كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله تعالى (١) الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجهٍ من الوجوه ، فإن كان وقفاً على قومٍ مخصوصين وليس فيه شرطٌ يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما قدّمناه ، وحصل الخوف من هلاكه أو فساده ، أو كان بأربابه حاجةٌ ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خُلْفٍ بينهم يؤدّي إلى فساده ؛ فإنّه حينئذٍ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ، فإن لم يحصل شي‌ءٌ من ذلك لم يجز بيعه على وجهٍ من الوجوه. ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضاً (٢).

نسبة التفصيل المتقدّم إلى الحلبي والصدوق

وحكي عن المختلف وجماعة (٣) نسبة التفصيل إلى الحلبي ، لكن العبارة المحكيّة عن كافيه لا تساعده ، بل ربما استظهر (٤) منه المنع على الإطلاق ، فراجع.

كلام الصدوق في الفقيه

وحكي التفصيل المذكور عن الصدوق (٥). والمحكي عن الفقيه : أنّه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية (٦) ـ : إنّ هذا وقف كان عليهم‌

__________________

(١) في غير «ص» ، و «ش» بدل «تعالى» : «وليّ» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٢) المهذّب ٢ : ٩٢.

(٣) حكاه المحقّق التستري عنهم في مقابس الأنوار : ١٤٢ ، وانظر المختلف ٦ : ٢٨٧ ، وغاية المراد : ٨٢ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٣٢٩ ، والمهذّب البارع ٣ : ٦٥.

(٤) استظهره المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٤٢ ، وانظر الكافي في الفقه : ٣٢٤ ٣٢٥.

(٥) حكاه عنه الفاضل في التنقيح ٢ : ٣٢٩ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٣ : ٦٥ ، وغيرهما.

(٦) تأتي في الصفحة ٩٣ و ٩٤.

٤١

دون مَن بعدهم ، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد (١) على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه أبداً (٢).

ثمّ إنّ جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق والقاضي ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ هؤلاء إن كانوا ممّن يقول (٣) برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه ، فللقول بجواز بيعه وجه. أمّا إذا كان فيهم (٤) من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته ، فلا وجه للحكم بجواز بيعه وصرف الموقوف عليهم ثَمَنه في مصالحهم.

وقد حكي القول بهذين (٥) عن القاضي (٦). إلاّ أن يوجّه بأنّه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حين الوقف (٧) حتّى يكون حبساً ، بل هو وقف حقيقي وتمليك للموقوف عليهم مدّة وجودهم ، وحينئذٍ فبيعهم له مع تعلّق حقّ الواقف نظير بيع البطن الأوّل مع تعلّق حقّ سائر البطون في الوقف المؤبّد.

__________________

(١) في «ف» بدل «ومن بعد» : ثمّ.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤١ ٢٤٢ ، ذيل الحديث ٥٥٧٥.

(٣) في «ف» : يقولون.

(٤) في «ف» : منهم.

(٥) يعني بهما الرجوع إلى الواقف وجواز بيع الموقوف عليه (هداية الطالب : ٣٤٨).

(٦) حكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٤٢ ، ولم نعثر عليه في المهذّب والجواهر.

(٧) لم ترد «حين الوقف» في «ش».

٤٢

لكن هذا الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي ، المحكيّ عنه القول المتقدّم (١) ، حيث إنّه يقول ببقاء (٢) الوقف مطلقاً على ملك الواقف (٣).

القول الثالث : الجواز في المؤبّد في الجملة

الثالث : الخروج عن عموم المنع والحكم بالجواز في المؤبّد (٤) في الجملة ،

وأمّا المنقطع فلم ينصّوا عليه وإن ظهر من بعضهم التعميم ومن بعضهم التخصيص بناءً على قوله برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، كالشيخ (٥) وسلاّر (٦) قدس‌سرهما. ومن حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ كالسيّد أبي المكارم ابن زهرة (٧) فلازمه جعله كالمؤبّد.

وكيف كان ، فالمناسب أوّلاً نقل عبائر هؤلاء ، فنقول :

كلام الشيخ المفيد قدّس سرّه

قال المفيد في المقنعة : الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز‌

__________________

(١) تقدّم عنه في الصفحة السابقة.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «حيث إنّ المحكي عنه بقاء» مع زيادة : إنّه يقول خ ل.

(٣) في غير «ف» و «ش» زيادة : «وجواز بيع الوقف حينئذٍ مع عدم مزاحمة حقّ الموقوف عليه ممّا لا إشكال فيه» ، ولكن شطب عليها في «ن» و «خ» ، وكتب عليها في «م» و «ع» : نسخة.

(٤) راجع المقنعة : ٦٥٢ ، والانتصار : ٢٢٦ ، والنهاية : ٥٩٥ ، والمبسوط ٣ : ٣٠٠ ، والمراسم : ١٩٧ ، والوسيلة : ٣٧٠ ، وغيرهم وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٥٨ ، ومقابس الأنوار : ١٤٢ و ١٥٤.

(٥) قاله الشيخ في النهاية : ٥٩٩.

(٦) راجع المراسم : ١٩٧ ، ومقابس الأنوار : ١٤٢ ، أيضاً.

(٧) الغنية : ٢٩٩.

٤٣

الرجوع فيها ، إلاّ أن يُحدِث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والتقرّب إلى الله بصلتهم ، أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أدرّ (١) عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله. وإذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه ، لم يجز له الرجوع في شي‌ءٍ منه ، ولا تغيير شرائطه ، ولا نقله عن وجوهه وسبله. ومتى اشترط الواقف في الوقف : أنّه متى احتاج إليه في حياته لفقرٍ كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه ، جاز له فعل ذلك. وليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيّروا شيئاً من شروطه ، إلاّ أن يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارةٍ من سلطان أو غيره ، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعاً (٢) ، فلهم حينئذٍ بيعه والانتفاع بثمنه. وكذلك إن حصلت لهم (٣) ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه ، ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات (٤). انتهى كلامه رحمه‌الله.

وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد جواز (٥) بيع الوقف في خمسة مواضع ، وضمّ صورة جواز الرجوع وجواز تغيّر (٦) الشرط إلى المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ووفاة‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ص» ونسخة بدل أكثر النسخ : «أعود» ، وفي سائر النسخ : أرد.

(٢) في «ف» زيادة : لهم.

(٣) في «ص» والمصدر : بهم.

(٤) المقنعة : ٦٥٢ ٦٥٣.

(٥) في «ن» و «ش» : تجويز.

(٦) في مصحّحة «ن» : تغيير.

٤٤

الواقف (١) ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ إنّ العلاّمة ذكر في التحرير : أنّ قول المفيد بأنّه : «لا يجوز الرجوع في الوقف إلاّ أن يحدث إلى قوله : أنفع لهم من تركه على حاله» ، متأوّل (٢). ولعلّه من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتضِ بظاهره للمفيد.

كلام السيد المرتضى قدس‌سره

وقال في الانتصار على ما حكي عنه ـ : وممّا انفردت الإماميّة به : القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعاً جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه ، وأنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه ، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة.

ثمّ احتجّ باتّفاق الإماميّة ، ثمّ ذكر خلاف ابن الجنيد ، وردّه بكونه مسبوقاً وملحوقاً بالإجماع ، وأنّه إنّما عوّل في ذلك على ظنونٍ له وحسبانٍ وأخبارٍ شاذّة لا يلتفت إلى مثلها (٣).

ثمّ قال : وأمّا إذا صار الوقف (٤) بحيث لا يجدي نفعاً ، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه ؛ لشدّة فقرهم ، فالأحوط ما ذكرناه : من جواز بيعه ؛ لأنّه إنّما جُعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه (٥)

__________________

(١) غاية المراد : ٨٢.

(٢) التحرير ١ : ٢٨٤.

(٣) في النسخ زيادة : «انتهى» ، والظاهر أنّ موضعها بعد قوله : «مع فقد الضرورة» المتقدّم آنفاً.

(٤) كلمة «الوقف» من «ش» والمصدر ومصحّحة «ن».

(٥) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي المصدر : «فيه» ، وفي النسخ : «عنه».

٤٥

ولم يبقَ منفعة فيه (١) إلاّ من الوجه الذي ذكرناه (٢) ، انتهى.

كلام الشيخ الطوسي في المبسوط

وقال في المبسوط : وإنّما يملك الموقوف عليه بيعه على وجهٍ عندنا ، وهو أنّه (٣) إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجةٌ شديدة ولا يقدِرون على القيام به ، فحينئذٍ يجوز لهم بيعه ، ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه (٤) ، انتهى. ثمّ احتجّ على ذلك بالأخبار (٥).

كلام سلّار قدّس سرّه

وقال سلاّر فيما حكي عنه ـ: ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم : من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها ، أو يتغيّر الحال ، فإن لم يتغيّر الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبتُه ولا تغيير شي‌ءٍ من أحواله ، وإن تغيّر الحال في الوقف حتّى لا ينتفع به على أيّ وجهٍ كان ، أو لَحِق الموقوفَ عليهم حاجةٌ شديدة جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع لهم (٦) ، انتهى.

كلام ابن زهرة قدس‌سره

وقال في الغنية على ما حكي عنه ـ: ويجوز عندنا بيع الوقف‌

__________________

(١) في «ف» بدل «منفعة فيه» : «منفعته».

(٢) الانتصار : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٣) لم ترد «أنّه» في المصدر ، والظاهر أنّها زائدة.

(٤) المبسوط ٣ : ٢٨٧.

(٥) لم نعثر في المبسوط على الاحتجاج بالأخبار ، والظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف ، ومنشأ السهو قول صاحب الجواهر بعد نقل العبارة المتقدّمة من المبسوط ، ونقل عبارة الخلاف ـ : «واحتجّ على ذلك بالأخبار» ، أي احتجّ الشيخ في الخلاف على ذلك بالأخبار. انظر الجواهر ٢٢ : ٣٦٢ ، والخلاف ٣ : ٥٥١ ، المسألة ٢٢ من كتاب الوقف.

(٦) المراسم : ١٩٧.

٤٦

للموقوف عليه (١) إذا صار بحيث لا يجدي نفعاً وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجةٌ شديدةٌ دعتهم الضرورة إلى بيعه ؛ بدليل إجماع الطائفة ، ولأنّ غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه ، فإذا لم يبقَ له منفعة إلاّ على الوجه الذي ذكرنا جاز (٢) ، انتهى.

كلام ابن حمزة قدس‌سره

وقال في الوسيلة : ولا يجوز بيعه يعني الوقف إلاّ بأحد شرطين : الخوف من خرابه ، أو حاجةٌ بالموقوف عليه شديدةٌ لا يمكنه معها القيام به (٣) ، انتهى.

كلام الراوندي قدّس سرّه

وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكي عنه ـ: وإنّما يملك بيعه على وجهٍ عندنا ، وهو إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجةٌ شديدةٌ (٤) ، انتهى (٥).

كلمات ابن سعيد في الجامع والنزهة

وقال في الجامع على ما حكي عنه ـ : فإن خيف خرابه ، أو كان بهم حاجةٌ شديدةٌ ، أو خيف وقوع فتنةٍ بينهم تستباح بها الأنفس ، جاز بيعه (٦) ، انتهى.

وعن النزهة : لا يجوز بيع الوقف إلاّ أن يُخاف هلاكه ، أو يؤدّي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضررٍ عظيم ، أو يكون فيهم حاجةٌ عظيمةٌ‌

__________________

(١) في «ف» : عليهم.

(٢) الغنية : ٢٩٨.

(٣) الوسيلة : ٣٧٠.

(٤) فقه القرآن ٢ : ٢٩٣.

(٥) كلمة «انتهى» من «ف».

(٦) الجامع للشرائع : ٣٧٢.

٤٧

شديدة ويكون بيع الوقف أصلح لهم (١) ، انتهى.

كلام المحقق قدس‌سره

وقال في الشرائع : ولا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه لخُلْفٍ بين أربابه ويكون البيع أعود. وقال في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليهم (٢) خُلْفٌ بحيث يُخشى خرابه جاز بيعه ، ولو لم يقع خُلْفٌ ولا خُشي خرابه ، بل كان البيع أنفع لهم ، قيل : يجوز بيعه ، والوجه المنع (٣) ، انتهى.

ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين (٤).

كلام العلامة في التحرير والإرشاد والتذكرة

وقال في التحرير : لا يجوز بيع الوقف بحال ، ولو انهدمت الدار لم تخرج العَرْصَة عن الوقف ، ولم يجز بيعها. ولو وقع خُلْفٌ بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا. ثمّ ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقاً وتنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع ، ونفيَه الخلاف على المنع في المؤبّد. ثمّ قال : ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكليّة كدارٍ انهدمت وعادت مواتاً ولم يتمكّن من عمارتها ويشترى بثمنه ما يكون وقفاً ، كان وجهاً (٥) ، انتهى. وقال في بيع التحرير : ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامراً ، ولو أدّى بقاؤه إلى خرابه جاز ، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه‌

__________________

(١) نزهة الناظر : ٧٤.

(٢) كذا في المصدر ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : الموقوف عليه.

(٣) الشرائع ٢ : ١٧ و ٢٢٠.

(٤) القواعد ١ : ١٢٦ و ٢٦٩.

(٥) التحرير ١ : ٢٩٠ ، وانظر السرائر ٣ : ١٥٣.

٤٨

مع بقائه على الوقف (١) ، انتهى.

وعن بيع (٢) الإرشاد : لا يصحّ بيع الوقف إلاّ أن يخرب ، أو يؤدّي إلى الخُلْف بين أربابه على رأيٍ (٣). وعنه في باب الوقف : لا يصحّ بيع الوقف ، إلاّ أن يقع بين الموقوف عليهم (٤) خُلْفٌ يخشى (٥) به الخراب (٦).

وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكي عنه ـ : والوجه أن يقال : يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكّن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد (٧) ، انتهى.

وقال في كتاب البيع : لا يصحّ بيع الوقف ، لنقص (٨) الملك فيه ؛ إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ، لوقوع خُلْفٍ بين أربابه وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوّز أكثر علمائنا بيعه (٩) ، انتهى.

كلمات الشهيد في غاية المراد والدروس واللمعة

وقال في غاية المراد : يجوز بيعه في موضعين : خوف الفساد‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٥ ، وفيه : مع بقائه على خلافٍ.

(٢) وردت العبارة في «ف» مختصرة هكذا : وعن الإرشاد : لا يصحّ بيع الوقف إلاّ أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشى به الخراب.

(٣) الإرشاد ١ : ٣٦١.

(٤) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الموقوف عليه.

(٥) في غير «ف» و «ص» : ويخشى.

(٦) الإرشاد ١ : ٤٥٥ ، وفيه : لا يجوز بيع الوقف ..

(٧) التذكرة ٢ : ٤٤٤.

(٨) في «ف» و «خ» وهامش «ع» : لتبعّض.

(٩) التذكرة ١ : ٤٦٥.

٤٩

بالاختلاف ، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة (١).

وقال في الدروس : لا يجوز بيع الوقف إلاّ إذا خيف من خرابه أو خُلْفٍ أربابه المؤدّي إلى فساده (٢).

وقال في اللمعة : لو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخُلْف أربابه ، فالمشهور الجواز (٣) ، انتهى.

كلام الصيمري

وقال في تلخيص الخلاف على ما حكي عنه ـ : إنّ لأصحابنا في بيع الوقف أقوالاً متعدّدة ، أشهرها : جوازه إذا وقع بين أربابه خُلْفٌ وفتنة وخُشي خرابه ولا يمكن سدّ الفتنة بدون بيعه ، وهو قول الشيخين ، واختاره نجم الدين والعلاّمة (٤) ، انتهى.

كلام الفاضل المقداد قدس‌سره

وقال في التنقيح على ما حكي عنه ـ : إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلاً ، جاز بيعه (٥).

وعن تعليق الإرشاد : يجوز بيعه إذا كان فسادٌ يُستباح فيه الأنفس (٦).

كلام الفاضل القطيفي

وعن إيضاح النافع : أنّه جوّز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافاً‌

__________________

(١) لم نعثر على العبارة في غاية المراد ، ولعلّ المؤلف قدس‌سره أخذها من الجواهر ٢٢ : ٣٦٤ ، راجع غاية المراد : ٨٢ ٨٤ و ١٤٦.

(٢) الدروس ٢ : ٢٧٩.

(٣) اللمعة الدمشقية : ١١٢.

(٤) تلخيص الخلاف ٢ : ٢٢١.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٠.

(٦) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٥٦ ، وراجع الحاشية على الإرشاد (مخطوط) : ٢٢٠.

٥٠

يخاف معه (١) القتال ونهب الأموال ولم يندفع إلاّ بالبيع. قال : فلو أمكن زواله ولو بحاكم الجور لم يجز ، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه (٢) ، انتهى. ومثله كلامه (٣) المحكي عن تعليقه على الشرائع (٤).

كلام المحقق الثاني

وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى موافقة الأكثر ـ : إنّ المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع :

أحدها : إذا خرب واضمحلّ بحيث لا ينتفع به ، كحُصُر (٥) المسجد إذا اندرست وجذوعه إذا انكسرت (٦).

ثانيها : إذا حصل خُلْفٌ بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (٧).

ويُشترى بثمنه في الموضعين ما يكون وقفاً على وجهٍ يندفع به الخُلْفَ ؛ تحصيلاً لمطلوب الواقف بحسب الإمكان. ويتولّى ذلك الناظر الخاصّ إن كان ، وإلاّ فالحاكم.

ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه (٨) حاجةٌ شديدة ولم يكن ما يكفيهم‌

__________________

(١) في «ف» : منه.

(٢) إيضاح النافع (مخطوط) ، ولا يوجد لدينا ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٥٦.

(٣) في غير «ف» ومصحّحة «ن» : الكلام.

(٤) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٥٦.

(٥) في غير «ش» : كحصير.

(٦) في غير «ش» : جذعه إذا انكسر.

(٧) الوسائل ١٣ : ٣٠٥ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، الحديث ٦.

(٨) كذا في النسخ ، وفي المصدر : إذا لحق الموقوف عليهم.

٥١

من غلّة وغيرها ؛ لرواية جعفر بن حنّان (١) عن الصادق عليه‌السلام (٢). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

كلام الشهيد الثاني

وقال في الروضة : والأقوى في المسألة ما دلّ عليه صحيحة علي ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام : من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خُلْفٌ شديد ، وعلّله عليه‌السلام بأنّه : «ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس» (٣) ، وظاهره (٤) أنّ خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس بشرط ، بل هو مظنّة لذلك. قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إليه أرباب الوقف ولم يكفهم غلّته ، أو كان أعود ، أو غير ذلك ممّا قيل ؛ لعدم دليلٍ صالحٍ عليه (٥) ، انتهى. ونحوه ما عن الكفاية (٦).

المراد من «تأدية الوقف إلى الخراب» في كلمات الفقهاء

هذه جملة من كلماتهم المرئيّة أو المحكيّة. والظاهر أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه : حصول الظنّ بذلك ، الموجب لصدق الخوف ، لا التأدية على وجه القطع ، فيكون عنوان «التأدية» في بعض تلك العبارات متّحداً مع عنوان «خوفها» و «خشيتها» في بعضها الآخر ، ولذلك عبّر فقيهٌ واحد تارة بهذا ، وأُخرى بذاك كما اتّفق للفاضلين (٧)

__________________

(١) في «ص» والكافي : «حيان» ، انظر الكافي ٧ : ٣٥ ، الحديث ٢٩.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٩٧ ٩٨ ، والرواية وردت في الوسائل ١٣ : ٣٠٦ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، الحديث ٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٠٥ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، الحديث ٦.

(٤) كذا في المصدر ومصحّحة «ن» ، وفي النسخ : وظاهر.

(٥) الروضة البهيّة ٣ : ٢٥٥.

(٦) الكفاية : ١٤٢.

(٧) راجع الشرائع ١ : ١٧ و ٢٢٠ ، والقواعد ١ : ١٢٦ و ٢٦٩ ، وتقدّمت العبارة عنهما في الصفحة ٤٨.

٥٢

والشهيد (١). ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر كالعلاّمة في التذكرة (٢) ، وإلى الأشهر كما عن إيضاح النافع (٣) ، وآخرٌ عنوان التأدية إلى الأكثر كجامع المقاصد (٤) ، أو إلى المشهور كاللمعة (٥).

فظهر من ذلك : أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحقّقت فيه الشهرة بين المجوِّزين ، لكن المتيقَّن من فتوى المشهور : ما كان من أجل اختلاف أربابه. اللهمّ إلاّ أن يستظهر من كلماتهم كالنصّ كون الاختلاف من باب المقدّمة وأنّ الغاية المجوِّزة هي مظنّة الخراب.

إذا (٦) عرفت ما ذكرنا ، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد ، وأُخرى في المنقطع.

[الوقف المؤبّد] (٧)

الوقف علد قسمن : تملکيٌّ ، وفكيّ

أمّا الأوّل : فالذي ينبغي أن يقال فيه‌ إنّ الوقف على قسمين :

أحدهما : ما يكون ملكاً للموقوف عليهم ، فيملكون منفعته ، فلهم‌

__________________

(١) راجع الدروس ٢ : ٢٧٩ ، واللمعة الدمشقية : ١١٢ ، وتقدّمت في الصفحة ٥٠.

(٢) راجع التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٣) إيضاح النافع (مخطوط) ، ولا يوجد لدينا ، ولم نعثر على الحاكي أيضاً.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٩٧.

(٥) اللمعة الدمشقية : ١١٢.

(٦) من هنا إلى قوله : «وقوّاه بعض» الآتي في الصفحة ٦٠ ورد في «ف» بعد قوله : دين المرتهن» المتقدّم في الصفحة ٣٧.

(٧) العنوان منّا.

٥٣

استئجاره وأخذ أُجرته ممّن انتفع به بغير حقّ.

والثاني : ما لا يكون ملكاً لأحد ، بل يكون فكّ ملك نظير التحرير ، كما في المساجد والمدارس والربُط ؛ بناءً على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة (١) ، فإنّ الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحدٌ بغير حقٍّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل.

محلّ الكلام القسم الأوّل

والظاهر أنّ محلّ الكلام في بيع الوقف إنّما هو القسم الأوّل ، وأمّا الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ؛ لعدم الملك (٢).

لا خلاف في عدم جواز بيع الوقف الفكّي

وبالجملة ، فكلامهم هنا فيما كان ملكاً غير طلق ، لا فيما لم يكن ملكاً ، وحينئذٍ فلو خرب المسجد وخربت القرية وانقطعت المارّة عن الطريق الذي فيه المسجد ، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجدٍ آخر أو تعميره ، والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد (٣).

نعم ، ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر : أنّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ مطلقاً ، لا (٤) لعدم تماميّة الملك ، بل لعدم أصل الملك ؛ لرجوعها إلى الله ودخولها في مشاعره ـ

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٩ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٢٧٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣١١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ٦٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٥ : ٣٧٧ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض (الحجريّة) ٢ : ٢٨.

(٢) في «ف» : الملكية.

(٣) اعترف به السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٩ : ١٠٠ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٥٠٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٨ : ١٠٧.

(٤) عبارة «مطلقاً لا» من «ش» ، واستدركت «لا» في مصحّحة «ن».

٥٤

كلام كاشف الغطاء في الأوقاف العامّة مع اليأس عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة

أنّه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة تؤجر للزراعة ونحوها ، مع المحافظة على الآداب اللازمة لها إن كان مسجداً مثلاً وإحكامِ السجلاّت ؛ لئلاّ يغلب اليد فيُقضى بالملك ، وتصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدّماً للأقرب والأحوج والأفضل احتياطاً ، ومع التعارض فالمدار على الراجح ، وإن تعذّر صُرِف إلى غير المماثل كذلك ، فإن تعذّر صُرِف في مصالح المسلمين. وأمّا غير الأرض من الآلات والفُرُش والحيوانات وثياب الضرائح ونحوها ، فإن بقيت على حالها وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحلّ الذي أُعدّت له ، كانت على حالها ، وإلاّ جعلت في المماثل ، وإلاّ في غيره ، وإلاّ ففي المصالح ، على نحو ما مرّ ، وإن تعذّر الانتفاع بها باقيةً على حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه ، أشبهت الملك بعد إعراض المالك ، فيقوم فيها احتمال الرجوع إلى حكم الإباحة ، والعود ملكاً للمسلمين لِتُصرف في مصالحهم ، والعَوْد إلى المالك ، ومع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول المالك ، ويحتمل بقاؤه على الوقف ويباع ؛ احترازاً عن التلف والضرر ولزوم الحرج ، وتُصرف مرتَّباً على النحو السابق. وهذا هو الأقوى كما صرّح به بعضهم (١) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده كاشف الغطاء

وفيه : أنّ إجارة الأرض وبيع الآلات حسن لو ثبت دليل على كونها (٢) ملكاً (٣) للمسلمين ولو على نحو الأرض المفتوحة عنوة ، لكنّه‌

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٨٤ ٨٥.

(٢) في غير «ف» : كونه.

(٣) لم ترد «ملكاً» في «ف».

٥٥

غير ثابت ، والمتيقّن خروجه عن ملك مالكه ، أمّا (١) دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل.

نعم ، يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين ؛ لأصالة الإباحة ، ولا يتعلّق عليهم اجرة.

ما ورد في بيع ثوب الكعبة وهبته

ثمّ إنّه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة وهبته ، مثل رواية مروان بن عبد الملك (٢) : «قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجتَه وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له أن يبيع ما أراد؟ قال : يبيع ما أراد ، ويهب ما لم يرد ، وينتفع به ويطلب بركته. قلت : أيكفّن به الميّت؟ قال : لا» (٣).

الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد وبين نفس المسجد

قيل : وفي رواية أُخرى : «يجوز استعماله ، وبيع نفسه (٤)» (٥) وكذلك ما ذكروه في بعض حُصُر (٦) المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا‌

__________________

(١) في «ش» : وأمّا.

(٢) في الكافي والتهذيب : «مروان عن عبد الملك» ، انظر الكافي ٣ : ١٤٨ ، الحديث ٥ ، والتهذيب ١ : ٤٣٤ ، الحديث ١٣٩١.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٥٢ ، الباب ٢٢ من أبواب التكفين ، الحديث الأوّل.

(٤) في «ص» والمصدر : «بقيته» ، وفي «خ» : بعضه.

(٥) قاله الشيخ الكليني قدس‌سره على ما في الوسائل ٩ : ٣٥٩ ، الباب ٢٦ من أبواب مقدّمات الطواف ، ذيل الحديث الأوّل ، ولم نقف عليه في الكافي المطبوع.

(٦) في غير «ش» : حصير.

٥٦

من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان للبيت والمسجد ، فيكون (١) كسائر أموالهما ، ومعلومٌ أنّ وقفيّة أموال المساجد والكعبة من قبيل القسم الأوّل وليس (٢) من قبيل نفس المسجد ، فهي ملك للمسلمين ، فللناظر العامّ التصرّف فيها (٣) بالبيع.

نعم ، فرق بين ما يكون ملكاً طلقاً كالحصير المُشترى من مال المسجد ، فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل كان جديداً غير مستعمل ، وبين ما يكون من الأموال وقفاً على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل ويضعه في المسجد ، والثوب الذي يُلبس البيت ، فمثل هذا يكون ملكاً للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلاّ في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد

ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد : أنّ الحصير يتصوّر فيه كونه وقفاً على المسلمين ، لكن (٤) يضعه في المسجد ؛ لأنّه أحد وجوه انتفاعهم ، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد ، فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به ولو في مسجد آخر ، بل يمكن الانتفاع به في غيره ولو مع حاجته.

لكن يبقى الكلام في مورد الشكّ ، مثل ما إذا فرش حصيراً في المسجد أو وضع حبّ ماءٍ فيه ، وإن كان الظاهر في الأوّل الاختصاص وأوضح من ذلك الترَب الموضوعة فيه وفي الثاني العموم ، فيجوز‌

__________________

(١) كذا ، والمناسب : فيكونان.

(٢) كذا ، والمناسب : ليست.

(٣) في غير «ف» : فيه.

(٤) في «ش» : ولكن.

٥٧

التوضّؤ منه وإن لم يرد الصلاة في المسجد.

والحاصل : أنّ الحصير (١) وشبهها الموضوعة في المساجد وشبهها يتصوّر فيها (٢) أقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين ، وليست من قبيل نفس المسجد وأضرابه ، فتعرّض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا.

الجذع المنكسر من جذوع المسجد

نعم ، ما ذكرنا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان ، مع أنّ المحكي عن العلاّمة (٣) وولده (٤) والشهيدين (٥) والمحقّق الثاني (٦) جواز بيعه وإن اختلفوا في تقييد الحكم وإطلاقه كما سيجي‌ء (٧) ، إلاّ أن (٨) نلتزم (٩) بالفرق بين أرض المسجد ، فإنّ وقفها وجعلها مسجداً فكّ ملك ، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنّها تصير ملكاً للمسلمين ، فتأمّل.

حكم أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأساً

وكيف كان ، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأساً هو إبقاؤها مع التصرّف في منافعها كما تقدّم عن بعض‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : «الحُصُر» بصيغة الجمع.

(٢) في غير «ف» : فيه.

(٣) القواعد ١ : ٢٧٢.

(٤) الإيضاح ٢ : ٤٠٧.

(٥) الدروس ٢ : ٢٨٠ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٥٤ ، والمسالك ٣ : ١٧٠.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٩٧ و ٩ : ١١٦ ، وحكى ذلك عنهم المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٦.

(٧) يجي‌ء في الصفحة الآتية.

(٨) في غير «ف» و «ش» : أنّه.

(٩) في «ف» و «ص» : يلتزم.

٥٨

حكم أجزاء المسجد كذلك

الأساطين (١) أو بدونه. وأمّا أجزاؤه كجذوع سقفه وآجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينه (٢) فيه تعيّن (٣) ؛ لأنّ مقتضى وجوب إبقاء الوقوف وأجزائها (٤) على حسب ما يوقفها أهلها وجوب إبقائه جزءاً للمسجد ، لكن لا يجب صرف المال من المكلّف لمئونته ، بل يُصرف من مال المسجد أو بيت المال. وإن لم يكن مصلحة في ردّه جزءاً للمسجد ، فبناءً (٥) على ما تقدّم من أنّ الوقف في المسجد وأضرابه فكّ ملك ، لم يجز بيعه ، لفرض عدم الملك.

وحينئذٍ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب ، تعيّن (٦) صرفه في مصالح ذلك ، كإحراقه لآجر المسجد ونحو ذلك كما عن الروضة (٧) وإلاّ صُرِف في مسجدٍ آخر كما في الدروس (٨) وإلاّ صُرِف في سائر مصالح المسلمين.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٥٤ ٥٥.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب تأنيث الضمير ، وهكذا حال الضمائر الآتية الراجعة إلى كلمة «أجزاؤه».

(٣) العبارة في غير «ف» هكذا : فمع المصلحة في صرف عينه يجب صرف عينه فيه.

(٤) في «ش» : وإجرائها.

(٥) في غير «ش» : بناءً.

(٦) في غير «ش» : «فتعيّن» ، لكن صحّح في «ن» بما أثبتناه ، وفي «ص» ب «يتعيّن».

(٧) الروضة البهيّة ٣ : ٢٥٤.

(٨) الدروس ٢ : ٢٨٠ ، وحكاه عنه وعن الروضة المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٦.

٥٩

ما اُلحق بالمساجد

قيل : بل لكلّ أحد حيازته وتملّكه (١) ، وفيه نظر.

وقد الحق (٢) بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات والمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة ، والكتب الموقوفة على المشتغلين ، والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة ، والبواري الموضوعة لصلاة المصلّين ، وغير ذلك ممّا قصد بوقفه الانتفاع العامّ لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين ، لا لتحصيل المنافع بالإجارة ونحوها وصرفها في مصارفها كما في الحمّامات والدكاكين ونحوها (٣) ؛ لأنّ جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل ، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامّة والأسواق.

وهذا كلّه حسن على تقدير كون الوقف فيها فكّ ملك ، لا تمليكاً.

إتلاف الموقوفات العامّة

ولو أتلف شيئاً من هذه الموقوفات أو أجزائها متلفٌ ، ففي الضمان وجهان :

من عموم «على اليد» فيجب صرف قيمته في بدله.

ومن أنّ ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه ، والمفروض عدم المطالبة بأُجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزاً ، وأنّ الظاهر من التأدية في حديث «اليد» الإيصال إلى المالك فيختصّ بأملاك الناس ، والأوّل أحوط ، وقوّاه بعض (٤).

__________________

(١) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٦.

(٢) ألحقها المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٦.

(٣) في «ف» : ونحو ذلك.

(٤) وهو المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٥٦ ، وفيه : وهذا هو الأصحّ.

٦٠