دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-037-4
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٣٥٩

خلال عدم ثبوت الردع عنها.

هذا مضافا الى امكان استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن العرزمي عن ابي عبد الله عن ابيه عليهما السّلام : «المنبوذ حر ، فاذا كبر فان شاء توالى الى الذي التقطه والا فليرد عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء» (١) الدالة على لزوم رد النفقة بعد البلوغ اذا اراد ان يوالي الغير.

٤ ـ من احكام الضالة‌

الحيوان المملوك للغير اذا عثر عليه في الصحراء ونحوها من الامكنة التي لا يؤمن فيها من السباع ونحوها وكان قادرا على حفظ نفسه ـ اما لكبر جثته او سرعة عدوه كالبعير ونحوه ـ فلا يجوز اخذه ، ومن فعل ذلك كان ضامنا له ولا تبرأ ذمته من ضمانه الا بدفعه الى مالكه ، ولا يزول الضمان عنه بارساله في الموضع الذي اخذ فيه ، ويلزم تعريفه ، ومع اليأس من الوصول الى مالكه ومعرفته يتصدق به.

واذا كان لا يقدر على حفظ نفسه ـ كما في الشاة ونحوها ـ فلا يجب اخذه وان جاز ويلزم تعريفه في موضع الالتقاط ، ومع عدم معرفة صاحبه يجوز التصرف فيه بالاكل ونحوه مع ضمان قيمته بعد ذلك لو عاد صاحبه ولم يرض بما حصل.

واذا عثر على الحيوان في الامكنة العامرة التي يؤمن فيها من السباع عادة فلا يجوز اخذه ، ومع الاخذ يضمن ، ويلزم تعريفه ويبقى الى ان يؤدى الى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٧١ الباب ٢٢ من أبواب اللقطة الحديث ٣.

١٠١

مالكه ، ومع اليأس عنه يتصدق به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز اخذ الحيوان في الصحراء ونحوها ما دام قادرا على حفظ نفسه‌

فهو مقتضى قاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير ما دام لا يحرز طيب نفسه ، المستندة الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه» (١).

هذا مضافا الى دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشاة الضالة بالفلاة فقال للسائل : هي لك او لأخيك او للذئب. قال : وما احب ان امسها. وسئل عن البعير الضال فقال للسائل : ما لك وله ، خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، خل عنه» (٢) وغيرها على ذلك. والسؤال في ذيلها وان كان خاصا بالبعير الا ان الجواب يستفاد منه العموم لكل حيوان قادر على حفظ نفسه.

٢ ـ واما ضمان من اخذ الحيوان القادر على حفظ نفسه‌ فهو مقتضى قاعدة على اليد الثابتة بالسيرة العقلائية الممضاة من خلال عدم الردع عنها.

٣ ـ واما بقاء الضمان بعد الاخذ الى ان يتم تسليمه الى مالكه ولا يكفي ارساله‌ فلقضاء قاعدة على اليد بذلك وان الضمان يستمر الى ان يتمّ التسليم بشكل كامل الى المالك.

٤ ـ واما لزوم تعريف الحيوان‌ فلانه مقدمة للإيصال الى المالك المفروض وجوبه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٤٢٤ الباب ٣ من ابواب مكان المصلي الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٤ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٥.

١٠٢

واما انه مع اليأس عنه يتصدق به فلان ذلك حكم مجهول المالك على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

٥ ـ واما ان الحيوان اذا كان لا يقدر على حفظ نفسه فلا يجب اخذه‌ فلان الحفاظ على مال الغير لا دليل على وجوبه.

واما جواز اخذه ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة عدم جوازه ـ فلصحيحة معاوية المتقدمة. وموردها وان كان خاصا بالشاة الا ان المستفاد من الجواب التعميم لغيرها.

واما لزوم تعريفه فلانه مقدمة للإيصال الى المالك المفروض وجوبه. هذا مضافا الى دلالة صحيحة علي بن جعفر ـ المتقدمة في احكام اللقطة الرقم ٣ ـ على ذلك. وهي كما تدل على لزوم التعريف تدل أيضا على جواز الانتفاع مع الضمان.

٦ ـ واما انه لا يجوز اخذ الحيوان الضائع في الامكنة العامرة‌ فهو مقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير من دون احراز طيب نفسه.

واما انه يضمن مع الاخذ ويلزم تعريفه ويبقى الضمان الى ان يؤدى الى المالك ومع اليأس عنه يتصدق به فقد اتضح مما تقدم.

٥ ـ من احكام مجهول المالك‌

عنوان اللقطة لا يرادف عنوان مجهول المالك.

وحكم اللقطة ما تقدم ، في حين ان حكم المال المجهول مالكه هو الفحص عنه الى حدّ اليأس ـ من دون تقيد بمدّة سنة ـ فان تحقق تصدق به.

١٠٣

واذا كان المالك معلوما وتعذر الوصول اليه وكسب الاجازة منه في تحديد كيفية التصرف فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

وعليه فمن أخذ قلما او مسبحة او غير ذلك من الغير لقضاء حاجة فعلية له ولم يعرف ممن اخذ ذلك او كان يعرفه ولكن لا يعرف خبره فحكمه حكم مجهول المالك دون اللقطة.

وهكذا الحال في من اودع بعض اثاث بيته في دار شخص وسافر من دون ان يعرف خبره فانه يلزم تطبيق حكم مجهول المالك عليه دون اللقطة.

وهكذا الحال في سائر الأمثلة التي لا يكون فيها عنوان الضياع متحققا.

ومن خلال هذا يتضح الحال في من تبدل حذاؤه او عباءته اشتباها فانه يجري في مثل ذلك حكم مجهول المالك ولا يجوز التصرف الا مع احراز رضا المالك. وفي جواز المقاصة اشكال خصوصا اذا كان الاشتباه منه لا من الغير.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان عنوان اللقطة عنوان آخر يغاير عنوان مجهول المالك‌ فواضح ، اذ اللقطة فرد من افراد مجهول المالك ولا تصدق عرفا الا مع الضياع. وقد رتب عليها شرعا حكم خاص ، وهو وجوب الفحص عن المالك لمدة سنة ثم مع عدم العثور عليه يتخير بين امور ثلاثة حسبما تقدم حتى مع فرض عدم اليأس من العثور عليه ، وهذا بخلاف عنوان مجهول المالك غير اللقطة فان الفحص عن مالكه لازم من دون تقيد بمدة سنة بل المدار ـ حسبما هو المختار لجملة من الاصحاب وتدل عليه بعض الروايات الآتية ـ على اليأس منه ، ومع تحققه لا يتخير بين الامور الثلاثة بل يتعين التصدق.

١٠٤

٢ ـ واما الفرق بين اللقطة ومجهول المالك في الحكم‌ فمستنده :

اما بالنسبة الى اللقطة فهو ما تقدم من الروايات.

واما بالنسبة الى مجهول المالك فهو ما يظهر من بعض الروايات ، كصحيحة يونس بن عبد الرحمن : «سئل ابو الحسن الرضا عليه‌السلام وانا حاضر ... رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الى منزله ورحلنا الى منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شي‌ء نصنع به؟ قال : تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة. قال : لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع. قال : اذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه. قال له : على من جعلت فداك؟ قال : على اهل الولاية» (١) ، وصحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحي هو أم ميت ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا. قال : اطلب. قال : فان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال : اطلبه» (٢).

بل يمكن التمسك لا ثبات وجوب الفحص في مجهول المالك الى حد اليأس بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (٣).

٣ ـ واما تعميم حكم مجهول المالك للمال المعلوم مالكه مع تعذر الوصول اليه‌ فباعتبار ان مورد الروايات السابقة هو معلوم المالك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٧ الباب ٧ من أبواب اللقطة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٨٣ الباب ٦ من ابواب ميراث الخنثى الحديث ٢.

وسند الصحيحة الذي سجله الحر في الوسائل ضعيف ـ لعدم ثبوت وثاقة ابن عون وابي ثابت ـ الا ان هناك سندا آخر صحيحا أشار اليه الشيخ في تهذيبه ٦ : ١٨٨.

(٣) النساء : ٥٨.

١٠٥

وانما تعدينا الى مجهول المالك لأجل الغاء الخصوصية عرفا.

٤ ـ واما اعتبار تعذر كسب الاجازة من المالك المعلوم‌ فباعتبار انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه فاذا امكن كسب الاجازة في تحديد كيفية التصرف فلا يجوز من دونه.

٥ ـ واما الحكم المذكور لتبدل العباءة او الحذاء‌ فواضح اذ مع احراز رضا المالك بالتصرف بنحو خاص فلا تعود مشكلة ، ومع عدم احراز ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك.

واما وجه الاشكال في جواز المقاصة فباعتبار ان مستندها خاص بمورد التعمد والمفروض في محل كلامنا هو الاشتباه فلاحظ صحيحة داود بن رزين : «قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه» (١).

واما اوضحية الاشكال في جواز المقاصة في حالة كون الاشتباه من الشخص نفسه دون الغير فباعتبار ان مستند جواز المقاصة على تقدير عمومه لحالة الاشتباه خاص بما اذا كان الاشتباه من الغير لا من الشخص نفسه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٠١ الباب ٨٣ من ابواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٠٦

كتاب الاقرار‌

١ ـ حقيقة الاقرار ومدرك حجيته‌

٢ ـ من أحكام الاقرار‌

١٠٧
١٠٨

١ ـ حقيقة الاقرار ومدرك حجيته‌

الاقرار اخبار الشخص عن حق ثابت عليه او نفي حق له على غيره.

وهو حجة ونافذ على المقر بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الاقرار ما ذكر‌ فمما لا تأمل فيه ، فان لفظ الاقرار ـ بناء على كون مدرك حجية الاقرار لفظيا ـ ظاهر عرفا فيما ذكرناه. واذا كان مدرك الحجية هو السيرة العقلائية فهي تقتضي ثبوت الحجية للإقرار بالمعنى المذكور.

ثم ان لازم كون الاقرار اخبارا خروجه عن العقود والايقاعات وكونه شيئا ثالثا في مقابلهما كما هو واضح.

وينبغي التفرقة بين قاعدة حجية الاقرار وقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به ، فان معنى الاولى : ان من أقرّ على نفسه بشي‌ء كان ملزما به ، في حين ان معنى الثانية : ان من كان له الحق في تصرف معين فاخباره عن تحققه نافذ ، فالزوج ما دام له الحق في طلاق زوجته‌

١٠٩

فاخباره عن تحققه نافذ ، والوكيل في بيع دار ونحوها بما ان له الحق في ايقاع ذلك فاخباره عن تحققه نافذ.

٢ ـ واما ان الاقرار حجة على المقر وملزم به‌ فلا ينبغي التأمل فيه للسيرة العقلائية على ذلك. وهي حجة بسبب عدم الردع عنها الكاشف عن امضائها.

هذا هو مدرك حجية اقرار العاقل على نفسه.

واما الحديث المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١) فلا وجود له في كتب الحديث وانما هو مذكور في الكتب الاستدلالية لفقهائنا ـ من دون سند ـ كما اشار الى ذلك الحر العاملي (٢).

ودعوى صاحب الجواهر انه حديث نبوي مستفيض او متواتر لا نعرف وجهها (٣) ، فانه لم يثبت كونه حديثا ليكون مستفيضا او متواترا.

واما شهرة العمل به ـ على تقدير كونه حديثا ـ فهي لو تمت صغرى وكبرى فلا يمكن الاعتماد عليها في المقام لاحتمال ان استنادهم اليه ليس لكونه حديثا صادرا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقا بل لان مضمونه مضمون عقلائي لا يحتاج الى رواية.

وعليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية.

واما الاستدلال على حجية الاقرار بمثل قوله تعالى : (أَأَقْرَرْتُمْ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٣ الباب ٣ من ابواب الاقرار الحديث ٢ ، مستدرك الوسائل (نقلا عن عوالي اللآلي) ١٣ : ٣٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٣.

(٣) جواهر الكلام ٣٥ : ٣.

١١٠

وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا) (١) ، (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) (٢) ، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣) فهو كالاستدلال بحكم العقل ـ بتقريب ان العاقل حيث انه لا يكذب على نفسه بما يضره فاذا اقرّ على نفسه بشي‌ء حصل القطع بصدق المضمون المقر به ـ لا يخفى ما فيه.

٢ ـ من احكام الاقرار‌

لا يلزم الشخص باقراره الا اذا كان اخباره ـ بثبوت الحق عليه او انتفائه عنه ـ بنحو الجزم دون الاحتمال او الظن.

ولا يكون الاقرار حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر دون الآثار التي هي في صالحه او التي هي مرتبطة بالغير وهو أجنبي عنها.

ولا تختص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين بل يكفي كل ما يدل عليه ولو بالاشارة او الدلالة الالتزامية.

ولو عقّب المقر اقراره بما يضاده فان كان ذلك تراجعا منه عن اقراره فلا ينفذ بخلاف ما اذا كان تفسيرا وتوضيحا.

ولو قال المقر هذا الشي‌ء لفلان ثم قال بل لفلان فالمشهور ذهب الى لزوم دفعه الى الاول وغرامة قيمته للثاني.

ولو قال لفلان عليّ مال ألزم بتوضيحه.

ومن ادعى زوجية امرأة وصدّقته قبل ذلك منه. ولو انكرت ذلك ولم تكن‌

__________________

(١) آل عمران : ٨١.

(٢) التوبة : ١٠٢.

(٣) الاعراف : ١٧٢.

١١١

له بينة ألزم بترتيب ما عليه من الآثار.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاقرار لا يكون ملزما للمقر الا اذا كان بنحو الاخبار الجازم‌ فلقصور السيرة عن الشمول الا لمثل ذلك. ولا أقلّ من الشك في الشمول ، وهو كاف في اثبات المطلوب.

٢ ـ واما ان الاقرار لا يكون حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر‌ فباعتبار ان الاقرار على النفس لا يصدق الا بلحاظ ذلك.

ومنه يتضح لزوم التفكيك في كل اقرار بلحاظ آثاره فيلزم المقر بالآثار التي هي في ضرره دون غيرها ، فلو أقر بابوة شخص له ألزم بالانفاق عليه دون العكس.

٣ ـ واما عدم اختصاص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين وكفاية الاشارة والدلالة الالتزامية‌ فلإطلاق السيرة العقلائية من هذه الناحية.

٤ ـ واما التفصيل ـ فيما لو عقّب المقر اقراره بما يضاده ـ بين ما كان تراجعا فلا يقبل وبين ما اذا كان تفسيرا فيقبل‌ فلاقتضاء السيرة ـ التي هي المستند لحجية الاقرار ـ لذلك.

٥ ـ واما انه لو قال المقر هذا الشي‌ء لفلان ثم قال بل لفلان دفع الى الاول وغرم قيمته للثاني‌ فقد علله المشهور بان دفع العين للأول هو باعتبار حجية الاقرار الاول ، ودفع القيمة الى الثاني هو باعتبار ان المقر باقراره الاول قد حال بينه وبينها فهو كالمتلف.

٦ ـ واما ان المقر يلزم بالتوضيح لو قال لفلان عليّ مال‌ فباعتبار ان ذمة المقر لما ثبت اشتغالها بالمال بمقتضى الاقرار فمن اللازم‌

١١٢

تفريغها ـ على تقدير المطالبة ـ وهو لا يتحقق الا بذلك.

٧ ـ واما ان من ادعى زوجية امرأة وصدّقته قبل ذلك منهما وحكم بالزوجية‌ فلقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» الثابتة بالسيرة العقلائية.

واما ان المرأة لو أنكرت ألزم بترتيب الآثار التي هي عليه ـ كحرمة التزويج بأمّها أو أختها ـ فباعتبار حجية الاقرار على النفس. واما بقية الآثار ـ كجواز النظر ونحوه ـ فحيث انه لا تدخل تحت القاعدة المذكورة فتعود بلا مثبت.

اجل بالنسبة الى الانفاق بالخصوص يمكن ان يقال بعدم وجوبه لأنه مقابل التمكين ـ اذ مع عدمه تكون ناشزا ، وهي لا نفقة لها ـ المفروض عدمه.

١١٣
١١٤

كتاب الأطعمة والأشربة‌

١ ـ حيوان البحر

٢ ـ حيوان البر

٣ ـ الطيور

٤ ـ ما يحرم من الحيوان المذبوح

٥ ـ التحريم الطارئ‌

١١٥
١١٦

افراد ما يحرم تناوله

ما يحرم تناوله تارة يكون من الحيوان واخرى من غيره. ونقصر الحديث ـ خوف الاطالة ـ على الاول.

والحديث يقع تاره عن حيوان البحر ، واخرى عن حيوان البر ، وثالثة عن الطيور ، ورابعة عما يحرم من الحيوان المذبوح ، وخامسة عن التحريم الطارئ على الحيوان في حالات معينة.

١ ـ حيوان البحر‌

كل حيوان يعيش في الماء محرم ما عدا قسمين : السمك الذي له فلس (١) ، والطيور المائية.

واذا شك في وجود الفلس بني على الحرمة. اما اذا شك في فلسية الموجود بني على الحلية.

__________________

(١) وقد عبّر عن الفلس في الروايات بالقشر.

١١٧

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انحصار الحلية في الحيوانات التي تعيش في الماء‌ بما تقدم فمرجعه الى دعويين :

الاولى : حلية السمك الذي له فلس ، والطيور المائية.

الثانية : حرمة ما عدا ذلك.

اما بالنسبة الى الدعوى الاولى فيدل عليها امران :

أ ـ التمسك بأصل الحل ـ الذي هو الاصل الاولي في الاشياء ـ المستند الى مثل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...) (١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن امتي ... ما لا يعلمون» (٢) ، وغير ذلك.

ب ـ الروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : رحمك الله انا نؤتى بسمك ليس له قشر فقال : كل ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله» (٣) وغيرها.

هذا بالنسبة الى السمك.

واما الطيور فيأتي التحدث عنها تحت عنوان الطيور إن شاء الله تعالى.

واما بالنسبة الى الدعوى الثانية فهي متسالم عليها بين الاصحاب وان نسب صاحب الجواهر الى بعض متأخري المتأخرين الوسوسة في ذلك بل الميل الى الحلّ في الجملة. وربما ينسب ذلك الى الشيخ‌

__________________

(١) الانعام : ١٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٧ الباب ٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

١١٨

الصدوق أيضا ولكنه لم يثبت (١).

وعلى اي حال يمكن التمسك لذلك بموثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الربيثا فقال : لا تأكلها فانا لا نعرفها في السمك يا عمار» (٢).

ان قلت : ان الربيثا التي هي مورد الموثقة قد وردت روايات تدل على حليتها من قبيل صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع : «كتبت الى ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : اختلف الناس عليّ في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه‌السلام : لا بأس بها» (٣). ولازم ذلك حمل النهي عن أكلها على الكراهة ، ومعه فكيف يتمسك بالتعليل؟

قلت : ان ذلك لا ينافي حجية التعليل وجواز التمسك به ، فانه على اي حال يستفاد منه عدم حلية غير السمك ، غايته بالنسبة الى خصوص الربيثا يلتزم بحليتها وان لم تكن من السمك (٤) للروايات الصريحة في جوازها.

٢ ـ واما تقييد حلية السمك بما اذا كان ذا فلس‌ فهو المعروف بين الاصحاب بل كاد يكون ذلك متسالما عليه بينهم. وتدل عليه الروايات الكثيرة التي من جملتها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

الا ان في مقابل ذلك روايات تستفاد منها حلية ما ليس له فلس ، كصحيحة محمد بن مسلم الاخرى : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الجري‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٤٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٨ الباب ١٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٧ الباب ١٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٤) بيد ان الفيض الكاشاني في الوافي ١٩ : ٤٢ ذكر ان الربيثا نوع من السمك.

١١٩

والمارماهي والزمّير وما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ قال لي : يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الانعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ...) (١) قال : فقرأتها حتى فرغت منها فقال : انما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ولكنهم قد كانوا يعافون اشياء فنحن نعافها» (٢) وغيرها.

وقد يجاب عنها اما بانه لا اعتبار بها بعد كثرة الروايات الدالة على تقيّد الحل بالفلس او بلزوم حملها على التقية.

وكلاهما كما ترى ، فان الجمع العرفي ـ بالحمل على الكراهة ـ ما دام ممكنا فلا تصل النوبة الى ما ذكر ، فان ذلك فرع التعارض المستقر المفروض عدمه.

وعليه فلا مناص لأجل ردها الا دعوى تسالم الاصحاب على خلافها وهجرانهم لمضمونها حتى قال صاحب الجواهر : «لا تنبغي الوسوسة في الحكم المذكور خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب» (٣).

٣ ـ واما انه اذا شك في وجود الفلس يبنى على الحرمة‌ فلاستصحاب عدمه.

واما انه اذا شك في فلسية الموجود يبنى على الحلية فلان مرجع الشك المذكور الى الشك في سعة الحرمة وشمولها لمثل الحيوان المذكور فيبنى على البراءة.

__________________

(١) الانعام : ١٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٤ الباب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٢٠.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٥٠.

١٢٠