دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

اخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) ، فانه لاستبعاد سماع ابان الرواية من الامام عليه‌السلام مرتين : مرة بلا واسطة واخرى مع الواسطة تسقط عن الاعتبار لان وجود الواسطة المجهولة يبقى ثابتا ولا نافي له.

والاولى الاستدلال على ذلك بالوجهين التاليين :

أ ـ التمسك بموثقة سماعة : «سألته عما يرد من الشهود ، قال : المريب ، والخصم والشريك ودافع مغرم والاجير والعبد والتابع والمتهم ، كل هؤلاء ترد شهادتهم» (٢) ، فان المنصرف من شهادة الشريك المردودة هو شهادته لشريكه فيما هو مشترك بينهما.

ب ـ ان الحكم ثابت بمقتضى القاعدة ، فان الشريك اذا شهد بشراء عين مشتركة لهما يصير الشاهد مدعيا والمدعي شاهدا ، وعدم جواز مثل ذلك لا يحتاج إلى دليل.

١٠ ـ واما عدم قبول شهادة من يدفع عن نفسه بشهادته ضررا‌ فلانه بمنزلة المدعى عليه فلا وجه لقبول شهادته ويصدق عليه عنوان الخصم المذكور في موثقة سماعة المتقدمة.

١١ ـ واما اعتبار عدم العداوة الدنيوية‌ فلموثقة اسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : «لا تقبل‌

__________________

(١) كما اشار الى ذلك صاحب الوسائل في ذيل الحديث السابق.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

والمريب هو كالفاسق أو جالب النفع او الاعم منهما.

ودافع مغرم هو من يدفع الغرامة بشهادته ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية.

والتابع هو من لا رأي له ويتبع غيره في جميع اموره. وقد يفسر بمن يخدم غيره او يأكل من طعامه.

٦١

شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين» (١).

واطلاقها يقتضي عدم الفرق بين استلزام العداوة للفسق وعدمه هذا في العداوة الدنيوية.

واما العداوة الاخروية فلا تمنع جزما فانها تؤكد العدالة ، والموثقة منصرفة عن مثلها. وقد ورد في صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد الله عليه‌السلام «تجوز شهادة المسلمين على جميع اهل الملل ولا تجوز شهادة اهل الذمة على المسلمين» (٢).

١٢ ـ واما منع السؤال بالكف عن قبول الشهادة‌ فلصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن موسى عليهما السّلام : «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان ابي لا يقبل شهادته اذا سأل في كفه» (٣) وغيرها.

والمقصود ما اذا اتخذ ذلك حرفة دون ما لو تحقق مرة أو مرتين لعارض ، للانصراف عن مثل ذلك.

٢ ـ اختلاف الحقوق في الاثبات‌

تثبت الدعوى بمقتضى الاصل الاولي بالبينة ، اي بشهادة رجلين عدلين.

وخرج عن ذلك :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٥.

وذو المخزية هو من وقع في بلية يشار اليه بها كالمحدود قبل توبته وولد الزنا.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٤ الباب ٣٨ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨١ الباب ٣٥ من أبواب الشهادات الحديث ١.

٦٢

١ ـ دعوى الدين (١) على الميت ، فانها لا تثبت بالبينة وحدها بل مع ضم يمين المدعي.

٢ ـ دعوى الدين على الحي ، فانها كما تثبت بشهادة رجلين كذلك تثبت بشهادة رجل ويمين المدعي ، وبرجل وامرأتين ، وبامرأتين ويمين المدعي.

٣ ـ دعوى عين من الاموال على الحي ، فانها تثبت بما سبق ما عدا الرجل والمرأتين.

٤ ـ اللواط والمساحقة ، فانهما لا يثبتان الا بشهادة اربعة رجال عدول.

٥ ـ الزنا ، فانه لا يثبت الا بشهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة وامرأتين بل برجلين واربع نساء ، غايته يثبت الجلد بذلك دون الرجم.

٦ ـ النكاح والدية ، فانهما كما يثبتان بشهادة عدلين كذلك يثبتان برجل وامرأتين.

٧ ـ العذرة ، والعيوب الباطنية للنساء ، والرضاع ، وكل ما لا يجوز للرجال النظر اليه فانه يثبت باربع نساء.

٨ ـ الوصية لشخص بمال ، فانه يثبت ربعه بشهادة امرأة واحدة ، ونصفه بشهادة ثنتين ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت القابلة بل مطلق المرأة باستهلال الطفل عند فرض موت أبيه ، فانه يرث ربع التركة بذلك. ولو شهدت ثنتان بذلك ورث النصف ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت المرأة بالقتل ، فانه يثبت ربع الدية. واذا شهدت ثنتان‌

__________________

(١) يراد بالدين مطلق المال الذي اشتغلت به الذمة اعم من كونه بالقرض او الغصب او الاتلاف او البيع وما شاكل ذلك.

٦٣

بذلك يثبت نصفها ، وعلى هذا المنوال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاصل الاولي في الاثبات هو البينة‌ ، بمعنى شهادة رجلين عدلين فلان ذلك هو المنصرف من كلمة «البينة» المعتبرة في الاثبات في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى» (١) أو «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» (٢).

وعلى تقدير التشكيك في ذلك يمكن التمسك بالاطلاق المقامي ، فان الوسيلة المعروفة في الاثبات هي شهادة عدلين ، والسكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا على ذلك.

٢ ـ واما اعتبار ضم يمين المدعي الى البينة في دعوى الدين على الميت‌ فلم ينقل فيه خلاف.

واستدل على ذلك بصحيحة محمد بن يحيى : «كتب محمد بن الحسن يعني الصفار الى ابي محمد عليه‌السلام : هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع : اذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي يمين ... وكتب أو تقبل شهادة الوصي على الميت [بدين] مع شاهد آخر عدل؟ فوقع : نعم من بعد يمين» (٣) ، بتقريب ان قوله عليه‌السلام في الذيل : «نعم من بعد يمين» يراد به : بعد يمين المدعي لا يمين الوصي الذي هو أحد الشاهدين بقرينة التعبير في الصدر : «فعلى المدعي يمين» ، فاطلاق كلمة «اليمين» في الذيل جاء اعتمادا على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٣ الباب ٢٨ من أبواب الشهادات الحديث ١.

٦٤

تقييدها بالمدعي في الصدر.

واذا قيل : ان صدر الحديث يدل على لزوم اليمين مع البينة حتى اذا كانت الدعوى للميت لا عليه ، وذلك مما لا يلتزم به فيتعين الحمل على الاستحباب ، الامر الذي يوجب التشكيك في لزوم اليمين في الفقرة الاخيرة.

قلنا : الفقرتان مستقلتان ، وعدم امكان الالتزام بالوجوب في الاولى لا يستلزم عدمه في الثانية.

ومما يؤيد الحاجة الى اليمين في الدعوى على الميت رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله : «قلت للشيخ عليه‌السلام ... وان كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله الا هو لقد مات فلان وان حقه لعليه ، فان حلف والا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها او غير بينة قبل الموت فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة ...» (١) الضعيفة ب «ياسين الضرير» الذي لا توثيق له.

٣ ـ واما ثبوت الدين على الحي برجل ويمين المدعي‌ فمما لا اشكال فيه. وقد دلت عليه روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يجز في الهلال الا شاهدي عدل» (٢).

ويظهر من بعض النصوص ان ابا حنيفة كان منكرا لذلك ، فقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٣ الباب ٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٣ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

٦٥

ورد في صحيحة البزنطي : «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : قال ابو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : تجيزون شهادة واحد ويمين؟ قال : نعم ، قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقضى به علي عليه‌السلام بين أظهركم بشاهد ويمين ، فتعجب ابو حنيفة ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : أتعجب من هكذا؟ انكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد ، فقال له : لا نفعل ، فقال : بلى تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله وانما هو رجل واحد» (١).

٤ ـ واما ثبوت ذلك برجل وامرأتين‌ فلقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٢) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «.... تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : نعم ...» (٣) وغيرها.

٥ ـ واما ثبوت ذلك بامرأتين ويمين المدعي‌ فلصحيحة الحلبي الاخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله ان حقه لحق» (٤) وغيرها.

والمراد من شهادة النساء شهادة امرأتين لان الديون حيث يكفي لا ثباتها رجل ويمين فيلزم ان يكون القائم مقام الرجل هو المرأتين.

٦ ـ واما ان الاعيان تثبت بشاهد ويمين‌ فلإطلاق بعض النصوص ، من قبيل صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٦ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٧.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٨ الباب ١٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.

٦٦

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق» (١).

واما ثبوتها بامرأتين مع اليمين فلصحيحة منصور بن حازم الاخرى : «ان ابا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «اذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز» (٢).

والطريق وان اشتمل على محمد بن علي ماجيلويه ـ الذي يروي بواسطته الشيخ الصدوق الرواية المذكورة ـ الذي لم يذكر بتوثيق في كتب الرجال الا ان الامر فيه سهل بناء على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

واما انها لا تثبت برجل وامرأتين فلاختصاص دليل اعتبار ذلك ـ وهو الآية الكريمة وصحيحة الحلبي المتقدمتان في الرقم ٤ ـ بالدين فيتمسك بالاصل في غيره.

الا ان المنسوب الى المشهور هو التعدي اما لإلغاء خصوصية المورد او لان الاعيان اذا كانت تثبت برجل ويمين المدعي فيلزم ان تثبت برجل وامرأتين أيضا لقيام المرأتين مقام اليمين. وكلاهما كما ترى.

٧ ـ واما ان اللواط والمساحقة لا يثبتان الا باربعة رجال‌ فقد ذكر صاحب الجواهر عدم عثوره في النصوص على ما يدل على ذلك وان كان ذلك امرا متسالما عليه بين الأصحاب (٣).

بيد ان بالامكان التمسك في المساحقة بقوله تعالى : (وَاللاّتِي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٣ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٧ الباب ١٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٤١ : ١٥٤.

٦٧

يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (١) ، فان الفاحشة لا تختص بالزنا.

واما بالنسبة الى اللواط فقد يتمسك لاعتبار الاربعة بمقدمتين :

احداهما : ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات كما تدل عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيتهما : ان كل اقرار واحد منزل منزلة شهادة واحدة ، كما تدل عليه بعض النصوص الآتية أيضا.

ولازم المقدمتين المذكورتين عدم ثبوت اللواط الا باربع شهادات.

اما الدال على المقدمة الاولى فهو صحيحة مالك بن عطية عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «بينما امير المؤمنين عليه‌السلام في ملاء (٢) من أصحابه اذ اتاه رجل فقال : يا امير المؤمنين عليه‌السلام اني اوقبت (٣) على غلام فطهرني فقال له : يا هذا امض الى منزلك لعل مرارا (٤) هاج بك. فلما كان من غد عاد اليه فقال له : يا امير المؤمنين اني اوقبت على غلام فطهرني فقال له : اذهب الى منزلك لعل مرارا هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الاولى ، فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايهن شئت. قال : وما هنّ يا امير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت او اهداب ـ اهداء (٥) ـ من‌

__________________

(١) النساء : ١٥.

(٢) في الوافي ١٥ : ٣٣٥ : ملأ.

(٣) الايقاب : الادخال.

(٤) جاء في مجمع البحرين في مادة مرر : «المرّة : خلط من اخلاط البدن غير الدم. والجمع مرار بالكسر».

(٥) وفي الوافي ١٥ : ٣٣٥ : او دهداء.

٦٨

جبل مشدود اليدين والرجلين او احراق بالنار. قال : يا امير المؤمنين ايهنّ أشدّ عليّ؟ قال : الاحراق بالنار ، قال : فاني قد اخترتها يا امير المؤمنين ، فقال : خذ لذلك اهبتك فقال : نعم. قال : فصلّى ركعتين ثم جلس في تشهده فقال : اللهمّ اني قد أتيت من الذنب ما قد علمته واني تخوفت من ذلك فأتيت الى وصي رسولك وابن عم نبيك فسألته ان يطهّرني فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب ، اللهمّ فاني اخترت اشدهن ، اللهم فاني اسألك ان تجعل ذلك كفارة لذنوبي وان لا تحرقني بنارك في آخرتي ، ثم قام وهو باك حتى دخل الحفيرة التي حفرها له امير المؤمنين عليه‌السلام وهو يرى النار تتأجج حوله. قال : فبكى امير المؤمنين عليه‌السلام وبكى اصحابه جميعا فقال له امير المؤمنين عليه‌السلام : قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض ، فان الله قد تاب عليك (١) فقم ولا تعاودن شيئا مما فعلت» (٢).

واما الدال على المقدمة الثانية فهو ما رواه سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة : «ان امرأة أتت امير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني طهرك الله فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع فقال : ممّ اطهرك؟ قالت : من الزنا ، فقال لها : فذات بعل انت أم غير ذات بعل فقالت : ذات بعل فقال لها : فحاضرا كان بعلك أم غائبا؟ قالت : حاضرا ، فقال : انتظري حتى تضعي ما في بطنك ثم ائتيني فلما ولت عنه من حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه شهادة فلم تلبث ان أتته فقالت : اني وضعت فطهرني ... قال : اذهبي حتى ترضعيه‌

__________________

(١) ومن هنا يقول الاصحاب بان من اقرّ بحدّ ثم تاب كان الامام مخيرا في اقامته.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٣ الباب ٥ من ابواب حد اللواط الحديث ١.

٦٩

فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم انهما شهادتان فلما أرضعته عادت اليه فقالت : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني ... قال : اذهبي فاكفليه حتى يعقل ان يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر فانصرفت وهي تبكي فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه ثلاث شهادات ... وفي الرابعة رفع امير المؤمنين عليه‌السلام رأسه الى السماء وقال : اللهم اني قد اثبت ذلك عليها اربع شهادات وانك قد قلت لنبيك صلوات الله عليه وآله فيما اخبرته من دينك : يا محمد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاداني ...» (١).

٨ ـ واما ان الزنا لا يثبت بأقل من اربعة‌ فمما لا اشكال فيه. وقد دلّ على ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٢) ، (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... لَوْ لا جاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ..) (٣) ، (وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٤).

والروايات في ذلك كادت تبلغ حدّ التواتر ، من قبيل موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٢ ، وقد نقل الحر الرواية المذكورة بعدة طرق بعضها صحيح ، كطريق الشيخ الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن خلف بن حماد عن ابي عبد الله عليه‌السلام فراجع وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٧ الباب ١٦ من أبواب حد الزنا الحديث ١.

(٢) النور : ٤.

(٣) النور : ١١ ـ ١٣.

(٤) النساء : ١٥.

٧٠

اربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال كالميل في المكحلة» (١).

واما انه يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، وبرجلين واربع نساء بالنسبة الى الجلد فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم. وان شهد عليه رجلان واربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حدّ الزاني» (٢).

٩ ـ واما ثبوت النكاح برجل وامرأتين‌ فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز اذا كان معهن رجل ...» (٣).

وبالصحيحة المذكورة يمكن الجمع بين بعض النصوص المجوزة مطلقا (٤) وبعضها الآخر المانع مطلقا (٥).

واما ثبوت الدية بذلك فلصحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم» (٦) ، فانه بعد ضمها الى موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حد الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠١ الباب ٣٠ من أبواب حد الزنا الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١١.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٧ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٤٢.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١.

٧١

القود» (١) يفهم ان الذي لا يثبت بشهادة النساء في باب القتل هو القود دون الدية ، اذ بعدم ثبوت الدية يلزم بطلان دم المسلم بخلاف نفي القود مع ثبوت الدية فانه لا يلزم منه ذلك.

١٠ ـ واما ثبوت العذرة وما تلاها بأربع نساء‌ فلموثقة عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تجوز شهادة النساء في العذرة وكل عيب لا يراه الرجل» (٢) ، وصحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ... تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه ...» (٣) وغيرهما.

وبذلك يتضح الحال في الرضاع فانه مما لا يراه الرجال.

واما اعتبار ان تكون النساء اربعا مع اطلاق النصوص فلأن القائم مقام رجلين هو اربع نساء.

١١ ـ واما ان الوصية تثبت بالنحو المتقدم‌ فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «قضى في وصية لم تشهدها الا امرأة فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية» (٤) وغيرها.

هذا وقد ورد في بعض الروايات عدم نفوذ شهادة النساء في الوصية مطلقا ، من قبيل صحيحة عبد الرحمن : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها الا امرأة ، تجوز شهادتها؟ قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٤ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٦ الباب ٢٢ من أحكام الوصايا الحديث ٤.

٧٢

تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس ...» (١).

وقد تحمل على الوصية العهدية بقرينة الاولى الواردة في الوصية التمليكية. ونتيجة ذلك التفصيل بين الوصية اليه والوصية له ، فالاولى لا تثبت بشهادة النساء مطلقا في حين ان الثانية تثبت بالنحو المتقدم.

١٢ ـ واما ان القابلة تمضى شهادتها بلحاظ الربع‌ فلصحيحة عمر بن يزيد : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع الى الارض فشهدت المرأة التي قبّلتها انه استهل وصاح حين وقع الى الارض ثم مات ، قال : على الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» (٢) وغيرها.

واذا كان بعض النصوص دالا باطلاقه على ثبوت تمام التركة بشهادة القابلة ـ من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ... تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (٣) ـ فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاقه بالصحيحة المتقدمة.

واما تعميم الحكم لمطلق المرأة فلما يستفاد من بعض النصوص ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن؟ قال : نعم في العذرة والنفساء» (٤) وغيرها.

على ان ما دلّ على ثبوت ربع التركة بشهادة القابلة ليس له دلالة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٢ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٩ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٢ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٩.

٧٣

على تقييد الحكم بها بل كان ذلك مورد السؤال ، ومعه يتعدى الى غيره لعدم فهم الخصوصية بلا حاجة الى البحث عن اطلاق يعم مطلق المرأة.

واما ان الدية يثبت ربعها بشهادة المرأة الواحدة ونصفها بشهادة ثنتين وهكذا فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في غلام شهدت عليه امرأة انه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة» (١) ، فان جملة «بحساب شهادة المرأة» تدل على ثبوت النصف بشهادة المرأتين ، وهكذا.

واذا قيل : ان الجملة المذكورة غير ثابتة في طريق الشيخ الصدوق (٢).

قلنا : هذا لا يستلزم عدم ثبوتها بعد ورودها بطريق الشيخ الطوسي الذي هو طريق معتبر.

على ان حذف الجملة المذكورة في طريق الشيخ الصدوق لعله من باب وضوح الامر لبعد ثبوت تمام الدية بشهادة المرأة الواحدة.

٣ ـ احكام عامة في باب الشهادات‌

لا تجوز الشهادة الا مع العلم بالمشهود به عن حس او ما يقرب منه ، كالحاصل من التواتر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٣ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢٦.

(٢) لا حظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

٧٤

وتحمّل الشهادة مع الدعوة الى ذلك واجب خلافا لصاحب الجواهر. وكذا اداؤها بعد التحمل فيما اذا تحققت الدعوة الى التحمل والا ثبت التخيير بين الاداء وعدمه الا اذا كان احد الطرفين ظالما فيجب اداؤها مطلقا.

وقد تسالم الاصحاب على اعتبار شرط آخر في وجوب الاداء ، وهو طلبه والا فالتبرع بالشهادة يوجب رفضها.

وتقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس ـ كالطلاق والنسب ـ دون حقوق الله سبحانه سواء كانت خاصة أم مشتركة.

ولا يعتبر الاشهاد الا في الطلاق والظهار. اجل يستحب في النكاح والبيع والدين.

وتصدّق المرأة في دعواها انها خلية وان عدتها قد انقضت الا اذا ادعت ذلك بشكل مخالف للعادة الجارية بين النساء ، كما اذا ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات. فانها لا تصدق الا اذا شهدت النساء من بطانتها ان عادتها سابقا كانت كذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار العلم في جواز الشهادة‌ فلأنها قسم من الاخبار الجازم وهو لا يجوز بدون العلم والا يلزم الكذب.

هذا مضافا الى صحيحة معاوية بن وهب : «قلت له : ان ابن ابي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا وانه ليس له وارث غير الذي شهدنا له ، فقال : اشهد بما هو علمك. قلت : ان ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس ، فقال : احلف انما هو على علمك» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٥ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ١.

٧٥

ان قلت : ان رواية حفص بن غياث عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال له رجل : اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال : نعم. قال الرجل : اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (١) دلت على جواز الشهادة عند عدم العلم بالمشهود به استنادا الى اليد.

قلت : هي لو تمت سندا ـ ولم يناقش في طريق الشيخ والكليني من ناحية القاسم بن يحيى الذي لم تثبت وثقاته الا بناء على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارة ولا في طريق الصدوق من ناحية القاسم بن محمد الاصفهاني ـ لا بدّ من حملها على الشهادة بالملكية الظاهرية التي تولدها اليد دون الملكية الواقعية ، اذ بعد عدم العلم بها كيف يجوز الاخبار الجازم عنها والشهادة عليها ، ولو جاز ذلك جاز ان يشهد الحاكم بها وجميع الناس الذين يعرفون بان هذا صاحب يد ولم تبق بعد ذلك حاجة الى المطالبة بالبينة.

وان قلت : ان موثقة معاوية بن وهب دلت على جواز الاستناد في الشهادة الى الاستصحاب ، حيث ورد فيها : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون له العبد والامة قد عرف ذلك فيقول : أبق غلامي أو امتي فيكلفونه (٢) القضاة شاهدين بان هذا غلامه او امته لم يبع ولم يهب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢١٥ الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٢) المناسب : فيكلفه.

٧٦

أنشهد على هذا اذا كلفناه؟ قال : نعم» (١).

قلت : لا بدّ من فرض ان العبد كان يدعي انه حر او لا أقلّ لم يكن رقا للمدعي من البداية لا انه يعترف بكونه رقا له من البداية ولكنه بيع او وهب او تحرر والا لكان هو المكلف بالبينة. وبناء على هذا يكفي لدحض دعوى العبد شهادة معاوية ان هذا كان عبدا لهذا سابقا ولا اعلم انه بيع او وهب ، اي يشهد على الملكية السابقة وعدم العلم بزوالها دون ان يشهد على عدم ذلك واقعا.

هذا مضافا الى معارضة الرواية المذكورة برواية معاوية بن وهب الاخرى (٢) الواردة في القضية نفسها حيث دلت على عدم جواز الشهادة الا انها ضعيفة باسماعيل بن مرار.

٢ ـ واما ان مستند العلم لا بدّ من كونه الحس او ما يقرب منه‌ فذلك :

اما لان سكوت الروايات عن بيان مستند الشهادة يفهم منه ايكال القضية الى العرف ، وهو يعتبر ما ذكر.

او لان الشهادة عن حدس لا دليل على اعتبارها فلا تكون حجة بخلاف ما كانت عن حس ، فانها القدر المتيقن من دليل جواز الشهادة ، وهكذا اذا كان مستندها يقرب من الحس ، حيث لا يحتمل الفرق بينها وبين ما اذا كانت مستندة الى الحس مباشرة.

ثم انه مما يؤيد اعتبار الحس او ما يقرب منه في مستند الشهادة رواية علي بن غراب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تشهدن بشهادة حتى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٦ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٦ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

٧٧

تعرفها كما تعرف كفك» (١) ، فان ضعفها بابن غراب وغيره لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

ومثلها ما رواه المحقق في الشرائع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا حينما سئل عن الشهادة : «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (٢).

٣ ـ واما وجوب تحمل الشهادة مع الدعوة اليه فهو المعروف بين الاصحاب‌ لقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٣) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، وصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : لا ينبغي لأحد اذا دعي الى شهادة ليشهد عليها ان يقول لا اشهد لكم عليها» (٤) وغيرها.

هذا وقد نقل صاحب الجواهر عن ابن ادريس ان الآية الكريمة ناظرة الى اداء الشهادة دون تحملها بقرينة التعبير بكلمة «الشهداء» الظاهرة في تمامية الشهادة وتحققها.

وأضاف صاحب الجواهر قائلا : ان ملاحظة ما قبل الآية المذكورة وما بعدها يعطي انها في صدد بيان بعض الآداب الشرعية ، فانظر الى قوله تعالى : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ... وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) (٥) ، ومعه يكون المناسب حمل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٠ الباب ٢٠ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٠ الباب ٢٠ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

٧٨

فقرة الاستشهاد على بيان الكراهة.

ثم أضاف : واما الروايات فقد ورد فيها التعبير ب «لا ينبغي» المشعر بالكراهة. وعليه فالانصاف عدم خلو القول بعدم الوجوب وانه مستحب بل تركه مكروه من قوة (١).

وفيه : ان بعض الروايات ظاهر في الالزام ، من قبيل ما رواه داود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يأب الشاهد ان يجيب حين يدعى قبل الكتاب» (٢).

والسند صحيح بناء على ان امر سهل الوارد فيه سهل.

وتؤيد ذلك رواية جراح المدائني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا دعيت الى الشهادة فأجب» (٣) ، فان جراح والقاسم بن سليمان وان لم يوثقا الا من خلال كامل الزيارة لكن ذلك لا يمنع من عدّها مؤيدة.

واما التعبير ب «لا ينبغي» الوارد في الروايات التي أشار اليها فهو ليس ظاهرا في الكراهة ليمنع من الاخذ بظهور ما ذكر بل دال على الجامع الاعم خلافا لبعض حيث اختار دلالته على الالزام.

واما التشكيك في دلالة الآية الكريمة فهو مبني على الرأي المشهور في الدلالة على الوجوب والتحريم ، واما بناء على مسلك حكم العقل فلا موجب له. ومع التنزل يكون السياق موجبا لتزلزل الظهور في الالزام دون ان يوجب الظهور في الكراهة ليمتنع الاخذ بظهور الروايتين المتقدمتين في الالزام.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤١ : ١٨٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٦ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

٧٩

٤ ـ واما وجوب الاداء‌ فلم ينقل فيه خلاف. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، وقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٢) لا طلاقه الشامل للأداء.

ومجرد ذكر ذلك بعد طلب الاستشهاد بشهيدين لا يدل على الاختصاص بالتحمل.

ومما يؤيد الوجوب الروايات الدالة على ذلك ، فان ضعف سندها لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

٥ ـ واما اشتراط وجوب الاداء بالدعوة الى التحمل‌ فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «اذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد وان شاء سكت الا اذا علم من الظالم فيشهد ولا يحل له ان لا يشهد» (٣) وغيرها. ولولاها كان المناسب الوجوب مطلقا لإطلاق الآيتين الكريمتين.

٦ ـ واما استثناء حالة ظلم احد الطرفين‌ فلوجوب ازالة الظلم والصحيحة المتقدمة.

٧ ـ واما التبرع باداء الشهادة‌ فلا اشكال بين الاصحاب في عدم وجوبه بالرغم من ان مقتضى المطلقات عكس ذلك. قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) (٤) ، (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٣٢ الباب ٥ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٤) البقرة : ١٤٠.

٨٠