دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

٢ ـ حيوان البر‌

الحيوان الذي يعيش في البر تارة يكون اهليا واخرى وحشيا.

اما الاهلي فتحل منه الانعام الثلاث والخيل والبغال والحمير وان كانت الثلاثة الاخيرة مكروهة.

واما الوحشي فيحل منه البقر وكبش الجبل (١) والحمر الوحشية والغزلان واليحامير (٢).

وهل ينحصر الحل ـ في حيوان البر ـ بما ذكر؟ يشكل ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حلية الانعام الثلاث‌ فهي من ضروريات الدين. ويدل عليها مضافا الى ذلك :

أ ـ قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٣) ، (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

__________________

(١) كبش الجبل ـ على ما قيل ـ هو الضأن والمعز الجبليان.

(٢) اليحمور حيوان شبيه بالابل. وقيل هو دابة وحشية لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كل سنة.

(٣) النحل : ٥.

١٢١

حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ..) (١).

ب ـ وبقطع النظر عن ذلك يكفينا اصل الحل.

٢ ـ واما حلية لحم الخيل والبغال والحمير‌ فهي المشهور بين الاصحاب. ونسب الخلاف الى الشيخ المفيد والحلبي حيث حرّم الاول البغال والحمير والهجين من الخيل (٢) ، والثاني خصوص البغال (٣).

وتدل على الحلية ـ مضافا الى الاصل ـ صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الاهلية فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اكلها يوم خيبر وانما نهى عن اكلها في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس وانما الحرام ما حرّم الله في القرآن» (٤) ، وصحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن لحوم الخيل والبغال والحمير فقال : حلال ولكن الناس يعافونها» (٥) وغيرهما.

وفي مقابل ذلك نصوص دلت على النهي عن اكلها ، من قبيل صحيح ابن مسكان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام ... عن اكل الخيل والبغال فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ولا تأكلها الا ان تضطر اليها» (٦) ، وصحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن لحوم البراذين (٧)

__________________

(١) الانعام : ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٢) الهجين هو ما كان احد ابويه غير عربي.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٠ الباب ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٣ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٣ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٧) البرذون هو التركي من الخيل في مقابل العراب.

١٢٢

والخيل والبغال فقال : لا تأكلها» (١).

وذكر في الجواهر ان بالامكان ترجيح الطائفة الاولى باعتبار موافقتها للكتاب الكريم ومخالفتها للعامة (٢).

هذا ولكن المناسب الجمع بحمل الثانية على الكراهة فان الاولى صريحة في الجواز والثانية ظاهرة في التحريم ، والعرف يجمع بتأويل الظاهر بحمله على الكراهة بقرينة الصريح.

وعليه فالتعارض غير مستقر لا مكان الجمع العرفي بينهما ، ومعه لا تصل النوبة الى اعمال المرجحين السابقين فان اعمال المرجحات فرع التعارض المستقر ، والمفروض عدمه.

ومن خلال الجمع العرفي المتقدم اتضح وجه الحكم بكراهة اكل لحم الثلاثة.

٣ ـ واما ان الخمسة من الحيوان الوحشي يحل اكل لحمها‌ فلم يعرف فيه خلاف. ويدل عليه :

أ ـ أصل الحل بالبيان المتقدم في بداية البحث.

ب ـ النصوص الخاصة ، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «سألته عن ظبي او حمار وحش او طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمتى يؤكل؟ قال : كله ما لم يتغير اذا سمى ورمى» (٣) ، وصحيحة سعد بن سعد : «سألت الرضا عليه‌السلام عن اللامص فقال : وما هو؟ فذهبت أصفه فقال : أليس اليحامير؟ قلت : بلى ، قال : أليس تأكلونه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٤ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٦٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥.

١٢٣

بالخل والخردل والابزار؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به» (١) ، وصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال في إيل يصطاده رجل فيقطعه الناس والرجل يتبعه أفتراه نهبة (٢)؟ قال : ليس بنهبة وليس به بأس» (٣) ، فان الأيل هو بقر الجبل.

ويبقى كبش الجبل لا رواية خاصة فيه الا انه يمكن التمسك لا ثبات حليته بقوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) (٤) ، بناء على تفسير الأنثيين بالاهلي والوحشي ، بل حتى لو فسر بالذكر والانثى فبالامكان التمسك بالاطلاق.

٤ ـ واما وجه الاشكال في حصر حلّ حيوان البر بما ذكر‌ فباعتبار ان ادلة حلية ما تقدم لا يستفاد منها حصر الحل بذلك ، ومعه يبقى غيره على اصل الحل الا ما دل الدليل على تحريمه بعنوانه الخاص ، وهو ما يلي :

أ ـ نجس العين ، كالكلب والخنزير ، فان حرمة لحمه هي من لوازم نجاسته العينية ، كما هو واضح.

ب ـ السباع (٥) ، كالأسد والنمر والفهد والثعلب والضبع و... ولا خلاف في تحريمها. ويدل على ذلك صحيح داود بن فرقد عن ابي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٢.

(٢) أي هل يعدّ أخذ الناس له نهبا وغصبا محرما بعد فرض ان الرجل قد جرحه.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧٥ الباب ١٧ من أبواب الصيد الحديث ٢.

(٤) الانعام : ١٤٣.

(٥) السبع : كل حيوان مفترس. وقيل : هو كل حيوان له ظفر وناب. والناب هو السن الذي يتم به الافتراس.

١٢٤

عبد الله عليه‌السلام : «كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام» (١) ، وصحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يصلح اكل شي‌ء من السباع ، اني لا كرهه واقذره» (٢).

ومقتضى الصحيح الاول اعتبار وجود الناب بخلاف الصحيح الثاني فان مقتضاه عدم اعتبار ذلك على تقدير وجود سبع لا ناب له.

وقد يجمع بحمل المطلق على المقيد بناء على ثبوت المفهوم للمقيد.

وهو وجيه لو لا موثقة سماعة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المأكول من الطير والوحش فقال : حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الوحش فقلت : ان الناس يقولون : من السبع فقال لي : يا سماعة السبع كله حرام وان كان سبعا لا ناب له وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا تفضلا الى ان قال : وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام» (٣) الدالة على حرمة مطلق السبع.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يدل على عدم حرمة السبع ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سئل عن سباع الطير والوحش ... فقال : ليس الحرام الا ما حرم الله في كتابه ...» (٤) وغيرها ، الا انها ساقطة عن الحجية لهجران مضمونها بين الاصحاب.

ج ـ المسوخ ، كالقردة والخنازير و... ولا خلاف في تحريمها. وتدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٧ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٤ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٦.

١٢٥

على ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن اكل الضب فقال : ان الضب والفأرة والقردة والخنازير مسوخ» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «حرّم الله ورسوله المسوخ جميعها» (٢) وغيرهما.

د ـ الحشرات. وهي كل حيوان يأوي ثقوب الارض ، كالحية والعقرب والجرذ والفأرة و... ولم يعرف خلاف في حرمتها ، الا انه لا دليل على ذلك سوى رواية دعائم الإسلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «انه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الارض» (٣).

وتمامية الحكم المذكور تتوقف على احد الامور التالية :

الاول : ان الرواية وان كانت ضعيفة السند ـ باعتبار انها مرسلة بل هذا هو الطابع العام على روايات دعائم الإسلام ـ الا انها تعود حجة بناء على تمامية كبرى انجبار الرواية الضعيفة بفتوى المشهور على وفقها.

الثاني : البناء على حجية الشهرة الفتوائية كمدرك لإثبات الحكم الشرعي كما هو رأي المشهور بعد الالتفات الى ان حرمة الحشرات امر مشهور لو لم تكن مجمعا عليها.

الثالث : ان الحكم بحرمة الحشرات اجماعي ـ على ما قيل ـ والاجماع حجة بالرغم من كونه محتمل المدرك ، بتقريب ان المجمعين اما ان يكونوا قد استندوا الى رواية الدعائم ، وهذا يدل على حقانية مضمونها ، او لم يستندوا اليها ، وهذا يعني ان الاجماع تعبدي وقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٧٩ الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٠ الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٣) مستدرك وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٠.

١٢٦

وصل الحكم المجمع عليه يدا بيد من المعصوم عليه‌السلام.

وينبغي الالتفات الى ان من مصاديق الحشرات الديدان فهي محرمة على هذا ، الا انه ينبغي ان يستثنى من ذلك الديدان المتكونة في الفاكهة.

والوجه في ذلك اما القصور في المقتضي ، باعتبار ان الشهرة او الاجماع دليل لبي ينبغي الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو غير ذلك ، او لوجود المانع وهو انعقاد سيرة المتشرعة على التسامح مع ديدان الفاكهة.

هذه عناوين اربعة قد ثبت التحريم فيها.

وربما يضاف اليها خامس ، وهو عنوان الخبائث ويحكم بحرمة مثل الخنافس والخفاش والقمل وغيرها من جهته ـ حتى مع فرض عدم دخولها تحت احد العناوين السابقة ـ استنادا الى مثل قوله تعالى : (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (١).

وهو وجيه لو كان المراد من الخبائث ما تشمئز منه النفوس ولم يحتمل كون المراد منها الاعمال السيئة.

هذا وقد ادعي الاجماع على حرمة مثل الزنابير والذباب والبق والفراش والديدان وما شاكل ذلك.

ولعل النكتة كونها من الخبائث ، بل ان بعضها هو من المسوخ ـ على ما قيل ـ كالزنابير.

__________________

(١) الاعراف : ١٥٧.

١٢٧

٣ ـ الطيور‌

يحل كل حيوان طائر الا اذا :

أ ـ كان سبعا ، أي ذا مخلب.

ب ـ أو كان صفيفه اكثر من دفيفه (١).

ج ـ أو لم تكن له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية (٢).

والطير متى ما احرز حال صفيفه حكم بمقتضاه من دون ان تصل النوبة الى ملاحظة القانصة ونحوها وانما يلحظ ذلك في الطير الذي لا يعرف حال صفيفه.

وعليه فعند التعارض بين العلامة الثانية والثالثة تقدم الثانية.

__________________

(١) صفيف الطائر بسطه لجناحيه حالة طيرانه ، كما هو الحال في جوارح الطير. ودفيفه تحريكه لجناحيه.

(٢) القانصة هي للطير بمنزلة المصارين في غيره ، وتجتمع فيها الاجسام الصلبة ، ويعبر عنها في الفارسية ب «سنك دان».

والحوصلة للطير كالمعدة لغيره ، وتكون في آخر العنق عادة.

وهذان العضوان يختص بهما الطائر الذي يأكل الحبوب ليسهل عليه من خلالهما هضم ما يعسر هضمه. وهما مفقودان في جوارح الطيور التي تأكل اللحوم لان اللحم سريع الهضم.

والحبّ متى ما اجتمع في الحوصلة يلين من خلال افرازاتها الخاصة ويستعد للهضم في القانصة.

وقد قيل : ان افرازات القانصة تحلل ما كان في غاية الصلابة ، بل ان قانصة النعامة قابلة لتحليل الحديد.

هذا كله في القانصة والحوصلة.

واما الصيصة فهي شوكة خلف رجل الطائر خارجة عن قدمه ، وهي له بمنزلة الابهام للإنسان.

١٢٨

ويكفي عند فقدان العلامة الثانية وجود احد الامور الثلاثة ولا يلزم وجود جميعها.

ولا فرق في الاحكام المذكورة للطائر بين كونه طير بر او طير ماء.

وقد وقعت بعض الطيور الخاصة محلا للخلاف ، كالغراب واللقلق مثلا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان كل طائر هو محكوم بالحلية الا اذا انطبق عليه احد العناوين المذكورة‌

فلأن ذلك مقتضى اصل الحل.

٢ ـ واما حرمة السبع من الطائر‌ فهي مما لا يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة داود بن فرقد وموثقة سماعة المتقدمتان في الرقم ٤ من حيوان البر ـ وغيرهما.

٣ ـ واما حرمة ما يصفّ‌ فلم يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة زرارة : «سأل ابا جعفر عليه‌السلام عما يؤكل من الطير فقال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل ما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام ...» (٢) وغيرهما. والمراد كل ما دفّ اكثر ولا تأكل ما صفّ اكثر ـ كما فهم الفقهاء ـ وليس المراد ما كان كذلك دائما ، اذ كل ما يصف يدف أيضا والعكس بالعكس كما هو واضح.

٤ ـ واما حرمة الطائر الفاقد للقانصة والحوصلة والصيصة‌ فلم يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : الطير ما يؤكل منه؟ فقال : لا تأكل ما لم تكن له‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٢٠ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٢١ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٢.

١٢٩

قانصة» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من طير البر ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة ... والقانصة والحوصلة يمتحن بهما الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول» (٢) ، ورواية ابن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة» (٣).

وقد ورد في سند الاخيرة سهل. والامر فيه ان كان سهلا فلا مشكلة والا فحجيتها ـ من حيث علامية الصيصة التي لم ترد الا فيها ـ تبتني على القول بكبرى الانجبار.

٥ ـ واما ان العلامة الثالثة هي في طول فقدان العلامة الثانية‌ فيمكن استفادته من موثقة سماعة المتقدمة.

هذا ويمكن ان يقال : ان العلامتين المذكورتين متلازمتان في الوجود الخارجي عادة بل ان العلامة الثانية ملازمة للأولى أيضا ، فان اكثرية الصفيف هي من لوازم الطيور الجوارح ذات المخلب باعتبار قوتها بخلاف الدفيف فانه من لوازم الطير الضعيف الذي لا يكون من الجوارح.

وربما يقال اكثر من ذلك : وهو ان الميزان الاساسي في تحريم الطيور كونها من السباع ـ اي ذات مخلب ـ واما كثرة الصفيف فهي علامة على ذلك ، وفقدان الامور الثلاثة المتقدمة هو علامة على العلامة المذكورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٨ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

١٣٠

والوجه فيه :

اما بلحاظ ان فقدان الامور الثلاثة علامة على العلامة المذكورة فقد اتضح مما سبق.

واما ان اكثرية الصفيف لو حظت علامة على اثبات السبعية وان الملاك هو السبعية فيتضح بملاحظة موثقة سماعة المتقدمة في الرقم ٤ من حيوان البر حيث قالت في بدايتها : «حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي مخلب من الطير ...» (١) ، وهذا يدل على كون الميزان في التحريم كون الطير ذا مخلب ، ثم قالت في ذيلها : «وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام» ، وهذا يدل على اخذ الصفيف علامة على كون الطائر ذا مخلب والا فمن المعلوم عدم اعتبار الاجتماع ، بل قيل ان الوارد في بعض النسخ : «فهو ذو مخلب» (٢) وهو واضح فيما ذكرناه.

ويترتب على هذا انا لو علمنا بكون الحيوان ليس ذا مخلب فمجرد اكثرية الصفيف لا تكون موجبة لتحريمه.

٦ ـ واما الاكتفاء بأحد الثلاثة في ثبوت الحل للحيوان‌ فباعتبار ان ذكرها في الروايات متفرقة دليل على عدم اعتبار اجتماعها. هذا مضافا الى دلالة موثقة سماعة ورواية ابي بكير ـ المتقدمتين في الرقم ٤ ـ على ذلك بوضوح.

٧ ـ واما عدم الفرق بين طير البر وطير الماء في الاحكام المتقدمة‌ فباعتبار اطلاق النصوص المتقدمة ، بل ان رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له. قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٣٠٧.

١٣١

وسئل عن طير الماء فقال : مثل ذلك» (١) صريحة في التعميم.

٨ ـ واما الغراب‌ فمنشأ الخلاف في تحريمه اختلاف الروايات فيه ، فان صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «ان اكل الغراب ليس بحرام انما الحرام ما حرّم الله في كتابه ...» (٢) دلت على حليته ، في حين ان صحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الغراب الابقع والاسود أيحل اكلهما؟ فقال : لا يحل اكل شي‌ء من الغربان زاغ ولا غيره» (٣) دلت على حرمته.

والتعارض مستقر. والمناسب ترجيح الاولى لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...) (٤).

اجل لو لا المرجح المذكور كان المناسب التساقط والحكم بالحرمة تمسكا باطلاق الروايات الدالة على حرمة كل ما كان له مخلب ، حيث نقل وجود المخلب في جميع اقسام الغراب (٥).

هذا كله لو فرض حجية صحيحة زرارة في نفسها. اما اذا قلنا بعدم حجيتها ـ من باب هجران الاصحاب لمضمونها ، فانهم لم يلتزموا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٦ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٦ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

والابقع : هو ما خالط بياضه لون آخر.

والزاغ نوع من الغربان اسود صغير وقد يكون احمر المنقار والرجلين.

هذا وقد قيل بان الغراب على اربعة اقسام ، والزاغ والابقع هما من جملتها.

(٤) الانعام : ١٤٥.

(٥) جواهر الكلام ٣٦ : ٣٠٣.

١٣٢

بقاعدة ليس الحرام الا ما حرّم الله في كتابه ، كما تقدمت الاشارة الى ذلك عند البحث عن حرمة السباع ـ فتبقى صحيحة علي بن جعفر بلا معارض ويلزم الاخذ بمضمونها والحكم بالحرمة.

وبهذا اتضح ان الحكم بالحرمة هو المناسب على تقديرين ، والحكم بالحلية هو المناسب على تقدير واحد.

٩ ـ واما الخلاف في اللقلق‌ فليس لاختلاف النصوص فيه ـ فانه لا نص فيه بالخصوص ـ بل للاختلاف في تحقق ضوابط التحريم السابقة فيه وعدمه.

وقد قيل بوجود احدى العلامات الثلاث السابقة فيه فيلزم الحكم بحليته. وهذا وجيه اذا لم يثبت ان صفيفه اكثر ، اما اذا ثبت ذلك ـ كما ادعي ـ فالمناسب الحكم بالحرمة ولا ينفع وجود احدى الثلاث السابقة فيه لما تقدم.

٤ ـ ما يحرم من الحيوان المذبوح‌

اذا ذبح الحيوان الذي يحل اكله لم يجز تناول جملة من الاشياء منه هي :

الدم ، الخصيتان ، القضيب ، المثانة ، الغدد (١) ، الطحال ، المرارة.

وزاد المشهور اشياء اخرى ، كالفرج ، والمشيمة (٢) ، وخرزة الدماغ (٣) ،

__________________

(١) هي اجسام مدورة تشبه البندق.

(٢) وهي موضع الولد.

(٣) هي حبة بقدر الحمصة موجودة في وسط الدماغ.

١٣٣

والنخاع (١) ، والعلباءين (٢) ، وحدقة العين (٣) ، والفرث.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة السبعة الاولى‌ فهي ما عليه المشهور ، بل قد يدعى الاتفاق على حرمة الدم والخصيتين والقضيب والطحال. وتدل على ذلك صحيحة ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه‌السلام : «حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم ، والخصيتان ، والقضيب ، والمثانة ، والغدد ، والطحال ، والمرارة» (٤) وغيرها. بل ان حرمة الدم هي من ضروريات الإسلام. وقد دلّ على ذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) (٥) وغيره مما ورد في الكتاب الكريم.

ومقتضى الاطلاق حرمة الدم بجميع اقسامه بما في ذلك دم ما لا نفس له كالسمك.

اجل ينبغي ان يعفى من ذلك ما كان تابعا للّحم من دون ان يكون له وجود عرفي متميز ، بل قد يتأمل في حرمة دم السمك من هذه الناحية.

٢ ـ واما حرمة البقية‌ فقد دلت عليها روايات (٦) لا تخلو من ضعف‌

__________________

(١) هو خيط ابيض في وسط فقار الظهر.

(٢) هما عصبان ممتدان على الظهر من الرقبة الى الذنب.

(٣) وهي الحبة الناظرة منها لا جسم العين كله.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٧ الباب ٣٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

والسند بطريق الكليني اذا كان قابلا للمناقشة من ناحية عبيد الله الدهقان فهو بنقل البرقي في محاسنه لا اشكال فيه.

(٥) المائدة : ٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٧ الباب ٣١ من أبواب الأطعمة المحرمة.

١٣٤

سندي. وبناء على تمامية كبرى الانجبار يمكن الافتاء بمضمونها. بل ان المحقق مال الى التحريم في المثانة والمرارة والمشيمة من جهة كونها من الخبائث (١).

٥ ـ التحريم الطارئ‌

قد تعرض الحرمة على الحيوان المحلل بامور نذكر منها :

أ ـ الجلل ، بان يتغذى الحيوان على عذرة الانسان الى حدّ يصدق انها غذاؤه.

وتزول الحرمة بمنعه من التغذي بذلك الى ان يزول عنه اسم الجلل.

ب ـ وطء الانسان لحيوان ، فانه بذلك يحرم لحمه ولبنه ونسله. وقد قيل باختصاص التحريم بذوات الاربع.

ج ـ الموت ، بمعنى زهاق روح الحيوان من دون تذكية ، فانه بذلك يحرم بجميع أجزائه الا ما لا تحله الحياة ، كاللبن والبيضة اذا اكتست قشرها الاعلى والانفحة (٢).

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الجلال‌ فهي المشهور بين الاصحاب. وتدل عليها صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تأكل لحوم الجلالات‌

__________________

(١) شرايع الإسلام ٤ : ٧٥٢ ، انتشارات استقلال.

(٢) الانفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء ـ وقد تكسر ـ وتشديد الحاء وتخفيفها : شي‌ء اصفر يستخرج من بطن الجدي الراضع قبل ان يأكل فيعصر في صوف فيغلظ ويستعمل كخمرة للجبن. ويعبر عنه في الفارسية ب «پنيرمايه».

١٣٥

وان اصابك من عرقها فاغسله» (١) وغيرها.

ونسب الى الاسكافي والشيخ الحكم بالكراهة دون التحريم. ولا وجه له ـ على ما ذكر في الجواهر (٢) ـ سوى الاصل الذي لا بدّ من رفع اليد عنه بالصحيحة.

وعن السبزواري الميل الى الكراهة أيضا بتقريب ان مستند التحريم اخبار لا تدل الا على الرجحان ، وهي معارضة في الوقت نفسه بالعمومات الدالة على الحل (٣).

وفيه : ان النهي ظاهر في التحريم ، ومعه لا مجال للعمل بالعمومات للزوم رفع اليد عن العموم بعد وجود المخصص له.

٢ ـ واما قصر الجلال على ما تغذى بعذرة الانسان وعدم التعميم لما تغذى بغيرها من النجاسات‌ فلانه اذا لم يجزم بكون ذلك هو معنى الجلاّل لغة فلا أقل من كونه القدر المتيقن ، ويبقى الزائد مشمولا لأصل البراءة بعد عدم امكان التمسك بالعموم لكونه تمسكا به في الشبهة المصداقية ، وهو لا يجوز ، لان الحكم لا يتكفل اثبات موضوعه.

وبكلمة اخرى : ان المورد داخل تحت الشبهة المفهومية الناشئة من تردد المفهوم بين السعة والضيق ، وفي مثله ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن ويجري في الزائد المشكوك اصل البراءة.

٣ ـ واما التقييد بما اذا كان التغذي الى حدّ يصدق ان ذلك غذاؤه‌ فلانه من دون ذلك ان لم يجزم بعدم صدق عنوان الجلال فلا أقل من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣١ الباب ٢٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٧٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٧٣.

١٣٦

الشك ، وهو كاف في عدم تطبيق حكم الجلال لدخول المورد تحت الشبهة المصداقية التي لا يجوز فيها التمسك بالعموم.

٤ ـ واما زوال التحريم بمنع الحيوان من التغذي بذلك الى

ان يزول عنه اسم الجلل‌ فلان النهي كان متعلقا بعنوان الجلل فاذا زال زال.

واما تحديد الفترة بمقدار معين ـ كأربعين يوما في الناقة وعشرين في البقرة و... ـ فمستنده اخبار ضعيفة فلاحظ (١).

٥ ـ واما حرمة موطوء الانسان‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، وعن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وعن اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم موسى عليه‌السلام : «الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا : ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت فاذا ماتت احرقت بالنار ولم ينتفع بها وضرب هو خمسة وعشرين سوطا ربع حد الزاني ...» (٢) ، وموثقة سماعة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي بهيمة : شاة أو ناقة أو بقرة فقال : عليه ان يجلد حدا غير الحد (٣) ثم ينفى من بلاده الى غيرها. وذكروا (٤) ان لحم تلك البهيمة محرم ولبنها» (٥) وغيرهما.

ويمكن ان يستفاد من الصحيحة حرمة النسل ، حيث قالت : «ولم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٣ الباب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٧٠ الباب ١ من ابواب نكاح البهائم الحديث ١.

(٣) أي يحد أقل من حدّ الزنا ، فان الزاني يحدّ بمائة في حين ان هذا يحد بخمسة وعشرين سوطا ربع حد الزاني.

(٤) قال المجلسي : اي الائمة عليهم‌السلام. ثم قال : ولعله من كلام يونس او سماعة.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٧١ الباب ١ من ابواب نكاح البهائم الحديث ٢.

١٣٧

ينتفع بها».

٦ ـ واما اختصاص التحريم بذوات الاربع‌ فقد صار اليه جماعة باعتبار ان ذلك هو المنصرف عرفا من كلمة البهيمة ، ومعه يتمسك في غير ذلك بأصل البراءة.

٧ ـ واما حرمة الميتة فامر‌ متسالم عليه بل هو من ضروريات الدين. قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ ... وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (١). وفي الذيل دلالة واضحة على حصر الحل بالمذكى وكون المراد من الميتة غير المذكى لا خصوص ما مات حتف انفه.

ثم ان حرمة الميتة لا تختص بما كان له نفس سائلة بل تعم غيره كالسمك مثلا لإطلاق دليل التحريم ، اجل تختص النجاسة بميتة ذي النفس الا ان ذلك مطلب آخر.

٨ ـ واما استثناء ما ذكر من حرمة الميتة‌ فلصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : لا بأس به. قلت : والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة فقال : كل هذا لا بأس به» (٢) وغيرها.

وانما قيدنا البيضة بما اذا اكتست القشر الاعلى فلموثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال :

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٤٩ الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١٠.

١٣٨

ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٤٨ الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٦.

ومن جملة روايات المسألة ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ٦ : ٢٥٦ بسنده الى ابي حمزة الثمالي قال : «كنت جالسا في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ اقبل رجل فسلّم فقال : من أنت يا عبد الله؟ قلت : رجل من اهل الكوفة. فقلت : ما حاجتك فقال لي : أتعرف ابا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام فقلت : نعم فما حاجتك إليه؟ قال : هيّأت له اربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته ، قال ابو حمزة : فقلت له : هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ قال : نعم ، فقلت له : فما حاجتك إليه اذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟! فقال لي : يا اهل الكوفة انتم قوم لا تطاقون اذا رأيت ابا جعفر عليه‌السلام فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتى اقبل ابو جعفر عليه‌السلام وحوله اهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه. قال ابو حمزة : فجلست حيث اسمع الكلام وحوله عالم من الناس ، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت الى الرجل فقال له : من انت؟ قال : انا قتادة بن دعامة البصري فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : أنت فقيه اهل البصرة؟ قال : نعم ، فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : ويحك يا قتادة ان الله عز وجل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا على خلقه فهم اوتاد في ارضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه ، قال : فسكت قتادة طويلا ثم قال : اصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له ابو جعفر عليه‌السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] فانت ثمّ ونحن اولئك. فقال له قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين. قال قتادة : فاخبرني عن الجبن ، قال : فتبسم ابو جعفر عليه‌السلام ثم قال : رجعت مسائلك الى هذا؟ قال : ضلت عليّ فقال : لا بأس به فقال : انه ربما جعلت فيه انفحة الميت قال : ليس بها بأس ان الانفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم انما تخرج من بين فرث ودم. ثم قال : وانما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة فقال قتادة : لا ولا آمر بأكلها فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : ولم؟ فقال : لأنها من الميتة ، قال له : فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرّم عليك البيضة وحلّل لك الدجاجة ...»

١٣٩
١٤٠