دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (٢).

وانما الاشكال في رفض الشهادة التبرعية وعدمه. وقد فصّل في هذا المجال بين ما اذا كان مورد الشهادة التبرعية حقوق الناس فترفض وما اذا كان حقوق الله سبحانه فتقبل.

اما الرفض في الاول فلان التبرع في الشهادة موجب لتطرق التهمة ، وللحديث النبوي : «ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل ان يستشهد» (٣) ، «ثم يجي‌ء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» (٤) وغيرهما.

واما القبول في الثاني فعلّله المحقق في الشرائع بعدم وجود المدعي فيه لاختصاص الحق بالله سبحانه او لاشتراك الكل في ذلك ، كما في الشهادة للمصالح العامة كالقناطر والمدارس (٥).

والتفصيل المذكور بما اشتمل عليه من الاستدلال كما ترى.

والمناسب قبول الشهادة التبرعية لان ما ذكر بعد عدم صلاحيته للمانعية تعود المطلقات ـ من قبيل : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (٦) وغيره ـ سالمة عن المقيد من الناحية المذكورة فيتمسك باطلاقها.

هذا مضافا الى امكان التمسك بموثقة سماعة المتقدمة : «سألته‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) سنن ابن ماجه ٢ : ٦٤.

(٤) مسند احمد ٤ : ٤٢٦.

(٥) شرايع الإسلام ٤ : ٩١٧ ، انتشارات استقلال.

(٦) الطلاق : ٢.

٨١

عما يرد من الشهود ، قال : المريب ، والخصم ...» (١) ، حيث لم يذكر المتبرع من جملة الاقسام.

٨ ـ واما الشهادة على الشهادة‌ فهي مقبولة عندنا من دون خلاف. ولا تثبت شهادة الاصل الا بشهادة رجلين.

ويظهر من بعض الاخبار الاكتفاء بشهادة الواحد ، كما دلت عليه صحيحة البزنطي المتقدمة ، حيث قال الامام الصادق عليه‌السلام لأبي حنيفة «... بلى تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله وانما هو رجل واحد» (٢). ومن هنا جاءت نصوصنا تؤكد اعتبار شهادة اثنين.

والمستند لثبوت الشهادة بالشهادة امران :

أ ـ اقتضاء القاعدة لذلك ، فان شهادة الاصل كسائر الأشياء مشمولة لإطلاق أدلة حجية الشهادة.

ب ـ النصوص الخاصة ، كموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن ابيه عن علي عليه‌السلام : «كان لا يجيز شهادة رجل على رجل الا شهادة رجلين على رجل» (٣) وغيرها.

ثم انه ورد في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه : «ان عليا عليه‌السلام قال : لا اقبل شهادة رجل على رجل حي وان كان باليمين» (٤).

ويمكن حمل ذلك على كون المقصود : لا اجيز شهادة شخص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٦ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

٨٢

واحد من دون انضمام ثان اليه لإثبات شهادة الاصل.

ومما يؤكد ذلك موثقته الاخرى ، حيث ورد فيها : «ان عليا عليه‌السلام كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل الا شهادة رجلين على شهادة رجل» (١).

٩ ـ واما استثناء حدود الله سبحانه‌ فلموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن ابيه عن علي عليه‌السلام : «كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ» (٢) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون الحد خاصا بالله سبحانه او مشتركا كما هو واضح.

١٠ ـ واما عدم اعتبار الاشهاد في غير الطلاق والظهار‌ فللأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار.

واما اعتباره في الطلاق فمما لا خلاف فيه عندنا لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣).

واذا لم تكن في ذلك دلالة واضحة على اعتبار الاشهاد في الطلاق فيمكن الاستعانة بصحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقا. قلت : فكيف طلاق السنّة؟ فقال : يطلقها إذا طهرت من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٩ الباب ٤٥ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) الطلاق : ١ ـ ٢.

٨٣

حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه ، فان خالف ذلك ردّ الى كتاب الله» (١) وغيرها.

واما اعتباره في الظهار فمما لا خلاف فيه أيضا لصحيحة حمران : «قال ابو جعفر عليه‌السلام ... لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين» (٢) وغيرها.

١١ ـ واما استحباب الاشهاد في النكاح‌ فهو المشهور بيننا ـ على العكس عند غيرنا حيث اعتبروا لزومه فيه وعدم لزومه في الطلاق ـ لصحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن اذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به. ثم قال : ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت : يقولون لا تجوز الا شهادة رجلين عدلين فقال : كذبوا لعنهم الله ، هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه وشددوا وعظموا ما هوّن الله ، ان الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه [عزيمة] فسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الشاهدين تأديبا ...» (٣) وغيرها.

وهي كما تدل على نفي وجوب الاشهاد في النكاح تدل على استحبابه فيه.

هذا والمنسوب الى ابن ابي عقيل لزوم الاشهاد في الدائم (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٥ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٣٥.

(٤) جواهر الكلام ٢٩ : ٤٠.

٨٤

وتدل على ذلك رواية مهلب الدلال : «كتبت الى ابي الحسن عليه‌السلام : ان امرأة كانت معي في الدار ثم انها زوجتني نفسها واشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم ان أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه‌السلام : التزويج الدائم لا يكون الا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر. استر على نفسك واكتم رحمك الله» (١).

الا انها مضافا الى ضعف سندها بالمهلب والفضل بن كثير المدائني مخالفة للروايات الكثيرة الدالة على عدم اعتبار ذلك ، بل كاد يكون ذلك من شعار الامامية. على ان رائحة صدورها تقية تفوح منها.

١٢ ـ واما استحباب الاشهاد في الدين والبيع‌ فلقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ...) (٢) بعد وضوح لزوم رفع اليد عن ظهوره في الوجوب والحمل على الاستحباب للضرورة والسيرة القطعية.

وقد يقال : ان الآية الكريمة لا تدل على استحباب الاشهاد شرعا بل على طلبه ارشادا لا أكثر.

١٣ ـ واما تصديق المرأة في دعوى كونها خلية‌ فلموافقة ذلك للأصل فلا تحتاج الى بينة ، كما لا تحتاج الى يمين لعدم كونها مدعى عليها.

واما تصديقها في انقضاء العدة بالرغم من مخالفة ذلك للأصل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٥٩ الباب ١١ من ابواب المتعة الحديث ١١.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

٨٥

فلصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «العدة والحيض للنساء ، اذا ادعت صدقت» (١).

واما انها لا تصدق اذا ادعت ما يخالف عادة النساء فلعدم وجود المثبت لذلك.

واما كفاية شهادة النساء من بطانتها بان عادتها سابقا كانت كذلك فلموثقة اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام : «ان امير المؤمنين قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال : كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فان شهدن صدقت والا فهي كاذبة» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٥٩٦ الباب ٤٧ من أبواب الحيض الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢ : ٥٩٦ الباب ٤٧ من ابواب الحيض الحديث ٣.

٨٦

كتاب اللّقطة‌

١ ـ اللقطة واقسامها

٢ ـ من احكام اللقطة بالمعنى الاخص

٣ ـ من احكام اللقيط

٤ ـ من احكام الضالة

٥ ـ من احكام مجهول المالك‌

٨٧
٨٨

١ ـ اللقطة وأقسامها‌

اللقطة (١) كل مال ضائع اذا اخذ وكان مالكه مجهولا.

والمستند في اعتبار القيود الثلاثة هو :

اما بالنسبة الى القيد الاول‌ فلتقوّم عنوان اللقطة بالضياع ، فمن تبدل حذاؤه مثلا بحذاء الغير من دون معرفة صاحبه فلا يصدق على ذلك عنوان اللقطة وان صدق عنوان مجهول المالك.

ومنه يتضح ان النسبة بين عنوان اللقطة وعنوان مجهول المالك هو العموم والخصوص المطلق ، فكل لقطة هي مجهول المالك من دون عكس.

ويأتي فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ الفرق بين العنوانين من حيث الحكم.

واما بالنسبة الى القيد الثاني‌ فلانه بمجرد رؤية الشي‌ء من دون‌

__________________

(١) بضم اللام وفتح القاف او تسكينها.

٨٩

أخذه لا يصدق عنوان اللقطة. وهكذا لو فرض امر شخص غيره بالاخذ فانه لا يصدق العنوان المذكور بالنسبة اليه ما دام لم يتصد بنفسه للأخذ.

واما القيد الثالث‌ فاعتباره واضح.

ثم ان المال الضائع تارة يكون طفلا واخرى حيوانا وثالثة غير ذلك.

ويصطلح على الاول باللقيط ، وعلى الثاني بالضالة ، وعلى الثالث باللقطة او باللقطة بالمعنى الاخص.

ولكل واحد من الاقسام الثلاثة احكامه الخاصة به. والمهم منها هو الثالث.

٢ ـ من احكام اللقطة بالمعنى الاخص‌

يجوز اخذ اللقطة ـ وان كان ذلك مكروها ـ بما في ذلك لقطة حرم مكة زادها الله شرفا.

ويلزم فيها تعريفها والفحص عن مالكها لمدة سنة فان لم يعثر عليه كان الملتقط بالخيار بين تملكها مع الضمان او التصدق بها مع الضمان او ابقائها امانة في يده بلا ضمان.

هذا اذا لم تكن دون الدرهم الشرعي (١) وإلاّ جاز اخذها بلا تعريف.

كما ان هذا يختص بغير لقطة حرم مكة زادها الله شرفا ، واما هي فحكمها‌

__________________

(١) المقصود من الدرهم الشرعي هو الفضة التي تعادل قيمتها ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا.

٩٠

بعد التعريف سنة التصدق بها لا غير.

والمعروف ان التصدق لا بدّ ان يكون بقصد كونه عن صاحبها.

واللقطة التي لا يمكن تعريفها ـ اما لفقدانها العلامة الخاصة المميزة لها عن غيرها او لان مالكها سافر الى مكان بعيد لا يمكن الوصول اليه او لان الملتقط يخاف الخطر او التهمة لو عرّف وما شاكل ذلك ـ يسقط وجوب تعريفها. والمناسب وجوب التصدق بها وعدم جواز تملكها.

وفي جواز دفع الملتقط اللقطة الى الحاكم الشرعي وسقوط وجوب التعريف عنه بذلك خلاف.

والمناسب دفع اللقطة ـ اذا اريد التصدق بها ـ الى خصوص الفقراء دون الاغنياء.

كما ان المناسب دفعها الى الغير ولا يكفي احتساب الملتقط لها على نفسه اذا كان فقيرا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز اخذ اللقطة‌ ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة الاولية عدم ذلك ـ فللروايات الخاصة التي يأتي بعضها. على انه يكفي لإثبات ذلك تسالم الاصحاب.

واما ان ذلك مكروه فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سألته عن اللقطة قال : لا ترفعوها فان ابتليت فعرّفها سنة فان جاء طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك الى أن يجي‌ء لها طالب» (١) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٠ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ٣.

٩١

وانما حمل النهي على الكراهة ـ بالرغم من ظهوره في التحريم ـ لدلالة موثقة زرارة : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة قال : ان هذا مما جاء به السيل وانا اريد ان أتصدق به» (١) على جواز الالتقاط.

على ان الجواز قضية واضحة في اذهان المتشرعة ، وذلك بنفسه صالح للقرينية على حمل النهي على الكراهة.

٢ ـ واما لقطة الحرم المكي‌ ففي جواز اخذها خلاف. وقد يستدل على عدم الجواز :

أ ـ بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (٢) بتقريب ان جعل الحرم المكي آمنا يلازم تحريم اخذ اللقطة منه.

ب ـ وبصحيحة الفضيل بن يسار : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن لقطة الحرم فقال : لا تمس ابدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها. قلت : فان كان مالا كثيرا قال : فان لم يأخذها الا مثلك فليعرفها» (٣).

ج ـ وبصحيحة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى فقال : اما بأرضنا هذه فلا يصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله» (٤).

والكل كما ترى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٨ الباب ٧ من أبواب اللقطة الحديث ٣.

(٢) العنكبوت : ٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١.

٩٢

اما الاول فلان جواز اخذ لقطة الحرم لغرض تعريفها وايصالها الى صاحبها لا ينافي جعله آمنا ، فان المراد من جعله آمنا كون الانسان فيه آمنا على نفسه وماله من القتل والنهب ولو بحق.

واما الثاني فلان الصحيحة بلحاظ ذيلها ادلّ على الجواز.

واما الثالث فلان تعبير «لا يصلح» بعد ملاحظة صحيحة فضيل السابقة يراد به الكراهة.

وعليه فالمناسب هو القول بالجواز مع الكراهة.

وقد يؤكد الجواز ـ مضافا الى ما تقدم ـ بصحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرّف سنة ، فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ، ولقطة غيرها تعرف سنة فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك» (١).

٣ ـ واما انه يلزم في اللقطة التعريف لمدة سنة وبعدها يثبت التخيير بين الامور الثلاثة المتقدمة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. ويمكن الاستدلال على ذلك :

اما بالنسبة الى جواز التصدق مع الضمان فقد يتمسك له برواية حفص بن غياث : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال : لا يرده فان امكنه ان يرده على اصحابه فعل والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فان اصاب صاحبها ردها عليه والا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٤.

٩٣

تصدق بها ، فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر (١) والغرم ، فان اختار الاجر فله الاجر ، وان اختار الغرم غرم له وكان الاجر له» (٢). وقد رواها المشايخ الثلاثة.

وتمكن المناقشة في سندها لا من ناحية حفص ـ فان امره سهل بالرغم من كونه عامي المذهب لتعبير الشيخ عنه : «له كتاب معتمد» (٣) وان الطائفة قد عملت باخباره (٤) ـ بل من ناحية اخرى.

اما طريق الشيخ فبلحاظ علي بن محمد القاساني ـ الذي لم يوثق بل غمز عليه احمد بن محمد بن عيسى على ما نقل النجاشي (٥) ـ وبالقاسم بن محمد المعروف ب «كاسولا» الذي قال عنه النجاشي : «لم يكن بالمرضي» (٦).

واما طريق الشيخ الكليني فهو ضعيف بذلك وبالارسال.

واما طريق الشيخ الصدوق فهو ضعيف بالقاسم بن محمد حيث ان طريقه الى المنقري في مشيخة الفقيه يمر به (٧).

والمناسب ـ بعد ضعف سند رواية حفص ـ الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها؟ ولمن‌

__________________

(١) اي الثواب.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٨ الباب ١٨ من أبواب اللقطة الحديث ١.

(٣) الفهرست : ٦١ الرقم ٢٣٢.

(٤) العدة في الاصول : ٦١.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٠ ، منشورات الداوري.

(٦) رجال النجاشي : ٢٢٢.

(٧) لاحظ مشيخة الفقيه المذكورة في آخر الجزء الرابع من الفقيه : ٦٥.

٩٤

الاجر؟ هل عليه ان يرد على صاحبها او (١) قيمتها؟ قال : هو ضامن لها والاجر له الا ان يرضى صاحبها فيدعها والاجر له» (٢).

وسندها تام لأنها بطريق قرب الاسناد وان كانت ضعيفة ب «عبد الله بن الحسن» حيث انه مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل رواها من كتاب علي بن جعفر وطريقه اليه صحيح على ما أوضحنا في أبحاث سابقة.

واما بالنسبة الى جواز التملك مع الضمان فقد يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرفها سنة فان جاء لها طالب والا فهي كسبيل ماله» (٣) الا انها لا تدل على الضمان ، ومن هنا نحتاج الى ما يدل على ذلك. وقد يستدل عليه برواية حنان : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وانا اسمع عن اللقطة فقال : تعرّفها سنة فان وجدت صاحبها والا فانت احق بها. وقال : هي كسبيل مالك. وقال : خيّره اذا جاءك بعد سنة بين اجرها وبين ان تغرمها له اذا كنت اكلتها» (٤) ، ولكنها ضعيفة ب «ابي القاسم» فانه مجهول الحال.

والاولى ان يستدل على ذلك :

اما بالاولوية ، بتقريب ان الضمان اذا كان ثابتا في حالة التصدق فبالأولى يكون ثابتا في حالة التملك.

او بصحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) الظاهر ان كلمة «او» زائدة.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤٩ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٠ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٧.

٩٥

«سألته عن رجل اصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك او لأخيك او للذئب فخذها وعرّفها حيث اصبتها ، فان عرفت فردّها الى صاحبها ، وان لم تعرف فكلها وانت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه» (١) ، بناء على التعدي من الضالة الى اللقطة وعدم فهم الخصوصية لذلك.

ثم ان جملة : «والا فهي كسبيل ماله» الواردة في صحيحة الحلبي قد يستفاد منها ان اللقطة تصير بعد التعريف وعدم العثور على المالك ملكا للملتقط بلا حاجة الى قصده. وفي المقابل قد لا يستفاد منها الا جواز التصرف والانتفاع بها كما ينتفع بالملك. وتبقى القضية بعد هذا مرهونة باستظهار الفقيه.

واما بالنسبة الى الاحتفاظ باللقطة بلا ضمان فيمكن استفادة جوازه من صحيحة الحلبي المتقدمة ، فان جعل اللقطة كسبيل اموال الملتقط يدل بوضوح على جواز الاحتفاظ بها من دون ضمان.

واذا قلت : ان صحيحة علي بن جعفر الاخرى : «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة كيف يصنع؟ قال : يعرفها سنة ، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها اياه ، وان مات اوصى بها ، فان اصابها شي‌ء فهو ضامن» (٢) قد دلت على الضمان.

قلت : لا بدّ من حملها على حالة التعدي او التفريط والا كانت ساقطة عن الاعتبار لهجران مضمونها لدى الاصحاب.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٥ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١٣.

٩٦

٤ ـ واما ان اللقطة دون الدرهم الشرعي يجوز اخذها بلا حاجة الى تعريف‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويمكن الاستدلال عليه بأحد امرين :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : ... وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها ...» (١).

ب ـ مرسلة محمد بن ابي حمزة عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن اللقطة قال : تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا. قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرّف» (٢).

وكلتا الروايتين ضعيفة السند بالارسال الا ان يقال بكبرى الانجبار بفتوى المشهور او يقال ـ بالنسبة الى خصوص الرواية الاولى ـ بحجية جميع روايات كتاب من لا يحضره الفقيه او بحجية كل ما ارسله الشيخ الصدوق بلسان قال.

وعليه فان قلنا باحد هذه المباني او قلنا بتحقق الا جماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فلا مشكلة ويلزم التفصيل بين ما دون الدرهم وغيره ، اما اذا رفضنا كل ذلك فالمناسب عدم التفصيل والحكم بلزوم التعريف في كليهما.

ثم انه بناء على عدم وجوب التعريف هل يكون الحكم هو وجوب التصدق او جواز التملك؟ المعروف بين الاصحاب جواز قصد التملك ، ولكنا اذا لا حظنا الرواية الثانية نراها ساكتة عن ذلك ، ولو لاحظنا الرواية الاولى رأيناها تدل على تحقق الملك القهري بمجرد الاخذ من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥١ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٤ الباب ٤ من أبواب اللقطة الحديث ١.

٩٧

دون حاجة الى قصده على خلاف ما عليه المشهور بين الاصحاب من الحاجة الى ذلك.

٥ ـ واما ان لقطة الحرم المكي تعرّف سنة ثم يتصدق بها ولا يجوز تملكها‌ فهو المشهور بين الاصحاب بل ادعي في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه (١). وتدل عليه صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم ٢ ، فانها تدل على عدم جواز التملك لقاعدة التفصيل قاطع للشركة.

وهل وجوب التعريف والتصدق يعمّ اللقطة التي لا تبلغ الدرهم أيضا؟ المعروف بين الاصحاب عدم ذلك ، فاللقطة الاقل من ذلك لا يلزم تعريفها والتصدق بها حتى اذا كانت في الحرم.

ولعل الوجه في ذلك ان صحيحة ابراهيم بن عمر لا اطلاق لها للّقطة الاقل من الدرهم حيث انها تتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها سنة سواء كانت في الحرم أم في غيره ، وليست هي الا ما كانت درهما فما زاد ، ومعه تعود مرسلة محمد بن ابي حمزة ـ الشاملة باطلاقها للقطة الحرم ـ بلا معارض فيتمسك باطلاقها.

٦ ـ واما ان التصدق لا بدّ ان يكون عن صاحبها‌ فهو المعروف في كلمات الاصحاب الا ان الروايات خالية منه. ولعل ذلك للانصراف اليه والا فالمناسب كفاية التصدق المطلق لو لا كونه اولى من جهة موافقته للاحتياط.

٧ ـ واما ان المناسب في اللقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدق بها لا غير‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٢٩٠.

٩٨

فباعتبار ان جواز تملك مال الغير والتصرف فيه من دون احراز رضاه امر على خلاف قاعدة «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه» (١) ولا بدّ من الاقتصار على المورد الذي دل الدليل فيه على جوازه ، وهو بعد التعريف سنة ، وفي غير ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك ـ بعد تعذر تطبيق حكم اللقطة التي هي مصداق من مصاديق مجهول المالك ـ وهو التصدق.

٨ ـ واما جواز دفع اللقطة الى الحاكم الشرعي وسقوط وجوب التعريف عن الملتقط بذلك‌ فقد ذكر صاحب الجواهر في توجيهه بانه ولي الغائب في الحفظ بل قد يقال بوجوب القبول عليه لأنه معدّ لمصالح المسلمين (٢).

وفيه : ان ولاية الحاكم مختصة بالمورد الذي لم يجعل الشارع فيه الولاية للغير فانه ولي من لا ولي له ، وفي المقام قد جعلها للملتقط حيث جعل له الحق في التصدق. اجل لا بأس بدفع اللقطة اليه على ان تبقى امانة بيده ويستمر الملتقط بالتعريف طول السنة ، واذا انتهت ولم يجد المالك تخير بين الامور الثلاثة المتقدمة أو يوكل الامر في ذلك الى الحاكم.

٩ ـ واما ان المناسب دفع اللقطة ـ اذا اريد التصدق بها ـ الى خصوص الفقراء‌

فباعتبار ان المتبادر من مفهوم التصدق لزوم الفقر في المتصدق عليه ولا أقلّ من الشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الاحتياط بعد عدم امكان التمسك بالاطلاق لأنه تمسك به في الشبهة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٤٢٤ الباب ٣ من ابواب مكان المصلي الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٨ : ٣٦٨.

٩٩

المصداقية ، وهو غير جائز.

١٠ ـ واما اعتبار الدفع الى الغير وعدم الاكتفاء باحتساب الملتقط اللقطة صدقة على نفسه‌ فلان ظاهر طلب التصدق في مثل صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم ٢ هو المغايرة وانه تصدق على الغير.

٣ ـ من احكام اللقيط‌

يجب اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف ورعايته والانفاق عليه سواء علم بتعمد اهله لنبذه عجزا عن تربيته او خوفا من الفضيحة او لغير ذلك أم علم بضياعه من اهله أم علم بهلاك اهله وبقائه وحده أم جهل حاله.

ولا فرق في ذلك بين كونه طفلا رضيعا او اكبر من ذلك ما دام هو بحاجة ماسة الى من يتكفل شئونه.

والملتقط احق باللقيط من غيره الى ان يبلغ فان له الحق آنذاك في ان يوالي من شاء بعد ان يرد على الملتقط كل ما انفق عليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما لزوم اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف‌ فلانه بعد كونه نفسا محترمة فالحفاظ عليه يكون واجبا بالضرورة.

واما عدم الفرق بين كون الطفل رضيعا او اكبر من ذلك فلعموم النكتة المتقدمة.

٢ ـ واما ان الملتقط احق من غيره ما دام اللقيط لم يبلغ‌ فلان الاسبقية نفسها تمنح صاحبها حقا بالسيرة العقلائية الممضاة من‌

١٠٠