كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

١ ـ التقدير بغير ما تعارف تقديره به من حيث جعله طريقاً إلى ما تعارف فيه

أمّا الأوّل ، فقد يكون التفاوت المحتمل ممّا يتسامح فيه عادة ، وقد يكون ممّا لا يتسامح فيه :

أمّا الأوّل ، فالظاهر جوازه ، خصوصاً مع تعسّر تقديره بما يتعارف فيه ؛ لأنّ ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره ممّا (١) يتعارف فيه ، غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الآخر طريقاً إليه.

ويؤيّده رواية عبد الملك بن عمرو ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشتري مائة راوية من زيت ، فأعترض (٢) راوية أو اثنتين فأزنهما (٣) ، ثمّ آخذ سائره على قدر ذلك. قال : لا بأس» (٤).

استدلّ بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذّر وزنه بوزن واحد من المتعدّد ونسبة الباقي إليه ، وأردفه بقوله : ولأنه يحصل المطلوب وهو العلم (٥).

واستدلاله الثاني يدلّ على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذّر ، والتقييد بالتعذّر لعلّه استنبطه من الغالب في مورد السؤال ، وهو تعذّر‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر : «بما» كما في مصحّحة «ن».

(٢) في غير «ف» و «ش» : «فأعرض» ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٣) كذا في الكافي ، وفي النسخ : فأتزنهما.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ ، الحديث ٧ ، والوسائل ١٢ : ٢٥٥ ، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٩.

٢٢١

وزن مائة راوية من الزيت ؛ ولا يخفى أنّ هذه العلّة (١) لو سلّمت على وجهٍ يقدح في عموم ترك الاستفصال إنّما يجب الاقتصار على موردها لو كان الحكم مخالفاً لعمومات وجوب التقدير ، وقد عرفت أنّ هذا في الحقيقة تقديرٌ وليس بجزاف.

نعم ، ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز ، كما سيجي‌ء (٢).

وأمّا لو كان (٣) التفاوت ممّا لا يتسامح فيه ، فالظاهر أيضاً الجواز مع البناء على ذلك المقدار (٤) المستكشف من التقدير إذا كان ذلك التقدير أمارةً على ذلك المقدار ، لأنّ ذلك أيضاً خارجٌ عن الجزاف ، فيكون نظير إخبار البائع بالكيل. ويتخيّر المشتري لو نقص.

٢ ـ التقدير بغير ما تعارف تقديره به مستقلا

وما تقدّم من صحيحة الحلبي في أوّل الباب من المنع عن شراء أحد العِدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك (٥).

هذا كلّه مع جعل التقدير الغير المتعارف أمارةً على المتعارف.

جواز بيع المكيل وزناً والدليل عليه

وأمّا كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالةً من غير ملاحظة التقدير المتعارف (٦) ، فالظاهر جواز بيع المكيل (٧) وزناً على المشهور ، كما‌

__________________

(١) في مصحّحة «م» وهامش «ن» : «الغلبة» ، واستظهرها مصحّح «ش» أيضاً.

(٢) سيجي‌ء في الصفحة ٢٢٤.

(٣) في «ف» : إذا كان.

(٤) في «ع» و «ش» : المقدر.

(٥) راجع الصفحة ٢١٠ ٢١١.

(٦) هذه هي الصورة الثانية ، وتقدّمت أُولاها في الصفحة السابقة.

(٧) في «ص» و «ش» : الكيل.

٢٢٢

عن الرياض (١) ؛ لأنّ ذلك ليس من بيع المكيل مجازفةً ، المنهيّ عنه في الأخبار (٢) ومعقد الإجماعات ؛ لأنّ الوزن أضبط من الكيل ، ومقدار ماليّة المكيلات معلومٌ به أصالةً من دون إرجاعٍ إلى الكيل.

الوزن أصلٌ للكيل

والمحكي المؤيّد بالتتبّع ـ : أنّ الوزن أصلٌ للكيل ، وأنّ العدول إلى الكيل من باب الرخصة ؛ وهذا معلوم لمن تتبّع موارد تعارف الكيل في الموزونات.

ما يشهد لأصالة الوزن

ويشهد لأصالة الوزن : أنّ المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرّقة على اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ إلاّ الوزن ؛ إذ ليس هنا كيلٌ واحدٌ يقاس المكاييل عليه.

الإشكال في كفاية الكيل في الموزون

وأمّا كفاية الكيل في الموزون (٣) من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ، ففيه إشكالٌ ، بل لا يبعد عدم الجواز ، وقد عرفت عن السرائر : أنّ ما يباع وزناً لا يباع كيلاً بلا خلاف (٤) ، فإنّ هذه مجازفةٌ صرفة ؛ إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه ، وعاءً منضبطاً (٥) ، فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعةٍ حاضرةٍ أو مل‌ء اليد (٦) ؛ فإنّ الكيل من حيث هو لا‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٥١٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٥٤ ، الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) في «ف» زيادة : أوّلاً.

(٤) راجع الصفحة ٢١٠.

(٥) في «ش» : منضبط.

(٦) العبارة في «ف» هكذا : فهو بعينه من التعذّر كقصعة حاضرة أو ملي اليد قدره تخميناً ، فإنّ ..

٢٢٣

يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ، فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية المشاهدة.

معاملة الموزون بوزنٍ معلوم عند أحد المتبايعين

ثمّ إنّه قد علم ممّا ذكرنا : أنّه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقّة والرطل والوَزْنة باصطلاح أهل العراق ، الذي لا يعرفه غيرهم ، خصوصاً الأعاجم غير جائز ؛ لأنّ مجرّد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في الميزان ، ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله ، لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة.

كفاية الكيل أو الوزن في المعدود إذا كان طريقاً إليه

هذا كلّه في المكيل والموزون.

وأمّا المعدود : فإن كان الكيل أو الوزن طريقاً إليه ، فالكلام فيه كما عرفت في أخويه. وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه ؛ فيكال بمكيال (١) ثمّ يعدّ ما فيه ، ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال : لا بأس به» (٢).

فإنّ ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة ، ولم يردعه الإمام عليه‌السلام بالتنبيه على أنّ ذلك غير مختصّ بصورة الاضطرار.

__________________

(١) كذا في «ص» و «ش» والوسائل ومصحّحة «ن» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «لا يستطيع يكال بمكيال ..» مع اختلافات اخرى لم نتعرّض لذكرها.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٥٩ ، الباب ٧ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٢٢٤

لكن التقرير غير واضح ، فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات ؛ ولذا قوّى في الروضة الجواز مطلقاً (١).

الإشكال في كفاية الكيل في المعدود مستقلّاً

وأمّا كفاية الكيل فيه أصالةً : فهو مشكلٌ ؛ لأنّه لا يخرج عن المجازفة ، والكيل لا يزيد على المشاهدة.

الظاهر كفاية الوزن في المعدود

وأمّا الوزن : فالظاهر كفايته ، بل ظاهر قولهم في السلَم : «إنّه لا يكفي العدّ في المعدودات وإن جاز بيعها معجّلاً بالعدّ ، بل لا بدّ من الوزن» (٢) : أنّه لا خلاف في أنّه أضبط ، وأنّه يغني عن العدّ (٣).

فقولهم في شروط العوضين (٤) : «إنّه لا بدّ من العدّ في المعدودات» (٥) محمولٌ على أقلّ مراتب التقدير. لكنّه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم : «ويكفي الوزن عن العدّ» (٦) ؛ فإنّه يوهم كونه الأصل في الضبط ، إلاّ أن يريدوا هنا الأصالة والفرعيّة بحسب الضبط المتعارف ، لا بحسب الحقيقة ، فافهم.

المناط في المكيل والموزون

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي‌ء مكيلاً أو موزوناً.

__________________

(١) الروضة البهيّة ٣ : ٢٦٦ ، وفيه : كان حسناً.

(٢) لم نعثر على العبارة بعينها ، نعم في الغنية : ٢٢٧ ، والسرائر ٢ : ٣١٨ ، والشرائع ١ : ٦٣ ما يدلّ عليه ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٤٥٣ أيضاً.

(٣) في غير «ش» : «الوزن» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٤) في غير «ش» بدل «العوضين» : «المتعاقدين» ، وفي هامش «ن» : العوضين ظ.

(٥) راجع الشرائع ٢ : ١٧ ، والقواعد ١ : ١٢٦ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٤.

(٦) لم نعثر عليه ، نعم حكموا بالجواز مع التعذّر أو التعسّر ، راجع النهاية : ٤٠٠ ، والسرائر ٢ : ٣٢١ ، والمسالك ٣ : ١٧٦ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٦.

٢٢٥

دعوى إجماع الأصحاب على أنّ المعيار في ذلك زمان الشارع

فقد قيل (١) : إنّ الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع ، وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها ، فما كان مكيلاً أو موزوناً في بلد يباع كذا ، وإلاّ فلا (٢). وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب (٣).

مناقشة صاحب الجواهر في الإجماع

وربما منع ذلك بعض المعاصرين ، قائلاً : إنّ دعوى الإجماع على كون المدار هنا على زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الوجه المذكور ، غريبة! فإنّي لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين ، فضلاً عن أن يكون إجماعاً. نعم ، قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا ، لا أنّه كذلك بالنظر إلى الجهالة والغرر الذي من المعلوم عدم المدخليّة لزمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رفع شي‌ءٍ من ذلك وإثباته (٤) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده صاحب الجواهر

أقول : ما ذكره دام ظلّه ـ : من عدم تعرّض جلّ الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط العوضين وأنّ ما ذكروه في باب الربا ، حقٌّ ، إلاّ أنّ المدار وجوداً وعدماً في الربا على اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشي‌ء ، وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط والمعيار فيه هنا يعني في شروط العوضين إلاّ أنّ الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا وفي ذلك الباب.

عدم اختصاص المعيار بمسألة الربا

وأمّا اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا وعدم جريانه في شروط‌

__________________

(١) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٨.

(٢) إلى هنا كلام السيّد العاملي قدس‌سره.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ١٧٧ ، والحدائق ١٨ : ٤٧١ ، وحكى ذلك عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٨.

(٤) الجواهر ٢٢ : ٤٢٧ ٤٢٨.

٢٢٦

العوضين كما ذكره فهو خلاف الواقع :

كلام الشيخ الطوسي في عدم الاختصاص

أمّا أوّلاً ، فلشهادة تتبّع كلمات الأصحاب بخلافه. قال في المبسوط في باب الربا : إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شي‌ءٍ الكيل ، لم يجز إلاّ كيلاً في سائر البلاد ، وما كانت فيه وزناً لم يجز إلاّ وزناً في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكّة (١) ، هذا كلّه بلا خلاف. فإن كان ممّا لا يعرف عادته (٢) في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشي‌ء ، فما عرف بالكيل لا يباع إلاّ كيلاً ، وما عرف فيه الوزن لا يباع إلاّ وزناً (٣) ، انتهى.

ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع ، لا لخصوص مبايعة المتماثلين. ونحوه كلام العلاّمة في التذكرة (٤).

الموضوع في المسألتين شيءٌ واحد

وأمّا ثانياً ، فلأنّ ما يقطع به بعد التتبّع في كلماتهم هنا ، وفي باب الربا أنّ الموضوع في كلتا المسألتين شي‌ء واحد أعني المكيل والموزون قد حمل عليه حكمان : أحدهما عدم صحّة بيعه جزافاً ، والآخر عدم صحّة بيع بعضه ببعض متفاضلاً ، ويزيده وضوحاً ملاحظة أخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن ، فإذا ذكروا ضابطة لتحديد‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» وفاقا لما في المصدر ، وفي سائر النسخ : أهل الحجاز.

(٢) كذا في مصحّحة «ن» وفاقاً لما في المصدر ، وفي «ف» و «ش» : «لا تعرف عادة» ، وفي سائر النسخ : لا نعرف عادة.

(٣) المبسوط ٢ : ٩٠.

(٤) التذكرة ١ : ٤٨٣.

٢٢٧

ظهور كلام جماعةٍ في اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا

الموضوع فهي مرعيّة في كلتا المسألتين.

وأمّا ثالثاً ، فلأنه يظهر من جماعة تصريحاً أو ظهوراً ـ : أنّ من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطاً في صحّة بيعه (١).

قال المحقّق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعاً على ذلك ـ : إنّه لا ربا في الماء ؛ إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن (٢).

وقال في الدروس : ولا يجري الربا في الماء [وإن وزن أو كيل (٣)] ؛ لعدم اشتراطهما في صحّة بيعه نقداً ثمّ قال : وكذا الحجارة والتراب والحطب ، ولا عبرة ببيع الحطب وزناً في بعض البلدان ؛ لأنّ الوزن غير شرط في صحّته (٤) ، انتهى.

وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم ، فلاحظ المسالك هنا (٥) ، وشرح القواعد وحاشيتها للمحقّق الثاني (٦) والشهيد (٧) عند قول‌

__________________

(١) صرّح به السيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥٤٢ ، ويظهر من المحقّق في الشرائع والشهيد في الدروس ، كما سيأتي عنهما.

(٢) الشرائع ٢ : ٤٥.

(٣) عبارة «وإن وزن أو كيل» من المصدر ، اقتضاها السياق.

(٤) الدروس ٣ : ٢٩٧.

(٥) راجع المسالك ٣ : ٣٢٣.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٢٧١.

(٧) لا توجد لدينا حاشية الشهيد على القواعد ، ونقل العبارة عنها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥١٧. هذا ، ولم ترد «والشهيد» في غير «ف» و «ش» ، نعم استدركت في هامش «ن».

٢٢٨

لازم ما ذكرنا أنّه إذا ثبت الربا في جنسٍ فلا يجوز بيعه جزافاً

العلاّمة : «والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه وإن لم يدخلاه لقلّته كالحبّة والحبّتين من الحنطة ، أو لكثرته كالزبرة (١)» (٢) ، ولازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنسٍ باشتراط الكيل والوزن في صحّة بيعه ـ : أنّه إذا ثبت الربا في زماننا في جنسٍ ؛ لثبوت كونه مكيلاً أو موزوناً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لزم أن لا يجوز بيعه جزافاً ، وإلاّ لم يصدق ما ذكروه : من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحّة بيعه.

وبالجملة ، فتلازم الحكمين أعني دخول الربا في جنسٍ ، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن ممّا لا يخفى على المتتبّع في كتب الأصحاب.

ما ثبت كونه مكيلاً أو موزوناً في عصره صلّى الله عليه وآله فهو ربويّ ولا يجوز بيعه جزافاً

وحينئذٍ فنقول : كلّ ما ثبت كونه مكيلاً أو موزوناً في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ربويٌّ في زماننا ولا يجوز بيعه جزافاً ، فلو فرض تعارف بيعه جزافاً عندنا كان باطلاً وإن لم يلزم غررٌ ؛ للإجماع ، ولما عرفت : من أنّ اعتبار الكيل والوزن لحكمة سدّ باب نوع الغرر لا شخصه (٣) ، فهو حكمٌ لحكمةٍ غير مطّردة ، نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع ، واعتبار الانضباط في المسلَم فيه ؛ لأنّ في تركه مظنّة التنازع والتغابن ، ونحو ذلك (٤).

والظاهر كما عرفت من غير واحد (٥) أنّ المسألة اتّفاقية.

__________________

(١) الزبرة : القطعة من الحديد ، والجمع : زبر (الصحاح ٢ : ٦٦٦).

(٢) القواعد ١ : ١٤١.

(٣) تقدّم في الصفحة ٢١٤.

(٤) في «ف» : ونحوه.

(٥) راجع الصفحة ٢٢٦.

٢٢٩

ما كان يباع جزافاً في زمانه صلّى الله عليه وآله فيجوز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر

وأمّا ما علم أنّه كان يباع جزافاً في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعاً ، والظاهر أنّه إجماعيٌّ ، كما يشهد به دعوى بعضهم الإجماع على أنّ مثل هذا ليس بربويٍّ (١) ، والشهرة محقّقة على ذلك.

منافاة إطلاق النهي عن بيع المكيل والموزون جزافاً لبعض ما ذكرنا

نعم ، ينافي ذلك بعض ما تقدّم من إطلاق النهي عن بيع المكيل والموزون جزافاً ، الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه‌السلام أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو أحدهما ، وإن لم يتعارف في غيره. وكذلك قوله عليه‌السلام : «ما كان من طعامٍ سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفةً» (٢) الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب وفي عرفه وإن لم يكن كذلك في عرف الشارع.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه لم يعلم أنّ (٣) ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة وأصحابهم ، كان غير مقدّرٍ في زمان الشارع حتّى يتحقّق المنافاة. والأصل في ذلك : أنّ مفهوم المكيل والموزون في الأخبار لا يراد بهما «كلّ ما فرض صيرورته كذلك» حتّى يعمّ ما علم كونه غير مقدّر في زمن الشارع ، بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلّم ، وهذه الأفراد لا يعلم عدم كونها مكيلةً ولا موزونةً في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) ادّعاه الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٩١.

(٢) المتقدّم في صحيحة الحلبي ، المتقدّمة في الصفحة ٢١٠.

(٣) في غير «ش» : لم يعلم كون ما تعارف ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما في المتن.

٢٣٠

لكن يرد على ذلك مع كونه مخالفاً للظاهر المستفاد من عنوان «ما يكال ويوزن» : أنّه لا دليل حينئذٍ على اعتبار الكيل فيما شكّ في كونه مقدّراً في ذلك الزمان ، مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر ؛ إذ لا يكفي في الحكم حينئذٍ دخوله في مفهوم المكيل والموزون ، بل لا بدّ من كونه أحد المصاديق الفعليّة في زمان صدور الأخبار ، ولا دليل أيضاً على إلحاق كلّ بلد لحكم (١) نفسه مع اختلاف البلدان.

حاصل الكلام في الاستدلال بأخبار المسألة

والحاصل : أنّ الاستدلال (٢) بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن على ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ بما اتّفق عليه البلاد ، ثمّ بما تعارف في كلّ بلدة بالنسبة إلى نفسه في غاية الإشكال. فالأولى تنزيل الأخبار على ما تعارف تقديره عند المتبايعين وإثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة.

وكذا الإشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ولم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسّك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ على المتعارف عند الشارع ، ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان بأنّ الحقيقة العرفيّة هي المرجع عند انتفاء الشرعيّة ، ولكون المرجع عادة كلّ بلد إذا اختلف البلدان ، بأنّ العرف الخاصّ قائم مقام‌

__________________

(١) في «ص» : بحكم.

(٢) في «ف» : الاستناد.

٢٣١

العامّ عند انتفائه (١) ، انتهى.

وذكر المحقّق الثاني أيضاً : أنّ الحقيقة العرفيّة يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها ، فلو تغيّرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو العرف السابق ، ولا أثر للعرف (٢) الطارئ ؛ للاستصحاب ، ولظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (٣). وأمّا في الأقارير والايمان ونحوها ، فالظاهر الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شي‌ءٌ منها (٤) ؛ حملاً له على ما يفهمه الموقع (٥) ، انتهى.

عدم كون النزاع في مفهوم المكيل والموزون بل فيما هو المعتبر في تحقّق هذا المفهوم

أقول : ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون ، بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقّق هذا المفهوم ؛ فإنّ المراد بقولهم عليهم‌السلام (٦) : «ما كان مكيلاً فلا يباع جزافاً» (٧) ، أو «لا يُباع بعضه ببعض إلاّ متساوياً» (٨) ، إمّا أن‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٨ ٢٢٩ ، والجواهر ٢٢ : ٤٢٦ ٤٢٧ و ٢٣ : ٣٦٣ ٣٦٤.

(٢) كذا في «ف» و «ص» ، وفي «ش» والمصدر : «للتغيّر» ، وفي سائر النسخ : للغير.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٩٨ ، الحديث ٢٧٠.

(٤) عبارة «الواقع فيه شي‌ءٌ منها» من «ش» والمصدر.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٢٧٠.

(٦) في «ف» : بقوله عليه‌السلام.

(٧) لم نعثر عليه بلفظه ، نعم يدلّ عليه ما في الوسائل ١٢ : ٢٥٤ ، الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٨) لم نعثر عليه بلفظه أيضاً ، نعم يدلّ عليه ما في الوسائل ١٢ : ٤٣٨ ، الباب ٨ من أبواب الربا.

٢٣٢

يكون ما هو المكيل في عرف المتكلّم ، أو يراد به ما هو المكيل في العرف العامّ ، أو ما هو المكيل في عرف كلّ مكلّف ، وعلى أيّ تقديرٍ فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد ، فلا بدّ لبيان حكم غير المراد من دليلٍ خارجي. وإرادة جميع هذه الثلاثة خصوصاً مع ترتيبٍ خاصٍّ في ثبوت الحكم بها ، وخصوصاً مع كون مرتبة كلّ لاحقٍ مع عدم العلم بسابقه لا مع عدمه غير صحيحةٍ ، كما لا يخفى.

احتمال إرادة ما ذكرنا في كلام المحقّق الأردبيلي

ولعلّ المقدّس الأردبيلي أراد ما ذكرنا ، حيث تأمّل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع ، والعرف العامّ ، والعرف الخاصّ ؛ معلّلاً باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفاً عامّاً ، أو في أكثر البلدان ، أو في الجملة مطلقاً ، أو بالنسبة إلى كلّ بلدٍ بلد كما قيل في المأكول والملبوس في السجدة من الأمر الوارد بهما لو سلّم (١) ، والظاهر هو الأخير (٢) ، انتهى.

ردّ صاحب الحدائق على المحقّق الأردبيلي

وقد ردّه في الحدائق : بأنّ الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على عرفهم صلوات الله عليهم ، فكلّ ما كان مكيلاً أو موزوناً في عرفهم وجب إجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخّرة ، وما لم يعلم فهو بناءً على قواعدهم يرجع إلى العرف العامّ وإلى آخر ما ذكروه من التفصيل. ثمّ قال : ويمكن أن يستدلّ للعرف العامّ بما تقدّم في صحيحة الحلبي من قوله عليه‌السلام : «ما كان من طعامٍ سمّيت فيه كيلاً» ، فإنّ الظاهر أنّ المرجع في كونه مكيلاً إلى تسميته عرفاً‌

__________________

(١) لم ترد «لو سلّم» في غير «ش» والمصدر.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٧٧.

٢٣٣

مكيلاً. ويمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم‌السلام (١) ، انتهى.

المناقشة في كلام صاحب الحدائق

أقول : قد عرفت أنّ الكلام هنا ليس في معنى اللفظ ؛ لأنّ مفهوم الكيل معلوم لغةً ، وإنّما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم.

ثمّ لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ ، كان اللازم حمله على العرف العامّ إذا لم يكن عرفٌ شرعي ، لا إذا جهل عرفه الشرعيّ ؛ فإنّه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذٍ على المعنى العرفي ، بل لا بدّ من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعيّ ، ومع العجز يحكم بإجمال اللفظ ، كما هو واضح (٢).

هذا كلّه مع أنّ الأخبار إنّما وصلت إلينا من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع.

وأمّا ما استشهد به للرجوع إلى العرف العامّ من قوله عليه‌السلام : «ما سمّيت فيه كيلاً .. إلخ» (٣) فيحتمل أن يراد عرف المخاطب ، فيكون المعيار العرف الخاصّ بالمتبايعين.

نعم ، مع العلم بالعرف العامّ لا عبرة بالعرف الخاصّ ؛ لمقطوعة ابن هاشم الآتية (٤) ، فتأمّل.

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ٤٧١ ٤٧٢.

(٢) العبارة من قوله : «ثمّ لو فرض ..» إلى هنا لم ترد في «ف» ، وكتب عليها في غير «ش» و «ص» : وجد في نسخةٍ كذا.

(٣) المتقدّم في صحيحة الحلبي المتقدّمة في الصفحة ٢١٠.

(٤) الآتية في الصفحة ٢٣٨.

٢٣٤

وأبعد شي‌ءٍ في المقام : ما ذكره في جامع المقاصد ، من أنّ الحقيقة العرفيّة يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها (١) ، فلو تغيّرت في عصرٍ بعد استقرارها فيما قبله .. إلخ (٢).

إذا كانت البلاد مختلفة فهل لكلّ بلدٍ حكم نفسه من حيث الربا أو يغلب جانب التحريم؟

وبالجملة ، فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل ، لكن الظاهر أنّ كلّها متّفق عليها.

نعم ، اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في أنّ لكلّ بلد حكم نفسه من حيث الربا ، أو أنّه يغلّب جانب التحريم ، كما عليه جماعة من أصحابنا (٣). لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا ، لا في جواز البيع جزافاً في بلد لا يتعارف فيه التقدير.

الاشكال فيما لو علم التقدير في زمان الشارع لكن لم يعلم كونه بالكيل أو الوزن

ثمّ إنّه يشكل الأمر فيما لو (٤) علم كونه مقدّراً في زمان الشارع لكن لم يعلم أنّ تقديره بالكيل أو بالوزن ، ففيه وجوه : أقواها وأحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر.

وأشكل من ذلك : ما لو علم كون الشي‌ء غير مكيل في زمن الشارع أو في العرف العامّ ، مع لزوم الغرر فيه عند قومٍ خاصٍّ ، ولا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافاً تخصيصاً لأدلّة نفي الغرر ؛ لاحتمال كون ذلك الشي‌ء من المبتذلات في زمن الشارع أو في العرف‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ص» : عليهما ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٢) تقدّمت عبارة جامع المقاصد في الصفحة ٢٣٢.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٣٧٨ ، وسلاّر في المراسم : ١٧٩ ، وقوّاه فخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٤٧٦.

(٤) لو» من «ف».

٢٣٥

بحيث يتحرّز عن الغرر بمشاهدته وقد بلغ عند قوم في العزّة إلى حيث لا يتسامح فيها. فالأقوى وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع فيه الغرر من الكيل أو الوزن أو العدّ.

الأولى جعل المدار على التقدير بما بني في مقام استعلام ماليّة الشيء عليه

وبالجملة ، فالأولى جعل المدار فيما لا إجماع فيه على وجوب التقدير بما (١) بني الأمر في مقام استعلام ماليّة الشي‌ء على ذلك التقدير ، فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز ، فيجاب بذكر العدد ، بخلاف ما إذا سئل عن مقدار (٢) ما عنده من الرمّان والبطّيخ ، فإنّه لا يجاب إلاّ بالوزن ، وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير فربما يجاب بالكيل وربما يجاب بالوزن ، لكن الجواب بالكيل مختصّ بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن ؛ إذ الكيل بنفسه غير منضبط ، بخلاف الوزن ، وقد تقدّم أنّ الوزن أصل في (٣) الكيل (٤).

كفاية المشاهدة فيما لا يعتبر مقدار ماليّه بأحد الثلاثة

وما ذكرنا هو المراد بالمكيل (٥) والموزون اللذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع ، وبدخول الربا فيهما.

وأمّا ما لا يعتبر مقدار ماليّته بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء والتبن والخضريات (٦) فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير.

__________________

(١) في غير «ش» : «فيما» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٢) في غير «ف» زيادة : مالية.

(٣) لم ترد «في» في «ف» ، «ن» ، «خ» و «ص» ، وشطب عليها في «ع».

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٢٣.

(٥) في «ف» : من المكيل.

(٦) كذا في النسخ ، وفي اللّغة : خضروات.

٢٣٦

لو اختلفت البلاد في التقدير وعدمه

فإن اختلف البلاد في التقدير والعدم ، فلا إشكال في التقدير في بلد التقدير. وأمّا بلد عدم التقدير ، فإن كان ذلك لابتذال الشي‌ء عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت المشاهدة ، وإن كان لعدم مبالاتهم بالغرر وإقدامهم عليه خرصاً (١) مع الاعتداد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة فلا اعتبار بعادتهم ، بل يجب مخالفتها ، فإنّ النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات كبيع الملاقيح والمضامين (٢) والملامسة والمنابذة والحصاة (٣) ، على بعض تفاسيرها (٤) ، وثمر الشجر قبل الوجود (٥) ، وغير ذلك لم يرد إلاّ ردّاً على من تعارف عندهم الإقدام على الغرر والبناء على المجازفات ، الموجب لفتح أبواب المنازعات.

__________________

(١) كذا في «ن» ، «م» و «ص» ، وفي سائر النسخ : حرصاً.

(٢) الملاقيح : ما في البطون وهي الأجنّة ، والمضامين : ما في أصلاب الفحول كما ورد في الخبر ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٦٢ ، الباب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

(٣) قد ورد معنى هذه الثلاث وحكمها في الحديث ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٦٦ ، الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١٣.

(٤) قال الشهيدي قدس‌سره : يعني به جعل المبيع الوارد عليه البيع الشي‌ء المقيّد بتعلّق أحد هذه الأُمور الثلاثة به بعد الإنشاء ، بأن يقول : «ما أُلامسه بعد ذلك أو أنبذه أو أطرحه إليك أو القي الحصاة عليه» فإنّ المبيع على هذا مجهول عند البيع. وأمّا التفسير الآخر فهو إنشاء البيع بنفس اللمس والنبذ وإلقاء الحصاة كإنشائه بالمعاطاة ، ولا جهالة فيه على هذا التفسير. (هداية الطالب : ٣٨٣) وراجع المكاسب ٣ : ٢٩.

(٥) راجع الوسائل ١٣ : ٢ ، الباب الأوّل من أبواب بيع الثمار.

٢٣٧

وإلى بعض ما ذكرنا أشار ما عن (١) علي بن إبراهيم عن أبيه (٢) عن رجاله (٣) ذكره في حديث طويل ، قال : «ولا ينظر فيما يكال أو يوزن إلاّ إلى العامّة ، ولا يؤخذ فيه بالخاصّة (٤) فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم ؛ لأنّ أصل اللحم أن يوزن وأصل الجوز أن يعدّ» (٥).

هل العبرة ببلد المبيع أو العقد أو المتعاقدين؟

وعلى ما ذكرنا ، فالعبرة ببلدِ (٦) وجود المبيع ، لا ببلد العقد ولا ببلد المتعاقدين.

كلام كاشف الغطاء في المقام

وفي شرح القواعد لبعض الأساطين (٧) : ثمّ الرجوع إلى العادة مع اتّفاقها اتّفاقي ، ولو اختلف فلكلّ بلد حكمه كما هو المشهور. وهل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين؟ الأقوى الأوّل. ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما. ولو اختلفا رجّح الأقرب ، أو الأعظم ، أو ذو‌

__________________

(١) عبارة «ما عن» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) عبارة «عن أبيه» من «ش» فقط.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : «في رجاله» ، قال المامقاني قدس‌سره : الظاهر أنّ هذه العبارة قد وقع فيها التشويش من النسّاخ وأنّه : «ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله» (انظر غاية الآمال : ٤٦٦).

(٤) في غير «ص» : الخاصّة.

(٥) في غير «ش» زيادة : الحديث ، وليس للحديث تتمّة ، انظر الوسائل ١٢ : ٤٣٥ ، الباب ٥ من أبواب الربا ، الحديث ٦.

(٦) في غير «ف» زيادة : «فيه» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٧) وهو كاشف الغطاء قدس‌سره.

٢٣٨

الاختبار (١) على ذي الجزاف ، أو البائع في مبيعه والمشتري في ثمنه ، أو يبنى على الإقراع مع الاختلاف وما اتّفقا عليه مع الاتّفاق ، أو (٢) التخيير ، ولعلّه الأقوى (٣). ويجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان. والأولى التخلّص بإيقاع المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة ، من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة ونحوها. ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير. ومع الاختصاص بجمع قليل إشكال (٤) ، انتهى.

__________________

(١) في «ش» : ذو الاعتبار.

(٢) في «ع» بدل «أو» : و.

(٣) في المصدر : الأقرب.

(٤) شرح القواعد (مخطوط) : ٧٦.

٢٣٩

مسألة

جواز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع والاستدلال عليه

لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور ، وعبارة التذكرة (١) مشعرة بالاتّفاق عليه ، ويدلّ عليه غير واحد من الأخبار المتقدّمة (٢).

وما تقدّم من (٣) صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك (٤) محمول على صورة إيقاع المعاملة غير مبنيّة على المقدار المخبر به وإن كان الإخبار داعياً إليها ، فإنّها لا تخرج بمجرّد ذلك عن الغرر ، وقد تقدّم عن التحرير ما يوافق ذلك (٥).

هل يعتبر كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار

ثمّ إنّ الظاهر اعتبار كون الخبر طريقاً عرفيّاً للمقدار كما يشهد به الروايات المتقدّمة ، فلو لم يُفد ظنّاً فإشكال : من بقاء الجهالة الموجبة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٠ ، وتقدّم في الصفحة ٢١١.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٢١٢ ٢١٣.

(٣) في غير «ف» : في.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢١٠.

(٥) تقدّم في الصفحة ٢١٢.

٢٤٠