دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

١
٢

٣
٤

٥

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه

وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين‌

وبعد‌

فهذا هو الجزء الثالث والأخير من دورتنا الفقهية الاستدلالية الموسومة ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري» ، وبإكمال الطالب لها يكون قد تمّ له الاطلاع على دورة فقهية في امهات المسائل مع الاستدلال عليها باحدث طرق الاستدلال التي تداولها فقهاؤنا الكرام. ومن خلال فهمها واستيعابها يشعر الطالب في أعماقه بتقدمه خطوة الى الإمام نحو ملكة الاستنباط.

وإذا كان الكتاب يشتمل على مواضع تأمل كثيرة فهو في ظني جيد بشكل عام ويحقق بعض الأهداف المنشودة. وباصلاح بقية الاخوة الفضلاء لما زاغ عنا يتم كامل الهدف ان شاء الله تعالى.

أسأله عزّ وجلّ بحق محمّد وآل محمّد ان ينفع به من كتب لأجلهم ويجعله خالصا لوجهه الكريم انه سميع مجيب.

باقر الايرواني

٢٨ / رجب / ١٤١٩ ه‍ قم المشرّفة‌

٦

الأحكام‌

١ ـ القضاء‌

٢ ـ الشهادات‌

٣ ـ الاقرار‌

٤ ـ اللقطة‌

٥ ـ الأطعمة والأشربة‌

٦ ـ الصيد والذباحة‌

٧ ـ الأنفال والمشتركات‌

٨ ـ الارث‌

٩ ـ الحدود‌

١٠ ـ القصاص‌

١١ ـ الديات‌

٧
٨

كتاب القضاء‌

١ ـ القضاء في الشريعة‌

٢ ـ الشروط اللازمة في القاضي‌

٣ ـ كيفية القضاء‌

٤ ـ شروط سماع الدعوى‌

٥ ـ وسائل الاثبات‌

٦ ـ قسمة المال المشترك‌

٧ ـ احكام عامة في القضاء‌

٩
١٠

١ ـ القضاء في الشريعة‌

القضاء واجب كفائي. وهو منصب جليل وخطير.

وحكم القاضي نافذ على الجميع ولا يجوز نقضه من قبل قاض آخر الا مع فرض فقدان الاول للشروط المعتبرة في القاضي أو فرض مخالفة حكمه لما ثبت بنحو القطع من الكتاب والسنة الشريفين.

والقاضي على نحوين : القاضي المنصوب وقاضي التحكيم. وحكم كليهما نافذ.

وفي جواز اخذ الاجرة على القضاء كلام بخلاف الرشوة فانها محرمة على الآخذ والدافع بلا خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ المعروف لدى المتقدمين تحديد القضاء بالولاية على الحكم شرعا بين المتخاصمين لفصل الخصومة‌ ، ولدى المتأخرين بالحكم بين المتخاصمين لرفع الخصومة دون مجرد الولاية.

ولعل الانسب الجمع بين الامرين وتحديده بالحكم لفصل‌

١١

الخصومة ممن له الولاية على ذلك شرعا ، فان المفهوم لدى المتشرعة من القضاء ذلك دون مجرد الحكم ولو ممن لا ولاية له عليه ولا مجرد الولاية من دون الحكم.

وقد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (١).

والمطلب لا يستحق الاطالة بعد عدم ترتب ثمرة عليه.

ثم ان حكم القاضي يختلف عن فتوى المفتي في ان الثاني بيان للأحكام الكلية بحسب ما يؤدي إليه نظر المجتهد ، بخلاف الاول فانه تطبيق لتلك الاحكام الكلية على الوقائع الخاصة ، فالقضاء على هذا يكون في طول الفتوى ومتفرعا عليها.

ويضاف إلى ذلك ان الفتوى لا تكون حجة الا في حق مقلدي المفتي بخلاف القضاء فانه نافذ في حق الجميع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفرق ثالث هو ان نظر المجتهد في الفتوى يكون محكّما في بيان الحكم الكلي دون تطبيقه على مصاديقه فان ذلك وظيفة المقلد دون المجتهد ، وهذا بخلافه في القضاء فان التطبيق راجع إلى القاضي بل ذلك هو وظيفته.

٢ ـ واما انه واجب فلتوقف حفظ النظام عليه. مضافا الى انه مقدمة لتحقيق المعروف والانتهاء عن المنكر.

واما انه كفائي فلان الغرض ـ وهو حفظ النظام ـ يتحقق بتصدي‌

__________________

(١) ص : ٢٦.

١٢

من به الكفاية له.

٣ ـ واما ان القضاء منصب جليل‌ فلانه منصب الانبياء : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (١) ، بل هو منصب اشرف الخلق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٢) والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ، ففي الحديث ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لشريح : «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي» (٣) ، ومنهم صلوات الله عليهم منح للمجتهدين ، ففي صحيحة ابي خديجة : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ... انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه ...» (٤).

واما انه منصب خطير فلما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس فاما إلى الجنة واما إلى النار» (٥).

وفي حديث آخر : «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» (٦).

وفي حديث ثالث : «ان النواويس (٧) شكت الى الله عز وجل شدّة‌

__________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) النساء : ١٠٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٧ الباب ٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١٢ من أبواب آداب القاضي الحديث ٢.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٨ الباب ٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٨.

(٧) النواويس : موضع في جهنم على ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين في مادة : «نوس».

١٣

حرها فقال لها عز وجل : اسكتي فان مواضع القضاة أشد حرا منك» (١).

٤ ـ واما نفوذ حكم القاضي وعدم جواز نقضه حتى من حاكم آخر‌ فلوجهين :

أ ـ التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الى الطاغوت ... قلت : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما ، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله ...» (٢) ، فان الذيل يدل بوضوح على ان الحكم اذا كان على طبق القواعد فعدم قبوله استخفاف بحكم الله سبحانه.

وليس في السند من يتأمل فيه سوى ابن حنظلة نفسه حيث لم يوثق ، بيد انه قد يتساهل في امره لرواية صفوان ـ الذي هو أحد الثلاثة ـ عنه ، بناء على كفاية ذلك في اثبات الوثاقة. مضافا الى ان يزيد بن خليفة قد روى : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : اذن لا يكذب علينا» (٣). ويزيد وان لم يوثق ولكن روى عنه يونس الذي هو من اصحاب الاجماع بناء على كفاية ذلك في قبول الرواية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٠ الباب ٦ من أبواب آداب القاضي الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٥.

١٤

يضاف الى ذلك ان تلقي الاصحاب للرواية بالقبول قد يورث للفقيه الوثوق بصدورها.

ب ـ ان القضاء شرّع لفصل الخصومة فلا بدّ من نفوذه والا يلزم نقض الغرض.

هذا كله اذا لم يفترض حلّ الخصومة بيمين المدعى عليه والا امكن ان يضاف الى ذلك التمسك بصحيحة عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له. قلت له : وان كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم وان اقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له وكانت اليمين قد ابطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه» (١).

٥ ـ واما وجه الاستثناء‌ فلان الشروط اذا لم تكن متوفرة في القاضي فلا يكون منصوبا من قبلهم عليهم‌السلام. كما ان الحكم اذا كان على خلاف الموازين الشرعية ـ كالحكم بلا بينة ومن دون علم الحاكم ـ فلا يصدق ان الحاكم قد حكم بحكمهم ليكون عدم قبوله استخفافا بحكم الله سبحانه.

وبالجملة : الحكم على خلاف الموازين الشرعية هو كلا حكم ولا يتم فيه شي‌ء ممّا سبق.

واما اعتبار ان تكون المخالفة مخالفة لما ثبت اعتباره بنحو القطع فلانه بدون ذلك يعود الحكم مشمولا لقوله عليه‌السلام : «فاذا حكم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٩ الباب ٩ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

١٥

بحكمنا ...» اذا المراد فاذا حكم على طبق الموازين الشرعية التي يؤدي اليها نظره.

٦ ـ واما القاضي المنصوب وقاضي التراضي‌ فيقصد من الاول من كان منصوبا للقضاء من قبل الشرع قبل ان يتراضى عليه المتخاصمان ، ومن الثاني من كان منصوبا من قبل الشرع بعد تراضي المتخاصمين عليه.

وتدل على الاول مقبولة ابن حنظلة المتقدمة حيث قال عليه‌السلام : «فانى قد جعلته عليكم حاكما» (١) وصحيحة ابي خديجة المتقدمة أيضا : «انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه» (٢).

وقد يستدل على ذلك أيضا بفكرة حفظ النظام بتقريب ان مقتضى حفظ النظام لزوم نصب القاضي ، وذلك القاضي المنصوب هو المجتهد لان مقتضى الاصل عدم نفوذ حكم احد على غيره ، والقدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

وعليه فحتى لو قطعنا النظر عن الروايتين السابقتين فبالإمكان التمسك بالتقريب المذكور لإثبات المطلوب.

واما الثاني فقد يستدل عليه بالبيانين التاليين :

أ ـ التمسك بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (٣) ، فانه باطلاقه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

(٣) النساء : ٥٨.

١٦

يشمل قاضي التراضي ويدل على نفوذ الحكم بالعدل حتى لو كان صادرا من غير المجتهد المنصوب شرعا.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما كان بين الرجلين من اصحابنا المنازعة في الشي‌ء فيتراضيان برجل منّا فقال عليه‌السلام : ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط» (١). ودلالته واضحة.

٧ ـ واما اخذ الاجرة على القضاء‌ فقد قيل بعدم جوازه اما لان القضاء واجب ، وحيثية الوجوب نفسها تمنع من اخذ الاجرة ، او لان حيثية القضاء بخصوصها تمنع من ذلك.

اما المنع من الحيثية الاولى فقد ذكرت له عدّة تقريبات اشرنا الى بعضها في كتاب الاجارة عند البحث عن جواز الاجارة على الواجبات. وقد اتضح عدم المنع من الحيثية المذكورة.

واما المنع من الحيثية الثانية فيمكن اثباته من خلال صحيحة عمار بن مروان : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : كل شي‌ء غل من الامام فهو سحت. والسحت انواع كثيرة منها : ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة ، ومنها اجور القضاة واجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ والمسكر ...» (٢).

وقد يقال : انها ناظرة الى القضاة المنصوبين من قبل الظلمة بقرينة التعبير بكلمة «منها» أي ومن جملة ما اصيب من اعمال ولاة الظلمة اجور القضاة. والقرينة على رجوع ضمير «منها» الى ما ذكر وليس الى كلمة «أنواع كثيرة» عدم تكرار كلمة «منها» مع البقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٥ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٤ الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٢.

١٧

وفيه : ان المناسب لو كان ذلك هو المراد التعبير بكلمة «منه» بدل «ومنها».

على ان اعمال مثل هذه التدقيقات وتحميلها على الروايات امر زائد على طاقة الراوي الذي ينقل بالمعنى ولا يلتفت الى مثل هذه الدقائق.

وعليه فالتمسك بالصحيحة تام.

وقد يضاف الى ذلك انه قد علم من مذاق الشارع ارادته لصدور القضاء والافتاء بنحو المجانية لأنهما من شئون تبليغ الرسالة وقد قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ...*) (١).

ثم ان المنع من اخذ الاجرة على القضاء لا يمنع من جواز ارتزاق القاضي من بيت المال لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

ومما يؤكد جواز الارتزاق تأكيد امير المؤمنين عليه‌السلام في عهده الى مالك الاشتر عند تعرضه للقضاء والقاضي : «... واكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيح علته وتقل معه حاجته الى الناس ..» (٢).

٨ ـ واما حرمة الرشوة‌ فهي من الضروريات. وقد دلّ عليها قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣).

وفي الروايات ان : «الرشا في الحكم هو الكفر بالله» (٤).

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٣ الباب ٨ من أبواب صفات القاضي الحديث ٩.

(٣) البقرة : ١٨٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٢ الباب ٨ من أبواب آداب القاضي الحديث ٣.

١٨

٢ ـ الشروط اللازمة في القاضي‌

يلزم في القاضي : البلوغ ، والعقل ، والذكورة ، وطهارة المولد ، والعدالة ، والايمان ، والاجتهاد بل الاعلمية في قول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة الى اعتبار البلوغ‌ فلان الوارد في صحيحة ابي خديجة المتقدمة عنوان الرجل : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ... انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا ...» (١) ، فان اللقب وان كان لا مفهوم له الا انه لوروده مورد التحديد لمن نصب شرعا للقضاء يثبت له المفهوم ، بل بقطع النظر عن ذلك يكفي التمسك بالاصل ، فانه يقتضي عدم نفوذ حكم أي شخص على غيره وخرج من ذلك الرجل ، ومع الشك في خروج غيره منه يتمسك به.

اجل التمسك بالاصل ينفع لو لم يكن لمقبولة ابن حنظلة اطلاق والا تعين البيان الاول.

٢ ـ واما اعتبار العقل‌ فللمقيّد المتصل اللبي.

٣ ـ واما اعتبار الذكورة‌ فلما تقدم في وجه اعتبار البلوغ.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل على المرأة ، فان الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

١٩

أَتْقاكُمْ) (١) ، (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (٢) ، بل ذلك تمييز في الوظائف على اساس ما يملكه كل واحد من الصنفين من تركيبة فسلجية خاصة به.

ويبقى اضافة الى ذلك نظام الاسرة بحاجة الى حنان الام ونشاطها البيتي اكثر من حاجة وظائف الدولة لها بعد امكان تصدي الرجل لها بشكل اتم.

ولا يعني هذا عدم وجود شواذ في الرجال أو في النساء ، فلربّ امرأة أفقه من رجل ـ كما ورد في الحديث (٣) ـ وأسمى في نشاطها وعقلها وتدبيرها ولا يكون نظام الاسرة بحاجة اليها الا ان التشريع ينظر الى الاعم الاغلب من الافراد.

٤ ـ واما اعتبار طهارة المولد‌ فلم ينقل فيه خلاف.

وقد يستدل له اما بانصراف صحيحة ابي خديجة الى غير ولد الزنا او بان عدم قبول شهادته وامامته في الصلاة يفهم منه عدم قبول قضائه بالاولوية العرفية او على الاقل يفهم منه ان ذوق الشارع على عدم منح الوظائف بشكل عام لولد الزنا.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا تحميل الإسلام الوزر على الولد البري‌ء ، فان عدم منحه الوظائف اما وليد عدم تفاعل المجتمع مع ولد الزنا الذي هو اثر وضعي للجريمة التي ارتكبها الزاني وهو الذي يتحمل وزرها ، او وليد بعض السلبيات الكامنة في ولد الزنا التي تسبب‌

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) آل عمران : ١٩٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٦.

٢٠