كتاب المكاسب - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-14-1
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤١٦

يشمل بيعه (١) في الدين مع حياة المولى.

واندفاع التوهّم بكلا وجهيه واضح.

وجه عدم الجواز

نعم ، يمكن أن يقال في وجه القوّة بعد الغضّ عن دعوى ظهور قوله : «تباع في الدين» في كون البائع غير المولى في ما بعد الموت ـ : أنّ النسبة بينها وبين رواية ابن مارد المتقدّمة (٢) عمومٌ من وجه ، فيرجع إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدّم (٣) من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.

نعم ، ربما يمنع عموم القاعدة على هذا الوجه بحيث يحتاج إلى المخصّص ، فيقال بمنع الإجماع في محلّ الخلاف ، سيّما مع كون المخالف جُلّ المجمعين ، بل كلّهم إلاّ نادراً (٤) ، وحينئذٍ فالمرجع إلى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

لكن التحقيق خلافه ، وإن صدر هو عن بعض المحقّقين (٥) ؛ لأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى : أنّ استيلاد الأمة يُحدث لها حقّا مانعاً عن نقلها ، إلاّ إذا كان هناك حقٌّ أولى منه بالمراعاة.

توهّم معارضة القاعدة بوجوب أداء الدين

وربما تُوهِّم معارضة هذه القاعدة وجوبَ (٦) أداء الدين ، فيبقى قاعدة «السلطنة» وأصالة بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد ، ولا يعارضها أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها ؛ لأنّ‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : بيعها.

(٢) تقدّمت في الصفحة ١١١.

(٣) تقدّم في الصفحة ١١٦.

(٤) في غير «ص» : نادر.

(٥) راجع مقابس الأنوار : ١٦٢.

(٦) في «ش» ومصحّحة «ن» : بوجوب.

١٢١

بيعها قبل العجز ليس بيعاً في الدين ، كما لا يخفى.

دفع المعارضة

ويندفع أصل المعارضة بأنّ أدلّة وجوب أداء الدين مقيّدة (١) بالقدرة العقليّة والشرعيّة ، وقاعدة المنع تنفي القدرة الشرعيّة ، كما في المرهون والموقوف.

الأولى في الانتصار لمذهب المشهور

فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد الظاهر في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها ، كما يشهد به قوله : «فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئاً بعد ما ملكها ، ثمّ يبدو له في بيعها» (٢) ، مع أنّ ظاهر البداء في البيع ينافي الاضطرار إليه لأجل ثمنها.

المسألة محلّ إشكال

وبالجملة ، فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت ، لا إشكال في رجحان دلالتها على دلالة رواية ابن مارد على المنع ، كما يظهر بالتأمّل ؛ مضافاً إلى اعتضادها بالشهرة المحقّقة. والمسألة محلّ إشكال.

هل يعتبر عدم ما يفي بالدين ولو من المستثنيات أو ممّا عداها؟

ثمّ على المشهور من الجواز ، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدين (٣) ولو من المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير ، أو ممّا عداها كما عن جماعة (٤)؟

الأقوى هو الثاني ، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق ؛

__________________

(١) في غير «م» و «ش» : متقيّدة.

(٢) راجع الصفحة ١١١.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : به الدين.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٧٠ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٥٧ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٤٤٨ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٣١٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٧٥.

١٢٢

لأنّ الحكم بالجواز في هذه الصورة في النصّ والفتوى مسوقٌ لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد ، فتكون ملكاً طِلْقاً كسائر الأملاك التي يُؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات.

مذهب الأكثر جواز البيع مع حياة المولى أيضاً

فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد : أنّه هل تباع أُمّ الولد في الدين على حدّ سائر الأموال التي تباع فيه؟

وحاصل الجواب : تقرير ذلك في خصوص ثمن الرقبة ، فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلى أُمّ الولد كسائر الديون بالنسبة إلى سائر الأموال.

لو كانت اُمّ الولد ممّا يحتاج إليه المولى

وممّا ذكر يظهر : أنّه لو كان نفس أُمّ الولد ممّا يحتاج إليها المولى للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها ؛ لأنّ غاية الأمر كونها بالنسبة إلى الثمن كجارية أُخرى يحتاج إليها.

وممّا ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة التجهيز ، فإذا كان للميّت كفنٌ وأُمّ ولد ، بيعت في الدين دون الكفن ؛ إذ يصدق أنّ الميّت لم يدع ما يؤدّي عنه الدين عداها ؛ لأنّ الكفن لا يؤدّي عنه الدين.

عدم الفرق بين كون ثمنها ديناً أو استدان لشرائها

ثمّ إنّه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه ديناً للبائع ، أو استدان الثمن واشترى به. أمّا لو اشترى في الذمّة ثمّ استدان ما أوفى به البائع فليس بيعها في ثمن رقبتها ، بل ربما تُؤمّل فيما قبله ، فتأمّل.

عدم جواز بيعها قبل حلول الأجل لو كان الثمن مؤجّلاً

ولا فرق بين بقاء جميع الثمن في الذمّة أو بعضه ، ولا بين نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها عليه. نعم ، لو أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه ، كما عن غاية المراد التصريح به (١).

ولو كان الثمن مؤجّلاً لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الأجل وإن‌

__________________

(١) غاية المراد : ٨٩ ، وحكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٥.

١٢٣

كان مأيوساً من الأداء عند الأجل.

هل يشترط مطالبة البائع أو يكفي استحقاقه؟

وفي اشتراط مطالبة البائع ، أو الاكتفاء باستحقاقه ولو امتنع عن التسلّم ، أو الفرق بين رضاه بالتأخير وإسقاطه لحقّ الحلول وإن لم يسقط بذلك وبين عدم المطالبة فيجوز في الأوّل دون الثاني (١). وجوهٌ ، أحوطها الأوّل ، ومقتضى الإطلاق الثاني.

لو تبرّع متبرّعٌ بالأداء

ولو تبرّع متبرّعٌ بالأداء ، فإن سلّم إلى البائع برئت ذمّة المشتري ولا يجوز بيعها ، وإن سلّم إلى المولى أو الورثة ، ففي وجوب القبول نظر ؛ وكذا لو ارضي (٢) البائع باستسعائها في الأداء.

ولو دار الأمر بين بيعها ممّن تنعتق عليه أو بشرط العتق ، وبيعها من غيره ، ففي وجوب تقديم الأوّل وجهان.

لو أدّى الولد ثمن نصيبه

ولو أدّى الولد ثمن نصيبه ، انعتق (٣) عليه ، وحكم الباقي يعلم من مسائل السراية.

لو أدّى ثمن جميعها

ولو أدّى ثمن جميعها ، فإن أقبضه البائع فكالمتبرّع ، وإن كان بطريق الشراء ففي وجوب قبول ذلك على الورثة نظر : من الإطلاق ،

__________________

(١) العبارة في «ش» و «ح» هكذا : «فيجوز في الثاني دون الأوّل» ، وقال المحقّق المامقاني قدس‌سره بعد أن أثبت ما أثبتناه في المتن ـ : الظاهر أن يقال : «فيجوز في الثاني دون الأوّل» ؛ لأنّ جواز بيعها يناسب الثاني دون الأوّل ، إلاّ أن يتكلّف بإرجاع ضمير «يجوز» إلى ترك البيع ، وهو مع كونه تكلّفاً في العبارة غير وافٍ بالمقصود ؛ لأنّ المقصود جواز البيع بعد أن لم يكن جائزاً ، لا أنّه كان واجباً فيجوز تركه. (انظر غاية الآمال : ٤٥٨).

(٢) في «ش» ومصحّحة «ن» : رضي.

(٣) كذا في النسخ ، والصواب : انعتقت.

١٢٤

ومن الجمع بين حقّي الاستيلاد والدين.

لو امتنع المولى من أداء الثمن من غير عذرٍ

ولو امتنع المولى من أداء الثمن من غير عذرٍ ، فلجواز بيع البائع لها مقاصّةً مطلقاً ، أو مع إذن الحاكم وجهٌ. وربما يستوجه خلافه (١) ؛ لأنّ المنع لحقّ أُمّ الولد ، فلا يسقط بامتناع المولى ، ولظاهر الفتاوى وتغليب جانب الحرّية.

وفي الجميع نظر.

المراد بثمن اُمّ الولد

والمراد بثمنها : ما جعل عوضاً لها في عقد مساومتها وإن كان صلحاً.

هل الشرط المذكور في متن العقد يلحق بالثمن؟

وفي إلحاق الشرط المذكور في متن العقد بالثمن كما إذا اشترط الإنفاق على البائع مدّة معيّنة إشكال.

وعلى العدم ، لو فسخ البائع ، فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ استردّت ، وإن قلنا بمنعه عنه فينتقل إلى القيمة.

ولو قلنا بجواز بيعها حينئذٍ في أداء القيمة أمكن القول بجواز استردادها ؛ لأنّ المانع عنه هو عدم انتقالها ، فإذا لم يكن بدٌّ من نقلها لأجل القيمة لم يمنع عن ردّها إلى البائع ، كما لو بيعت على البائع في ثمن رقبتها.

حكم بيعها في غير دين ثمن رقبتها في حياة المولى

هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها.

وأمّا بيعها في دَينٍ آخر ، فإن كان مولاها حيّاً ، لم يجز إجماعاً على الظاهر المصرّح به في كلام بعض (٢).

بيعها بعد موت المولى

وإن كان بيعها بعد موته ، فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع‌

__________________

(١) وجّهه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٥.

(٢) صرّح به المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٦.

١٢٥

أيضاً ؛ لأصالة بقاء المنع في حال الحياة ، ولإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدّمتين (١) منطوقاً ومفهوماً. وبهما يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز ممّا يتخيّل صلاحيّته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أُمّ الولد ، كمفهوم مقطوعة يونس : «في أُمّ ولدٍ ليس لها ولد ، مات ولدها ، ومات عنها صاحبها ولم يعتقها ، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال : لا ، لا يحلّ لأحد تزويجها إلاّ بعتقٍ من الورثة ، وإن كان لها ولدٌ وليس على الميّت دينٌ فهي للولد ، وإذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها ، وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه وتستسعي في بقيّة ثمنها» (٢).

تفصيل الشيخ الطوسي بين استغراق الدين وغيره

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط ، فجوّز البيع حينئذٍ مع استغراق الدين (٣). والجواز ظاهر اللمعتين (٤) وكنز العرفان (٥) والصيمري (٦).

وجه هذا التفصيل

ولعلّ وجه تفصيل الشيخ : أنّ الورثة لا يرثون مع الاستغراق ، فلا سبيل إلى انعتاق أُمّ الولد الذي هو الغرض من المنع عن بيعها.

وعن نكاح المسالك : أنّ الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقاً ، وإن مُنع من التصرّف بها (٧) على تقدير استغراق الدين ، فينعتق نصيب‌

__________________

(١) تقدّمتا في الصفحة ١١٩ ١٢٠.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٠٦ ، الباب ٥ من أبواب الاستيلاد ، الحديث ٣.

(٣) المبسوط ٣ : ١٤ ، وحكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٦.

(٤) الروضة البهيّة ٣ : ٢٥٨.

(٥) كنز العرفان ٢ : ١٢٩.

(٦) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٢٨٠ ، ذيل قول المحقّق : ولا بيع أُمّ الولد ..

(٧) في مصحّحة «ن» والمصدر : فيها.

١٢٦

الولد منها كما لو لم يكن دين ، ويلزمه (١) أداء قيمة النصيب من ماله (٢).

الانتصار للشيخ الطوسي بوجوه :

وربما ينتصر (٣) للمبسوط على المسالك :

الوجه الأوّل

أوّلاً : بأنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق من نصيب ولدها (٤) : أنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن تقوّم عليه أصلاً ، وإنّما الكلام في باقي الحصص إذا (٥) لم يفِ نصيبه من جميع التركة بقيمة امّه ، هل تقوّم عليه ، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟

الوجه الثاني

وثانياً : بأنّ النصيب إذا نسب إلى الوارث ، فلا يراد منه إلاّ ما يفضل من التركة بعد أداء الدين وسائر ما يخرج من الأصل. والمقصود منه النصيب المستقرّ الثابت ، لا النصيب الذي يحكم بتملّك الوارث له ؛ تفصّياً من لزوم بقاء الملك بلا مالك.

الوجه الثالث

وثالثاً (٦) : أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك ممّا لم ينصّ عليه الأصحاب ، ولا دلّ عليه دليل معتبر ، وما يوهمه الأخبار وكلام الأصحاب من إطلاق الملك ، فالظاهر أنّ المراد به غير هذا القسم ؛ ولذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه ؛ بناءً‌

__________________

(١) في غير «ن» و «ش» : لزمه.

(٢) المسالك ٨ : ٤٧ ، وحكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٦.

(٣) انتصر له المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٧.

(٤) يدلّ عليها ما في الوسائل ١٦ : ١٠٥ ١٠٨ ، الباب ٥ و ٦ من أبواب الاستيلاد.

(٥) في «ش» : إن.

(٦) جعله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٧ رابع الوجوه.

١٢٧

على صحّة الوقف وانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.

الوجه الرابع

ورابعاً (١) : أنّه يلزم (٢) على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل (٣) التركة بأجمعها ما (٤) يساوي قيمة امّه تقوّم (٥) عليه ، سواء كان هناك دين مستغرق أم لا ، وسواء كان نصيبه الثابت في الباقي بعد الديون ونحوها يساوي قيمتها أم لا ؛ وكذلك لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك ، فإنّه يقوّم نصيبه عليه كائناً ما كان ويسقط من القيمة نصيبه الباقي الثابت إن كان له نصيب ويطلب بالباقي. وهذا ممّا لا يقوله أحد من الأصحاب ، وينبغي القطع ببطلانه.

الجواب عن الوجه الأوّل

ويمكن دفع الأوّل : بأنّ المستفاد من ظاهر الأدلّة انعتاقها من نصيب ولدها حتّى مع الدين المستغرق ، فالدين غير مانع من انعتاقها على الولد ، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمّة الولد قهراً بقيمة نصيبه أو وجوب بيعها في القيمة جمعاً بين ما دلّ على الانعتاق على الولد الذي يكشف عنه إطلاق النهي عن بيعها (٦) ، وبين ما دلّ على أنّ الوارث لا يستقرّ له ما قابل نصيبه من الدين على وجه يسقط حقّ (٧) الديّان (٨) ،

__________________

(١) جعله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٧ ثالث الوجوه.

(٢) في أكثر النسخ والمصدر : يلزمه.

(٣) أصل» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) لم ترد «ما» في «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٥) في غير «ن» و «ص» : يقوّم.

(٦) راجع أوّل المسألة في الصفحة ١٠٧ وما بعدها.

(٧) في «ف» : لحق.

(٨) راجع الوسائل ١٣ : ٤٠٦ ٤٠٧ ، الباب ٢٨ و ٢٩ من أبواب أحكام الوصايا.

١٢٨

غاية الأمر سقوط حقّهم عن عين هذا المال الخاصّ وعدم كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها ودفع عينها إلى الديّان ، ويكون (١) لهم أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين.

والحاصل : أنّ مقتضى النهي (٢) عن بيع أُمّ الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولى ، عدم تسلّط الديّان على أخذها ولو مع امتناع الولد عن فكّها بالقيمة ، وعدم تسلّط الولد على دفعها وفاءً عن دين (٣) أبيه ، ولازم ذلك انعتاقها على الولد.

فيتردّد الأمر حينئذٍ :

بين سقوط حقّ الديّان عن ما قابلها من الدين ، فتكون أُمّ الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلّق حقّ الديّان بها.

وبين أن يتعلّق حقّ الديّان بقيمتها على من تتلف في ملكه وتنعتق عليه ، وهو الولد.

وبين أن يتعلّق حقّ الديّان بقيمتها على رقبتها ، فتسعى فيها.

وبين أن يتعلّق حقّ الديّان بمنافعها ، فلهم أن يؤجروها مدّة طويلة يفي أُجرتها بدينهم ، كما قيل يتعلّق (٤) حقّ الغرماء بمنافع أُمّ ولد المفلّس (٥).

__________________

(١) في «م» و «ش» : فيكون.

(٢) المستفاد من روايتي عمر بن يزيد المتقدّمتين في الصفحة ١١٩ ١٢٠.

(٣) كلمة «دين» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) في «ن» و «ص» : بتعلّق.

(٥) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٥ : ٣٢٠.

١٢٩

ولا إشكال في عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على بقاء حقّ الديّان متعلّقاً بالتركة (١) ، فيدور الأمر بين الوجهين الأخيرين ، فتنعتق على كلِّ حالٍ ، ويبقى الترجيح بين الوجهين محتاجاً إلى التأمّل.

الجواب عن الوجه الثاني

وممّا ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثاني ، فإنّ مقتضى المنع عن بيعها مطلقاً أو في دين غير ثمنها استقرار ملك الوارث عليها.

الجواب عن الوجه الثالث

ومنه يظهر الجواب عن الوجه الثالث ، إذ بعد ما ثبت عدم تعلّق حقّ الديّان بعينها على أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء فلا مانع عن انعتاقها. ولا جامع بينها وبين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.

الجواب عن الوجه الرابع

وأمّا ما ذكره رابعاً ، فهو إنّما ينافي الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلّقاً بالولد ، أمّا إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي‌ء.

فالضابط حينئذٍ : إنه ينعتق (٢) على الولد ما لم يتعقّبه ضمان من نصيبه ، فإن كان مجموع نصيبه أو بعض نصيبه يملكه مع ضمان أداء ما قابلة من الدين ، كان ذلك (٣) في رقبتها.

وممّا ذكرنا يظهر أيضاً : أنّه لو كان غير ولدها أيضاً مستحقّاً‌

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إليه وتخريجه في الصفحة السابقة.

(٢) كذا في النسخ ، والصواب : «أنّها تنعتق» ، كما في مصححة «ص».

(٣) العبارة لا تخلو من إغلاق ، قال الشهيدي قدس‌سره : قوله : «يملكه .. إلخ» الأولى أن يقول : «بحيث يملكه» ، ثمّ إنّ «ذلك» في العبارة إشارة إلى الموصول. (انظر هداية الطالب : ٢٦٢).

١٣٠

لشي‌ءٍ منها بالإرث لم يملك نصيبه مجّاناً ، بل إمّا أن يدفع إلى الديّان ما قابل نصيبه فتسعى (١) أُمّ الولد كما لو لم يكن دينٌ ، فينعتق نصيب غير ولدها عليه مع ضمانها أو ضمان ولدها قيمة حصّته (٢) التي فكّها من الديّان ، وإمّا أن يخلّي بينها وبين الديّان فتنعتق أيضاً عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.

وأمّا حرمان الديّان عنها عيناً وقيمةً وإرث الورثة لها وأخذ غير ولدها قيمة حصّته منها أو من ولدها وصرفها في غير الدين فهو باطل (٣) لمخالفته (٤) لأدلّة ثبوت حقّ الديّان من غير أن يقتضي النهي عن التصرّف في أُمّ الولد لذلك.

وممّا ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك بما ذكرناه : أنّ الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلّتهم مشكلٌ جدّاً ؛ حيث إنّهم قيّدوا الدين بكونه ثمناً وحكموا بأنّها تعتق على ولدها من نصيبه ، وأنّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسراية وتسعى في أداء قيمته. ولو قصدوا : أنّ أُمّ الولد أو سهم الولد مستثنى من الدين كالكفن عملاً بالنصوص المزبورة ، فله وجهٌ ، إلاّ أنّهم لا يعدّون ذلك من المستثنيات ، ولا ذكر في النصوص صريحاً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) في «ف» : فيبقى.

(٢) في «ص» : حصّتها.

(٣) عبارة «فهو باطل» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) في مصحّحتي «ع» و «ص» : «فلمخالفته» ، وفي مصحّحة «خ» : فمخالف.

(٥) مقابس الأنوار : ١٦٧.

١٣١

وأنت خبير بأنّ النصوص المزبورة (١) لا تقتضي سقوط حقّ الديّان ، كما لا يخفى.

٢ ـ تعلّق كفن مولاها بها

ومنها (٢) : تعلّق كفن مولاها بها‌ على ما حكاه في الروضة (٣) بشرط عدم كفاية بعضها له ، بناءً على ما تقدّم نظيره في الدين : من أنّ المنع لغاية الإرث ، وهو مفقودٌ مع الحاجة إلى الكفن ، وقد عرفت أنّ هذه حكمةٌ غير مطّردة ولا منعكسة (٤).

وأمّا بناءً على ما تقدّم (٥) : من جواز بيعها في غير ثمنها من الدين مع أنّ الكفن يتقدّم على الدين فبيعها له أولى ، بل اللازم ذلك أيضاً ؛ بناءً على حصر الجواز في بيعها في ثمنها ؛ بناءً (٦) على ما تقدّم من أنّ وجود مقابل الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع عن بيعها ، فيُعلم من ذلك تقديم الكفن على حقّ الاستيلاد ، وإلاّ لصُرف مقابله في ثمنها ولم تُبع.

ومن ذلك يظهر النظر فيما قيل : من أنّ هذا القول مأخوذٌ من‌

__________________

(١) مثل روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين في الصفحة ١١٩ ١٢٠ وغيرهما ممّا يدل على أنّها لا تباع في غير ثمنها.

(٢) هذا هو المورد الثاني من موارد القسم الأوّل من أقسام المواضع المستثناة من قاعدة المنع عن بيع أُمّ الولد ، وتقدّم أوّلها في الصفحة ١١٨.

(٣) الروضة البهيّة ٣ : ٢٦٠.

(٤) راجع الصفحة ١٢٦ وما بعدها.

(٥) تقدّم عن الشيخ وغيره في الصفحة ١٢٦.

(٦) لم ترد «بناءً» في غير «ف» ، نعم استدركت في «ن».

١٣٢

القول بجواز بيعها في مطلق الدين المستوعب (١).

إذا كان للميّت المديون اُمّ ولدٍ ومقدار ما يجهّز به

وتوضيحه : أنّه إذا كان للميّت المديون أُمّ ولد ومقدار ما يجهّز به ، فقد اجتمع هنا حقّ الميّت ، وحقّ بائع أُمّ الولد ، وحقّ أُمّ الولد ، فإذا ثبت عدم سقوط حقّ بائع أُمّ الولد ، دار الأمر بين إهمال حقّ الميّت بترك الكفن ، وإهمال حقّ أُمّ الولد ببيعها. فإذا حكم بجواز بيع أُمّ الولد حينئذٍ بناءً على ما تقدّم في المسألة السابقة كان معناه : تقديم حقّ الميّت على حقّ أُمّ الولد ، ولازم ذلك تقديمه عليها مع عدم الدين ، وانحصار الحقّ في الميّت وأُمّ الولد.

اللهمّ إلاّ أن يقال : لمّا ثبت بالدليل السابق (٢) تقديم دين ثمن أُمّ الولد على حقّها ، وثبت بعموم النصّ (٣) تقديم الكفن على الدين ، اقتضى الجمع بينهما تخصيص جواز صرفها في ثمنها بما إذا لم يحتج الميّت إلى الكفن بنفسه أو لبذل باذل ، أو بما إذا كان للميّت مقابل الكفن ؛ لأنّ مقابل الكفن غير قابل للصرف في الدين ، فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدين على الكفن.

أمّا إذا لم يكن هناك دينٌ وتردّد الأمر بين حقّها وحقّ مولاها الميّت ، فلا دليل على تقديم حقّ مولاها ، ليخصّص به قاعدة المنع عن بيع أُمّ الولد ، عدا ما يُدّعى : من قاعدة تعلّق حقّ الكفن بمال الميّت. لكن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلّق به حقٌّ سابقٌ مانع‌

__________________

(١) راجع مقابس الأنوار : ١٦٨.

(٢) راجع الصفحة ١١٩ ١٢٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٥ ٤٠٦ ، الباب ٢٧ و ٢٨ من أبواب أحكام الوصايا.

١٣٣

من التصرّف فيه ، والاستيلاد من ذلك الحقّ ؛ ولو فرض تعارض الحقّين فالمرجع إلى أصالة فساد بيعها قبل الحاجة إلى الكفن ، فتأمّل.

نعم ، يمكن أن يقال نظير ما قيل (١) في الدين : من أنّ الولد يرث نصيبه وينعتق عليه ويتعلّق بذمّته مئونة التجهيز ، أو تستسعي (٢) امّه ولو بإيجار نفسها في مدّة وأخذ الأُجرة قبل العمل وصرفها في التجهيز. والمسألة محلّ إشكال.

٣ ـ إذا جنت على غير مولاها في حياته

ومنها (٣) : ما إذا جنت على غير مولاها في حياته ، أمّا بعد موته ، فلا إشكال في حكمها ؛ لأنّها بعد موت المولى تخرج عن التشبّث بالحرية ، إمّا إلى الحرّية الخالصة ، أو الرقّية الخالصة.

لو كانت جنايتها عمداً

وحكم جنايتها عمداً : أنّه إن كان في موردٍ ثبت القصاص ، فللمجنيّ عليه القصاص ، نفساً كان أو طرفاً ، وله استرقاقها كلا أو بعضاً على حسب جنايتها ، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكاً طِلْقاً.

وربما تخيّل بعضٌ (٤) أنّه يمكن أن يقال : إنّ رقّيتها (٥) للمجنيّ عليه لا تزيد على رقّيتها (٦) للمالك الأوّل ؛ لأنّها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأوّل. ثمّ ادّعى أنّه يمكن أن يدّعى ظهور أدلّة المنع‌

__________________

(١) كما قاله الشهيد الثاني في المسالك ، راجع الصفحة ١٢٦ ١٢٧.

(٢) كذا في «ن» و «ص» ، وفي غيرهما : يستسعى.

(٣) هذا هو المورد الثالث من القسم الأوّل ، وقد تقدّم أوّلها في الصفحة ١١٨.

(٤) وهو صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٧٩.

(٥) و (٦) كذا في «ن» ، وفي غيرها : رقبتها.

١٣٤

خصوصاً صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة (١) في عدم بيع أُمّ الولد مطلقاً.

والظاهر أنّ مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلاً ، وإلاّ فهو احتمالٌ مخالفٌ للإجماع والنصّ الدالّ على الاسترقاق (٢) ، الظاهر في صيرورة الجاني رِقّاً خالصاً.

وما وجَّه به هذا الاحتمال : من أنّها تنتقل إلى المجنيّ عليه على حسب ما كانت عند الأوّل ، فيه : أنّه ليس في النصّ إلاّ الاسترقاق ، وهو جعلها رِقّاً له كسائر الرقيق ، لا انتقالها عن المولى الأوّل إليه حتّى يقال : إنّه إنّما كان على النحو الذي كان للمولى الأوّل.

والحاصل : أنّ المستفاد بالضرورة من النصّ والفتوى : أنّ الاستيلاد يُحدث للأمة حقّا على مستولدها يمنع من مباشرة بيعها ومن البيع لغرضٍ عائدٍ إليه ، مثل قضاء ديونه ، وكفنه ، على خلافٍ في ذلك (٣).

لو كانت الجناية خطأً

وإن كانت الجناية خطأً : فالمشهور أنّها كغيرها من المماليك ، يتخيّر المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجنيّ عليه ،

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١١٩ ١٢٠.

(٢) الوسائل ١٩ : ٧٣ ، الباب ٤١ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) كذا وردت العبارة في النسخ ، ولا يخفى ما فيها من الاختلال إن كان المراد بها بيان محصّل البحث ، قال المحقّق الإيرواني قدس‌سره : كلمة «والحاصل» هنا لا محلّ لها ، فإنّ المذكور بعدها جواب عن التمسّك بصحيحة عمر بن يزيد على المنع عن بيع المشتري ، ولم يتقدّم لهذا الجواب ذكرٌ ليكون هذا حاصله. (حاشية المكاسب : ١٨٨).

١٣٥

وبين أن يفديها بأقلّ الأمرين على المشهور ، أو بالأرش على ما عن الشيخ (١) وغيره (٢).

وعن الخلاف (٣) والسرائر (٤) واستيلاد المبسوط (٥) : أنّه لا خلاف في أنّ جنايتها تتعلّق برقبتها. لكن عن ديات المبسوط : أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف إلاّ من أبي ثور ، فإنّه جعلها في ذمّتها تتبع بها بعد العتق (٦). وهو مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط. وربما يوجّه (٧) بإرادة نفي الخلاف بين العامّة ، وربما نسب إليه الغفلة ، كما عن المختلف (٨).

معنى كون جنايتها على سيّدها

والأظهر : أنّ المراد بكونها على سيّدها عود خسارة الجناية (٩) على السيّد ، في مقابل عدم خسارة المولى لا (١٠) من عين الجاني ولا من مال‌

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٨ ، وراجع المبسوط ٧ : ١٦٠.

(٢) مثل المحقّق في الشرائع ٣ : ١٣٩.

(٣) حكاه عنه وعن السرائر المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٨ ، وانظر الخلاف ٦ : ٤١٩ ، كتاب الجنايات ، المسألة ٥ ، و ٢٧١ ، كتاب الديات ، المسألة ٨٨.

(٤) السرائر ٣ : ٢٢.

(٥) المبسوط ٦ : ١٨٧.

(٦) المبسوط ٧ : ١٦٠.

(٧) وجَّهه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٨.

(٨) لم نقف عليه.

(٩) في «ع» و «ص» ونسخة بدل «ش» : جنايتها.

(١٠) لم ترد «لا» في «ف».

١٣٦

آخر وكونها في ذمّة نفسها تتبع بها بعد العتق ، وليس المراد وجوب فدائها.

التحقيق في المسألة

وعلى هذا أيضاً يحمل (١) ما في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : أُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها ، وما كان من حقوق الله في الحدود ، فإنّ ذلك في بدنها» (٢) ، فمعنى كونها على سيّدها : أنّ الأمة بنفسها لا تتحمّل من الجناية شيئاً.

ومثلها ما أُرسل عن عليّ عليه‌السلام في : «المعتق عن دَبْر هو (٣) من الثلث ، وما جنى هو [والمكاتب (٤)] وأُمّ الولد فالمولى ضامن لجنايتهم» (٥).

والمراد من جميع ذلك : خروج دية الجناية من مال المولى المردّد بين ملكه الجاني أو ملك آخر.

عدم معارضة إطلاقات حكم جناية المملوك بإطلاق المنع عن بيع اُمّ الولد

وكيف كان ، فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (٦) سليمة عن المخصّص. ولا يعارضها أيضاً إطلاق المنع عن بيع أُمّ الولد (٧) ؛ لأنّ ترك فدائها والتخلية بينها ، وبين المجنيّ عليه ليس نقلاً لها.

__________________

(١) في «ف» : حمل.

(٢) الوسائل ١٩ : ٧٦ ، الباب ٤٣ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) كذا في «ف» ، «ن» و «خ» والفقيه ، وفي سائر النسخ والوسائل : فهو.

(٤) من المصدر.

(٥) الفقيه ٣ : ١٢٤ ، الحديث ٣٤٦٨ ، وانظر الوسائل ١٦ : ٧٨ ، الباب ٨ من أبواب كتاب التدبير ، الحديث ٢.

(٦) منها ما ورد في الوسائل ١٩ : ٧٣ ، الباب ٤١ من أبواب القصاص في النفس.

(٧) راجع الصفحة ١٠٧.

١٣٧

خلافاً للمحكيّ (١) عن موضع من المبسوط (٢) والمهذّب (٣) والمختلف (٤) : من تعيين الفداء على السيّد.

ولعلّه للروايتين (٥) المؤيّدتين بأنّ استيلاد المولى هو الذي أبطل أحد طرفي التخيير فتعيّن عليه الآخر ؛ بناءً على أنّه لا فرق بين إبطال أحد طرفي التخيير بعد الجناية كما لو قتل أو باع عبده الجاني وبين إبطاله قبلها ، كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها. وقد عرفت معنى الروايتين ، والمؤيّد مصادرة لا يبطل به إطلاق النصوص.

٣ ـ إذا جنت على مولاها عمداً

ومنها (٦) : ما إذا جنت على مولاها بما يوجب صحّة استرقاقها لو كان المجنيّ عليه غير المولى ،

فهل تعود مِلكاً طِلْقاً بجنايتها على مولاها ، فيجوز له التصرّف الناقل فيها كما هو المحكيّ في الروضة عن بعض (٧) وعدّها السيوري من صور الجواز (٨) أم لا؟ كما هو المشهور ؛ إذ لم‌

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٦٨.

(٢) المبسوط ٧ : ١٦٠.

(٣) المهذّب ٢ : ٤٨٨.

(٤) راجع المختلف (الطبعة الحجرية) : ٨٢٢ ، وفيه : «وقوله في المبسوط : ليس بعيداً من الصواب».

(٥) المتقدّمتين آنفاً.

(٦) هذا هو المورد الرابع من موارد القسم الأوّل التي تقدّم أوّلها في الصفحة ١١٨.

(٧) الروضة البهيّة ٣ : ٢٦٠.

(٨) لم نعثر عليه بعينه ، نعم عدّ في كنز العرفان (٢ : ١٢٩) من صور الجواز : أن تجني جناية تستغرق قيمتها ، والظاهر أنّ المؤلف قدس‌سره أخذ ذلك من مقابس الأنوار : ١٦٩.

١٣٨

يتحقّق بجنايتها على مولاها إلاّ جواز الاقتصاص منها ، وأمّا الاسترقاق فهو تحصيل للحاصل.

وما يقال في توجيهه : من «أنّ الأسباب الشرعيّة تؤثّر بقدر الإمكان ، فإذا لم تؤثّر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقّق للمولى أثر جديد ، وهو استقلال جديد في التصرّف فيها ، مضافاً إلى أنّ استرقاقها لترك القصاص كفكاك رقابهنّ الذي أُنيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدّمة (١) مضافاً إلى أنّ المنع عن التصرّف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمداً (٢)» فمندفع بما لا يخفى.

إذا كانت الجناية خطأً

وأمّا الجناية على مولاها خطأً ، فلا إشكال في أنّها لا تجوّز التصرّف فيها ، كما لا يخفى ، وروى الشيخ في الموثّق عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : «أُمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطأً فهي حرّة لا سعاية عليها» (٣).

وعن الشيخ والصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه صلوات الله وسلامه عليهما : «أنّ أُمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطأً فهي حرّة لا سبيل عليها ، وإن قتلته عمداً قُتلت به» (٤).

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١١٩ ١٢٠.

(٢) انظر مقابس الأنوار : ١٦٩.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٠٠ ، الحديث ٧٩١ ، والوسائل ١٩ : ١٥٩ ، الباب ١١ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٢ مع تقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

(٤) التهذيب ١٠ : ٢٠٠ ، الحديث ٧٩٢ ، والفقيه ٤ : ١٦٢ ، الحديث ٥٣٦٧ ، والوسائل ١٩ : ١٥٩ ، الباب ١١ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٣ مع اختلاف وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

١٣٩

وعن الشيخ ، عن حمّاد ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام : «إذا قتلت أُمّ الولد مولاها سعت في قيمتها» (١).

ويمكن حملها على سعيها في بقيّة قيمتها إذا قصر نصيب ولدها.

وعن الشيخ في التهذيب والاستبصار ـ : الجمع بينهما بغير ذلك ، فراجع (٢).

٤ ـ إذا جنى حرٌّ عليها بما فيه ديتها

ومنها (٣) : ما إذا جنى حرّ عليها بما فيه ديتها ، فإنّها لو لم تكن مستولدة كان للمولى التخيير بين دفعها إلى الجاني وأخذ قيمتها ، وبين إمساكها ، ولا شي‌ء له ؛ لئلاّ يلزم الجمع بين العوض والمعوَّض ، ففي المستولدة يحتمل ذلك ، ويحتمل أن لا يجوز للمولى أخذ القيمة ، ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة.

وأمّا احتمال منع الجاني عن أخذها وعدم تملّكه لها بعد أخذ الدية منه ، فلا وجه له ؛ لأنّ الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها ، لا (٤) عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوّض (٥) بحكم الشرع.

والمسألة من أصلها موضع إشكال ؛ لعدم لزوم الجمع بين العوض‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٠٠ ، الحديث ٧٩٣ ، والوسائل ١٩ : ١٥٩ ، الباب ١١ من أبواب ديات النفس ، الحديث الأوّل ، وفيهما بدل «مولاها» : «سيّدها خطأً».

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٠٠ ، ذيل الحديث ٧٩٣ ، والاستبصار ٤ : ٢٧٦ ، الحديث ١٠٤٧.

(٣) هذا هو المورد الخامس من موارد القسم الأوّل المتقدّم أوّلها في الصفحة ١١٨.

(٤) في «م» ، «ع» و «ش» بدل «لا» : إلاّ.

(٥) في مصحّحة «ن» : أخذ المعوّض بعد إعطاء العوض.

١٤٠