يبغض المؤمنين من غير قومه ووطنه ... فيجب عليه أن يحبّ المؤمنين من غير قومه ووطنه ، ويبغض ويحارب أعداء الله ورسوله من قومه وعشيرته ووطنه.

سئل علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام عن العصبية. فقال : « العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرىٰ الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه علىٰ الظلم » (١).

وأما حبّ الاسلام والامة الاسلامية ، فإنه لما كان من مصاديق (الحبّ في الله) ، فإنه يمتدّ إلىٰ كل مستلزماته ومتطلباته ، فيجب علىٰ المؤمن أن يحبّ كل المسلمين من قومه ووطنه ، ومن غير قومه ووطنه ، ويحارب كل أعداء الله والمعتدين من قومه ووطنه ومن خارج قومه ووطنه.

فيكون الحبّ الاول من الحبّ المسموح به والمحكوم بضوابط الحبّ في الله

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ٤٠٨. وبحار الأنوار ٧٣ : ٢٨٨.

٢٤٧
 &

وليس من (الولاء) لغير الله.

بينما يكون الحبّ الثاني من الولاء الحاكم علىٰ كل علاقاته وتعلّقاته بالقومية والوطنية.

إن ظاهرة القومية والوطنية التي عمّت العالم الاسلامي ، والتي استوردها المسلمون من الغرب في الأغلب ، ليست حبّاً ساذجاً فقط محكوماً لضوابط الولاء الاسلامي وللحبّ والبغض لله وفي الله ، وإنما تشكّل محوراً جديداً وحاكماً للحبّ والبغض في حياة الانسان المعاصر في مقابل محور حبّ الله والحبّ في الله.

وإنما نقول عنها أنها تشكّل محوراً جديداً في الحبّ والبغض ؛ لأن القومية والوطنية في مفهومها المعاصر توجّه عواطف الانسان وأحاسيسه من خلال قناة الانتماء القومي والوطني ، فيحبّ من الرجال والابطال ، والشعراء ، والاساطير ، والادب والحوادث ، والوقائع ، ما يتصل بقومه ووطنه طابت أم خبثت ، ويكره من الاقوام والابطال والشعر والاساطير والحوادث والايام ما كان في اتجاه مخالف لقومه ووطنه ، طابت أم خبثت.

وعلىٰ هذا الاساس تقوم الاتجاهات القوميه الحديثة في العالم الاسلامي بإحياء الحضارات الفرعونية ، والأشورية ، والبابلية ، والمجوسية لربط حاضر المسلمين بماضيهم ، طاب هذا الماضي أم كان خبيثاً.

فالقومية والوطنية ـ إذن ـ في مفهومها المعاصر ، اتجاه لإقامة محاور جديدة للولاء في مقابل الولاء لله ولرسوله.

وإنما نقول في مقابل الولاء لله وللرسول ، ولا نقول في عرض الولاء لله وللرسول ، أو مع الولاء لله وللرسول ، مع أن هذه المحاور القومية والوطنية لا تنفي الولاء لله وللرسول غالباً ، ومع ذلك نقول عنها إنها محاور جديدة للولاء في قبال الولاء لله وللرسول ؛ لأن مسألة الولاء لا تتقبل التعدد والتوزّع ، ومتىٰ يطرح ولاء

٢٤٨
 &

جديد في عرض الولاء لله وللرسول فإنها تنفي الولاء لله وللرسول لا محالة. فإن مسألة الولاء مسألة التوحيد دائماً ، فإما أن يكون للانسان ولاء لله ، فلا يكون له لغير الله تعالىٰ ولاء ، وإما أن لا يكون له لله وللرسول ولاء فيختار الانسان لولائه وحبّه وبغضه ما يشاء من المواضيع.

إن جوهر (الولاء) وقيمة (الولاء) في التوحيد ، فإذا انتفیٰ التوحيد ينتفي الولاء رأساً ، ونحن إذا أدركنا هذه الحقيقة في معنىٰ الولاء نستطيع أن نفهم معنیٰ (الولاء) ، ومن دونها يبقیٰ فهمنا لمسألة الولاء فهماً عامياً ساذجاً ، ينسجم الولاء فيه مع الولاء لكل أحد ، ولكل شيء ، حتىٰ مع الولاء لأعداء الله ، فيجتمع حبّ الله والولاء له ولأنبيائه عليهم‌السلام مع حبّ فرعون والولاء له ، ويجتمع حبّ الاسلام والولاء له مع حبّ الحضارات المجوسية والفرعونية والبابلية والولاء لها.

وعندما يهبط الولاء إلىٰ هذا المستوىٰ يفقد الولاء كل محتواه وقيمته وأثره.

فالحبّ في الله ـ إذن ـ يشكّل في حياة الإنسان المسلم محوراً للولاء في السلب والايجاب ، والحبّ والبغض ، والقرب والبعد ، ويكون حاكماً علیٰ كل علاقات الانسان وتعلّقاته وميوله وتوجّهاته.

وكل حبّ آخر لا ينافي الحبّ لله فهو مسموح به وجائز علىٰ أن يبقیٰ محكوماً للحبّ لله. وحتىٰ عندما يحبّ المسلم طائفتين مسلمتين في الله ولا يتخاصمان في أمر فلا يمكن أن يجمع بينهما الانسان في الحبّ ، ويضطر لاتخاذ موقف مختلف لكل منهما. فإن ضوابط الحبّ في الله هي التي تتحكّم في اتخاذ مثل هذا الموقف ، ولا يترك الأمر في مثل هذه المواقف لعواطف الانسان تجاههما ، ودرجة حبّه وتعلّقه بكل واحدة منهما ، فيؤثر منهما من كان أقرب إلىٰ نفسه ... ، ويقف من الاُخرىٰ موقفاً يميل إلىٰ السلب ... أقول : ليس للمسلم في مثل هذه المواقف ، وهو يحب الطائفتين في الله ، أن يرسل عواطفه تجاههما لضوابط الحب في الله بدقة ،

٢٤٩
 &

فيحاول أن يصلح بينهما ما استطاع إلىٰ ذلك سبيلاً ، وإن بغت إحداهما علىٰ الاخرىٰ وقف مع الفئة المعتدىٰ عليها ضد الفئة الباغية المعتدية ، بحزم وقوة ، ومن دون أن يميل مع ميوله وعلاقاته النفسية ، ويحسب حساباً لقرب إحداهما منه أو بعدها ، ومن دون أن يرقّ أو يلين للفئة الباغية علىٰ حساب الحق ، وإذا لم ترتدع الفئة الظالمة عن بغيها وغيّها ، أعلن عليها الحرب وقاتلها إلىٰ جنب الفئة المعتدىٰ عليها ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (١).

فالحبّ في الله ـ إذن ـ محور حاكم في حياة الانسان المسلم. يرسم له خريطة واضحة لعلاقاته في المجتمع والاسرة ولقربه وبعده ، وحبّه وبغضه.

ومن خصائص هذا المحور انه يرفض دائماً أي محور إلىٰ جنبه ، مهما يكن ذلك المحور.

وهذه الفقرة بحاجة إلىٰ مزيد من التوضيح ؛ فإن الله كريم ، ومن طبع الكريم الكرم والاحسان والعطاء.

ولكن نعم الله تعالىٰ لا تعبّر فقط عن كرمه وجوده سبحانه وتعالىٰ ، وإنما تعبّر عن معنىً آخر غير الكرم والجود ، وهو التحبّب إلىٰ عباده.

فإن الله تعالىٰ عندما ينعم علىٰ عباده يريد أن يتحبب إليهم ، ويدعوهم إلىٰ حبّه.

وواضح لمن يقرأ كتاب الله أن القرآن الكريم يحرص علىٰ توظيف النعمة في توجيه الانسان إلىٰ حبّ الله وحمده وشكره.

__________________

(١) الحجرات : ٩.

٢٥٠
 &

تأملوا في هاتين الآيتين الكريمتين من سورة الزخرف ، وهما مثل واحد علىٰ ما نقول : ( وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (١).

إذن الغاية من الفلك والانعام والدواب ثلاثة ، وليست واحدة :

١ ـ ( لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ) ، وهي الاستفاده من النعمة.

٢ ـ ثم ( تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) ، وهي وعي النعمة.

٣ ـ ثم تقولوا ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) ، وهي الشكر والحمد والتسبيح.

والذين يتلقّون نعم الله تعالیٰ من دون وعي وحمد ـ كالبهائم ـ يستفيدون في الحقيقة من النعمة استفادة ناقصة ؛ فإن النعمة تزوّد الجسم والروح والعقل والقلب.

والذين يستفيدون من النعمة فائدة ناقصة يحرمون عقولهم وقلوبهم وأرواحهم من النعم الإلهية.

كما تحفل النصوص الاسلامية بتوجيه الانبياء والدعاة إلىٰ الله بدعوة الناس إلىٰ الله ، وتحبيب الله إليهم من خلال (النعمة).

في الحديث القدسي : « أوصىٰ الله تعالىٰ إلىٰ موسىٰ عليه‌السلام : أحببْني وحبّبْني إلىٰ خلقي. قال موسىٰ : يا رب ، إنك لتعلم أنّه ليس أحدٌ أحبَّ إلَيَّ منكَ ، فكيف لي بقلوب العباد ؟

فأوحىٰ الله إليه : فذكّرْهم نعمتي وآلائي فإنهم لا يذكرون مني إلّا خيراً » (٢).

__________________

(١) الزخرف : ١٢ ـ ١٣.

(٢) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٢.

٢٥١
 &

وقال الله عزّوجلّ لداود : « أحببْني وحبِّبْني إلىٰ خلقي. قال : يا ربِّ نعم أنا اُحبُّكَ ، فكيف اُحبِّبكَ إلىٰ خلقك ؟

قال : اذكر أياديَّ عندهم ، فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبّوني » (١).

والله يغار علیٰ عبده :

ومن حبّ الله تعالىٰ لعبده أنه يغار علىٰ عبده ، ويحبّ أن يخلو له وجه عبده ، ويفرغ له قلبه وقد تحدّثنا عن هذه النقطة ، فلا نعيد.

ويدعوهم إلىٰ التوبة :

ومن حبّه تعالىٰ لعباده أنهم إذا عصوه وأعرضوا عنه لم يعرض عنهم ، وإنما يمدّ إليهم حبل المودة ، ويدعوهم إلىٰ العودة ، ويفتح عليهم أبواب التوبة : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (٢).

ويأخذهم بالبأساء والضراء :

وإن لم يتوبوا ، ولم يرجعوا إليه ، واستمرّوا في إعراضهم وصدودهم لم يعرض عنهم الله ، ولم يقطع عليهم طرق العودة ، وإنما يبتليهم ، ويأخذهم بالبأساء والضراء ، لعلّهم يضّرعون ويعودون. ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) (٣).

وقد ورد في المناجاة الثامنة للامام علي بن الحسين عليهما‌السلام : « فيا من هو علىٰ المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائدٌ مفضل ، وبالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف ، وبجذبهم الىٰ بابه ودود عطوف » (٤).

فهو سبحانه عطوف ، ودود ، حتىٰ علىٰ الغافلين ، والمعرضين عنه ، (يحبّ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) النساء : ١١٠.

(٣) الاعراف : ٩٤.

(٤) مفاتيح الجنان ، المناجاة الثامنة.

٢٥٢
 &

عباده) ، و (يتحبّب إليهم) ، (ويمنحهم الحبّ) ، (ويفتح إليهم طريق العودة إلىٰ الحبّ إذا أعرضوا عنه).

وعليه ، فإن الله تعالىٰ هو مصدر الحبّ وغايته. ومن أراد الحبّ الإلهي ، فعليه أن يطلبه من الله.

وفي نصوص الادعية نلتقي بكثرة سؤال (الحبّ) من الله تعالىٰ ، وقد عرضنا بعض هذه النماذج خلال هذا الحديث.

وفي دعاء الامام علي بن الحسين عليهما‌السلام : « اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حبّاً لك ، وخشية منك ، وتصديقاً لك ، وإيماناً بك ، وفرقاً منك ، وشوقاً إليك » (١).

وفي الدعاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم اجعل حبَّك أحبَّ الاشياءِ إليَّ ، واجعل خشيتَك أخوفَ الاشياء عندي ، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلىٰ لقائِك » (٢).

وفي الدعاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : « اللهم إني أسألك حبّك ، وحبّ من يحبّك ، والعملَ الذي يُبلغني حبَّك. اللهم اجعل حبّك أحبَّ إليَّ من نفسي وأهلي » (٣).

وفي المناجاة السابعة من المناجيات الخمسة عشرة : « اللهم احملنا في سفن نجاتك ، ومتّعنا بلذيذ مناجاتك ، وأوردنا حيّاض حبّك ، وأذقنا حلاوة ودّك وقربك ، واجعل جهادنا فيك ، وهمّنا في طاعتك ، واخلص نياتنا في معاملتك ، فإنّا بك ، ولك ، ولا وسيلة لنا إليك إلّا أنت » (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٨ : ٩٢.

(٢) كنز العمال ، ح ٣٦٤٨.

(٣) كنز العمال ، ح ٣٧١٨.

(٤) مفاتيح الجنان : المناجاة السابعة.

٢٥٣
 &

كيف نحبّ الله ؟

ذكرنا أنّ الله تعالىٰ يتحبّب إلى عباده بالنعم ، وهذه حقيقة ثابتة لا حاجة للحديث عنها ، والذي يهمّنا هنا هو أن نقول : إنّ وعي النعمة هو العامل الأساسي والرئيس في حبّ الله.

وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فتلقّاها عن وعي كان لهذا الوعي أثران مباشران في علاقته بالله تعالىٰ :

أحدهما : الشكر ، والثاني : الحبّ ، وكلاهما يرفعان الإنسان إلى الله ، وطريقان يسلكهما الإنسان الى الله.

والعلاقة بين (الشكر) و (النعمة) علاقة تبادلية جدلية ، كلما أنعم الله على عبد استدعته النعمة إلى الشكر ، وكلما شكر العبد ربّه زاده الله تعالىٰ من نعمه ، ( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) (١) وزيادة النعم تستدعي مزيد الشكر ، وهكذا يتمّ الصعود إلى الله تعالىٰ.

وأمّا إذا تلقّی الانسان النعمة من غير وعي ، فإنّها تورثه البطر والرياء والغرور والطغيان ( كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) (٢).

والنعمة تمنح الإنسان تارة حبّ الله وشكره ، وتثير في نفسه تارة اُخرى الغرور والبطر والرياء والطغيان.

والفرق بين هذا وذاك (الوعي) ، ولذلك يحرص القرآن على التذكير بنعم الله تعالیٰ ، وهذا التذكير يشغل مساحة واسعة من القرآن.

فنجد أنّ القرآن يحاول أن يفتح عقل الإنسان وقلبه على طائفة واسعة من نعم الله التي يغفل عنها الإنسان عادة. فإنّ الإنسان يألف هذه النعم في حياته

__________________

(١) ابراهيم : ٧.

(٢) العلق : ٦ ـ ٧.

٢٥٤
 &

اليومية كثيراً ، ومن طبيعة هذه الاُلفة أن يتبلّد الذهن ، فلا يحس الإنسان بقيمة هذه النعم وجمالها ، نحو نعمة الزوجية ، وتكور الليل والنهار ، والمراكب التي يستخدمها الإنسان في البرّ والبحر ، وما جعل الله تعالىٰ للانسان فيهما من نعمة ورزق ... وهي عملية توعية وتذكير واسعة وهادفة بنعم الله تعالىٰ ، يقول تعالىٰ : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) (١). ويقول تعالىٰ : ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (٢).

وقد روي عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر هذه الآية الكريمة بقوله : « منْ لم يعلم فضل الله عزوجل عليه إلّا في مطعمه ومشربه فقد قصر علمه ودنا عذابه » (٣).

والتذكير بالنعمة توعية للنعمة. وإذا وعى الإنسان النعمة انقلبت النعمة في حياته حبّاً وشكراً ، وإذا تجرّدت النعمة عن الوعي انقلبت غروراً وطغياناً وبطراً ورياءً في حياة الانسان. وإلى هذا المعنى الدقيق في قيمة (الحمد) وتوعية الله لعباده بنعمه يشير الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام في الدعاء الاول من أدعية الصحيفة ، يقول عليه‌السلام : « والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمه الظاهرة ... لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية الى حدّ البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه : ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) (٤).

وفي النصوص الإسلامية توجيه متكرر لتوظيف (نعم الله) في اتجاه حبّ الله ، وتوجيه الناس الى حبه تعالىٰ بسبب نعمه وآلائه.

__________________

(١) النحل : ١٨.

(٢) لقمان :. ٢.

(٣) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ١٠٥.

(٤) الصحيفة السجادية : ٢٤ بمقدمة السيد الشهيد الصدر ، والآية : الفرقان : ٤٤.

٢٥٥
 &

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحبّ الله عزّوجلّ ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي » (١).

وقد مرّ في الحديث القدسي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال الله عزوجل لداود عليه‌السلام : أحِبَّني وحبِبني إلى خلقي. قال : يا ربّ ، نعم أنا أحبك ، فكيف أحبّبك إلى خلقك ؟ قال : اذكر أياديّ عندهم ، فإنّك إذا ذكرت ذلك لهم أحبّوني » (٢).

وفي نصوص الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام نجد اهتماماً بالغاً في التأكيد على إحصاء نعم الله تعالىٰ وآلائه أولاً ، وفي التأكيد على الحمد والشكر لله تعالىٰ ثانياً.

وهاتان عمليّتان هادفتان في منهاج التربية الإسلامية تؤدّيان إلى :

١ ـ توعية الإنسان وتذكيره بالنعمة.

٢ ـ توجيهه إلى حمد الله تعالىٰ وشكره وحبّه.

وفيما يلي نذكر نماذج من التذكير والتوعية بالنعم في نصوص أدعية أهل البيت عليهم‌السلام أولاً ، ثمّ في توجيه الإنسان من خلال هذه التوعية وهذا التذكير إلى شكر الله تعالىٰ ثانياً.

نماذج من التذكير والتوعية بالنعم :

في دعاء الإمام الحسين عليه‌السلام يوم عرفة :

« اللهمّ إنّي أرغب إليكَ وأشهَدُ بالرُبوبيَّةِ لك ، مُقِرّاً بأنّكَ ربّي وإليْكَ مَردّي ، ابتدأتَني بنعَمِكَ قَبْلَ أنْ أكون شَيْئاً مَذْكُوراً ، وخَلَقْتني مِنَ التُرابِ ، ثُمَّ اَسْكَنْتَني الاَصلابَ آمِناً لِرَيْبِ الْمُنونِ ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنينَ ، فَلَمْ اَزَلْ ظاعِناً مِنْ

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٠ : ١٤.

(٢) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٢.

٢٥٦
 &

صُلْبٍ اِلىٰ رَحِمٍ في تَقادُمٍ مِنَ الْاَيّامِ الْماضِيَةِ ، وَالْقُروُنِ الْخالِيَةِ ، لَمْ تُخْرِجْني لرَأفَتِكَ بي ، وَلُطفِكَ لي ، وَاِحْسانِكَ اِلَيَّ في دَوْلَةِ أئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ؛ لكنَّك اَخْرَجْتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدَىٰ الَّذي لَهُ يَسَّرتَني ، وَفيهِ اَنْشَأْتَني ؛ وَمِنْ قَبْلِ ذلك رَؤُفْتَ بي بِجَميلِ صُنْعِكَ ؛ وَسَوابِغِ نِعَمِكَ ؛ فَابْتَدَعْتَ خَلْقي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ ، وَاَسْكَنْتَني في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ ، لَمْ تُشْهِدْ لي خَلْقي ، وَلَمْ تَجْعَلْ اِلَيَّ شيئاً مِن اَمْري ؛ ثُمَّ اَخْرَجْتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدىٰ اِلىٰ الدُّنيا تامّاً سَوِيّاً ، وَحَفِظتَني فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً ، وَرَزَقْتَني مِنَ الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ ، وَكَفَّلْتَني الاُمَّهاتِ الرَّواحِمَ ، وَكَلَأْتَني مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ ، وَسَلَّمْتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ ، فتعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمانُ ، حَتّٰی اِذَا اسْتَهْلَلتُ ناطِقاً بِالْكَلامِ اَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإنعامِ ، وَرَبَّيتني زائِداً في كُلِّ عامٍ ؛ حَتّى اِذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتي ، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتي اَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِاَنْ اَلْهَمْتَني مَعْرِفَتَكَ ، وَرَوَّعْتَني بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ ، وَاَيْقَظتَني لما ذَرَأْتَ في سَمائِكَ وَاَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ ، وَنَبَّهْتَني لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ ، وَاَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ ، وَفَهَّمْتَني ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَيَسَّرْتَ لي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ ؛ ثُمَّ اِذْ خَلَقْتَني مِنْ خَيرِ الثَّرىٰ لَمْ تَرْضَ لي يا اِلهي نِعْمَةً دُونَ اُخْرىٰ ، وَرَزَقتَني مِنْ أنواعِ المَعاشِ ، وَصُنوُفِ الرِّياشِ بمَنِّكَ الْعَظيم الأَعْظَم عَليَّ ، وَاِحْسانِكَ الْقَديم اِلَيَّ ؛ حَتّىٰ اِذا اَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ ، وَصَرَفْتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلي وَجُرْأتي عَلَيْكَ اَنْ دَلَلْتَني إلىٰ ما يُقَرِّبُني اِلَيْكَ ، وَوَقَفْتَني لما يُزْلِفُني لَدَيْكَ ؛ فَاِنْ دَعَوْتُكَ اَجَبْتَني ، وَإنْ سَأَلْتُكَ أعَطَيتَني ، وَاِنْ اَطعْتُكَ شَكَرْتَني ، وَاِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَني. كُلُّ ذلِكَ إكْمالٌ لِاَنْعُمِكَ عَلَيَّ ، وَاِحْسانِكَ اِلَيَّ ؛ فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِئٍ مُعيدٍ حَميدٍ مَجيدٍ. تَقَدَّسَتْ اَسْماؤُكَ ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ. فَاَيُّ نِعَمِكَ يا اِلهي اُحْصي عَدَدًا وَذِكْراً ، اَمْ اَيُّ عَطاياكَ اَقُومُ بِها شْكُراً. وَهِيَ يا رَبِّ اَكْثَرُ مِنْ اَنْ يُحْصِيَها الْعادّونَ ، اَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِها الحافِظُونَ ؛ ثُمَّ ما

٢٥٧
 &

صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنّي اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ ، اَكْثَرُ ممّا ظَهَرَ لي مِن الْعافِيَةِ وَالسَّرّاءِ » (١).

نماذج من التوجيه الی الحمد والشكر :

في دعاء الامام علي بن الحسين عليهما‌السلام في يوم عرفة :

« لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَدُومُ بِدَوامِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِدًا بِنِعْمَتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوازي صُنْعَكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزيدُ عَلى رِضاكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حامِدٍ ، وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شاكِرٍ ؛ حَمْداً لا يَنْبَغي اِلّا لَكَ ، وَلا يُتَقَرَّبُ بِهِ اِلّا اِلَيْكَ ؛ حَمْدًا يُسْتَدامُ بِهِ الْأَوَّلُ ، ويُسْتَدْعىٰ بِهِ دَوامُ الاخِرِ ؛ حَمْداً يَتَضاعَفُ عَلى كُروُرِ الأزْمِنَةِ ، وَيَتَزايَدُ اَضْعافاً مُتَرادِفَةً ؛ حَمْداً يَعْجِزُ عَنْ إِحْصائِهِ الْحَفَظَةُ ، وَيَزيدُ عَلى ما اَحْصَتْهُ في كِتابِكَ الْكَتَبَةُ ؛ حَمْداً يُوازِنُ عَرْشَكَ الْمَجيدَ ، وَيُعادِلُ كُرْسيَّكَ الرَّفيعَ ؛ حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوابُهُ ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزاءٍ جَزاؤُهُ ؛ حَمْداً ظاهِرُهُ وِفْقٌ لِباطِنِه ، وَباطِنُهُ وِفْقٌ لِصِدْقِ النِّيَّةِ ؛ حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ ، وَلا يَعْرِفُ اَحَدٌ سِواكَ فَضْلَهُ ؛ حَمْداً يُعانُ مَنِ اِجْتَهَدَ في تَعْديدِهِ ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ اَغْرَقَ نَزْعاً في تَوْفِيَتِه ؛ حَمْداً يَجْمَعُ ما خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ ، وَيَنْتَظِمُ ما اَنْتَ خالِقُهُ مِنْ بَعْدُ ، حَمْداً لا حَمْدَ اَقْرَبُ اِلىٰ قَوْلِكَ مِنْهُ ، وَلا أحمَدُ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ ؛ حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزيدَ بِوُفُورِه ، وَتَصِلُهُ بِمَزيدٍ بعد مزيدٍ طولاً مِنْكَ ؛ حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ ، وَيُقابِلُ عِزَّ جَلالِكَ » (٢).

وفي دعاء الامام علي بن الحسين عليه‌السلام وهو الدعاء الاول من الصحيفة السجادية :

« وَالْحَمْدُ للهِ عَلى ما عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ ، وَاَلْهَمَنا مِنْ شُكْرِه ، وَفَتَحَ لَنا مِنْ اَبْوابِ

__________________

(١) مفاتيح الجنان.

(٢) الصحيفة السجادية.

٢٥٨
 &

الْعِلْمِ بِرُبوبِيَّتِهِ ، وَدَلَّنا عَلَيْهِ مِنَ الْاِخْلاصِ لَهُ في تَوْحيدِه ، وَجَنَّبَنا مِنَ الْاِلحادِ وَالشَّكِّ في اَمْرِه ؛ حَمْدًا نُعَمَّرُ بِهِ فيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَنَسْبِقُ بِهِ مَنْ سَبَقَ إلىٰ رِضاهُ وَعَفْوِهِ ؛ حَمْداً يُضيءُ لَنا بِهِ ظُلُماتِ الْبَرْزَخِ ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْنا بِهِ سَبيلَ الْمَبْعَثِ ، وَيُشَرِّفُ بِه مَنازِلَنا عِنْدَ مَواقِفِ الْاَشْهادِ ؛ ( وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ). ( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) حَمْدًا يَرْتَفِعُ مِنّا اِلىٰ اَعْلىٰ عِلّيّينَ ، في كِتابٍ مَرْقُومٍ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ؛ حَمْداً تَقَرُّ بِه عُيوننا اِذا بَرِقَتِ الْاَبْصارُ ، وَتَبْيَضُّ بِه وُجُوهُنا اِذَا اسْوَدَّتِ الْاَبْشارُ ؛ حَمْداً نُعْتَقُ بِه مِنْ اَليمِ نارِ اللهِ اِلىٰ كَريمِ جَوارِ اللهِ ؛ حَمْداً نُزاحِمُ بِهِ مَلائِكَتَهُ الْمُقَرَّبينَ ، وَنُضامُّ بِه اَنْبِياءهُ الْمُرْسَلينَ في دارِ الْمُقامَةِ الّتي لا تَزولُ ، وَمَحَلِّ كِرامَتِهِ الَّتي لا تَحولُ. وَالْحَمْدُ لله الَّذي اخْتارَ لَنا مَحاسِنَ الْخَلْقِ ، وأجْرىٰ عَلَيْنا طَيِّباتِ الرِّزْقِ ، وَجَعَلَ لَنا الفَضيلَةَ بِالملكَةِ عَلىٰ جَميعِ الْخَلْقِ ، فَكُلُّ خَليقَتِه مُنْقادَةٌ لَنا بِقُدْرَتِهِ ، وَصائِرَةٌ اِلىٰ طاعَتِنا بِعِزّتِهِ ، وَالْحَمْدُ لله الَّذي أغْلَقَ عَنّا بابَ الْحاجَةِ إلّا اِلَيْهِ ، وَالْحَمْدُ للهِ بِكُلِّ ما حَمِدَهُ بِه اَدْنىٰ مَلائِكَتِهِ اِلَيْهِ ، وَاَكْرَمُ خَليقَتِه عَلَيْهِ ، وَاَرْضىٰ حامِدِيه لَدَيْهِ ؛ حَمْداً يَفْضُلُ سائِرَ الْحَمْدِ كَفَضْلِ رَبِّنا عَلىٰ جَميعِ خَلْقِهِ ، ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكانَ كُلِّ نِعْمَةٍ لَهُ عَلَيْنا ، وَعَلىٰ جَميعِ عِبادِهِ الْماضينَ وَالْباقِينَ عَدَدَ ما اَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَميعِ الْاَشْياءِ ، وَمَكانَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنْها عَدَدُها اَضْعافاً مُضاعَفَةً اَبَدَاً سَرْمَداً اِلىٰ يَوْمِ القيامَةِ ، حَمْداً لا مُنْتَهىٰ لِحَدِّه ، وَلا حِسابَ لِعَدَدِه ، وَلا مَبْلَغَ لِغايَتِه ، وَلا انْقِطاعَ لِاَمَدِه ؛ حَمْداً يَكُونُ وُصْلَةً اِلىٰ طاعَتِه وَعَفْوِهِ ، وَسَبَباً اِلىٰ رِضْوانِه ، وَذَريعَةً اِلىٰ مَغْفِرَتِه ، وَطَريقاً اِلىٰ جَنَّتِه ، وَخَفيراً مِنْ نَقِمَتِهِ ، وَاَمْناً مِنْ غَضَبِه ، وَظَهيراً عَلىٰ طاعَتِه ، وَحاجِزًا عَنْ مَعْصِيَتِه ، وَعَوْناً عَلٰى تأْدِيَةِ حَقِّه وَوَظائِفِهِ ؛ حَمْداً نَسْعَدُ بِه في السُّعَداءِ مِنْ اَوْلِيائِه ، وَنَصيرُ بِه في نَظْمِ الشُّهَداءِ

٢٥٩
 &

بِسُيُوفِ اَعْدائِهِ ؛ اِنَّهُ وَلِيُّ حَميدٌ » (١).

وَنقرأ هذا المسلسل من الحمد في دعاء الافتتاح :

« الحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً ولا وَلداً ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَليٌّ مِن الذلِّ وكبِّرْهُ تَكْبيراً. الحمد للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلىٰ جَميعِ نِعَمِهِ كُلِّها. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ ، وَلا مُنازعَ لَهُ فِي أمْرِهِ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَريكَ لَهُ في خَلْقِهِ ، وَلاَ شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِهِ. الحَمْدُ للهِ الْفَاشِي في الْخَلْقِ أمْرُهُ وَحَمْدُهُ ، الظَّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ ، ﭐلْبَاسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ ؛ الّذِي لاَ تَنْقُصُ خَزَائِنُهُ وَلا تَزِيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطَاءِ إِلّا جُوُداً وَكَرَماً ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ ﭐلوَهَّابُ. أللّٰهُمَّ إِنّي أسْأَلُكَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ مَعَ حَاجَةٍ بِي إِلَيْهِ عَظيمة ، وَغِناكَ عَنْهُ قَديِمٌ ، وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ ، وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ. اللهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي ، وَتَجَاوُزَكَ عَنْ خَطِيئتي ، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي ، وَسَتْرَكَ عَلىٰ قَبِيحِ عَمَلِي ، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمي ، عِنْدَما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدي ، أَطْمَعَني فِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ ؛ الّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمتِكَ ، وَأَرَيْتَني مِنْ قُدْرَتِكَ ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجَابَتِكَ ؛ فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً ، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً ، لا خَائِفاً وَلا وَجِلاً ، مُدِلّاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ، فَإنْ أبْطَأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ ﭐلَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي ؛ لِعلْمِكَ بِعَاقِبَةِ ﭐلْاُمُورِ ؛ فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلیٰ عَبْدٍ لَئيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يَا رَبّ ؛ إِنَّكَ تَدْعُوني فَأُوَلّي عَنْكَ ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأتَبَغَّضُ إِلَيْكَ ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلاَ أَقْبَلُ مِنْكَ ؛ كَأَنَّ لِيَ ﭐلتَّطوُّلَ عَلَيْكَ ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنْ ﭐلرَّحْمَةِ لِي ، وَالْإِحْسانِ إِلَيَّ ، وَﭐلتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ؛ فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجَاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ. الْحَمْدُ للهِ مَالِكِ ﭐلْمُلْكِ ، مُجْرِي ﭐلْفُلْكِ ، مُسَخِّرِ ﭐلرّياحِ ، فَالِقِ ﭐلْإِصْباحِ ، دَيَّانِ ﭐلدّينِ ، رَبِّ ﭐلْعَالَمينَ ، الْحَمْدُ للهِ عَلىٰ حلمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ،

__________________

(١) الصحيفة السجادية.

٢٦٠