دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

كتاب الصّيد والذّباحة‌

(وسائل التذكية)

١ ـ وسائل تحقق التذكية‌

أ ـ الذبح‌

ب ـ النحر‌

ج ـ الاصطياد‌

٢ ـ ما يقبل التذكية وأثرها‌

١٤١
١٤٢

١ ـ وسائل تحقق التذكية‌

لا يجوز اكل لحم الحيوان المحلل شرعا الا اذا كان مذكى. وتتحقق التذكية بالذبح والنحر والاصطياد.

أ ـ الذبح‌

لا تتحقق تذكية الحيوان شرعا بالذبح الا اذا توفر ما يلي :

١ ـ قطع الاعضاء الاربعة : المري‌ء والحلقوم والودجين (١).

٢ ـ اسلام الذابح ، فلا تحل ذبيحة الكافر بما في ذلك الكتابي وان تحققت منه التسمية على المشهور.

٣ ـ الذبح بالحديد ، فلا يحل الحيوان اذا كان الذبح بغيره الا في حالة عدم وجوده فيجوز بغيره مما يتحقق به قطع الاعضاء الاربعة المتقدمة.

٤ ـ ذكر اسم الله سبحانه حالة الذبح.

٥ ـ استقبال القبلة بالحيوان حالة ذبحه.

__________________

(١) المري‌ء : مجرى الطعام. والحلقوم : مجرى النفس ، ومحله فوق المري‌ء.

والودجان : عرقان غليظان يجري فيهما الدم محيطان بالحلقوم ، وقيل بالمري‌ء.

١٤٣

٦ ـ قصد الذبح بقطع الاعضاء ، فلا يكفي الذبح من السكران والصبي والنائم ، بل لا يكفي لو وقعت السكين على الاعضاء وقطعتها او حرك الذابح السكين على الاعضاء لا بقصد الذبح فتحقق حصوله مع التسمية.

٧ ـ خروج الدم بالمقدار المتعارف مع تحريك الحيوان بعض اطرافه ـ كالرجل او الذنب او الاذن وما شاكل ذلك ـ بعد الذبح. بل يلزم في الدم الخارج ان لا يكون متثاقلا في خروجه.

وقد يقال باختصاص اعتبار حركة بعض الاطراف في حلية الذبيحة فيما اذا شك في حياتها قبل الذبح ، اما مع احرازها فلا يعتبر ذلك.

هذه شروط تحقق التذكية.

ولا تجوز ابانة رأس الحيوان عمدا او انخاعه (١) قبل خروج روحه ولكنه لا يحرم بذلك.

والذبح بواسطة المكائن الحديثة جائز ولا اشكال فيه ما دامت الشروط المتقدمة متوفرة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اشتراط حلية الحيوان بالتذكية‌ فينبغي ان يكون من الواضحات لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (٢).

ويمكن ان يقال : ان ذلك شرط فيما كانت روحه زاهقة ، اما ما كان على قيد الحياة فيجوز اكله بالرغم من عدم تحقق تذكيته ـ كما في‌

__________________

(١) النخاع هو الخيط الابيض الممتد وسط الفقار من الرقبة الى الذنب. والانخاع اصابة النخاع بالسكين لقطعه.

(٢) المائدة : ٣.

١٤٤

ابتلاع السمك داخل الماء وهو حي او اكل بقية الحيوانات التي هي على قيد الحياة ان امكن ذلك فيها ـ لان الآية الكريمة وان حصرت الحل بالمذكى الا انها منصرفة الى الحيوان الذي ليس على قيد الحياة ، ومعه يبقى الحي مشمولا لأصل البراءة.

٢ ـ واما حصر الوسائل التي تتحقق بها التذكية بالامور الثلاثة المتقدمة‌ فلدلالة الروايات على ذلك كما سيتضح.

٣ ـ واما اعتبار قطع الاعضاء الاربعة‌ فهو المشهور. ولا مستند له من الروايات سوى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا ابراهيم عليه‌السلام عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الانسان اذا لم يجد سكينا؟ فقال : اذا فري الاوداج فلا بأس بذلك» (١). والمقصود من الاوداج هي الاعضاء الاربعة المتقدمة لعدم احتمال ارادة شي‌ء آخر غيرها.

وسندها معتبر بطريق الشيخ الطوسي وبكلا طريقي الشيخ الكليني فلاحظ.

الا ان في مقابل ذلك صحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود اذا لم تصب الحديدة اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به» (٢) الدالة على كفاية قطع الحلقوم.

والمناسب الاخذ بمضمون الصحيحة المذكورة ، فان صحيحة ابن الحجاج هي في صدد بيان ان وسيلة الذبح لا بدّ ان تكون لها القابلية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٨ الباب ٢ من ابواب الذبائح الحديث ١.

والمروة : الحجر الحاد. والقصب : نبات مائي يكثر عند المستنقعات.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٨ الباب ٢ من ابواب الذبائح الحديث ٣.

١٤٥

على قطع الاوداج ، اما انه يلزم قطع جميعها او بعضها فليست بصدده ، ومعه تبقى صحيحة الشحام بلا معارض.

هذا ولكن تحفّظ الفقيه عن مخالفة المشهور باحتياطه في الفتوى امر مناسب.

وهل يلزم عند قطع الاعضاء بقاء الخرزة ـ المعبر عنها بالجوزة ـ في العنق او يجوز بقاؤها في الجسد؟

والجواب : المهم تحقق قطع الاوداج كلا او خصوص الحلقوم ، واما بقاء الجوزة في هذا المحل او ذاك فغير مهم بعد فرض تحقق ما ذكر.

اجل قيل بان تلك الاعضاء الاربعة متصلة بالجوزة بحيث اذا لم تبق في العنق بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها فلا يمكن تحقق قطعها ، الا ان هذا مطلب آخر فان صحّ لزم ابقاء الجوزة في العنق للجهة المذكورة لا لأنه مطلوب في نفسه.

٤ ـ واما اعتبار الإسلام في الذابح‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل في الجواهر انه كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا (١).

واذا رجعنا الى الروايات وجدناها على طوائف مختلفة ، نذكر من بينها :

أ ـ ما دل على النهي عن ذبيحة غير المسلم بشكل مطلق ، كصحيحة حميد بن المثنى عن العبد الصالح عليه‌السلام : «سأله عن ذبيحة اليهودي والنصراني فقال : لا تقربوها» (٢) وغيرها. وبالاولوية يتعدى الى بقية اصناف الكفار من غير اهل الكتاب.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٠.

١٤٦

ب ـ ما دل على الجواز بشكل مطلق ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة اهل الكتاب ونسائهم فقال : لا بأس به» (١) وغيرها.

ج ـ ما دلّ على التفصيل بين سماع التسمية منهم فتحل الذبيحة وبين عدمه فلا تحل ، كصحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام وعن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام انهما قالا في ذبائح اهل الكتاب : «فاذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وان اتاك رجل مسلم فأخبرك انهم سموا فكل» (٢) وغيرها.

د ـ ما دلّ على عدم الحلية حتى مع التسمية ، كرواية زيد الشحام : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة الذمي فقال : لا تأكله ان سمى وان لم يسم» (٣) ، وموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : كلوا من طعام المجوس كله ما خلا ذبائحهم فانها لا تحل وان ذكر اسم الله عليها» (٤).

الا ان هذه الطائفة لا بدّ من حذفها من الحساب لضعف سند الاولى بالمفضل بن صالح الذي لم يوثق بل ضعف ، واختصاص الثانية بالمجوسي الذي يحتمل ان يكون النهي عن ذبيحته من باب انه ليس من اهل الكتاب.

وعليه نبقى نحن والطوائف الثلاث الاولى.

وقد يقال بترجيح الطائفة المانعة وحمل غيرها على التقية ـ كما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٤٦ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٤٨ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ١٢.

١٤٧

اختار ذلك صاحب الجواهر (١) ـ باعتبار ان من يلقي نظرة على اخبار المسألة يحصل له القطع بذلك ، فلاحظ مثل صحيحة شعيب العقرقوفي حيث يقول : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام ومعنا ابو بصير واناس من اهل الجبل يسألونه عن ذبائح اهل الكتاب فقال لهم ابو عبد الله عليه‌السلام : قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه فقالوا له : نحب أن تخبرنا فقال لهم : لا تأكلوها. فلما خرجنا قال ابو بصير : كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته واباه جميعا يأمران بأكلها ، فرجعنا اليه فقال لي ابو بصير : سله فقلت له : جعلت فداك ما تقول في ذبائح اهل الكتاب فقال : أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟ قلت : بلى فقال : لا تأكلها» (٢).

الا ان ما ذكر قابل للتأمل فان الحمل على التقية فرع التعارض المستقر وعدم امكان الجمع العرفي ، وهو في المقام ممكن ، فانه بواسطة الطائفة الثالثة يمكن الجمع بين الطوائف بحمل الاولى على حالة عدم تحقق التسمية والثانية على حالة تحققها.

بل يمكن تعميم التفصيل المذكور لغير الكتابي أيضا ، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «كل ذبيحة المشرك اذا ذكر اسم الله عليها وانت تسمع ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب» (٣).

اجل هي معارضة بموثقة الحسين بن علوان المتقدمة ، الا ان التعارض ليس مستقرا لإمكان حملها على الكراهة بقرينة الصحيحة بعد ضعف احتمال كونها مخصصة للصحيحة ـ باستثناء المجوسي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٨٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٠ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٢.

١٤٨

من بين اقسام الكافر ـ ولو لأجل عدم القائل بذلك.

والنتيجة : ان مقتضى الصناعة هو التفصيل بين التأكد من تحقق التسمية فيحكم بالحل وبين عدمه فلا يحكم به ، الا ان الشهرة بين الاصحاب على عدم الحل مطلقا يحول دون جزم الفقيه بالتفصيل المذكور ومن ثمّ تفرض عليه التنزل الى الاحتياط في الفتوى.

٥ ـ واما عدم جواز الذبح الا بالحديد‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة فقال : لا ذكاة الا بحديدة» (١) ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في الرقم ٣ وغيرهما.

واذا قيل : لم لا تفسر الحديد بكل فلز حاد بقرينة جعل المقابلة بين الليطة والمروة وبين الحديد.

قلنا : هذا مجرد احتمال ، وهو ليس حجة ما دام لم يرتق الى مستوى الظهور ، فان الحجة هي الظهور دون مجرد الاحتمال.

وينبغي الالتفات الى انه قد تداول في زماننا صنع السكاكين من الاستيل ، وقد وقع الكلام في كونه مصداقا للحديد كي يجوز الذبح به او لا.

والمنقول عن بعض اهل الخبرة انه حديد مصفى مشتمل على خليط من مواد اخرى كالحديد نفسه فانه مشتمل على مواد اخرى أيضا. وعلى هذا لا بدّ من ملاحظة نسبة الخليط في الاستيل ، فاذا كانت مقاربة لنسبته في الحديد المتعارف ـ ولعل الغالب هو ذلك ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٧ الباب ١ من أبواب الذبائح الحديث ١.

والليطة بفتح اللام : القشر الظاهر من القصبة. والمروة : الحجر الحاد.

١٤٩

جاز الذبح به.

٦ ـ واما عدم حلية الحيوان مع ذبحه بغير الحديد عمدا‌ فلأن ذلك لازم نفي الذكاة الا مع الحديد.

٧ ـ واما جواز الذبح بغير الحديد اذا لم يمكن الذبح به‌ فمما لا اشكال فيه. وتدل عليه صحيحة ابن الحجاج المتقدمة في الرقم ٣ وغيرها.

ثم ان المراد من عدم وجود الحديد مطلق عدم الوجود ولو من دون ضرورة الى الذبح تمسكا بعدم استفصال الامام عليه‌السلام في مقام الجواب.

واما رواية محمد بن مسلم : «قال ابو جعفر عليه‌السلام في الذبيحة بغير حديدة قال : اذا اضطررت اليها فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر» (١) الدالة على اعتبار الاضطرار فقد اجاب عنها في الجواهر (٢) باحتمال كون المراد من الاضطرار مطلق الحاجة الى الذبح فلا تنافي غيرها.

وهذا ان تمّ فهو والا انحصرت المناقشة بالسند ، فانه ورد فيه عبد الله بن محمد ، وهو مجهول الحال.

ومن خلال هذا يتضح ان ما افاده بعض الاعلام من تقييد جواز الذبح بغير الحديد بحالة خوف تلف الحيوان بتأخير ذبحه او الاضطرار الى ذلك لا يخلو من تأمل.

٨ ـ واما اعتبار ذكر اسم الله سبحانه حين الذبح‌ فهو مما لا خلاف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٩ الباب ٢ من أبواب الذبائح الحديث ٤.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٠٢.

١٥٠

فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وصحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يذبح ولا يسمي قال : ان كان ناسيا فلا بأس اذا كان مسلما وكان يحسن ان يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» (٣) وغيرها.

اجل مع تركها نسيانا لا تحرم للصحيحة المذكورة وغيرها ، وهذا بخلاف تركها جهلا ، فانها تحرم لا طلاق دليل الشرطية ، ولاستفادة ذلك من تقييد نفي البأس في الصحيحة بالنسيان.

ان قلت : لما ذا لا نتمسك بحديث الرفع عن الناسي (٤) مضافا الى الصحيحة.

قلت : ان حديث الرفع اما ان نتمسك به لرفع جزئية الذكر في حالة النسيان من دون اثبات تحقق التذكية بالباقي او نتمسك به لإثبات كلا المطلبين.

والاول غير نافع ، لأنه اذا لم يثبت تحقق التذكية بالباقي فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان ، فان الحلية فرع ثبوت التذكية ، والمفروض عدم احرازها.

والثاني غير ممكن لان حديث الرفع يتكفل النفي دون الاثبات.

اذن لا يمكن التمسك بحديث الرفع في المقام.

__________________

(١) الانعام : ١١٨.

(٢) الانعام : ١٢١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٦ الباب ١٥ من أبواب الذبائح الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

١٥١

وهل تلزم العربية في الذكر؟ مقتضى اطلاق ادلة اعتبار الذكر عدمه وان كان ذلك هو المناسب للاحتياط.

٩ ـ واما اعتبار استقبال القبلة بالذبيحة‌ فهو مورد لتسالم الاصحاب. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن الذبيحة فقال : استقبل بذبيحتك القبلة» (١) وغيرها.

اجل ان الشرطية تختص بحالة الالتفات ولا تعم حالة النسيان والجهل والاضطرار لصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال : لا بأس اذا لم يتعمد» (٢) وغيرها ، فان التعمد لا يصدق في الحالات المتقدمة.

١٠ ـ واما اعتبار قصد الذبح‌ فهو معروف في كلمات الاصحاب. وعلّله الشيخ النراقي ب «ان المتبادر من الذبح المحلل هو الصادر من القاصد» (٣).

ولعل الانسب من ذلك ان يقال : ان التذكية المحللة للأكل قد نسبت الى الفاعل في قوله تعالى : (إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (٤) ، والمفهوم عرفا من نسبة المادة الى الفاعل صدورها منه بالاختيار والقصد ، فلو قيل : اكل فلان الطعام فالمفهوم انه اكله عن قصد واختيار ، وهذا الانصراف ان لم يجزم به في كلمة «ذكيتم» فلا أقلّ من كونه محتملا ، ومعه يشك في تحقق التذكية المعتبرة شرعا مع عدم ذلك والأصل عدمه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٤ الباب ١٤ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٥ الباب ١٤ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٣) مستند الشيعة ١٥ : ٣٨٩.

(٤) المائدة : ٣.

١٥٢

١١ ـ واما اعتبار خروج الدم‌ فيمكن استفادته من صحيحة زيد الشحام المتقدمة ، حيث ورد فيها : «اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس» وغيرها.

واما اعتبار كونه بالمقدار المتعارف فلان ذلك هو المنصرف من جملة : «وخرج الدم».

واما اعتبار الحركة فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الذبيحة فقال : اذا تحرك الذنب او الطرف او الاذن فهو ذكي» (١) وغيرها.

ثم ان مقتضى الصحيحة الاولى الاكتفاء بخروج الدم وعدم اعتبار الحركة في حين ان مقتضى الصحيحة الثانية اعتبار الحركة وعدم اعتبار خروج الدم. والمقام من صغريات مسألة «اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء» المعروفة في علم الاصول والتي يقع فيها التعارض بين اطلاق المفهوم في كل جملة مع المنطوق في الجملة الاخرى. وقد ذكرت هناك عدة وجوه للجمع ، اهمها اثنان : تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ونتيجة ذلك الاكتفاء باحد الشرطين في تحقق الجزاء ، وتقييد اطلاق المنطوق في كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ونتيجة ذلك كون مجموع الشرطين شرطا واحدا ، فالجزاء لا يتحقق الا اذا تحقق مجموع الشرطين ، بخلافه على الاول فانه يكفي في تحقق الجزاء تحقق احد الشرطين.

وقد اختار جمع من الاعلام الاول وافتوا في ضوء ذلك بكفاية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٠ الباب ١١ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

١٥٣

الحركة او خروج الدم.

هذا ولكن المناسب هو الثاني حتى لو اخترنا في تلك المسألة الاول.

والوجه في ذلك : صحيحة ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط فقال : لا تأكل ، ان عليا عليه‌السلام كان يقول : اذا ركضت الرجل او طرفت العين فكل» (١) ، فانها تدل على ان خروج الدم لا يكفي وحده بل لا بدّ من الحركة ، وهذا واضح في ان تحقق احد الامرين لا يكفي في ثبوت التذكية فيتعين المصير الى الثاني ، وهو اعتبار الاجتماع.

ثم ان اللازم في تحرك بعض الاطراف ان يكون بعد الذبح ولا يكفي كونه قبله لدلالة صحيحة ابي بصير عليه بوضوح.

١٢ ـ واما اعتبار عدم تثاقل الدم في خروجه‌ فتدل عليه صحيحة بكر بن محمد : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام اذا جاءه محمد بن عبد السلام فقال له : جعلت فداك يقول لك جدي : ان رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها ... فقال : ... فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا واطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه» (٢).

والدلالة واضحة ، وانما الكلام في السند.

وتوضيح الحال فيه : ان الصحيحة رويت بثلاث طرق هي :

أ ـ الشيخ باسناده عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢١ الباب ١٢ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢١ الباب ١٢ من أبواب الذبائح الحديث ٢.

١٥٤

سليم الفراء عن الحسين بن مسلم (١).

ب ـ الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسين بن مسلم (٢).

ج ـ الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن اسحاق عن بكر بن محمد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣).

والطريقان الاولان لا يخلوان من الاشكال من ناحية الحسين بن مسلم ، فانه مجهول الحال والا فبقية افراد السند لا مشكلة من ناحيتهم.

واما الطريق الثالث فهو صحيح ، فان صاحب الوسائل له طريق معتبر الى الحميري ، حيث ان الشيخ الطوسي له طريق معتبر الى قرب الاسناد ذكره في الفهرست (٤) ، وصاحب الوسائل يروي الكتاب المذكور بطرق معتبرة تنتهي الى الشيخ الطوسي كما اشار الى ذلك في خاتمة الوسائل (٥).

واما الحميري فهو عبد الله بن جعفر الثقة الجليل (٦).

واما احمد بن اسحاق الاشعري فهو الثقة الجليل الذي تشرف نظره برؤية حجة الله في ارضه أرواحنا له الفداء (٧).

واما بكر بن محمد فهو الازدي الثقة (٨).

__________________

(١) ١ ، ٢ ، ٣ لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

(٢) ٤ الفهرست ١٠٢ الرقم ٤٢٩.

(٣) ٥ قد ذكر ان قرب الاسناد من جملة مصادره في الوسائل في ٢٠ : ٤٠ في الفائدة الرابعة. وذكر طريقه الى المصدر المذكور وغيره في ٢٠ : ٥٠ ـ ٥٤ في الفائدة الخامسة.

(٤) ٦ رجال النجاشي : ١٥٢ ، منشورات مكتبة الداوري ، الفهرست ١٠٢ الرقم ٤٢٩.

(٥) ٧ الفهرست : ٢٦ الرقم ٦٨ ، رجال النجاشي : ٦٦.

(٦) ٨ رجال النجاشي : ٧٨.

١٥٥

وعليه فلا مشكلة من حيث سند الرواية ، اذ يكفي في صحتها صحة بعض طرقها.

١٣ ـ واما القول باختصاص اعتبار حركة الاطراف بحالة الشك في حياة الذبيحة دون حالة احرازها‌ فمستنده أحد امرين :

أ ـ رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فانها لك حلال» (١).

الا انها قابلة للمناقشة دلالة وسندا.

اما دلالة فلأنها تدل على اعتبار الحركة قبل الذبح لا بعد الذبح ، والحال ان القائل باعتبار الحركة يخصص ذلك بما بعد الذبح.

واما سندا فباعتبار ورود سهل فيه ، بناء على ان امره ليس سهلا.

ب ـ ان المفهوم من الروايات الدالة على اعتبار حركة الذبيحة بعد الذبح الطريقية الى احراز الحياة الذي لازمه عدم اعتبار ذلك عند احراز الحياة.

وفيه : ان احتمال ذلك وان كان وجيها الا ان الجزم به مشكل.

١٤ ـ واما عدم جواز قطع رأس الذبيحة قبل ان تخرج روحها‌ فقد صار اليه جمع من الاصحاب لصحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدمة في الرقم ٨ عند البحث عن التسمية ـ وغيرها.

هذا ولكن المنسوب الى كثير من الاصحاب الكراهة بل عن الشيخ في خلافه دعوى الاجماع على ذلك (٢) ، ومن هنا يكون المناسب التنزل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٠ الباب ١١ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٢١.

١٥٦

من الفتوى بالتحريم الى الاحتياط.

واما نخع الذبيحة فتدل على النهي عنه الصحيحة المتقدمة ، بيد ان المشهور بين الاصحاب على ما قيل هو الكراهة (١) ، بل عن الشيخ في مبسوطه نفي الخلاف عن ذلك (٢) ، ومعه يكون المناسب التنزل الى الاحتياط أيضا.

ثم انه بناء على تحريم ابانة الرأس والانخاع هل تحرم الذبيحة بذلك؟ اختار جمع من الاصحاب ذلك بدعوى ان الذبح الشرعي هو عبارة عن قطع الاوداج الاربعة فقط ، فاذا اضيف شي‌ء على ذلك خرج الذبح عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا ويجري ذلك مجرى ما لو قطع عضو من اعضاء الحيوان فمات بسبب انضمام ذلك (٣).

وفيه : ان مقتضى ما دلّ على جواز الاكل عند فري الاوداج او خصوص الحلقوم عدم اشتراط حلية الاكل بما زاد على ذلك. اجل بالنسبة الى الذكر والاستقبال وغير ذلك خرج بالدليل المقيد. واما بالنسبة الى الابانة والانخاع فحيث لا يدل دليل تحريمهما على تحريم الاكل فيعود ذلك مشمولا للإطلاق المتقدم.

هذا كله في حالة تعمد الابانة والانخاع والا فلا اشكال في عدم التحريم التكليفي والوضعي لموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «اذا اسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا‌

__________________

(١) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٣٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٣٥.

(٣) لاحظ جواهر الكلام ٣٦ : ١٢٣.

١٥٧

بأس بأكلها» (١) وغيرها.

هذا بناء على كون كلمة «السكين» فاعلا ، واما بناء على كونها مفعولا فيستفاد نفي الحرمة الوضعية حتى في حالة التعمد.

١٥ ـ واما ان الذبح بالمكائن الحديثة جائز مع اجتماع الشروط المتقدمة‌ فللتمسك باطلاق ما دل على حلية الحيوان بالتذكية أو بفري الاوداج. ولا يتصور وجود مانع من حلية الحيوان الا :

أ ـ عدم وضعه على الارض حالة ذبحه.

ب ـ عدم استقرار الحياة الطبيعية فيه بسبب توجيه الشحنة الكهربائية اليه ليخمد عن الاضطراب والتحرك.

ج ـ عدم تحقق الذبح بالسكين.

د ـ عدم مقارنة ذكر الله سبحانه عند ذبح كل حيوان بل قد يتخلل فاصل في البين.

ه ـ عدم تحقق ذكر الله سبحانه من الذابح باعتبار عدم وجود ذابح في البين.

والكل لا يصلح للمانعية.

اما الاول فلعدم اعتبار وضع الحيوان على الارض حالة تذكيته لعدم الدليل على ذلك بل هو منفي باطلاق ما دلّ على الحلية عند تحقق فري الاوداج.

واما الثاني فلعدم الدليل على اعتبار استقرار الحياة بشكلها الطبيعي بل ذلك منفي بالاطلاق المتقدم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣١٦ الباب ٩ من أبواب الذبائح الحديث ٦.

١٥٨

واما الثالث فلعدم اعتبار السكين بعنوانه بل يكفي مطلق الحديد.

واما الرابع فلان الفاصل الزمني اذا كان قليلا ولم يكن مانعا عرفا من صدق مقارنة ذكر اسم الله عند ذبح الحيوان فلا مشكلة.

واما الخامس فباعتبار ان من يضغط على الزر الكهربائي يصدق عليه عرفا عنوان الذابح فاذا ذكر اسم الله ذلك الحين وكان مسلما حسب الفرض فلا تبقى مشكلة.

ب ـ النحر‌

تختص الابل من بين بقية الحيوانات بان تذكيتها لا تتحقق الا بالنحر ، وذلك بطعن الآلة الحديدية في لبتها (١) سواء كان ذلك حالة قيامها أم في غيرها من الحالات.

ولا بدّ من تحقق جميع الشرائط المتقدمة غير الاول منها.

والنحر خاص بالابل ولا تتحقق التذكية به في بقية الحيوانات.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان التذكية في الابل تتحقق بالنحر‌ فهو مما لا اشكال فيه. وتدل عليه الروايات المذكورة في باب الحج وان صاحب البدنة ينحرها ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا ...» (٢) وغيرها.

وكذلك لا اشكال في ان تذكية غير الابل لا تتحقق بالنحر ،

__________________

(١) اللبة : الموضع المنخفض في أعلى الصدر متصلا بالعنق.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ : ١٣٤ الباب ٣٤ من ابواب الذبح الحديث ٧.

١٥٩

وذلك لأمرين :

أ ـ الاصل ، حيث يشك في تحقق التذكية بالنحر ، والاصل عدمها.

ب ـ صحيحة صفوان : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن ذبح البقر من المنحر فقال : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي» (١) وغيرها.

وانما الاشكال في وجه عدم جواز تذكية الابل بالذبح بعد شمول اطلاق ادلة تحقق التذكية بفري الاوداج لها. ولا دليل يمكن التمسك به لتقييد الاطلاق المذكور سوى :

أ ـ التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : النحر في اللبة ، والذبح في الحلق» (٢).

وفيه : انها تدل على ان بعض الحيوانات تتحقق فيه التذكية بالنحر ولا تدل على ان هذا البعض لا تتحقق فيه التذكية بغير النحر.

ب ـ التمسك بقوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٣) ، فانه ظاهر في وجوب النحر وتعينه ، وحيث لا يجب نحر غير الابل فيثبت وجوب النحر فيها وتعينه.

وفيه : ان من المحتمل ان يكون المقصود من الامر في كلمة «وانحر» رفع اليدين بالتكبير حالة الصلاة ، كما دلت على ذلك بعض الاخبار (٤).

ج ـ التمسك برواية الشيخ الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : كلّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣١٢ الباب ٥ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٩ الباب ٣ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٣) الكوثر : ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ٧٢٥ الباب ٩ من ابواب تكبيرة الاحرام.

١٦٠