دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

ولا يبعد كون المقصود من الوسط موضع الثديين بقرينة صحيحة ابي مريم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «اتت امرأة امير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : اني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتى استقبلت وجهه فقالت : اني قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت : اني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت : اني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت ، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة ... وأدخلها الحفيرة الى الحقو وموضع الثديين ...» (١).

٢٥ ـ واما ان الامام يبدأ بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار والا فالبينة تبدأ بذلك‌ فهو ما عليه المشهور. وتدل عليه رواية صفوان عمّن رواه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا اقرّ الزاني المحصن كان اول من يرجمه الامام ثم الناس فاذا قامت عليه البينة كان اول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس» (٢). ولأجل انها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء على احد امور ثلاثة : تمامية كبرى الانجبار بعمل المشهور او البناء على وثاقة كل من روى عنه احد الثلاثة او البناء على حجية الرواية اذا ورد في سندها احد بني فضّال وان اشتمل على الضعف من بعض النواحي. واما اذا لم نبن على الامور المذكورة فيلزم على الامام البدأة مطلقا تمسكا باطلاق موثقة سماعة المتقدمة.

بل يلزم البناء على النتيجة المذكورة حتى لو قبلنا بكبرى الامر الثاني ، فان رواية احد الثلاثة عن شخص وان كانت من دلائل وثاقته الا انه حيث لم يذكر باسمه في الرواية فنحتمل وجود جارح له ولذلك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٠ الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٤ الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

٢٨١

يدخل المقام في مورد تعارض الجرح والتعديل ويسقط توثيقه عن الاعتبار.

٢٦ ـ واما استحباب اعلام المؤمنين‌ فتدل عليه عدة روايات ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام ان امير المؤمنين عليه‌السلام : «أتاه رجل بالكوفة فقال : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهّرني وذكر انه أقرّ اربع مرات الى ان قال : ثم نادى في الناس : يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد ...» (١) وغيرها.

والصحيحة وان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ الكليني الا انه لا غبار عليها في طريقها الآخر ، حيث ان لصاحب الوسائل طريقا صحيحا الى تفسير القمي اشار اليه في آخر الوسائل (٢) ، والقمي بدوره له طريق صحيح الى ابي بصير وقد نقله الحرّ في ذيل الصحيحة فلاحظ.

واما وجوب حضور طائفة من المؤمنين فيدل عليه قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣).

٢٧ ـ واما انه ينبغي ان تكون الحجار صغارا‌ فلموثقة سماعة المتقدمة في الرقم ٢٤ وغيرها.

٢٨ ـ واما ان الزاني يجلد قائما اذا كان رجلا وقاعدا اذا كان امرأة ويتقى الوجه والمذاكير‌ فتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٢ الباب ٣١ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ٣.

(٢) فقد نقل في الفائدة الرابعة ٢٠ : ٤٣ ان تفسير القمي هو من جملة الكتب التي ينقل منها ثم ذكر في الفائدة الخامسة ٢٠ : ٤٩ طرقه الصحيحة الى تفسير القمي وغيره.

(٣) النور : ٢.

٢٨٢

«يضرب الرجل الحد قائما والمرأة قاعدة ، ويضرب على كل عضو ويترك الرأس والمذاكير» (١).

واما ان الرجل يجلد على الحالة التي وجد عليها ان كاسيا فكاسيا وان عاريا فعاريا فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام : «... ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ، ان وجد عريانا ضرب عريانا ، وان وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه» (٢).

وطلحة وان لم يوثق في كتب الرجال الا ان شهادة الشيخ بالاعتماد على كتابه ـ حيث قال : «طلحة بن زيد. له كتاب. وهو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد» (٣) يسهّل الامر فيه.

وعليه فلا مشكلة من ناحية طلحة الا انه في مقابل موثقته موثقة اسحاق بن عمار : «سألت ابا ابراهيم عليه‌السلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال : أشد الجلد. قلت : فمن فوق ثيابه؟ قال : بل تخلع ثيابه ...» (٤). وهي ان امكن حملها على حالة وجدانه عاريا ثم اكتسى بعد ذلك فلا مشكلة والا فالمناسب تحقق التعارض فيما اذا وجد وهو مكتس. ومع التساقط يكون المرجع اطلاق مثل قوله تعالى : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٥) وتكون النتيجة جواز جلده وهو مكتس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٩ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٠ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٧.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٩ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٥) النور : ٢.

٢٨٣

ان وجد كذلك.

٢٩ ـ واما ان المرأة تجلد وهي مرتدية لثيابها‌ فيكفي لإثباته القصور في المقتضي ، فان ما دلّ على الجلد عاريا يختص بالرجل. على انه لا يحتمل وجوب او جواز ابراز بدنها.

٣٠ ـ واما ان من يراد رجمه يؤمر باغتسال غسل الميت اولا ثم يكفن ويحنط‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل قد يدعى عدم الخلاف فيه. وتدل عليه رواية مسمع كردين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلّى عليهما ...» (١). وهي واضحة الدلالة على المطلوب الا انها ضعيفة السند بطرقها الأربع من عدة جهات فلاحظ. ولا يمكن الاعتماد عليها الا بناء على تمامية كبرى الجابرية.

٣١ ـ واما انه يصلى على الزاني بعد رجمه ويدفن في مقابر المسلمين‌ فهو واضح لاقتضاء القاعدة له ، فان المرجوم لا يخرج عن الإسلام بارتكابه الذنب ورجمه. هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات على ذلك ، كصحيحة ابي مريم المتقدمة في الرقم ٢٤ حيث ورد في آخرها ان المرأة المرجومة لما ماتت قيل للإمام عليه‌السلام : «فكيف نصنع بها؟ قال : فادفعوها الى أوليائها ومروهم ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٧٠٣ الباب ١٧ من أبواب غسل الميت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٠ الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.

٢٨٤

الثاني : اللواط‌

حدّ اللائط والملوط به ـ اذا كانا مكلفين ـ القتل بأحد الاساليب التالية :

١ ـ الاحراق بالنار.

٢ ـ الدحرجة من شاهق مشدود اليدين والرجلين.

٣ ـ الضرب بالسيف ثم الاحراق بالنار.

٤ ـ الرجم.

وحدّ اللواط مع الايقاب (١) ما تقدم ، ومع عدمه ـ وذلك بالتفخيذ ـ مائة جلدة ، الا اذا تكرر مرتين مع الحد فانه يقتل في الثالثة.

ويثبت اللواط بالاقرار اربع مرات وبشهادة اربعة رجال عدول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ اللواط احد الامور المتقدمة‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل لعل الحكم في الملوط به كاد يبلغ حدّ التسالم. وتدل عليه صحيحة مالك عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لرجل اقرّ عنده باللواط اربعا : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ايهن شئت ، قال : وما هن يا امير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة منك ما بلغت او اهداب [اهداء] (٢) من جبل مشدود اليدين والرجلين او احراق بالنار» (٣) ، وصحيحة عبد الرحمن العرزمي : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : وجد رجل مع رجل في امارة‌

__________________

(١) لاط به : لصق به. والايقاب : الادخال.

(٢) وفي الوافي ١٥ : ٣٣٥ : او دهداء.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٩ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ١.

٢٨٥

عمر فهرب احدهما واخذ الآخر فجي‌ء به الى عمر فقال للناس : ما ترون في هذا؟ فقال هذا : اصنع كذا ، وقال هذا : اصنع كذا. قال : فما تقول يا ابا الحسن؟ قال : اضرب عنقه فضرب عنقه. قال : ثم اراد ان يحمله فقال : مه انه بقي من حدوده شي‌ء قال : أي شي‌ء بقي؟ قال : ادع بحطب فدعا عمر بحطب فأمر به امير المؤمنين عليه‌السلام فأحرق به» (١) ، وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : لو كان ينبغي لأحد ان يرجم مرتين لرجم اللوطي» (٢).

ومورد بعض هذه الروايات وان كان هو اللائط الا انه يمكن التعميم للملوط به اما بضم عدم القول بالفصل او لان المستفاد من الروايات ان عقوبة الملوط به اشد من عقوبة اللائط ـ فلاحظ صحيحة حماد بن عثمان : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اتى رجلا ، قال : عليه ان كان محصنا القتل ، وان لم يكن محصنا فعليه الجلد. قلت : فما على المؤتى به؟ قال : عليه القتل على كل حال محصنا كان او غير محصن» (٣) ـ فاذا ثبت ما سبق في حق اللائط فيلزم ثبوته في حق الملوط به بالاولوية.

ثم ان المشهور ان حكم اللائط القتل حتى اذا لم يكن محصنا ، ولكن بعض الروايات ـ كصحيحة حماد المتقدمة وغيرها ـ دلت على ان اللائط يجلد ولا يقتل فيما اذا لم يكن محصنا. والمناسب العمل على طبقها لمن لا يرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٠ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٠ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٧ الباب ١ من ابواب حد اللواط الحديث ٤.

٢٨٦

العمل بها.

ثم ان بعض الفقهاء ذكر في جملة أساليب القتل في اللواط القاء جدار على اللائط او الملوط به. ولا مستند لذلك سوى الفقه الرضوي (١) الذي لم يثبت كونه رواية. ومع التنزل فهو من قسم المراسيل.

٢ ـ واما تقييد ثبوت الحد على اللواط بحالة فرض التكليف‌ فباعتبار رفع القلم عن الصبي والمجنون. اجل يؤدب الصبي على ذلك لصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سمعته يقول : ان في كتاب علي عليه‌السلام اذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل وادب الغلام. وان كان ثقب وكان محصنا رجم» (٢). والمراد من قوله : «ضرب الرجل» ضرب الحد والا فهما في اصل الضرب مشتركان.

ويؤيد ذلك رواية ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «أتي امير المؤمنين عليه‌السلام بامرأة وزوجها ، قد لاط زوجها بابنها من غيره وثقبه وشهد عليه بذلك الشهود فأمر به عليه‌السلام فضرب بالسيف حتى قتل وضرب الغلام دون الحد وقال : أما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك اياه من نفسك بثقبك» (٣) ، فان سندها وان كان ضعيفا من ناحية بكر بن صالح بل ومن ناحية سهل ومحمد بن سنان على قول الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢١ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٨ الباب ٢ من ابواب حد اللواط الحديث ١.

٢٨٧

الثالث : حدّ التفخيذ‌

٣ ـ واما ان حدّ التفخيذ من دون ايقاب مائة جلدة‌ فهو المشهور. وقد يستفاد من صحيحة ابي بصير المتقدمة ، فان التعبير بقوله عليه‌السلام : «وان كان ثقب ...» يدل على وقوع شي‌ء من الرجل دون الثقب في مفروض الفقرة السابقة ، وليس هو الا التفخيذ. ومع فرض الاطلاق يلزم التقييد بالتفخيذ للاتفاق على عدم ثبوت مائة جلدة في النوم المجرد.

اجل ورد في صحيحة الحسين بن سعيد : «قرأت بخط رجل أعرفه الى ابي الحسن عليه‌السلام وقرأت جواب ابي الحسن عليه‌السلام بخطه : هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حد ، فان بعض الصحابة روى انه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه؟ فكتب : لعنة الله على من فعل ذلك. وكتب أيضا هذا الرجل ولم أر الجواب : ما حدّ رجلين نكح احدهما الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته؟ فكتب القتل» (١) ان حدّ التفخيذ هو القتل. ولكنه لا يمكن الاعتماد عليها لان الرجل الكاتب مجهول. وتعبير ابن سعيد بقوله : «اعرفه» لا يدل على توثيقه ، ولو دلّ فهو لا ينفي وجود الجارح المعارض بعد ما لم يذكر اسمه ، والمفروض ان جواب الامام عليه‌السلام لم يره ابن سعيد.

٤ ـ واما ان من تكرر منه التفخيذ مرتين وحدّ يقتل في الثالثة‌ فلإطلاق صحيحة يونس عن ابي الحسن الماضي عليه‌السلام : «اصحاب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٧ الباب ١ من ابواب حد اللواط الحديث ٥.

٢٨٨

الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة» (١).

وقيل : بل يقتل في الرابعة. وكأن ذلك من باب القياس على الزاني ، حيث تقدم ان من جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة. الا ان القياس المذكور لا وجه له بعد دلالة الصحيحة المتقدمة على القتل في مطلق الكبائر في المرة الثالثة ، والخارج منها هو الزنا لا غير.

٥ ـ واما ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات دون الاقل من ذلك‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة مالك بن عطية المتقدمة في الرقم ١ ، حيث ورد فيها : «فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ...» (٢) ، فان اللواط لو كان يثبت بالاقرار ثلاثا او بمرة واحدة لم يكن وجه لتأخير العقوبة الى الاقرار الرابع.

واما انه يثبت بشهادة اربعة رجال فباعتبار انه تقدم في بحث الشهادات تحت عنوان : «اختلاف الحقوق في الاثبات» ان كل اقرار واحد هو بمنزلة شهادة واحدة ، فاذا كان اللواط لا يثبت بأقل من اربعة اقرارات فيلزم ان لا يثبت بأقل من اربع شهادات.

الرابع : السحق (٣)

حدّ السحق مائة جلدة. ومع التكرر مرتين مع الحد يلزم القتل في الثالثة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣١٣ الباب ٥ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٢ الباب ٥ من ابواب حد اللواط الحديث ١.

(٣) السّحق : دلك المرأة فرجها بفرج أخرى. وقد كني عنه في بعض الروايات باللواتي مع اللواتي ، فلاحظ وسائل الشيعة الباب ٢٤ من ابواب النكاح المحرم الحديث ٤.

٢٨٩

ويثبت ـ السحق ـ بأربعة رجال عدول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ السحق مائة جلدة‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن ابي حمزة وهشام وحفص كلهم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال : حدها حد الزاني فقالت المرأة : ما ذكر الله ذلك في القرآن فقال : بلى. قالت : وأين هنّ؟ قال : هن اصحاب الرّس» (١) وغيرها. والمقصود من قوله عليه‌السلام : «حدّها حدّ الزاني» الاشارة الى الجلد ولو بقرينة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «السّحاقة تجلد» (٢).

والمشهور ان ذلك حدّ للمحصنة أيضا. وقيل : بل ذلك حدّ غير المحصنة واما هي فحدّها الرجم.

٢ ـ واما انه مع التكرر واقامة الحد مرتين يلزم القتل في الثالثة‌ فقد تقدم وجهه عند بيان حدّ التفخيذ.

٣ ـ واما ان السحق يثبت بأربعة رجال‌ فقد تقدم وجهه في باب الشهادات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٤ الباب ١ من ابواب حد السحق الحديث ١.

ثم انه لا بدّ ان يكون المقصود من ذكر السحق في القرآن الكريم هو ذكر اصله وذاته لا حدّه والا فحدّه لم يذكر في آية اصحاب الرس ولا في غيرها. والمنقول ان فعل قوم لوط هو اللواط وفعل اصحاب الرس هو المساحقة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٥ الباب ١ من ابواب حد السحق الحديث ٢.

٢٩٠

الخامس : القذف‌

حدّ القذف ـ وهو رمي الغير بالزنا او اللواط ـ ثمانون جلدة. ولا يثبت الا مع احصان المقذوف.

ولو قذف الوالد ولده لم يحد لأجله.

واذا تقاذف شخصان درئ الحدّ عنهما ولكن يعزران.

ومع تكرر القذف من القاذف وحدّه مرتين يقتل في الثالثة.

وسابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بضعته الطاهرة سلام الله عليها أو احد الائمة من ابنائها صلوات الله عليهم اجمعين يجب على سامعه قتله بلا حاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي الا ان يخاف على نفسه الضرر.

ويثبت القذف بشهادة رجلين عادلين وبالاقرار مرة واحدة.

المستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ القذف ثمانون جلدة‌ فيدل عليه صريح الكتاب العزيز : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١). ومورده وان كان خاصا برمي المحصنة الا انه يتعدى الى رمي المحصن اما بتنقيح المناط او بضم عدم القول بالفصل. وبقطع النظر عن ذلك تكفينا صحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه‌السلام : «امرأة قذفت رجلا قال : تجلد ثمانين جلدة» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما اعتبار احصان المقذوف في ثبوت الحدّ على القاذف‌ فهو‌

__________________

(١) النور : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٣٢ الباب ٢ من ابواب حد القذف الحديث ١.

٢٩١

مما لا خلاف فيه ، اذ الآية الكريمة ان لم يكن لها مفهوم تنفي به الحدّ عن رمي غير المحصن فلا أقل من القصور في المقتضي فيتمسك بالبراءة.

والمراد من الاحصان العفة عن الزنا بنحو لا يكون الشخص متظاهرا به ، فالمتظاهر لا حدّ في قذفه بل قد يحكم بعدم التعزير أيضا لعدم احترامه.

ثم انه يعتبر في ثبوت الحدّ مضافا الى احصان المقذوف امور اخرى ، كإسلامه وبلوغه وعقله وحريته لدلالة الروايات على ذلك (١).

٣ ـ واما ان الاب لا يحدّ لو قذف ولده‌ فلصحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن رجل قذف ابنه بالزنا قال : لو قتله ما قتل به وان قذفه لم يجلد له ...» (٢).

والسند تام ، فان الشيخ الكليني رواها عن شيخه علي بن ابراهيم بسند صحيح عن محمد بن مسلم ، والشيخ قد رواها بدوره أيضا عن علي بن ابراهيم بالسند السابق الصحيح عن محمد بن مسلم. والشيخ وان لم يكن معاصرا لعلي بن ابراهيم ولا يمكن ان يروي عنه مباشرة الا انه قد ذكر طريقه اليه في المشيخة والفهرست ، وهو في كليهما صحيح فلاحظ (٣).

٤ ـ واما ان المتقاذفين يعزران من دون حدّ‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : أتي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ ، ٤ ، ٥ من أبواب حد القذف.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٧ الباب ١٤ من أبواب حد القذف الحديث ١.

(٣) مشيخة تهذيب الاحكام : ٢٩ والفهرست : ٨٩ الرقم ٣٧٠.

٢٩٢

امير المؤمنين عليه‌السلام برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه قال : فدرأ عنهما الحد وعزرهما» (١) وغيرها.

٥ ـ واما ان القاذف يقتل في الثالثة لو حدّ مرتين حدّ القذف‌ فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

٦ ـ واما ان ساب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتله السامع‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان رجلا من هذيل كان يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : من لهذا؟ فقام رجلان من الانصار فقالا : نحن يا رسول الله فانطلقا حتى أتيا عربة (٢) فسألا عنه فاذا هو يتلقى غنمه فقال : من أنتما وما اسمكما؟ فقالا له : أنت فلان بن فلان؟ قال : نعم ، فنزلا فضربا عنقه. قال محمد بن مسلم فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت لو ان رجلا الآن سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقتل؟ قال : ان لم تخف على نفسك فاقتله» (٣).

واما الحاق البضعة الطاهرة وأولادها الائمة الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو لا يحتاج الى دليل خاص بعد الضرورة الثابتة من الخارج على كون حكم الجميع واحدا.

وقد يستفاد المطلوب من صحيحة هشام بن سالم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه‌السلام؟ فقال لي : حلال الدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٥١ الباب ١٨ من أبواب حد القذف الحديث ٢.

ثم ان الوارد في الفقيه ٤ : ٣٩ «قذف كل واحد منهما صاحبه في بدنه ...» من دون كلمة «بالزنا». والظاهر ان احدى الكلمتين : «بالزنا» ، «في بدنه» زائدة.

(٢) عربة اسم موضع كان بالقرب من المدينة. وفي بعض النسخ : عرنة ـ كهمزة ـ الذي هو الموضع المعروف في عرفات.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٠ الباب ٢٥ من أبواب حد القذف الحديث ٣.

٢٩٣

والله لو لا ان تعمّ به بريئا» (١).

٧ ـ واما عدم الحاجة الى استئذان الحاكم الشرعي‌ فقد يستفاد من اطلاق الروايات المتقدمة.

واذا نوقش بان ما صدر من الامام عليه‌السلام هو اذن خاص منه ولا يمكن استفادة عدم اعتبارها من الاطلاق امكن التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عمن شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : يقتله الادنى فالادنى قبل ان يرفع الى الامام» (٢).

واما اعتبار عدم خوف الضرر فهو مقتضى قاعدة نفي الضرر ، مضافا الى التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم ٦.

٨ ـ واما ان القذف يثبت بالبينة والاقرار مرة واحدة‌ فلإطلاق دليل حجيتهما ، والخروج عنه يحتاج الى دليل وهو مفقود. وقد تقدم في كتاب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات» ما ينفع في المقام فراجع.

السادس : شرب المسكر‌

الحدّ في شرب الخمر وبقية المسكرات ثمانون جلدة يضرب الشارب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا ومن فوق الثياب ان كان امرأة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦١ الباب ٢٧ من أبواب حد القذف الحديث ١.

ثم انه ورد في هامش الكافي ٧ : ٢٧٠ نقلا عن العلاّمة المجلسي في مقام التعليق على جملة «لو لا ان تعم به بريئا» ما نصه : «اي انت او البلية بسبب القتل من هو بري‌ء منه».

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٥٤ الباب ٧ من أبواب حد المرتد الحديث ١.

٢٩٤

ومن حدّ مرتين لشرب الخمر قتل في الثالثة.

ويثبت الشرب بشهادة عدلين او الاقرار مرة واحدة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ شرب الخمر ثمانون جلدة‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة بريد بن معاوية : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان في كتاب علي عليه‌السلام يضرب شارب الخمر ثمانين ، وشارب النبيذ ثمانين» (١).

واما ان ذلك حدّ شرب بقية المسكرات أيضا فلصحيحة الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما ان الشارب يضرب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا‌ فتدل عليه صحيحة ابي بصير : «سألته عن السكران والزاني ، قال : يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين» (٣). واضمارها لا يضر بحجيتها بعد ما كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا يحتمل في حقهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

واما ان المرأة تضرب من وراء الثياب فيكفي لا ثباته القصور في المقتضي. هذا مضافا الى ان المرأة عورة ولا يحتمل اعتبار تجريدها من الثياب.

٣ ـ واما ان من حدّ على شرب الخمر مرتين قتل في المرة الثالثة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٨ الباب ٤ من ابواب حد المسكر الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٧٣ الباب ٧ من ابواب حد المسكر الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٧٤ الباب ٨ من ابواب حد المسكر الحديث ١.

٢٩٥

فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

٤ ـ واما ان شرب المسكر يثبت بشهادة عدلين او بالاقرار مرة واحدة‌ فقد تقدم وجهه في حدّ القذف.

السابع : السرقة‌

الحدّ في السرقة قطع الاصابع الاربع للسارق من اليد اليمنى مع ترك الراحة والابهام ، فان تكررت منه قطعت رجله اليسرى من وسطها ، فان تكررت منه ثالثة خلّد في الحبس الى ان يموت ، وان تكررت منه رابعة في الحبس قتل.

ولا يحدّ السارق الا اذا كانت قيمة المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب بوزن ١٨ حبة. هذا هو المشهور. وقيل بكفاية كونه بمقدار خمس المثقال المتقدم.

كما لا يحدّ الا اذا كان المال في مكان محرز لم يؤذن بالدخول فيه.

والمشهور ان السرقة لا تثبت الا بشهادة عدلين او الاقرار مرتين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الحدّ في السرقة ما ذكر‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة سماعة بن مهران : «اذا اخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فان عاد استودع السجن ، فان سرق في السجن قتل» (١) وغيرها.

والموثقة اذا كانت مقطوعة (٢) بطريق الشيخ الكليني فهي مسندة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٩٣ الباب ٥ من أبواب حد السرقة الحديث ٤.

(٢) الرواية المقطوعة هي الرواية التي ينقل الراوي فيها الحكم من دون اسناد الى الامام عليه‌السلام

٢٩٦

الى الامام عليه‌السلام في طريق الشيخ الطوسي (١).

واذا كانت ـ الموثقة ـ مجملة من حيث المقدار المقطوع فبملاحظة موثقة اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه‌السلام : «تقطع يد السارق ويترك ابهامه وصدر راحته وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها» (٢) يرتفع ذلك.

واما صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : من اين يجب القطع؟ فبسط اصابعه وقال من هاهنا ، يعني من مفصل الكف» (٣) فهي ساقطة عن الاعتبار بعد هجران الاصحاب لمضمونها.

٢ ـ واما اعتبار كون المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم يقطع السارق؟ قال : في ربع دينار. قلت له : في درهمين؟ قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ. قلت له : أرأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ وهل هو عند الله سارق؟ فقال : كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه واحرزه فهو يقع عليه اسم السارق وهو عند الله سارق ولكن لا يقطع الا في ربع دينار او اكثر ، ولو قطعت ايدي السراق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين» (٤).

__________________

ولا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه ، بخلاف المضمرة ، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الى الامام عليه‌السلام من قبيل : «قلت له : ...».

(١) لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٩٠ الباب ٤ من أبواب حد السرقة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٩ الباب ٤ من أبواب حد السرقة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٢ الباب ٢ من أبواب حد السرقة الحديث ١.

٢٩٧

وهناك روايات تدل على التحديد بغير ذلك من قبيل صحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام : «أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار» (١) وغيرها. والمعارضة بينهما مستقرة.

وقد يقال : ان المناسب تقديم الثانية لموافقتها لإطلاق الكتاب ، فان مقتضى اطلاق الآية الكريمة وجوب القطع في السرقة مطلقا ولكن علم من الخارج عدم ثبوت القطع في الاقل من الخمس فترفع اليد عن الاطلاق بهذا المقدار ، واما التقييد بمقدار ازيد فحيث انه غير معلوم فيلزم الاخذ بالاطلاق بلحاظه ويكون حجة ومرجحا للطائفة الثانية على الاولى.

٣ ـ واما اعتبار ان يكون المال في مكان محرز لا اذن بالدخول فيه‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه ، يعني الحمامات والخانات والارحية (٢)» (٣) ، وهكذا موثقته الاخرى : «لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا» (٤).

٤ ـ واما ثبوت السرقة بشهادة عدلين‌ فهو لإطلاق دليل حجية البينة.

واما اعتبار الاقرار مرتين فلرواية جميل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٣ الباب ٢ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.

(٢) الارحية جمع رحى.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٠٩ الباب ١٨ من أبواب حد السرقة الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٠٩ الباب ١٨ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.

٢٩٨

يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ...» (١) وغيرها.

ودلالة الرواية وان كانت واضحة الا ان في سندها علي بن السندي الذي قد يتأمل في وثاقته باعتبار عدم النص عليها في كتب الرجال ، وهكذا بقية الروايات فان سندها ضعيف كما يتضح من خلال المراجعة. ومع التنزل فهي معارضة بصحيحة الفضيل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان اقرّ الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الامام قطع» (٢). وبعد التعارض يعود التمسك بقاعدة «اقرار العقلاء على انفسهم جائز» لإثبات حجية الاقرار مرة واحدة بلا مانع.

ثم ان هذا كله بالنسبة الى الحدّ. واما الغرم فلا خلاف في لزومه بالاقرار مرة واحدة لإطلاق قاعدة الاقرار وعدم المقيد لها من هذه الناحية.

الثامن : المحاربة والافساد‌

المحارب ـ وهو من شهر السلاح لإخافة الناس والافساد في الارض ـ يقتل او يصلب او يقطع مخالفا (٣) أو ينفى من الارض.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ المحارب ما ذكر‌ فواضح بعد دلالة صريح الآية الكريمة عليه : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٨ الباب ٣ من أبواب حد السرقة الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٨ الباب ٣ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.

(٣) بان تقطع يده اليمنى مع رجله اليسرى.

٢٩٩

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).

وقد وقع الكلام في ان الانحاء الاربعة المذكورة هل هي ثابتة بنحو التخيير لولي الامر أو هي بنحو الترتيب حسب اختلاف الجناية.

ولو خلينا نحن والآية الكريمة لاستفدنا منها التخيير خصوصا بعد ملاحظة صحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... كل شي‌ء في القران أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء» (٢) ، الا ان في المقابل روايات قد يستفاد منها الترتيب. وكلمات الفقهاء في المقام مضطربة تبعا لاضطراب الروايات.

كل من خالف الشريعة بفعل محرم او ترك واجب من دون عذر ولم يرد تحديد شرعي لمقدار عقوبته عاقبه الحاكم الشرعي بما يراه صلاحا. وفي بعض الروايات تحديد ذلك بما دون اربعين ضربة.

والمستند في ذلك أمران :

١ ـ ان المحافظة على النظام قضية لا بدّ منها‌ ، وقد اهتم بها الإسلام ، وهي لا تتحقق الا بتشريع التعزير على مخالفة اي مقرر شرعي. وحيث ان منح هذا الحق لجميع الناس امر غير محتمل لأنه بدوره يوجب اختلال النظام فلا بدّ من ثبوته لطائفة معينة ، وبما ان القدر‌

__________________

(١) المائدة : ٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٢٩٥ الباب ١٤ من ابواب بقية كفارات الاحرام الحديث ١.

٣٠٠