كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

للأصل عند الشكّ.

صحّة التمسّك بأصالة عدم وصول حقّ المشتري إليه

فقد تحقّق ممّا ذكرنا : صحّة ما تقدّم : من أصالة عدم وصول حقّ المشتري إليه ، وكذا صحّة ما في التذكرة : من أصالة عدم التزام المشتري بتملّك هذا الموجود حتّى يجب الوفاء بما أُلزم (١).

نعم ما في المبسوط (٢) والسرائر (٣) والدروس (٤) : من أصالة بقاء يد المشتري على الثمن ، كأنه لا يناسب أصالة اللزوم بل يناسب أصالة الجواز عند الشكّ في لزوم العقد ، كما يظهر من المختلف في باب السبق والرماية (٥). وسيأتي تحقيق الحال في باب الخيار.

دعوى ورود أصالة عدم تغيّر المبيع على الاُصول المذكورة والمناقشة فيها

وأمّا دعوى ورود أصالة عدم تغيّر المبيع على الأُصول المذكورة ؛ لأنّ الشكّ فيها مسبّب عن الشكّ في تغيّر المبيع ، فهي مدفوعة مضافاً إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمَن قبل المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة ، كما إذا علم بكونها سمينة وأنّها صارت مهزولة ، ولا يعلم أنّها في زمان المشاهدة كانت باقية على السمن أو لا ، فحينئذٍ مقتضى الأصل تأخّر الهزال عن المشاهدة ، فالأصل تأخّر التغيّر ، لا عدمه‌

__________________

(١) في مصحّحة «ن» : بما التزم ، هذا ولم نعثر عليه في التذكرة ، ولعلّه ينظر إلى ما تقدّم عن التذكرة في الصفحة ٢٧٥.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٧.

(٣) السرائر ٢ : ٢٤٣.

(٤) الدروس ٣ : ١٩٩.

(٥) راجع المختلف ٦ : ٢٥٥ ، وفيه بعد نقل القولين من الجواز واللزوم ـ : والوجه ، الأوّل ، لنا : الأصل عدم اللزوم.

٢٨١

الموجب للزوم العقد ـ : بأنّ (١) مرجع أصالة عدم تغيّر المبيع إلى عدم كونها حين المشاهدة سمينة ، ومن المعلوم : أنّ هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد ، نظير أصالة عدم وقوع العقد على السمين.

نعم ، لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة وتعلّق العقد بالمهزول ثبت لزوم العقد ، ولكنّ الأُصول العدميّة في مجاريها لا تثبت وجود أضدادها.

لو ادّعى البائع الزيادة

هذا كلّه مع دعوى المشتري النقص الموجب للخيار.

ولو ادّعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع ، فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع ، لأنّ الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود حتّى يجب عليه الوفاء به.

وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا (٢). ولم يعلم وجهه.

__________________

(١) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أنّ.

(٢) انظر اللمعة الدمشقية : ١١٣ ، وفيها : «ولو اختلفا في التغيّر قدّم قول المشتري مع يمينه». ونسبه في الروضة (٣ : ٢٧١) إلى إطلاق العبارة.

٢٨٢

[الفرع (١)] الثاني

لو اختلفا في تقدّم التغيّر على البيع وتأخّره عنه

لو اتّفقا على التغيّر بعد المشاهدة ، ووقوع العقد على الوصف المشاهَد ، واختلفا في تقدّم التغيّر على البيع ليثبت الخيار ، وتأخّره عنه‌ على وجهٍ لا يوجب الخيار ، تعارض كلٌّ من أصالة عدم تقدّم البيع والتغيّر على صاحبه.

المرجع هو أصالة عدم وصول حقّ المشتري إليه

وحيث إنّ مرجع الأصلين إلى أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلاً ، وأصالة بقاء السمن ، وعدم وجود الهزال حال البيع والظاهر أنّه لا يترتّب على شي‌ءٍ منهما الحكم بالجواز أو (٢) اللزوم ؛ لأنّ اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه وانتقاله إلى المشتري ، وأصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين ؛ كما أنّ أصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حقّ المشتري إليه كما في المسألة السابقة ، إلاّ أنّ الفرق بينهما هو : أنّ الشكّ في وصول الحقّ هناك ناشٍ عن الشكّ في نفس الحقّ ، وهنا ناشٍ عن الشكّ في وصول الحقّ المعلوم.

وبعبارة اخرى : الشكّ هنا في وصول الحقّ ، وهناك في حقيّة (٣) الواصل ، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم.

__________________

(١) تقدّم الأوّل في الصفحة ٢٧٤.

(٢) في «ف» و «ش» بدل «أو» : و.

(٣) كذا في «ف» و «ن» ، وفي سائر النسخ : حقّه.

٢٨٣

لو كان مدّعي الخيار هو البائع

ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدّعي الخيار هو البائع ، بأن اتّفقا على مشاهدته مهزولاً ووقوع العقد على المشاهد وحصل السمن ، واختلفا في تقدّمه على البيع ليثبت الخيار للبائع ، فافهم وتدبّر ؛ فإنّ المقام لا يخلو عن إشكال واشتباه.

لو اختلفا في تقدّم التلف على البيع وتأخّره عنه

ولو وجد المبيع تالفاً بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية ، واختلفا في تقدّم التلف على البيع وتأخّره ، فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن ، لأصالة عدم تأثير البيع.

وقد يتوهّم جريان أصالة صحّة البيع هنا ، للشكّ في بعض شروطه ، وهو وجود المبيع.

وفيه : أنّ صحّة العقد عبارةٌ عن كونه بحيث يترتّب عليه الأثر شرعاً ، فإذا فرضنا أنّه عقد على شي‌ءٍ معدومٍ في الواقع فلا تأثير له عقلاً في تمليك العين ؛ لأنّ تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود ، ولا على قصد تمليك بدله مِثلاً أو قيمته (١) غير معقول. ومجرّد إنشائه باللفظ لغوٌ عرفاً ، يقبح مع العلم دون الجهل بالحال ، فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعلٌ فاسدٌ من المسلم ؛ لأنّ التمليك الحقيقي غير متحقّق ، والصوري وإن تحقّق لكنّه ليس بفاسد ؛ إذ اللغو فاسدٌ عرفاً أي قبيح إذا صدر عن علمٍ (٢) بالحال.

وبالجملة ، الفاسد شرعاً الذي تنزّه (٣) عنه فعل المسلم هو التمليك‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : قيمة.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي «خ» و «ص» ومصحّحة سائر النسخ : عمّن علم.

(٣) في مصحّحة «ن» : ينزّه.

٢٨٤

الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع.

فافهم هذا ، فإنّه قد غفل عنه بعضٌ (١) في مسألة الاختلاف في تقدّم (٢) بيع الراهن على رجوع المرتهن عن إذنه في البيع وتأخّره (٣) عنه ، حيث تمسّك بأصالة صحّة الرجوع عن الإذن ؛ لأنّ الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسداً ؛ لعدم مصادفته محلاًّ يؤثّر فيه.

نعم ، لو تحقّقت قابليّة التأثير عقلاً وتحقّق (٤) الإنشاء الحقيقي عرفاً ولو فيما إذا باع بلا ثمن ، أو باع ما هو غير مملوكٍ كالخمر والخنزير وكالتالف شرعاً كالغريق والمسروق ، أو معدوم قُصد تملّكه عند وجوده كالثمرة المعدومة ، أو قصد تمليك بدله مِثلاً أو قيمةً ، كما لو باع ما أتلفه زيد على عمرو ، أو صالحه إيّاه بقصد حصول أثر الملك في بدله تحقّق مورد الصحّة والفساد ، فإذا حكم بفساد شي‌ءٍ من ذلك ثمّ شكّ في أنّ العقد الخارجي منه أم من الصحيح ، حمل على الصحيح.

__________________

(١) راجع الجواهر ٢٥ : ٢٦٧.

(٢) في «ف» : تقديم.

(٣) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي النسخ : تأخيره.

(٤) في غير «ف» : أو تحقق.

٢٨٥
٢٨٦

مسألة

لزوم اختبار الطعم واللون والرائحة

لا بدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك ، كما في كلّ وصفٍ يكون كذلك ؛ إذ لا فرق في توقّف رفع الغرر على العلم ، بين هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل والوزن والعدّ.

عدم لزوم الاختبار فيما ينضبط من الاوصاف

ويغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف ، دون ما لا ينضبط ، كمقدار الطعم والرائحة واللون وكيفيّاتها ، فإنّ ذلك ممّا لا يمكن ضبطه إلاّ باختبار شي‌ءٍ من جنسه ، ثمّ الشراء على ذلك النحو من الوصف ، مثل أن يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤةً ، فبيع منه لؤلؤةٌ أُخرى على ذلك الوصف. وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامّة.

جواز الشراء بوصف الصحّة إذا كان المقصود من الاختبار استعلام الصحّة

نعم ، لو لم يُرد من اختبار الأوصاف إلاّ استعلام صحّته وفساده ، جاز شراؤها بوصف الصحّة ، كما في الدبس والدهن مثلاً ، فإنّ المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما. بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ورائحتها ، ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحّتها وفسادها.

٢٨٧

وإطلاق كلمات الأصحاب (١) في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف محمولٌ على ما إذا أُريد الأوصاف التي لها مدخلٌ في الصحّة ، لا الزائدة على الصحّة التي يختلف بها القيمة (٢) ، بقرينة تعرّضهم بعد هذا لبيان جواز شرائها من دون اختبارٍ ولا وصفٍ ، بناءً على أصالة الصحّة.

كلام الحلّي في عدم جواز البيع بالوصف

وكيف كان ، فقد قوّى في السرائر عدم الجواز أخيراً بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف ، وفاقاً للمشهور المدّعى عليه الإجماع في الغنية (٣). قال : يمكن أن يقال : إنّ بيع العين المشاهدة المرئيّة لا يجوز أن يكون بالوصف ؛ لأنّه غير غائبٍ فيباع مع خيار الرؤية بالوصف ، فإذاً لا بدّ من شمّه وذوقه ؛ لأنّه حاضر مشاهَد غير غائبٍ يحتاج إلى الوصف ، وهذا قويٌّ (٤) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده الحلّي

ويضعّفه : أنّ المقصود من الاختبار رفع الغرر ، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر والغائب تحكّماً. بل الأقوى جواز بيعه من غير اختبار ولا وصفٍ ، بناءً على أصالة الصحّة ، وفاقاً للفاضلين (٥)

__________________

(١) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ١٩ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٦ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٩٨ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٢٣١.

(٢) كذا في «خ» و «م» و «ع» و «ص» و «ش» ، وفي «ف» بدل «القيمة» : «مراتب الصحيح» ، وفي «ن» جمع بينهما وصحّحت العبارة هكذا : «يختلف بها قيمة مراتب الصحيح» ، وفي نسخة بدل «م» و «ع» و «ص» : مراتب الصحيح.

(٣) الغنية : ٢١١.

(٤) السرائر ٢ : ٣٣١.

(٥) الشرائع ٢ : ١٩ ، والقواعد ١ : ١٢٦.

٢٨٨

ومن تأخّر عنهما (١) ، لأنّه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحّة معه ، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحّة ، ومن المعلوم أنّه غير معتبرٍ في البيع إجماعاً ، بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرّح البائع بالبراءة من العيوب.

وأمّا رواية محمّد بن العيص : «عن الرجل يشتري ما يذاق ، أيذوقه قبل أن يشتري؟ قال : نعم فليذقه ، ولا يذوقنّ ما لا يشتري» (٢). فالسؤال فيها عن جواز الذوق ، لا عن وجوبه.

نسبة الخلاف في المسألة إلى جماعةٍ

ثمّ إنّه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلى المفيد والقاضي وسلاّر وأبي الصلاح وابن حمزة.

قال في المقنعة : كلّ شي‌ءٍ من المطعومات والمشمومات يمكن للإنسان اختباره من غير إفسادٍ له كالأدهان المختبرة بالشمّ وصنوف الطيب والحلوات المذوقة فإنّه لا يصحّ بيعه بغير اختباره (٣) ، فإن ابتيع بغير اختبارٍ كان البيع باطلاً ، والمتبايعان فيه (٤) بالخيار (٥) فإن تراضيا‌

__________________

(١) منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٧ ، والشهيدان في الدروس ٣ : ٩٩٨ ، والمسالك ٣ : ١٧٩ وغيرهم ، راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٣٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٧٩ ، الباب ٢٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل.

(٣) في «ش» : بغير اختبارٍ.

(٤) في «ش» : فيها.

(٥) إلى هنا كلام المفيد قدس‌سره ، راجع المقنعة : ٦٠٩ ، ولم نعثر على ما بعده فيها ، نعم نقله العلاّمة في المختلف (٥ : ٥٦٠) بلفظ : «قال الشيخان» ، وقال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة بعد نقل ما في المقنعة : «ومثله عبارة النهاية حرفاً بحرف ..» ، وزاد بعد قوله : «والمتبايعان فيه بالخيار» : «فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس» ، راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٣٢.

٢٨٩

بذلك لم يكن به بأس ، انتهى (١).

وعن القاضي : أنّه لا يجوز بيعه إلاّ بعد أن يختبر ، فإن بيع من غير اختبار كان المشتري مخيّراً في ردّه له على البائع (٢).

كلمات الفقهاء في عدم جواز البيع بالوصف

والمحكيّ عن سلاّر وأبي الصلاح وابن حمزة : إطلاق القول بعدم صحّة البيع من غير اختبار في ما لا يفسده الاختبار (٣) من غير تعرّض لخيارٍ للمتبايعين (٤) كالمفيد ، أو للمشتري كالقاضي.

ثمّ المحكيّ عن المفيد وسلاّر : أنّ ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحّة (٥).

وعن النهاية والكافي : أنّ بيعه جائز على شرط الصحّة أو البراءة من العيوب (٦).

وعن القاضي : لا يجوز بيعه إلاّ بشرط الصحّة أو البراءة من العيوب (٧). قال في محكيّ المختلف بعد ذكر عبارة القاضي ـ : إنّ هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين : أمّا الصحّة أو البراءة من العيوب ، وليس‌

__________________

(١) لم ترد «انتهى» في «ف».

(٢) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٦٠ ، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب القاضي.

(٣) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٦٠ ، وانظر المراسم : ١٨٠ ، والكافي في الفقه : ٣٥٤ ، والوسيلة : ٢٤٦.

(٤) في «ش» : لخيار المتبايعين.

(٥) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٦٢ ، وانظر المقنعة : ٦٠٩ ٦١٠ ، والمراسم : ١٨٠.

(٦) حكاه العلاّمة أيضاً في المختلف ٥ : ٢٦٣ ، وانظر النهاية : ٤٠٤ ، والكافي في الفقه : ٣٥٤.

(٧) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب القاضي وحكاه العلاّمة أيضاً في المختلف ٥ : ٢٦٣.

٢٩٠

بجيّد ، بل الأولى انعقاد البيع ، سواء شرط أحدهما أو خلى (١) عنهما أو شرط العيب. والظاهر أنّه إنّما صار إلى الإبهام من عبارة الشيخين (٢) ، حيث قالا : إنّه جاز على شرط الصحّة أو بشرط الصحّة. ومقصودهما : أنّ البيع بشرط الصحّة أو على شرط الصحّة جائز ، لا أنّ جوازه مشروط بالصحّة أو البراءة (٣) ، انتهى.

ظاهر عبارتي المقنعة والنهاية

أقول : ولعلّه لنكتةِ بيانِ أنّ مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد (٤) عبّر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله : «جاز (٥) بشرط (٦) الصحّة» (٧) ، لكنّ الإنصاف أنّ الظاهر من عبارتي المقنعة والنهاية ونحوهما هو اعتبار ذكر الصحّة في العقد ، كما يظهر بالتدبّر في عبارة المقنعة من أوّلها إلى آخرها (٨) ، وعبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها ، فلاحظ (٩).

وظاهر الكلّ كما ترى اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : أخلاه.

(٢) العبارة في المصدر هكذا : وإنّما صار إلى هذا الإبهام عبارة الشيخين.

(٣) المختلف ٥ : ٢٦٣.

(٤) في غير «ف» زيادة : «كما» ، وقد محيت في «ن».

(٥) في هامش «ن» زيادة : بيعه.

(٦) في غير «ف» و «ن» : شرط.

(٧) القواعد ١ : ١٢٦.

(٨) انظر المقنعة : ٦٠٩ ٦١٠.

(٩) راجع النهاية : ٤٠٤.

٢٩١

كما تقدّم من الحلّي (١).

فلا يكفي ذكر الأوصاف ، فضلاً عن الاستغناء عنها بأصالة السلامة. ويدلّ عليه : أنّ هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدّمة اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار ، وإن فهم في المختلف خلاف ذلك. لكن قدّمنا ما فيه.

كلام الفقهاء إنّما هو في الاُمور التي لا تنضبط خصوصيّاتها بالوصف

فينبغي أن يكون كلامهم في الأُمور التي لا تنضبط خصوصيّة طعمها وريحها بالوصف. والظاهر أنّ ذلك في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب ، إلاّ أنّ تخصيصهم (٢) الحكم بما لا يفسده الاختبار كالشاهد (٣) على أنّ المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة ، كما أنّ مقابله وهو ما يفسد الشي‌ء باختباره كالبيض والبطّيخ كذلك غالباً. ويؤيّده حكم القاضي بخيار المشتري (٤).

المحتملات في كلام الفقهاء

وكيف كان ، فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف ، فلا خلاف معهم منّا ولا من الأصحاب.

وإن كان مذهبهم موافقاً للحلّي (٥) بناءً على إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب ، فقد عرفت أنّه ضعيف في الغاية (٦).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٨٨.

(٢) في «ف» : إلاّ أن يخصّص.

(٣) في غير «ن» و «ص» : كالمشاهد.

(٤) راجع الصفحة ٢٨٩.

(٥) كذا في أكثر النسخ ، وفي «ف» وهامش «م» : «للمشهور» ، وفي «خ» و «ع» : للمحكي.

(٦) راجع الصفحة ٢٨٨ ٢٨٩.

٢٩٢

وإن كان مذهبهم عدم كفاية البناء على أصالة السلامة عن الاختبار والوصف وإن كان ذكر الوصف كافياً عن الاختبار ، فقد عرفت : أنّ الظاهر من حالهم وحال غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية.

تفصيل المصنّف بين كون السلامة مقوّمة للماليّة أو غير مقوّمة

ويمكن أن يقال بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان ؛ لعدم الدليل عليها ، لا من بناء العقلاء إلاّ فيما إذا كان الشكّ في طروّ المفسد ، مع أنّ الكلام (١) في كفاية أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف أعمّ ، ولا من الشرع ؛ لعدم الدليل عليه ـ : إنّ السلامة من العيب الخاصّ متى ما كانت مقصودة على جهة الركنيّة للمال كالحلاوة في الدبس ، والرائحة في الجُلاّب ، والحموضة في الخلّ ، وغير ذلك ممّا يذهب بذهابه معظم الماليّة فلا بدّ في دفع الغرر من إحراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات ، وحيث فرض عدم اعتبار أصالة السلامة ، فلا بدّ من الاختبار أو الوصف أو الاعتقاد (٢) بوجودها لأمارة عرفيّة مغنية عن الاختبار والوصف. ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم يجب إحرازها.

نعم ، لمّا كان الإطلاق منصرفاً إلى الصحيح جاء الخيار عند تبيّن العيب ، فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الإطلاق إلى النقد لا النسيئة ، وانصراف إطلاق الملك في المبيع إلى غير مسلوب المنفعة مدّة يعتدّ بها ، لا من جهة الاعتماد في إحراز الصحّة والبناء عليها على أصالة السلامة.

__________________

(١) في هامش «ن» : والكلام خ.

(٢) في «ف» : الاعتماد.

٢٩٣

وبعبارة اخرى : الشكّ في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ، ككون الجارية ممّن لا تحيض في سنّ الحيض ، ومثل هذا لا يعتبر إحراز السلامة عنه. وقد يستلزمه ، ككون الجارية خنثى وكون الدابّة لا تستطيع المشي أو الركوب والحمل عليها ، وهذه ممّا يعتبر إحراز السلامة عنها ؛ وحيث فرض عدم إحرازها بالأصل ، فلا بدّ من الاختبار أو الوصف.

ما يؤيّد التفصيل المذكور

هذا ، ويؤيّد ما ذكرنا من التفصيل : أنّ بعضهم كالمحقّق في النافع (١) والعلاّمة في القواعد (٢) عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه.

ما يقتضيه الانصاف في المسألة

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري وشكّ فيه ، فلا بدّ في رفع الغرر من إحراز السلامة عنه إمّا بالاختبار ، وإمّا بالوصف ، وإمّا بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف إمّا لأجل الانصراف وإمّا لأصالة السلامة ، من غير تفرقة بين العيوب أصلاً.

فلا بدّ إمّا من كفاية الإطلاق في الكلّ ؛ للأصل والانصراف ، وإمّا من عدم كفايته في الكلّ ؛ نظراً إلى أنّه لا يندفع به الغرر إلاّ إذا حصل منه الوثوق ، حتّى أنّه لو شكّ في أنّ هذا العبد صحيح أو أنّه أجذم لم يجز البناء على أصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق ، بل لا بدّ من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم.

وهذا وإن كان لا يخلو عن وجه ، إلاّ أنّه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع ـ : من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب وعدمها.

__________________

(١) المختصر النافع : ١١٩.

(٢) القواعد ١ : ١٢٦.

٢٩٤

مسألة

جواز شراء ما يفسده الاختبار من دون اختبار

يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار‌ إجماعاً على الظاهر ، والأقوى عدم اعتبار اشتراط الصحّة في العقد وكفاية الاعتماد على أصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار (١). خلافاً لظاهر جماعة تقدّم ذكرهم (٢) من اعتبار اشتراط الصحّة أو البراءة من العيوب أو خصوص أحدهما.

وقد عرفت تأويل العلاّمة في المختلف لعبارتي المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك وإرجاعهما إلى ما أراده من قوله في القواعد : «جاز بيعه بشرط الصحّة» : من أنّه مع الصحّة يمضي البيع ، ولا معها يتخيّر المشتري (٣).

وعرفت أنّ هذا التأويل مخالف للظاهر ، حتّى أنّ قوله في القواعد‌

__________________

(١) في «ف» وهامش «خ» زيادة ما يلي : وفاقاً لكلّ من قال بعدم اعتبار الاختبار أو الوصف في ما لا يفسده الاختبار.

(٢) تقدّم ذكرهم في الصفحات ٢٩٠ ٢٩١.

(٣) راجع الصفحة ٢٩٠.

٢٩٥

ظاهرٌ في اعتبار شرط الصحّة ؛ ولذا قال في جامع المقاصد : وكما يجوز بيعه بشرط الصحّة يجوز بيعه مطلقاً (١).

إذا تبيّن فساد البيع

وكيف كان ، فإذا تبيّن فساد المبيع ، فإن كان قبل التصرّف فيه بالكسر ونحوه ، فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة والجوز تخيّر بين الردّ والأرش. ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعدّ الفاسد من أفراد ذلك الجنس عرفاً كالجوز الأجوف الذي لا يصلح إلاّ للإحراق فيحتمل قويّاً بطلان البيع. وإن لم يكن لفاسده قيمة تبيّن بطلان البيع ؛ لوقوعه على ما ليس بمتموّلٍ.

وإن كان تبيّن الفساد بعد الكسر ، ففي الأوّل يتعيّن (٢) الأرش خاصة ؛ لمكان التصرّف.

ويظهر من المبسوط قولٌ بأنّه لو كان تصرّفه على قَدَرٍ يستعلم به فساد المبيع لم يسقط الردّ ، و (٣) المراد بالأرش : تفاوت ما بين صحيحه وفاسده الغير المكسور ؛ لأنّ الكسر نقصٌ حصل في يد المشتري (٤).

ومنه يعلم ثبوت الأرش أيضاً ولو لم يكن لمكسوره قيمة ؛ لأنّ العبرة في التموّل بالفاسد الغير المكسور ، ولا عبرة بخروجه بالكسر عن التموّل.

بطلان البيع لو لم تكن لفاسده قيمة

ويبطل البيع في الثاني أعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقاً‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٩٥.

(٢) في «ن» و «ص» : تعيّن.

(٣) في «ن» زيادة : «أنّ» ، تصحيحاً.

(٤) راجع المبسوط ٢ : ١٣٥.

٢٩٦

هل يبطل البيع من رأسٍ أو من حين تبيّن الفساد؟

رأي المصنّف في المسألة

للمبسوط (١) والسرائر (٢) ، (٣) وظاهر من تأخّر عنهما (٤). وظاهرهم بطلان البيع من رأس ، كما صرّح به الشيخ (٥) والحلّي (٦) والعلاّمة في التذكرة (٧) ، مستدلّين بوقوعه على ما لا قيمة له ، كالحشرات. وهو صريح جملةٍ ممّن تأخّر عنهم (٨) وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس ؛ فإنّ ظاهره انفساخ البيع من حين (٩) تبيّن الفساد لا من أصله ، وجَعَلَ الثاني احتمالاً ونسبه إلى ظاهر الجماعة (١٠). ولم يعلم وجه ما اختاره ؛ ولذا نسب في الروضة خلافه إلى الوضوح (١١). وهو كذلك ؛ فإنّ الفاسد الواقعي إن لم يكن من الأموال الواقعيّة كان العقد عليه فاسداً ، لأنّ اشتراط تموّل‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٣٥.

(٢) السرائر ٢ : ٣٣٢.

(٣) في «ن» زيادة : «والتذكرة» ، استدراكاً.

(٤) في «ف» ومصحّحة «ن» : عنهم ، وسيأتي نسبة المؤلف قدس‌سره ذلك إلى من صرّح برجوع المشتري بتمام الثمن (انظر الصفحة ٣٠١).

(٥) المبسوط ٢ : ١٣٥.

(٦) السرائر ٢ : ٣٣٢.

(٧) التذكرة ١ : ٤٦٧ و ٥٣١.

(٨) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٧٧ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٦ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٩٤ ، وكاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٧٨.

(٩) في غير «ف» : حيث ، وفي «ن» كتب عليها : حين خ.

(١٠) الدروس ٣ : ١٩٨.

(١١) الروضة البهيّة ٣ : ٢٧٧.

٢٩٧

العوضين واقعي لا علمي. وإن كان من الأموال الواقعيّة ، فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوتٌ في القيمة لم يكن هنا أرشٌ ولا ردٌّ ، بل كان البيع لازماً وقد تلف المبيع بعد قبضه. وإن كان بينه وبين الصحيح الواقعي تفاوتٌ ، فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن لا جميع الثمن.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّه مالٌ واقعيٌّ إلى حين تبيّن الفساد ، فإذا سقط عن الماليّة لأمرٍ سابقٍ على العقد وهو فساده واقعاً كان في ضمان البائع ، فينفسخ (١) البيع حينئذٍ.

بل يمكن أن يقال بعدم الانفساخ ، فيجوز له الإمضاء فيكون المكسور ملكاً له وإن خرج عن الماليّة بالكسر ، وحيث إنّ خروجه عن المالية لأمرٍ سابق على العقد كان مضموناً على البائع ، وتدارك هذا العيب أعني فوات الماليّة لا يكون إلاّ بدفع تمام الثمن (٢). لكن سيجي‌ء ما فيه من مخالفة القواعد والفتاوى.

وفيه : وضوح كون ماليّته عرفاً وشرعاً من حيث الظاهر ، وأمّا (٣) إذا انكشف الفساد حُكم بعدم الماليّة الواقعيّة من أوّل الأمر ؛ مع أنّه لو كان مالاً واقعاً فالعيب حادثٌ في ملك المشتري ؛ فإنّ العلم مخرجٌ له عن الماليّة ، لا كاشفٌ ، فليس هذا عيباً مجهولاً ، ولو سلّم فهو كالأرمد يعمى بعد الاشتراء والمريض يموت ، مع أنّ فوات الماليّة يُعدّ تلفاً ، لا عيباً.

__________________

(١) في «ف» : فيفسخ.

(٢) في «ف» وهامش «خ» زيادة : فيكون الأرش هنا تمام الثمن.

(٣) في «ف» بدل «وأمّا» : وأنّه.

٢٩٨

ثمرة الخلاف في المسألة

ثمّ إنّ فائدة الخلاف تظهر في ترتّب آثار مالكيّة (١) المشتري الثمن (٢) إلى (٣) حين تبيّن الفساد.

هل مؤونة النقل من موضع الاشتراء على البائع أو على المشتري؟

وعن الدروس واللمعة : أنّها تظهر في مئونة نقله عن الموضع الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره (٤) ، فعلى الأوّل على البائع ، وعلى الثاني على المشتري ؛ لوقوعه في ملكه.

وفي جامع المقاصد : الذي يقتضيه النظر أنّه ليس له رجوعٌ على البائع بها ؛ لانتفاء المقتضي (٥). وتبعه الشهيد الثاني ، قال : لأنّه نقله بغير أمره ، فلا يتّجه الرجوع عليه بها ، وكون المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث يرجع (٦) بما غرم ، إنّما يتّجه مع الغرور ، وهو منفيٌّ هنا ، لاشتراكهما في الجهل (٧) ، انتهى.

واعتُرض عليه (٨) : بأنّ الغرور لا يختصّ بصورة علم الغارّ.

وهنا قولٌ ثالثٌ نفى عنه البعد بعض الأساطين (٩) ، وهو : كونه على البائع على التقديرين. وهو بعيدٌ على تقدير الفسخ من حين تبيّن الفساد.

__________________

(١) كذا في نسخة بدل «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي النسخ : ملكيّة.

(٢) في «ص» ومصحّحة «ن» : للثمن.

(٣) لم ترد «إلى» في «خ».

(٤) الدروس ٣ : ١٩٨ ، واللمعة الدمشقية : ١١٤.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٩٦.

(٦) في النسخ : «رجع» ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٧) الروضة البهيّة ٣ : ٢٧٨ ٢٧٩.

(٨) اعترض عليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٣٥.

(٩) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٧٩.

٢٩٩

حكم مؤونة النقل من موضع الكسر

هذا كلّه في مئونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر. وأمّا مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه لمطالبة مالكه أو لكونه مسجداً أو مشهداً فإن كان المكسور مع عدم تموّله ملكاً نظير حبّة الحنطة ، فالظاهر أنّه على البائع على التقديرين ؛ لأنّه بعد الفسخ ملكه ، وأمّا لو لم يكن قابلاً للتملّك ، فلا يبعد مؤاخذة المشتري به. وفي رجوعه على البائع ما تقدّم في مئونة نقله إلى موضع الكسر.

لو تبرّأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره

ثمّ إنّ المحكيّ في الدروس عن الشيخ وأتباعه : أنّه لو تبرّأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صحّ (١) ، قال : ويشكل : أنّه أكل مال بالباطل (٢). وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان (٣).

توجيه صاحب الجواهر لصحّة اشتراط البراءة

وقد تصدّى بعض لتوجيه صحّة اشتراط البراءة بما حاصله : منع بطلان البيع وإن استحقّ المشتري مجموع الثمن من باب الأرش المستوعب ، فإنّ الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب ، لا أنّه جزءٌ من الثمن استحقّ بسبب فوات ما قابلة من المثمن ، ولذا يسقط بالإسقاط ، ولا يتعيّن على البائع الإعطاء من نفس الثمن ، ويسقط (٤) بالتبرّي. وليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع ؛ إذ المثمن متحقّق (٥) على حسب معاملة العقلاء ، ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في‌

__________________

(١) راجع النهاية : ٤٠٤ ، والوسيلة : ٢٤٧.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٨.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٩٥ ٩٦ ، والمسالك ٣ : ١٧٩.

(٤) كذا في «ف» ، وفي مصحّحتي «ن» و «خ» : «فيسقط» ، وفي سائر النسخ : ليسقط.

(٥) كذا في «ن» ، وفي سائر النسخ ونسخة بدل «ن» : يتحقّق.

٣٠٠