كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

بالعطاء من الطرفين.

ومثله في هذا الإطلاق : لفظ «المصالحة» و «المساقاة» و «المزارعة» و «المؤاجرة» وغيرها ، وبهذا الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن والقرض والهبة ، وربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل ولو لم يكن عطاء ، وفي صحّته تأمّل.

٢ ـ تمليك المال بإزاء التمليك

ثانيها (١) : أن يقصد كلّ منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إيّاه ، فيكون تمليكاً (٢) بإزاء تمليك ، فالمقاولة بين التمليكين لا الملكين ، والمعاملة متقوّمة بالعطاء من الطرفين (٣) ، فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقّق المعاطاة.

وهذا بعيد عن معنى البيع وقريب إلى الهبة المعوّضة ؛ لكون كلٍّ من المالين خالياً عن العوض ، لكن إجراء حكم الهبة المعوّضة عليه مشكل ؛ إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقّق التمليك من الأوّل ؛ لأنّه إنّما ملكه بإزاء تمليكه ، فما لم يتحقّق تمليك الثاني لم يتحقّق تمليكه (٤) ، إلاّ أن يكون تمليك الآخر له ملحوظاً عند تمليك الأوّل على نحو الداعي ، لا العوض ، فلا يقدح تخلّفه.

فالأولى أن يقال : إنّها مصالحة وتسالم على أمرٍ معيّن أو معاوضة مستقلّة.

__________________

(١) في «ف» : الثاني.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : تمليك.

(٣) عبارة «من الطرفين» ساقطة من «ف».

(٤) كذا في «ف» ، وفي «ص» و «ش» : «تملّكه» ، وفي «ن» و «م» : «تملّكاً» ، وفي «خ» و «ع» : تملّك.

٨١

٣ ـ إباحة المال بإزاء العوض

ثالثها : أن يقصد الأوّل إباحة ماله بعوض ، فيقبل الآخر بأخذه إيّاه ، فيكون الصادر من الأوّل الإباحة بالعوض ، ومن الثاني بقبوله لها التمليك ، كما لو صرّح بقوله : أبحت لك كذا بدرهم.

٤ ـ إباحة المال بإزاء الإباحة

رابعها : أن يقصد كلّ منهما الإباحة بإزاء إباحة الآخر‌ (١) ، فيكون إباحة بإزاء إباحة ، أو إباحة بداعي (٢) إباحة ، على ما تقدّم نظيره في الوجه الثاني من إمكان تصوّره على نحو الداعي ، وعلى نحو العوضية.

وكيف كان ، فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين على فرض قصد المتعاطيين لهما ، ومنشأ الإشكال :

الاشكال في القسمين الاخيرين من جهتين

أوّلاً الإشكال في صحّة إباحة (٣) جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على ملكيّة المتصرّف ، بأن يقول : أبحت لك كلّ تصرّف ، من دون أن يملّكه العين.

الاشكال الاوّل في إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك

وثانياً الإشكال في صحّة الإباحة بالعوض ، الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة وتمليك.

فنقول : أمّا إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك ، فالظاهر (٤) أنّها (٥) لا تجوز ؛ إذ التصرّف الموقوف على الملك لا يسوغ‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «آخر» ، وفي مصحّحة «ع» ونسخة بدل «ش» : اخرى.

(٢) كذا في «ص» ، وفي غيرها : لداعي.

(٣) لم ترد «إباحة» في «ف».

(٤) لم ترد «فالظاهر» في «ف».

(٥) كذا في «ش» ، وفي غيرها : أنّه.

٨٢

لغير المالك بمجرّد إذن المالك ؛ فإنّ إذن المالك ليس مشرّعاً ، وإنّما يمضي فيما يجوز شرعاً ، فإذا كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول كما صرّح به العلاّمة في القواعد (١) فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه؟

تصحيح إباحة التصرّفات المتوقفة على الملك بوجهين

١ ـ كون ما نحن فيه من قبيل «اعتق عبدك عنّي»

نعم ، يصحّ ذلك بأحد وجهين ، كلاهما في المقام مفقود (٢) :

أحدهما : أن يقصد المبيح بقوله : «أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك» أن ينشأ (٣) توكيلاً له في بيع ماله له ، ثمّ نقل الثمن إلى نفسه بالهبة ، أو في نقله أوّلاً إلى نفسه ثمّ بيعه ، أو تمليكاً له بنفس هذه الإباحة ، فيكون إنشاء تمليك له ، ويكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله ، كما صرّح في التذكرة : بأنّ قول الرجل (٤) لمالك العبد : «أعتق عبدك عنّي بكذا» استدعاءٌ لتمليكه ، وإعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء (٥) ، فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب ، ويقدّر وقوعه قبل العتق آناً ما ، فيكون هذا بيعاً ضمنياً لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة‌

__________________

(١) انظر القواعد ١ : ١٦٦ ، وفيه : «لأنّه لا يتصوّر أن يبيع ملك غيره لنفسه» ،

(٢) في مصحّحة «ن» : مفقودان.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ع» ، «ص» ونسخة بدل «ش» : «إنشاء توكيل» ، ونسبه الشهيدي في شرحه إلى بعض النسخ المصحّحة ، انظر هداية الطالب : ١٨٠.

(٤) وردت عبارة «بمنزلة قبوله إلى قول الرجل» في «ف» هكذا : بمنزلة قبولٍ له ، كما صرّح به في التذكرة بأن يقول الرجل.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٢.

٨٣

عدم جريان الوجه الأوّل فيما نحن فيه

لعقد البيع ، ولا شكّ أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلى نفسه أوّلاً ، ولا في نقل الثمن إليه ثانياً ، ولا قصد التمليك بالإباحة المذكورة ، ولا قصد المخاطب التملّك (١) عند البيع حتى يتحقّق تمليك (٢) ضمنيّ مقصود للمتكلّم والمخاطب ، كما كان مقصوداً ولو إجمالاً في مسألة «أعتق عبدك عنّي» ؛ ولذا عدّ (٣) العامّة والخاصّة من الأُصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها : بأنّها دلالة مقصودة للمتكلّم يتوقّف صحّة الكلام عقلاً أو شرعاً عليه ، فمثّلوا للعقليّ (٤) بقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٥) ، وللشرعي (٦) بهذا المثال (٧) ، ومن المعلوم بحكم الفرض أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس إلاّ مجرّد الإباحة.

٢ ـ كون ما نحن فيه من قبيل «شراء من ينعتق عليه»

الثاني : أن يدلّ دليل شرعيّ على حصول الملكيّة للمباح له بمجرّد الإباحة ، فيكون كاشفاً عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آناً ما ، فيقع البيع في ملكه (٨) ، أو يدلّ دليلٌ شرعيّ على انتقال الثمن عن المبيح‌

__________________

(١) في «ف» : التمليك.

(٢) في «ف» بدل «تمليك» : قصد.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : عدّه.

(٤) في «ف» : العقلي.

(٥) يوسف : ٨٢.

(٦) في «ف» : والشرعي.

(٧) انظر : الإحكام في أُصول الأحكام ؛ للآمدي ٣ : ٧٢ (طبعة دار الكتاب العربي) ، والوافية في أُصول الفقه : ٢٢٨.

(٨) كذا في «ش» ، وفي «ف» و «خ» : «يقع المبيع في ملكه له» ، وهكذا في سائر النسخ مع اختلافٍ يسير ، إلاّ أنّه صُحّح في بعضها بما في المتن.

٨٤

بلا فصل بعد البيع ، فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آناً ما لا يقبل غير العتق ؛ فإنّه حينئذٍ يقال بالملك المقدّر آناً ما ؛ للجمع بين الأدلّة.

عدم جريان الوجه الثاني فيما نحن فيه أيضاً

وهذا الوجه مفقود فيما نحن فيه ؛ إذ المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص على صحّة هذه الإباحة العامّة ، وإثبات صحّته بعموم مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) يتوقّف على عدم مخالفة مؤدّاها لقواعد أُخر مثل : توقّف انتقال الثمن إلى الشخص على كون المثمن مالاً له ، وتوقّف صحّة العتق على الملك ، وصحّة الوطء على التحليل بصيغة خاصّة ، لا بمجرّد الإذن في مطلق التصرّف.

ولأجل ما ذكرنا صرّح المشهور ، بل قيل : لم يوجد خلاف (٢) ، في أنّه لو دفع إلى غيره مالاً وقال : اشترِ به لنفسك طعاماً من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء ، أو اقتراض الطعام ، أو استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصحّ ، كما صرّح به في مواضع من القواعد (٣) ، وعلّله في بعضها (٤) بأنّه لا يعقل شراء شي‌ءٍ لنفسه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) قاله صاحب الجواهر قدس‌سره ، انظر الجواهر ٢٣ : ١٧٤.

(٣) لم نظفر على التصريح بذلك إلاّ في موردٍ واحد ، وهو حكم التسليم والقبض ، انظر القواعد ١ : ١٥١.

(٤) لا يوجد هذا التعليل في المورد المتقدّم ، نعم قال في كتاب الرهن : «ولو قال : بعه لنفسك بطل الإذن ؛ لأنّه لا يتصوّر أن يبيع ملك غيره لنفسه» ، القواعد ١ : ١٦٦. وسيأتي نقل المؤلف لهذا المطلب بعينه من كتب العلاّمة لا خصوص القواعد ، في الصفحة ٣٨٦.

٨٥

بمال الغير (١). وهو كذلك ؛ فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة والمبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوّض (٢) عن ملكه ، وإلاّ لم يكن عوضاً وبدلاً ؛ ولما ذكرنا حكم الشيخ (٣) وغيره (٤) بأنّ الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرّف ، لكن لا يجوز وطء الجارية مع أنّ الإباحة المتحقّقة من الواهب تعمّ جميع التصرّفات.

وعرفت أيضاً : أنّ الشهيد في الحواشي لم يجوّز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، ولا وطء الجارية (٥) ، مع أنّ مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة.

ودعوى : أنّ الملك التقديري هنا أيضاً لا يتوقّف على دلالة دليلٍ خاصّ ، بل يكفي الدلالة بمجرّد (٦) الجمع بين عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٧) الدالّ على جواز هذه الإباحة المطلقة ، وبين أدلّة توقّف مثل العتق والبيع على الملك (٨) ، نظير الجمع بين الأدلّة في الملك التقديري ،

__________________

(١) في «ف» : بمال غيره.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : العوض.

(٣) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٤) الدروس ٢ : ٢٩١.

(٥) راجع الصفحة ٣٥ و ٧٠.

(٦) كذا في النسخ ، والمناسب : يكفي في الدلالة مجرّد ..

(٧) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٨) راجع : الوسائل ١٦ : ٦ ، الباب ٥ من أبواب العتق ، و ١٢ : ٢٤٨ ٢٥٢ ، الباب ١ و ٢ من أبواب عقد البيع ، وعوالي اللآلي ٢ : ٢٩٩ ، الحديث ٤ ، والصفحة ٢٤٧ ، الحديث ١٦.

٨٦

مدفوعةٌ : بأنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» إنّما يدلّ على تسلّط الناس على أموالهم لا على أحكامهم ، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرّفٍ جائز شرعاً ، فالإباحة وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلاّ ما هو جائز بذاته في الشريعة.

ومن المعلوم : أنّ بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل والنقل الدالّ على لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض ، فلا يشمله العموم في «الناس مسلّطون على أموالهم» حتى يثبت التنافي بينه وبين الأدلّة الدالّة على توقّف البيع على الملك ، فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آناً ما.

وبالجملة ، دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم على عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الدالّ على إمضاء الإباحة المطلقة من المالك على إطلاقها ، نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم (١) وجوب الوفاء بالنذر والعهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه ، فلا يتوهّم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر.

نعم ، لو كان هناك تعارض وتزاحم من (٢) الطرفين ، بحيث أمكن تخصيص كلٍّ منهما لأجل الآخر ، أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آناً ما ، فتأمّل.

__________________

(١) من الكتاب : الآية ٢٩ من سورة الحجّ ، والآية ٩١ من سورة النحل ، والآية ٣٤ من سورة الإسراء ، ومن السنّة : ما ورد في الوسائل ١٦ : ١٨٢ ، كتاب النذر والعهد.

(٢) في «ف» : في.

٨٧

عدم كون ما نحن فيه من قبيل بيع الواهب وعتقه

وأمّا حصول الملك في الآن المتعقّب بالبيع والعتق ، فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه ، فليس ملكاً تقديرياً نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلى الميّت ، أو شراء العبد المعتق عليه ، بل هو ملك حقيقيّ حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتّصل ؛ بناءً على الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع ، وليس كذلك فيما نحن فيه.

وبالجملة ، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمني المذكور أوّلاً في «أعتق عبدك عني» ؛ لتوقّفه على القصد ، ولا على الملك المذكور ثانياً في شراء من ينعتق عليه ؛ لتوقّفه على التنافي بين دليل التسلّط ودليل توقّف العتق على الملك ، وعدم حكومة الثاني على الأوّل ، ولا على التمليك الضمني المذكور (١) ثالثاً في بيع الواهب وذي الخيار ؛ لعدم تحقّق سبب الملك هنا سابقاً بحيث يكشف البيع عنه ، فلم يبقَ إلاّ الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره ، سواء صرّح بذلك كما لو قال : «بِع مالي لنفسك» ، أو «اشترِ بمالي لنفسك» ، أم أدخله في عموم قوله : «أبحت لك كلّ تصرّف» ، فإذا باع المباح له على هذا الوجه وقع البيع للمالك إمّا لازماً ؛ بناءً على أنّ قصد (٢) البائع البيع (٣) لنفسه غير مؤثّر (٤) ، أو موقوفاً على الإجازة ؛ بناءً على أنّ المالك لم ينوِ تملّك الثمن.

__________________

(١) لم ترد «المذكور» في «ف».

(٢) في «خ» ونسخة بدل «ع» و «ص» : نيّة.

(٣) لم ترد «البيع» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٤) في «ف» و «خ» : غير مؤثّرة.

٨٨

استظهار صحّة إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك من جماعة

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين (١) والشهيد قدس‌سرهما في باب بيع الغاصب : أنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن والإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئاً ، وأنّه يملك الثمن (٢) بدفعه إليه ، فليس للمالك إجازة هذا الشراء (٣).

ويظهر أيضاً من محكيّ المختلف ، حيث استظهر من كلامه فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة أنّ له وطء الجارية مع علم البائع بغصبيّة الثمن ، فراجع (٤). ومقتضى ذلك : أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله وإن لم يكن على وجه الملكيّة يوجب جواز التصرّفات المتوقّفة على الملك ، فتأمّل. وسيأتي توضيحه في مسألة الفضولي إن شاء الله تعالى.

الإشكال الثاني في صحّة الإباحة بإزاء العوض

وأمّا الكلام في صحّة الإباحة بالعوض سواء صحّحنا إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك أم خصّصنا الإباحة بغيرها فمحصّله : أنّ هذا النحو من الإباحة المعوّضة ليست معاوضة ماليّة ليدخل كلّ من العوضين في ملك مالك العوض الآخر ، بل كلاهما ملك للمبيح ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) وهو محمد بن محمد الرازي البويهي ، من تلامذة العلاّمة الحلّي قدس‌سره ، وروى عنه الشهيد قدس‌سره ، وهو من أولاد أبي جعفر ابن بابويه ، ذكره الشهيد الثاني في بعض إجازاته وغيره. انظر رياض العلماء ٥ : ١٦٨.

(٢) في «ش» : المثمن.

(٣) يظهر ذلك ممّا قالاه في حاشيتهما على القواعد ، على ما حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٢.

(٤) راجع المختلف ٥ : ٢٥٩.

٨٩

المباح له يستحقّ التصرّف ؛ فيشكل الأمر فيه (١) من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعاً وعرفاً ، مع التأمّل في صدق التجارة عليها (٢) ، فضلاً عن البيع ، إلاّ أن يكون نوعاً من الصلح ، لمناسبة (٣) له لغةً ؛ لأنّه في معنى التسالم على أمرٍ بناءً على أنّه لا يشترط فيه لفظ «الصلح» ، كما يستفاد من بعض الأخبار الدالّة على صحّته بقول المتصالحين : «لكَ ما عندك ولي ما عندي» (٤) ، ونحوه ما ورد في مصالحة الزوجين (٥) ، ولو كانت معاملة مستقلّة كفى فيها عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٦) ، و «المؤمنون عند شروطهم» (٧).

وعلى تقدير الصحّة ، ففي لزومها مطلقاً ؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ؛ أو من طرف المباح له ؛ حيث إنّه يخرج ماله عن ملكه ، دون المبيح ؛ حيث إنّ ماله باقٍ على ملكه ، فهو مسلّط عليه ، أو جوازها مطلقاً ، وجوه ، أقواها أوّلها ، ثمّ أوسطها.

حكم الإباحة بإزاء الإباحة

وأمّا حكم الإباحة بالإباحة ، فالإشكال فيه أيضاً يظهر ممّا ذكرنا في سابقه ، والأقوى فيها أيضاً الصحّة واللزوم ؛ للعموم ، أو الجواز من الطرفين ؛ لأصالة التسلّط.

__________________

(١) كذا ، ولعلّ تذكير الضمير باعتبار عوده إلى «هذا النحو».

(٢) أي الإباحة المعوضة.

(٣) في «ش» : لمناسبته.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الصلح ، الحديث الأوّل.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٩٠ ٩١ ، الباب ١١ من أبواب القسم والنشوز.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٧) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

٩٠

[الأمر (١)] الخامس

جريان المعاطاة في غير البيع كلام المحقّق الثاني في معاطاة الإجارة والهبة

في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود وعدمه‌

اعلم أنّه ذكر المحقّق الثاني رحمه‌الله في جامع المقاصد على ما حكي عنه ـ : أنّ في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة ، وكذا في (٢) الهبة ؛ وذلك لأنّه (٣) إذا أمره بعملٍ على عوضٍ معيّن فعمله استحقّ (٤) الأُجرة ، ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل ، ولم يستحقّ اجرة مع علمه بالفساد ، وظاهرهم الجواز بذلك ، وكذا لو وهب بغير عقد ؛ فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف ، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز ، بل منع (٥) من مطلق التصرّف ، وهي ملحظ (٦) وجيه (٧) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني في معاطاة الإجارة

وفيه : أنّ معنى جريان المعاطاة في الإجارة على مذهب المحقّق الثاني : الحكم بملك المأمور (٨) الأجر المعيّن على الآمر ، وملك الآمر العمل‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) عبارة «كذا في» من «ش» والمصدر وهامش «ص».

(٣) في غير «ش» : أنّه.

(٤) في «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» والمصدر : «عمله ، واستحقّ» ، وفي «ف» : وعمله استحقّ.

(٥) في «ص» : يمنع.

(٦) في المصدر : وهو ملخّص.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.

(٨) لم ترد «المأمور» في «ف».

٩١

المعيّن على المأمور به ، ولم نجد من صرّح به في المعاطاة.

وأمّا قوله : «لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل» فموضع (١) نظر ؛ لأنّ فساد المعاملة لا يوجب منعه عن (٢) العمل ، سيّما إذا لم يكن العمل تصرّفاً (٣) في عينٍ من أموال المستأجر.

وقوله : «لم يستحقّ اجرة مع علمه بالفساد» ، ممنوع ؛ لأنّ الظاهر ثبوت اجرة المثل ؛ لأنّه لم يقصد التبرّع وإنّما قصد عوضاً لم يسلّم له.

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني في معاطاة الهبة

وأمّا مسألة الهبة ، فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدلّ على جريان المعاطاة فيها (٤) ، إلاّ إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة ؛ فإنّ جماعة كالشيخ (٥) والحلّي (٦) والعلاّمة (٧) صرّحوا بأنّ إعطاء الهديّة من دون الصيغة يفيد الإباحة دون الملك ، لكنّ المحقّق الثاني رحمه‌الله ممّن لا يرى (٨) كون (٩) المعاطاة عند القائلين بها مفيداً للإباحة المجرّدة (١٠).

وتوقّف الملك في الهبة على الإيجاب والقبول كاد أن يكون متّفقاً‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيرها : موضع.

(٢) في «ف» : من.

(٣) لم ترد «تصرّفاً» في «ف».

(٤) كذا في «ش» ، وفي غيرها : فيه.

(٥) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٦) السرائر ٣ : ١٧٧.

(٧) القواعد ١ : ٢٧٤.

(٨) في «ف» و «خ» ومصحّحة «ن» : لا يرضى.

(٩) كذا في «ص» ، وفي غيرها : بكون.

(١٠) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

٩٢

عليه كما يظهر من المسالك (١).

وممّا ذكرنا يظهر المنع في قوله : «بل مطلق التصرّف».

هذا ، ولكنّ الأظهر بناءً على جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره من الإجارة والهبة ؛ لكون الفعل مفيداً للتمليك فيهما (٢).

الأظهر جريان المعاطاة في غير البيع من الإجارة والهبة

وظاهر المحكيّ عن التذكرة : عدم القول بالفصل بين البيع وغيره ؛ حيث قال في باب الرهن : إنّ الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة (٣) في البيع آتٍ هنا (٤) ، انتهى.

لكن استشكله في محكيّ جامع المقاصد : بأنّ البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع ، بخلاف ما هنا (٥).

الإشكال في جريان المعاطاة في الرهن

ولعلّ وجه الإشكال : عدم تأتّي المعاطاة بالإجماع في الرهن على النحو الذي أجروها في البيع ؛ لأنّها هناك إمّا مفيدة للإباحة أو الملكيّة الجائزة على الخلاف والأوّل غير متصوّر هنا ، وأمّا الجواز (٦) فكذلك ؛ لأنّه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن ، خصوصاً بملاحظة أنّه لا يتصوّر هنا ما يوجب رجوعها إلى اللزوم ، ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان.

__________________

(١) المسالك ٦ : ١٠.

(٢) في «ف» : فيها.

(٣) في «ش» ومصحّحة «ن» : المذكور.

(٤) التذكرة ٢ : ١٢.

(٥) جامع المقاصد ٥ : ٤٥.

(٦) العبارة في «ف» هكذا : هناك أمّا الجواز.

٩٣

وإن جعلناها مفيدة للّزوم ، كان مخالفاً لما أطبقوا عليه من توقّف العقود اللازمة على اللفظ ، وكأنّ هذا هو الذي دعا المحقّق الثاني إلى الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة والهبة والقرض (١) ، والاستشكال في الرهن.

نعم ، من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور ، بل المتّفق عليه بينهم ، من توقّف العقود اللازمة على اللفظ ، أو حمل تلك العقود على اللازمة من الطرفين ، فلا يشمل الرهن ولذا جوّز بعضهم (٢) الإيجاب بلفظ الأمر ك‍ «خذه» ، والجملة الخبرية أمكن أن يقول بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم ؛ لإطلاق بعض أدلّة الرهن (٣) ، ولم يقم هنا إجماع على عدم اللزوم كما قام في المعاوضات.

عدم جريان المعاطاة في الوقف

ولأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف بأن يكتفى فيه بالإقباض ؛ لأنّ القول فيه باللزوم منافٍ لما اشتهر بينهم من توقّف اللزوم على اللفظ ، والجواز غير معروف في الوقف من الشارع ، فتأمّل.

نعم ، احتمل (٤) الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من‌

__________________

(١) تقدّم منه قدس‌سره ما يرتبط بالأوّلين في الصفحة ٩١ ، وأمّا بالنسبة إلى القرض فليراجع جامع المقاصد ٥ : ٢٠.

(٢) كالشهيد قدس‌سره في كتاب الرهن من الدروس ٣ : ٣٨٣.

(٣) مثل قوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة : ٢٨٣ ، ومثل ما ورد في الوسائل ١٣ : ١٢١ ، كتاب الرهن.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : «يظهر» ، وفي نسخة بدل «خ» ، «م» و «ع» : يحتمل.

٩٤

الذكرى (١) تبعاً للشيخ رحمه‌الله (٢).

ملزمات المعاطاة في غير البيع

ثمّ إنّ الملزم للمعاطاة فيما تجري فيه من العقود الأُخر هو الملزم في باب البيع ، كما سننبّه به بعد هذا الأمر.

__________________

(١) الذكرى : ١٥٨.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٢.

٩٥

الأمر السادس

في ملزمات المعاطاة على كلٍّ من القول بالملك والقول بالإباحة‌

تأسيس الأصل في المعاطاة من حيث اللزوم والجواز

اعلم : أنّ الأصل على القول بالملك اللزوم ؛ لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدّمة (١) ، وأمّا على القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم ؛ لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، وأصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة ، وهي حاكمة على أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلّم جريانها.

تلف العوضين ملزم إجماعاً

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ تلف العوضين ملزم إجماعاً على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٢) أمّا على القول بالإباحة فواضح ؛ لأنّ تلفه من مال مالكه ولم يحصل ما يوجب ضمان كلٍّ منهما مال صاحبه ، وتوهّم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفعٌ بما سيجي‌ء (٣).

وأمّا على القول بالملك ، فلما عرفت (٤) من أصالة اللزوم ، والمتيقّن‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٥١ ٥٦.

(٢) صرّح بعدم الخلاف : المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٦٢ ، والشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة : ٥٠ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٦٩ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٧.

(٣) يجي‌ء في الصفحة ٩٨ عند قوله : والتمسّك بعموم على اليد هنا في غير محلّه.

(٤) في الصفحة ٥١.

٩٦

من مخالفتها جواز ترادّ العينين (١) ، وحيث ارتفع مورد الترادّ امتنع ، ولم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف ؛ لأنّ ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين ، فلا مانع من بقائه ، بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفهما (٢) ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع في العين ، نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة ، فلا يبقى بعد التلف متعلّق الجواز (٣) ، بل الجواز هنا يتعلّق (٤) بموضوع الترادّ ، لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة.

هذا ، مع أنّ الشكّ في أنّ متعلّق الجواز هل هو أصل (٥) المعاملة أو الرجوع في العين ، أو ترادّ العينين؟ يمنع من استصحابه ؛ فإنّ المتيقّن تعلّقه بالترادّ ؛ إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم على ثبوت أزيد من جواز ترادّ العينين الذي لا يتحقّق إلاّ مع بقائهما.

لو تلف أحد العوضين أو بعضه

ومنه يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين أو بعضها على القول بالملك.

وأمّا على القول بالإباحة ، فقد استوجه بعض مشايخنا (٦) وفاقاً‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ش» ونسخة بدل «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : العين.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : تلفها.

(٣) في «ف» : للجواز.

(٤) في «ف» : متعلّق.

(٥) لم ترد «أصل» في «ف».

(٦) وهو السيّد المجاهد في المناهل : ٢٦٩.

٩٧

لبعض معاصريه (١) ، تبعاً للمسالك (٢) أصالة عدم اللزوم ؛ لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة ، وملكه لها.

وفيه : أنّها معارضة بأصالة براءة ذمّته عن مثل التالف (٣) أو قيمته ، والتمسّك بعموم «على اليد» هنا في غير محلّه ، بعد القطع بأنّ هذه اليد قبل تلف العين لم تكن يد ضمان ، بل ولا بعده إذا بنى مالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة ولم يرد الرجوع ، إنّما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع ، وليس هذا من مقتضى اليد قطعاً.

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ أصالة بقاء السلطنة حاكمة على أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة ، مع أنّ ضمان (٤) التالف ببدله معلوم ، إلاّ أنّ الكلام في أنّ البدل هو البدل الحقيقي ، أعني المثل أو القيمة ، أو البدل الجعلي ، أعني العين الموجودة ، فلا أصل.

هذا ، مضافاً إلى ما قد يقال : من أنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» يدلّ على السلطنة على المال الموجود بأخذه ، وعلى المال التالف بأخذ بدله الحقيقي ، وهو المثل أو القيمة ، فتدبّر.

لو كان أحد العوضين ديناً في الذمّة

ولو كان أحد العوضين ديناً في ذمّة أحد المتعاطيين ، فعلى القول بالملك يملكه من في ذمّته ، فيسقط عنه ، والظاهر أنّه في حكم التلف ؛

__________________

(١) وهو الفاضل النراقي في المستند ٢ : ٣٦٣.

(٢) المسالك ٣ : ١٤٩.

(٣) في «ش» زيادة : عنده.

(٤) ورد في «ف» بدل عبارة «ولكن يمكن أن يقال إلى مع أنّ ضمان» ما يلي : ولكن يمكن أن يمنع أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة ؛ لأنّ ضمان ..

٩٨

لأنّ الساقط لا يعود ، ويحتمل العود ، وهو ضعيف ، والظاهر أنّ الحكم كذلك على القول بالإباحة ، فافهم.

حكم نقل العوضين أو أحدهما بعقد لازم

ولو نقل العينان (١) أو إحداهما (٢) بعقدٍ لازم ، فهو كالتلف على القول بالملك ؛ لامتناع الترادّ ، وكذا على القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرّفات الناقلة.

ولو عادت العين بفسخ ، ففي جواز الترادّ على القول بالملك ؛ لإمكانه فيستصحب ، وعدمه ؛ لأنّ المتيقّن من الترادّ هو المحقّق قبل خروج العين عن ملك مالكه ، وجهان. أجودهما ذلك ؛ إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز الترادّ بقولٍ مطلق ، بل المتيقّن منه غير ذلك ، فالموضوع غير محرز في الاستصحاب.

وكذا على القول بالإباحة ؛ لأنّ التصرّف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرّف ، فيرجع بالفسخ إلى ملك الثاني ، فلا دليل على زواله ، بل الحكم هنا أولى منه على القول بالملك ؛ لعدم تحقّق جواز الترادّ في السابق هنا حتى يستصحب ، بل المحقّق أصالة بقاء سلطنة المالك الأوّل المقطوع بانتفائها.

نعم ، لو قلنا : بأنّ الكاشف عن الملك هو العقد الناقل ، فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلى المالك الأوّل وإن كان مباحاً لغيره ما لم يستردّ عوضه ، كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز الترادّ لو فرض كون العوض الآخر باقياً على ملك مالكه الأوّل ، أو عائداً (٣) إليه بفسخ.

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيرها : العينين.

(٢) في «ف» : أحدهما.

(٣) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : وعائداً.

٩٩

وكذا لو قلنا : بأنّ (١) البيع لا يتوقّف على سبق الملك ، بل يكفي فيه إباحة التصرّف والإتلاف ، ويملك الثمن بالبيع ، كما تقدّم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع (٢).

لكنّ الوجهين (٣) ضعيفان ، بل الأقوى رجوعه بالفسخ إلى البائع.

لو كان الناقل عقداً جائزاً

ولو كان الناقل عقداً جائزاً لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيه ، ولا رجوعه بنفسه إلى عينه ، فالترادّ غير متحقّق ، وتحصيله غير واجب ، وكذا على القول بالإباحة ؛ لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك.

لو كان الناقل غير معاوضة

نعم ، لو كان غير معاوضة كالهبة ، وقلنا بأنّ التصرّف في مثله لا يكشف (٤) عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض مالاً لواحد وانتقال المعوّض (٥) إلى الآخر (٦) ، بل الهبة ناقلة للملك (٧) عن ملك المالك إلى المتّهب فيتحقّق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلى المالك لا الواهب اتّجه الحكم بجواز الترادّ مع بقاء العين‌

__________________

(١) في «ف» : أنّ.

(٢) تقدّم استظهار ذلك عن قطب الدين والشهيد قدس‌سرهما في الصفحة ٨٩.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي غيرهما : الوجهان.

(٤) كذا في «ش» ونسخة بدل «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : للكشف.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وأمّا سائر النسخ ، ففي بعضها : «لانتقال العين» ، وفي بعضها : وانتقال العين.

(٦) في مصحّحة «ن» و «خ» : آخر.

(٧) لم ترد «للملك» في «ف».

١٠٠