كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

الإمام عليه‌السلام من الوقف.

الجواب عن رواية جعفر بن حنّان

والجواب : أمّا عن رواية جعفر ، فبأنّها (١) إنّما تدلّ على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم ، لا لمجرّد كون البيع أنفع ، فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدّم عن ظاهر النزهة (٢). وسيجي‌ء الكلام في هذا القول.

بل يمكن أن يقال : إنّ المراد بكون البيع خيراً لهم : مطلق النفع الذي يلاحظه الفاعل ليكون منشأ لإرادته ، فليس مراد الإمام عليه‌السلام بيان اعتبار ذلك تعبّداً ، بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل ، يعني : إذا كان الأمر على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز ، كما يقال : إذا أردت البيع ورأيته أصلح من تركه فبِع ، وهذا ممّا لا يقول به أحد.

جواب العلّامة عن الرواية

ويحتمل أيضاً أن يراد من «الخير» خصوص (٣) رفع الحاجة التي فرضها السائل.

وعن المختلف (٤) وجماعة (٥) الجواب عنه (٦) بعدم ظهوره في المؤبّد ؛

__________________

(١) في «ف» : «أنّها» ، وفي «ص» : بأنّها.

(٢) تقدّمت عبارة النزهة في الصفحة ٤٧.

(٣) في غير «ف» : هو خصوص.

(٤) المختلف ٦ : ٢٨٩.

(٥) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٩ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٦٧ ، والصيمري في غاية المرام (مخطوط) ١ : ٤٨٧ ، والمحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٤٥.

(٦) كذا ، والمناسب تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى «رواية جعفر» ، وهكذا الكلام في الضميرين الآتيين.

٨١

لاقتصاره على ذكر الأعقاب.

المناقشة في الجواب المذكور

وفيه نظر ؛ لأنّ الاقتصار في مقام الحكاية لا يدلّ على الاختصاص ؛ إذ يصحّ أن يقال في الوقف المؤبّد : إنّه وقفٌ على الأولاد مثلاً ، وحينئذٍ فعلى الإمام عليه‌السلام أن يستفصل إذا كان بين المؤبّد وغيره فرق في الحكم ، فافهم.

وكيف كان ، ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الإشكال على جواز البيع بمجرّد الأنفعيّة إشكال ، مع عدم الظفر بالقائل به (١) ، عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدّمة (٢).

الجواب عن رواية الحميري

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري.

ثمّ لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأوّل البائع يتصرّف فيه على ما شاء.

مخالفة الروايتين للقواعد

ومنه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد ؛ فإنّ مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك ، كما تقدّم من استحالة كون بدله ملكاً لخصوص البائع (٣) ، فيكون تجويز البيع في هذه الصورة والتصرّف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حقّ اللاحقين آناً ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقّق ببيع الواهب لئلاّ يقع البيع على المال المشترك ، فيستحيل كون بدله مختصّاً.

__________________

(١) به» من «ف».

(٢) تقدّمت في الصفحة ٤٣ ٤٤.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٦٥.

٨٢

٥ ـ إذا لحقت الموقوف عليهم ضرورة شديدة

الصورة الخامسة : أن يلحق الموقوفَ عليهم ضرورةٌ شديدة.

وقد تقدّم عن جماعةٍ تجويز البيع في هذه الصورة (١) ، بل عن الانتصار والغنية : الإجماع عليه (٢). ويدلّ عليه رواية جعفر المتقدّمة (٣).

الاستدلال برواية جعفر بن حنّان على جواز البيع والمناقشة فيه

ويردّه : أنّ ظاهر الرواية أنّه يكفي في البيع عدم كفاية غلّة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم ، كما لا يخفى. وهذا أقلّ مراتب الفقر الشرعي. والمأخوذ في (٤) عبائر من تقدّم من المجوّزين اعتبار الضرورة والحاجة الشديدة ، وبينها وبين مطلق الفقر عموم من وجه ؛ إذ قد يكون فقيراً ولا يتّفق له حاجة شديدة ، بل مطلق الحاجة ؛ لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه. وقد يتّفق الحاجة والضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على مئونة سنته ، فالرواية بظاهرها غير معمول بها.

مع أنّه قد يقال : إنّ ظاهر الجواب جواز البيع بمجرّد رضا الكلّ وكون البيع أنفع ولو لم يكن حاجة.

الاشكال في الاجماع المدّعي على الجواز

وكيف كان ، فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة إلاّ الإجماعان المعتضدان بفتوى جماعة ، وفي الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع‌

__________________

(١) راجع عباراتهم في الصفحة ٤٣ ٥٢.

(٢) الانتصار : ٢٢٦ ٢٢٧ ، والغنية : ٢٩٨ ، وتقدّمت عبارتهما في الصفحة ٤٥ ٤٧.

(٣) وهي رواية جعفر بن حنان ، المتقدّمة في الصفحة ٧٨.

(٤) في غير «ف» : من.

٨٣

وعن قاعدة وجوب كون الثمن على تقدير البيع غير مختصّ بالبطن الموجود مع وهنه (١) بمصير جمهور المتأخّرين وجماعةٍ من القدماء (٢) إلى الخلاف ، بل معارضته (٣) بالإجماع المدّعى في السرائر (٤) إشكال.

٦ ـ اذا اشترط الواقف بيع الوقف

الصورة السادسة : أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة ، أو إذا كان فيه مصلحة البطن الموجود أو جميع البطون ، أو عند مصلحةٍ خاصّةٍ على حسب ما يشترط.

اختلاف الفقهاء في المسألة

فقد اختلف كلمات العلاّمة ومن تأخّر عنه في ذلك.

فقال في الإرشاد : ولو شرط بيع الوقف عند حصول الضرر كالخراج والمؤن من قبل الظالم وشراء غيره بثمنه ، فالوجه الجواز (٥) ، انتهى.

كلمات العلّامة في الإرشاد والقواعد

وفي القواعد : ولو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج وشبهه وشراء غيره بثمنه ، أو عند خرابه وعطلته ، أو خروجه عن حدّ الانتفاع ، أو قلّة نفعه ، ففي صحّة الشرط إشكال. ومع البطلان ، ففي إبطال الوقف نظر (٦) ، انتهى.

__________________

(١) كذا ، والمناسب تثنية الضمير ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٢) تقدّم عن الإسكافي في الصفحة ٣٩ ، وعن القاضي في الصفحة ٤٠ ، وعن الحلبي والصدوق في الصفحة ٤١.

(٣) كذا ، والمناسب تثنية الضمير ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٤) تقدّم كلامه في الصفحة ٣٩.

(٥) الإرشاد ١ : ٤٥٥.

(٦) القواعد ١ : ٢٦٩ ٢٧٠.

٨٤

كلام فخر الدين قدّس سرّه

وذكر في الإيضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنّان المتقدّمة (١) ، قال : فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى. وفي وجه المنع : أنّ الوقف للتأبيد ، والبيع ينافيه ، قال : والأصحّ أنّه لا يجوز بيع الوقف بحال (٢) ، انتهى.

كلام الشهيد قدّس سرّه

وقال الشهيد في الدروس : ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة بينهم فأولى بالجواز (٣) ، انتهى.

ويظهر منه : أنّ للشرط تأثيراً ، وأنّه يحتمل المنع من دون الشرط ، والتجويز معه.

كلام المحقّق الثاني قدّس سرّه

وعن المحقّق الكركي أنّه قال : التحقيق أنّ كلّ موضعٍ قلنا بجواز بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة ؛ لأنّه شرط مؤكِّد ، وليس بمنافٍ للتأبيد المعتبر في الوقف ؛ لأنّه مقيّدٌ واقعاً بعدم حصول أحد أسباب البيع (٤) ، وما لا (٥) ، فلا ؛ للمنافاة ، فلا يصحّ حينئذٍ حبساً (٦) ؛ لأنّ اشتراط شراء شي‌ءٍ بثمنه يكون وقفاً منافٍ لذلك ؛ لاقتضائه الخروج عن المالك فلا يكون وقفاً ولا حبساً (٧) ، انتهى.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٧٨.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٣.

(٣) الدروس ٢ : ٢٧٩.

(٤) في غير «ش» : المنع ، والعبارة «للتأبيد إلى البيع» لم ترد في جامع المقاصد.

(٥) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : وإلاّ.

(٦) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : حبسها.

(٧) كذا ، والعبارة في جامع المقاصد هكذا : «واشتراط الشراء بثمنه ما يكون وقفاً يقتضيه فلا يكون وقفاً ولا حبساً» ، انظر جامع المقاصد ٩ : ٧٣.

٨٥

رأي المصنّف في المسألة

أقول : يمكن (١) أن يقال بعد التمسّك في الجواز بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (٢) و «المؤمنون عند شروطهم» (٣) بعدم ثبوت كون جواز البيع منافياً لمقتضى الوقف ، فلعلّه منافٍ لإطلاقه ، ولذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروّ مسوّغاته ، فإنّ التحقيق كما عرفت سابقاً (٤) أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف ، بل هو وقف يجوز بيعه ، فإذا بيع خرج عن كونه وقفاً.

ثمّ إنّه لو سلّم المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود وأكل ثمنه ، وأمّا تبديله بوقفٍ آخر فلا تنافي بينه وبين مفهوم الوقف.

فمعنى كونه حبساً : كونه محبوساً من أن يتصرّف فيه بعض طبقات الملاّك على نحو الملك المطلق ، وأمّا حبس شخص الوقف فهو لازم ؛ لإطلاقه وتجرّده عن مسوّغات الإبدال ، شرعيّة كانت كخوف الخراب ، أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد ، فتأمّل.

صورة وقف أميرالمؤمنين عليه السلام ما له بينبع

ثمّ إنّه روى صحيحاً في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام في كيفيّة وقف ماله في عين ينبع ، وفيه :

«فإن أراد يعني الحسن عليه‌السلام أن يبيع نصيباً من المال ليقضي (٥) به الدين فليفعل إن شاء ، لا حرج عليه فيه ، وإن شاء جعله‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ش» : ويمكن.

(٢) تقدّم في الصفحة ٣٣.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٤) في الصفحة ٣٦.

(٥) في «ص» والمصدر : فيقضي.

٨٦

سريّ (١) الملك. وإنّ ولد عليٍّ ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن عليّ. وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء ، و (٢) لا حرج عليه فيه. فإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثاً في سبيل الله ، ويجعل ثلثاً في بني هاشم وبني المطّلب ، وثلثاً في آل أبي طالب ، وإنّه يضعه فيهم حيث يراه الله (٣).

ثمّ قال : وإن حدث في الحسن أو في الحسين حدثٌ (٤) ، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني عليٍّ إلى أن قال : فإنّه يجعله في رجلٍ يرضاه من بني هاشم ، وإنّه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك هذا (٥) المال على أُصوله وينفق الثمرة حيث أمره به (٦) من سبيل الله ووجهه ، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطّلب والقريب والبعيد ، لا يباع شي‌ءٌ منه ولا يوهب ولا يورث .. الرواية» (٧).

__________________

(١) كذا في أكثر النسخ والكافي وهو على وزن «نفيس» لفظاً ومعنًى وفي «ن» و «خ» والوسائل : «شروى» وفي مجمع البحرين : وشروى الشي‌ء : مثله (انظر مجمع البحرين ١ : ٢٤٥ ، مادّة : «شرا») وفي «ص» : شراء.

(٢) لم ترد «و» في «ص» والمصدر.

(٣) للحديث تتمّة بمقدار أربعة أسطر لم ترد في النسخ.

(٤) العبارة في المصدر هكذا : وإن حدث بحسن أو حسين حدث.

(٥) لم ترد «هذا» في «ص» والمصدر.

(٦) كذا في «ص» والوسائل ، وفي «ف» : «أمره الله به» ، وفي الكافي : «أمرته به» ، وفي سائر النسخ : «أمره».

(٧) الكافي ٧ : ٤٩ ، الحديث ٧ ، والوسائل ١٣ : ٣١٢ ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث ٤.

٨٧

دلالة هذه الصحيحة على جواز اشتراط البيع في الوقف

وظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود ، فضلاً عن البيع لجميع البطون وصرف ثمنه فيما ينتفعون به. والسند صحيح ، والتأويل مشكل ، والعمل أشكل.

٧ ـ إذا كان بقاء الوقف يؤدّي إلى خرابه علماً أو ظنّاً

الصورة السابعة : أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علماً أو ظنّاً ، وهو المعبّر عنه ب «خوف الخراب» في كثيرٍ من العبائر المتقدّمة.

والأداء إلى الخراب قد يكون للخُلْف بين أربابه ، وقد يكون لا له.

الخراب قد يكون على حدّ سقوطه من الانتفاع وقد يكون على وجه نقص المنفعة

والخراب المعلوم أو (١) المخوف ، قد يكون على حدّ سقوطه من الانتفاع نفعاً معتدّاً به ، وقد يكون على وجه نقص المنفعة.

وأمّا إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجهٍ آخر كانتفاعه السابق أو أزيد ، فلا يجوز بيعه إلاّ على ما استظهره بعض من تقدّم كلامه سابقاً : من أنّ تغيّر عنوان الوقف يسوّغ بيعه وقد عرفت ضعفه (٢).

وقد عرفت من عبائر جماعةٍ تجويز البيع في صورة التأدية إلى الخراب ولو لغير الاختلاف ، ومن اخرى تقييدهم به (٣).

٨ ـ إذا وقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس

الصورة الثامنة : أن يقع بين الموقوف عليهم اختلافٌ لا يؤمن معه تلف المال‌ أو (٤) النفس وإن لم يعلم أو يظنّ بذلك.

__________________

(١) في «ش» بدل «أو» : و.

(٢) راجع الصفحة ٧٤ ٧٦.

(٣) راجع الصفحة ٤٣ ٥٢.

(٤) في «ش» ومصحّحة «ن» بدل «أو» : و.

٨٨

فإنّ الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك ، خصوصاً من عبّر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

٩ ـ أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضررٍ عظيم

الصورة التاسعة : أن يؤدّي الاختلاف بينهم (١) إلى ضررٍ عظيم من غير تقييدٍ بتلف المال ، فضلاً عن خصوص الوقف.

١٠ ـ أن يلزم فسادٌ تستباح منه الأنفس

الصورة العاشرة : أن يلزم فسادٌ يستباح منه الأنفس.

الأقوى جواز البيع مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به والمنع في غيره

والأقوى : الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجهٍ لا ينتفع به نفعاً يعتدّ به عرفاً ، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره ، والمنع في غيره من جميع الصور.

أمّا الجواز في الأوّل ، فلما مرّ من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع ، فإنّ الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه ، فإذا فرض العلم أو الظنّ بانقطاع شخصه ، فدار الأمر بين انقطاع شخصه ونوعه ، وبين انقطاع شخصه لا نوعه ، كان الثاني (٢) أولى ، فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلاً.

الدليل على الجواز فيما ذكرنا

وأمّا الأدلّة الشرعيّة (٣) ، فغير ناهضةٍ ؛ لاختصاص الإجماع ،

__________________

(١) في غير «ش» : «منهم» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : «الأوّل» ، قال المحقّق المامقاني قدس‌سره بعد أن أثبت ما أثبتناه ـ : هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها : «كان الأوّل أولى» وهو سهو من قلم الناسخ. (غاية الآمال : ٤٥٣).

(٣) يعني الناهية عن بيع الوقف ، المتقدّمة في الصفحة ٣٣ وما بعدها.

٨٩

وانصراف النصوص إلى غير هذه الصورة.

وأمّا الموقوف عليهم ، فالمفروض إذن الموجود منهم ، وقيام الناظر العامّ أو (١) الخاصّ مقام غير الموجود.

نعم ، قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرّر البطن الموجود من بيعه ، للزوم تعطيل (٢) الانتفاع إلى زمان وجدان البدل ، أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي.

وممّا ذكر يظهر أنّه يجب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء ، مع عدم فوات الاستبدال فيه ، ومع فوته ففي تقديم البيع إشكال.

لو دار الأمر بين بيعه وبين صرف منفعته مدّةً من الزمان لتعميره

ولو دار الأمر بين بيعه والإبدال به ، وبين صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان لتعميره ، ففي ترجيح حقّ البطن الذي يفوته المنفعة أو حقّ الواقف وسائر البطون المتأخّرة المتعلّق بشخص الوقف (٣) وجهان ، لا يخلو أوّلهما عن قوّة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّماً على الموقوف عليه.

استدلال الفاضل المقداد على جواز البيع فيما ذكرنا

وقد يستدلّ على الجواز فيما ذكرنا ، بما عن (٤) التنقيح : من أنّ بقاء الوقف على حاله والحال هذه إضاعة وإتلاف للمال ، وهو منهيّ عنه شرعاً ، فيكون البيع جائزاً (٥).

__________________

(١) في «م» و «ش» بدل «أو» : و.

(٢) في نسخة بدل «ص» : تعطل.

(٣) في أكثر النسخ : لشخص الواقف.

(٤) في «ف» : في.

(٥) استدلّ به المحقّق التستري في المقابس : ١٥٥ ، وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٠.

٩٠

ولعلّه أراد الجواز بالمعنى الأعمّ ، فلا يرد عليه : أنّه يدلّ على وجوب البيع (١).

المناقشة في الاستدلال المذكور

وفيه : أنّ المحرّم هو إضاعة المال المسلّط عليه ، لا ترك المال الذي لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه ، وإلاّ لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرِفة على الخراب بغير البيع مهما أمكن مقدّماً على البيع ، أو إذا لم يمكن البيع.

والحاصل : أنّ ضعف هذا الدليل بظاهره واضح ، ويتّضح فساده على القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير.

استدلال آخر على الجواز

ويتلوه في الضعف ما عن المختلف (٢) والتذكرة (٣) والمهذّب (٤) وغاية المرام (٥) : من أنّ الغرض من الوقف استيفاء منافعه وقد تعذّرت ، فيجوز إخراجه عن حدّه ؛ تحصيلاً للغرض منه ، والجمود على العين مع تعطيلها تضييع للغرض ، كما أنّه لو تعطّل (٦) الهدي ذُبح في الحال وإن اختصّ بموضع ، فلمّا تعذّر مراعاة المحلّ ترك مراعاة الخاصّ المتعذّر (٧).

__________________

(١) كما أورده المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٢.

(٢) المختلف ٦ : ٢٨٨.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٤٤.

(٤) المهذّب البارع ٣ : ٦٦.

(٥) لم نعثر عليه في غاية المرام ، وحكاه عنهم المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٣.

(٦) في النسخ : «تعطّلت» ، وفي المقابس : «عطلت» ، وما أثبتناه من مصحّحتي «ن» و «خ» ، والصحيح : «عطب» كما في المختلف.

(٧) كذا في «ف» ونسخة بدل «ن» والمختلف والتذكرة ، وفي سائر النسخ : ترك مراعاته لتخلّص المعتذر.

٩١

المناقشة في هذا الاستدلال أيضاً

وفيه : أنّ الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف ؛ لأنّه الذي دلّ عليه صيغة الوقف ، والمفروض تعذّره فيسقط. وقيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص لكونه (١) أقرب إلى مقصود الواقف فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف بعد تعذّر أصل الغرض.

فالأولى منع جريان أدلّة المنع مع خوف الخراب المسقط للمنفعة رأساً ، وجعل ذلك مؤيّداً (٢).

الدليل على المنع في غير ما ذكرنا

وأمّا المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة (٣) وفيما عداها من الصور اللاحقة لها ، فلعموم قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلّة في ملكك» (٤) ؛ فإنّ ترك الاستفصال فيه عن (٥) علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوّزة وعدمه الموجب لحمل فعل البائع على الصحّة يدلّ على أنّ الوقف ما دام له غلّة لا يجوز بيعه. وكذا قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله» (٦) ، وما دلّ على أنّه : يترك حتّى يرثها وارث‌

__________________

(١) في «ف» : لأنّه.

(٢) عبارة «وجعل ذلك مؤيّداً» لم ترد في «ف».

(٣) في أكثر النسخ : السابقة.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث الأوّل.

(٥) في غير «ش» ومصحّحة «ن» بدل «عن» : بين.

(٦) الوسائل ١٣ : ٢٩٥ ، الباب ٢ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث ١ و ٢ ، وفي «ف» زيادة «تعالى» في آخر الحديث.

٩٢

السماوات والأرض (١).

التمسّك بالاستصحاب على المنع

الاستدلال بمكاتبة ابن مهزيار على الجواز في غير ما ذكرنا

هذا كلّه ، مضافاً إلى الاستصحاب في جميع هذه الصور وعدم الدليل الوارد عليه ، عدا المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسّك كلّ من جوّزه في هذه الصور فيها ، وهي مكاتبة ابن مهزيار ، قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها ، وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل (٢) عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو تقويمها (٣) على نفسه بما اشتراها (٤) ، أو يدعها موقوفة؟

فكتب إليَّ : أعلِم فلاناً أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليَّ ، إنّ (٥) ذلك رأيي إن شاء الله تعالى ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق (٦) له.

قال : وكتبت (٧) إليه : أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم بقيّة هذه الضيعة اختلافاً شديداً ، وأنّه (٨) ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ، ويدفع إلى كلّ إنسان منهم‌

__________________

(١) يدلّ عليه ما في الوسائل ١٣ : ٣٠٤ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث ٤.

(٢) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : يسألك.

(٣) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : تقويمه.

(٤) في «ص» والكافي زيادة : به.

(٥) في «ص» والمصدر : وإنّ.

(٦) في بعض النسخ : أرفق.

(٧) كذا في المصدر ومصحّحة «ص» ، وفي النسخ : فكتب.

(٨) لم ترد «أنّه» في غير «ص» و «ش».

٩٣

ما وقف له من ذلك ، أمرته (١).

فكتب بخطّه : وأعلمه أنّ رأيي : إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف أنّ بيع الوقف أمثل فليبع (٢) ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس» (٣).

الاستدلال بالمكاتبة على الجواز فيما لو كان الخراب على وجه نقص المنفعة

حيث إنّه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة (٤) ؛ بناءً على أنّ قوله : «فإنّه .. إلخ» تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف ، وأنّ المراد بالمال هو الوقف ، فإنّ ضمّ النفوس إنّما هو لبيان الضرر الآخر (٥) المترتّب على الاختلاف ، لا أنّ المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفى ، فيكون حاصل التعليل : أنّه كلّما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

المناقشة في هذا الاستدلال

وفيه : أنّ المقصود جواز بيعه إذا أدّى بقاؤه إلى الخراب علماً أو ظنّاً ، لا مجرّد كونه ربما يؤدّي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح ، على ما هو الظاهر من لفظة «ربما» كما لا يخفى على المتتبّع لموارد استعمالاته ولا أظنّ أحداً يلتزم بجواز البيع بمجرّد احتمال أداء‌

__________________

(١) لم ترد «أمرته» في أكثر النسخ.

(٢) لم ترد «فليبع» في غير «ص» ، «ش» و «م».

(٣) في غير «ص» زيادة : «الخبر» ، والظاهر أنّه لا وجه لها ؛ فإنّ الحديث مذكور بتمامه ، انظر الوسائل ١٣ : ٣٠٥ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث ٦ ، وانظر الكافي ٧ : ٣٦ ، الحديث ٣.

(٤) في أكثر النسخ : السابقة.

(٥) لم ترد «الآخر» في «ف».

٩٤

بقائه إلى الخراب ؛ لأنّ كلمات من عبّر بهذا العنوان كما عرفت بين قولهم : «أدّى بقاؤه إلى خرابه» ، وبين قولهم : «يخشى أو يخاف خرابه».

والخوف عند المشهور ، كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم مثل قولهم : «يجب الإفطار والتيمّم مع خوف الضرر» ، «ويحرم السفر مع خوف الهلاك» لا يتحقّق إلاّ بعد قيام أمارة الخوف (١).

هذا ، مع أنّ مناط الجواز على ما ذكر تلف الوقف رأساً ، وهو القسم الأوّل من الصورة السابعة (٢) الذي جوّزنا فيه (٣) البيع ، فلا يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف. مع أنّه لا وجه بناءً على عموم التعليل للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف ، بل كلّما خيف تلف مالٍ جاز بيع الوقف.

الاستدلال بالمكاتبة على الجواز في الصورة الثامنة

وأمّا تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة وهي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال والنفوس فهو : أنّ الحكم بالجواز معلّق على الاختلاف ، إلاّ أنّ قوله : «فإنّه ربما .. إلخ» مقيّد بالاختلاف الخاصّ وهو الذي لا يؤمَن معه من التلف ؛ لأنّ العلّة تقيّد المعلول ، كما في قولك : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض.

المناقشة في الاستدلال المذكور

وفيه : أنّ اللازم على هذا ، تعميم الجواز في كلّ مورد لا يؤمَن‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : المخوف.

(٢) في غير «ش» : «الثانية» ، لكن صحّحت في بعضها بما أثبتناه.

(٣) في غير «ش» : «التي جوّزنا فيها» ، وصحّحت في هامش «ن» بما أثبتناه.

٩٥

معه من تلف الأموال والنفوس وإن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم ، فيجوز بيع الوقف لإصلاح كلّ فتنة وإن لم يكن لها دخل في الوقف. اللهمّ إلاّ أن يدّعى سَوْق العلّة مساق التقريب ، لا التعليل الحقيقي حتّى يتعدّى إلى جميع موارده.

لكن تقييد الاختلاف حينئذٍ بكونه ممّا لا يؤمن ، ممنوع. وهو الذي فهمه الشهيد رحمه‌الله في الروضة كما تقدّم كلامه (١) لكنّ الحكم على هذا الوجه مخالف للمشهور.

الاستدلال بالمكاتبة على الصورة التاسعة وردّه

فلا يبقى حينئذٍ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات والقواعد ، مع ما فيها من ضعف الدلالة ، كما سيجي‌ء إليه الإشارة.

وممّا ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة وردّه.

الاستدلال بها على الصورة العاشرة

وأمّا تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو : أنّ ضمّ تلف النفس إلى تلف الأموال مع أنّ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالباً يدلّ على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدّة إلى حيث يُخاف منه تلف النفس ، ولا يكفي بلوغه إلى ما دون ذلك بحيث يخاف منه تلف المال فقط.

ردّ الاستدلال المذكور أيضاً

وفيه : أنّ اللازم على هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم ، بل يجوز حينئذٍ بيع الوقف لرفع كلِّ فتنة ، مع أنّ ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس ، والمقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدّمة (٢) هو اعتبار‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٥٢.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٤٧.

٩٦

الفتنة التي يُستباح بها الأنفس.

استناد الفتاوى بجواز بيع الوقف إلى ما فهم من المكاتبة المذكورة

والحاصل : أنّ جميع الفتاوى المتقدّمة في جواز بيع الوقف الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء الوقف علماً أو ظنّاً أو احتمالاً إلى مطلق الفساد ، أو فسادٍ خاصّ ، أو اعتبار الاختلاف مطلقاً ، أو اختلاف خاصّ مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.

الأظهر في مدلول المكاتبة

والأظهر في مدلولها : هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس ، لا مطلق الاختلاف ؛ لأنّ الذيل مقيّد ، ولا خصوص المؤدّي علماً أو ظنّاً ؛ لأنّ موارد استعمال لفظة «ربما» أعمّ من ذلك ، ولا مطلق ما يؤدّي إلى المحذور المذكور ؛ لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدّى عن مورد النصّ وإن كان فيه إشارة إلى التعليل.

الإيراد على المكاتبة باعراض المشهور عنها

وعلى ما ذكرنا ، فالمكاتبة غير مفتىً بها عند المشهور ؛ لأنّ الظاهر اعتبارهم العلم أو الظنّ بأداء بقائه إلى الخراب الغير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس ، فيكون النسبة بين فتوى المشهور ومضمون الرواية عموماً من وجه.

الجواب عن الايراد المذكور

الإيراد على المكاتبة بعدم ظهورها في الوقف المؤبّد أو ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم

لكن الإنصاف : أنّ هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية وقصور مقاومتها للعمومات المانعة ، بالشهرة ؛ لأنّ اختلاف فتاوى المشهور إنّما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أُنيط به الجواز من قوله عليه‌السلام : «إن كان قد علم الاختلاف ..» المنضمّ إلى قوله : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف ..».

وأمّا دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التامّ ، فهي على تقدير قصورها منجبرة بالشهرة ، فيندفع بها ما يدّعى‌

٩٧

من قصور دلالتها من جهات ، مثل : عدم ظهورها في المؤبّد ؛ لعدم ذكر البطن اللاحق ، وظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم وعدم تمام الوقف ، كما عن الإيضاح (١) ، وأوضحه الفاضل المحدّث المجلسي ، وجزم به المحدّث البحراني (٢) ، ومال إليه في الرياض (٣).

كلام المحدّث المجلسي في ظهور المكاتبة في عدم الإقباض

قال الأوّل في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار ـ : إنّه يخطر بالبال أنّه يمكن حمل الخبر على ما إذا لم يُقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم ، ولم يدفعها إليهم ، وحاصل السؤال : أنّ الواقف يعلم أنّه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف ويشتدّ ؛ لحصول الاختلاف بينهم (٤) قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر ، فهل يدعها موقوفة ويدفعها إليهم ، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعدُ ويدفع إليهم ثمنها؟ أيّهما أفضل؟ (٥) انتهى موضع الحاجة.

الجواب عن هذين الإيرادين

والإنصاف : أنّه توجيه حسن ، لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك ، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال في الجواب. كما أنّ عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع ؛ إذ كثيراً ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبّد على‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٢.

(٢) الحدائق ١٨ : ٤٤٢ ٤٤٣.

(٣) الرياض ٢ : ٣١.

(٤) في غير «ش» : «منهم» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٥) ملاذ الأخيار ١٤ : ٤٠٠ ، باب الوقوف والصدقات ، ذيل الحديث ٤ ، ومرآة العقول ٢٣ : ٦١ كتاب الوصايا ، ذيل الحديث ٣٠.

٩٨

ذكر بعض البطون ، فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبّد.

والحاصل : أنّ المحتاج إلى الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التامّ المؤبّد ، لا تعيين ما أُنيط به الجواز من كونه مجرّد الفتنة أو ما يؤدّي الفتنة إليه ، أو غير ذلك ممّا تقدّم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين.

الإيراد على المكاتبة من جهة اُخرى

نعم ، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة أُخرى ، وهي : أنّ مقتضى القاعدة كما عرفت (١) لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركاً بين جميع البطون ، وظاهر الرواية تقريره عليه‌السلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف على الموجودين ، فلا بدّ : إمّا من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلاّ بتكلّف سقوط حقّ سائر البطون عن الوقف آناً ما قبل البيع ؛ لتقع المعاوضة في مالهم. وإمّا من حمل السؤال على الوقف المنقطع ، أعني : الحبس الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف ، أو على الوقف الغير التامّ ؛ لعدم القبض ؛ أو لعدم تحقّق صيغة الوقف وإن تحقّق التوطين عليه. وتسميته وقفاً بهذا الاعتبار.

ويؤيّده : تصدّي الواقف بنفسه للبيع ، إلاّ أن يحمل على كونه ناظراً ، أو يقال : إنّه أجنبيّ استأذن الإمام عليه‌السلام في بيعه عليهم حسبةً.

بل يمكن أن يكون قد فهم الإمام عليه‌السلام من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغاً عنها مع أنّ المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف وبدله أنّ مورد السؤال هو الوقف الباقي على‌

__________________

(١) في الصفحة ٦٣.

٩٩

ملك الواقف ؛ لانقطاعه أو لعدم تمامه.

ويؤيّده : أنّ ظاهر صدره المتضمّن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه‌السلام هو هذا النحو أيضاً.

الجواب عن هذا الإيراد وأمثاله

إلاّ أن يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التامّ ، ويقال : إنّه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصاً لقاعدة المنع عن بيع الوقف ، وموجباً لتكلّف الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع ، أو نمنع (١) تقرير الإمام عليه‌السلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.

القدر المتيقّن من المكاتبة

ويبقى الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع ، وقد عرفت (٢) الأظهر منها ، لكن في النفس شي‌ءٌ من الجزم بظهوره ، فلو اقتُصر على المتيقّن من بين المحتملات وهو الاختلاف المؤدّي علماً أو ظنّاً إلى تلف خصوص مال الوقف ونفوس الموقوف عليهم كان أولى. والفرق بين هذا والقسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا فيه البيع :

أنّ المناط في ذلك القسم : العلم أو الظنّ بتلف الوقف رأساً.

والمناط هنا : خراب الوقف ، الذي يتحقّق به تلف المال وإن لم يتلف الوقف ، فإنّ الزائد من المقدار الباقي مالٌ قد تلف.

المراد من «التلف» في المكاتبة

وليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأساً حتّى يتّحد مع ذلك القسم المتقدّم ؛ إذ لا يناسب هذا ما هو الغالب في تلف الضيعة‌

__________________

(١) في «ص» : بمنع.

(٢) في الصفحة ٨٩.

١٠٠