دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

كتاب الحدود‌

١ ـ موجبات الحد‌

٢ ـ التعزير‌

٣ ـ اقامة الحدود في عصر الغيبة‌

٢٦١
٢٦٢

١ ـ موجبات الحدّ‌

العقوبة الشرعية تارة تكون حدا واخرى تعزيرا.

ويجب الحدّ عند ارتكاب محرمات معينة نذكر من بينها :

الاول : الزنا‌

يتحقق الزنا بايلاج مقدار الحشفة في فرج امرأة من دون عقد ولا شبهة ولا ملك. ولا فرق في ذلك بين القبل والدبر.

وحدّه هو :

١ ـ القتل تارة. وذلك في :

أ ـ الزنا باحدى المحارم النسبية كالأم والبنت. وفي تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببية او بالرضاع خلاف.

ب ـ زنا الذمي بالمسلمة.

ج ـ الزنا بالاجنبية عن اكراه لها.

د ـ الزاني ثلاثا ، فانه اذا جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة.

٢ ـ والجلد اخرى. وذلك في :

٢٦٣

أ ـ الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين.

ب ـ المرأة الزانية ولو كانت محصنة اذا زنى بها غير البالغ.

٣ ـ والرجم ثالثة. وذلك في الزاني المحصن والزانية المحصنة اذا كان الزاني بها بالغا.

٤ ـ والجلد والرجم معا رابعة. وذلك في الشيخ الزاني او الشيخة المزني بها اذا كانا محصنين.

٥ ـ وخامسة يلزم الجلد وجزّ (١) شعر الرأس والنفي من البلد لفترة سنة.

وذلك في الرجل البكر (٢) اذا زنى.

والاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته وكونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها وهو متمكن من وطئها متى شاء ولا يمتنع عليه ذلك لغيبة او حبس او ما شاكل ذلك.

والاحصان في المرأة لا يتحقق الا مع حريتها وكونها ذات زوج دائم قد دخل بها.

ولا يثبت الحدّ بالزنا الا مع البلوغ والعقل والاختيار والعلم بالحكم والموضوع.

ولا يثبت الزنا في حق شخص الا بامرين : اقراره اربع مرات او قيام البينة عليه التي هي عبارة عن شهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة وامرأتين بل يثبت بشهادة رجلين واربع نساء غايته يثبت بذلك الجلد دون الرجم.

ويعتبر في شهادة الشهود ان تكون عن حس ورؤية مع وحدة المشهود به‌

__________________

(١) الجزّ : القطع.

(٢) البكر هو من تزوج ولم يدخل. ويأتي تفسيره في صحيحة الحلبي بمن املك ـ اي تزوج ـ ولم يدخل.

٢٦٤

زمانا ومكانا ، ولو شهدوا من دون ذلك حدّوا هم دون المشهود عليه.

ويلزم اداء الشهود للشهادة سوية فلو شهد بعضهم حدّوا حدّ القذف ولم ينتظر اتمام العدد.

ويلزم الاسراع في اقامة الحدود بعد اداء الشهادة ولا يجوز تأجيلها.

ويدفن الرجل اذا اريد رجمه الى حقويه (١) والمرأة الى موضع الثديين.

ويبدأ الامام بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار ويبدأ الشهود بذلك ان كان قد ثبت بواسطة البينة.

ويستحب اعلام الناس به ليحضروه بل يجب حضور طائفة عند اقامته.

وينبغي ان تكون الا حجار صغارا.

ويجلد الزاني وهو قائم على الحالة التي وجد عليها ان عاريا فعاريا وان كاسيا فكاسيا ويتقى الوجه والمذاكير.

وتجلد الزانية وهي جالسة مرتدية ثيابها.

ويؤمر من يراد رجمه باغتسال غسل الميت ويكفن ويحنط ثم يرجم الى ان يموت ويصلى عليه بعد ذلك ويدفن في مقابر المسلمين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان العقوبة الشرعية تكون تارة حدا واخرى تعزيرا‌ فواضح لان الشرع اما ان يكون قد حدّد مقدار العقوبة على مخالفة التكليف الشرعي او يكون قد اوكل امر ذلك الى نظر الحاكم الشرعي. والاول هو الحدّ والثاني هو التعزير.

٢ ـ واما ان الزنا موجب للحدّ‌ فهو من ضروريات الدين ، وصريح‌

__________________

(١) الحقو بفتح الحاء : معقد الازار.

٢٦٥

الكتاب الكريم : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) ناطق بذلك.

٣ ـ واما ان الزنا يتحقق بايلاج مقدار الحشفة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «جمع عمر بن الخطاب اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الانصار : الماء من الماء. وقال المهاجرون : اذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي عليه‌السلام : ما تقول يا ابا الحسن؟ فقال علي عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحدّ والرجم ولا توجبون عليه صاعا من الماء؟ اذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار» (٢) ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : اذا ادخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (٣) ، وغيرهما فانها دلت على ان موضوع وجوب الغسل والمهر والحد شي‌ء واحد وهو التقاء الختانين. ويتحقق ذلك ـ التقاء الختانين ـ بادخال مقدار الحشفة ، كما هو واضح (٤) ، وقد دلت عليه صحيحة محمد بن اسماعيل‌

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧٠ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ١.

(٤) ذكر الرازي عند تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة ٦ : ان ختان الرجل هو الموضع الذي تقطع فيه جلدة الغلفة. واما ختان المرأة فيتضح بعد الالتفات الى ان شفريها محيطان بثلاثة أشياء : ثقبة في اسفل الفرج هي مدخل الذكر ومخرج الحيض والولد ، وثقبة اخرى فوق ذلك مثل احليل الذكر هي مخرج البول ، وهناك شي‌ء ثالث فوق ثقبة البول هو‌

٢٦٦

بن بزيع : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال نعم» (١).

٤ ـ واما عدم الفرق بين القبل والدبر‌ فهو المشهور. ونقل ابن حمزة قولا لقائل غير معروف كون الادخال في دبر المرأة لواطا (٢).

وقد يستدل على التعميم المذكور اما بان الوارد في خطابات الحدّ عنوان الزنا والفجور والاتيان ، واطلاق ذلك صادق على اتيان المرأة في دبرها ، او بالتمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : «اذا ادخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» بعد وضوح انصرافها عن الادخال في غير الموضعين.

ولا ينافي ذلك التحديد بالتقاء الختانين في بعض الروايات المتقدمة ـ كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة ـ لأنها ناظرة الى الحالة الغالبة ، وهي الوطء في القبل.

اما كيف نثبت اعتبار دخول مقدار الحشفة بلحاظ الدبر أيضا؟ لا بدّ ان يدعى ان المفهوم مما دلّ على اعتبار غيبوبة الحشفة اعتبار ذلك في مطلق الدخول وعدم الخصوصية للقبل من هذه الناحية.

__________________

موضع ختانها وفيه جلدة رقيقة تشبه عرف الديك ، وختانها يتحقق بقطع تلك الجلدة.

والحشفة اذا غابت حاذى ختانها ختانه. لا حظ تفسير الرازي ٦ : ١٦٨ عند تفسير آية الوضوء من سورة المائدة.

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ٢.

(٢) جواهر الكلام ٤١ : ٢٦١.

٢٦٧

حدّ الزنا‌

٥ ـ واما ثبوت القتل في الزنا بالمحارم النسبية‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة ابي ايوب : «سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن احدهما عليهما السّلام : من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف اخذت منه ما اخذت. وان كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف اخذت منها ما اخذت ...» (١) ، وصحيحة جميل بن دراج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ اين هذه الضربة؟ قال : تضرب عنقه او قال : تضرب رقبته» (٢) وغيرهما.

وقد يشكل بعدم دلالتهما على لزوم تحقق القتل بالضربة بل هما تدلان على اعتبار الضرب بالسيف بأي مقدار اثر.

وقد يجاب بان المراد عرفا من مثل تعبير «تضرب عنقه» الكناية عن القتل دون المدلول المطابقي. والتعبير بجملة «اخذت منه ما اخذت» لا يراد به الاشارة الى عدم لزوم تحقق القتل بل الى عدم لزوم التحفظ في مقام ايقاع الضربة. هذا مضافا الى ان المسألة لم يعرف فيها خلاف.

اجل ورد في رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليه‌السلام : «الرجل يقع على اخته قال : يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فان عاش خلّد في السجن حتى يموت» (٣). ونحوها رواية محمد بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٧ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

٢٦٨

عبد الله بن مهران عمن ذكره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١). ولكنهما لضعف سندهما ـ الاولى بعامر لعدم ثبوت وثاقته ، والثانية بالارسال وبمحمد بن عبد الله الذي لم تثبت وثاقته أيضا ـ لا تصلحان للمعارضة.

واذا قلت : ان موثقة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا زنى الرجل بذات محرم حد حدّ الزاني الا انه اعظم ذنبا» (٢) دلت على عدم الخصوصية للزنا بذات محرم.

قلت : ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فلا تصلح للمعارضة.

ثم ان المستفاد من الروايات اعتبار تحقق القتل بأمرين : ضرب الرقبة وكونه بالسيف. والحكم بالتعدي الى القتل بغير ذلك ـ كالقتل برصاص المسدس ونحوه في الصدر او الرأس ونحوهما ـ يتوقف على عدم فهم الخصوصية.

٦ ـ واما الخلاف في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببيات ـ كالزنا بام الزوجة او بنتها ـ والمحرمات من الرضاع‌ فينشأ من دعوى اطلاق النصوص فيحكم بالتعميم ، ومن دعوى الاجماع او انصرافها عن مثل ذلك فيحكم بالاختصاص.

٧ ـ واما ثبوت القتل في زنا الذمي بالمسلمة‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة حنان بن سدير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال : يقتل» (٣).

والمعروف في كلمات الاصحاب تخصيص الحكم بالذمي الا انه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٦ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٧ الباب ٣٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

٢٦٩

ينبغي التعدي الى غيره لإطلاق الصحيحة بل قد يدعى الجزم بعدم الخصوصية.

٨ ـ واما ثبوت القتل في الزنا بالمرأة عن اكراه لها‌ فلم يعرف فيه خلاف أيضا. وتدل عليه صحيحة بريد العجلي : «سئل ابو جعفر عليه‌السلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها قال : يقتل محصنا كان او غير محصن» (١) وغيرها.

واما صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها او عاش» (٢) فلا تصلح للمعارضة لهجران الاصحاب لمضمونها بل لم يفرض فيها تحقق الزنا.

٩ ـ واما القتل في المرة الرابعة اذا فرض تكرر الزنا والجلد ثلاث مرات‌ فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : الزاني اذا زنى يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة ، يعني جلد ثلاث مرات» (٣) وغيرها.

وقيل يقتل في المرة الثالثة كسائر اصحاب الكبائر استنادا الى صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن ابي الحسن الماضي عليه‌السلام : «اصحاب الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة» (٤) ، ولكنها ـ كما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨١ الباب ١٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٢ الباب ١٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٧ الباب ٢٠ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٨ الباب ٢٠ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

٢٧٠

نقل الحر عن شيخ الطائفة (١) ـ مطلقة فتقيد بغير الزاني لأجل الموثقة.

١٠ ـ واما ان الجلد ثابت في حق الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين‌ فهو مما لا خلاف فيه للآية الكريمة : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٢) ، والروايات الشريفة ، كموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الحر والحرة اذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة ، فاما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم» (٣) وغيرها.

١١ ـ واما ان المرأة اذا زنى بها صبي تجلد ولا ترجم حتى ولو كانت محصنة‌ فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال : يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحدّ كاملا. قيل : فان كانت محصنة ، قال : لا ترجم لان الذي نكحها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت» (٤).

١٢ ـ واما ثبوت الرجم في حق الزاني والزانية المحصنين‌ فهو مما لا خلاف فيه للروايات المتعددة ، كموثقة سماعة المتقدمة في الرقم ١٠ وغيرها.

هذا في غير الشيخ والشيخة. واما هما فاللازم في حقهما الجمع بين الجلد والرجم كما سيأتي. بل قيل بلزوم ذلك في حق الشابين أيضا واختاره المحقق الحلي (٥).

__________________

(١) راجع ذيل الحديث في الوسائل.

(٢) النور : ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٧ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٢ الباب ٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٥) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.

٢٧١

واما تقييد ثبوت الرجم في حق الزانية المحصنة بما اذا كان الزاني بها بالغا فلما تقدم.

وقيل بأن الحكم في حق الزاني ذلك أيضا فلا يثبت في حقه الرجم اذا كانت المزني بها مجنونة أو صبية بل يثبت الجلد واختاره المحقق قدس‌سره أيضا (١).

١٣ ـ واما ثبوت الجلد والرجم معا في حق الشيخ والشيخة المحصنين‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم. والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة» (٢).

واطلاقها وان اقتضى ثبوت الجمع في حق غير المحصن أيضا الا انه قد يقال بلزوم تقييده بالاحصان لصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في الشيخ والشيخة ان يجلدا مائة. وقضى للمحصن الرجم وقضى في البكر والبكرة اذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد املكا ولم يدخل بها» (٣) ، فان فقرة : «وقضى للمحصن الرجم» تدل على ان الرجم خاص بالمحصن ولا يثبت في حق غيره.

وهل تدل الفقرة المذكورة على ثبوت الرجم وحده ومن دون جلد‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٨ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٩.

والبكر والبكرة هما من تزوج ولم يدخل. وقد عبّر عنهما في بعض الروايات بمن املك ولم يدخل.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٧ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

٢٧٢

في حق المحصن ـ لتعارض صحيحة الحلبي ـ أو هي ساكتة من هذه الناحية؟ لا يبعد الثاني. ومعه فلا تعارض صحيحة الحلبي الدالة على اضافة الجلد الى الرجم.

١٤ ـ واما ثبوت الجلد والجز والنفي من البلد في حق البكر‌ فتدل عليه صحيحة حنان : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وأنا اسمع عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل ان يدخل بأهله ، فقال : يضرب مائة ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرّق بينه وبين أهله» (١).

هذا وقد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال : يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرّق بينه وبين أهله وينفى سنة» (٢) التعبير بالحلق بدل الجز ، والجمع يقتضي الحمل على التخيير بينهما.

هذا وقد قيل بأن الجلد والجز والنفي لا يختص بالبكر بل يعم كل زان غير محصن. وممن اختار ذلك المحقق قدس‌سره (٣).

واما الحكم بالتفريق فلا بدّ من حمله على الاولوية دون الكناية عن الانفساخ وتحقق الحرمة المؤبدة لعدم احتمال ذلك فقهيا.

ثم ان الحكم بجز الشعر او حلقه يختص بالرجل ولا يعمّ المرأة من دون نقل خلاف في ذلك ، ويكفي لإثباته القصور في المقتضي فلاحظ.

اجل الحكم بالتغريب عن البلاد يعمها ـ وان استشكل فيه جمع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٩ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٩ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٣) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.

٢٧٣

من الفقهاء ـ لدلالة صحيحتي محمد بن قيس والحلبي المتقدمتين في الرقم ١٣ ـ على ذلك.

الاحصان‌

١٥ ـ واما ان الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في العبيد اذا زنى احدهم ان يجلد خمسين جلدة وان كان مسلما او كافرا او نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى» (١) وغيرها.

واما انه يعتبر في احصان الرجل أيضا كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها وهو يتمكن من وطئها متى شاء فتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث : «لا يرجم الغائب عن اهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ولا صاحب المتعة» (٢) ، فان الفقرة الثالثة تدل على اعتبار دوام الزوجية والثانية على اعتبار الدخول بها والاولى على اعتبار التمكن من وطئها متى ما شاء ، إذ الغيبة تلحظ عرفا بنحو الطريقية الى عدم التمكن من الوطء.

وبقطع النظر عن ذلك يمكن استفادة المطلوب بوضوح من صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت : ما المحصن رحمك الله؟ قال : من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن» (٣)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٢ الباب ٣٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٥ الباب ٣ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥١ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

٢٧٤

وصحيحة حريز : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المحصن ، قال : الذي يزني وعنده ما يغنيه» (١) وغيرهما.

ثم انه ورد في صحيحة عمر بن يزيد السابقة ذيل بالشكل التالي : «قلت : ففي أي حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال : اذا قصر وافطر فليس بمحصن» (٢) ، وهو يدل على ان الاحصان ينتفي بالسفر الموجب لقصر الصلاة والافطار في الصوم وليس بكل غياب. ولكن ذلك يلزم تأويله أو طرحه لعدم قائل به من الاصحاب ، ولذا قال المحقق : «وفي رواية مهجورة دون مسافة التقصير» (٣).

١٦ ـ واما ان المرأة لا يتحقق احصانها الا مع حريتها‌ فأمر لا خلاف فيه. ويمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ، فان كلمة «العبيد» يفهم منها العموم وعدم الخصوصية للذكورة.

واما اعتبار ان يكون لها زوج فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم الا ان يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل» (٤) وغيرها.

واما اعتبار ان يكون الزوج قد دخل بها فيمكن استفادته من صحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن احدهما عليهما السّلام : «سألته عن قول الله عز وجل : (فَإِذا أُحْصِنَّ) (٥) قال : احصانهن ان يدخل بهن. قلت : ان لم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٦ الباب ٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٣) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٣ ، انتشارات استقلال.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٥ الباب ٣ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٥) النساء : ٢٥.

٢٧٥

يدخل بهن أما عليهن حدّ؟ قال : بلى» (١).

واما اعتبار دوام الزوجية فأمر متسالم عليه بين الاصحاب. وقد يستدل عليه بموثقة اسحاق بن عمار : «... قلت : فان كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال : لا ، انما هو على الشي‌ء الدائم عنده» (٢) ، بتقريب ان المراد من قوله : «انما هو ...» ان الاحصان لا يكون الا في الشي‌ء الدائم من دون فرق بين احصان الرجل واحصان المرأة.

شرائط ثبوت حدّ الزنا‌

١٧ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل في ثبوت حدّ الزنا‌ فأمر متسالم عليه. ويكفي لا ثباته ما تقدم في أوائل الكتاب من اشتراط كل تكليف بالبلوغ والعقل وان فاقدهما قد رفع عنه القلم.

أجل قد يقال بلزوم تأديب الصبي من باب التعزير حسب ما يراه الحاكم مصلحة لدلالة بعض النصوص على ذلك ، ففي رواية بريد الكناسي عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... قلت : الغلام اذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال : اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه ...» (٣).

واما اعتبار الاختيار فأمر متسالم عليه أيضا ، ويكفي لا ثباته‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٨ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣١٤ الباب ٦ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١.

٢٧٦

حديث الرفع (١).

١٨ ـ واما اعتبار العلم بالحكم والموضوع‌ فلانه بدونه يكون الوطء بالشبهة ولا يصدق عنوان الزنا ليثبت حكمه. هذا مضافا الى دلالة جملة من النصوص عليه ، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني كنت رجلا أعمل واجتمعت لي نفقة فحيث احج لم اسأل أحدا عن شي‌ء وافتوني هؤلاء ان اشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وان حجي فاسد وان عليّ بدنة فقال له ... اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي‌ء عليه ...» (٢) ، فانها باطلاقها تشمل المقام. ومجرد ورودها في باب الحج لا يمنع من انعقاد الاطلاق فيها.

واما حديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» (٣) فقد رواه الشيخ الصدوق بشكل مرسل ولا يمكن الاستناد اليه الا بناء على حجية مراسيل الشيخ الصدوق بشكل مطلق او خصوص ما كان الارسال فيها بلسان قال او بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ودعوى صاحب الرياض ان النص الدال على قاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» متواتر (٤) لا نعرف وجهها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ١٢٥ الباب ٤٥ من ابواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٧ الباب ٢٤ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ٤.

(٤) رياض المسائل ٢ : ٤٩٥.

٢٧٧

الوسائل المثبتة للزنا‌

١٩ ـ واما ان الزنا لا يثبت الا بالاقرار اربع مرات‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «رجل قال لامرأته : يا زانية انا زنيت بك قال : عليه حدّ واحد لقذفه اياها ، واما قوله : انا زنيت بك فلا حدّ فيه الا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام» (١) وغيرها. وهي باطلاقها تشمل الجلد أيضا ولا تختص بالرجم وان كانت بعض الروايات الاخرى خاصة به فلاحظ.

واما صحيحة الفضيل : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من اقرّ على نفسه عند الامام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان او عبدا او حرة او امة فعلى الامام ان يقيم الحد عليه ... الا الزاني المحصن فانه لا يرجمه حتى يشهد عليه اربعة شهداء ... فقال له بعض اصحابنا : يا ابا عبد الله فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة على نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال : اذا اقرّ على نفسه عند الامام بسرقة قطعه فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله ...» (٢) التي يستفاد منها كفاية الاقرار مرة واحدة في ثبوت الجلد فلا بدّ من حملها على التقية لاشتمالها على ما يخالف مذهب اصحابنا من ناحيتين : دلالتها على عدم ثبوت الرجم بالاقرار اربع مرات بل بخصوص شهادة اربعة ، ودلالتها على نفوذ اقرار العبد والامة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٦ الباب ١٣ من أبواب حدّ القذف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٣ الباب ٣٢ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ١.

٢٧٨

وكلاهما لا يلتزم به اصحابنا.

ثم انه هل يلزم في الاقرار اربع مرات ـ بعد كونه هو المعتبر ـ وقوعه في اربعة مجالس او يكفي وقوعه في مجلس واحد؟ قيل بالاول. والمناسب الثاني لإطلاق ما تقدم فلاحظ.

٢٠ ـ واما ان البينة التي يثبت بها الزنا هي ما تقدم‌ فقد اتضح وجهه في باب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات».

٢١ ـ واما انه يعتبر في الشهادة ان تكون عن حس ورؤية‌ فهو مما تسالم عليه الاصحاب. وتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «حدّ الرجم ان يشهد اربعة انهم رأوه يدخل ويخرج» (١) وغيرها.

وهل يلزم رؤية نفس الادخال والاخراج والشهادة بانهم رأوا ذلك كالميل في المكحلة؟ يظهر من الاصحاب ذلك. ولعلهم استندوا الى موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما اربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال كالميل في المكحلة» (٢).

ولكن احتمال اعتبار ذلك بعيد جدا ، فان لازمه سدّ باب الشهادة على الزنا الا نادرا لعدم امكان تحقق ذلك في الخارج عادة ، والحال ان الشهادة على الزنا قد تحققت مرارا في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده.

والمناسب الاكتفاء برؤية المقدمات والافعال الملازمة لتحقق الدخول كالميل في المكحلة ، والموثقة لا تدل على اعتبار رؤية الايلاج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

٢٧٩

نفسه بل تدل على ان الشهادة على الزنا بشكل مطلق لا تكفي بل لا بدّ من الشهادة على تحقق الايلاج كالميل في المكحلة وليس على رؤية ذلك.

٢٢ ـ واما انه يعتبر وحدة المشهود به زمانا ومكانا‌ فلانه بدونه لا يتحقق قيام البينة على الزنا الواحد.

واما ان الشهود يحدون مع عدم وحدة المشهود به فلأنه اذا لم يثبت الزنا بشهادتهم تكون شهادتهم مصداقا للقذف بالزنا فيلزم حدهم حدّ القذف.

واما انه اذا لم يؤدّ الشهود شهادتهم سوية يحدّ من سبق بشهادته حدّ القذف فلموثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علي عليه‌السلام : أين الرابع؟ قالوا : الآن يجي‌ء فقال علي عليه‌السلام : حدّوهم فليس في الحدود نظرة ساعة» (١) وغيرها.

٢٣ ـ واما لزوم التعجيل في اقامة الحدود من دون تأجيل‌ فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة السكوني السابقة.

كيفية اقامة الحدّ‌

٢٤ ـ واما ان الرجل يدفن الى حقويه والمرأة الى صدرها‌ فهو المشهور. وتدل عليه موثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تدفن المرأة الى وسطها ثم يرمي الامام ويرمي الناس بأحجار صغار. ولا يدفن الرجل اذا رجم الا الى حقويه» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٢ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٤ الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

٢٨٠