كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

يجيئني ويقول : اشتر لي هذا الثوب وأُربحك كذا وكذا. فقال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام (١)» (٢).

وقد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أُخر مجرّدة عن قوله عليه‌السلام : «إنّما يحلّل .. إلخ» (٣) ، كلّها تدلّ على أنّه لا بأس بهذه المواعدة والمقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه.

ونقول : إنّ هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوهاً :

الوجوه المحتملة في معنى هذا الحديث :

الوجه الأوّل

الأوّل : أن يراد من «الكلام» في المقامين اللفظ الدالّ على التحليل والتحريم (٤) ، بمعنى أنّ تحريم شي‌ءٍ وتحليله لا يكون إلاّ بالنطق بهما ، فلا يتحقّق بالقصد المجرّد عن الكلام ، ولا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال.

الوجه الثان

الثاني : أن يراد ب «الكلام» اللفظ مع مضمونه ، كما في قولك : «هذا الكلام صحيح» أو «فاسد» ، لا مجرّد اللفظ أعني الصوت ويكون المراد : أنّ المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حِلاّ وحرمة (٥)

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» زيادة : «الخبر» ، والظاهر أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الخبر مذكور بتمامه.

(٢) انظر الكافي ٥ : ٢٠١ ، الحديث ٦ ، والتهذيب ٧ : ٥٠ ، الحديث ٢١٦ ، والوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب العقود.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيره : التحريم والتحليل.

(٥) في «ف» : أو حرمة.

٦١

باختلاف المضامين المؤدّاة بالكلام ، مثلاً (١) : المقصود الواحد ، وهو التسليط على البضع مدّة معيّنة يتأتّى بقولها : «ملّكتك بضعي» أو «سلّطتك عليه» أو «آجرتك نفسي» أو «أحللتها لك» ، وبقولها : «متّعتك (٢) نفسي بكذا» ، فما عدا الأخير موجب لتحريمه ، والأخير محلّل ، وبهذا (٣) المعنى ورد قوله عليه‌السلام : «إنّما يحرّم الكلام» في عدّة من روايات المزارعة (٤).

منها : ما في التهذيب عن ابن محبوب ، عن خالد بن جرير (٥) ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سُئل عن الرجل يزرع أرض رجلٍ آخر فيشترط عليه ثلثاً للبذر ، وثلثاً للبقر ، فقال : «لا ينبغي له أن يسمّي بذراً ولا بقراً ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا : نصف ، أو ثلث ، أو ما كان من شرط ، ولا يسمّي بذراً ولا بقراً ؛ فإنّما يحرّم الكلام» (٦).

__________________

(١) كلمة «مثلاً» ساقطة من «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيره : متّعت.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيره : على هذا.

(٤) راجع الوسائل ١٣ : ٢٠٠ ٢٠١ ، الباب ٨ من أبواب المزارعة والمساقاة ، الحديث ٤ ، ٦ و ١٠.

(٥) عبارة «عن خالد بن جرير» من «ش» والمصدر.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٤ ، الحديث ٨٥٧ ، وعنه الوسائل ١٣ : ٢٠١ ، الباب ٨ من أبواب المزارعة ، الحديث ١٠. وبما أنّ الحديث ورد مختلفاً في النسخ ، ومع تقديمٍ وتأخير في بعضها ، فلذلك أثبتناه طبقاً لنسخة «ش» التي هي مطابقة مع المصدر.

٦٢

الوجه الثالث

الثالث : أن يراد ب «الكلام» في الفقرتين الكلام الواحد ، ويكون تحليله وتحريمه (١) باعتبار (٢) وجوده وعدمه ، فيكون وجوده محلّلاً وعدمه محرّماً ، أو بالعكس ، أو باعتبار محلِّه وغير محلِّه ، فيُحِلّ في محلِّه ويُحرِّم في غيره ؛ ويحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة.

الوجه الرابع

الرابع : أن يراد من الكلام المحلِّل خصوص المقاولة والمواعدة ، ومن الكلام المحرِّم إيجاب البيع وإيقاعه.

المناقشة في الوجه الأوّل

ثمّ إنّ الظاهر عدم إرادة المعنى الأوّل ؛ لأنّه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث إنّ ظاهره حصر أسباب التحليل والتحريم في الشريعة في اللفظ يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جواباً عن السؤال ، مع كونه كالتعليل له ؛ لأنّ ظاهر الحكم كما يستفاد من عدّة روايات أُخر (٣) تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء (٤) المتاع من مالكه ، ولا دخل لاشتراط النطق في التحليل والتحريم في هذا الحكم أصلاً ، فكيف يعلّل به؟

المناقشة في الوجه الثاني

وكذا المعنى الثاني ؛ إذ ليس هنا مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمونٍ محلِّلاً ، وبآخر محرِّماً.

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي غيرها : تحريمه وتحليله.

(٢) كذا في «م» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : اعتبار.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٠ ، الباب ٥ من أبواب العقود ، الحديث ٤ ، والصفحة ٣٧٤ ، الباب ٧ من الأبواب ، الحديث ٣ ، والصفحة ٣٧٨ ، الباب ٨ من الأبواب ، الحديث ١١ و ١٣.

(٤) في «ف» : اشتراء.

٦٣

تعيّن الوجه الثالث أو الرابع

فتعيّن : المعنى الثالث ، وهو : أنّ الكلام الدالّ على الالتزام بالبيع لا يحرِّم هذه المعاملة إلاّ وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل ؛ لأنّه بيع ما ليس عنده ، ولا يحلِّل إلاّ عدمه ؛ إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلاّ التواعد بالمبايعة ، وهو غير مؤثّر.

فحاصل الرواية : أنّ سبب التحليل والتحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدماً ووجوداً (١).

أو المعنى الرابع ، وهو : أنّ المقاولة والمراضاة مع المشتري الثاني قبل اشتراء العين محلِّل للمعاملة ، وإيجاب البيع معه محرّم لها.

وعلى كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام في التحليل ، كما هو المقصود في مسألة المعاطاة.

استظهار اعتبار اللفظ من هذا الحديث بوجه آخر

نعم ، يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجهٍ آخر بعد ما عرفت من أنّ (٢) المراد ب «الكلام» هو إيجاب البيع بأن يقال : إنّ حصر المُحلِّل والمُحرِّم في الكلام لا يتأتّى إلاّ مع انحصار إيجاب البيع في الكلام ؛ إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المُحلِّل والمُحرِّم في الكلام ، إلاّ أن يقال : إنّ وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد ؛ إذ المفروض أنّ المبيع عند مالكه الأوّل ، فتأمّل.

روايات اُخرى تشعر باعتبار اللفظ في البيع

وكيف كان ، فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور. كما يشعر به قوله عليه‌السلام في رواية أُخرى واردة في هذا الحكم أيضاً ، وهي رواية‌

__________________

(١) في «ف» : أو وجوداً.

(٢) في «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» : بأنّ.

٦٤

يحيى بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن رجلٍ قال لي : اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابّة ، وبعنيها أُربحك (١) فيها كذا وكذا؟ قال : لا بأس بذلك ، اشترها ، ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (٢) ؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد من مواجبة البيع ليس مجرّد إعطاء العين للمشتري (٣).

ويشعر به أيضاً رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يبيع بيعاً فيقول : أبيعك بده دوازده ، [أو ده يازده (٤)]؟ فقال : لا بأس ، إنّما هذه" المراوضة" فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» (٥) ؛ فإنّ ظاهره على ما فهمه بعض الشرّاح (٦) ـ : أنّه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد ، وإنّما يكره حين العقد.

وفي صحيحة ابن سنان : «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ثمّ تشتري له نحو الذي طلب ، ثمّ توجبه على نفسك ، ثمّ تبيعه منه بعد» (٧).

__________________

(١) في «ش» : ارابحك.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.

(٣) لم ترد عبارة : «فإنّ الظاهر إلى للمشتري» في «ف».

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٨٦ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٥.

(٦) وهو المحدّث الكاشاني قدس‌سره في الوافي ١٨ : ٦٩٣ ، الحديث ١٨١٣١.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث الأوّل.

٦٥

تنبيهات المعاطاة

وينبغي التنبيه على أُمور :

الأوّل

هل المعاطاة بيع حقيقة أم لا؟

الظاهر (١) : أنّ المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع ، بل الظاهر من كلام المحقّق الثاني في جامع المقاصد (٢) : أنّه ممّا لا كلام فيه حتى عند القائلين بكونها فاسدة ، كالعلاّمة في النهاية (٣). ودلّ على ذلك تمسّكهم له بقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٤).

وأمّا على القول بإفادتها للإباحة (٥) ، فالظاهر : أنّها (٦) بيع عرفيّ لم يؤثّر شرعاً إلاّ الإباحة ، فنفي البيع عنها في كلامهم (٧) ومعاقد إجماعاتهم (٨) هو البيع المفيد شرعاً اللزوم زيادةً على الملك.

هذا على ما اخترناه سابقاً (٩) : من أنّ مقصود المتعاطيين في‌

__________________

(١) في «ف» : أنّ الظاهر.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) في «ف» زيادة : دون الملك.

(٦) كذا في «ف» ومصحّحة «م» و «ص» ، وفي غيرها : أنّه.

(٧) مثل ما تقدّم عن الخلاف في الصفحة ٢٦ ، وعن السرائر والغنية في الصفحة ٢٨ و ٢٩.

(٨) كذا في «ف» ، وفي غيرها : إجماعهم.

(٩) في الصفحتين ٢٥ و ٣٢.

٦٦

المعاطاة التملّك (١) والبيع (٢) ، وأمّا على ما احتمله بعضهم (٣) بل استظهره (٤) ـ : من أنّ محلّ الكلام هو ما إذا قصدا (٥) مجرّد الإباحة ، فلا إشكال في عدم كونها بيعاً عرفاً ، ولا شرعاً.

حكم الشكّ في اعتبار شرط في المعاطاة

وعلى هذا فلا بدّ عند الشكّ في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلى الأدلّة الدالّة على صحّة هذه الإباحة العوضيّة من خصوصٍ أو عموم ، وحيث إنّ المناسب لهذا القول التمسّك في مشروعيّته بعموم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٦) كان مقتضى القاعدة هو نفي شرطيّة غير ما ثبت شرطيّته ، كما أنّه لو تمسّك لها بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس.

والحاصل : أنّ المرجع على هذا عند الشكّ في شروطها ، هي أدلّة هذه المعاملة ، سواء اعتبرت في البيع أم لا.

وأمّا على المختار : من أنّ الكلام فيما قصد (٧) به البيع ، فهل (٨)

__________________

(١) في هامش «ص» : التمليك ظ ، وهكذا أثبته المامقاني قدس‌سره في حاشيته ، انظر غاية الآمال : ١٨٧.

(٢) لم ترد «والبيع» في «ف».

(٣) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٢٤.

(٤) في «ف» : استظهر.

(٥) في «ف» : قصد.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٧) في «ف» : يقصد.

(٨) كذا في «ص» و «ش» ، وفي غيرهما : هل.

٦٧

هل يعتبر في المعاطاة شروط البيع ، أو لا؟

يشترط فيه شروط البيع مطلقاً ، أم لا كذلك ، أم يبتني (١) على القول بإفادتها للملك ، والقول بعدم إفادتها إلاّ الإباحة (٢)؟ وجوه :

يشهد للأوّل : كونها بيعاً عرفاً ، فيشترط (٣) فيها جميع ما دلّ على اشتراطه في البيع.

ويؤيّده : أنّ محلّ النزاع بين العامّة والخاصّة في المعاطاة هو : أنّ الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط ، أم لا؟ كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثيرٍ من الخاصّة والعامّة (٤) فما انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع ، خارج عن هذا العنوان وإن فرض مشاركاً له في الحكم ؛ ولذا ادّعى (٥) في الحدائق : أنّ المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة : صحّة المعاطاة المذكورة إذا استكملت (٦) شروط البيع غير الصيغة المخصوصة ، وأنّها تفيد إباحة تصرّف كلٍّ منهما فيما صار إليه من العوض (٧).

ومقابل المشهور في كلامه ، قول العلاّمة رحمه‌الله في النهاية بفساد المعاطاة (٨) كما صرّح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهماً لثبوت‌

__________________

(١) في «ف» : مبنيّ.

(٢) في «ف» : إلاّ للإباحة.

(٣) في «ف» : ليشترط.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيرها : العامّة والخاصّة.

(٥) كذا في «ش» ، وفي «ف» غير مقروءة ، وفي غيرهما : أفتى.

(٦) كذا في «ف» ، وفي غيرها : استكمل.

(٧) الحدائق ١٨ : ٣٥٦.

(٨) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.

٦٨

الخلاف في اشتراط صحّة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

ويشهد للثاني : أنّ البيع في النصّ والفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم ، وثبت له الخيار في قولهم : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» ، ونحوه.

أمّا على القول بالإباحة ، فواضح ؛ لأنّ المعاطاة ليست على هذا القول بيعاً في نظر الشارع والمتشرّعة ؛ إذ لا نقل فيه عند الشارع ، فإذا ثبت إطلاق الشارع عليه في مقام (١) ، فنحمله على الجري على ما هو بيع باعتقاد العرف ، لاشتماله على النقل في نظرهم ، وقد تقدّم سابقاً في تصحيح دعوى الإجماع على عدم كون المعاطاة بيعاً (٢) بيان ذلك.

وأمّا على القول بالملك ، فلأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد المحكوم باللزوم في قولهم : «البيّعان بالخيار» ، وقولهم : «إنّ الأصل في البيع اللزوم ، والخيار إنّما ثبت لدليل» ، و «أنّ البيع بقول مطلق (٣) من العقود اللازمة» ، وقولهم : «البيع هو العقد الدالّ على كذا» ، ونحو ذلك.

وبالجملة ، فلا يبقى للمتأمّل شكّ في أنّ إطلاق البيع في النصّ والفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه إلاّ بفسخ عقده بخيار أو بتقايل (٤).

ووجه الثالث : ما تقدّم للثاني على القول بالإباحة ، من سلب‌

__________________

(١) لم ترد «في مقام» في «ف».

(٢) في الصفحة ٤١ وغيرها.

(٣) في «ف» : وأنّ البيع مطلقاً.

(٤) في «ف» : لخيار أو لتقايل.

٦٩

البيع عنه ، وللأوّل على القول بالملك ، من صدق البيع عليه حينئذٍ وإن لم يكن لازماً.

ويمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النصّ ، فيحمل على البيع العرفي وإن لم يفد عند الشارع إلاّ الإباحة ، وبين ما ثبت بالإجماع على اعتباره في البيع بناءً على انصراف «البيع» في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم.

مختار المؤلّف

والاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة ؛ لكونها بيعاً ظاهراً على القول بالملك كما عرفت من جامع المقاصد (١) ـ ، وأمّا على القول بالإباحة ؛ فلأنها لم تثبت إلاّ في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط ، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضاً.

نفي الشهيد اعتبار بعض الشروط في المعاطاة

ثمّ إنّه حكي عن الشهيد رحمه‌الله في حواشيه على القواعد أنّه بعد ما منع من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي إلاّ بعد تلف العين ، يعني العين الأُخرى ذكر : أنّه يجوز أن يكون الثمن والمثمن في المعاطاة مجهولين ؛ لأنّها ليست عقداً ، وكذا جهالة الأجل ، وأنّه لو اشترى أمةً بالمعاطاة لم يجز له (٢) نكاحها قبل تلف الثمن (٣) ، انتهى. وحكي عنه في باب الصرف أيضاً : أنّه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين (٤).

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٢ وغيرها.

(٢) لم ترد «له» في «ف».

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٤) نفس المصدر ، الصفحة ٣٩٧.

٧٠

المناقشة فيما أفاده الشهيد

أقول : حكمه قدس‌سره بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة وعدم جواز نكاح المأخوذ بها ، صريح في عدم (١) إفادتها للملك ، إلاّ أنّ حكمه رحمه‌الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة (٢) للبيع والصرف معلِّلاً بأنّ المعاطاة ليست عقداً ، يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك ؛ حيث إنّ المفيد للملك منحصرٌ في العقد ، وأن يكون باعتبار عدم اللزوم ؛ حيث إنّ الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم.

والأقوى : اعتبارها وإن قلنا بالإباحة ؛ لأنّها بيع عرفي وإن لم يفد شرعاً إلاّ الإباحة ، ومورد الأدلّة الدالّة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي ، بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب ؛ ولِما عرفت من أنّ الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك ، الفساد وعدم تأثيره شيئاً ، خرج ما هو محلّ الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم والعدم ، وهو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة ، وبقي الباقي.

جريان الربا في المعاطاة

وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيها (٣) أيضاً وإن خصصنا الحكم بالبيع ، بل الظاهر التحريم حتّى عند من لا يراها (٤) مفيدة للملك ؛ لأنّها معاوضة عرفيّة وإن لم تفد الملك ، بل معاوضة شرعيّة ، كما (٥) اعترف بها‌

__________________

(١) في «ف» : صريح في قوله بعدم.

(٢) في «ف» : باعتبار الشرط المذكور.

(٣) كذا في «ف» و «م» ، وفي غيرهما : فيه.

(٤) في «ف» : عند من يراها.

(٥) كما» ساقطة من «ش».

٧١

الشهيد رحمه‌الله في موضعٍ من الحواشي ؛ حيث قال : إنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة أو لازمة (١) ، انتهى.

ولو قلنا بأنّ المقصود للمتعاطيين (٢) الإباحة لا الملك ، فلا يبعد أيضاً جريان الربا ؛ لكونها معاوضة عرفاً ، فتأمّل (٣).

جريان الخيار في المعاطاة

وأمّا حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم ، فيمكن نفيه على المشهور ؛ لأنّها إباحة (٤) عندهم ، فلا معنى للخيار (٥).

وإن قلنا بإفادة الملك ، فيمكن القول بثبوت الخيار فيه (٦) مطلقاً ؛ بناءً على صيرورتها بيعاً بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرّض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة ، إلاّ أنّ أثره يظهر بعد اللزوم ، وعلى هذا فيصحّ إسقاطه والمصالحة عليه قبل اللزوم.

ويحتمل أن يفصّل بين الخيارات المختصّة بالبيع ، فلا تجري ؛ لاختصاص أدلّتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار (٧) ، وبين‌

__________________

(١) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٢) في «ف» زيادة : إنشاء.

(٣) وردت عبارة «ولو قلنا إلى فتأمّل» في «ف» وهامش «ن» ، «خ» و «م» ، وكتب بعدها في «ن» : «إلحاق منه دام ظلّه» ، وفي «خ» و «م» : «إلحاق منه رحمه‌الله».

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «جائزة» بدل «إباحة» ، لكن صُحّحت في «ع» بما أثبتناه.

(٥) في «ف» زيادة : مطلقاً.

(٦) لم ترد «فيه» في «ف».

(٧) عبارة «لاختصاص إلى الخيار» ساقطة من «ف».

٧٢

غيرها كخيار الغبن والعيب بالنسبة إلى الردّ دون الأرش فتجري (١) ؛ لعموم أدلّتها.

وأمّا حكم الخيار بعد اللزوم ، فسيأتي (٢) بعد ذكر الملزمات إن شاء الله (٣).

__________________

(١) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : فيجري.

(٢) سيأتي في الأمر السابع ، الصفحة ١٠٣.

(٣) التعليق على المشيئة من «ف».

٧٣

الأمر الثاني

حكم الإعطاء من جانب واحد

إنّ المتيقّن من مورد المعاطاة : هو حصول التعاطي فعلاً من الطرفين ، فالملك أو الإباحة في كلٍّ منهما بالإعطاء ، فلو حصل الإعطاء من جانبٍ واحدٍ لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيّته ، فلا يتحقّق المعاوضة ولا الإباحة رأساً ؛ لأنّ كلاّ منهما ملكٌ أو مباح في مقابل ملكيّة (١) الآخر أو إباحته ، إلاّ أنّ الظاهر من جماعة من متأخّري المتأخّرين (٢) تبعاً للشهيد في الدروس (٣) جعلُه (٤) من المعاطاة ، ولا ريب أنّه لا يصدق معنى المعاطاة ، لكنّ هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه ؛ بناءً على عموم الحكم لكلّ بيعٍ فعليٍّ ، فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكاً له بعوض ، أو مبيحاً (٥) له به ، وأخذ الآخر له تملّكاً له بالعوض ، أو إباحة له بإزائه ، فلو كان المعطى هو الثمن كان‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي «ف» : «الملك» ، وفي «ن» : «ملك» ، وفي غيرها : ملكه.

(٢) منهم : المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٧ ، والسيد المجاهد في المناهل : ٢٧٠ ، والشيخ الكبير في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة : ٥١ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٣٨ ، ويظهر من المحدّث البحراني والسيد العاملي أيضاً ، انظر الحدائق ١٨ : ٣٦٤ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٢.

(٤) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «جعلوه» ، إلاّ أنّه صحّح في «خ» ، «ع» و «ص» بما في المتن.

(٥) في «ص» : إباحة.

٧٤

دفعه على القول بالملك والبيع (١) اشتراءً ، وأخذه بيعاً للمثمن به ، فيحصل الإيجاب والقبول الفعليّان (٢) بفعلٍ واحدٍ في زمانٍ واحد.

ثمّ صحّة هذا على القول بكون المعاطاة بيعاً مملِّكاً واضحة ؛ إذ يدلّ عليها ما دلّ على صحّة المعاطاة من الطرفين ، وأمّا على القول بالإباحة ، فيشكل بأنّه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها في الإباحة ، اللهم إلاّ أن يدّعى قيام السيرة عليها ، كقيامها على المعاطاة الحقيقية.

هل تنعقد المعاطاة بمجرّد إيصال الثمن وأخذ المثمن؟

وربما يدّعى انعقاد المعاطاة بمجرّد إيصال الثمن وأخذ المثمن من غير صدق إعطاءٍ أصلاً ، فضلاً عن التعاطي ، كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقّاء ، ووضع الفلس في المكان المعدّ له إذا علم من حال السقّاء الرضا بذلك ، وكذا غير الماء من المحقّرات كالخضروات (٣) ونحوها ، ومن هذا القبيل الدخول في الحمّام ووضع الأُجرة في كوز صاحب الحمّام مع غيبته.

المعيار في المعاطاة

فالمعيار في المعاطاة : وصول العوضين ، أو أحدهما (٤) مع الرضا بالتصرّف ، ويظهر ذلك من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله أيضاً في مسألة المعاطاة (٥) ، وسيأتي توضيح ذلك في مقامه (٦) إن شاء الله.

__________________

(١) في «ف» : أو البيع.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الفعليّين.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : كالخضريات.

(٤) في «ف» زيادة : مقامه.

(٥) انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٤١.

(٦) سيأتي في الصفحة ١١٢ ١١٣.

٧٥

خلوّ المعاطاة من الإعطاء والإيصال رأساً

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة ، أمكن خلوّ المعاطاة من الإعطاء والإيصال رأساً ، فيتقاولان على مبادلة شي‌ءٍ بشي‌ءٍ من غير إيصال ، ولا يبعد صحّته مع صدق البيع عليه بناءً على الملك ، وأمّا على القول بالإباحة ، فالإشكال المتقدّم هنا آكد.

٧٦

[الأمر (١)] الثالث

تميّز البائع من المشتري في المعاطاة الفعليّة‌ حالات العوضين في المعاطاة

مع كون أحد العوضين ممّا تعارف جعله ثمناً كالدراهم والدنانير والفلوس المسكوكة واضح ؛ فإنّ صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرّح بالخلاف.

وأمّا مع كون العوضين من غيرها ، فالثمن ما قصدا (٢) قيامه مقام الثمن (٣) في العوضيّة ، فإذا أعطى الحنطة في مقابل اللحم قاصداً إنّ هذا المقدار (٤) من الحنطة يسوي درهماً هو ثمن اللحم ، فيصدق عرفاً (٥) أنّه اشترى اللحم بالحنطة ، وإذا انعكس انعكس الصدق ، فيكون المدفوع بنيّة البدليّة عن الدرهم والدينار هو الثمن ، وصاحبه هو (٦) المشتري.

ولو لم يلاحظ إلاّ كون أحدهما بدلاً عن الآخر من دون نيّة قيام أحدهما مقام الثمن في العوضيّة ، أو لوحظ القيمة في كليهما ، بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم ، وذلك المقدار (٧) من الحنطة بدرهم ،

__________________

(١) من «ص».

(٢) في «ف» : ما قصد.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ص» : المثمن.

(٤) في «ف» : القدر.

(٥) لم ترد «عرفاً» في «ف».

(٦) لم ترد «هو» في «ف».

(٧) في «ف» : القدر.

٧٧

فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدلّ على كون أحدهما بالخصوص بائعاً :

ففي كونه بيعاً وشراءً بالنسبة إلى كلٍّ منهما ؛ بناءً على أنّ البيع لغةً كما عرفت مبادلة مالٍ بمال ، والاشتراء : ترك شي‌ءٍ والأخذ بغيره كما عن بعض أهل اللغة (١) فيصدق على صاحب اللحم أنّه باعه بحنطة ، وأنّه اشترى الحنطة ، فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم وعدم شراء الحنطة. نعم ، لا يترتّب عليهما أحكام البائع ولا المشتري ؛ لانصرافهما في أدلّة تلك الأحكام إلى من اختصّ بصفة (٢) البيع أو الشراء ، فلا يعمّ من كان في معاملة واحدة مصداقاً لهما باعتبارين.

أو كونه بيعاً بالنسبة إلى من يعطي أوّلاً ؛ لصدق الموجب عليه ، وشراءً بالنسبة إلى الآخذ ؛ لكونه قابلاً عرفاً.

أو كونها (٣) معاطاة مصالحة ؛ لأنّها بمعنى التسالم على شي‌ء ؛ ولذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه : «لك ما عندك ، ولي ما عندي» (٤) على الصلح (٥).

__________________

(١) انظر لسان العرب ٧ : ١٠٣ ، والقاموس ٤ : ٣٤٨ ، مادّة : «شرى».

(٢) في «خ» ، «ع» و «ص» : «بصيغة» ، وفي نسخة بدلها : بصفة.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : «كونهما» ، وتأنيث الضمير باعتبار الخبر ، كما هي طريقة المصنّف قدس‌سره.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الصلح ، الحديث الأوّل.

(٥) فإنّهم استدلّوا بالرواية المذكورة على صحّة المصالحة مع جهالة المصطلحين بما وقعت فيه المنازعة ، انظر المسالك ٤ : ٢٦٣ ، والحدائق ٢١ : ٩٢ ، والجواهر ٢٦ : ٢١٦.

٧٨

أو كونها معاوضة مستقلّة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة ، وجوه.

لا يخلو ثانيها عن قوّة ؛ لصدق تعريف «البائع» لغةً وعرفاً على الدافع أوّلاً ، دون الآخر ، وصدق «المشتري» على الآخذ أوّلاً ، دون الآخر ، فتدبّر.

٧٩

[الأمر (١)] الرابع

أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين

١ ـ تمليك المال بإزاء المال

أنّ أصل المعاطاة وهي إعطاء كلٍّ منهما الآخر (٢) ماله يتصوّر بحسب قصد المتعاطيين على وجوه :

أحدها : أن يقصد كلٌّ منهما تمليك ماله بمال الآخر ، فيكون الآخر (٣) في أخذه قابلاً ومتملّكاً (٤) بإزاء ما يدفعه ، فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليكٍ ، بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملّكه ، فيكون الإيجاب والقبول (٥) بدفع العين الاولى وقبضها ، فدفع العين الثاني (٦) خارج عن حقيقة المعاطاة ، فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة ؛ وبهذا الوجه صحّحنا سابقاً (٧) عدم توقّف المعاطاة على قبض كلا العوضين ، فيكون إطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول ، لا من حيث كونها متقوّمة‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) في «ف» : لآخر.

(٣) عبارة «فيكون الآخر» ساقطة من «ش».

(٤) كذا في «ش» ، ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي «ف» : «أو مملّكاً» ، وفي سائر النسخ : ومملّكاً.

(٥) وردت عبارة «إنشاء تمليك إلى الإيجاب والقبول» في «ف» هكذا : أنشأ نفسه بإزاء ما تملّكه ، فيكون تمليك ، بل دفعٌ لما التزمه على الإيجاب والقبول.

(٦) كذا في النسخ ، والصواب : الثانية ، كما في مصحّحة «ص».

(٧) راجع الصفحة ٧٤ ٧٥.

٨٠