بنور فاطمة (ع) اهتديت

السيد عبد المنعم حسن

بنور فاطمة (ع) اهتديت

المؤلف:

السيد عبد المنعم حسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الخليج العربي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٨

الآية الثانية :

( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ... ) (١).

لا يختلف اثنان من وجوب طاعة أولي الأمر كما جاء في هذه الآية التي قرنت طاعتهم بطاعة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهؤلاء القادة الواجبة طاعتهم على سبيل الجزم لا بد أن يكونوا في مصاف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وجود الصفات والخصائص الربانية إلى وجوب الاقتداء والتمسك بهم وهذا يستوجب عصمتهم .. لأنه يستحيل أن يأمرنا الله تعالى على سبيل الجزم بطاعة من يحتمل خطؤه وعصيانه ، لأنه مفترض الطاعة بلا استثناء ولا حدود ، والاتباع في حالة الخطأ منهي عنه ، فكيف يجتمع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد؟

فيثبت من ذلك أن من أمر الله بطاعتهم على سبيل الجزم وجب أن يكونوا معصومين وذلك ما توصل إليه الفخر الرازي في تفسيره فأثبت عصمة أولي الأمر ولكنه في محاولة يائسة حاول صرف المعنى عن أهل البيت (ع) إلى أهل الحل والعقد ولا نجد من هو أجدر من أهل من الأمة والذين لم نجد لهم تعريفا ثابتا أو فهما واضحا في الشرع الذي أمرنا بطاعتهم. البيت (ع) لما ذكرنا من أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنا باتباعهم وأنهم معصومون وإلى غير ذلك مما تقدم ذكره فهم أولو الأمر المعنيون بالآية.

وبهذا تكون الحقيقة قد تجلت لمن يريد الأخذ بها وإن معالم طريق الخلاص باتت واضحة وسبيل النجاة منحصر في اتباع أهل البيت (ع) وعلى الأقل فإن هذا ما

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة النساء : الآية / ٥٩.

١٦١

قادني إليه الدليل ـ أهل البيت الذين اصطفاهم الله لحمل أعباء الرسالة بعد رسوله الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستحفظا بعد مستحفظ أوصياء معصومون يحافظون على سير الشريعة في خطها المستقيم وينفون عنها كل الشبهات ويقفون بقوة أمام محاولة تحريفها من قبل المنافقين والحاقدين ، والتاريخ يشهد لهم بذلك وواقعنا أيضا وسنبين ذلك لاحقا.

عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أول الكتاب وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالته وفاجأني بسؤال معتقدا أنه سيضعني في زاوية حرجة ... سؤال من ظن أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر ولماذا هذا العدد بالذات؟ وضحك!! قلت له : يا أخي بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجر إليك أسئلة لا قبل لك بها فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربه ولم يكونوا ثمانين؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعا من الأرض ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر ولماذا يقول تعالى ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) ولم يكونوا خمسة عشر وهكذا ... أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت (ع) كافية لتوجهنا للأخذ منهم ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسكة بهم وهنالك تعلم بعدد الأئمة ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم لأن الموضوع فرعي ومع ذلك وبلطف من الله تعالى لإظهار الحق ولإقامة الحجة لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدد عدد الأئمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصدفة كنت أحمل أحد مجلدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث وفتحت باب الإمارة وقرأت عليه عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (صلى

١٦٢

الله عليه وآله وسلم) : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش » وقلت له : هل سمعت؟ فبهت الذي كفر .. وانتفض انتفاضة قوية وكأنه قد مس بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث؟! فذكرت له المصادر وأذكرها هنا تتمة للفائدة :

* صحيح البخاري كتاب الأحكام ج ٩ ص ٧٢٩.

* صحيح مسلم ج ٣ كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.

* صحيح الترمذي ج ٤ ص ٥٠١.

* سنن أبي داوود كتاب المهدي ص ٥٠٨.

* مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٩٨.

وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ولن يجدوا لها حلا إلا عند أتباع أهل البيت (ع) وهم الشيعة المعروفون ب‍ « الاثني عشرية » .. ولقد حاول البعض أن يجد تفسيرا معقولا للحديث على أرض الواقع فمنهم من عد أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وتوقف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي ثم تحير ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفق لضبط العدد وآخر أصبح انتقائيا يختار كما يتراءى له وهكذا ...

والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت ذلك بعد أن علمنا حقهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الباب (٩٤) عن المناقب بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم

١٦٣

القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي « المهدي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ».

أما النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت (ع) فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يرع أحد من الأمة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت (ع) عن أنفسهم والتاريخ يخبرنا عن سيرتهم بل أعداؤهم اعترفوا بمكانتهم السامية وعلمهم الغزير وأخلاقهم الرفيعة وهم كما جاء في الحديث آنف الذكر :

١ ـ علي بن أبي طالب.

٢ ـ الحسن بن علي.

٣ ـ الحسين بن علي.

٤ ـ علي بن الحسين الملقب بزين العابدين والسجاد.

٥ ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالباقر.

٦ ـ ثم ابنه جعفر بن محمد الملقب بالصادق.

٧ ـ ثم ابنه موسى بن جعفر الملقب بالكاظم.

٨ ـ ثم ابنه علي بن موسى الملقب بالرضا.

٩ ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالجواد.

١٠ ـ ثم ابنه علي بن محمد الملقب بالهادي.

١١ ـ ثم ابنه الحسن بن علي الملقب بالعسكري.

١٢ ـ ثم ابنه محمد بن الحسن ويدعى المهدي والقائم والحجة.

هؤلاء هم أولو الأمر الذين فرض الله علينا طاعتهم في القرآن ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وعرفنا منزلتهم ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (سورة آل عمران : آية / ٣٤).

١٦٤

الفصل السادس

الانقلاب

( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )

(سورة آل عمران : آية / ١٤٤)

١٦٥
١٦٦

ماذا حدث؟

اختزلت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) ما حدث بكلمات بليغة في خطبتها الرائعة ، قالت : « فلما اختار الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ... ».

عبارات رصينة تلحظ الانقلاب الذي جرى بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يأل جهدا في بيان حدود الشريعة ولم يسكت عن أمر الخلافة وأوضح للأمة ما يجب أن تتمسك به بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ـ كما بينا ـ ولكن أبى البعض إلا أن يخالف أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليدخل الأمة في نفق مظلم ومتاهات تتخبط فيها إلى يومنا هذا اللهم إلا من أنعم الله عليه بمعرفة أهل البت (ع) حق المعرفة.

وما أن تحاول الخوض في غمار أحداث الانقلاب إلا ويظهر لك من تمسح بلباس الدين ليخرج من جيبه بطاقة الفتنة ويشهرها في وجهك ، أو يخرج لك صنم « عدالة الصحابة » ، لكي تتوجه إليه تاركا المقاييس الإلهية الحقيقية التي تميز بها الحق عن الباطل .. وعندما يضطر أحدهم لمناقشة قضية الخلافة يطوي هذه الصفحة سريعا قائلا : إن المسلمين والصحابة اتفقوا على خلافة أبي بكر التي

١٦٧

كانت بالشورى الإسلامية! أقول بإمكانكم اليوم الهروب من الحقيقة بسبب العاطفة اللامنطقية والتعصب الأعمى ولكن لا بد أن يكشف الغطاء هنالك في يوم المحشر وحينها ستقولون ( يا ليتني كنت ترابا ).

ومع هذا يسخر الله من يسبر أغوار التاريخ ليخرج لنا الحقيقة ، وستكون كتب القوم شاهدة على وهن ما يعتمدونه من تصويب كل ما فعله الصحابة المقدسون.

وقبل مناقشة ما جرى في السقيفة من أحداث الشورى المزعومة يجدر بنا أن نتحدث عن أهم نظرية أسس عليها أهل السنة والجماعة قاعدتهم التي انطلقوا منها لأخذ معالم دينهم وهي « نظرية عدالة الصحابة » وبئس ما أسسوا ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله والله لا يهدي القوم الظالمين ) (١).

هذه النظرية التي تخالف منطق القرآن والعقل بل وتناقض صريح الأحاديث الشريفة الواردة في كتب التاريخ والسيرة جعلت الأمة تتيه وتتخبط وأحيانا تجمد وتقف حائلا بين الناس والحق ، فهؤلاء الصحابة بأنفسهم يهدمون هذه النظرية من أساسها بأقوالهم وأفعالهم ، أما ما وضع من فضائل مكذوبة لهم فلا يحتاج أمرها إلى ذكاء خارق لمعرفة ضعفها ووهنها سندا ومتنا وذلك لمخالفتها الواقع ، ولو لم تكن إلا هذه النظرية لكفى بها تمييعا وتضعيفا لمعتقد أهل السنة والجماعة الذي لا يفرق بين المسلم والكافر ولا بين المؤمن والمنافق.

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة التوبة : آية / ١٠٩.

١٦٨

مع عدالة الصحابة

الصحابي عند أهل السنة والجماعة هو كل من لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤمنا به ولو ساعة من النهار ومات على الإسلام ، وبالطبع لم يبق بمكة والطائف أحد سنة عشر إلا أسلم وشهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع. وإنه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ودخل في الإسلام ، وألحق بهذا الكم الهائل من أمروا في الفتوح بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل هؤلاء يدخلون تحت مصطلح الصحابي بمفهوم أهل السنة.

ويرون أنهم كلهم عدول كما قال ابن عبد البر في مقدمة كتابه الإستيعاب ، « والصحابة يشاركون سائر الرواة في كل ذلك إلا في الجرح والتعديل فإنهم كلهم عدول » وقال ابن حجر « اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول » وغير ذلك من أقوال علمائهم ويرون زندقة من يناقش أحوالهم.

* القرآن وعدالة الصحابة :

القرآن الكريم يقف عكس هذا الكلام تماما وينقضه وكذلك العقل الذي لم يهبه الله لنا إلا لتصديق الوحي ومن ثم الانطلاق لمعرفة الحقائق ، وما جرى بين أولئك الصحابة يجعلنا نقف حيارى أمام أفعالهم المخالفة للدين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته وما فعلوه في أهل بيته.

والمتتبع لآيات الذكر الحكيم بعيدا عن التعصب والالتفاف إعراضا عن الحقيقة يدرك أن في الصحابة منافقين مردوا على النفاق ، ورموا فراش

١٦٩

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإفك وحاولوا اغتياله وفيهم المرتابون وأن القلة منهم مؤمنة بحق وقد أطلق عليهم القرآن صفة الشاكرين ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (١) ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (٢) ويقول ( وقليل من عبادي الشكور ) (٣).

ونفس هؤلاء الأصحاب قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم أنهم يوم القيامة يختلجون دونه فيقول : « أصحابي ، أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».

ومما لا شك فيه أن المنافقين والمرتابين والذين سينقلبون على أعقابهم عاشوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلوا خلفه وصحبوه في حله وترحاله ، وهذه بعض الآيات التي تتحدث عن حال بعضهم وهم حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) (سورة الحجرات : آية / ١٤).

( إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ) (سورة التوبة : آية / ٤٥).

( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) (سورة التوبة : آية / ٨١).

( ذلك بأنهم أتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ، أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ، ولو نشاء

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة الزخرف : آية / ٧٨.

(٢) ـ سورة الأعراف : آية / ١٧.

(٣) ـ سورة سبأ : آية / ١٣.

١٧٠

لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ) (سورة محمد : آية / ٢٨ ـ ٣٠).

( ها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (سورة محمد : آية / ٣٨).

( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) (سورة محمد : آية / ١٦).

( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ، قل هو أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (سورة التوبة : آية / ٦١).

( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) (سورة التوبة : آية / ٢٥).

أقول أضف إليها قوله تعالى :

( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) (سورة الأنفال : آية / ١٦) .. فتأمل! ..

وهنالك فئة كبيرة من المنافقين لم يتناساها القرآن وأشار إليها بوضوح في أكثر من مورد وهي جماعة لا يستهان بها .. ولكن للأسف ونحن ندرس التاريخ في مدارسنا لم نعلم منهم إلا عبد الله بن أبي سلول ، وكلما ذكر النفاق في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قفز إلى ذهني هذا المنافق مع أن القرآن يركز عليهم بشدة وذلك لا يكون إلا إذا كانت حركة النفاق قوية جدا

١٧١

داخل المجتمع الإسلامي ولولا ذلك لم يولها القرآن هذا الاهتمام. والعجب كل العجب أن هذا التيار المنافق سكنت حركته بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ندري لماذا؟ فهذه الفئة المنافقة إما أنها آمنت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يد الخلفاء الثلاثة ، وإما وجدت الوضع ملائما في عهدهم فقفزت إلى أعلى مراكز السلطة وامتلكت قرار الأمة ، والأخير أقرب ، وما جرى بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليلنا على ذلك :

ما أن أجمع المسلمون على تنصيب علي (ع) بعد مقتل عثمان حتى برز النفاق من جديد ليقود الحرب ضد خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخاض علي الحروب المتتالية ـ الجمل ، صفين ، النهروان ، وأخيرا استشهد ليعود الأمر كما كان عليه وتتسلط جبهة النفاق على رقاب المسلمين من جديد.

وهذه بعض من الآيات تبين مدى قوة جبهة النفاق في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ) (سورة التوبة : آية / ٦٤).

( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) (سورة التوبة : آية / ١٠١).

( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ) (سورة التوبة : آية / ٩٧).

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ) (سورة التوبة : آية / ٩٨).

(المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن

١٧٢

المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) (سورة التوبة : آية / ٦٧).

( وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) (سورة التوبة : آية / ٦٨).

( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) (سورة الفتح : آية / ٦).

هذا قليل من كثير ولو تصفحنا كتاب الله لتعرفنا على مزيد من صفات المنافقين والمنافقات ولما احتجنا إلى كل هذا التكلف حتى نصنع هالة قدسية لكل من صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وهنالك كما لا يخفى على الألمعي علاقة بين حركة التيار المنافق والحروب التي جرت في عهد الإمام علي (ع) ، ونظرة إلى أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول صفات المنافقين تصل إلى السر الذي جعل الجيوش تتحرك لقتال علي (ع) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).

هذا المعيار أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، إذ أن من صفة المنافق بغض علي (ع) وأعظم مصداق للبغض في أعلى مراتبه الحرب .. ولقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب قال : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق » (١).

ــــــــــــــــ

(١) ـ صحيح مسلم ج ١ ص ٦١ باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان.

١٧٣

ولقد كان ذلك معروفا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال أبو ذر : « ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب » (١).

* السنة وعدالة الصحابة :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ « ليردن علي أناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : أصحابي فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢).

يا قوم ما لكم كيف تحكمون؟ من أين لكم بهذه الخزعبلات التي يرفضها القرآن والسنة؟ لماذا نظل نبرر كل انحراف؟ وإلى متى نغض الطرف عما حدث؟ حتى هؤلاء الصحابة شهدوا على أنفسهم بأنهم أحدثوا الكثير بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في البخاري « عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت : طوبى لك صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايعته تحت الشجرة! فقال : يا بن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده » (٣).

وقال أنس بن مالك « ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الصلاة وقد ضيعتم ما ضيعتم منها. وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت » (٤).

ــــــــــــــــ

(١) ـ مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٢٩.

(٢) ـ البخاري باب الحوض كتاب الرقاق ج ٤ / ٩٥ صحيح مسلم كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا.

(٣) ـ البخاري ج ٥ ص ٦٦.

(٤) ـ البخاري ج ١ ص ٧٤.

١٧٤

وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأنصار : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض ، قال أنس فلم نصبر » (١).

وإليك هذه الحادثة التي توضح حال هؤلاء الصحابة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال : أقبلت عير من الشام تحمل طعاما ونحن نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمعة فانفض الناس إلا اثني عشر رجلا فنزلت هذه الآية ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ).

وغير ذلك من الأحداث التي تبين الحالات المتباينة بين الصحابة ، ولكن أهل السنة وخاصة علماءهم أبو إلا يطمسوا الحقيقة ويستغفلوا العامة بلعبهم على وتر العاطفة وارتباط الناس بدينهم فجعلوا الصحابة أصلا من أصول الدين لا يجوز النقاش فيه أو السؤال عنه أو الطعن فيه بينما يمكنك الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل ارتياح ، وأصبح عندهم الأمر عكسيا الأصل (النبوة) صار فرعا والفرع (الصحابة) أصبح أصلا ، (وعند نقدك لأحد الصحابة تتهم بالزندقة وعندما تدافع عن عصمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثبتون بشتى الطرق أنه يخطئ ويسهو ويصيبه السحر وأن عمر بن الخطاب يفكر ويقدر أفضل منه) (٢) ، والمسلمون منقادون لعلمائهم بدون تعقل ودراية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (٣). فخاضوا بهم في

ــــــــــــــــ

(١) ـ البخاري ج ٢ / ١٣٥.

(٢) ـ أنظر البخاري ج ١ / ٢٢٥ و ج ٢ / ٧٢٦.

(٣) ـ سورة التوبة : آية / ٣١.

١٧٥

متاهات لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى ، وكثيرا ما يشتبه البعض في الاستدلال على عدالة جميع الصحابة بقوله تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) مع أن الآية تتحدث عن المؤمنين فقط وتحصر رضى الله سبحانه وتعالى فيهم ، والاستدلال بقوله تعالى (المؤمنين) على أنهم جميع الصحابة محل نظر يضاف إلى ذلك أن هنالك منافقين قد بايعوا رسول الله على هذه الواقعة ومن ضمنهم كما ذكر المؤرخون عبد الله بن سلول المنافق المعروف فهل يا ترى تشمله هذه الآية؟ إذا قلنا بالنفي فالمعنى الواضح أن الآية لا تشمل كل من بايع وإنما المؤمنين منهم وبالتالي فهي مخصصة ولا يصح أصلا الاحتجاج بها لأنها أخص من المدعى ، وإثبات إيمان كل الصحابة يحتاج إلى دليل سابق على ذلك. ثم إن الله تعالى يقول في آية أخرى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) والآية صريحة بإخبارها أن هنالك من ينكث وبهذا يكون رضا الله تعالى ما دام الإيمان والاستقامة وعدم الانتكاث ، وحديث إبراء المتقدم يؤكد على ذلك.

* الصحابة عند شيعة أهل البيت (ع) :

أما أهل البيت وشيعتهم فيرون أن لفظ الصحابي ليس مصطلحا شرعيا وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية ، والصاحب في لغة العرب بمعنى الملازم والمعاشر ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته ، والصحبة نسبة بين اثنين ، ولذلك لا تستعمل الصاحب وجمعه الأصحاب والصحابة في الكلام إلا مضافا ، كما ورد في القرآن الكريم ( يا صاحبي السجن ) و ( أصحاب موسى ) وكذلك كان يستعمل في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال :

١٧٦

صاحب رسول الله ، وآصحال رسول الله ، مضافا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مضافا إلى غيره مثل قولهم (أصحاب الصفة) لمن كانوا يسكنون صفة مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم استعمل الصحابي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا مضاف إليه وقصد به أصحاب النبي ، وصار اسما لهم ، وعلى هذا فإن (الصحابي) و (الصحابة) من اصطلاح المتشرعة وتسمية المسلمين ، وليس اصطلاحا شرعيا.

أما عدالتهم فإن مدرسة أهل البيت (ع) ترى تبعا للقرآن أن في الصحابة منافقين ومرتابين ... الخ كما بينا بالآيات والأحاديث ، والصحبة عندهم ليست بهذا المفهوم الذي أسس عليه أهل السنة دينهم ، وعندما يتحدثون عن الصحابة يضعون نصب أعينهم آيات الذكر الحكيم وقول إمامهم علي (ع) عندما سئل أمن المعقول أن تكون عائشة وطلحة والزبير على باطل قال : « ويحك يا رجل لا يعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله ».

وهكذا فالشيعة يقدسون ما قدسه الله ويلتزمون بالولاء لمن التزم بقيم السماء ويتبرؤون من أعداء الله ورسوله وأهل بيته المنصوص عليهم ، ولهم أدعية يقرؤونها ويدعون بها لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخلصين ومن أشهرها ما ورد في الصحيفة السجادية للإمام الرابع للشيعة علي بن الحسين « زين العابدين (ع) ».

« ... اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته ، وفارقوا الأرواح والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منظومين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ... الخ الدعاء.

١٧٧

* مصيبة الأمة :

والمصيبة التي منيت بها هذه الأمة هي عدم كتابتها للحديث وذلك بفضل ذكاء أبي بكر وعمر الحاد اللذين شددا في منع نشر كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأخر زمان التدوين لينتهز معاوية الفرصة ويغدق في العطاء للوضاعين للحديث ويوسع عليهم لضرب خصومه السياسيين وعلى رأسهم علي (ع) الذي أمر معاوية بسبه على المنابر ، استفاد معاوية من هذا المنع وأجزل في الدفع لوعاظ السلاطين لكي يختلقوا له مجموعة من الفضائل والمناقب للخلفاء الثلاثة في مقابل فضائل لعلي (ع) ، وعلى امتداد التاريخ لم يبق حديث في فضائل أهل البيت (ع) إلا وألفوا في مقابله فضيلة لأعدائهم ، ومثال ذلك حديث « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » والذي كان في مقابل حديث « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ».

قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا أفلا يعتبر علي منهم فيحق لي اتباعه؟ قال : علي من أكابر الصحابة! قلت له : إذا أنا أقتدي بعلي (ع) الذي رفض بيعة أبي بكر وقاتل عائشة وطلحة والزبير ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع علي (ع) لو كنت حاضرا في حرب صفين ولو تمكنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعلي (ع) حتى لا يقتله! أليس من حقي أن أقتدي بأي صحابي كما تدعون؟! ... ألا ساء ما يحكمون.

* حديث العشرة المبشرين المزعوم :

ما بدأت حوارا مع أحد ما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه

١٧٨

وآله وسلم) إلا وبادرني « إنهم مبشرون بالجنة » مستندا إلى حديث العشرة المبشرين بالجنة كما يزعمون وإنه لعمري حديث لا يحتاج مني إلى كثير عناء لإثبات وهنه ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخية ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمة.

العشرة المبشرون بالجنة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح.

هذا الحديث الضعيف سندا كما بين فطاحل العلم يكذبه متنه كذلك ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشر بالتبشير بالجنة وحصرت فيهم مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشر غيرهم كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة.

إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث إذ أنها لو كانت وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقيقة لسمعنا في التاريخ احتجاج عمر بها مثلا في السقيفة كدعاية انتخابية لأبي بكر يسند بها انتخابه له.

وياليتني أجد من يوضح لي هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقدا بصحته ومع ذلك يسل سيفه على علي (ع) يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلا تقتل؟ ويقول لعلي (ع) بعدما انتقضت البلاد على عثمان : إذاشيء ت فخذ سيفك وآخذ سيفي إنه قد خالف ما أعطاني. وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي واجدة عليهما؟ وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما

١٧٩

إليه؟ وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة (ع) أن لا يصلي عليها وأن لا يحضر جنازتها؟ وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وله إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم؟

وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما يؤلبان على عثمان ويشاركان في قتله؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما وخليفة المسلمين المفروض عليهما طاعته بعد أن عقدت له البيعة فنكثا بيعته وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا.

أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات غير مبالين في ذلك ولا متحرجين؟!!

وغير ذلك الكثير مما يؤكد أن الحديث مكذوب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصله ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كبير عناء.

السقيفة

حتى نتعرف على حقيقة ما جرى يوم تنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين لا بد لنا من أن نتصفح أحداث ذلك اليوم ومن ثم نحدد هل هي الشورى كما يدعون :

جاء في طبقات ابن سعد « عندما انتقل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرفيق الأعلى اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وتبعهم جماعة من المهاجرين (١). ولم يبق حول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أقاربه الذين

١٨٠