كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

عند بعض الأصحاب. ولو اشترط أن يبدو الصلاح لا محالة كان غرراً عند الكلّ ، كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلاً. والغرر قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعاً. وقد يكون بما يتسامح به عادة لقلّته ، كأُسّ الجدار وقطن الجبّة ، وهو معفوّ عنه إجماعاً ، ونحوه اشتراط الحمل. وقد يكون (١) بينهما ، وهو محلّ الخلاف ، كالجزاف في مال الإجارة والمضاربة ، والثمرة قبل بدوّ الصلاح ، والآبق بغير ضميمة (٢) ، انتهى (٣).

كلام الشهيد في شرح الإرشاد في تفسير الغرر

وفي بعض كلامه تأمّل ، ككلامه الآخر في شرح الإرشاد ، حيث ذكر في مسألة تعيّن الأثمان بالتعيين (٤) عندنا قالوا يعني المخالفين من العامّة ـ : تعيينها (٥) غرر ، فيكون منهيّاً عنه. أمّا الصغرى ، فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقّة فينفسخ البيع. وأمّا الكبرى ، فظاهرة إلى أن قال : قلنا : نمنع الصغرى ؛ لأنّ الغرر إجمال (٦) مجتنب عنه في العرف بحيث لو تركه وُبّخ عليه ، وما ذكروه (٧) لا يخطر ببالٍ فضلاً عن اللّوم‌

__________________

(١) في «ش» ومصحّحة «ن» زيادة : مردّداً.

(٢) كذا في المصدر ، وفي «ش» : «لغير ضميمة» ، وفي «ص» : «قبل الضميمة» ، وفي سائر النسخ : مع الضميمة.

(٣) القواعد والفوائد ٢ : ١٣٧ ١٣٨ ، القاعدة ١٩٩.

(٤) في «ش» زيادة : الشخصي.

(٥) في النسخ : «تعيّنها» ، وما أثبتناه من المصدر ومصحّحة «ن».

(٦) كذا في المصدر و «ف» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : احتمال.

(٧) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : وما ذكره.

١٨١

عليه (١) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده الشهيد في شرح الإرشاد

فإنّ مقتضاه : أنّه لو اشتُري الآبق أو الضالّ المرجوّ الحصول بثمنٍ قليل ، لم يكن غرراً ؛ لأنّ العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاءً للنفع الكثير. وكذا لو اشترى المجهول المردّد بين ذهبٍ ونحاسٍ بقيمة النحاس ؛ بناءً على المعروف من تحقّق الغرر بالجهل بالصفة. وكذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقّن منه ؛ فإنّ ذلك كلّه مرغوب فيه عند العقلاء ، بل يوبّخون من عدل عنه اعتذاراً بكونه خطراً.

فالأولى : أنّ هذا النهي من الشارع لسدّ باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات ، وليس منوطاً بالنهي من العقلاء ليخصّ مورده بالسفهاء أو المتسفّهة.

ثمّ إنّه قد حكي عن الصدوق في معاني الأخبار : تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة والملامسة وبيع الحصاة بكونها غرراً (٢) ، مع أنّه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة ؛ بناءً على ما فسّره به (٣) من أنّه قول أحدهما لصاحبه : أنبذ إليّ الثوب أو أنبذه إليك فقد وجب البيع ، وبيع الحصاة بأن يقول : إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع. ولعلّه كان على وجهٍ خاصٍّ يكون فيه خطر (٤) ، والله العالم.

__________________

(١) غاية المراد : ٩٣.

(٢) معاني الأخبار : ٢٧٨.

(٣) في «ش» : فسّر به.

(٤) في «ف» : يكون خطراً.

١٨٢

التمسك بالنبوي المذكور أخفى من المدعى

وكيف كان ، فلا إشكال في صحّة التمسّك لاعتبار القدرة على التسليم بالنبويّ المذكور ، إلاّ أنّه أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحرٍ يمتنع خروجه منه عادةً ونحوه ليس في بيعه خطر ؛ لأنّ الخطر إنّما يطلق في مقامٍ يحتمل السلامة ولو ضعيفاً ، لكنّ هذا الفرد يكفي في الاستدلال على بطلانه بلزوم (١) السفاهة وكون أكل الثمن في مقابله أكلاً للمال بالباطل ، بل لا يعدّ مالاً عرفاً وإن كان مِلكاً ، فيصحّ عتقه ، ويكون لمالكه لو فرض التمكّن منه ، إلاّ أنّه لا ينافي سلب صفة التموّل عنه عرفاً ؛ ولذا يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته إلى المالك ، فيملكه مع بقاء العين على ملكه على ما هو ظاهر المشهور.

الاستدلال على شرطيّة القدرة بوجوهٍ اُخر :

ثمّ إنّه ربما يستدلّ على هذا الشرط بوجوه أُخر :

١ ـ النبويّ المشهور «لا تبع ما ليس عندك»

منها : ما اشتهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «لا تبع ما ليس عندك» ‌(٢) بناءً على أنّ «كونه عنده» لا يراد به الحضور ؛ لجواز بيع الغائب والسلف إجماعاً ، فهي كناية ، لا (٣) عن مجرّد الملك ؛ لأنّ المناسب حينئذٍ ذكر لفظة «اللام» ، ولا عن مجرّد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه ؛ لمنافاته لتمسّك العلماء من الخاصّة والعامّة [به (٤)] على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثمّ شرائها من مالكها ، خصوصاً إذا‌

__________________

(١) في مصححة «ن» : لزوم.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، ٣١٧ و ٣٣٩ ، ويدلّ عليه ما في الوسائل ١٢ : ٢٦٦ ، الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١٢.

(٣) كلمة «لا» من «ف» و «ش» ، واستدركت في أكثر النسخ.

(٤) الزيادة اقتضاها السياق.

١٨٣

كان وكيلاً عنه في بيعه ولو من نفسه ؛ فإنّ السلطنة والقدرة على التسليم حاصلة هنا ، مع أنّه مورد الرواية عند الفقهاء.

معنى «كونه عنده»

فتعيّن أن يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعليّة التي تتوقّف على الملك مع كونه تحت اليد حتّى كأنه عنده وإن كان غائباً.

وعلى أيّ حال ، فلا بدّ من إخراج بيع الفضولي عنه بأدلّته ، أو بحمله على النهي المقتضي لفساده بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك.

وكيف كان ، فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن.

وأمّا الإيراد عليه بدعوى : أنّ المراد به الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة ، من بيع الشي‌ء الغير المملوك ثمّ تحصيله بشرائه ونحوه ودفعه إلى المشتري ، فمدفوع بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد ، وليس في الأخبار المتضمّنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد.

المناقشة في الاستدلال بالخبر المذكور

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النبويّ بل النبوي الأوّل أيضاً ـ : فساد البيع ، بمعنى عدم كونه علّة تامّة لترتّب الأثر المقصود ، فلا ينافي وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر وتحقّق كونه عنده.

ولو أبيت إلاّ عن ظهور النبويّين في الفساد بمعنى لغويّة العقد رأساً المنافية لوقوعه مراعى ، دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر ، وبين إخراج بيع الرهن ، وبيع ما يملكه بعد البيع وبيع العبد الجاني عمداً وبيع المحجور لرقٍّ أو سفهٍ أو فلس ، فإنّ البائع في هذه الموارد عاجز شرعاً عن التسليم ، ولا رجحان لهذه التخصيصات ، فحينئذٍ لا مانع عن التزام وقوع بيع كلّ ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكّن منه مراعى‌

١٨٤

بالتمكّن منه في زمانٍ لا يفوت الانتفاع المعتدّ به.

وقد صرّح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضالّ والمجحود من غير إباقٍ مراعىً بإمكان التسليم (١) ، واحتمله في التذكرة (٢).

لكنّ الإنصاف : أنّ الظاهر من حال الفقهاء اتّفاقهم على فساد بيع الغرر بمعنى عدم تأثيره رأساً ، كما عرفت من الإيضاح (٣).

٢ ـ استحالة التكليف بالممتنع ، والمناقشة فيه

ومنها : أنّ لازم العقد وجوب تسليم كلٍّ من المتبايعين العوضين إلى صاحبه ، فيجب أن يكون مقدوراً ؛ لاستحالة التكليف بالممتنع (٤).

ويضعّف بأنّه إن أُريد أنّ لازم العقد وجوب التسليم وجوباً مطلقاً ، منعنا الملازمة ، وإن أُريد مطلق وجوبه ، فلا ينافي كونه مشروطاً بالتمكّن ، كما لو تجدّد العجز بعد العقد.

وقد يعترض بأصالة عدم تقيّد الوجوب ، ثمّ يدفع بمعارضته بأصالة عدم تقيّد البيع بهذا الشرط. وفي الاعتراض والمعارضة نظر واضح ، فافهم.

٣ ـ عدم الانتفاع والمناقشة فيه

ومنها : أنّ الغرض من البيع انتفاع كلٍّ منهما بما يصير إليه ، ولا يتمّ إلاّ بالتسليم.

ويضعّفه : منع توقّف مطلق الانتفاع على التسليم ، بل منع عدم كون الغرض منه إلاّ الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق.

__________________

(١) اللمعة الدمشقية : ١١١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٧٦.

(٤) في «ش» : الممتنع.

١٨٥

٤ ـ لزوم السفاهة والمناقشة فيه

ومنها : أنّ بذل الثمن على غير المقدور سفهٌ ، فيكون ممنوعاً وأكله أكلاً بالباطل.

وفيه : أنّ بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفهاً ، بل تركه اعتذاراً بعدم العلم بحصول العوض (١) سفهٌ ، فافهم.

هل القدرة شرط أو العجز مانع

استظهار صاحب الجواهر أنّ العجز مانع

ثمّ إنّ ظاهر معاقد الإجماعات كما عرفت كون القدرة شرطاً ، كما هو كذلك في التكاليف ، وقد أُكّد الشرطيّة في عبارة الغنية المتقدّمة (٢) ، حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم ، فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط. ومع ذلك كلّه‌ فقد استظهر بعضٌ (٣) من تلك العبارة : أنّ العجز مانعٌ ، لا أنّ القدرة شرطٌ. قال : ويظهر الثمرة في موضع الشكّ ، ثمّ ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضالّ والضالّة ، وجعله دليلاً على أنّ القدر المتّفق عليه ما إذا تحقّق العجز.

المناقشة فيما استظهره صاحب الجواهر

عدم معقوليّة كون العجز مانعاً وعدم الثمرة فيه

وفيه مع (٤) ما عرفت من أنّ صريح معاقد الإجماع ، خصوصاً عبارة الغنية المتأكّدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء ، هي شرطيّة القدرة ـ : أنّ العجز أمرٌ عدميّ ؛ لأنّه عدم القدرة عمّن من شأنه صنفاً أو نوعاً أو جنساً أن يقدر ، فكيف يكون مانعاً؟ مع أنّ المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟ ثمّ لو سلّم صحّة إطلاق «المانع» عليه لا ثمرة فيه ، لا في صورة الشكّ الموضوعي أو الحكمي ،

__________________

(١) في «ف» : المعوّض.

(٢) تقدّمت في الصفحة ١٧٥.

(٣) استظهره صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٨٥.

(٤) لم ترد «مع» في غير «ف» ، إلاّ أنّها استدركت في «ن» و «خ».

١٨٦

ولا في غيرهما ؛ فإنّا إذا شككنا في تحقّق القدرة والعجز مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها ، أو لا معه فالأصل عدمها أعني العجز سواء جعل القدرة شرطاً أو العجز مانعاً ، وإذا شككنا في أنّ الخارج عن عمومات الصحّة هو العجز المستمرّ أو العجز في الجملة أو شككنا في أنّ المراد بالعجز ما يعمّ التعسّر كما حكي (١) أم خصوص التعذّر ، فاللازم التمسّك بعمومات الصحّة من غير فرقٍ بين تسمية القدرة شرطاً أو العجز مانعاً.

والحاصل : أنّ التردّد بين شرطيّة الشي‌ء ومانعيّة مقابله إنّما يصحّ ويثمر في الضدّين مثل الفسق والعدالة ، لا فيما نحن فيه وشبهه كالعلم والجهل. وأمّا اختلاف الأصحاب في مسألة الضالّ والضالّة فليس لشكّ المالك في القدرة والعجز ، ومبنيّاً على كون القدرة شرطاً أو العجز مانعاً كما يظهر من أدلّتهم على الصحّة والفساد بل لما سيجي‌ء عند التعرّض لحكمها (٢).

العبرة بالقدرة في زمان الاستحقاق

ما يتفرّع عليه

ثمّ إنّ العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم ، فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم ؛ كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق ولو حين العقد. ويتفرّع على ذلك : عدم اعتبارها أصلاً إذا كانت العين في يد المشتري ، وفيما لم (٣) يعتبر التسليم فيه رأساً ، كما إذا اشترى من ينعتق عليه ، فإنّه ينعتق‌

__________________

(١) لم نقف عليه.

(٢) يجي‌ء في الصفحة ١٩٨.

(٣) في «ف» بدل «وفيما لم» : أو لم.

١٨٧

بمجرّد الشراء ولا سبيل لأحدٍ عليه. وفيما إذا لم يستحقّ التسليم بمجرّد العقد ، إمّا لاشتراط تأخيره مدّة ، وإمّا لتزلزل العقد كما إذا اشترى فضولاً ؛ فإنّه لا يستحقّ التسليم إلاّ بعد إجازة المالك ، فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها. لكن يشكل على الكشف ، من حيث إنّه لازمٌ من طرف الأصيل ، فيتحقّق الغَرَر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لا (١) يقدر على تحصيله. نعم ، هو حسنٌ في الفضولي من الطرفين.

ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكّه. بل وكذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلَم ؛ لأنّ تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف على تحقّقه فلا يلزم غررٌ. ولو تعذّر التسليم بعد العقد رجع إلى تعذّر الشرط ، ومن المعلوم : أنّ تعذّر الشرط المتأخّر حال العقد غير قادح ، بل لا يقدح العلم بتعذّره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتّفق حصوله ، فإنّ الشروط المتأخّرة لا يجب إحرازها حال العقد ولا العلم بتحقّقها فيما بعد.

والحاصل : أنّ تعذّر التسليم مانعٌ في بيعٍ يكون التسليم من أحكامه ، لا من شروط تأثيره. والسرّ فيه : أنّ التسليم فيه جزء الناقل ، فلا يلزم غررٌ من تعلّقه بغير المقدور.

اعتبار القدرة بعد تمام الناقل

وبعبارة اخرى : الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل (٢) ، ولهذا لا يقدح كونه عاجزاً قبل القبول إذا علم بتجدّد القدرة بعده ، والمفروض أنّ المبيع بعد تحقّق الجزء الأخير من الناقل وهو القبض ـ

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : ما لم.

(٢) كذا في «ف» و «خ» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ ونسخة بدل «خ» : النقل.

١٨٨

حاصلٌ في يد المشتري ؛ فالقبض مثل الإجازة بناءً على النقل ، وأولى منها بناءً على الكشف.

وكذلك الكلام في عقد الرهن ، فإنّ اشتراط القدرة على التسليم فيه بناءً على اشتراط القبض إنّما هو من حيث اشتراط القبض ، فلا يجب (١) إحرازه حين الرهن ولا العلم بتحقّقه بعده ، فلو رهن ما يتعذّر تسليمه ثمّ اتّفق حصوله في يد المرتهن أثّر العقد أثره ، وسيجي‌ء الكلام في باب الرهن.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المنفيّ في النبويّ (٢) هو كلّ معاملة تكون بحسب العرف غرراً ، فالبيع المشروط فيه القبض كالصرْف والسلَم إذا وقع على عوضٍ مجهولٍ قبل القبض أو غير مقدورٍ ، غررٌ عرفاً ؛ لأنّ اشتراط القبض في نقل العوضين شرعيٌّ لا عرفيّ ، فيصدق الغرر والخطر عرفاً وإن لم يتحقّق شرعاً ؛ إذ قبل التسليم لا انتقال وبعده لا خطر ، لكن النهي والفساد يتبعان بيع الغرر عرفاً.

فساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه ما لا يقدر على تسليمه

ومن هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لا عن المالك ما لا يقدر على تسليمه. اللهمّ إلاّ أن يمنع الغرر العرفيّ بعد الاطّلاع على كون أثر (٣) المعاملة شرعاً على وجه لا يلزم منه خطر ، فإنّ العرف إذا اطّلعوا على انعتاق القريب بمجرّد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلاً ، وهكذا .. فالمناط صدق الغرر عرفاً بعد ملاحظة الآثار الشرعيّة للمعاملة ، فتأمّل.

__________________

(١) في نسخة بدل «ف» : فلا يعتبر.

(٢) المتقدّم في الصفحة ١٧٥.

(٣) في «ف» : أمر.

١٨٩

الخلاف في المسألة من الفاضل القطيفي

ثمّ إنّ الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلاّ من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقّق الثاني ، حيث حكي عنه أنّه قال في إيضاح النافع :

إنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط ، لا أنّها شرطٌ في أصل صحّة البيع ، فلو قدر على التسلّم صحّ البيع وإن لم يكن البائع قادراً عليه ، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من (١) التسليم جاز وينتقل إليه ، ولا يرجع على البائع ؛ لعدم القدرة إذا كان البيع على ذلك مع العلم ، فيصحّ بيع المغصوب ونحوه. نعم ، إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يُقبض عرفاً لم يصحّ المعاوضة عليه بالبيع ؛ لأنّه في معنى أكل مالٍ بالباطل ، وربما احتمل إمكان المصالحة عليه. ومن هنا يعلم : أنّ قوله يعني المحقّق في النافع ـ : «لو باع الآبقَ منفرداً لم يصحّ» ، إنّما هو مع عدم رضا المشتري ، أو مع عدم علمه ، أو كونه بحيث لا يتمكّن منه عرفاً ، ولو أراد غير ذلك فهو غير مسلّم (٢) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده الفاضل القطيفي

وفيه : ما عرفت من الإجماع ، ولزوم الغرر الغير المندفع بعلم المشتري ؛ لأنّ الشارع نهى عن الإقدام عليه ، إلاّ أن يجعل الغرر هنا بمعنى الخديعة ، فيبطل في موضع تحقّقه ، وهو عند جهل المشتري. وفيه ما فيه.

القدرة على التسليم شرط بالتبع والمقصد الأصلي هو التسلم

ثمّ إنّ الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين (٣) ـ : أنّ القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلاّ بالتبع ، وإنّما المقصد الأصلي هو‌

__________________

(١) في «ف» بدل «من» : على.

(٢) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٤.

(٣) وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٧٥.

١٩٠

التسلّم ، ومن هنا لو كان المشتري قادراً دون البائع كفى في الصحّة ، كما عن الإسكافي (١) والعلاّمة (٢) وكاشف الرموز (٣) والشهيدين (٤) والمحقّق الثاني (٥). وعن ظاهر الانتصار : أنّ صحّة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه ممّا انفردت به الإماميّة (٦) ، وهو المتّجه ؛ لأنّ ظاهر معاقد الإجماع بضميمة التتبّع في كلماتهم وفي استدلالهم (٧) بالغرر وغيره مختصّ بغير ذلك.

لو لم يقدر على التحصيل لكن يوثق بحصوله

ومنه يعلم أيضاً : أنّه (٨) لو لم يقدر أحدهما على التحصيل ، لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسليم ، كما لو اعتاد الطائر العود صحّ (٩) ؛ وفاقاً للفاضلين (١٠) والشهيدين (١١) والمحقّق‌

__________________

(١) حكاه عنه العلاّمة في التحرير ١ : ١٦٥ ، والمختلف ٥ : ٢١٦.

(٢) المختلف ٥ : ٢١٦.

(٣) حكاه عنه السيّد بحر العلوم الطباطبائي في المصابيح (مخطوط) : ٩٧ ، ولكن لم نعثر على المحكي عنه ، انظر كشف الرموز ١ : ٤٥٣ ، والمسالك ٣ : ١٧٢ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٥٠.

(٤) اللمعة الدمشقية : ١١١ ، والدروس ٣ : ٢٠٠.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ١٠٠ و ١٠٢.

(٦) حكاه عن ظاهره السيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٩ ، وراجع الانتصار : ٢٠٩.

(٧) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : واستدلالاتهم.

(٨) في «ف» بدل «أنّه» : الجواز.

(٩) لم ترد «صحّ» في «ف».

(١٠) الشرائع ٢ : ١٧ ، والقواعد ١ : ١٢٥ ، والتذكرة ١ : ٤٦٦.

(١١) اللمعة الدمشقية : ١١١ ، والدروس ٣ : ١٩٩ ٢٠٠ ، والروضة البهية ٣ : ٢٤٩ ، والمسالك ٣ : ١٧٣.

١٩١

الثاني (١) وغيرهم (٢).

نعم ، عن نهاية الإحكام : احتمال العدم ، بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم ، وأنّ عود الطائر غير موثوقٍ به ، إذ ليس له عقلٌ باعث (٣).

لو لم يقدر على التحصيل إلّا بعد مدّة مقدّرة عادةً

وفيه : أنّ العادة باعثةٌ كالعقل ، مع أنّ الكلام على تقدير الوثوق.

ولو لم يقدرا (٤) على التحصيل وتعذّر عليهما إلاّ بعد مدّةٍ مقدّرةٍ عادةً وكانت ممّا لا يتسامح فيه كسنةٍ أو أزيد ، ففي بطلان البيع ؛ لظاهر الإجماعات المحكيّة (٥) ، ولثبوت الغرر ، أو صحّته ؛ لأنّ ظاهر معقد الإجماع التعذّر رأساً ؛ ولذا حكم مدّعيه بالصحّة هنا ، والغرر منفيّ مع العلم بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدّة ، كما إذا اشترط تأخير التسليم مدّة ، وجهان ، بل قولان ، تردّد فيهما في الشرائع ، ثمّ قوّى الصحّة (٦) ، وتبعه في محكيّ التحرير (٧) والمسالك (٨) والكفاية (٩) وغيرها (١٠).

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٩٢.

(٢) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٧٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٩٠ ، والكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٥٨ وغيرهم.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٨١.

(٤) في «ف» ، «م» و «ش» : لم يقدر.

(٥) تقدّمت في صدر المسألة ، الصفحة ١٧٥.

(٦) الشرائع ٢ : ١٧.

(٧) التحرير ١ : ١٦٥.

(٨) المسالك ٣ : ١٧٤.

(٩) كفاية الأحكام : ٩٠.

(١٠) مثل الصيمري في غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٨٠ ، والسيّد بحر العلوم في المصابيح (مخطوط) : ١٠٥ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٧١.

١٩٢

نعم ، للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدّةً.

لو كانت مدّة التعذّر غير مضبوطة عادةً

ولو كان مدّة التعذّر غير مضبوطة عادةً كالعبد المُنْفَذ إلى [ال] ـ هند لحاجةٍ (١) لا يعلم زمان قضائها ففي الصحّة إشكالٌ : من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلّقة المعتدّة بالأقراء ؛ لجهالة وقت تسليم العين. وقد تقدّم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع (٢).

الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين

ثمّ إنّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين ؛ لأنّ الغرر لا يندفع بمجرّد القدرة الواقعيّة.

المعتبر هو الوثوق

ولو باع ما يعتقد التمكّن (٣) فتبيّن عجزه في زمان البيع وتجدّدها بعد ذلك ، صحّ ، ولو لم يتجدّد بطل. والمعتبر هو الوثوق ، فلا يكفي مطلق الظنّ ولا يعتبر اليقين.

هل العبرة بقدرة الموكل أو الوكيل

ثمّ لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكاً ، لا ما إذا كان وكيلاً في مجرّد العقد ؛ فإنّه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه.

وأمّا لو كان وكيلاً في البيع ولوازمه بحيث يعدّ الموكّل أجنبيّا عن هذه المعاملة. فلا إشكال في كفاية قدرته. وهل يكفي قدرة الموكّل؟ الظاهر نعم ، مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد ، فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك.

وربّما قيّد (٤) الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكّل (٥)

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : لأجل حاجة.

(٢) راجع الصفحة ١٩٢ ، هذا ولم يذكر الوجه الثاني.

(٣) في «ن» زيادة : منه ، استدراكاً.

(٤) قيّده صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٥) كذا في «ص» و «ش» ، وفي غيرهما : الوكيل ، إلاّ أنّها صحّحت في «خ» و «ن» بما أثبتناه.

١٩٣

كلام صاحب الجواهر في المسألة وما فرّ‘ه على ذلك

ورضي المالك (١) برجوع المشتري عليه ، وفرّع على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي ؛ لأنّ التسليم المعتبر من العاقد غير ممكنٍ قبل الإجازة ، وقدرة المالك إنّما تؤثّر لو بنى العقد عليها وحصل التراضي بها حال البيع ؛ لأنّ بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقاً ، بل مع الشرط المذكور وهو غير متحقّقٍ في الفضولي. والبناء على القدرة الواقعيّة باطل ؛ إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعيّة إلى أن قال : والحاصل : أنّ القدرة قبل الإجازة لم توجد ، وبعدها إن وجدت لم تنفع.

ثمّ قال :

لا يقال : إنّه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك وأنّه لا يخرج عن رأيه ، فيتحقّق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد ؛ لأنّ هذا الفرض يُخرج الفضولي عن كونه فضوليّاً ؛ لمصاحبة الإذن للبيع ، غاية الأمر حصوله بالفحوى وشاهد الحال ، وهما من أنواع الإذن ، فلا يكون فضوليّاً ولا يتوقّف صحّته على الإجازة ، ولو سلّمنا بقاءه على الصفة فمعلومٌ أنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض (٢).

النظر فيما أفاده صاحب الجواهر

وفيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي ، ثمّ في تفريع الفضولي ، ثمّ في الاعتراض الذي ذكره ، ثمّ في الجواب عنه أوّلاً وثانياً ، تأمّلٌ ، بل نظرٌ ، فتدبّر.

__________________

(١) في نسخة بدل «ص» : الموكل.

(٢) إلى هنا انتهى كلام صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٩٢ ٣٩٣.

١٩٤

مسألة

المشهور عدم جواز بيع الآبق منفرداً

لا يجوز بيع الآبق منفرداً‌ على المشهور بين علمائنا كما في التذكرة (١) ، بل إجماعاً كما عن الخلاف (٢) والغنية (٣) والرياض (٤) ، وبلا خلافٍ كما عن كشف الرموز (٥) ؛ لأنّه مع اليأس عن الظفر بمنزلة (٦) التالف ، ومع احتماله بيع غررٍ منفيٌّ إجماعاً نصّاً (٧) وفتوى.

خلافاً لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا (٨) ، ولعلّه الإسكافي ؛ حيث إنّ المحكيّ عنه : أنّه لا يجوز أن يشترى الآبق وحده ، إلاّ إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع (٩) ، انتهى.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٧٤.

(٣) الغنية : ٢١١ ٢١٢.

(٤) الرياض ١ : ٥١٩.

(٥) كشف الرموز ١ : ٤٥٣.

(٦) في «ف» زيادة : بيع.

(٧) تقدّم في الصفحة ١٧٥.

(٨) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٩) حكاه عنه في المختلف ٥ : ٢١٦.

١٩٥

وقد تقدّم عن الفاضل القطيفي في إيضاح النافع : منع اشتراط القدرة على التسليم. وقد عرفت ضعفه (١).

إمكان القول بالصحّة لو لا النصّ والاجماع

لكن يمكن أن يقال بالصحّة في خصوص الآبق ؛ لحصول الانتفاع به بالعتق ، خصوصاً مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع ، فإنّه يندفع به الغرر عرفاً ، لكن سيأتي ما فيه (٢).

فالعمدة الانتفاع بعتقه ، وله وجهٌ لولا النصّ الآتي (٣) والإجماعات المتقدّمة ، مع أنّ قابليّة المبيع لبعض الانتفاعات لا تخرجه عن الغرر.

عدم الفرق بين جعله مثمناً أو ثمناً

وكما لا يجوز جعله مثمناً ، لا يجوز جعله منفرداً ثمناً ؛ لاشتراكهما في الأدلّة.

تردّد الشهيد في جعله ثمناً مع جزمه بمنع جعله مثمناً

وقد تردّد في اللمعة في جعله ثمناً بعد الجزم بمنع جعله مثمناً ، وإن قرّب أخيراً المنع منفرداً (٤). ولعلّ الوجه : الاستناد في المنع عن جعله مثمناً إلى النصّ والإجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن ، دون نفي الغرر ، الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق. ويؤيّده : حكمه بجواز بيع الضالّ والمجحود ، مع خفاء الفرق بينهما وبين الآبق في عدم القدرة على التسليم.

ونظير ذلك ما في التذكرة ، حيث ادّعى أوّلاً الإجماع على اشتراط القدرة على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر ، ثمّ قال : والمشهور‌

__________________

(١) راجع الصفحة ١٩٠.

(٢) يأتي في الصفحة ٢٠٠.

(٣) انظر الصفحة ٢٠١ ٢٠٢.

(٤) اللمعة الدمشقية : ١١١.

١٩٦

بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفرداً إلى أن قال : وقال بعض علمائنا بالجواز ، وحكاه عن بعض العامّة أيضاً (١). ثمّ ذكر الضالّ ولم يحتمل فيه إلاّ جواز البيع منفرداً و (٢) اشتراط (٣) الضميمة (٤).

فإنّ التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر ، والتوجيه يحتاج إلى تأمّل.

هل يلحق بالبيع الصلح عمّأ يتعذّر تسليمه؟

وكيف كان ، فهل يلحق بالبيع الصلح عمّا يتعذّر تسليمه ، فيعتبر فيه القدرة على التسليم؟ وجهان ، بل قولان (٥) :

من عمومات الصلح وما (٦) علم من التوسّع فيه (٧) ، كجهالة (٨) المصالح عنه إذا تعذّر أو تعسّر معرفته بل مطلقاً ـ ، واختصاص الغرر المنفيّ بالبيع.

ومن أنّ الدائر على ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع ، حتّى أنّهم يستدلّون به في غير المعاوضات كالوكالة (٩) ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٢) في «ش» بدل «و» : أو.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : اشتراطه.

(٤) راجع التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٥) القول بالجواز من الشهيد الثاني كما سيأتي في الصفحة الآتية ، واختاره السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٨٣.

(٦) في «ف» : وممّا.

(٧) كذا في «ص» و «ش» ، وفي «م» : «فيها» ، وفي سائر النسخ : فيهما.

(٨) في «ش» : لجهالة.

(٩) راجع التذكرة ٢ : ١١٩ ، وجامع المقاصد ٨ : ٢٢١ ، ومفتاح الكرامة ٧ : ٥٦٢.

١٩٧

فضلاً عن المعاوضات كالإجارة والمزارعة والمساقاة والجعالة (١) ، بل قد يرسل في كلماتهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه نهى عن الغرر (٢).

وقد رجّح بعض الأساطين (٣) جريان الاشتراط فيما لم يبن على المسامحة من الصلح. وظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر على تسليمه على القول بعدم اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه (٤).

عدم جواز بيع الضالّ والمجحود والمغصوب للغرر والاجماع

قد يوهن الاجماع ويمنع الغرر

وأمّا الضالّ والمجحود والمغصوب ونحوها ممّا لا يقدر على تسليمه ، فالأقوى فيها عدم الجواز ، وفاقاً لجماعة (٥) ؛ للغرر المنفي المعتضد بالإجماع المدّعى على اشتراط القدرة على التسليم ، إلاّ أن يوهن بتردّد مدّعيه كالعلاّمة في التذكرة في صحّة بيع الضالّ منفرداً (٦) ، ويُمنَع (٧) الغرر خصوصاً فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضموناً على‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ٧ : ٨٦ و ١٠٣ في الإجارة ، والرياض ١ : ٦١١ في المزارعة ، ومفتاح الكرامة ٧ : ٣٤٩ ، والجواهر ٢٧ : ٦٤ في المساقاة ، والجواهر ٣٥ : ١٩٤ في الجعالة ، وغيرها من الكتب الفقهيّة.

(٢) كما في التذكرة ٢ : ٢٩١ ، والحدائق ٢٠ : ٢٢ ، والجواهر ٢٦ : ١٤٢.

(٣) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٧٥.

(٤) المسالك ٤ : ٢٤.

(٥) منهم الشهيد في الدروس ٣ : ٢٠٠ ، والمسالك ٣ : ١٧٢ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٥١ ، وفيه بعد الحكم بالصحّة : «ويحتمل قويّاً بطلان البيع» ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٥٧ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٣ : ٥١٩ ، والمحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٧٥ ، وغيرهم ، وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٦٩ ٢٧٠.

(٦) راجع التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٧) في مصحّحة «ص» : وبمَنع.

١٩٨

البائع. وأمّا فوات منفعته مدّةً رجاء الظفر به فهو ضرر قد أقدم عليه ، وجهالته غير مضرّة مع إمكان العلم بتلك المدّة كضالّة يعلم أنّها لو لم توجد بعد ثلاثة أيام فلن (١) توجد بعد ذلك. وكذا في المغصوب والمنهوب.

والحاصل : أنّه لا غرر عرفاً بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي لانفساخ البيع من أصله ، وفرض عدم تسلّط البائع على مطالبته بالثمن ، لعدم تسليم المثمن ؛ فإنّه لا خطر حينئذٍ في البيع ، خصوصاً مع العلم بمدّة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها.

الجواب عمّا ذكر في منع الغرر

هذا ، ولكن يدفع جميع ما ذكر : أنّ المنفيّ في حديث الغرر كما تقدّم (٢) هو ما كان غرراً في نفسه عرفاً مع قطع النظر عن الأحكام الشرعيّة الثابتة للبيع ؛ ولذا قوّينا فيما سلف (٣) جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعاً بالتسليم. ومن المعلوم أنّ بيع الضالّ وشبهه ليس محكوماً عليه في العرف بكونه في ضمان البائع ، بل يحكمون بعد ملاحظة إقدام المشتري على شرائه بكون تلفه منه ، فالانفساخ بالتلف حكمٌ شرعيٌّ عارضٌ للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غرراً عرفاً.

عدم ارتفاع الغرر بالحكم بكون الصحّة مراعى بالتسليم

وممّا ذكر يظهر : أنّه لا يجدي في رفع (٤) الغرر الحكم بصحّة البيع مراعى بالتسليم ، فإن تسلّم قبل مدّة لا يفوت الانتفاع المعتدّ به ، وإلاّ تخيّر بين الفسخ والإمضاء كما استقربه في اللمعة (٥) فإنّ ثبوت الخيار‌

__________________

(١) في «ف» و «خ» : لن.

(٢) راجع الصفحة ١٨٩.

(٣) راجع الصفحة ١٨٨.

(٤) في «خ» : نفي.

(٥) اللمعة الدمشقية : ١١١.

١٩٩

حكمٌ شرعيٌّ عارضٌ للبيع الصحيح الذي فرض (١) فيه العجز عن تسلّم (٢) المبيع ، فلا يندفع به الغرر الثابت عرفاً في البيع المبطل له. لكن قد مرّت (٣) المناقشة في ذلك بمنع إطلاق العرف (٤) الغرر على مثل هذا بعد اطّلاعهم على الحكم الشرعي اللاحق للمبيع (٥) من ضمانه قبل التسليم (٦) ومن عدم التسلّط على مطالبة الثمن ، فافهم.

امكان جواز البيع مع شرط الخيار في متن العقد

ولو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد فباعه على أن يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلى ثلاثة أيام ، أمكن جوازه ؛ لعدم الغرر حينئذٍ عرفاً ، ولذا لا يُعدّ بيع العين الغير المرئيّة الموصوفة بالصفات المعيّنة من بيع الغرر ؛ لأنّ ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه فيه الموجب للتسلّط على الردّ.

ولعلّه لهذا اختار في محكيّ المختلف تبعاً للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع (٧). فإنّ الظاهر منه اشتراط ضمانه.

وعن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه (٨). وإن كان قد يرد على هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان ، فتأمّل.

__________________

(١) في «ف» : يفرض.

(٢) في «ص» : تسليم.

(٣) مرّت في الصفحة ١٨٩.

(٤) لم ترد «العرف» في غير «ف» ، واستدركت في «ن».

(٥) في «ف» : للبيع.

(٦) في غير «ف» : «العلم» ، لكنّها صحّحت في أكثر النسخ بما أثبتناه.

(٧) المختلف ٥ : ٢١٦.

(٨) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٢٤.

٢٠٠