كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

سُلّم عدم شموله له لغةً ، إلاّ أنّ المنساق عرفاً صرفه إلى كلّ من اتّصف بهذا العنوان ، فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز.

نعم ، لو كان المدفوع إليهم أشخاصاً خاصّة ، وكان الداعي على الدفع اتّصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور. والرواية معارضة بروايات أُخر ، مثل :

ما عن الكافي في الصحيح عن سعيد بن يسار ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يعطى الزكاة يقسّمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ قال : نعم» (١).

وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم ـ : «في رجلٍ اعطي مالاً يفرّقه في من يحلّ له ، أيأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيرَه» (٢).

وصحيحة ابن الحجّاج ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة؟ قال : لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره ، ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه» (٣).

المتّبع هو الظهور

والذي ينبغي أن يقال : أمّا من حيث دلالة اللفظ الدالّ على الإذن في الدفع والصرف ، فإنّ المتّبع الظهور العرفي وإن كان ظاهراً‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٥ ، الحديث الأوّل ، والوسائل ١٢ : ٢٠٦ ، الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٠٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٠٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث ٣.

٣٦١

بحسب الوضع اللغوي في غيره ، كما أنّ الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجيّة مقدّم على الظهور العرفي الثابت للّفظ المجرّد عن تلك القرائن.

الجمع بين الاخبار المانعة والمجوّزة

ثمّ إنّ التعبّد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بُعد ، فالأولى حمل الأخبار المجوّزة على ما إذا كان غرض المتكلّم صَرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلّق الغرض بخصوص فرد دون آخر ، وحمل الصحيحة المانعة (١) على ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور فأمره (٢) بالدفع إلى مساكين على وجه تكون المسكنة داعياً (٣) إلى الدفع لا موضوعاً ، ولمّا لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داعٍ على الرضا بوصول شي‌ءٍ من المال إليه.

ثمّ على تقدير المعارضة ، فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ ؛ لأنّ الشكّ بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي. ولو لم يكن للّفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلى المنع ؛ إذ لا يجوز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنٍ من المالك أو الشارع.

__________________

(١) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ن» ، «ع» و «ش» : «السابقة» ، وهي صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة في الصفحة السابقة.

(٢) في النسخ : «فأمرها» ، وفي نسخة بدل «خ» ومصحّحة «ن» ما أثبتناه.

(٣) كذا ، والمناسب : داعية.

٣٦٢

مسألة

حكم الاحتكار تكليفاً

احتكار الطعام‌ وهو كما في الصحاح (١) وعن المصباح (٢) : جمع الطعام وحبسه يتربّص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيّته.

الاختلاف في حرمته وكراهته

وقد اختلف في حرمته ، فعن المبسوط (٣) والمقنعة (٤) والحلبي في كتاب المكاسب (٥) والشرائع (٦) والمختلف (٧) : الكراهة.

وعن كتب الصدوق (٨) والاستبصار (٩) والسرائر (١٠) والقاضي (١١)

__________________

(١) صحاح اللغة ٢ : ٦٣٥ ، مادّة : «حكر». وفي «ف» زيادة : والنهاية ، وانظر النهاية لابن الأثير ١ : ٤١٧ ، مادّة : «حكر».

(٢) المصباح المنير : ١٤٥ ، مادّة «حكر».

(٣) المبسوط ٢ : ١٩٥.

(٤) المقنعة : ٦١٦.

(٥) الكافي في الفقه : ٢٨٣.

(٦) الشرائع ٢ : ٢١.

(٧) المختلف ٥ : ٣٨.

(٨) حكى ذلك عنها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٧ ، راجع المقنع : ٣٧٢ ، والفقيه ٣ : ٢٦٥.

(٩) الاستبصار ٣ : ١١٥ ، ذيل الحديث ٤٠٨.

(١٠) السرائر ٢ : ٢١٨. (١١) المهذّب ١ : ٣٤٦.

٣٦٣

والتذكرة (١) والتحرير (٢) والإيضاح (٣) والدروس (٤) وجامع المقاصد (٥) والروضة (٦) : التحريم.

الاقوى التحريم مع عدم باذل الكفاية والاستدلال عليه بالاخبار

وعن التنقيح (٧) والميسيّة (٨) : تقويته. وهو الأقوى بشرط عدم باذل الكفاية (٩) ؛ لصحيحة سالم الحنّاط ، قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ما عملك؟ قلت : حنّاط ، وربما قدمت على نفاق وربما قدمت على كساد فحبست. قال : فما يقول مَن قِبَلَك فيه؟ قلت : يقولون : محتكرٌ. قال : يبيعه أحد غيرك؟ قلت : ما أبيع أنا من ألف جزءٍ جزءاً (١٠). قال : لا بأس ، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له : حكيم بن حزام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلَّه ، فمرّ عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر» (١١) ، فإنّ الظاهر منه أنّ علّة عدم البأس وجود الباذل ، فلولاه حرم.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٨٥.

(٢) التحرير ١ : ١٦٠.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٩.

(٤) الدروس ٣ : ١٨٠.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٤٠.

(٦) الروضة البهيّة ٣ : ٢١٨ و ٢٩٨.

(٧) التنقيح الرائع ٢ : ٤٢.

(٨) لا يوجد لدينا ، ونقله عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٧.

(٩) في «ف» : للكفاية.

(١٠) كذا في المصادر الحديثيّة ، وفي النسخ : جزءٌ.

(١١) الوسائل ١٢ : ٣١٦ ، الباب ٢٨ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.

٣٦٤

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سئل عن الحكرة ، فقال : إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل» (١).

وزاد في الصحيحة المحكيّة عن الكافي والتهذيب : قال : «وسألته عن الزيت ، قال : إن كان (٢) عند غيرك فلا بأس بإمساكه» (٣).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر : «فامنع من الاحتكار ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً في موازين (٤) عدل (٥) لا يجحف بالفريقين : البائع والمبتاع. فمن قارف حكرةً بعد نهيك إيّاه فنكِّل به وعاقب في غير إسراف» (٦).

وصحيحة الحلبي ، قال : «سألته عليه‌السلام عمّن يحتكر الطعام‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣١٥ ، الباب ٢٨ من أبواب آداب التجارة ، الحديث الأوّل.

(٢) في «ص» : إذا كان.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ ، الحديث ٣ ، والتهذيب ٧ : ١٦٠ ، الحديث ٧٠٦ ، وعنهما في الوسائل ١٢ : ٣١٥ ، الباب ٢٨ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢ وذيله.

(٤) في المصدر : بموازين.

(٥) في نهج البلاغة زيادة : «وأسعار» ، وفي الوسائل : واسعاً.

(٦) نهج البلاغة : ٤٣٨ ، الكتاب ٥٣ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٣١٥ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١٣.

٣٦٥

ويتربّص به ، هل يصلح ذلك؟ قال : إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به ، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام» (١).

فإنّ الكراهة في كلامهم عليهم‌السلام وإن كان يستعمل في المكروه والحرام ، إلاّ أنّ في تقييدها بصورة عدم باذلٍ غيره مع ما دلّ على كراهة الاحتكار مطلقاً ، قرينة على إرادة التحريم. وحمله على تأكّد الكراهة أيضاً مخالف لظاهر «يكره» كما لا يخفى.

وإن شئت قلت : إنّ المراد ب «البأس» في الشرطية الأُولى التحريم ؛ لأنّ الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضاً ، فالشرطية الثانية كالمفهوم لها.

ويؤيّد التحريم : ما عن المجالس بسنده عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّما رجلٍ اشترى طعاماً فحبسه أربعين صباحاً يريد به الغلاء للمسلمين ، ثمّ باعه وتصدّق بثمنه لم يكن كفّارةً لما صنع» (٢).

وفي السند بعض بني فضّال ، والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه‌السلام عند سؤاله عنها : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (٣) ، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم ، فيُستغنى بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣١٣ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢.

(٢) الأمالي للطوسي : ٦٧٦ ، الحديث ١٤٢٧ ٦ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٣١٤ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٦.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٠٣ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٣.

٣٦٦

عن ملاحظة من قبلهم في السند ، وقد ذكرنا (١) : أنّ هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عمّا قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادّعاه الكشّي على تصحيح ما يصحّ عن جماعة (٢).

ما يؤيّد التحريم أيضاً

ويؤيّده أيضاً : ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورّام : من أنّه أرسل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عليه‌السلام ، قال : «اطّلعت على النار فرأيت في جهنّم وادياً فقلت : يا مالك لمن هذا؟ قال : لثلاثة : المحتكرين ، والمدمنين للخمر ، والقوّادين» (٣).

ما يؤيّد التحريم أيضاً

وممّا يؤيّد التحريم : ما دلّ على وجوب البيع عليه ، فإنّ إلزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرّماً ؛ إذ الإلزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

ثمّ إنّ كشف الإبهام عن أطراف المسألة يتمّ ببيان أُمور :

مورد الاحتكار

الأوّل : في مورد الاحتكار ، فإنّ ظاهر التفسير المتقدّم عن أهل اللغة وبعض الأخبار المتقدّمة : اختصاصه بالطعام.

وفي رواية غياث بن إبراهيم : «ليس الحكرة إلاّ في الحنطة ،

__________________

(١) لم نقف على موضع ذكر هذا المطلب بالخصوص ، لكن قال قدس‌سره في أوّل كتاب الصلاة عند ما تعرّض لرواية داود بن فرقد ـ : «وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلاّ أنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح ، وبنو فضّال ممّن أُمرنا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم» ، انظر كتاب الصلاة ١ : ٣٦.

(٢) ادّعاه الكشّي في موارد عديدة من رجاله ، انظر اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٧٣ ، الرقم ٧٠٥ ، والصفحة ٨٣٠ ، الرقم ١٠٥٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣١٤ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١١.

٣٦٧

والشعير ، والتمر ، والزبيب» (١).

وعن الفقيه : زيادة : «الزيت» (٢) ، وقد تقدّم في بعض الأخبار المتقدّمة دخول الزيت أيضاً (٣).

وفي المحكيّ عن قرب الإسناد برواية أبي البختري عن عليّ عليه‌السلام : «قال : ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب (٤) والسمن» (٥).

وعن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحكرة في ستّة أقسام (٦) الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزيت ، والزبيب ، والسمن» (٧).

الاتّفاق على ثبوت الاحتكار في الغلّات الاربع والسمن

ثمّ إنّ ثبوته في الغلاّت الأربع بزيادة «السمن» لا خلاف فيه ظاهراً ، وعن كشف الرموز (٨) وظاهر السرائر (٩) : دعوى الاتفاق عليه ،

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣١٣ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٥ ، الحديث ٣٩٥٤ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ٣١٣ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، ذيل الحديث ٤.

(٣) راجع الصفحة ٣٦٥ ، الصحيحة المحكيّة عن الكافي والتهذيب.

(٤) في غير «ف» و «ص» : الزيت.

(٥) قرب الإسناد : ١٣٥ ، الحديث ٤٧٢ ، الوسائل ١٢ : ٣١٤ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٧.

(٦) كذا في النسخ ، وفي المصدر : ستّة أشياء.

(٧) الخصال : ٣٢٩ ، الحديث ٢٣ ، والوسائل ١٢ : ٣١٤ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١٠.

(٨) راجع كشف الرموز ١ : ٤٥٥.

(٩) السرائر ٢ : ٢٣٨.

٣٦٨

وعن مجمع الفائدة : نفي الخلاف فيه (١).

هل يثبت الاحتكار في الزيت؟

وأمّا الزيت : فقد تقدّم في غير واحدٍ من الأخبار ؛ ولذا اختاره الصدوق (٢) والعلاّمة في التحرير حيث ذكر أنّ به روايةً حسنةً (٣) والشهيدان (٤) والمحقّق الثاني (٥) ، وعن إيضاح النافع : أنّ عليه الفتوى (٦).

هل يثبت الاحتكار في الملح؟

وأمّا الملح : فقد ألحقه بها في المبسوط (٧) والوسيلة (٨) والتذكرة (٩) ونهاية الإحكام (١٠) والدروس (١١) والمسالك (١٢) ، ولعلّه لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار : من حاجة الناس (١٣).

__________________

(١) مجمع الفائدة ٨ : ٢٦.

(٢) راجع المقنع : ٣٧٢ ، والفقيه ٣ : ٢٦٥ ، الحديث ٣٩٥٤.

(٣) التحرير ١ : ١٦٠.

(٤) الدروس ٣ : ١٨٠ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٩٩ ، والمسالك ٣ : ١٩٢.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٤٠.

(٦) إيضاح النافع (مخطوط) ولا يوجد لدينا ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٧.

(٧) المبسوط ٢ : ١٩٥.

(٨) الوسيلة : ٢٦٠.

(٩) التذكرة ١ : ٥٨٥.

(١٠) نهاية الإحكام ٢ : ٥١٤.

(١١) الدروس ٣ : ١٨٠.

(١٢) المسالك ٣ : ١٩٢.

(١٣) ورد التعليل في صحيحة الحلبي المتقدّمة في الصفحة ٣٦٥.

٣٦٩

ما هو حد الاحتكار

الثاني : روى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الحكرة في الخصب أربعون يوماً ، وفي الغلاء والشدّة ثلاثة أيّامٍ ، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب ، فصاحبه ملعونٌ ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون (١)» (٢).

ويؤيّدها ظاهر رواية المجالس المتقدّمة (٣) وحكي عن الشيخ (٤) ومحكيّ القاضي (٥) والوسيلة (٦) العمل بها ، وعن الدروس : أنّ الأظهر تحريمه مع حاجة الناس. ومظنّتها الزيادة على ثلاثة أيّام في الغلاء وأربعين في الرخص ؛ للرواية (٧) ، انتهى.

أمّا تحديده ب «حاجة الناس» فهو حسنٌ ، كما عن المقنعة (٨) وغيرها (٩) ، ويظهر من الأخبار المتقدّمة.

__________________

(١) كذا في «ص» والمصادر الحديثية ، وفي سائر النسخ : فملعون.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣١٢ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ، الحديث الأوّل.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٣٦٦.

(٤) راجع النهاية : ٣٧٤ و ٣٧٥.

(٥) لم نعثر عليه في كتب القاضي ، نعم حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٤٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٩.

(٦) راجع الوسيلة : ٢٦٠.

(٧) الدروس ٣ : ١٨٠.

(٨) المقنعة : ٦١٦ ، وحكاه السيّد العاملي عنها وعن غيرها في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٩.

(٩) راجع المهذّب ١ : ٣٤٦ ، ومجمع الفائدة ٨ : ٢٥.

٣٧٠

وأمّا ما ذكره من حمل رواية السكوني على بيان مظنّة الحاجة ، فهو جيّد. ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين تعبّداً.

عدم حصر الاحتكار في شراء الطعام بل مطلق جمعه وحبسه

الثالث : مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدّمة (١) في بادى النظر (٢) حصر الاحتكار في شراء الطعام [لكن الأقوى التعميم (٣)] بقرينة تفريع قوله : «فإن كان في المصر طعام».

ويؤيّد ذلك : ما تقدّم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه (٤) ، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والإحراز ، إلاّ أن يراد جمعه في ملكه (٥).

ويؤيّد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار ب «أن يترك الناس ليس لهم طعام» (٦) ، وعليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراثٍ أو يكون موهوباً له ، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك ، فحبسه متربّصاً للغلاء.

الرابع : أقسام حبس الطعام‌ كثيرة ؛ لأنّ الشخص إمّا أن يكون‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٣٦٥.

(٢) في «ن» زيادة : «عدم» تصحيحاً ، ووردت هذه الكلمة في متن غاية الآمال : ٤٨٦ ، فراجع.

(٣) من «ش» وهامش «خ».

(٤) تقدّم في الصفحة ٣٦٣.

(٥) في «ف» زيادة : بعضاً منه.

(٦) كما تقدّم في صحيحة الحلبي المتقدّمة في الصفحة ٣٦٥.

٣٧١

قد حصّل الطعام لحبسه أو لغرضٍ آخر ، أو حصل له من دون تحصيل له.

و «الحبس» ، إمّا أن يراد منه (١) نفس تقليل الطعام إضراراً بالناس في أنفسهم ، أو يريد به الغلاء وهو إضرارهم من حيث المال ، أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وإن حصل ذلك لغلاءٍ عارضيٍّ لا يتضرّر به أهل البلد ، كما قد يتّفق ورود عسكرٍ أو زوّارٍ (٢) في البلاد وتوقّفهم يومين أو ثلاثة ، فيحدث للطعام عزّةٌ لا يضرّ بأكثر أهل البلد ، وقد يريد ب «الحبس» لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضاً آخر.

هذا كلّه مع حصول الغلاء بحبسه ، وقد يحبس انتظاراً لأيّام الغلاء من دون حصول الغلاء بحبسه ، بل لقلّة الطعام آخر السنة ، أو لورود عسكرٍ أو زوّارٍ ينفد الطعام.

ثمّ حبسه لانتظار أيّام الغلاء ، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال ، وقد يكون لحبّ إعانة المضطرّين ولو بالبيع عليهم والإرفاق بهم.

ثمّ حاجة الناس قد يكون لأكلهم ، وقد يكون للبذر أو علف الدوابّ ، أو الاسترباح بالثمن.

أحكام هذه الاقسام

وعليك باستخراج (٣) أحكام هذه الأقسام وتمييز المباح والمكروه‌

__________________

(١) لم ترد «منه» في «ف».

(٢) لم ترد «أو زوّار» في «ف».

(٣) في غير «ف» : «في استخراج» ، وصحّحت في «ن» و «خ» بما أثبتناه.

٣٧٢

والمستحبّ من الحرام.

عدم الخلاف في إجبار المحتكر على البيع

هل يسعّر عليه أم لا؟

الخامس : الظاهر عدم الخلاف كما قيل (١) في إجبار المحتكر على البيع ، حتّى على القول بالكراهة ، بل عن المهذّب البارع : الإجماع (٢) ، وعن التنقيح (٣) كما عن الحدائق (٤) ـ : عدم الخلاف فيه ، وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الإجبار لغير الواجب ؛ ولذا ذكرنا : أنّ ظاهر أدلّة الإجبار تدلّ على التحريم (٥) ؛ لأنّ إلزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم لا يسعّر عليه إجماعاً ، كما عن السرائر ، وزاد وجود الأخبار المتواترة (٦) ، وعن المبسوط : عدم الخلاف فيه (٧).

لكن عن المقنعة : أنّه يُسعّر عليه بما يراه الحاكم (٨).

وعن جماعة (٩) منهم العلاّمة (١٠) وولده (١١) والشهيد (١٢) ـ : أنّه يسعّر‌

__________________

(١) راجع التنقيح الرائع ٢ : ٤٢ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٠٩.

(٢) المهذّب البارع ٢ : ٣٧٠.

(٣) التنقيح الرائع ٢ : ٤٢.

(٤) الحدائق ١٨ : ٦٤.

(٥) ذكره في الصفحة ٣٦٧.

(٦) السرائر ٢ : ٢٣٩.

(٧) المبسوط ٢ : ١٩٥.

(٨) المقنعة : ٦١٦.

(٩) حكاه عنهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٩.

(١٠) راجع المختلف ٥ : ٤٢.

(١١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٩.

(١٢) الدروس ٣ : ١٨٠.

٣٧٣

عليه إن أجحف بالثمن ؛ لنفي الضرر ، وعن الميسي (١) والشهيد الثاني (٢) : أنّه يؤمر بالنزول من دون تسعير ؛ جمعاً بين النهي عن التسعير ، والجبر (٣) بنفي الإضرار.

__________________

(١) الميسيّة ، لا توجد لدينا ، ولكن نقله عنه وعن الشهيد الثاني ، السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٩.

(٢) الروضة البهيّة ٣ : ٢٩٩.

(٣) في «م» ، «خ» ، «ع» و «ص» بدل «والجبر» : «في الخبر» ، وعلى فرض صحّة هذه النسخ فالصواب في الكلمة التي بعدها : «ونفي» ، كما في نسخة بدل «خ».

٣٧٤

خاتمة

استحباب الإجمال في الطلب والأخبار في ذلك

ومن أهمّ آداب التجارة الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه ، ففي مرسلة ابن فضّال عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها ، ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفّف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بدّ للمؤمن منه ؛ إنّ الذين أُعطوا المال ثمّ لم يشكروا ، لا مال لهم» (١).

وفي صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع : ألا إنّ الروح الأمين نفث في رَوْعي : أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها ، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شي‌ءٍ من الرزق أن تطلبوه بشي‌ءٍ من معصية الله ؛ فإنّ الله تبارك وتعالى قسّم الأرزاق في خلقه حلالاً ولم يقسمها حراماً ، فمن اتّقى الله وصبر آتاه الله برزقه من حِلِّه ، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ (٢) به من رزقه الحلال وحوسب عليه‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٠ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٣.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحتي «ن» و «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : قصّر.

٣٧٥

يوم القيامة» (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيراً ما يقول : اعلموا علماً يقيناً أنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل للعبد وإن اشتدّ جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته (٢) أن يسبق ما سمّي له في الذكر الحكيم ، ولم يحل بين (٣) العبد في ضعفه وقلّة حيلته أن يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم.

أيّها الناس ، إنّه لن يزداد امرؤٌ نقيراً لحذقه (٤) ، ولم ينقص امرؤٌ نقيراً لحمقه (٥) ، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحةً في منفعته ، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلاً في مضرّته ، وربّ مُنعَمٍ عليه مُستَدْرَجٍ بالإحسان إليه ، وربّ مغرور في الناس مصنوع له ، فأبق (٦) أيّها الساعي من سعيك ، وأقصر من عجلتك ، وانتبه من سِنَة غفلتك ، وتفكّر فيما جاء عن الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٧ ، الباب ١٢ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث الأوّل.

(٢) كذا في النسخ ، وفي الكافي والتهذيب : «مكابدته» ، وفي الوسائل : مكائده.

(٣) كذا في النسخ وفاقاً للتهذيب ، وفي الكافي : «ولم يحل من العبد» ، وفي مصحّحة «ن» والوسائل : «ولم يخل من العبد».

(٤) في المصادر الحديثيّة : بحذقه.

(٥) في التهذيب : بحمقه‌

(٦) كذا في «ش» ، وفي «ص» : «فاتق» ، وفي مصحّحة «ن» : «فأقِلَّ» ، وفي غيرها : «فاتو» ، والظاهر أنّها مصحّفة «فاتق» ، وفي الكافي والتهذيب : «فافق» ، وفي الوسائل : فأبق (فاتق الله ، خ ل).

(٧) التهذيب ٦ : ٣٢٢ ، الحديث ٨٨٣ ، والكافي ٥ : ٨١ ، الحديث ٩ ، والوسائل ١٢ : ٣٠ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٤.

٣٧٦

وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ الله عزّ وجلّ وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء ، ويعلموا أنّ الدنيا ليس يُنال ما فيها بعمل ولا حيلة» (١).

وفي مرفوعة سهل بن زياد أنّه قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كم من متعب نفسه مقتَّر عليه (٢) ، وكم من مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير» (٣). وفي رواية عليّ بن عبد العزيز قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت : جعلت فداك! أقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : ويحه! أما علم أنّ تارك الطلب لا تستجاب له دعوته (٤)؟ إنّ قوماً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزل قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٥) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كُفينا! فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليهم ، فقال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله تكفّل الله تعالى (٦) لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) : إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب» (٨).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٠ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث الأوّل.

(٢) في «ن» و «ش» زيادة : «رزقه» استدراكاً.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٠ ، الباب ٣٠ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٢.

(٤) في «ص» : دعوة.

(٥) الطلاق : ٢ و ٣.

(٦) لم ترد «تعالى» في «ف» و «خ».

(٧) لم ترد «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» في «ف» ، «ن» و «خ».

(٨) الوسائل ١٢ : ١٥ ، الباب ٥ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٧.

٣٧٧

وقد تقدّم رواية أنّه : «ليس منّا من ترك آخرته لدنياه ، ولا من ترك دنياه لآخرته» (١).

وتقدّم أيضاً (٢) حديث داود (٣) على نبيّنا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه الصلاة والسلام ، بعد الحمد لله الملك العلاّم ، على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاصّ والعامّ.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٤٢.

(٢) تقدّم في الصفحة ٣٤٢ أيضاً.

(٣) من هنا إلى آخر العبارة لم ترد في «ف» ، وورد بدلها ما يلي : «قد تمّ بفضله وعونه المجلّد الأوّل من هذه النسخة الشريفة ، ويتلوه إن شاء الله الثاني في الخيارات ، وهو مع أنّه قد جمع الأهمّ من القواعد وشمل الأنفع والأصحّ من المسائل والأُصول والشوارد ، وأودع فيه من الثمرة كلّ لباب ، ومن النكت ما لا يوجد منتظماً في كتاب ، قد تضمّن من التحقيق كلّ شاردٍ ، ومن التدقيق كلّ وارد ، واندرج فيه من النوادر ما حلي وضعها ، وحسن طرزها ، يشهد به من مارس الصناعة ، ويشاهده من تتبّع أقاويل الجماعة وكتب العلماء الأجلّة ، بل هو مع أنّه كثيراً مقتصر على مخزون الخاطر ومقترح القريحة ، مشتمل على تفصيل مجمل ، وبسط موجز ، وتقرير أسئلة ، وتحرير أجوبة ، ومنع اعتراضات ، ودفع معارضات ، وكشف شبهات ، وتحقيق حقّ ، وإبطال باطل ففيه فوائد باهرة وشواهد على صدق المدّعى ظاهرة ، يكاد من قوّة الحدس يستشفق الواقع من وراء حجابه ويستشهد المستور من وراء ستره ونقابه ، فهو حينئذٍ قد بلغ الغاية القصوى والدرجة العليا ، فلله درّة دام ظلّه حيث أحسن وأجاد ، نفعنا الله بوجوده وإفادته ، وسائر المحصّلين ، بمحمدٍ وآله الأمجاد ، والحمد لله على فضل الإتمام ، والصلاة والسلام على النبيّ وآله أئمّة الأنام ..».

٣٧٨

تمّ

الجزء الرابع

ويليه

الجزء الخامس وأوّله

في الخيارات

٣٧٩
٣٨٠