كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

القول في شرائط العوضين‌

٧
٨

[من شروط العوضين : المالية] (١)

الاحتراز بهذا الشرط عمّا لا ينتفع به منفعةً مقصودةً محلّلةً

يشترط في كلٍّ منهما كونه متموَّلاً ؛ لأنّ البيع لغةً ـ : مبادلة مالٍ بمال (٢) ، وقد احترزوا بهذا الشرط عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، محلَّلة في الشرع ؛ لأنّ الأوّل ليس بمالٍ عرفاً كالخنافس والديدان ؛ فإنّه يصحّ عرفاً سلب المصرف لها ونفي الفائدة عنها ، والثاني ليس بمالٍ شرعاً كالخمر والخنزير.

ثمّ قسّموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسّة الشي‌ء كالحشرات ، وإلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة ، وذكروا : أنّه ليس مالاً وإن كان يصدق عليه الملك (٣) ؛ ولذا يحرم غصبه إجماعاً ، وعن‌

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) المصباح المنير : ٦٩ ، ذيل مادّة «بيع».

(٣) ذكر ذلك المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٠.

٩

التذكرة : أنّه لو تلف لم يُضمن أصلاً (١) ، واعترضه غير واحد ممّن تأخّر عنه (٢) بوجوب ردّ المثل.

والأولى أن يقال : إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفاً ، فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحدَ العوضين ؛ إذ لا بيع إلاّ في ملك. وما لم يتحقّق فيه ذلك : فإن كان أكل المال في مقابله أكلاً بالباطل عرفاً ، فالظاهر فساد المقابلة. وما لم يتحقّق فيه ذلك : فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو ، وإلاّ فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عموماتِ صحّة البيع والتجارة ، وخصوص قوله عليه‌السلام في المرويّ عن تحف العقول : «وكلّ شي‌ءٍ يكون لهم فيه الصلاح من جهةٍ من الجهات ، فكلّ ذلك حلال بيعه .. إلى آخر الرواية» (٣) ، وقد تقدّمت في أوّل الكتاب (٤).

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، وراجع التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٢) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٠ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٤٧.

(٣) تقدّمت الرواية في المجلّد الأوّل من طبعتنا : ٥ ١٣ ، وانظر تحف العقول : ٣٣٣.

(٤) في «ف» زيادة : «وحيث جرى ذكر بعض هذه الرواية الشريفة ، فلا بأس بذكرها بتمامها لاشتمالها على فوائد جليلة ، خصوصاً في تميّز ما يجوز الاكتساب به وما لا يجوز ، فنقول : روى في الوسائل عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي ابن شعبة عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ معايش العباد كلّها ..» فذكر أكثر الرواية باختلاف كثير عمّا ورد في أوّل الكتاب.

هذا ، وقد وردت هذه الزيادة في «ن» و «خ» من قوله : فنقول : «روى في الوسائل .. إلخ» لكن كتب عليها فيهما : زائد.

١٠

الاحتراز بقيد الملكيّة عن بيع ما يشترك فيه الناس

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة في العوضين من بيع ما يَشترك فيه الناس : كالماء ، والكلأ ، والسموك (١) والوحوش قبل اصطيادها ؛ لِكون (٢) هذه كلّها غير مملوكة بالفعل.

الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوةً أيضاً

واحترزوا أيضاً به عن الأرض المفتوحة عنوة ؛ ووجه الاحتراز عنها : أنّها غير مملوكة لملاّكها على نحو سائر الأملاك بحيث يكون لكلٍّ منهم جزءٌ معيّن من عين الأرض وإن قلّ ؛ ولذا لا يورَّث ، بل ولا من قبيل الوقف الخاصّ على معيَّنين ؛ لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعاً ، ولا كالوقف على غير معيَّنين كالعلماء والمؤمنين ، ولا من قبيل تملّك الفقراء للزكاة والسادة للخمس بمعنى كونهم مصارف له (٣) لعدم تملّكهم لمنافعها (٤) بالقبض ؛ لأنّ مصرفه (٥) منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم ، فهذه الملكيّة نحوٌ مستقلٌّ من الملكيّة قد دلّ عليه (٦) الدليل ، ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاّك.

ثمّ إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادُّعي عليه الإجماع (٧)

__________________

(١) في «م» ، «ع» و «ص» : السماك.

(٢) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي «ف» : «يكون» ، وفي سائر النسخ : بكون.

(٣) كذا ، والمناسب تثنية الضمير.

(٤) في غير «ش» : لمنافعه.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب تأنيث الضمير ، وكذا في قوله : تقسيمه.

(٦) في «ف» : عليها.

(٧) ادّعاه الشيخ في الخلاف ٢ : ٦٧ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠ ، والعلاّمة في المنتهي ٢ : ٩٣٤ ، والتذكرة ١ : ٤٢٧ ، وراجع الجواهر ٢١ : ١٥٧.

١١

ودلّ عليه النصّ كمرسلة حمّاد الطويلة (١) وغيرها (٢).

[أقسام الأرضين وأحكامها] (٣)

وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة إجمالاً إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها ، فنقول ومن الله الاستعانة :

الأرض إمّا موات وإمّا عامرة ، وكلٌّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة أو عرض لها ذلك ، فالأقسام أربعة لا خامس لها :

١ ـ ما يكون مواتاً بالأصالة

الأوّل : ما يكون مواتاً بالأصالة ، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة (٤)

هو للإمام عليه السلام ومن الانفال

ولا إشكال ولا خلاف منّا في كونها للإمام عليه‌السلام ، والإجماع عليه محكيّ عن الخلاف (٥) والغنية (٦) وجامع المقاصد (٧) والمسالك (٨) وظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٨٤ ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٢٧٤ ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، الأحاديث ٤ ، ٥ و ٩.

(٣) العنوان منّا.

(٤) في غير «خ» و «ش» : بالعمارة.

(٥) الخلاف ٣ : ٥٢٥ ، كتاب إحياء الموات ، المسألة ٣.

(٦) الغنية : ٢٩٣.

(٧) جامع المقاصد ٧ : ٩.

(٨) المسالك ١٢ : ٣٩١ ، وفيه : عندنا موضع وفاق.

١٢

جماعة أُخرى (١). والنصوص بذلك مستفيضة (٢) ، بل قيل : إنّها متواترة (٣).

إباحة التصرّف فيها بالاحياء بلا عوض

وهي من الأنفال ، نعم أُبيح التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض ، وعليه يُحمل ما في النبويّ (٤) : «مَوَتان الأرض لله ولرسوله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» (٦). ونحوه الآخر : «عاديُّ الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم منّي» (٧).

دلالة بعض الأخبار على وجوب أداء خراجها إلى الإمام

وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه‌السلام كما في صحيحة الكابلي ، قال (٨) : «وجدنا في كتاب‌

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي وصاحب الجواهر عن المصادر المذكورة وعن ظاهر المبسوط والتذكرة والتنقيح والكفاية ، انظر مفتاح الكرامة ٧ : ٤ ، والجواهر ٣٨ : ١١.

(٢) راجع الوسائل ٦ : ٣٦٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، والمستدرك ٧ : ٢٩٥ ، نفس الباب.

(٣) راجع الجواهر ٣٨ : ١١ ، وفيه : يمكن دعوى تواترها.

(٤) كذا في «ف» ، «خ» و «ش» ، وفي غيرها : النبويّين.

(٥) في «ش» : ورسوله.

(٦) لم نقف على هذا النصّ بعينه في المجاميع الحديثية ، بل الموجود : «موتان الأرض لله ولرسوله ، فمن أحيا منها شيئاً فهو له» ، انظر عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ ، الحديث الأوّل ، وعنه في المستدرك ١٧ : ١١١ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث الأوّل. نعم نقل الرواية كما في المتن العلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٠٠.

(٧) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨١ ، الحديث ٥ ، وعنه في المستدرك ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٥.

(٨) في «ف» : قال لي.

١٣

علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أنا (١) وأهل بيتي الذين أورثَنَا اللهُ الأرضَ ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضاً (٢) من المسلمين فليَعمرها وليؤدِّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها .. الخبر» (٣).

ومصحَّحة عمر بن يزيد : «أنّه سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها ، فعمّرها وأجرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً ، وغرس فيها نخلاً وشجراً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤدّيه (٤) إلى الإمام عليه‌السلام في حال الهُدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطِّن نفسه على أن تؤخذ منه» (٥).

توجيه هذه الاخبار

ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب إيصال الطسق إذا طلبه (٦) الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) كذا في «ف» و «ص» والمصدر ، وفي غيرها : قال أنا.

(٢) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : من الأرض.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢ ، والآية من سورة الأعراف : ١٢٨.

(٤) كذا في «ن» و «ص» والمصدر ، وفي «ف» و «خ» : «يؤتى به» ، وفي «م» و «ع» : «يؤتيه به» ، وفي «ش» : يؤدّيه به.

(٥) في النسخ زيادة : «الخبر» ، ولا وجه لها ظاهراً ، لأنّ الحديث مذكور بتمامه ، انظر الوسائل ٦ : ٣٨٣ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٣.

(٦) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ن» : «طلب» ، وصحّح في «ن» كما أثبتناه.

١٤

لكنّ الأئمّة عليهم‌السلام بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام حلّلوا شيعتهم ، وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «ما كان لنا فهو لشيعتنا» (١) ، وقوله عليه‌السلام في رواية مسمع بن عبد الملك : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، يَحلُّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم طسق (٢) ما كان في أيدي سواهم ، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويُخرجهم عنها صَغَرَة .. الخبر» (٣).

نعم ، ذكر في التذكرة : أنّه لو تصرّف في الموات أحدٌ بغير إذن الإمام كان عليه طسقها (٤).

ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور ، وإلاّ فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مالٍ للإمام (٥) في الأراضي في حال الغيبة ، بل الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (٦) ، وسيأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها ملكاً بالإحياء (٧).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٨٤ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٧.

(٢) في «ش» زيادة : «ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأمّا» ، وهذه الزيادة قد وردت في الكافي ولم ترد في التهذيب والوسائل ، انظر الكافي ١ : ٤٠٨ ، الحديث ٣ ، والتهذيب ٤ : ١٤٤ ، الحديث ٤٠٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٢.

(٥) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : الإمام.

(٦) راجع الوسائل ١٧ : ٣٢٦ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات.

(٧) يأتي في الصفحة ١٧.

١٥

الثاني : ما كانت عامرة بالأصالة ، أي لا من معمِّر

٢ ـ ما كانت عامرةً بالاصل

الظاهر كونها للامام عليه السلام ومن الانفال أيضاً

والظاهر أنّها أيضاً للإمام عليه‌السلام وكونها من الأنفال ، وهو ظاهر إطلاق قولهم : «وكلّ أرض لم يجرِ عليها ملك مسلم فهي للإمام عليه‌السلام» (١) ، وعن التذكرة : الإجماع عليه (٢). وفي غيرها نفي الخلاف عنه (٣) ؛ لموثّقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكيّة عن تفسير عليّ بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام ، حيث عَدّ من الأنفال : «كلّ أرض لا ربّ لها» (٤) ، ونحوها المحكي عن تفسير العياشي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥).

ولا يخصّص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جُعل فيها من الأنفال «كلّ أرض ميّتة لا ربّ لها» (٦) ؛ بناءً على ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز ؛ لأنّ الظاهر ورود الوصف مورد الغالب ؛ لأنّ‌

__________________

(١) كما في الشرائع ٣ : ٢٧٢ ، والقواعد ١ : ٢٢٠ ، وفي مفتاح الكرامة (٧ : ٩) في ذيل العبارة هكذا : كما طفحت بذلك عباراتهم بلا خلاف من أحد.

(٢) حكاه عن العلاّمة في التذكرة ، السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٣٨ : ١٩ ، وانظر التذكرة ٢ : ٤٠٢.

(٣) كما في مفتاح الكرامة ٧ : ٩ ، والجواهر ٣٨ : ١٩.

(٤) تفسير القمّي ١ : ٢٥٤ ، في تفسير الآية الاولى من سورة الأنفال ، وعنه الوسائل ٦ : ٣٧١ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٠.

(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ ، الحديث ١١ ، وعنه الوسائل ٦ : ٣٧٢ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٨.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٥ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.

١٦

الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتاً.

هل تملك بالحيازة أم لا؟

وهل تُملك هذه بالحيازة؟ وجهان : من كونه مال الإمام ، ومن عدم منافاته للتملّك بالحيازة ، كما يُملك الموات بالإحياء مع كونه مال الإمام ، فدخل في عموم النبويّ : «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» (١).

٣ ـ ما عرضت له الحياة بعد الموت

هذا القسم ملك للمحيي

الثالث : ما عرض له الحياة بعد الموت‌

وهو ملك للمحيي ، فيصير ملكاً له بالشروط المذكورة في باب الإحياء بإجماع الأُمّة كما عن المهذّب (٢) ، وبإجماع المسلمين كما عن التنقيح (٣) ، وعليه عامّة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة (٤) ، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف ، لا نفس الرقبة (٥) ، فلا بدّ من الملاحظة.

٤ ـ ما عرض له الموت بعد العمارة

الرابع : ما عرض له الموت بعد العمارة‌

فإن كانت العمارة أصليّة ، فهي مال الإمام عليه‌السلام. وإن كانت‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ ، الحديث ٤ ، والمستدرك ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٤.

(٢) المهذّب البارع ٤ : ٢٨٥.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٩٨.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٠.

(٥) انظر المبسوط ٢ : ٢٩.

١٧

العمارة من معمِّر ، ففي بقائها على ملك معمِّرها ، أو خروجها عنه وصيرورتها ملكاً لمن عمّرها ثانياً ، خلاف معروف في كتاب إحياء الموات (١) ؛ منشؤه اختلاف الأخبار (٢).

رجوع إلى أحكام القسم الثالث

ثمّ القسم الثالث ، إمّا أن تكون العمارة فيه (٣) من المسلمين ، أو من الكفّار.

لو كانت العمارة فيها من المسلمين

فإن كان (٤) من المسلمين فملكهم لا يزول إلاّ بناقل أو بطروّ الخراب على أحد القولين.

لو كانت العمارة فيها من الكفّار

وإن كان من الكفّار ، فكذلك إن كان في دار الإسلام وقلنا بعدم اعتبار الإسلام ، وإن اعتبرنا الإسلام ، كان باقياً على ملك الإمام عليه‌السلام. وإن كان في دار الكفر ، فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم ، وبالاغتنام ، كسائر أموالهم.

ثمّ ما ملكه الكافر (٥) من الأرض :

حكم ما ملكه الكافر من الأرض

إمّا أن يُسلم عليه طوعاً ، فيبقى على ملكه كسائر أملاكه.

وإمّا أن لا يسلم عليه طوعاً.

فإن بقي يده عليه كافراً ، فهو (٦) أيضاً كسائر أملاكه تحت يده.

__________________

(١) راجع المسالك ١٢ : ٣٩٦ ٣٩٧ ، فنسب الأوّل إلى المحقّق والشيخ وجماعة ، والثاني إلى العلاّمة في بعض فتاويه ، ومال إليه في التذكرة وقوّاه هو نفسه ، وانظر الجواهر ٣٨ : ٢١.

(٢) راجع الوسائل ١٧ : ٣٢٦ ٣٢٨ ، الباب ١ و ٣ من أبواب إحياء الموات.

(٣) كلمة «فيه» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) كذا ، والمناسب : كانت.

(٥) في غير «ف» و «ش» : الكفّار ، ولكن صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٦) في غير «ف» : فهي.

١٨

وإن ارتفعت يده عنها (١) :

فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين.

أو بموت أهلها وعدم الوارث ، فيصير ملكاً للإمام عليه‌السلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين للنصوص المستفيضة :

وإن رفعت يده عنها قهراً وعنوة ، فهي كسائر ما لا يُنقل (٢) من الغنيمة كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافّة إجماعاً ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف (٣) والتذكرة (٤) وغيرهما (٥) ، والنصوصُ به مستفيضة :

١ ـ رواية أبي بردة

ففي رواية أبي بردة‌ المسئول فيها عن بيع أرض الخراج قال عليه‌السلام : «من يبيعها؟! هي أرض المسلمين! قلت : يبيعها الذي في يده. قال : يصنع بخراج المسلمين ماذا؟! ثمّ قال : لا بأس ، اشتر (٦) حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه» (٧).

__________________

(١) تأنيث الضمير باعتبار «الأرض».

(٢) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : ما لا ينتقل ، وفي «ص» كتب عليه : لا ينقل ظ.

(٣) الخلاف ٢ : ٦٧ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠.

(٤) التذكرة ١ : ٤٢٧.

(٥) كالغنية : ٢٠٤ ٢٠٥ ، والمنتهى ٢ : ٩٣٤ ، والجواهر ٢١ : ١٥٧.

(٦) كذا في أكثر النسخ والاستبصار ، وفي «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» : «أن يشتري» ، وفي التهذيب والوسائل : اشترى.

(٧) الوسائل ١١ : ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث الأوّل.

١٩

٢ ـ مرسلة حمّاد‌

وفي مرسلة حمّاد‌ الطويلة : «ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين وما غلبوا عليه (١) ، إلاّ ما حوى (٢) العسكر .. إلى أن قال : والأرض التي أُخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها ويقوم عليها ، على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج : النصف أو الثلث أو الثلثين ، على قدر ما يكون لهم صالحاً ولا يضرّ بهم (٣) إلى أن قال : فيؤخذ ما بقي بعد (٤) العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّال الأرض وأكَرَتها ، فيدفع إليهم أنصباءهم على قدر ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينوبه ، من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير .. الخبر» (٥).

٣ ـ صحيحة الحلبي

وفي صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل (٦) في‌

__________________

(١) كلمة «عليه» من «ش» ، والعبارة في المصادر : ولا ما غلبوا عليه.

(٢) في الكافي والوسائل : ما احتوى عليه.

(٣) في «ش» وهامش «ن» زيادة : فإذا أخرج منها ما أخرج ، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً ، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح.

(٤) في الكافي والوسائل بدل «فيؤخذ ما بقي بعد» : ويؤخذ بعد.

(٥) الوسائل ١١ : ٨٤ ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢.

(٦) في غير «ص» : دخل.

٢٠