كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

الظاهر من بعض الأخبار (١) هو الكشف ، والقول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى ؛ لأنّ إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي ، وهي هنا من قبيل رفع المانع ؛ ومن أجل ذلك جوّزوا عتق الراهن هنا مع تعقّب إجازة المرتهن (٢) ، مع أنّ الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة. والاعتذار عن ذلك ببناءِ العتق على التغليب كما فعله المحقّق الثاني في كتاب الرهن ، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون (٣) منافٍ لتمسّكهم في العتق بعمومات العتق ؛ مع أنّ العلاّمة قدس‌سره في تلك المسألة قد جوّز العفو مراعى بفكّ الرهن (٤).

هذا إذا رضي المرتهن بالبيع وأجازه. أمّا إذا أسقط حقّ الرهن ، ففي كون الإسقاط كاشفاً أو ناقلاً كلامٌ يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدين.

هل تنفع الإجازة بعد الرد أم لا؟

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّه لا ينفع الردّ بعد الإجازة ، وهو واضح. وهل ينفع الإجازة بعد الردّ؟ وجهان :

__________________

(١) مثل صحيحة محمد بن قيس المروية في الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل ، و ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث الأوّل ، وغيرهما من الأخبار المشار إليها في مبحث الإجازة ، راجع مبحث بيع الفضولي في الجزء ٣ : ٣٩٩.

(٢) كما في النهاية : ٤٣٣ ، والشرائع ٢ : ٨٢ ، والجامع للشرائع : ٨٨ ، وانظر مفتاح الكرامة ٥ : ١١٦.

(٣) جامع المقاصد ٥ : ١٤٦.

(٤) القواعد ١ : ١٦٥.

١٦١

من أنّ الردّ في معنى عدم رفع اليد عن حقّه فله إسقاطه بعد ذلك ، وليس ذلك كردّ بيع الفضولي ، لأنّ المجيز هناك في معنى أحد المتعاقدين ، وقد تقرّر أنّ ردّ أحد العاقدين مبطلٌ لإنشاء العاقد الآخر ، بخلافه هنا ؛ فإنّ المرتهن أجنبيٌّ له حقٌّ في العين.

ومن أنّ الإيجاب المؤثّر إنّما يتحقّق برضا المالك والمرتهن ، فرضا كلٍّ منهما جزءٌ مقوّمٌ للإيجاب المؤثِّر ، فكما أنّ ردّ المالك في الفضولي مبطلٌ للعقد بالتقريب المتقدّم ، كذلك ردّ المرتهن ؛ وهذا هو الأظهر من قواعدهم.

فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة

ثمّ إنّ الظاهر أنّ فكّ الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة ؛ لسقوط حقّ المرتهن بذلك ، كما صرّح به في التذكرة (١). وحكي عن فخر الإسلام (٢) والشهيد في الحواشي (٣) ، وهو الظاهر من المحقّق والشهيد الثانيين (٤).

ويحتمل عدم لزوم العقد بالفكّ كما احتمله في القواعد (٥) بل بمطلق (٦) السقوط الحاصل بالإسقاط أو الإبراء أو بغيرهما ؛ نظراً إلى أنّ‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٥ ، و ٢ : ٥٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩.

(٣) لا يوجد لدينا ، وحكى عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١١٨.

(٤) راجع جامع المقاصد ٥ : ٧٥ ، ولم نعثر في كلام الشهيد الثاني على ما يدلّ عليه ، نعم قال بلزوم العتق من طرف الراهن بفكّ الرهن في الروضة البهيّة (٤ : ٨٤).

(٥) راجع القواعد ١ : ١٦٠ ، وفيه : فلو افتكّ الرهن ففي لزوم العقود نظر.

(٦) في غير «ف» : مطلق.

١٦٢

الراهن تصرّف فيما فيه حقّ المرتهن ، وسقوطه بعد ذلك لا يؤثّر في تصحيحه.

احتمال الفرق بين الإجازة والفكّ

والفرق بين الإجازة والفكّ : أنّ مقتضى ثبوت الحقّ له (١) هو صحّة إمضائه للبيع الواقع في زمان حقّه ، وإن لزم من الإجازة سقوط حقّه ، فيسقط حقّه بلزوم البيع. وبالجملة ، فالإجازة تصرّف من المرتهن في الرهن حال وجود حقّه أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقّه ، نظير إجازة المالك. بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء ؛ فإنّه ليس فيه دلالة على مضيّ العقد حال وقوعه ، فهو أشبه شي‌ءٍ ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثمّ تملّكهما ، وقد تقدّم الإشكال فيه عن جماعة (٢). مضافاً إلى استصحاب عدم اللزوم الحاكم على عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ؛ بناءً على أنّ هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاصّ. وليس ذلك محلّ التمسّك بالعامّ ؛ إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتّى يقال : إنّ المتيقّن خروجه هو العقد قبل السقوط ، فيبقى ما بعد السقوط داخلاً في العامّ.

ويؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه ـ : ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحّة نكاح العبد بدون إذن سيّده بمجرّد عتقه ما لم يتحقّق الإجازة ولو بالرضا المستكشف من سكوت السيّد مع علمه بالنكاح (٤).

__________________

(١) لم ترد «له» في «ف».

(٢) راجع المسألة الثالثة من بحث الفضولي المتقدّم في الجزء ٣ : ٣٧٦.

(٣) المائدة : ١.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٣.

١٦٣

ضعف الاحتمال المذكور

هذا ، ولكنّ الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور ، من جهة أنّ عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلاّ لمزاحمة حقّ المرتهن المتقدّم على حقّ المالك بتسليط المالك ، فعدم الأثر ليس لقصورٍ في المقتضي ، وإنّما هو من جهة المانع ، فإذا زال أثّر المقتضي.

ومرجع ما ذكرنا إلى أنّ أدلّة سببيّة البيع المستفادة من نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) ونحو ذلك ، عامّة ، وخروج زمان الرهن يعلم أنّه من جهة مزاحمة حقّ المرتهن الذي هو أسبق ، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب. ولا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع ؛ للعلم بمناط المستصحب وارتفاعه ، فالمقام من باب وجوب العمل بالعامّ ، لا من مقام استصحاب حكم الخاصّ ، فافهم.

عدم صحّة قياس ما نحن فيه بنكاح العبد بدون إذن سيّده

وأمّا قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون إذن سيّده ، فهو قياسٌ مع الفارق ؛ لأنّ المانع عن سببيّة نكاح العبد بدون إذن سيّده قصور تصرّفاته عن الاستقلال في التأثير ، لا مزاحمة حقّ السيّد لمقتضى النكاح ؛ إذ لا منافاة بين كونه عبداً وكونه زوجاً ؛ ولأجل ما ذكرنا لو تصرّف العبد لغير السيّد ببيعٍ أو غيره ، ثمّ انعتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرّف.

هل سقوط حق الرهانة كاشف أو ناقل

هذا ، ولكن مقتضى ما ذكرنا : كون سقوط حقّ الرهانة بالفكّ أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلاً ومؤثّراً من حينه ، لا كاشفاً عن تأثير العقد من حين وقوعه ، خصوصاً بناءً على الاستدلال على الكشف‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩ ، و ٣ : ٢٠٨ ، الحديث ٤٩.

١٦٤

بما ذكره جماعة ممّن قارب عصرنا (١) : من أنّ مقتضى مفهوم (٢) الإجازة إمضاء العقد من حينه ، فإنّ هذا غير متحقّق في افتكاك الرهن ، فهو نظير بيع الفضولي ثمّ تملّكه للمبيع ، حيث إنّه لا يسع القائل بصحّته إلاّ التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأوّل لا من حين العقد ، وإلاّ لزم في المقام كون ملك الغير رهناً لغير مالكه كما كان (٣) يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد.

ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو الكشف

هذا ، ولكن ظاهر كلّ من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف.

وقد تقدّم عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني على المرهون ـ : أنّ الفكّ يكشف عن صحّته (٤).

ويدلّ على الكشف أيضاً ما استدلّوا به على الكشف في الفضولي : من أنّ العقد سببٌ تامّ .. إلى آخر ما ذكره في الروضة (٥) وجامع المقاصد (٦).

لازم الكشف لزوم العقد قبل الإجازة

ثمّ إنّ لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي (٧) لزوم العقد‌

__________________

(١) منهم السيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٣ ، والمحقّق القمي في جامع الشتات ٢ : ٢٧٩ ، وغنائم الأيام : ٥٤٢.

(٢) في «ف» : عموم.

(٣) لم ترد «كان» في «ش».

(٤) راجع القواعد ١ : ١٦٥ ، وتقدّم في الصفحة ١٦١.

(٥) الروضة البهيّة ٣ : ٢٢٩.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ٧٥.

(٧) راجع المكاسب ٣ : ٤١١ ٤٢٠.

١٦٥

قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الأصيل (١) فلا يجوز له فسخه ، بل ولا إبطاله بالإذن للمرتهن في البيع.

لو باع الراهن فهل يجب عليه فكّ الرهن من مالٍ آخر أم لا يجب؟

نعم ، يمكن أن يقال بوجوب فكّه من مالٍ آخر ، إذ لا يتمّ الوفاء بالعقد الثاني إلاّ بذلك ، فالوفاء بمقتضى الرهن غير منافٍ للوفاء بالبيع.

ويمكن أن يقال : إنّه إنّما (٢) يلزم الوفاء بالبيع ، بمعنى عدم جواز نقضه ، وأمّا دفع حقوق الغير وسلطنته فلا يجب ؛ ولذا لا يجب على من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه ويدفعه إليه ، بناءً على لزوم العقد بذلك.

وكيف كان ، فلو امتنع ، فهل يباع عليه ؛ لحقّ المرتهن ؛ لاقتضاء الرهن ذلك وإن لزم من ذلك إبطال بيع الراهن ؛ لتقدّم حقّ المرتهن؟ أو يجبر الحاكمُ الراهنَ على فكّه من مالٍ آخر ؛ جمعاً بين حقّي المشتري والمرتهن اللازمين على الراهن البائع؟ وجهان. ومع انحصار المال في المبيع فلا إشكال في تقديم حقّ المرتهن.

__________________

(١) كلمة «الأصيل» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) لم ترد «إنّما» في «ف».

١٦٦

مسألة

هل يصحّ بيع الجاني عمداً أم لا؟

إذا جنى العبد عمداً بما يوجب قتله أو استرقاق كلِّه أو بعضه ، فالأقوى صحّة بيعه ، وفاقاً للمحكيّ عن العلاّمة (١) والشهيد (٢) والمحقّق الثاني (٣) وغيرهم (٤) ، بل في شرح الصيمري : أنّه المشهور (٥) ؛ لأنّه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه ، على ما هو المعروف عمّن عدا الشيخ (٦) في الخلاف كما سيجي‌ء (٧).

وتعلّق حقّ المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابليّة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٥ ، والقواعد ١ : ١٢٦.

(٢) الدروس ٣ : ٢٠٠ ، واللمعة الدمشقية : ١١٢.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٩٩.

(٤) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٧١ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٨٣ ٣٨٤.

(٥) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٨٠.

(٦) في «ف» : عن غير الشيخ.

(٧) يجي‌ء في الصفحة ١٦٩ ١٧٠.

١٦٧

إمكان مطالبة أولياء المجني عليه لا يسقط الماليّة

الانتفاع به. ومجرّد إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقتٍ بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليّته.

وعلى تقدير تسليمه ، فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير ، فيكون موقوفاً على افتكاكه عن القتل والاسترقاق ، فإن افتكّ لزم ، وإلاّ بطل البيع من أصله.

ويحتمل أن يكون البيع غير متزلزل ، فيكون تلفه من المشتري في غير زمن الخيار ؛ لوقوعه في ملكه ، غاية الأمر أنّ كون المبيع عرضة لذلك عيب (١) يوجب الخيار مع الجهل ، كالمبيع (٢) الأرمد إذا عمي ، والمريض إذا مات بمرضه.

وقوع البيع مراعىً لا باطلاً

ويردّه : أنّ المبيع إذا كان متعلّقاً لحقّ الغير فلا يقبل أن يقع لازماً ؛ لأدائه إلى سقوط حقّ الغير ، فلا بدّ إمّا أن يبطل وإمّا أن يقع مراعىً ، وقد عرفت أنّ مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ومدخليّة الغير فيه : وقوع بيعه مراعىً ، لا باطلاً.

الفرق بين ما نحن فيه وبين بيع المريض

وبذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين بيع المريض الذي يخاف عليه من الموت ، والأرمد الذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق ؛ فإنّ الخوف في المثالين لا يوجب نقصاناً في سلطنة المالك مانعاً عن (٣) نفوذ تمليكه منجّزاً ، بخلاف تعلّق حقّ الغير. اللهمّ إلاّ أن يقال (٤) : إنّ‌

__________________

(١) لم ترد «عيب» في «خ» ، «م» و «ع».

(٢) كذا في النسخ ، وكتب فوقه في «خ» : «كبيع خ» ، وهذا هو الأنسب.

(٣) في «ف» و «خ» : من.

(٤) لم ترد «أن يقال» في غير «ف» و «ش» ، لكن استدركت في «ن» و «ص».

١٦٨

تعلّق حقّ المجنيّ عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجّزاً ؛ لأنّ للبائع سلطنة مطلقة عليه (١) ، وكذا للمشتري ؛ ولذا يجوز (٢) التصرّف لهما فيه (٣) من دون مراجعة ذي الحقّ ، غاية الأمر أنّ له التسلّط على إزالة ملكهما (٤) ورفعه بالإتلاف أو التمليك ، وهذا لا يقتضي وقوع العقد مراعى وعدم استقرار الملك.

الفرق بين حقّ المرتهن وحقّ المجنّى عليه

وبما ذكرنا ظهر الفرق بين حقّ المرتهن (٥) المانع من تصرّف الغير وحقّ المجنيّ عليه الغير المانع فعلاً ، غاية الأمر أنّه رافع (٦) شأناً.

كلام الشيخ الطوسي في بطلان البيع في المسألة

وكيف كان ، فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان ، فإنّه قال فيما حكي عنه : إذا كان لرجلٍ عبدٌ ، فجنى (٧) ، فباعه مولاه بغير إذن المجنيّ عليه ، فإن كانت جنايته توجب القصاص فلا يصحّ البيع ، وإن كانت جنايته توجب الأرش صحّ إذا التزم مولاه الأرش. ثمّ استدلّ بأنّه إذا وجب عليه القود فلا يصحّ بيعه ؛ لأنّه قد باع منه ما لا يملكه ،

__________________

(١) في «ف» : سلطنة متعلّقة به.

(٢) في غير «ف» و «ش» : «لا يجوز» ، وشطب في «ن» ، «خ» و «ص» على كلمة «لا».

(٣) لم ترد «فيه» في «ف» و «ش».

(٤) كذا في «ص» ومحتمل «ف» ، وفي «ش» : «ملكه» ، وفي سائر النسخ : «ملكها» ، لكن صحّحت في «ن» و «خ» بما أثبتناه.

(٥) في غير «ش» : «الراهن» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٦) في مصحّحة «ص» : مانع.

(٧) كذا في المصدر ، وفي «ش» ومصحّحة «ن» : «جان» ، وفي «ص» : «فجنى عليه» ، وفي سائر النسخ : «مجني عليه».

١٦٩

فإنّه حقٌّ للمجنيّ عليه. وأمّا إذا وجب عليه الأرش صحّ ؛ لأنّ رقبته سليمةٌ ، والجناية أرشها فقد التزمه السيّد ، فلا وجه يفسد البيع (١) ، انتهى.

وقد حكي عن المختلف : أنّه حكى عنه (٢) في كتاب الظهار : التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجاني عمداً ، حيث قال : إذا كان عبدٌ قد جنى جنايةً فإنّه لا يجزئ عتقه عن الكفّارة ، وإن كان خطأً جاز ذلك. واستدلّ بإجماع الفرقة ، فإنّه لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمداً ينتقل ملكه إلى المجنيّ عليه ، وإن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه (٣) ، انتهى.

استظهار البطلان من الاسكافي والمحقّق

وربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافيّ المحكيّة عنه في الرهن ، وهي : أنّ من شرط الرهن أن يكون الراهن (٤) مثبتاً لملكه إيّاه ، غير خارجٍ بارتدادٍ أو استحقاق الرقبة بجنايته عن ملكه (٥) ، انتهى.

وربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضاً في كتاب القصاص ، حيث قال : إنّه (٦) إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه مولاه صحّ ، ولم يسقط القود ، ولو قيل : لا يصحّ لئلاّ يبطل حقّ الولي (٧) من‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١١٧ ١١٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ١٩٨.

(٢) أي : عن الشيخ.

(٣) المختلف ٧ : ٤٤٣ ، وراجع الخلاف ٤ : ٥٤٦ ، كتاب الظهار ، المسألة ٣٣.

(٤) كذا في المصدر ونسخة بدل «ن» و «ش» ، وفي سائر النسخ : الرهن.

(٥) المختلف ٥ : ٤٢٢.

(٦) لم ترد «إنّه» في «ش» والمصدر.

(٧) كذا في «ف» ، «ن» و «ش» ، وفي سائر النسخ : المولى.

١٧٠

الاسترقاق ، كان حسناً. وكذا بيعه وهبته (١) ، انتهى.

احتمال أن يكون مراد المحقّق من «الصحّة» اللزوم

لكن يحتمل قويّاً أن يكون مراده بالصحّة : وقوعه لازماً غير متزلزل كوقوع العتق ؛ لأنّه الذي يبطل به حقّ الاسترقاق ، دون وقوعه مراعى بافتكاكه عن القتل والاسترقاق.

الاستناد في عدم الصحّة إلى عدم الملك والمناقشة فيه

وكيف كان ، فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحّة إلى عدم الملك ، وهو ممنوع ؛ لأصالة بقاء ملكه ، ولظهور (٢) لفظ «الاسترقاق» في بعض الأخبار (٣) في بقاء الملك. نعم ، في بعض الأخبار ما يدلّ على الخلاف (٤).

ويمكن أن يكون مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه ؛ فإنّه ينتقل إلى المجنيّ عليه ، ويكون عدم جواز بيعه من المولى مبنيّاً على المنع عن بيع الفضولي المستلزم للمنع عن بيع كلّ ما يتعلّق به حقّ الغير ينافيه السلطنة المطلقة من المشتري عليه ، كما في الرهن.

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٠٩.

(٢) في غير «ف» : وظهور.

(٣) الوسائل ١٩ : ٧٣ ، الباب ٤١ من أبواب قصاص النفس.

(٤) الوسائل ١٩ : ٧٣ ، الباب ٤١ من أبواب قصاص النفس.

١٧١

مسألة

هل يصحّ بيع العبد الجاني خطأً أم لا؟

إذا جنى العبد خطأً صحّ بيعه على المشهور ، بل في شرح الصيمري : أنّه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطأً أو شبه عمد ، ويضمن المولى أقلّ الأمرين من قيمته ودية الجناية ، ولو امتنع كان للمجنيّ عليه أو لوليّه انتزاعه ، فيبطل البيع. وكذا لو كان المولى معسراً ، فللمشتري الفسخ مع الجهالة لتزلزل ملكه ما لم يَفْدِه (١) المولى (٢) ، انتهى.

وظاهره أنّه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيّد ، إلاّ أنّ المحكيّ عن السرائر (٣) والخلاف (٤) : أنّه لا يجوز إلاّ إذا فداه (٥) المولى أو‌

__________________

(١) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : لم يفد به.

(٢) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٨٠.

(٣) السرائر ٣ : ٣٥٨ ، وحكى ذلك عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٨٣.

(٤) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٨٣ ، وقال : إنّه مفهوم من كلامه في الرهن ، وراجع الخلاف ٣ : ٢٣٥ ، كتاب الرهن المسألة ٢٨.

(٥) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أفداه.

١٧٢

التزم بالفداء ، لا أنّه (١) إذا باع ضمن.

الأوفق بالقواعد جواز البيع والدليل عليه

والأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع ؛ لكونه ملكاً لمولاه ، وتعلّق حقّ الغير لا يمنع عن ذلك ؛ لأنّ كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع رأساً فضلاً عن تعلّق حقّ الغير. ولعلّ ما عن الخلاف والسرائر مبنيٌّ على أصلهما من بطلان الفضولي وما أشبهه من كلّ بيعٍ يلزم من لزومه بطلان حقّ الغير ، كما يومئ إليه استدلال الحلّي على بطلان البيع قبل التزامه وضمانه : بأنّه قد تعلّق (٢) برقبة العبد الجاني فلا يجوز إبطاله (٣). ومرجع هذا المذهب إلى أنّه لا واسطة بين لزوم البيع وبطلانه ، فإذا صحّ البيع أبطل حقّ الغير.

هل البيع التزامٌ بالفداء أم لا؟

وقد تقدّم غير مرّة : أنّه لا مانع من وقوع البيع مراعىً بإجازة ذي الحقّ أو سقوط حقّه ، فإذا باع المولى فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقلّ الأمرين على الخلاف وقع مراعىً ، فإن فدّاه المولى أو رضي المجنيّ عليه بضمانه فذاك ، وإلاّ انتزعه المجنيّ عليه من المشتري ، وعلى هذا فلا يكون البيع موجباً لضمان البائع حقّ المجنيّ عليه.

قال في كتاب الرهن من القواعد : ولا يجبر السيّد على فداء الجاني وإن رهنه أو باعه ، بل يتسلّط المجنيّ عليه ، فإن استوعب الجناية القيمة بطل الرهن ، وإلاّ ففي المقابل (٤) ، انتهى.

__________________

(١) في «ش» : إلاّ أنّه.

(٢) في «ص» زيادة : حقّ الغير.

(٣) السرائر ٣ : ٣٥٨.

(٤) القواعد ١ : ١٥٩.

١٧٣

كلام العلّامة في أنّ البيع بنفسه التزام بالفداء

لكن ظاهر العلاّمة في غير هذا المقام وغيره هو أنّ البيع بنفسه التزام بالفداء. ولعلّ وجهه : أنّه يجب على المولى حيث تعلّق بالعبد وهو مالٌ من أمواله ، وفي يده (١) حقٌّ يتخيّر المولى في نقله عنه إلى ذمّته ، أن يوفي حقّ المجني عليه إمّا من العين أو من ذمّته ، فيجب عليه : إمّا تخليص العبد من المشتري بفسخٍ أو غيره ، وإمّا أن يفديه من ماله ، فإذا امتنع المشتري من ردّه والمفروض عدم سلطنة البائع على أخذه قهراً ؛ للزوم الوفاء بالعقد وجب عليه دفع الفداء.

المناقشة فيما أفاده العلّامة قدّس سرّه

ويرد عليه : أنّ فداء العبد غير لازم قبل البيع ، وبيعه ليس إتلافاً له حتّى يتعيّن عليه الفداء ، ووجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي إلاّ رفع يده ، لا رفع يد الغير ، بل هذا أولى بعدم وجوب الفكّ من الرهن الذي تقدّم في آخر مسألته الخدشة (٢) في وجوب الفكّ على الراهن بعد بيعه ؛ لتعلّق الدين هناك بالذمّة وتعلّق الحقّ هنا بالعين ، فتأمّل.

ثمّ إنّ المصرَّح به في التذكرة (٣) والمحكيّ عن غيرها (٤) : أنّ للمشتري فكّ العبد ، وحكم رجوعه إلى البائع حكم قضاء الدين عنه.

__________________

(١) لم ترد «وفي يده» في «ف».

(٢) في «ف» : «الخلاف» ، وراجع الصفحة ١٦٦.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٥ ٤٦٦.

(٤) حكاه المحقّق التستري في المقابس : ١٨٦ عن التحرير ، وراجع التحرير ١ : ١٦٥.

١٧٤

مسألة الثالث

من شروط العوضين : القدرة على التسليم‌

شرطيّة القدرة على التسليم

فإنّ الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد (١) ، وفي التذكرة : أنّه إجماع (٢). وفي المبسوط : الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء (٣). وعن الغنية : أنّه إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدوراً عليه تحفّظاً ممّا لا يمكن فيه ذلك ، كالسمك في الماء والطير في الهواء ، فإنّ ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف (٤).

الاستدلال عليه بـ : نهي النبيّ صلّى الله عليه وآله عن بيع الغرر

واستدلّ في التذكرة على ذلك بأنّه : «نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» (٥) ،

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ١٠١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٣) المبسوط ٢ : ١٥٧.

(٤) الغنية : ٢١١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٣٠ ، الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.

١٧٥

وهذا غررٌ (١) ، والنهي هنا يوجب الفساد إجماعاً ، على الظاهر المصرّح به في موضعٍ من الإيضاح (٢) ، واشتهار الخبر بين الخاصّة والعامة يجبر إرساله.

كون ما نحن فيه غرراً

أمّا كون ما نحن فيه غرراً فهو الظاهر من كلمات كثيرٍ من الفقهاء (٣) وأهل اللغة (٤) ، حيث مثّلوا للغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء ؛ مع أنّ معنى الغرر على ما ذكره أكثر أهل اللغة صادقٌ عليه ، والمرويّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّه عملُ ما لا يؤمن معه من الضرر» (٥).

معنى الغرر لغة

تعريف الصحاح

وفي الصحاح : الغرّة : الغفلة ، والغارّ : الغافل ، وأغرّه ، أي : أتاه على غِرّة منه ، واغترّ بالشي‌ء ، أي : خدع به (٦) ، والغرر : الخطر ، ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ؛ وهو مثل بيع السمك في الماء‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٣٠.

(٣) راجع الوسيلة : ٢٤٥ ٢٤٦ ، والسرائر ٢ : ٣٢٣ ٣٢٤ ، والجامع للشرائع : ٢٥٥ ، والتذكرة ١ : ٤٨٥ ، وغيرها.

(٤) كما في الصحاح ٢ : ٧٦٨ ، مادّة «غرر» ، ومجمع البحرين ٣ : ٤٢٣ ، مادّة «غرر» أيضاً.

(٥) لم نعثر عليه في كتب الأُصول والفروع ، نعم نقله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٨٧ ، بلفظ : وروى ابن أبي المكارم الفقهي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّ الغرر عمل ما لا يؤمن معه الضرر».

(٦) في «ف» : أغرّه بالشي‌ء ، أي : خدعه به.

١٧٦

تعريف القاموس

والطير في الهواء إلى أن قال : والتغرير : حمل النفس على الغرر (١) ، انتهى. وعن القاموس ما ملخّصه : غرّه غرّاً وغروراً وغِرّةً بالكسر ـ ، فهو مغرورٌ وغريرٌ كأمير (٢) ـ : خدعه وأطمعه في الباطل (٣) إلى أن قال : غرّر بنفسه تغريراً وتغرّةً ، أي : عرّضها للهلكة ، والإسم الغَرَر محرّكه إلى أن قال : والغارّ : الغافل ، واغترّ : غفل ، والإسم الغِرَّة بالكسر (٤) ، انتهى.

تعريف النهاية

وعن النهاية بعد تفسير الغِرَّة بالكسر بالغفلة : أنّه نهى عن بيع الغَرَر ، وهو ما كان له ظاهرٌ يغرّ المشتري ، وباطنٌ مجهول. وقال الأزهري : بيع الغرر ما كان على غير عهدةٍ ولا ثقةٍ ، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول ، وقد تكرّر في الحديث ، ومنه حديث مطرِّف : «إنّ لي نفساً واحدة ، وإنّي لأكره أن اغرّر بها» ، أي أحملها على غير ثقةٍ ، وبه سمّي الشيطان غروراً ؛ لأنّه يحمل الإنسان على محابّه ، ووراء ذلك ما يسوؤه (٥) ، انتهى.

سائر كتب اللغة

وقد حكي أيضاً عن الأساس (٦) والمصباح (٧) والمغرب (٨) والمجمل (٩)

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦٨ ٧٦٩ ، مادّة «غرر» ، وفيه : واغترّه : أي أتاه.

(٢) كلمة «كأمير» من «ش» والمصدر.

(٣) في «ص» والمصدر : بالباطل.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ١٠٠ ١٠١ ، مادّة «غرّه».

(٥) النهاية (لابن الأثير) ٣ : ٣٥٥ ٣٥٦ ، مادّة «غرر».

(٦) أساس البلاغة : ٣٢٢ ، مادّة «غرر».

(٧) المصباح المنير : ٤٤٥ ، مادّة «الغرّة».

(٨) المغرب : ٣٣٨.

(٩) مجمل اللغة (لابن فارس) : ٥٣٢ ، مادة «غرّ».

١٧٧

والمجمع (١) تفسير الغرر بالخطر ، ممثّلاً له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك في الماء والطير في الهواء.

وفي التذكرة : أنّ أهل اللغة فسّروا بيع الغَرَر بهذين (٢) ، ومراده من التفسير التوضيح بالمثال ، وليس في المحكيّ عن النهاية منافاةٌ لهذا التفسير ، كما يظهر بالتأمّل.

أخذ الجهالة في معنى «الغرر»

وبالجملة ، فالكلّ متّفقون على أخذ «الجهالة» في معنى الغَرَر ، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده ، أم بحصوله في يد من انتقل إليه ، أم بصفاته كمّاً وكيفاً (٣).

توهّم أنّ المنساق من «الغرر» الجهل بصفات المبيع ومقداره

وربما يقال (٤) : إنّ المنساق من الغَرَر المنهيّ عنه : الخطر ، من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه وعدمه ؛ ضرورة حصوله في بيع كلِّ غائب ، خصوصاً إذا كان في بحرٍ ونحوه ، بل هو أوضح شي‌ءٍ في بيع الثمار والزرع ونحوهما.

والحاصل : أنّ من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيعٍ مجهول الحال بالنسبة إلى التسلّم وعدمه ، خصوصاً بعد جبره بالخيار لو تعذّر.

رفع التوهّم المذكور

وفيه : أنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم‌

__________________

(١) لم نعثر فيه على التصريح به ، نعم فيه ما يفيد ذلك ، انظر مجمع البحرين ٣ : ٤٢٣ ، مادّة «غرر» ، وحكاه عنه وعمّا تقدّم صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٣٨٦.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٦ ، وفيه : وفسّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء.

(٣) في «ش» : أو كيفاً.

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٨٨.

١٧٨

من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله ، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة خصوصاً بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين. واحتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده ، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات.

الاستدلال الفريقين بالنبوي المذكور على شرطية القدرة

هذا ، مضافاً إلى استدلال الفريقين من العامة والخاصّة بالنبويّ المذكور على اعتبار القدرة على التسليم ، كما يظهر من الانتصار ، حيث قال فيما حكي عنه : وممّا انفردت به الإماميّة القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة ، ولا يشترى وحده إلاّ إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري (١) ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال إلى أن قال : ويعوِّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غَرَرٍ ، وأنّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغَرَر إلى أن قال : وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ هذا البيع يخرجه عن أن يكون غرراً ؛ انضمام (٢) غيره إليه (٣) ، انتهى.

وهو صريحٌ في استدلال جميع العامّة بالنبويّ على اشتراط القدرة على التسليم. والظاهر اتّفاق أصحابنا أيضاً على الاستدلال به له (٤) ، كما يظهر للمتتبّع ، وسيجي‌ء في عبارة الشهيد التصريح به.

وكيف كان ، فالدعوى المذكورة ممّا لا يساعدها اللغة ولا العرف‌

__________________

(١) عبارة «ولا يشترى إلى المشتري» من «ش» والمصدر.

(٢) كذا في «ش» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ والمصدر : لانضمام.

(٣) الانتصار : ٢٠٩.

(٤) له» من «خ» ، واستدركت في «ن» ، «م» و «ع» أيضاً.

١٧٩

ولا كلمات أهل الشرع.

كلام الشهيد في القواعد في تفسير الغرر

وما أبعد ما بينه وبين ما عن قواعد الشهيد قدس‌سره ، حيث قال : الغرر [لغةً (١)] ما كان له ظاهرٌ محبوبٌ وباطنٌ مكروه ، قاله بعضهم ، ومنه قوله تعالى (مَتاعُ الْغُرُورِ*) (٢) ، وشرعاً هو جهل الحصول. وأمّا المجهول المعلوم الحصول (٣) ومجهول الصفة فليس غرراً. وبينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه ، لوجود الغَرَر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبلُ أو وُصِف (٤) الآن ، ووجود الجهل بدون الغَرَر في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر. وقد يتوغّل في الجهالة ، كحجرٍ لا يُدرى أذهبٌ ، أم فضّةٌ ، أم نحاسٌ ، أم صَخرٌ ، ويوجدان معاً في العبد الآبق المجهول الصفة. ويتعلّق الغَرَر والجهل تارةً بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود (٥) ، وتارةً بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود ، وبالجنس كحَبٍّ لا يُدرى ما هو ، وسلعةٍ من سلعٍ مختلفة ، وبالنوع كعبدٍ من عبيدٍ ، وبالقَدَر ككيلٍ لا يعرف قَدَرُه والبيع إلى مبلغ السهم ، وبالعين كثوبٍ من ثوبين مختلفين ، وبالبقاء كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من المصدر ، واستدركت في «ن» و «ص» أيضاً.

(٢) آل عمران : ١٨٥ ، والحديد : ٢٠.

(٣) عبارة «وأمّا المجهول المعلوم الحصول» لم ترد في «ش» ، والموجود في المصدر بعد قوله : «وشرعاً هو جهل الحصول» ، هكذا : «وأمّا المجهول ، فمعلوم الحصول مجهول الصفة ، وبينهما عموم وخصوص من وجه».

(٤) في المصدر : أو بالوصف.

(٥) لم ترد «الوجود» في «ف».

١٨٠