كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

مسألة

هل يجوز الاندار لظرفٍ بما يحتمل الزيادة والنقيصة‌

يجوز أن يُندر لظرفٍ ما يوزن مع ظرفه مقدارٌ يحتمل الزيادة والنقيصة‌ على المشهور ، بل لا خلاف فيه في الجملة ، بل عن فخر الإسلام التصريح بدعوى الإجماع ، قال فيما حكي عنه : نصّ الأصحاب على أنّه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثني من المبيع أمرٌ مجهولٌ ، واستثناء المجهول مبطل للبيع ، إلاّ في هذه الصورة ؛ فإنّه لا يبطل إجماعاً (١) ، انتهى.

والظاهر أنّ إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من أوّل الأمر ، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضاً.

الاقوال في المسألة

ثمّ إنّ الأقوال في تفصيل المسألة ستّة :

الأوّل : جواز الإندار بشرطين : كون المندَر متعارف الإندار عند التجار ، وعدم العلم بزيادة ما يندره. وهو للنهاية (٢) والوسيلة (٣) وعن‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في الإيضاح ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٩٤.

(٢) النهاية : ٤٠١.

(٣) الوسيلة : ٢٤٦.

٣٢١

غيرهما (١).

الثاني : عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها. وهو للتحرير (٢).

الثالث : اعتبار العادة مطلقاً ولو علم الزيادة أو النقيصة ، ومع عدم العادة فيما يحتملهما. وهو لظاهر اللمعة وصريح الروضة (٣).

الرابع : التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقاً ، وما علم الزيادة (٤) فالجواز بشرط التراضي (٥).

الخامس : عطف العلم بالنقيصة على الزيادة ، وهو للمحقّق الثاني ناسباً له إلى كلّ من لم يذكر النقيصة.

السادس : إناطة الحكم بالغرر (٦).

صورة المسألة

ثمّ إنّ صورة (٧) المسألة : أن يوزن مظروفٌ مع ظرفه فيعلم أنّه عشرة أرطال ، فإذا أُريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض وقلنا‌

__________________

(١) مثل نهاية الإحكام ٣ : ٥٣٦ ، والقواعد ١ : ١٢٩ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٩٤.

(٢) التحرير ١ : ١٧٩.

(٣) راجع اللمعة وشرحها (الروضة البهيّة) ٣ : ٢٨٤.

(٤) في «ن» و «خ» : زيادته.

(٥) راجع القواعد ١ : ١٢٩ ، والكفاية : ٩١ ، ونسبه في مجمع الفائدة (٨ : ١٩٠) إلى ظاهر الشرائع.

(٦) يظهر ذلك من صاحب الجواهر ، راجع الجواهر ٢٢ : ٤٤٩ ، وسيأتي نقله في الصفحة الآتية عن كاشف الغطاء قدس‌سره.

(٧) في «ف» : صور.

٣٢٢

بكفاية العلم بوزن المجموع وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفرداً ، على ما هو مفروض المسألة ومعقد الإجماع المتقدّم :

فتارة : يباع المظروف المذكور جملةً بكذا ، وحينئذٍ فلا يحتاج إلى الإندار ؛ لأنّ الثمن والمثمن معلومان بالفرض.

تحرير المسألة بوجهٍ آخر

وأُخرى : يباع على وجه التسعير بأن يقول : «بعتُكَه كلَّ رَطْلٍ بدرهم» فيجي‌ء مسألة الإندار ؛ للحاجة إلى تعيين ما يستحقّه البائع من الدراهم.

ويمكن أن تحرّر المسألة على وجه آخر ، وهو : أنّه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف ، وقلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفرداً فإندار أيّ مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم ، وهل هو منوط بالمعتاد بين التجار ، أو التراضي ، أو بغير ذلك؟

فالكلام في تعيين المقدار المندَر لأجل إحراز شرط صحّة بيع المظروف ، بعد قيام الإجماع على عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير أو بإخبار البائع.

نظر كاشف الغطاء إلى هذا الوجه

وإلى هذا الوجه ينظر بعض الأساطين (١) ؛ حيث أناط المقدار المندَر بما لا يحصل معه غرر ، واعترض على ما في القواعد ومثلها : من اعتبار التراضي في جواز إندار ما يعلم زيادته بأنّ التراضي لا يدفع غرراً ولا يصحّح عقداً. وتبعه في ذلك بعض أتباعه (٢).

استظهار هذا الوجه من عبارة فخرالدين

ويمكن أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدّمة (٣) حيث‌

__________________

(١) وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٩٧.

(٢) الظاهر أنّ المراد صاحب الجواهر حيث جعل المناط الغرر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٤٤٩.

(٣) راجع الصفحة ٣٢١.

٣٢٣

فرّع استثناء المجهول من المبيع على جواز الإندار ، إذ على الوجه الأوّل يكون استثناء (١) المجهول متفرّعاً على جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول ، لا على جواز إندار مقدارٍ معيّن ؛ إذ الإندار حينئذٍ لتعيين الثمن ، فتأمّل.

مخالفة هذا الوجه لظاهر كلمات الباقين

وكيف كان ، فهذا الوجه مخالفٌ لظاهر كلمات الباقين ، فإنّ جماعةً منهم كما عرفت من الفاضلين (٢) وغيرهما خصّوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة ، فلو كان الإندار لإحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان معتبراً مطلقاً ؛ إذ لا معنى لإيقاع العقد على وزنٍ مخصوصٍ بثمنٍ مخصوصٍ من دون تراضٍ.

وقد صرّح المحقّق والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأنّ في الإندار من دون التراضي تضييعاً لمال أحدهما (٣).

ولا يخفى أنّه لو كان اعتبار الإندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقّق تضييع المال ؛ لأنّ الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف ، سواء فرض زائداً أو ناقصاً.

هذا ، مع أنّه إذا فرض كون استقرار العادة على إندار مقدارٍ معيّنٍ‌

__________________

(١) في «م» ، «خ» و «ع» : الاستثناء.

(٢) لم يتقدّم ذلك من المحقّق ، بل من العلاّمة وحده في الصفحة السابقة ، ولعلّه يستفاد من قوله : «ومثلها» بعد عبارة : «على ما في القواعد» ، راجع الشرائع ٢ : ١٩.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ١١٥ ، والمسالك ٣ : ١٨٢.

٣٢٤

يحتمل الزيادة والنقيصة ، فالتراضي على الزائد عليه أو الناقص عنه يقيناً لا يوجب غرراً ، بل يكون كاشتراط زيادة مقدارٍ على المقدار المعلوم غير قادحٍ في صحّة البيع.

مثلاً : لو كان المجموع عشرة أرطال وكان المعتاد إسقاط رطل للظرف ، فإذا تراضيا على أن يُندَر للظرف رطلان (١) فكأنه شرط للمشتري أن لا يحسب عليه رطلاً. ولو تراضيا على إندار نصف رطلٍ فقد اشترط المشتري جَعْلَ ثَمَنِ تسعة أرطالٍ ونصفٍ ثَمَناً للتسعة ، فلا معنى للاعتراض على من قال باعتبار التراضي في إندار ما علم زيادته أو نقيصته : بأنّ التراضي لا يدفع غرراً ولا يصحّح عقداً.

الاظهر هو الوجه الاول

وكيف كان ، فالأظهر (٢) هو الوجه الأوّل ، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول كما عنون المسألة بذلك في اللمعة (٣) ، بل نسبه في الحدائق إليهم (٤) لا من حيث إندار مقدارٍ معيّنٍ للظرف المجهول وقت العقد ، والتواطؤ على إيقاع العقد على الباقي بعد الإندار.

كلام المحقّق الاردبيلي في تفسير عنوان المسألة

وذكر المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله في تفسير عنوان المسألة : أنّ المراد أنّه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثمّ يُسقط من المجموع مقدار الظرف تخميناً بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد ولا أنقص ، بل‌

__________________

(١) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : رطلاً.

(٢) في «ش» : فالظاهر.

(٣) اللمعة الدمشقيّة : ١١٤.

(٤) راجع الحدائق ١٨ : ٤٩٣.

٣٢٥

وإن تفاوت لا يكون إلاّ بشي‌ءٍ يسير يتساهل (١) به (٢) عادةً ، ثمّ دفع (٣) ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع (٤) ، انتهى.

ظهور كلام المحقّق الاردبيلي في الوجه الاوّل

فظاهره الوجه الأوّل الذي ذكرنا ، حيث جوّز البيع بمجرّد وزن المظروف مع الظرف ، وجَعَل الإندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه.

كلام صاحب الحدائق في تأييد الوجه الاوّل

وفي الحدائق في مقام الردّ على من ألحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها قال : إنّ الإندار حقٌّ للمشتري ؛ لأنّه قد اشترى مثلاً مائة منٍّ من السمن في هذه الظروف ، فالواجب قيمة المائة المذكورة ، وله إسقاط ما يقابل الظروف من هذا الوزن (٥) ، انتهى.

بعض المناقشات في كلام صاحب الحدائق

وهذا الكلام وإن كان مؤيّداً لما استقربناه في تحرير المسألة ، إلاّ أنّ جَعْلَ الإندار حقّا للمشتري والتمثيل بما ذكره لا يخلو عن (٦) نظر ؛ فإنّ المشتري لم يشترِ مائة منٍّ من السمن في هذه الظروف ؛ لأنّ التعبير بهذا مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة منٍّ لغو ، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة منٍّ ، فإن باعه بثمن معيّنٍ فلا حاجة إلى الإندار ، ولا حقّ للمشتري. وإن اشتراه على وجه التسعير بقوله : «كلّ منٍّ بكذا» فالإندار : إنّما يحتاج إليه لتعيين‌

__________________

(١) في غير «ف» : «متساهل» ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٢) به» من «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي المصدر و «ص» : بمثله.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر : يدفع ، وهو المناسب للسياق.

(٤) مجمع الفائدة ٨ : ١٩٠.

(٥) الحدائق ١٨ : ٤٩٤.

(٦) في «ف» : من.

٣٢٦

ما يستحقّه البائع على المشتري من الثمن ، فكيف يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدّث؟!

عدم كون الاندار حقّاً للمشتري

أخبار المسألة :

وقد علم ممّا ذكرنا : أنّ الإندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن إنّما هو لتعيين حقّ البائع ، وليس حقّا للمشتري.

١ ـ موثّقة حنّان

وأمّا الأخبار : فمنها موثّقة حنان قال : «سمعت معمّر الزيّات قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نشتري الزيت في زقاقه ، فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق؟ فقال له : إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه» (١).

قيل (٢) : وظاهره عدم اعتبار التراضي (٣).

أقول : المفروض في السؤال هو التراضي ؛ لأنّ الحاسب هو البائع أو وكيله وهما مختاران ، والمحسوب له هو المشتري.

مورد السؤال في المؤثّقة هو صورة التراضي

والتحقيق : أنّ مورد السؤال صحّة الإندار مع إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمنٍ مغايرٍ للمظروف ، أو مع ردّها إلى البائع من دون وزن لها ، فإنّ السؤال عن صحّة جميع (٤) ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه ، فلا إطلاق فيه يعمّ صورة عدم التراضي. ويؤيّده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة ؛ فإنّ النهي (٥) عنه ليس عن (٦) ارتكابه‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٧٣ ، الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٤.

(٢) لم ترد «قيل» في «ف».

(٣) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٤٤٨.

(٤) في «ف» : بيع.

(٥) في «ن» : المنهيّ.

(٦) كلمة «عن» من «ف» فقط ، والظاهر أنّ الصواب في العبارة : ليس إلاّ عن.

٣٢٧

بغير تراضٍ ، فافهم.

٢ ـ رواية على ابن حمزة

فحينئذٍ لا يعارضها ما دلّ على صحّة ذلك مع التراضي ، مثل رواية عليّ بن أبي حمزة ، قال : «سمعت معمّر الزيّات يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : جعلت فداك! نطرح ظروف السمن والزيت كلّ ظرف كذا وكذا رطلاً فربما زاد وربما نقص؟ قال : إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس» (١).

فإنّ الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك وعدم المانع منه شرعاً ، فيشبه التراضي العلّة التامّة الغير المتوقّفة على شي‌ء.

٣ ـ خبر عليّ ابن جعفر

ونحوه اشتراط التراضي في خبر عليّ بن جعفر المحكيّ عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام : «عن الرجل يشتري المتاع وزناً في الناسية والجوالق ، فيقول : ادفع للناسية رطلاً أو أكثر من ذلك ، أيحلّ ذلك البيع؟ قال : إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا تراضيا» (٢).

احتمالان في الرواية الاُولى

ثمّ إنّ قوله : «إن كان يزيد وينقص» في الرواية الأُولى ، يحتمل أن يراد به : الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندَر في شخص المعاملة ، بمعنى زيادة مجموع ما أُندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه. أو بمعنى : أنّه يزيد في بعض الزقاق ، وينقص (٣) في بعض آخر.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٧٢ ، الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل.

(٢) قرب الإسناد : ٢٦١ ، الحديث ١٠٣٥ ، والوسائل ١٢ : ٢٧٣ ، الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع ، الحديث ٣.

(٣) في غير «ش» : النقيصة.

٣٢٨

وأن يراد به : الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المُندَر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتّفق في بعض المعاملات الزيادة وفي بعض أُخرى النقيصة. وهذا هو الذي فهمه في النهاية (١) حيث اعتبر أن يكون ما يندر للظروف ممّا يزيد تارة وينقص اخرى ، ونحوه في الوسيلة (٢).

ويشهد للاحتمال الأوّل رجوع ضمير «يزيد» و «ينقص» إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق ، وللثاني عطف النقيصة على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما ، وللثالث ما ورد في بعض الروايات : «من أنّه ربما يشتري الطعام من أهل السفينة ثمّ يكيله فيزيد؟ قال عليه‌السلام : وربما نقص؟ قلت : وربما نقص. قال : فإذا نقص ردّوا عليكم؟ قلت : لا. قال : لا بأس» (٣).

فيكون معنى الرواية (٤) : أنّه إذا كان الذي يحسب لكم (٥) زائداً مرّة وناقصاً اخرى ، فلا بأس بما يحسب وإن بلغ ما بلغ ، وإن زاد دائماً ، فلا يجوز إلاّ بهبة أو إبراء من الثمن أو مع التراضي ، بناءً على عدم توقّف الشقّ الأوّل عليه ، ووقوع المحاسبة من السمسار بمقتضى العادة من غير اطّلاع صاحب الزيت.

الأقوى جواز إندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة

وكيف كان ، فالذي يقوى في النظر ، هو المشهور بين المتأخّرين‌

__________________

(١) النهاية : ٤٠١.

(٢) الوسيلة : ٢٤٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٠٣ ، الباب ٢٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٤) يعني بها موثّقة حنان المتقدّمة في الصفحة ٣٢٧.

(٥) في «ص» : عليكم.

٣٢٩

من جواز إندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة ؛ لأصالة عدم زيادة المبيع عليه وعدم استحقاق البائع أزيد ممّا يعطيه المشتري من الثمن. لكن العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حقّ أحدهما عند انكشاف الحال.

حكم الاندار مع العلم بالزيادة أو النقيصة

وأمّا مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فإن كان هنا عادةٌ تقتضيه ، كان العقد واقعاً عليها مع علم المتبايعين بها. ولعلّه مراد من لم يقيّد بالعلم. ومع الجهل بها أو عدمها فلا يجوز إلاّ مع التراضي لسقوط حقّ من له الحقّ ، سواء تواطئا على ذلك في متن العقد ، بأن قال : «بعتك ما في هذه الظروف كلّ رطلٍ بدرهمٍ على أن يسقط لكلّ ظرفٍ كذا» فهو هبةٌ له (١) ، أو تراضيا عليه بعده بإسقاطٍ من الذمّة أو هبةٍ للعين.

ما يستفاد من النصوص

هذا كلّه مع قطع النظر عن النصوص ، وأمّا مع ملاحظتها فالمعوّل عليه رواية حنّان المتقدّمة (٢) الظاهرة في اعتبار الاعتياد ، من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاصّ متعارفاً ، واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كلّ مظروفٍ بحسب حاله. وكأنّ الشيخ رحمه‌الله في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبّر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب (٣).

__________________

(١) العبارة في غير «ف» و «ش» هكذا : «فهو بمنزلة قولك : على أن تزيدني على كلّ عشرة رطلاً» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه ، قال المامقاني قدس‌سره بعد إثبات ما أثبتناه ـ : «هكذا صحّح المصنّف رحمه‌الله هذه العبارة بخطّه» غاية الآمال : ٤٧٧.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٣٢٧.

(٣) راجع النهاية : ٤٠١.

٣٣٠

وحيث إنّ ظاهر الرواية جواز الإندار واقعاً ، بمعنى عدم وقوعه مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة ، عملنا (١) بها كذلك ، فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عمّا يتسامح به ، فإنّ ذلك يحتاج إلى هبةٍ جديدةٍ ، ولا يكفي إقباضها من حيث كونها حقّا للمشتري.

هذا كلّه مع تعارف إندار ذلك المقدار وعدم العلم بالزيادة. وأمّا مع عدم (٢) القيدين ، فمع الشكّ في الزيادة والنقيصة وعدم العادة يجوز الإندار ، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الأمرين. ومعها (٣) يجوز بناءً على انصراف العقد إليها (٤). لكن فيه تأمّلٌ لو لم يبلغ حدّا يكون كالشرط في ضمن العقد ؛ لأنّ هذا ليس من أفراد المطلق حتّى ينصرف بكون العادة صارفةً له (٥).

عدم اختصاص الحكم بظروف السمن والزيت

ثمّ الظاهر : أنّ الحكم المذكور غير مختصٍّ بظروف السمن والزيت ، بل يعمّ كلَّ ظرفٍ ، كما هو ظاهر معقد الإجماع المتقدّم عن فخر الدين رحمه‌الله (٦) وعبارة النهاية والوسيلة (٧) والفاضلين والشهيدين والمحقّق‌

__________________

(١) في «ش» : علمنا.

(٢) كتب في «ش» فوق «عدم» : أحد ظ.

(٣) كذا في «ش» و «خ» ، وفي غيرهما : معهما ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٤) في غير «ش» : إليهما ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ بدل «له» : إليه.

(٦) راجع الصفحة ٣٢١.

(٧) من هنا إلى قوله : «والمحقق الثاني رحمهم‌الله» لم ترد في «ف».

٣٣١

الثاني رحمهم‌الله (١). ويؤيّده الرواية المتقدّمة عن قرب الإسناد (٢).

المراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشيء فيه

لكن لا يبعد أن يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشي‌ء فيه وعدم تفريغه منه كقوارير الجُلاّب والعطريّات ، لا مطلق اللغوي أعني : الوعاء. ويحتمل العموم ، وهو ضعيف.

الاقوى تعدية الحكم إلى كلّ مصاحب للمبيع

نعم ، يقوى تعدية الحكم إلى كلّ مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه كالشمع في الحليّ المصوغة (٣) من الذهب والفضّة ؛ وكذا للمظروف (٤) الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعاً له كقليل من الدبس في الزقاق (٥). وأمّا تعدية الحكم إلى كلّ ما ضمّ إلى المبيع ممّا لا يراد بيعه معه فممّا لا ينبغي احتماله.

__________________

(١) راجع النهاية : ٤٠١ ، والوسيلة : ٢٤٦ ، والقواعد ١ : ١٢٩ ، والتحرير ١ : ١٧٩ ، واللمعة وشرحها (الروضة البهيّة) ٣ : ٢٨٤ ، والمسالك ٣ : ١٨٢ ، وجامع المقاصد ٤ : ١١٥.

(٢) تقدمت في الصفحة ٣٢٨.

(٣) في «م» ، «ش» و «ص» : المصنوعة.

(٤) كذا في «ش» ، وفي «ن» ومحتمل «ف» : «المظروف» ، وفي سائر النسخ : الظروف.

(٥) في «ف» ونسخة بدل «خ» زيادة : للمحافظة.

٣٣٢

مسألة

هل يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه؟

يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم إلاّ بوزن المجموع ، على المشهور ، بل لم يوجد قائلٌ بخلافه من الخاصّة إلاّ ما أرسله في الروضة (١) ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامّة (٢) ، استناداً إلى أنّ وزن ما يباع وزناً غير معلوم ، والظرف لا يباع وزناً ، بل لو كان موزوناً لم ينفع مع جهالة وزن كلّ واحد واختلاف قيمتهما ، فالغرر الحاصل في بيع (٣) الجزاف حاصل هنا.

رأي المصنّف في المسألة

والذي يقتضيه النظر : أمّا فيما نحن فيه ممّا جُوّز شرعاً بيعُه منفرداً عن الظرف مع جهالة وزنه فالقطع بالجواز منضمّاً ؛ إذ لم يحصل بالانضمام (٤) مانعٌ ، ولا ارتفع شرط.

وأمّا في غيره من أحد المنضمّين اللذين (٥) لا يكفي في بيعه منفرداً‌

__________________

(١) الروضة البهيّة ٣ : ٢٨٤.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧١.

(٣) في «ع» : البيع.

(٤) في غير «ف» : من الانضمام.

(٥) كذا في النسخ ، وفي مصحّحة «ن» ونسخة بدل «خ» و «ع» : الذي.

٣٣٣

معرفة وزن المجموع ، فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي ، كما لو باع سبيكةً من ذهبٍ مردّدٍ بين مائة مثقالٍ وألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما (١) ألفي مثقال ، فإنّ الإقدام على هذا البيع (٢) إقدامٌ على ما فيه خطرٌ يستحقّ لأجله اللوم من العقلاء.

وأمّا مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع في النصّ الدالّ على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن (٣) والإجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول (٤) المقدار في المكيل والموزون ، فالقطع بالجواز ؛ لأنّ النصّ والإجماع إنّما دلاّ (٥) على لزوم اعتبار المبيع ، لا كلِّ جزءٍ منه.

صور بيع المظروف مع الظرف

ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفرداً مع معرفة وزن المجموع دون الآخر ، كما لو فرضنا جواز بيع الفضّة المحشّي بالشمع وعدم جواز بيع الشمع كذلك ، فإن فرضنا الشمع تابعاً لا يضرّ جهالته ، وإلاّ فلا.

ثمّ إنّ بيع المظروف مع الظرف يتصوّر على صورٍ :

١ ـ أن يبيعه مع ظرفه بكذا

إحداها : أن يبيعه مع ظرفه (٦) بعشرة مثلاً ، فيقسّط الثمن على‌

__________________

(١) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : وزنها.

(٢) في غير «ف» ، «ن» و «ش» : المبيع.

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٢٥٤ ، الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، وغيره من الأبواب.

(٤) في «ص» : المجهول.

(٥) في غير «ص» : دلّ.

(٦) كذا في «خ» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أن يبيعه وما في ظرفه.

٣٣٤

قيمتي كلٍّ من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط ، فإذا قيل : قيمة الظرف درهمٌ وقيمة المظروف تسعةٌ ، كان للظرف عُشر الثمن.

٢ ـ أن يبيعه مع ظرفه بكذا على ان كلّ رطلٍ من المظروف بكذا

الثانية : أن يبيعه مع ظرفه بكذا على أنّ كلّ رطلٍ من المظروف بكذا ، فيحتاج إلى إندار مقدارٍ للظرف ، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك. وهذا في معنى بيع كلٍّ منهما منفرداً.

٣ ـ أن يبيعه مع الظرف كلّ رطلٍ بكذا

الثالثة : أن يبيعه مع الظرف كلَّ رطلٍ بكذا على أن يكون التسعير للظرف والمظروف. وطريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك ـ : أن يوزن الظرف منفرداً وينسب إلى الجملة ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة (١) ، وتبعه على هذا غير واحدٍ (٢). ومقتضاه : أنّه لو كان الظرف رطلين والمجموع عشرة أُخذ له خمس الثمن.

والوجه في ذلك : ملاحظة الظرف والمظروف شيئاً واحداً ، حتّى أنّه يجوز أن يفرض تمام الظرف كسراً مشاعاً من المجموع ليساوي ثمنه ثمن (٣) المظروف. فالمبيع كلّ رطلٍ من هذا المجموع ، لا من المركّب من الظرف والمظروف ، لأنّه إذا باع كلّ رطل من الظرف والمظروف بدرهمٍ مثلاً وزّع الدرهم على الرطل والمظروف (٤) بحسب قيمة مثلهما. فإذا كان‌

__________________

(١) المسالك ٣ : ٢٨١.

(٢) مثل السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٥٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢٣٤ ٢٣٥.

(٣) في غير «ف» بدل «ثمن» : من.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «الرطل المظروف» ، وصحّحت في «ن» ب : الظرف والمظروف.

٣٣٥

قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه مساوياً لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود ، فكيف يقسّط الثمن عليه أخماساً؟

٣٣٦

مسألة

المعروف استحباب التفّقه في مسائل التجارات

المعروف بين الأصحاب تبعاً لظاهر تعبير الشيخ بلفظ «ينبغي» (١) ـ : استحباب التفقّه في مسائل الحلال والحرام المتعلّقة بالتجارات ، ليعرف صحيح العقد من (٢) فاسده ويسلم من الربا.

وجوب التفقّه في ذلك عند جماعة

كلام الشيخ المفيد في المسألة

وعن إيضاح النافع : أنّه قد يجب (٣). وهو ظاهر عبارة الحدائق أيضاً (٤). وكلام المفيد رحمه‌الله في المقنعة أيضاً لا يأبى الوجوب ؛ لأنّه بعد ذكر قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٥) ، وقوله تعالى (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٦) قال : فندب إلى الإنفاق‌

__________________

(١) انظر النهاية : ٣٧١.

(٢) في «ف» : عن.

(٣) لا يوجد لدينا إيضاح النافع ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٣٢.

(٤) راجع الحدائق ١٨ : ١٩ و ٢٣.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) البقرة : ٢٦٧.

٣٣٧

من طيّب الاكتساب ، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة والإنفاق ، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام لم يكن مجتنباً للخبيث من الأعمال ، ولا كان على ثقةٍ في تفقّهٍ (١) من طيّب الاكتساب ، وقال تعالى أيضاً (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (٢) ، فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحلّ الله وحرّم من المتاجر والاكتساب. وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يقول : «من اتّجر بغير علمٍ فقد ارتطم في الربا ، ثمّ ارتطم» (٣).

ثمّ قال : قال الصادق عليه‌السلام : «من أراد التجارة فليتفقّه في دينه ؛ ليعلم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرم عليه ، ومن لم يتفقّه في دينه ثمّ اتّجر تورّط في الشبهات» (٤) ، انتهى (٥).

ظاهر كلام الشيخ المفيد الوجوب من باب المقدّمة

أقول : ظاهر كلامه رحمه‌الله الوجوب ، إلاّ أنّ تعبيره بلفظ «ينبغي» ربما يُدّعى ظهوره في الاستحباب ، إلاّ أنّ الإنصاف (٦) أنّ ظهوره ليس بحيث يعارض (٧) ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدّمة ، فإنّ معرفة الحلال والحرام واجبةٌ على كلّ أحدٍ بالنظر إلى ما يبتلى به (٨) من‌

__________________

(١) في «ن» و «ص» : نفقةٍ ، والصواب : «نفقته» ، كما في نسخة من المصدر.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٤.

(٥) المقنعة : ٥٩٠ ٥٩١.

(٦) لم ترد «أنّ الإنصاف» في «ف».

(٧) في غير «ف» و «ش» : «يتعارض» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٨) في «ف» : «يبتنى عليه» ، وفي «م» و «ع» : يبتنى به.

٣٣٨

الأُمور. وليس معرفة جميعها ممّا يتعلّق بالإنسان وجوبها فوراً دفعةً ، بل عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعلٍ يريد أن يفعله ، أو عند إرادة الإقدام على أفعالٍ يعلم بوجود الحرام بينها ، فإنّه معاقبٌ على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلّم وإن لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه ، فإنّ التفاته السابق وعلمه بعدم خلوّ ما يريد مزاولتها من الأفعال من الحرام كافٍ في حسن العقاب ، وإلاّ لم يعاقب أكثر الجهّال على أكثر المحرّمات ؛ لأنّهم يفعلونها وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب.

بناءً على عدم عقاب الجاهل على الحرام الواقعي لكن تحصيل العلم واجب

ولذا أجمعنا على أنّ الكفّار يعاقبون على الفروع. وقد ورد ذمّ الغافل المقصّر في معصيته ، في غير واحدٍ من الأخبار (١).

ثمّ لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرّم الواقعي الذي يفعله من غير شعورٍ (٢) كما هو ظاهر جماعةٍ تبعاً للأردبيلي رحمه‌الله ـ : من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصيرٍ ؛ لقبح خطاب الغافل ، فيقبح عقابه. لكن (٣) تحصيل العلم وإزالة الجهل واجبٌ على هذا القول ، كما اعترفوا به.

عدم الوجه في عدم عقاب الجاهل المقصّر

والحاصل : أنّ التزام عدم عقاب الجاهل المقصّر لا (٤) على فعل الحرام ، ولا على ترك التعلّم إلاّ إذا كان حين الفعل ملتفتاً إلى احتمال‌

__________________

(١) راجع الكافي ١ : ٤٠ ، باب سؤال العالم ، الحديث ١ و ٢ ، والبحار ١ : ١٧٧ ١٧٨ ، الحديث ٥٨.

(٢) في غير «ش» : «من شعور» ، إلاّ أنّها صحّحت في بعض النسخ بما في المتن.

(٣) في النسخ زيادة : «وجوب» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٤) كلمة «لا» من «ش» ونسخة بدل «خ».

٣٣٩

تحريمه لا يوجد له وجهٌ ، بعد ثبوت أدلّة التحريم ، ووجوب طلب العلم على كلّ مسلمٍ ، وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في أفراد البيع التي يزاولها تدريجاً على ارتكاب الحرام في هذا (١) الأثناء وإن لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام.

ثمّ إنّ المقام يزيد على غيره بأنّ الأصل في المعاملات الفساد ، فالمكلّف إذا أراد التجارة وبنى على التصرّف فيما يحصل في يده من أموال الناس (٢) على وجه العوضيّة يحرم عليه ظاهراً الإقدام على كلّ تصرّفٍ منها بمقتضى أصالة عدم انتقاله إليه إلاّ مع العلم بإمضاء الشارع لتلك المعاملة ، ويمكن أن يكون في قوله عليه‌السلام : «التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلاّ من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ» (٣) إشارةٌ إلى هذا المعنى ، بناءً على أنّ الخارج من العموم ليس إلاّ من علم بإعطاء الحقّ وأخذ الحقّ.

وجوب التعلّم في المعاملات شرعيٌّ

فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام (٤) شرعيٌّ ، لنهي الشارع عن التصرّف في مالٍ لم يعلم انتقاله إليه ، بناءً على أصالة عدم انتقاله إليه. وفي غير هذا المقام عقليٌّ مقدّميٌّ لئلاّ يقع في الحرام.

الأولى وجوب التفقّه للتاجر عقلاً وشرعاً

وكيف كان ، فالحكم باستحباب التفقّه للتاجر محلّ نظر ، بل الأولى وجوبه عليه عقلاً وشرعاً ، وإن كان وجوب معرفة باقي المحرّمات من باب العقل فقط.

__________________

(١) في «ص» : هذه.

(٢) لم يرد «الناس» في غير «ف» و «ش» ونسخة بدل «خ».

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٨٢ ، الباب الأوّل من أبواب آداب التجارة ، الحديث الأوّل ، والصفحة ٢٨٥ ، الباب ٢ من الأبواب ، الحديث ٥.

(٤) أي : مقام إرادة التصرّف في مالٍ كان سابقاً للغير.

٣٤٠