دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

المعدن فلا يملك الا مقدار حاجته دون ما زاد عليها بأضعاف مضاعفة ويبقى الاستثمار بمجموع المعدن حقا للدولة او للإمام عليه‌السلام بوصفه الولي الشرعي.

ووجه القول المذكور : اننا لا نملك نصا شرعيا يدل على ان الحيازة سبب للملك ليتمسك باطلاقه لإثبات تحقق الملكية حتى للمقدار الزائد عن حاجة الشخص ، بل المدرك هو السيرة الممتدة الى عصر التشريع حيث كان الفرد يحوز المعدن من دون صدور ردع شرعي عن ذلك ، ومن الواضح ان ما انعقدت عليه السيرة ذلك الحين هو الحيازة في حدود حاجة الفرد نفسه ولم توجد في تلك الفترة الاجهزة الحديثة التي يتمكن الفرد من خلالها من حيازة ما يزيد على حاجته بأضعاف مضاعفة.

وعليه يبقى المقدار الزائد على الحاجة بلا دليل يدل على تملك الحائز له ، ومن ثم يبقى على حالته السابقة ، وهي كونه من المشتركات العامة.

هذا كله بالنسبة الى المعادن الظاهرة.

واما المعادن الباطنة فحيث ان فيها حفرا يصل الشخص من خلاله الى المعدن فقد يقال ان الحفر نفسه نحو من الإحياء والحيازة للمعدن ، وبما ان إحياء الشي‌ء وحيازته سبب لتملكه فيلزم ان يكون الحفر مع الوصول الى المعدن سببا لتملكه ، ومع عدم الوصول اليه سببا للتحجير والاولوية.

وفي الجواب عن ذلك يمكن ان يقال : انّا لو سلمنا بكون ذلك نحوا من الإحياء والحيازة لمجموع المعدن الا انه لا نملك دليلا يدل على‌

٢٠١

تحقق ملك مجموع المعدن بهذا النحو من الإحياء والحيازة على ما تقدم توضيحه.

واذا قلت : ان الدليل موجود ، وهو مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على تعلق الخمس بالمعدن عند استخراجه ، فانها تدل بالالتزام على تملك المخرج للباقي مهما بلغ مقداره بعد اخراج الخمس.

قلنا : ان مثل الصحيحة المذكورة ناظرة الى المورد الذي يفترض فيه تملك الشخص للمعدن باستخراجه له ، اما ما هو ذلك المورد فليست ناظرة اليه.

٩ ـ واما جواز حيازة الآجام بل الغابات ـ بناء على ملكية الامام عليه‌السلام او الدولة لها‌ ـ فينبغي ان لا يقع موردا للتأمل لانعقاد السيرة القطعية على الحيازة فيها.

اجل المناسب تحديد ذلك بالمقدار الذي لا يزيد على حاجة الفرد الحائز بأضعاف مضاعفة لما تقدمت الاشارة اليه.

١٠ ـ واما تحقق الانتقال في النحو الثالث بالحيازة‌ فهو مما لا اشكال فيه للسيرة القطعية المنعقدة على ذلك ، فمن اصطاد الاسماك او الطيور او اي ثروة طبيعية اخرى ملكها ، ومن قام بالحفر ووصل الى عين ماء كان مجرد ذلك كافيا في تحقق حيازته لها.

هذا ولكن لا يبعد ان يقال في مثل عين الماء بلزوم فسح المجال للآخرين متى ما اشبع الحافر حاجته منها لعدم الجزم بانعقاد السيرة ـ التي هي المدرك في باب الحيازة ـ الا بالمقدار المذكور.

ودعوى صاحب الجواهر عدم وجوب بذل الزائد اما لأصل البراءة‌

٢٠٢

او لقاعدة الناس مسلطون على اموالهم (١) مدفوعة بان الاصل المذكور معارض باصل البراءة من حرمة الاستيلاء والاخذ من دون رضا الحافر.

وتطبيق قاعدة السلطنة فرع كون تمام ماء العين مالا للحافر ، وذلك عين المتنازع فيه.

٣ ـ من احكام المشتركات‌

من كان مالكا لأرض كان مالكا لما تشتمل عليه من معدن او كنز على المشهور.

ومن كان مالكا لأرض كان مالكا لعين الماء التي يتم كشفها فيها على المشهور أيضا.

ومن حاز لآخر تبرعا او وكالة عنه فالمال للحائز دون الآخر. واما لو كان ذلك باجارة فقيل بكونه للمستأجر دون الحائز الاجير.

والتحجير ـ بوضع سياج ونحوه للأرض الميتة ـ وان لم يكن كالإحياء في افادة الملك ولكنه يفيد الاولوية.

والناس وان كان لهم حق الاحياء او التحجير في اراضي الموات الا ان لولي المسلمين المنع منهما فيما اذا كان ذلك موجبا للإخلال بالنظام.

ومن سبق الى مكان في المسجد او المشاهد المشرفة فهو احق به ما دام شاغلا له بما لا يتنافى مع ذلك المكان المقدس. واذا فارقه بنية العود‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ١٢٣.

٢٠٣

وكان تاركا لبعض رحله فيه فهو احق به من غيره.

ووضع الرحل قبل دخول وقت الصلاة بقصد الاستفادة من المحل عند دخوله لا يولّد حقا لصاحب الرحل مع افتراض الفاصل الزمني المعتد به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تبعية ما في أعماق الارض من المعدن والكنز لها في الملكية‌ فقد يوجّه بانه نماء لها ، ونماء المال يتبع اصله في الملكية.

وفيه : ان المقام ليس مصداقا للنماء والثمرة بل مصداق للظرف والمظروف ، وواضح ان ملكية الظرف لا تلازم ملكية المظروف.

اذن ما عليه المشهور لا يتم الا اذا انعقد اجماع تعبدي او سيرة عقلائية عليه والا فتخريجه على طبق القاعدة مشكل.

٢ ـ واما تبعية عين الماء لصاحب الارض في الملكية‌ فقد يوجّه بما يلي :

أ ـ التمسك بفكرة النماء المتقدمة.

والجواب : ما تقدم.

ب ـ ان كشف العين نحو حيازة لها ، والحيازة سبب للملكية.

وفيه : ان ما ذكر يتم لو فرض وجود نص شرعي يدل على ذلك ليتمسك باطلاقه ، ولكنه مفقود ، والمستند لذلك ليس الا السيرة العقلائية ، وهي لا يمكن التمسك بها في المقام لعدم الجزم بانعقاد مثلها في عصر الائمة عليهم‌السلام.

ومع التنزل وافتراض انعقادها فتارة يفترض انعقادها من المتشرعة بما هم متشرعة ، واخرى يفترض انعقادها منهم بما هم عقلاء.

٢٠٤

والاول لا يمكن الجزم به.

والثاني لا ينفع لان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا في فرض الجزم بعدم الردع عنها ليتحقق العلم بالامضاء ، والجزم المذكور لا يمكن حصوله بعد مثل رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ... اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء» (١).

واذا قيل : ان الرواية المذكورة ضعيفة السند بعقبة نفسه وبعبد الله بن محمد بن هلال فانهما مجهولا الحال.

قلنا : ان احتمال صدور الرواية موجود جزما ، ومعه فكيف يحصل الجزم بعدم صدور الردع؟

وبكلمة اخرى : ان احتمال صدور الردع ولو بسبب وجود رواية ضعيفة يكفي لعدم حجية السيرة.

وهذه نكتة مهمة في باب السيرة العقلائية تنبغي مراعاتها.

هذا كله مضافا الى امكان ان يقال باشتمال المقام على رواية تامة السند تردع عن السيرة ، وهي موثقة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النطاف والاربعاء. قال : والاربعاء ان يسنى مسناة فيحمل الماء فيسقي به الأرض ثم يستغني عنه فقال : فلا تبعه ولكن اعره جارك. والنطاف ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٣ الباب ٧ من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

والمقصود : لا يمنع الماء الفاضل عن الحاجة الذي يترتب عليه عدم نزول اصحاب المواشي تلك المنطقة ويترتب على امتناعهم من نزولها المنع من فاضل الكلأ.

٢٠٥

لا تبعه ، اعره اخاك او جارك» (١).

والنتيجة من كل هذا : انه لا دليل على تبعية عين الماء والمعادن ونحوهما للأرض في الملكية بل ذلك باق على الاباحة العامة الا اذا فرض تصدي مالك الارض نفسه للحفر والتنقيب فان ذلك يولّد له اولوية على غيره ولكن في حدود حاجته على ما تقدم توضيحه سابقا.

ثم انه لا ينبغي ان يفهم من الحكم بعدم تبعية العين او المعدن لصاحب الارض في الملكية جواز دخول الآخرين في تلك الارض لمحاولة التوصل الى ذلك ، كلا انه تصرف في مال الغير من دون اذنه ، وهو لا يجوز ، ولكنه لو فرض عصيان شخص لذلك وتعديه على الحق المذكور ودخوله ارض الغير واستخراجه المعدن ونحوه كان ذلك له واحق به من غيره بالرغم من عصيانه في المقدمة.

بل يمكن تصوير ذلك من دون عصيان في المقدمة ، كما لو حاول الشخص المذكور الوصول الى المعدن من خلال حفر طريق في اعماق الارض من ارضه الى ارض الغير المشتملة على المعدن ، انه في مثل ذلك لا يلزم التصرف في ملك الغير لان المالك لأرض لا يملكها الى منتهى تخومها ولا الى عنان السماء ـ بل الى ما يمكن ان يصل في تصرفه اليه ـ لعدم قيام دليل على ذلك بل الدليل قائم على عكسه ، ولذا لا يعدّ سير الطائرات في أجواء السماء وسير الحفارات في الاعماق الساحقة للأرض تصرفا في املاك الآخرين.

٣ ـ واما ان من حاز لآخر تبرعا فالمال للحائز دون الآخر‌ فلان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٣ الباب ٧ من ابواب احياء الموات الحديث ١.

٢٠٦

مدرك تحقق الملكية بالحيازة ليس الا السيرة ، وهي تقتضي ملكية الحائز نفسه دون غيره. ومجرد قصد الحيازة عن الغير لا يجعل الغير حائزا حقيقة.

٤ ـ واما ان الامر كذلك في من حاز عن الغير وكالة‌ فللنكتة المتقدمة نفسها ، فان الحيازة سبب لملكية الحائز نفسه دون غيره.

واذا قيل : انه بعد افتراض تحقق عقد الوكالة فسوف يصدق على الموكل نفسه عنوان الحائز لان فعل الوكيل ينتسب الى الموكل بسبب عقد الوكالة.

قلنا : ان ما ذكر وجيه في الامور الاعتبارية ـ كالبيع والاجارة ونحوهما ـ فانه بالتوكيل فيها ينتسب فعل الوكيل الى الموكل فيقال : فلان باع داره ، والحال ان وكيله باعها ؛ واما الامور التكوينية الخارجة عن دائرة الاعتبار فلا يتحقق الانتساب المذكور فيها ولا معنى للوكالة فيها فلا يصح ان يقال لمن وكّل غيره في الاكل او الشرب عنه : انه اكل او شرب. وحيث ان الحيازة هي من الامور التكوينية دون الاعتبارية فلا تقبل الوكالة ولا تنتسب حيازة الوكيل الى الموكل.

٥ ـ واما حيازة الاجير ـ التي هي محل ابتلاء في زماننا‌ حيث يستأجر الشخص او الدولة عمالا للحفر والتنقيب ـ فقد يقال باقتضائها لملكية المستاجر لأحد الوجوه التالية :

أ ـ ان عمل الاجير ـ وهو الحيازة ـ ملك للمستأجر بسبب عقد الاجارة ، وحيث ان المحاز يعدّ ثمرة ونتيجة للحيازة فيلزم تملك المستأجر له فان من يملك الأصل يملك نتائجه.

وفيه : ان البيضة تعدّ عرفا نماء للدجاجة فالمالك للدجاجة يكون‌

٢٠٧

مالكا للبيضة ، وهذا بخلافه في المعدن فانه لا يعدّ عرفا نماء للحيازة الا بنحو المجاز.

ب ـ انه بعقد الاجارة يصدق عنوان الحائز حقيقة على المستأجر ، فالحيازة حيازته ، ولازم ذلك تملكه للمعدن باعتبار انه حائز حقيقة.

وفيه : ان اقصى ما يترتب على عقد الاجارة صيرورة المستأجر مالكا لحيازة الاجير لا انه حائز حقيقة.

ومع التنزل فيمكن القول بان دليل التملك بالحيازة حيث انه السيرة التي هي دليل لبي فينبغي الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو ما لو تحققت الحيازة وتمّ صدقها حقيقة بتصدي الشخص نفسه دون اجيره.

ج ـ ان مقتضى اطلاق ادلة صحة الاجارة صحة كل اجارة بما في ذلك الاجارة على الحيازة ، ولازم ذلك تملك المستأجر لما يحوزه الاجير والا كانت بلا منفعة عائدة الى المستأجر فتكون سفهية وباطلة.

اذن الاجارة على الحيازة ما دامت صحيحة بمقتضى اطلاق ادلة صحة الاجارة فيلزم تملك المستأجر لما يحوزه الاجير.

وفيه : ان ادلة صحة الاجارة تدل على صحتها في كل مورد لا تكون فيه سفهية ، اي انها مشروطة بعدم كونها سفهية ، وفي المقام اذا لم يملك المستأجر ما يحوزه الاجير يلزم كون الاجارة سفهية وغير مشمولة لأدلة صحة الاجارة ، واذا كان يملك ذلك فلا تكون سفهية ومن ثمّ تكون مشمولة لأدلة صحة الاجارة. ويترتب على هذا انّا لو شككنا في المقام في تملك المستأجر لما يحوزه الاجير فسوف نشك في سفهية الاجارة وعدمها ، ومع الشك المذكور لا يصح التمسك باطلاق‌

٢٠٨

ادلة صحة الاجارة لإثبات صحتها لأنه تمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز لان الحكم لا يثبت موضوعه.

د ـ ان السيرة العقلائية في زماننا قائمة على تملك المستاجر لما يحوزه الاجير ، فلاحظ عمليات التنقيب عن المعادن التي تتم على ايدي مجموعة من العمال من خلال تعاقد بعض الشركات معهم ، وهل يحتمل أحد ان المالك لتلك المعادن المستخرجة هم العمال دون الشركة؟

وفيه : ان الاستشهاد بمثال الشركة المذكور قابل للمناقشة ، فان السيرة وان كانت منعقدة في زماننا على ما ذكر الا ان ذلك غير نافع ما لم يثبت امتدادها الى عصر المعصوم عليه‌السلام ليكون سكوته وعدم ردعه عنها كاشفا عن امضائها ، ومن الواضح ان الامتداد المذكور ان لم يجزم بعدمه فلا أقل من الشك فيه ، ومعه فلا يمكن الحكم بحجيتها.

الا انه بالرغم من هذا يمكن التمسك بالسيرة ، بتقريب انه اذا قيل لشخص اذهب الى تلك الشجرة واقتطف ثمارها مقابل كذا اجرة او بدونها حكم بكونها للمستأجر او الموكل. ان هذا امر قريب في السيرة العقلائية ، ومن البعيد جدا عدم امتداد مثل السيرة المذكورة الى عصر المعصوم عليه‌السلام ، وحيث انه لم يردع عنها فيثبت امضاؤها.

واذا ثبتت السيرة في المثال المذكور فلا بدّ لأجل التعدي الى مثال الشركات وما شاكله من ضم مقدمة لا بدّ من بحثها في مسألة السيرة من علم اصول الفقه ، وهي ان المقدار الذي يراد استكشاف امضائه من قبل الشارع بواسطة السيرة هل ينبغي الاقتصار فيه على مقدار ما انعقدت عليه السيرة في عصر المعصوم عليه‌السلام على مستوى العمل بالفعل ، او يتعدى الى ما تقتضيه النكتة العقلائية للسيرة بدائرتها‌

٢٠٩

الوسيعة بالرغم من بروز بعضها لا جميعها على مستوى العمل؟

وقد اختار كل واحد من الاحتمالين بعض الاعلام (١).

ونحن اذا اخترنا الاحتمال الاول لم يمكنّا التعدي الى مثال الشركات ولكن اذا اخترنا الاحتمال الثاني امكن ذلك كما هو واضح.

٦ ـ واما التحجير فالمعروف بين الفقهاء كونه سببا لتولد حق الاولوية. ويمكن توجيه ذلك بأحد الامور التالية :

أ ـ دعوى انعقاد الاجماع على ذلك.

وفيه : ان الاجماع لو صحّ تحققه فهو ليس كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام لاحتمال استناد المجمعين الى ما يأتي من الوجوه.

ب ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من احاط حائطا على أرض فهي له» (٢).

وفيه : انه ضعيف السند ، اذ روي في عوالي اللآلي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسند الى سمرة غير معلوم ، وعلى تقدير العلم به فهو غير نافع لان حال سمرة غير خاف على أحد.

ج ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبق الى ما لا يسبقه اليه المسلم فهو احق به» (٣).

وفيه : ان السند ضعيف بالارسال.

__________________

(١) فقد جاء اختيار الاحتمال الاول في المستمسك ١ : ٢١٥ المسألة ٩ من فصل احكام البئر عند البحث عن ثبوت الكرية بقول صاحب اليد. في حين جاء اختيار الاحتمال الثاني في فقه الشيعة ٢ : ٧٥ والتنقيح ١ : ٣٢٩ ، وقد تعرض السيد الشهيد الى ذلك في بحوثه الفقهية ٢ :

١٢٧ وفي الحلقة الثالثة ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ الحديث ٣.

(٣) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ الحديث ٤.

٢١٠

د ـ ما هو المنقول عن ابن نما شيخ المحقق الحلي من ان التحجير حيث انه يعدّ شروعا في الاحياء فيكون مفيدا للملك كالإحياء لإطلاق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحيا ارضا مواتا فهي له» (١).

ولعل هذا هو أوجه ما يمكن التمسك به في المقام ولكنه بناء عليه يكون التحجير مفيدا للملك دون حق الاولوية.

٧ ـ واما ان لولي الأمر المنع من الاحياء والتحجير حفاظا على النظام‌ فواضح لأنهما وان جازا بالعنوان الاولي الا ان فسح المجال من هذه الناحية بدون تحديد قد يسبّب الاخلال بالنظام فلولي الامر المنع منهما بالعنوان الثانوي لأنه المسؤول عن حفظ النظام.

٨ ـ واما ان الشاغل للمكان المقدس احق به من غيره ما دام شاغلا له‌ فهو من المسلمات لقضاء السيرة بأحقية السابق الى المكان المشترك من غيره ما دام شاغلا له وان طالت الفترة.

واما التقييد بما اذا لم يكن اشغال المحل منافيا لذلك المكان المقدس فالوجه فيه واضح.

٩ ـ واما ان من فارق المكان الذي كان شاغلا له مع ترك بعض رحله فيه‌ فهو احق به فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

وقد يستدل عليه بما يلي :

أ ـ التمسك بالحديث الوارد : «اذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد اليه فهو احق به» (٢).

وفيه : انه لم يرد من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٧٤.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٥١.

٢١١

ب ـ التمسك برواية محمد بن اسماعيل عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : نكون بمكة او بالمدينة او الحيرة او المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه فقال : من سبق الى موضع فهو احق به يومه وليلته» (١).

وفيه : انه ضعيف سندا بالارسال ودلالة باعتبار ان مضمونه مهجور لدى الاصحاب حيث يلتزمون بدوران الاحقية مدار شغل المحل وليس مدار اليوم والليلة.

ج ـ التمسك بموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو احق به الى الليل ...» (٢).

وفيه : انه من حيث السند وان امكن الحكم باعتباره ـ اذ لا مشكلة فيه الا من حيث طلحة ، وهو وان لم يوثّق بالخصوص ولكن يكفي لاعتباره تعبير الشيخ عنه في الفهرست بان له كتابا معتمدا (٣) ـ الا ان دلالته قابلة للتأمل ، فان تحديد الفترة ب «الى الليل» ان كان راجعا الى السوق والمسجد معا فيرده ما تقدم من عدم التزام الاصحاب بتحديد الفترة الى الليل. وان كان راجعا الى السوق فقط ـ باعتبار ان فترة الحاجة الى السوق تتحدد بذلك ويبقى المسجد يدور الامر فيه مدار الحاجة من دون تحديد بالليل ـ فهذا وان كان وجيها ، ولكنه غير نافع لان لازمه زوال الحق بانتفاء الحاجة ومفارقة المحل سواء نوي العود‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٥٤٢ الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٥٤٢ الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢.

(٣) الفهرست : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

٢١٢

أم لا ، وسواء أبقي شي‌ء من الرحل أم لا.

د ـ التمسك بمرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سوق المسلمين كمسجدهم» (١).

وفيه : انه لو قيل باعتبار السند ـ من جهة ان ابن ابي عمير لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة حسبما ذكر الشيخ في العدة (٢) ـ فالدلالة ضعيفة لان المراد منها مردد بين احتمالين ، فاما ان يكون المقصود ان سوق المسلمين كمسجدهم في ان من سبق يكون احق من غيره ، او يكون المقصود هو احق من غيره ما دام شاغلا للمحل ، وكلاهما لا ينفعان.

اما الاول فلعدم تحديد مقدار الاحقية فيه.

واما الثاني فلان لازمه ارتفاع الاحقية بمفارقة المحل كما تقدم.

ومن خلال هذا يتضح ان الاستناد الى الروايات لإثبات الحكم المذكور مشكل.

ولعل الاولى التمسك بسيرة العقلاء ، فانها منعقدة في الاماكن العامة المشتركة على عدم سقوط الحق بمفارقة المحل بعد ابقاء شي‌ء من الرحل فيه. وحيث ان السيرة المذكورة لم يردع عنها فتكون ممضاة وحجة.

اجل لا بدّ ان تكون فترة المفارقة قصيرة فان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

١٠ ـ واما ان وضع الرحل في المسجد ونحوه قبل دخول الوقت

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٠٠ الباب ١٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٢) العدة في الاصول : ٦٣.

٢١٣

بقصد اشغاله بعد دخول الوقت لا يولّد حقا لصاحبه‌ فلعدم دلالة دليل عليه.

اجل قد يقال بان عنوان السبق المذكور في مرسل محمد بن اسماعيل وموثقة طلحة صادق بمجرد وضع الرحل فتثبت الاحقية بذلك.

ولكن قد تقدمت المناقشة في السند والدلالة معا فلاحظ.

هذا اذا كان الفاصل الزمني طويلا.

واما اذا كان قصيرا فقد يدعى انعقاد سيرة العقلاء في الاماكن العامة المشتركة على ثبوت الحق بذلك.

٢١٤

كتاب الارث‌

١ ـ ما يوجب الارث‌

٢ ـ فروض الارث‌

٣ ـ الارث بالفرض وبالقرابة‌

٤ ـ الحجب‌

٥ ـ العول والتعصيب‌

٦ ـ من تفاصيل ارث الطبقات‌

٧ ـ من تفاصيل الارث بالزوجية‌

٢١٥
٢١٦

١ ـ ما يوجب الارث‌

يوجب الارث امران : النسب والسبب.

اما النسب فترث به ثلاث طوائف هي :

١ ـ الاب والام المباشران ، والاولاد ذكورا واناثا وان نزلوا.

٢ ـ الاجداد والجدات وان علوا كأب الجد وجده ، والاخوة والاخوات وأولادهم وان نزلوا.

٣ ـ الاعمام والعمات والاخوال والخالات وان علوا ـ كعم او خال الاب او الام او الجد او الجدة ـ واولادهم وان نزلوا.

وكل طائفة من هذه لا ترث مع وجود الطائفة السابقة عليها ولو واحدا الا اذا فرض وجود احد موانع الارث الآتية.

واما السبب فهو عبارة عن الزوجية والولاء (١).

__________________

(١) الولاء نحو ولاية يترتب عليها الارث. وهو ينشأ اما بسبب العتق او التعاقد على ضمان الجريرة او الامامة.

٢١٧

والولاء على ثلاثة انحاء مترتبة : ولاء العتق ثم وولاء ضامن الجريرة (١) ثم ولاء الامامة.

ومع تحقق المصداق للولاء السابق لا تصل النوبة الى الولاء اللاحق.

والارث بالولاء لا تصل النوبة اليه الا بعد فقدان جميع طوائف النسب بخلاف الارث بالزوجية فانه يجتمع مع الارث بالنسب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الموجب للإرث هو النسب تارة والسبب اخرى وان طوائف النسب ثلاث بخلاف السبب‌ فانه على نحوين فيمكن عدّه من واضحات الفقه ولم يقع فيه خلاف وان كان لا يوجد نص يدل على ذلك بالترتيب المذكور ، ولكن ذلك غير مهم بعد تسالم الاصحاب عليه. اجل قد يستفاد ذلك من ضم النصوص بعضها الى البعض الآخر.

٢ ـ واما ان كل طائفة من طوائف النسب لا ترث مع وجود سابقتها‌ فهو متسالم عليه ويمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها عند البحث عن تفاصيل ارث الطبقات.

وهكذا الحال في اجتماع الارث بالزوجية مع جميع طبقات النسب فانه متسالم عليه وتأتي الاشارة الى بعض الروايات الدالة عليه عند البحث عن تفاصيل الارث بالزوجية.

__________________

(١) المراد به تعاقد شخصين على ان احدهما اذا تحققت منه جناية يقوم الآخر بدفع الدية عنه في مقابل ان يرثه اذا مات ولم يكن له وارث فيقول له : عاقدتك على ان تعقل عني وترثني فيقول الآخر : قبلت. والمراد من العقل الدية. وتعقل عني : تدفع عني دية جنايتي. وهذا التعاقد قد يكون من كلا الطرفين وقد يكون من احدهما.

٢١٨

٢ ـ فروض الارث‌

الارث بالنسب أو بالسبب تارة يكون بالفرض (١) واخرى بالقرابة.

والفروض هي : النصف ، الربع ، الثمن ، الثلثان ، الثلث ، السدس.

وتفصيل ذلك :

١ ـ اما النصف فهو لثلاثة :

أ ـ البنت الواحدة.

ب ـ الاخت للأبوين او للأب فقط اذا لم يكن معها اخ.

ج ـ الزوج مع عدم الولد للزوجة وان نزل.

٢ ـ واما الربع فهو لاثنين :

أ ـ الزوج مع الولد للزوجة وان نزل.

ب ـ الزوجة مع عدم الولد للزوج وان نزل.

والزوجة ان كانت واحدة اختصت به والا قسّم بينهن بالسوية.

٣ ـ واما الثمن فهو للزوجة مع الولد للزوج وان نزل.

وهي ان كانت واحدة اختصت به والا قسّم بينهن بالسوية.

٤ ـ واما الثلثان فهو لاثنين :

أ ـ البنتين فصاعدا اذا لم يكن معهن ابن مساو.

ب ـ الاختين فصاعدا للأبوين او للأب فقط مع عدم الاخ.

٥ ـ واما الثلث فهو لاثنين :

__________________

(١) يراد بالفرض السهم المذكور في القرآن الكريم.

٢١٩

أ ـ الام مع عدم الولد للميت وان نزل وعدم الاخوة على تفصيل يذكر في باب الحجب.

ب ـ الاخ والاخت من الام مع التعدد.

٦ ـ واما السدس فهو لثلاثة :

أ ـ لكل واحد من الابوين مع فرض وجود الولد للميت وان نزل.

ب ـ الام مع وجود الاخوة للأبوين او للأب على تفصيل يذكر في باب الحجب.

ج ـ الاخ الواحد من الام او الاخت الواحدة منها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الارث يكون بالفرض تارة وبالقرابة اخرى‌ فباعتبار ان الوارث اما ان يفرض له سهم محدد مذكور في القرآن الكريم او لا يكون له ذلك بل يرث من باب قاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (١). والاول ارث بالفرض والثاني ارث بالقرابة.

٢ ـ واما ان الفروض محصورة في الستة المتقدمة‌ فيتضح ذلك من خلال مراجعة كتاب الله العزيز كما سنشير الى ذلك.

٣ ـ واما ان النصف للأصناف الثلاثة المتقدمة‌ فلقوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (٢) ، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (٣) (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) (٤) ،

__________________

(١) الانفال : ٧٥ ، الاحزاب : ٦.

(٢) النساء : ١١.

(٣) سيأتي معنى الكلالة في الرقم ٩.

(٤) النساء : ١٧٦.

٢٢٠