دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

كتاب الأنفال والمشتركات‌

١ ـ الأنفال (ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة)

٢ ـ انحاء الملكية ووسائل تحصيلها‌

٣ ـ من أحكام المشتركات‌

١٨١
١٨٢

١ ـ الانفال (ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة)

للأنفال ـ التي هي ملك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام من بعده او ملك الدولة ـ مصاديق متعددة اختلف الفقهاء في ضبطها ، نذكر منها :

١ ـ الاراضي الميتة (١) التي لا رب لها.

٢ ـ الاراضي التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال.

٣ ـ المعادن اما مطلقا او على تفصيل.

٤ ـ أسياف (٢) البحار.

٥ ـ بطون الأودية.

٦ ، ٧ ـ رءوس الجبال والآجام (٣).

__________________

(١) وهي الارض التي لا يمكن الانتفاع بها الا بعد اصلاحها واعمارها ، كالصحارى.

(٢) مفردها سيف ـ بكسر السين ـ هو بمعنى الساحل.

(٣) الآجام : جمع أجمة ـ بالتحريك ـ وهي الأرض المملوءة بالقصب أو بالشجر الملتف بعضه ببعض.

١٨٣

٨ ـ قطائع الملوك وصفاياهم (١).

٩ ـ غنائم الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه‌السلام.

١٠ ـ ميراث من لا وارث له.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الانفال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام من بعده‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل عليه الكتاب الكريم : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ...) (٢) ، بعد الالتفات الى ان كل ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام عليه‌السلام بالضرورة.

والمراد من الانفال (٣) الاموال المملوكة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام عليه‌السلام من بعده زيادة على ما لهما من سهم الخمس.

وقد تداول في كلمات الفقهاء الحكم على الانفال بكونها ملك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام ، وقد يستظهر من ذلك كونها ملكا شخصيا لهما ، وربما يستدل له بظهور كلمة الرسول والامام في ملك الشخص ، الا ان في مقابل ذلك قولا بكونها ملك المنصب والدولة بدليل عدم انتقالها بالارث. وبناء على هذا القول يكون البحث عن الانفال ضروريا لأنه بحث عن‌

__________________

(١) قطائع الملوك هي الأراضي التي اقتطعها الملوك لا نفسهم.

وصفاياهم هي الاموال المنقولة النفيسة للملوك غير الأرض.

(٢) الانفال : ١.

(٣) الانفال : جمع نفل ـ بسكون الفاء وفتحها ـ بمعنى الزيادة. ومنه صلاة النافلة ، حيث انها زيادة على الفريضة. ومنه قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الاسراء : ٧٩ ، اي زيادة لك ، ومنه أيضا قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) الانبياء : ٧٢ ، أي زيادة على ما سأل.

والاموال الخاصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالامام عليه‌السلام حيث انها زيادة على مالهما من سهم الخمس فهي نفل.

١٨٤

ممتلكات الدولة التي تستعين بها على ادارة شئونها.

وفي الحديث الشريف : «الانفال هو النفل. وفي سورة الانفال جدع الانف (١)» (٢).

٢ ـ واما ان الاراضي الميتة هي للإمام عليه‌السلام‌ فهو مما لا خلاف فيه سواء لم يجر عليها ملك مالك ـ كما في الصحارى ـ او جرى ولكنه لم يبق له وجود.

وقد دلت على ذلك مرسلة حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام : «... والانفال ... كل ارض ميتة لا رب لها ...» (٣) ، والروايات المعبّرة بالارض الخربة ، كصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بأيديهم وكل ارض خربة وبطون الاودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (٤) وغيرها. وقد فهم الفقهاء من الأرض الخربة الأرض الميتة (٥).

والمعروف في كلمات الفقهاء تقييد الارض بالميتة. ويمكن ان يقال بكون المدار على عدم وجود مالك للأرض حتى لو كانت عامرة ، كالغابات والجزر المشتملة على الاشجار والفواكه لموثقة اسحاق بن عمار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي قد‌

__________________

(١) اي قطع أنف الخصوم. قال في الوافي ١٠ : ٣٠٢ : «يعني في هذه السورة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا وارغامهم».

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧٣ الباب ٢ من أبواب الأنفال الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٤ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١.

(٥) الخرب لغة : ما يقابل العامر.

١٨٥

خربت ... وكل ارض لا رب لها ...» (١).

ومرسلة حماد المتقدمة وان ورد فيها التقييد بالميتة الا انه لا مفهوم له لوروده مورد الغالب. هذا لو قطعنا النظر عن السند والا فلا تعود صالحة للمعارضة.

ومن خلال هذا يتضح ان الارض اذا لم يكن لها مالك فهي للإمام عليه‌السلام او للدولة سواء كانت ميتة او عامرة ، واذا كان لها مالك فليست كذلك سواء كانت ميتة او عامرة ، فان الارض ما دام لها مالك فمجرد موتها وخرابها لا يستوجب خروجها عن ملكه.

وبعض النصوص وان كانت مطلقة وتعدّ كل ارض خربة جزءا من الانفال من دون تقييد بعدم وجود رب لها ـ كما في صحيحة حفص بن البختري المتقدمة وغيرها ـ الا انه بقرينة الروايات الاخرى وتسالم الفقهاء لا بدّ من تقييدها بذلك ، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة ، حيث ورد فيها : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى اهلها ... وكل ارض لا رب لها ...» ، فلو كان الخراب وحده كافيا لصيرورة الشي‌ء من الانفال فلا داعي الى التقييد بالانجلاء او عدم وجود رب لها.

اجل هناك كلام في الارض المملوكة بالاحياء (٢) هل تزول ملكية المحيي لها بطرو الخراب عليها او لا ، وقد دلت صحيحة الكابلي الآتية ان شاء الله تعالى وغيرها على زوالها ، الا ان ذلك خاص بما اذا كان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧١ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٢٠.

(٢) يأتي فيما بعد ان شاء الله تعالى ان الارض الميتة وان كانت ملكا للإمام عليه‌السلام ولكنه يجوز لأي فرد من الناس احياؤها ويثبت بذلك تملكها او الحق فيها على احتمالين في المسألة.

١٨٦

سبب الملك هو الاحياء دون ما لو كان مثل الارث والشراء.

٣ ـ واما الارض التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال ـ اما بانجلاء اهلها عنها او بتمكينهم المسلمين منها طوعا‌ ـ فلا خلاف في كونها من الانفال لقوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (١) ، ولصحيحة حفص بن البختري المتقدمة ، وصحيحة معاوية بن وهب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : ان قاتلوا عليها مع امير امّره الامام عليهم اخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم اربعة اخماس (٢) ، وان لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (٣) وغيرهما.

وينبغي تعميم الارض المذكورة للمحياة أيضا ، اذ الميتة هي للإمام عليه‌السلام بقطع النظر عن الاستيلاء عليها من دون قتال ، وحفظا للمقابلة بين هذا القسم وسابقه لا بدّ من التعميم المذكور.

ثم انه قد وقع الخلاف في اختصاص القسم المذكور بالارض‌

__________________

(١) الحشر : ٦.

والفي‌ء لغة بمعنى الرجوع. والمراد منه في الآية الكريمة الغنيمة التي يتم الحصول عليها بدون قتال.

والإيجاف هو السير السريع.

والركاب هي الابل.

والمعنى : الذي ارجعه الله على رسوله من اموال بني النضير وخصّه به هو لم تسيروا عليه بفرس ولا ابل حتى يكون لكم فيه حق.

(٢) الموجود في الطبع القديم لوسائل الشيعة «ثلاثة أخماس» والصواب ما ذكرناه.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٣.

١٨٧

وعمومه لكل ما يغنمه المسلمون من الكفار بغير قتال ، ولعل المشهور هو الاول ، حيث قيدوا القسم المذكور بالارض ، الا ان المستفاد من الصحيحتين السابقتين العموم.

ان قلت : انه قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم ...» (١) وغيرها التقييد بالارض ، وحيث ان ذلك وارد مورد التحديد فيدل على المفهوم ، ومن ثمّ يلزم تقييد الصحيحتين السابقتين به.

قلنا : انه لا بدّ من رفع اليد عن المفهوم وحمل الصحيحة على بيان بعض افراد الانفال دون افادة الحصر لصراحة صحيحة معاوية المتقدمة في الاستيعاب والشمول وعدم الفرق بين الارض وغيرها.

٤ ـ واما المعادن‌ فقد اختار جمع من اعلام المتقدمين ـ كالشيخ والكليني والمفيد والطوسي و... (٢) ـ كونها من الانفال بما في ذلك الموجودة في الملك الشخصي للأفراد ، غايته قد اباحها الائمة عليهم‌السلام لكل من اخرجها بعد اداء خمسها. وتشهد لذلك موثقة اسحاق المتقدمة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي خربت وانجلى أهلها ... وكل أرض لا ربّ لها والمعادن منها ...» (٣) وغيرها.

وفي مقابل هذا القول قولان آخران :

أحدهما : انها من المباحات العامة والناس فيها شرع.

وقد وجّه ذلك بالاصل والسيرة بل وبدلالة اخبار وجوب الخمس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٧ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١٠.

(٢) نقل ذلك في جواهر الكلام ١٦ : ١٢٩.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧١ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٢٠.

١٨٨

فيها ، ضرورة انه لا معنى لوجوب الخمس على غير الامام عليه‌السلام ما دامت هي ملكا له. مضافا الى ان ظاهرها كون الباقي بعد الخمس هو للمخرج باصل الشرع لا بتمليك الامام عليه‌السلام.

ثانيهما : التفصيل بين المعادن المستخرجة من ارض الانفال وبين المستخرجة من غيرها فالاولى هي من الانفال بخلاف الثانية. ويساعد على التفصيل المذكور ان بعض النسخ في موثقة اسحاق المتقدمة قد اشتملت على كلمة «فيها» بدل «منها» اي والمعادن في الارض التي لا رب لها ، بل ان من الوجيه كون ذلك هو المقصود حتى بناء على كون النسخة «منها» فالضمير لا يرجع الى الانفال بل الى ما ذكرناه.

ولعل البحث المذكور علمي بحت ولا اثر عملي له لان التخميس واجب على كل حال وانما الكلام في أربعة الأخماس الباقية هل هي ملك للمخرج بتحليل من الله ابتداء او بتمليك من الامام عليه‌السلام.

٥ ـ واما أسياف البحار‌ فقد اشير الى كونها من الانفال في الشرائع (١). ولا يوجد نص شرعي يدل على كونها كذلك ، الا انه لا حاجة اليه بعد كونها من قبيل الارض التي لا ربّ لها التي تقدم كونها من الانفال.

٦ ـ واما بطون الاودية‌ فقد اشير اليها في صحيحة حفص ـ المتقدمة في الرقم ٢ ـ وغيرها.

ومقتضى ذكرها في مقابل الارض الخربة كونها من الانفال بعنوانها. ولازم ذلك ان لا تكون للمسلمين فيما اذا كانت جزءا من‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٣٧ ، انتشارات استقلال.

١٨٩

الارض المفتوحة عنوة ومحياة حين الفتح بل تكون للإمام عليه‌السلام.

كما ان لازم ذلك أيضا ان تكون للإمام عليه‌السلام لو فرض وجودها في ملك خاص بالغير.

٧ ـ واما رءوس الجبال والآجام‌ فقد ادعي عدم الخلاف في كونهما من الانفال. وقد ورد ذكرهما في اخبار ضعيفة السند ، كمرسلة حماد المتقدمة «... وله رءوس الجبال وبطون الاودية والآجام ...» (١) وغيرها.

والحكم بعدّهما من الانفال يبتني اما على تمامية كبرى الانجبار او على ضم عدم القول بالفصل ، بتقريب ان مستند عدّ بطون الاودية من جملة الانفال حيث انه صحيح السند فيلزم من ذلك عدّ رءوس الجبال والآجام من جملة الانفال أيضا لعدم القول بالفصل بين الثلاثة.

هذا لو قبلنا احد المبنيين المذكورين والا فينحصر الوجه في عدّهما من جملة الانفال بكونهما مصداقين للأرض التي لا ربّ لها.

وهل الحكم بعدّهما من الانفال يعمّ حالة كونهما جزءا من ملك الغير؟ والجواب : انه على المبنيين المتقدمين يلزم الحكم بالعموم بخلافه بناء على المبنى الاخير.

٨ ـ واما ان قطائع الملوك وصفاياهم من الانفال‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل على ذلك صحيحة داود بن فرقد : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شي‌ء» (٢) ، وموثقة سماعة : «سألته عن الانفال فقال : كل ارض خربة او شي‌ء يكون للملوك فهو خالص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٦ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٦.

١٩٠

للإمام وليس للناس فيها سهم ...» (١) وغيرهما.

٩ ـ واما ان غنيمة الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه‌السلام هي له بأجمعها‌ فقد ادعي في الجواهر انه المشهور بين الاصحاب (٢). وتدل عليه :

أ ـ مرسلة الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، واذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس» (٣).

وضعفها السندي لا يضر بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الرقم ٣ ، فان القيد المذكور فيها «امره الامام» يدل بالمفهوم على المطلوب.

هذا ولكن اختار العلامة في المنتهى مساواة ذلك لما يغنم باذن الامام عليه‌السلام في انه ليس فيه الا الخمس (٤).

وعلّق في المدارك (٥) على ذلك بانه جيد لإطلاق الآية الكريمة : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ...) (٦) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : يؤدي خمسا ويطيب له» (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٧ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٨.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١٢٦.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٩ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١٦.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٥٥٤.

(٥) مدارك الاحكام ٥ : ٤١٨.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) وسائل الشيعة ٦ : ٣٤٠ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٨.

١٩١

ولعل الجواب واضح ، فان اطلاق الآية الكريمة قابل للتقييد. وما تضمنته الصحيحة يمكن تخريجه اما على التحليل منه عليه‌السلام لذلك الشخص او على الاذن له في تلك الغزوة.

١٠ ـ واما ان ميراث من لا وارث له هو من الانفال‌ فقد ادعي عليه الاجماع. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «من مات وليس له وارث من قرابته ... فماله من الانفال» (١) وغيرها.

٢ ـ انحاء الملكية ووسائل تحصيلها‌

لملكية الثروة الطبيعية (٢) ثلاثة أنحاء :

١ ـ ملكية جميع المسلمين بالنسبة الى الارض الخراجية ، اي الارض المفتوحة باذن الامام عليه‌السلام عنوة (٣) المحياة حالة الفتح.

٢ ـ ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة بالنسبة الى الانفال.

٣ ـ الملكية الشأنية بالنسبة الى المباحات العامة.

اما ما كان من النحو الاول فامره بيد ولي الامر فله دفع الارض الخراجية الى من شاء مقابل الخراج (٤) بما يراه صلاحا ، ولا يجوز بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا تملكها بنحو الملك الشخصي.

ويصرف ولي الامر الخراج في المصالح العامة للمسلمين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٤٧ الباب ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والامامة الحديث ١.

(٢) المقصود من الثروة الطبيعية الارض وما فيها وما عليها.

(٣) بفتح العين وسكون النون ، بمعنى القهر والقوة.

(٤) الخراج : اجرة الارض.

١٩٢

واما النحو الثاني فتنتقل الارض فيه بالاحياء الى المحيي ملكا او حقا ، والمعدن باستخراجه الى المخرج ، والآجام بحيازتها الى الحائز.

واما ما كان من النحو الثالث ـ كالماء والطيور والاسماك وما شاكل ذلك ـ فيملك بالحيازة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الارض المفتوحة عنوة هي لجميع المسلمين ـ الحاضرين والغائبين والمتجددين بعد ذلك‌ ـ ولا تختص بالمقاتلين فلم يعرف فيه خلاف بيننا وان نسب الى بعض العامة اختصاص الغانمين بها كغيرها من الغنائم (١). ويدل على ذلك صحيح الحلبي : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن السواد (٢) ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد. فقلت : الشراء من الدهاقين (٣) ، قال : لا يصلح الا ان تشرى منهم على ان يصيرها للمسلمين ، فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها أخذها ...» (٤) وغيره.

وقد يشكل بان السواد لم يفتح باذن الامام عليه‌السلام فهو من الانفال لا للمسلمين ، والحكم المذكور في الصحيحة بانه للمسلمين لا بدّ من حمله على الصدور للتقية.

وقد يجاب بصدور الاذن منه عليه‌السلام ، فان الخليفة الثاني كان‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢١ : ١٥٧.

(٢) اي ارض العراق المفتوحة عنوة في عصر الخليفة الثاني.

(٣) الدهقان بكسر الدال وضمها يطلق على رئيس القرية والتاجر ومن له مال وعقار. وهو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٧٤ الباب ٢١ من ابواب عقد البيع الحديث ٤.

١٩٣

يستشير امير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك. وفي مشاركة عمار في تلك المعارك وتولي سلمان ولاية المدائن بل قبول الامام الحسن عليه‌السلام التوجه الى محاربة يزدجرد دلالة واضحة على ذلك.

وهذا الجواب ان صحّ وثبت تحقق الاذن فهو والا فبالامكان ان يجاب بان الحكم في الصحيحة المتقدمة بكون ارض السواد للمسلمين بعد معلومية اعتبار الاذن يدل بالالتزام على صدورها منه عليه‌السلام. والحمل على التقية بعد امكان الافتراض المذكور لا وجه له.

٢ ـ واما تقييد الفتح بما اذا كان باذن الامام عليه‌السلام‌ فلما تقدم من كون المفتوح بغير اذنه عليه‌السلام هو من الانفال.

واما تقييد الفتح بكونه عنوة فلما تقدم من كون المفتوح بلا قتال هو من الانفال.

واما تقييد الارض بما اذا كانت محياة حين الفتح فلأن الارض الميتة هي من الانفال على ما تقدم.

٣ ـ واما الترديد في ملكية الانفال بين كونها للإمام عليه‌السلام او للدولة‌ فقد تقدمت الاشارة الى وجهه سابقا.

كما تقدمت الاشارة الى الوجه في ملكية الامام عليه‌السلام للأنفال فراجع.

٤ ـ واما كون الملكية في النحو الثالث شأنية‌ فلان كل فرد من الناس له شأنية تملك المباحات العامة بالحيازة.

اما كيف يمكن اثبات الاباحة العامة للأشياء ما سوى الارض الخراجية والانفال؟ يمكن اثباته بوجهين :

أ ـ ان ثبوت الملكية لخصوص الامام عليه‌السلام او لجميع المسلمين هو‌

١٩٤

الذي يحتاج الى دليل ، بخلاف كون الشي‌ء ليس مملوكا لأحد بل لكل شخص الحق في تملكه بالحيازة فانه لا يحتاج الى دليل ، بل هو مقتضى الاصل المستفاد من مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١).

ب ـ التمسك بسيرة المتشرعة ، فانها منعقدة على تملك الماء والطيور والاسماك والحيوانات والاعشاب وما شاكل ذلك بالحيازة ، ولا يحتمل نشوء مثل السيرة المذكورة عن تهاون وتسامح ، فانها منعقدة في حق جميع المتشرعة ، وذلك يكشف عن وصولها يدا بيد من معدن العصمة والطهارة.

ومما يؤيد ذلك في الجملة رواية محمد بن سنان عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن ماء الوادي فقال : ان المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء» (٢) وغيرها.

٥ ـ واما ان امر الارض الخراجية بيد ولي المسلمين‌ فلان ذلك مقتضى ملكيتها لجميع المسلمين. على ان صحيحة الحلبي السابقة واضحة في ذلك.

واما انحصار التصرف الجائز فيها بدفعها مقابل الخراج فهو لازم ابقاء عينها لجميع المسلمين مع التصرف فيها وفق مصلحتهم.

اجل لا بأس ببيع الحق الثابت فيها لفقدان المانع ووجود المقتضي ، بل قيل بجواز بيعها تبعا للآثار.

واما صرف ولي الامر الخراج في صالح المسلمين فلان ذلك لازم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣١ الباب ٥ من ابواب احياء الموات الحديث ١.

١٩٥

ملكية جميع المسلمين لها. بل قد يقال بانه لا معنى لملكية جميع المسلمين لها الا استحقاقهم لصرف واردها في مصالحهم ، ولا يتصور معنى صحيح لملكية الجميع لها الا ذلك.

٦ ـ واما ان الارض الميتة ـ التي هي من مصاديق النحو الثاني ـ يجوز احياؤها وتنتقل الى المحيي‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويدل على ذلك أمران :

أ ـ السيرة المستمرة للمتشرعة على التصرف في الارض الموات واحيائها من دون احتمال نشوء ذلك عن التساهل والتسامح.

ب ـ صدور الاذن من اصحاب تلك الارض بذلك ، كما دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا أرضا مواتا فهي له» (١) وغيرها. اجل دلت بعض النصوص الاخرى على ان الاذن المذكور ليس بنحو المجانية بل مشروط بدفع الاجرة الا اذا كان المحيي من الشيعة فانه لا يجب عليه ذلك ، فلاحظ صحيحة ابي خالد الكابلي عن ابي جعفر عليه‌السلام : «وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، انا واهل بيتي الذين أورثنا الارض ونحن المتقون والارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها ، فان تركها واخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها واحياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها حتى يظهر القائم عليه‌السلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٧ الباب ١ من ابواب احياء الموات الحديث ٦.

١٩٦

ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم على ما في ايديهم ويترك الارض في ايديهم» (١) التي يستفاد منها جملة من الامور ، وهي :

أ ـ ان الارض بأجمعها ملك لله سبحانه.

ب ـ ان الارض ما دامت ملكا له سبحانه فمن حقه ان يملّكها لمن اراد من عباده.

ج ـ انه سبحانه قد ملّك الارض عباده المتقين ، وهم اهل البيت عليهم‌السلام ، فجميع الكرة الارضية ـ على هذا ـ هي لأهل البيت عليهم‌السلام (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٩ الباب ٣ من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

(٢) وهذا المعنى قد اشارت اليه روايات متعددة ، وقد كان قديما محلا للتساؤل بين اصحاب الائمة عليهم‌السلام أنفسهم فقد ورد في الكافي ١ : ٤٠٩ «لم يكن ابن ابي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغبّ [يقال زر غبّا تزدد حبا ، اي زر يوما واترك يوما] اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه وكان سبب ذلك ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن ابي عمير ملاحاة [اي منازعة] في شي‌ء من الامامة ، قال ابن ابي عمير : الدنيا كلها للإمام عليه‌السلام على جهة الملك وانه اولى بها من الذين هي في ايديهم وقال ابو مالك : ليس كذلك املاك الناس لهم الا ما حكم الله به للإمام من الفي‌ء والخمس والمغنم فذلك له وذلك أيضا قد بيّن الله للإمام اين يضعه وكيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا اليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن ابي عمير فغضب ابن ابي عمير وهجر هشاما بعد ذلك».

وقد يقال : ان هذا المعنى ـ ملكية الامام عليه‌السلام لجميع الكرة الارضية ـ مخالف للضرورة القاضية بانّا نملك هذه القطعة من الارض او تلك بالبيع او الشراء وما شاكل ذلك ولا يحتمل احد ان تلك القطعة لا حق لنا في بيعها وشرائها باعتبار انها ملك لغيرنا.

والجواب : ان الارض بأجمعها هي لأهل البيت عليهم‌السلام ولكنهم تنازلوا عن ملكهم لمن احياها ـ اما بنحو التمليك او بنحو احقية التصرف ـ مع المقابل او بدونه. والالتزام بذلك ليس فيه اي مخالفة للضرورة.

ولعل هذا هو مقصود الشيخ الهمداني في كتابه مصباح الفقيه ١٤ : ٨ والسيد الشهيد الصدر في اقتصادنا ٢ : ٤٨٢ حينما تعرضا للجواب عن الاشكال.

١٩٧

د ـ انهم عليهم‌السلام قد تنازلوا عن الارض لكل من احياها مقابل اداء الخراج.

ه ـ ان كل من لم يواصل احياء الارض حتى خربت فلبقية المسلمين الحق في احيائها ويكون المحيي الجديد احق بها.

و ـ ان الشيعة ـ أعزّهم الله تعالى ـ لهم الحق في احياء الارض بدون مقابل تفضلا منهم عليهم‌السلام عليهم.

والفترة الزمنية التي لوحظ فيها هذا الحكم الاخير وان كانت هي فترة ظهور القائم ـ ارواحنا له الفداء ـ الا انه يمكن ان يفهم من ذلك التعميم.

وفي المقام تساؤل علمي محصله : ان الارض اذا كانت لأهل البيت عليهم‌السلام فصدور الاذن في الاحياء من احدهم يبقى ساري المفعول طيلة فترة حياة صاحب الاذن فقط ولا يمكن استفادة العمومية لمثل زماننا.

وهذا وان كان مجرد احتمال ولكنه كاف في الحكم بلزوم الاقتصار على الفترة المتيقنة.

والجواب : ان الاحتمال المذكور وان كانت بعض النصوص لا تأباه الا انه بملاحظة بعضها الآخر ضعيف بل منتف ، ففي صحيحة الكابلي نلاحظ ان امير المؤمنين عليه‌السلام يأمر بدفع الخراج الى الائمة الطيبين الطاهرين الذين يأتون من بعده حتى يظهر القائم ـ ارواحنا له الفداء ـ وهذا لا يلتئم مع الاحتمال المذكور.

٧ ـ واما الترديد في امر الاحياء بين كونه مولّدا للملك او للحق‌ فهو باعتبار وجود احتمالين في المسألة فيحتمل انتقال ملكية الارض‌

١٩٨

من الامام عليه‌السلام او الدولة الى المحيي وصيرورتها ملكا شخصيا له ، ويحتمل بقاء ملكيتها السابقة على ما هي عليه ولا يتولد للمحيي سوى أولويته من غيره في التصرف فيها.

وقد صار مشهور الفقهاء الى الاحتمال الاول تمسكا بظهور اللام في قولهم عليهم‌السلام : «من أحيا ارضا مواتا فهي له» في افادة الملكية.

في حين صار الشيخ الطوسي الى الاحتمال الثاني ، حيث يقول : «فاما الموات فانها لا تغنم وهي للإمام خاصة ، فان احياها احد من المسلمين كان اولى بالتصرف فيها ويكون للإمام طسقها (١)» (٢).

وقد صار الى ذلك أيضا الفقيه السيد محمد بحر العلوم قدس‌سره في بلغته (٣).

ويمكن توجيه ذلك بان فرض الاجرة ـ المعبر عنها بالطسق ـ لا يتناسب مع انتقال العين الى المحيي بل يتناسب مع انتقال المنفعة فقط.

واما اللام فلا ظهور لها في الملك فانها جارية مجرى قول مالك الأرض للفلاحين عند تحريضهم على عمارة الارض : من عمرها وحفر انهارها فهي له ، فانه ليس المقصود انتقال العين الى الفلاح بل أحقيته من غيره وتقدمه على من سواه.

٨ ـ واما المعادن‌ فقد تقدم الخلاف في كونها من الانفال او لا ، ولكن على تقدير جميع الاقوال الثلاثة في المسألة يجوز استخراجها‌

__________________

(١) الطسق : الاجرة.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٩.

(٣) بلغة الفقيه : ٩٨.

١٩٩

وتملكها بعد اخراج خمسها.

والوجه في ذلك امران :

أ ـ انعقاد السيرة القطعية بين المتشرعة على ذلك.

ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال : عليها الخمس جميعا» (١) وغيرها ، فانها تدل بوضوح على ملكية المخرج لما اخرجه من المعدن بعد التخميس.

ثم ان المعادن على قسمين : ظاهرة وباطنة (٢).

وقد قال كثير من الفقهاء عن المعادن الظاهرة بانها تملك بمقدار ما يحوزه الشخص منها حتى لو كان ذلك المقدار زائدا عن حاجته ، وعن المعادن الباطنة بانها تملك للمنقّب فيما اذا وصل الى المعدن نفسه ، واما اذا حفر ولم يصل اليه كان ذلك تحجيرا يفيد الأحقية والاولوية دون الملكية.

وفي مقابل هذا قول آخر يرى ان الشخص لو نقّب ووصل الى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٤٢ الباب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

(٢) يوجد تفسيران للمعدن الباطن والمعدن الظاهر :

الاول : ان المعدن الظاهر هو ما كان موجودا على سطح الارض ولا يحتاج الوصول اليه الى بذل مئونة عمل ، كالملح والقير وما شاكل ذلك ، والباطن هو ما توقف استخراجه على الحفر والعمل ، كما في الذهب والفضة.

ثانيهما : ان المعدن الظاهر هو المعدن الذي لا يحتاج في ابراز طبيعته وخصائصه المعدنية الى بذل جهود من دون فرق بين كونه على سطح الارض او في اعماقها ، بخلاف الباطن فانه ما احتاج الى ذلك حتى ولو لم يوجد في اعماق الارض ، كما هو الحال في الحديد والذهب والفضة ونحوها.

٢٠٠