دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

ولك ان تقول بصيغة اخرى : ان لازم اعتبار خمسين رجلا لغوية تشريع القسامة لندرة حصول ذلك.

ثم ان المدعي اذا كان وحده ولم يكن له قوم او امتنعوا عن ذلك فهل يجوز له تكرار اليمين خمسين مرة؟ نقل صاحب الجواهر الجواز عن غير واحد من الاصحاب بل نقل عن صاحب الرياض نفي الخلاف في ذلك (١).

الرابع : ان العدد اذا كان أقلّ من خمسين وقلنا بجواز تكرار اليمين من الرجل الواحد فهل يلزم تقسيمها على العدد بالسوية او لا؟ قد يقال بعدم لزوم ذلك لان اليمين بمقدار خمسين متحققة على كلا التقديرين.

والانسب ان يقال بلزوم التقسيم بالسوية لان مقتضى النصوص اعتبار خمسين رجلا ، وانما خرجنا عنها للتسالم ومحذور اللغوية ، ومن الواضح ان ذلك لا يقتضي جواز التكرار كيفما اتفق بل يلزم اعتبار التساوي لأنه في غير ذلك لا دليل على نفوذ القسامة فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن.

٤ ـ من احكام قصاص النفس‌

اذا قتل الرجل المرأة عمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الى اوليائه.

واذا اكره شخص غيره على قتل ثالث وتوعده على المخالفة فلا يجوز له قتله سواء كان ما توعد به ما دون القتل او هو.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٤٦.

٣٢١

والحكم في القتل العمدي هو القصاص دون التخيير بينه وبين المطالبة بالدية الا اذا فرض تراضي الطرفين على ذلك.

والمشهور ان جواز المبادرة الى القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين.

وفي تحديد من له حق القصاص خلاف.

ومع تعدد الاولياء فلا يبعد القول بجواز اقتصاص كل واحد منهم مستقلا ومن دون اذن البقية.

واذا اقتص بعض الاولياء مع رضا البقية فلا اشكال والا ضمن المقتص حصتهم من الدية ان طالبوا بها ، ويضمنها لورثة الجاني على تقدير العفو عن القصاص والدية.

والمشهور لزوم كون الاقتصاص بالسيف دون غيره.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرجل لو قتل المرأة متعمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الى اوليائه‌

فلم يعرف فيه خلاف لما يأتي في باب الديات ـ ان شاء الله تعالى ـ من ان دية المرأة نصف دية الرجل فاذا جاز الاقتصاص منه لزم ردّ نصف الدية الى اوليائه ، كما دلت على ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يقتل المرأة متعمدا فاراد اهل المرأة ان يقتلوه ، قال : ذاك لهم اذا ادّوا الى اهله نصف الدية. وان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ...» (١) وغيرها.

هذا وفي مقابل ذلك رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان امير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٥٩ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٣.

٣٢٢

المؤمنين عليه‌السلام قتل رجلا بامرأة قتلها عمدا ...» (١) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه‌السلام : «ان رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه‌السلام بينهما قصاصا والزمه الدية» (٢).

ويمكن الجواب :

اما عن الرواية الاولى فانها ـ لو تمت سندا ولم يناقش من ناحية النوفلي الذي لم يرد في حقه توثيق ـ مطلقة قابلة للتقييد بصحيحة الحلبي وغيرها الدالة على لزوم دفع نصف الدية.

واما عن الرواية الثانية فانها لو امكن حملها على كون المراد عدم جعل القصاص مجردا عن ردّ نصف الدية فلا مشكلة والا فهي ساقطة عن الاعتبار لهجران الاصحاب لمضمونها.

٢ ـ واما ان من اكره على قتل ثالث فلا يجوز له قتله ان كان ما توعد به دون القتل‌ فالامر فيه واضح اذ يحرم قتل المؤمن ظلما ومن دون حق ، ولا ترتفع الحرمة بالاكراه على ما دون القتل.

وبكلمة اخرى : المورد داخل تحت باب التزاحم فيلزم تقديم الاهم جزما او احتمالا ، وهو حرمة قتل المؤمن.

واذا قيل : لم لا ترتفع الحرمة بحديث رفع التسعة (٣)؟

قلنا : حيث ان الحديث مسوق مساق الامتنان على النوع فيلزم عدم شموله للموارد التي يلزم فيها خلاف ذلك كما هو المفروض في المقام لو قيل بالشمول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٦١ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٦٢ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.

٣٢٣

٣ ـ واما انه لا يجوز القتل حتى اذا كان المتوعد به هو القتل أيضا‌ فلما دلّ على انه لا تقية في الدماء ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فليس تقية» (١) وغيرها.

ولو لا ذلك لكان المناسب جواز القتل لان المورد داخل تحت باب التزاحم ، اذ الامر يدور بين واجب ـ حفظ النفس ـ وحرام ـ قتل النفس المحترمة ـ وحيث لا ترجيح فلا بدّ من الحكم بالتخيير.

واذا قيل : ان المقام أشبه بقتل شخص لأكله في المخمصة الذي لا يعدّ به كونه مضطرا بل هو قاتل ظلما وعدوانا فيلزم الاقتصاص منه.

قلنا : انه مع فرض دخول المورد تحت باب التزاحم والحكم بالتخيير لا يصدق كون القتل ظلما وعدوانا فيجوز القتل ، غايته يلزم دفع الدية لقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» التي تقدمت الاشارة الى مستندها فيما سبق.

وبالجملة : ان القاعدة تقتضي جواز القتل لو لا قاعدة لا تقية في الدماء بناء على شمولها لموارد الاكراه كما يظهر من الشيخ الاعظم في المكاسب (٢).

٤ ـ واما ان الحكم في القتل العمدي هو القصاص‌ فهو المشهور. ويدل عليه ظاهر الكتاب الكريم : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ...) (٣) وغيره ، والنصوص الخاصة ، كصحيحة عبد الله بن سنان :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٤٨٣ الباب ٣١ من ابواب الامر والنهي الحديث ١.

(٢) المكاسب ١ : ٣٩٩ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) البقرة : ١٧٨.

٣٢٤

«سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية واحب ذلك القاتل فالدية» (١).

هذا ولكن المنسوب الى الاسكافي والعماني الحكم بتخيير اولياء المقتول بين القصاص والمطالبة بالدية (٢). ويمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وان كان قتله لغضب او لسبب من امر الدنيا فان توبته ان يقاد منه ، وان لم يكن علم به انطلق الى اولياء المقتول فاقرّ عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين واطعم ستين مسكينا توبة الى الله عز وجل» (٣).

وقد يدعم ذلك ان ولي الدم اذا رضي بالدية وتمكن القاتل من دفعها لزمه ذلك من باب وجوب الحفاظ على النفس من الهلاك.

والمناسب ما ذهب اليه المشهور اذ الصحيحة معارضة بالصحيحة السابقة تعارضا مستقرا ويلزم تقديم السابقة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم الدال على ان ولي المقتول له الولاية على القصاص فقط.

واما ما ذكر ثانيا فهو لا يدل على تخير ولي المقتول بل يدل على انه لو رضي بالدية لزم القاتل قبول ذلك حفاظا على نفسه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٧ الباب ١٩ من ابواب قصاص النفس الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٩ الباب ٩ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

٣٢٥

٥ ـ واما انه مع تراضي الطرفين على الدية يسقط القصاص‌ فباعتبار ان الحق لا يعدو الطرفين فاذا تراضيا على الدية بمقدارها الشرعي او غيره جاز لهما ذلك. على ان صحيحة عبد الله بن سنان السابقة واضحة في ذلك.

٦ ـ واما ان جواز المبادرة الى القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين‌ فقد ادعي عدم الخلاف فيه. والاستناد اليه وجيه لو فرض تحقق تسالم بين الكل بنحو يكون كاشفا عن وصول الحكم من الامام عليه‌السلام يدا بيد والا فالمناسب التمسك باطلاق ادلة جواز القصاص.

٧ ـ واما من له حق القصاص فقيل هو كل من يرث المال عدا الزوج والزوجة. اما انه هو كل من يرث المال فلعموم ادلة الارث من آية اولي الارحام (١) وغيرها. واطلاق قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٢) بناء على كون المقصود من الولي مطلق الوارث لا حصة خاصة منه.

واما استثناء الزوج والزوجة فللتسالم على ذلك. ويمكن استفادته من موثقة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «هل للنساء قود او عفو؟ قال : لا ، وذلك للعصبة» (٣).

وقيل : ان من له حق القصاص هو كل وارث للمال غير النساء والزوج والزوجة ومن يتقرب بالام.

والوجه في ذلك هو الموثقة المتقدمة فانها حصرت حق القصاص‌

__________________

(١) الانفال : ٧٥.

(٢) الاسراء : ٣٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣٢ الباب ٨ من ابواب موجبات الارث الحديث ٦.

٣٢٦

بالعصبة ، وهم بنوه وقرابته لأبيه (١).

وقد تناقش الموثقة بمناقشتين :

الاولى : ان الشيخ قال بعد ذكره للموثقة : «قال : علي بن الحسن : هذا خلاف ما عليه اصحابنا» (٢). وعلّق في الوسائل بعد نقل ما ذكر عن الشيخ بما نصه : «اقول : هذا محمول على التقية» (٣).

وعليه فالموثقة لا يمكن العمل بها اما لكونها محمولة على التقية او لكونها على خلاف ما عليه اصحابنا.

والجواب :

اما عن الاول فان الحمل على التقية فرع تعارض الروايتين ، والمفروض عدم وجود المعارض.

واما عن الثاني فان نقل الشيخ عن ابن فضال مرسل لا يمكن الاعتماد عليه. على ان عبارته قد لا يظهر منها الا ان مضمون الموثقة مخالف لما عليه مشهور الاصحاب ، ومعه يدخل المورد تحت كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، ولربما يبنى على عدم تماميتها فلا تعود لدينا مشكلة بناء على ذلك.

الثانية : ان شيخ الطائفة روى الموثقة عن علي بن الحسن بن فضال ، وطريقه اليه في المشيخة والفهرست (٤) يمرّ بعلي بن محمد بن‌

__________________

(١) في الصحاح : عصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه. وانما سموا عصبة لأنهم عصبوا ، اي أحاطوا به ، فالاب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والاخ جانب.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٩٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣٣.

(٤) راجع المشيخة : ٥٥ نهاية الجزء العاشر من تهذيب الاحكام ، الفهرست : ٩٢ الرقم ٣٨١.

٣٢٧

الزبير ، وهو لم يوثق بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

وقد يجاب عن ذلك بان المخبر بكتب ابن فضال للشيخ والنجاشي واحد ، وهو احمد بن عبدون ، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي ، وبما ان للنجاشي الى تلك الكتب طريقا آخر معتبرا (١) فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضا معتبرة.

٨ ـ واما جواز الاقتصاص لكل واحد من الاولياء بلا حاجة الى كسب الاذن من البقية‌ فهو رأي معروف. ويدل عليه ظاهر الآية الكريمة : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٢) ، فان الحكم ما دام مجعولا لطبيعي الولي فيلزم انحلاله بعدد افراده كما في سائر الموارد التي ينحل فيها الحكم بانحلال موضوعه.

واحتمال كون الحق قائما بالمجموع او بالجامع بنحو صرف الوجود بعيد بل ظاهر الآية تعلقه بالجامع بنحو الانحلال.

٩ ـ واما انه على تقدير اقتصاص بعض الاولياء من دون اذن البقية‌ فعليه دفع مقدار حصته من الدية ان طالب بذلك ، ويدفع ذلك الى ورثة الجاني على تقدير العفو عن القصاص والدية فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل وله أمّ واب وابن ، فقال الابن : انا اريد ان اقتل قاتل ابي ، وقال الاب : انا اريد ان اعفو ، وقالت الام : انا اريد ان آخذ الدية فقال : فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٣ ، منشورات مكتبة الداوري.

(٢) الاسراء : ٣٣.

٣٢٨

من الدية حق الاب الذي عفا وليقتله» (١).

١٠ ـ واما لزوم كون الاقتصاص بالسيف‌ فتدل عليه صحيحة الحلبي وابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام قالا : «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات أيدفع الى ولي المقتول فيقتله؟ قال : نعم ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف» (٢).

الا انه قد يقال بان ذكر السيف هو من باب كونه آلة القتل المتداولة تلك الفترة ، ومعه فلا تدل على الحصر والاختصاص.

٥ ـ قصاص ما دون النفس‌

يجوز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا متى ما تمت الشروط السابقة في قصاص النفس.

ولا يشترط التساوي في الذكورة والانوثة ، فلو جنت المرأة على الرجل اقتص منها. اجل لو جنى هو عليها اقتصت منه بعد ردّ التفاوت اليه اذا بلغت دية الجناية الثلث والا فلا ردّ ، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردّ شي‌ء اليه ولكن لو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردّ نصف دية يده اليه.

ويجوز القصاص أيضا في الجروح فيما اذا امكن ضبطها ، بان كان يمكن القصاص ، بمقدار الجرح والا تعينت الدية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٨٣ الباب ٥٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٩٥ الباب ٦٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

٣٢٩

والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا‌ فهو من ضروريات الإسلام. ويدل عليه قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١) ، والعمومات المذكورة عند البحث عن قصاص النفس. والروايات في ذلك كثيرة. وستأتي الاشارة الى بعضها ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما اعتبار شروط قصاص النفس في المقام أيضا‌ فهو مما تسالم عليه الاصحاب. وتدل على ذلك الادلة المتقدمة لشروط القصاص في النفس فانها عامة. واذا كان في بعضها قصور عن اثبات التعميم فالتسالم القطعي كاف لإثبات ذلك.

٣ ـ واما ان جواز القصاص ليس مشروطا بالتساوي في الذكورة والانوثة‌ فيدل عليه اطلاق الآية المتقدمة ، مضافا الى قضاء الروايات الخاصة ـ التي ستأتي الاشارة الى بعضها ـ بذلك.

هذا وفي المقابل دلت موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام : «ليس بين الرجال والنساء قصاص الا في النفس ...» (٢) على ان المرأة لا تقتص من الرجل.

ويردها :

اولا : ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فتكون ساقطة عن الاعتبار.

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٣٩ الباب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ٢.

٣٣٠

وثانيا : انها معارضة للروايات الآتية الدالة على ان للمرأة حق القصاص من الرجل ، وحيث ان المعارضة مستقرة فتقدم الروايات الدالة على جواز القصاص لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم.

٤ ـ واما ان المرأة يجوز لها الاقتصاص من الرجل لو جنى عليها بشرط ردّ التفاوت فيما اذا بلغت دية الجناية الثلث‌ فهو يتضمن مطلبين :

احدهما : ان المرأة تساوي الرجل في دية الاعضاء ما دام لم يحصل تجاوز عن الثلث.

ثانيهما : ان المرأة يجوز لها القصاص من الرجل بشرط رد التفاوت ان حصل تجاوز عن الثلث والا جاز لها القصاص من دون ردّ.

اما بالنسبة الى المطلب الاول فيأتي ما يدل عليه في باب الديات ان شاء الله تعالى.

واما بالنسبة الى المطلب الثاني فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل فقأ عين امرأة فقال : ان شاءوا ان يفقئوا عينه ويؤدوا اليه ربع الدية ، وان شاءت ان تأخذ ربع الدية. وقال في امرأة فقأت عين رجل : انه إن شاء فقأ عينها والا اخذ دية عينه» (١).

٥ ـ واما جواز القصاص في الجروح‌ فيدل عليه قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٢) ، واطلاق قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٣) ونحوه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٢٤ الباب ٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ١.

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) النحل : ١٢٦.

٣٣١

واما اعتبار امكان ضبط الجرح فواضح لعدم جواز القصاص من دون مماثلة : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) ، بل مع عدم المماثلة لا يصدق عنوان القصاص.

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

٣٣٢

كتاب الدّيات‌

١ ـ الدية وأقسامها‌

٢ ـ مقادير الديات‌

٣ ـ من أحكام القتل والديات‌

٣٣٣
٣٣٤

١ ـ الدية واقسامها‌

الدية ـ بكسر الدال وتخفيف الياء ـ غرامة مالية شرعت كجزاء على ارتكاب الجناية.

وهي مشروعة بالكتاب والسنة القطعية.

وتنقسم الى المقدّرة شرعا وغيرها.

وهي ثابتة في موارد خاصة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان تحديد الدية ما تقدم‌ فهو من واضحات اللغة والفقه.

واما انها مشروعة فهو من ضروريات الإسلام. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (١) ، والروايات الكثيرة التي تأتي الاشارة الى بعضها.

٢ ـ واما انقسامها الى المقدّرة شرعا وغيرها‌ فباعتبار ان الجناية‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

٣٣٥

تارة يكون لها تقدير شرعي واخرى لا يكون لها ذلك. ويصطلح على الاول بالدية ، وعلى الثاني بالارش او الحكومة.

ويتم تعيين الارش وفق طريقة يأتي بيانها فيما بعد ان شاء الله تعالى.

والدية بكلا قسميها تؤخذ من الجاني ان كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك ومن العاقلة ان لم تكن كذلك.

٣ ـ واما موارد ثبوتها‌ فهي :

أ ـ الخطأ المحض والشبيه بالعمد. وثبوت الدية فيهما دون القود امر متسالم عليه بيننا. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (١) ، فانه باطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. ويمكن استفادة ذلك من الروايات أيضا ـ ولكن الطابع العام عليها ضعف السند ـ كرواية الفضل بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة ، هو الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد؟ قال : نعم ...» (٢) وغيرها.

هذا وقد تقدمت في بداية البحث عن القصاص الاشارة الى خلاف مالك فلاحظ.

ب ـ الموارد التي لا يثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمدا ، كقتل الاب ولده او المسلم الذمي. وقد تقدمت الاشارة الى وجه ثبوت الدية في مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.

ج ـ الموارد التي لا يمكن فيها القصاص ، كبعض الجروح التي لا‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٨ الباب ١١ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٩.

٣٣٦

يمكن ضبطها. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في نهاية البحث عن القصاص.

د ـ موارد القصاص فيما اذا تراضى الطرفان على الدية. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في مبحث القصاص تحت عنوان «من أحكام قصاص النفس».

٢ ـ مقادير الديات‌

الديات المقدرة شرعا هي على انحاء مختلفة نشير الى بعضها (١) :

دية القتل عمدا.

دية قتل المسلم عمدا ـ اذا تمّ التراضي عليها ـ احد امور ستة :

مائة من الابل الفحولة المسنّة (٢).

او مائتا بقرة.

او الف دينار ذهب (٣).

او عشرة آلاف درهم فضة (٤).

__________________

(١) حيث ان الديات المقدّرة شرعا كثيرة جدا ، واستيعابها يوجب التطويل ويورث الملل اقتصرنا على البعض المهم منها.

(٢) المسنّة من الابل ـ على ما قيل ـ هي ما دخلت في السنة السادسة.

(٣) المقصود الدينار الشرعي الذي مقداره مثقال ذهب بوزن ١٨ حمصة. وقيل بان الدينار الشرعي يعادل اربعة غرامات من الذهب وربع الغرام تقريبا ، فالدية على هذا اربعة كيلوات من الذهب وربع الكيلو تقريبا.

(٤) المقصود الدرهم الشرعي الذي هو من الفضة ويعادل ٦ / ١٢ حمصة. وقيل بان الدرهم‌

٣٣٧

او الف شاة.

او مائتا حلّة (١). وكل حلة ثوبان : ازار ورداء.

واستيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.

ويجوز الاستيفاء بالاوراق النقدية المتداولة في زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين على ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان دية القتل عمدا ما تقدم‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سمعت ابن ابي ليلى يقول : كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل فأقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم انه فرض على اهل البقر مائتي بقرة ، وفرض على اهل الشاة ألف شاة ثنية (٢) ، وعلى اهل الذهب الف دينار ، وعلى اهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى اهل اليمن الحلل مائتي حلة. قال عبد الرحمن بن الحجاج : فسألت ابا عبد الله عليه‌السلام عما روى ابن ابي ليلى فقال : كان علي عليه‌السلام يقول : الدية الف دينار ـ وقيمة الدينار عشرة دراهم ـ وعشرة آلاف لأهل الامصار ، وعلى اهل البوادي مائة من الابل ولأهل السواد مائتا (٣) بقرة او الف‌

__________________

الشرعي يعادل ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا ، فالدية على هذا ثلاثون كيلوغراما الا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

(١) الحلّة ـ بضم الاول ، والجمع حلل وحلال ـ مطلق الثوب او خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. والفقهاء فسروها بالثوبين ، بل قد يقال : ان ذلك هو معناها لغة ، ففي المصباح المنير : «الحلة بالضم لا يكون الا ثوبين من جنس واحد» ، ونحو ذلك ذكر في غير المصباح.

(٢) الثنية من الغنم : ما دخل في السنة الثالثة.

(٣) الوارد في الطبع القديم من وسائل الشيعة : مائة بقرة. وهو اشتباه ، فان الموجود في المصادر الاصلية للصحيحة وهي الكتب الاربعة : مائتا ـ مائتي ـ بقرة.

٣٣٨

شاة» (١) وغيرها.

وموضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الامام عليه‌السلام والا فما نقله ـ في صدر الصحيحة ـ عن ابن ابي ليلى ليس حجة كما هو واضح.

ومنه يتضح ان مستند عدّ مائتي حلّة من جملة افراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهي على ذلك والا فكلام ابن ابي ليلى ـ الذي ذكر فيه ذلك ـ ليس حجة.

ثم ان المذكور في الصحيحة : ان على اهل السواد مائتي بقرة وعلى ... وهذا لا ينبغي أن يفهم منه التعيين بل هو وارد مورد الارفاق والتسهيل كما هو واضح.

وينبغي الالتفات الى ان المعروف بين الفقهاء بل ادعي عدم الخلاف فيه ان التخيير بين الافراد الستة ثابت للجاني دون اولياء المجني عليه. وهو ان لم يستفد من الصحيحة المتقدمة فيكفي لإثباته كونه مقتضى الاصل.

وينبغي الالتفات أيضا الى ان المسألة تشتمل على روايات اخرى قد تدل على مضامين اخرى تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات ، ولكن لأجل عدم القائل بها وهجران الاصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.

٢ ـ واما انه يعتبر في الابل ان تكون فحولة مسنّة‌ فهو رأي معروف. وتدل عليه صحيحة معاوية بن وهب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن دية العمد فقال : مائة من فحولة الابل المسان ...» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤١ الباب ١ من ابواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤٦ الباب ٢ من ابواب ديات النفس الحديث ٢.

٣٣٩

٣ ـ واما ان استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان علي عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين ، وتستأدى دية العمد في سنة» (١).

٤ ـ واما جواز الاستيفاء بالاوراق النقدية مع التعذر او التراضي‌ فواضح لأنه مع التعذر حيث لا يحتمل سقوط الدية رأسا فيتعين الرجوع الى البدل الاقرب وهو الاوراق النقدية.

واما انه مع التراضي يجوز ذلك فاوضح لان الحق لا يعدو الطرفين.

ثم انه لو فرض وجود بعض الافراد الستة فهل يحق للجاني الزام اولياء المجني عليه بقبول الاوراق النقدية؟ المناسب هو العدم لان ظاهر الصحيحة الالزام بالاعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للإلزام بالبدل.

دية الشبيه بالعمد‌

دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الامور الستة المتقدمة غير انه يعتبر في الابل ان تكون اربعون منها خلفة من بين ثنية الى بازل عامها ، وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٥٠ الباب ٤ من ابواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) الخلفة ـ بفتح الحاء وكسر اللام ـ هي الحامل من النوق.

والثنية من الابل : ما دخل في السنة السادسة.

٣٤٠