كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

كابن زهرة في الغنية (١) فمرادهم بالبيع : المعاملة اللازمة التي هي إحدى (٢) العقود ؛ ولذا صرّح في الغنية بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحّة البيع.

ودعوى : أنّ البيع الفاسد عندهم ليس بيعاً ، قد عرفت الحال فيها (٣).

الاستدلال بآية التجارة

وممّا ذكر يظهر وجه التمسّك بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٤).

الاستدلال بحديث السلطنة والمناقشة فيه

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٥) فلا دلالة فيه على المدّعى ؛ لأنّ عمومه باعتبار أنواع السلطنة ، فهو إنّما يجدي فيما إذا شكّ في أنّ هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك ، وماضية شرعاً في حقّه ، أم لا؟ أمّا إذا قطعنا بأنّ (٦) سلطنة خاصّة كتمليك ماله للغير نافذة في حقّه ، ماضية شرعاً ، لكن شكّ في أنّ هذا التمليك الخاصّ هل يحصل بمجرّد التعاطي مع القصد ، أم لا بدّ من القول الدالّ عليه (٧)؟ فلا يجوز الاستدلال على سببيّة المعاطاة في الشريعة للتمليك‌

__________________

(١) تقدّم كلامه في الصفحة ٢٩.

(٢) في «ف» و «ش» : أحد.

(٣) راجع الصفحة ١٩ وغيرها.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٦) في «ف» : بأنّه.

(٧) في «ع» و «ش» زيادة : «فلا» استدراكاً.

٤١

بعموم تسلّط الناس على أموالهم ، ومنه يظهر أيضاً ـ : عدم جواز التمسّك به (١) لما سيجي‌ء من شروط الصيغة.

المناقشة في دلالة الآيتين

وكيف كان ، ففي الآيتين مع السيرة كفاية. اللهم إلاّ أن يقال : إنّهما لا تدلاّن على الملك ، وإنّما تدلاّن على إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك ، كالبيع والوطء والعتق والإيصاء ، وإباحة هذه التصرّفات إنّما تستلزم الملك بالملازمة الشرعيّة الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع وعدم القول بالانفكاك ، دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم ، حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرّفات.

وصرّح في المسالك : بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرّفات (٢) ، غاية الأمر أنّه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرّف المتوقّف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آناً ما ؛ فإنّ الجمع بين إباحة هذه التصرّفات وبين توقّفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار. ولا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر (٣) ليقال (٤) : إنّ مرجع هذه الإباحة أيضاً إلى التمليك.

المناقشة في دلالة السيرة

وأمّا ثبوت (٥) السيرة واستمرارها على التوريث ، فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة وقلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم وسياساتهم ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لم ترد «به» في «خ» ، «م» و «ع».

(٢) المسالك ٣ : ١٤٩.

(٣) في هامش «ف» زيادة : كما التزمه المحقّق الثاني صح.

(٤) في غير «ف» و «ش» : فيقال.

(٥) في «ف» : وأمّا ترتّب.

٤٢

ودعوى : أنّه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرّفات المتوقّفة على الملك كما يظهر من المحكيّ عن حواشي الشهيد على القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، وعدم جواز وطء الجارية المأخوذة بها (١) ، وقد صرّح الشيخ رحمه‌الله بالأخير في معاطاة الهدايا (٢) فيتوجّه (٣) التمسّك حينئذٍ بعموم الآية على جوازها ، فيثبت الملك ، مدفوعة : بأنّه وإن لم يثبت ذلك ، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ كلّ من قال بإباحة جميع هذه التصرّفات قال بالملك من أوّل الأمر ، فيجوز للفقيه حينئذٍ التزام إباحة جميع التصرّفات مع التزام حصول الملك عند التصرّف المتوقّف على الملك ، لا من أوّل الأمر.

الأولى في الاستدلال على المختار

فالأولى حينئذٍ : التمسّك في المطلب بأنّ المتبادر عرفاً من «حلّ البيع» صحّته شرعاً.

هذا ، مع إمكان إثبات صحّة المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض إطلاقاتهما ، وتتميمه في البيع بالإجماع المركّب.

هذا ، مع أنّ (٤) ما ذكر : من أنّ للفقيه (٥) التزام حدوث الملك عند التصرّف المتوقّف عليه ، لا يليق بالمتفقّه فضلاً عن الفقيه! ولذا ذكر‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٥.

(٢) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٣) في «ف» : فيوجّه.

(٤) في «ن» شطب على كلمة : أنّ.

(٥) في «ن» شطب على كلمة : للفقيه.

٤٣

دعوى كاشف الغطاء أنّ القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة

بعض الأساطين في شرحه على القواعد في مقام الاستبعاد ـ : أنّ القول بالإباحة المجرّدة ، مع فرض (١) قصد المتعاطيين التمليك والبيع ، مستلزم لتأسيس قواعد جديدة :

منها : أنّ العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود.

ومنها : أن يكون إرادة التصرّف من المملِّكات ، فتملك (٢) العين أو المنفعة بإرادة التصرّف بهما (٣) ، أو معه (٤) دفعة وإن لم يخطر ببال المالك الأوّل الإذن في شي‌ءٍ من هذه التصرّفات ؛ لأنّه قاصد للنقل من حين الدفع ، وأنّه (٥) لا سلطان له بعد ذلك ، بخلاف من قال : أعتق عبدك عنّي ، وتصدّق بمالي عنك.

ومنها : أنّ الأخماس والزكوات والاستطاعة والديون والنفقات وحقّ المقاسمة (٦) والشفعة والمواريث والربا والوصايا تتعلّق بما (٧) في اليد ، مع العلم ببقاء مقابله ، وعدم التصرّف فيه ، أو عدم العلم به ، فينفى بالأصل ، فتكون متعلّقة بغير الأملاك ، وأنّ صفة الغنى والفقر تترتّب‌

__________________

(١) لم ترد «فرض» في «ف».

(٢) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : فيملك.

(٣) كذا في «ش» و «ص» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي «خ» : «فيها» ، وفي سائر النسخ : بها.

(٤) في أكثر النسخ : «بيعه» ، إلاّ أنّه صحّح بعضها طبقاً لما أثبتناه.

(٥) في «ش» : لأنّه.

(٦) في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ع» : المقاصّة.

(٧) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «بما يتعلّق» ، لكنّه صحّح بعضها طبقاً لما أثبتناه.

٤٤

عليه كذلك ، فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.

ومنها : كون التصرّف من جانبٍ مملّكاً للجانب الآخر ، مضافاً إلى غرابة استناد الملك إلى التصرّف.

ومنها : جعل التلف السماوي من جانبٍ مملّكاً للجانب الآخر ، والتلف من الجانبين (١) معيّناً للمسمّى من الطرفين ، ولا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

ومع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها ، فالقول بأنّه المطالب ؛ لأنّه تملّك (٢) بالغصب أو التلف في يد الغاصب ، غريب! والقول بعدم الملك بعيد جدّاً ، مع أنّ في التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فهو عجيب (٣)! ومعه بعيد ؛ لعدم قابليّته (٤) ، وبعده ملك معدوم ، ومع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض ، ونفي الملك مخالف للسيرة وبناء المتعاطيين.

ومنها : أنّ التصرّف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقّف على النيّة ، فهو بعيد ، وإن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها (٥) واطئاً بالشبهة ، والجاني عليه والمتلف (٦) جانياً على مال الغير ومتلِفاً له.

__________________

(١) في «ش» وهامش «ن» زيادة : مع التفريط.

(٢) في «ص» والمصدر : يملك.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فعجيب.

(٤) في «ص» والمصدر زيادة : حينئذٍ.

(٥) في المصدر : من غير علمٍ.

(٦) في «ش» زيادة : له.

٤٥

ومنها : أنّ النماء الحادث قبل التصرّف ، إن جعلنا حدوثه مملّكاً له دون العين فبعيد ، أو معها فكذلك ، وكلاهما منافٍ لظاهر الأكثر ، وشمول الإذن له خفيّ (١).

ومنها : قصر التمليك (٢) على التصرّف مع الاستناد فيه إلى أنّ (٣) إذن المالك فيه إذن في التمليك ، فيرجع إلى كون المتصرّف في تمليكه (٤) نفسه موجباً قابلاً ، وذلك جارٍ في القبض ، بل هو أولى منه ؛ لاقترانه بقصد التمليك ، دونه (٥) ، انتهى.

المناقشة فيما ادعاه كاشف الغطاء

والمقصود من ذلك كلّه استبعاد هذا القول ، لا أنّ الوجوه المذكورة تنهض (٦) في مقابل الأُصول والعمومات ؛ إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء.

أمّا حكاية تبعيّة العقود وما قام مقامها للقصود ، ففيها :

أوّلاً : أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجرّدة من العقود ، ولا من القائم مقامها شرعاً ؛ فإنّ تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنّما هو لأجل دليل صحّة ذلك العقد ، بمعنى ترتّب الأثر المقصود عليه ، فلا يعقل حينئذٍ الحكم بالصحّة مع عدم ترتّب الأثر المقصود عليه ،

__________________

(١) في «ف» : وشمول العين له غير خفيّ.

(٢) في المصدر : التملّك.

(٣) لم ترد «أنّ» في «ش».

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : في تمليك.

(٥) شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة : ٥٠.

(٦) في «ف» : لأنّ الوجوه المذكورة لا تنهض.

٤٦

أمّا المعاملات الفعليّة التي لم يدلّ على صحّتها دليل ، فلا يحكم بترتّب الأثر المقصود عليها ، كما نبّه عليه الشهيد في كلامه المتقدّم (١) من أنّ السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات (٢) ، نعم إذا دلّ الدليل على ترتّب أثر عليه حكم به (٣) وإن لم يكن مقصوداً.

وثانياً : أنّ تخلّف العقد عن مقصود المتبايعين كثير ، فإنّهم أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسداً يؤثّر في ضمان كلٍّ من العوضين القيمة (٤) ؛ لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه ، مع أنّهما لم يقصدا إلاّ ضمان كلٍّ منهما بالآخر.

وتوهّم : أنّ دليلهم على ذلك «قاعدة اليد» ، مدفوع : بأنّه لم يذكر هذا الوجه إلاّ بعضهم معطوفاً على الوجه الأوّل ، وهو إقدامهما على الضمان ، فلاحظ المسالك (٥).

وكذا الشرط الفاسد (٦) لم يقصد المعاملة إلاّ (٧) مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣١.

(٢) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «المعاملات» ، وفي نسخة بدلها : المبايعات.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : على عدم ترتّب الأثر عليه يحكم به.

(٤) في مصحّحة «ن» : بالقيمة.

(٥) المسالك ٣ : ١٥٤.

(٦) كذا في النسخ ، وصحّحت العبارة في «ص» بزيادة : مع أنّه.

(٧) لم ترد «إلاّ» في «ف».

٤٧

وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكلّ.

وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير (١).

وترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائماً ، على قولٍ نسبه في المسالك وكشف اللثام إلى المشهور (٢).

نعم ، الفرق بين العقود وما نحن فيه : أنّ التخلّف عن القصود (٣) يحتاج إلى الدليل المخرج عن أدلّة صحّة العقود ، وفيما نحن فيه عدم الترتّب مطابق للأصل.

وأمّا ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرّف مملّكاً ، فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل ودليل جواز التصرّف المطلق ، وأدلّة توقّف بعض التصرّفات على الملك ، فيكون كتصرّف ذي الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالوطء والبيع والعتق وشبهها (٤).

وأمّا ما ذكره من تعلّق الأخماس والزكوات إلى آخر ما ذكره فهو استبعاد محض ، ودفعه بمخالفته (٥) للسيرة رجوع إليها ، مع أنّ تعلّق الاستطاعة الموجبة للحجّ ، وتحقّق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة ، لا يتوقّفان على الملك.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٥ ، والتحرير ٢ : ١٤٢ ، والقواعد ١ : ١٢٤ وغيرها ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٦٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٧ ، وانظر مقابس الأنوار : ١٣٠.

(٢) المسالك ٧ : ٤٤٧. كشف اللثام ٢ : ٥٥.

(٣) في بعض النسخ : المقصود.

(٤) في «ف» : وشبههما.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ودفعها بمخالفتها.

٤٨

وأمّا كون التصرّف مملّكاً للجانب الآخر ، فقد ظهر جوابه.

وأمّا كون التلف مملّكاً للجانبين ، فإن ثبت بإجماع أو سيرة كما هو الظاهر كان كلٌّ من المالين مضموناً بعوضه ، فيكون تلفه في يد كلٍّ منهما من ماله مضموناً بعوضه ، نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع ؛ لأنّ هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الإجماع وبين عموم «على اليد ما أخذت» (١) وبين أصالة عدم الملك إلاّ في الزمان المتيقّن وقوعه (٢) فيه.

توضيحه : أنّ الإجماع لمّا دلّ على عدم ضمانه بمثله أو قيمته ، حكم بكون التلف (٣) من مال ذي اليد ؛ رعايةً لعموم «على اليد ما أخذت» ، فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في أنّ : تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه (٤) ، فإذا قدّر التلف (٥) من مال ذي اليد (٦) ، فلا بدّ من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره ؛ رعايةً لأصالة عدم حدوث الملكيّة قبله ، كما يقدّر ملكية المبيع للبائع وفسخ البيع من حين التلف ؛ استصحاباً لأثر العقد.

وأمّا ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة ، فالظاهر على‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٨ ، الباب الأوّل من كتاب الوديعة ، الحديث ١٢.

(٢) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : بوقوعه.

(٣) في مصحّحة «ن» : التالف.

(٤) مستدرك الوسائل ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل ، وانظر الوسائل ١٢ : ٣٥٨ ، الباب ١٠ من أبواب الخيار.

(٥) في مصحّحة «ن» : التالف.

(٦) في غير «ش» : البائع ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» ، «ع» و «ص» بما في المتن.

٤٩

القول بالإباحة أنّ لكلٍّ منهما المطالبة ما دام باقياً ، وإذا تلف ، فظاهر إطلاقهم «التملّك (١) بالتلف» : تلفه من مال المغصوب منه. نعم ، لو [لا] (٢) قام إجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.

وأمّا ما ذكره من حكم النماء ، فظاهر المحكيّ عن بعضٍ أنّ القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ (٣) ، بل حكمه حكم أصله ، ويحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرّد الإباحة.

ثمّ إنّك بملاحظة ما ذكرنا (٤) تقدر على التخلّص عن سائر ما ذكره ، مع أنّه رحمه‌الله لم يذكرها للاعتماد ، والإنصاف : أنّها استبعادات في محلّها.

وبالجملة ، فالخروج عن أصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة المحقّقة إلى زمان المحقّق الثاني ، وبالاتّفاق المدّعى في الغنية (٥) والقواعد (٦) هنا وفي المسالك في مسألة توقّف الهبة على الإيجاب والقبول (٧) مشكل ، ورفع اليد عن عموم أدلّة البيع والهبة ونحوهما المعتضدة بالسيرة‌

__________________

(١) في «ف» ، «م» ، «ع» و «ص» : التمليك.

(٢) الزيادة من «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي شرح الشهيدي : حكي أنّ نسخة المصنّف رحمه‌الله صحّحت هكذا (هداية الطالب : ١٦٩).

(٣) في «ش» : بالأخذ.

(٤) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحتي «خ» و «ع» ، وفي «ن» و «م» : «ثمّ إنّ ممّا ذكرنا» ، وفي «ش» : ثمّ إنّك ممّا ذكرنا.

(٥) تقدّم في الصفحة ٢٩.

(٦) أي قواعد الشهيد ، كما تقدّم في الصفحة ٣١.

(٧) المسالك ٦ : ١٠.

٥٠

القطعيّة المستمرّة ، وبدعوى الاتّفاق المتقدّم عن المحقّق الثاني (١) بناءً على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة أشكل.

فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة.

هل المعاطاة لازمة أم جائزة؟

وعليه ، فهل هي لازمة ابتداءً مطلقاً؟ كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه‌الله (٢) ، أو بشرط كون الدالّ على التراضي لفظاً؟ كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (٣) ، وقوّاه جماعة من متأخّري المحدّثين (٤) ، أو هي غير لازمة مطلقاً فيجوز لكلٍّ منهما الرجوع في ماله؟ كما عليه أكثر القائلين بالملك ، بل كلّهم عدا من عرفت ، وجوه :

مقتضى القاعدة : اللزوم مطلقاً

أوفقها بالقواعد هو الأوّل ؛ بناءً على أصالة اللزوم في الملك ؛ للشكّ في زواله بمجرّد رجوع مالكه الأصلي.

ودعوى : أنّ الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل والمستقرّ ، والمفروض انتفاء الفرد الأوّل بعد الرجوع ، والفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أوّل الأمر ، فلا ينفع الاستصحاب ، بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأوّل ، مدفوعة مضافاً إلى إمكان دعوى كفاية تحقّق القدر المشترك في الاستصحاب ، فتأمّل ـ : بأنّ انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقرّ ليس باعتبار اختلاف في حقيقته ، وإنّما هو باعتبار حكم الشارع عليه في‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٢.

(٢) راجع الصفحة ٢٤ و ٣٧.

(٣) راجع الصفحة ٣٧.

(٤) كالمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٥٥ ، ولم نعثر على غيره ، وقد تقدّم في الصفحة ٣٧ عن بعض متأخري المحدّثين.

٥١

بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي. ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملّك ، لا اختلاف حقيقة الملك. فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعية للسبب ، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبّب.

ويدلّ عليه مع أنّه يكفي في الاستصحاب الشكّ في أنّ اللزوم من خصوصيات الملك. أو من لوازم السبب المملّك ، ومع أنّ المحسوس بالوجدان أنّ إنشاء الملك في الهبة اللازمة وغيرها على نهج (١) واحد ـ : أنّ اللزوم والجواز لو كانا (٢) من خصوصيّات الملك ، فإمّا أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيّتين بجعل المالك ، أو بحكم الشارع.

فإن كان الأوّل ، كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب (٣) قصد الرجوع ، وقصد عدمه ، أو عدم قصده ، وهو بديهي البطلان ؛ إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع وعدمه.

وإن كان الثاني ، لزم إمضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ ، وهو باطل في العقود ؛ لما تقدّم أنّ العقود المصحّحة (٤) عند الشارع تتبع القصود ، وإن أمكن القول بالتخلّف هنا في مسألة المعاطاة ؛ بناءً على ما ذكرنا سابقاً انتصاراً للقائل بعدم الملك : من منع وجوب‌

__________________

(١) في «ف» : منهج.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي غيرهما : لو كان.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : التفصيل في أقسام التمليك بين.

(٤) في «ف» : الصحيحة.

٥٢

إمضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطيين (١) ، لكنّ الكلام في قاعدة اللزوم في الملك يشمل (٢) العقود أيضاً.

وبالجملة ، فلا إشكال في أصالة اللزوم في كلّ عقدٍ شكّ في لزومه شرعاً ، وكذا لو شكّ في أنّ الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز ، كالصلح من دون عوض ، والهبة. نعم ، لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة.

ما يدل على اللزوم من الكتاب والسنّة

ويدلّ على اللزوم مضافاً إلى ما ذكر عموم قوله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٤) فإنّ مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيّته (٥) بغير اختياره ، فجواز تملّكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه منافٍ للسلطنة المطلقة.

فاندفع ما ربما يتوهّم : من أنّ غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ، ولا نسلّم ملكيّته (٦) له بعد رجوع المالك الأصلي.

ولِما (٧) ذكرنا تمسّك المحقّق رحمه‌الله في الشرائع على لزوم القرض‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٧.

(٢) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : تشمل.

(٣) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : قولهم.

(٤) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٨ ، الحديث ٤٩.

(٥) في «ف» : «عن الملكية» ، وفي نسخة بدل «ش» : عن ملكه.

(٦) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : ملكية.

(٧) في أكثر النسخ : بما.

٥٣

بعد القبض : بأنّ فائدة الملك السلطنة (١) ، ونحوه العلاّمة رحمه‌الله في موضع (٢) آخر (٣).

ومنه يظهر جواز التمسّك بقوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٤) ؛ حيث دلّ على انحصار سبب حِلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك ، فلا يحلّ بغير رضاه.

وتوهّم : تعلّق الحِلّ بمال الغير ، وكونه مال الغير بعد الرجوع أوّل الكلام ، مدفوع : بما تقدّم (٥) ، مع أنّ (٦) تعلّق الحِلّ بالمال يفيد العموم ، بحيث يشمل التملّك أيضاً ، فلا يحلّ التصرّف فيه ولا تملّكه إلاّ بطيب نفس المالك.

ويمكن الاستدلال أيضاً بقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٧) ، ولا ريب أنّ الرجوع‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٦٨.

(٢) في «ف» : مواضع.

(٣) لعلّه أشار بذلك إلى ما أفاده في التذكرة (١ : ٤٦٤) بقوله : «يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة ؛ لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف» ، أو إلى ما أفاده في (١ : ٥٩٥) بقوله : «وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات».

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩ ، وفيه : «لا يحلّ مال امرئ مسلم ..» ، وجاء في تحف العقول مرسلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولا يحلّ لمؤمنٍ مال أخيه إلاّ عن طيب نفسٍ منه» ، تحف العقول : ٣٤.

(٥) تقدّم في الصفحة السابقة عند دفع التوهّم عن الاستدلال بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون ..».

(٦) في «ش» ومصحّحة «ن» : من أنّ.

(٧) النساء : ٢٩.

٥٤

ليست (١) تجارة ، ولا عن تراضٍ ، فلا يجوز أكل المال.

والتوهّم المتقدّم في السابق [غير (٢)] جارٍ هنا ؛ لأنّ حصر مجوّز أكل المال في التجارة إنّما يراد به أكله على أن يكون ملكاً للآكل لا لغيره.

ويمكن التمسّك أيضاً بالجملة المستثنى منها ؛ حيث إنّ أكل المال ونقله عن مالكه بغير رضا المالك ، أكل وتصرّف بالباطل عرفاً.

نعم ، بعد إذن المالك الحقيقي وهو الشارع وحكمه بالتسلّط (٣) على فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن (٤) البطلان ؛ ولذا كان أكل المارّة من الثمرة الممرور بها أكلاً بالباطل لولا إذن المالك الحقيقي ، وكذا الأخذ بالشفعة ، والفسخ بالخيار ، وغير ذلك من الأسباب (٥) القهريّة.

الاستدلال بما يدل على لزوم خصوص البيع

هذا كلّه ، مضافاً إلى ما دلّ على لزوم خصوص البيع ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٦).

__________________

(١) في «ص» ومصحّحة «ن» : ليس.

(٢) لم ترد «غير» في النسخ ، ووردت في هامش نسخ «ن» ، «ع» و «ش» استظهاراً ، وقد أيّد الشهيدي قدس‌سره ضرورة هذه الزيادة ، انظر هداية الطالب : ١٧٠.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : التسلّط.

(٤) في «ف» : من.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : النواقل.

(٦) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٩ ، الحديث ٥١ ، وانظر الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٢.

٥٥

وقد يستدلّ أيضاً بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ؛ بناءً على أنّ العقد هو مطلق العهد ، كما في صحيحة عبد الله بن سنان (٢) ، أو العهد المشدّد ، كما عن بعض أهل اللغة (٣) ، وكيف كان ، فلا يختصّ باللفظ فيشمل المعاطاة.

وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» (٤) ؛ فإنّ الشرط لغةً مطلق الالتزام (٥) ، فيشمل ما كان بغير اللفظ.

قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة

والحاصل : أنّ الحكم باللزوم في مطلق الملك وفي خصوص البيع ممّا لا ينكر ، إلاّ أنّ الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة ، بل ادّعاه صريحاً بعض الأساطين في شرح القواعد (٦) ، ويعضده الشهرة المحقّقة ، بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخّري المتأخّرين (٧) ، فإنّ العبارة المحكيّة عن المفيد رحمه‌الله (٨) في المقنعة لا تدلّ‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٦٠ ، وتفسير العياشي ١ : ٢٨٩ ، الحديث ٥. وعنه الوسائل ١٦ : ٢٠٦ ، الباب ٢٥ من كتاب النذر والعهد ، الحديث ٣.

(٣) انظر لسان العرب ٩ : ٣٠٩ ، والقاموس ١ : ٣١٥ ، مادّة : «عقد» ، ومجمع البحرين ٣ : ١٠٣.

(٤) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.

(٥) قال الفيروزآبادي في القاموس (٢ : ٣٦٨) : الشرط إلزام الشي‌ء والتزامه في البيع ونحوه.

(٦) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة : ٤٩.

(٧) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٤ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٨.

(٨) عبارة «المحكيّة عن المفيد» لم ترد في «ف» ، وشطب عليها في «ن».

٥٦

على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به (١) فإنّه قال (٢) : ينعقد البيع على تراضٍ بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعاً ، وتراضيا بالبيع ، وتقابضا ، وافترقا بالأبدان (٣) ، انتهى.

ويقوى إرادة بيان شروط صحّة العقد الواقع بين اثنين وتأثيره في اللزوم ؛ وكأنّه لذلك (٤) حكى كاشف الرموز عن المفيد والشيخ رحمهما الله : أنّه لا بدّ في البيع عندهما من لفظٍ مخصوص (٥).

وقد تقدّم دعوى الإجماع من الغنية على عدم كونها بيعاً (٦) ، وهو نصّ في عدم اللزوم ، ولا يقدح كونه ظاهراً في عدم الملكيّة الذي لا نقول به.

التشكيك في انعقاد الإجماع

وعن جامع المقاصد : يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع (٧).

نعم ، قول العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة : «إنّ الأشهر عندنا أنّه لا بدّ‌

__________________

(١) المختلف ٥ : ٥١ ، وفيه بعد نقل عبارة المقنعة ـ : وليس في هذا تصريح بصحّته إلاّ أنّه موهم.

(٢) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فإنّ المحكيّ عنه أنّه قال.

(٣) المقنعة : ٥٩١.

(٤) في «ف» : لذا.

(٥) كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٦) تقدّم في الصفحة ٢٩.

(٧) جامع المقاصد ٥ : ٣٠٩ ، وفيه : «لأنّ النطق معتبر في العقود اللازمة بالإجماع» ، وحكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ٢٧٦.

٥٧

من الصيغة» (١) يدلّ على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة ، ولو كان المخالف شاذّا لعبّر بالمشهور ، وكذلك نسبته في المختلف إلى الأكثر (٢) ، وفي التحرير : أنّ الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة (٣).

عدم كشف هذا الإجماع عن رأي المعصوم على فرض حصوله

ثمّ لو فرضنا الاتّفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنّها ليست مملّكة ، وإنّما تفيد الإباحة لم يكن هذا الاتّفاق كاشفاً ؛ إذ القول باللزوم فرع الملكيّة ، ولم يقل بها إلاّ بعض من تأخّر عن المحقّق الثاني (٤) تبعاً له ، وهذا ممّا يوهن حصول القطع بل الظنّ من الاتّفاق المذكور ؛ لأنّ قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء (٥) الموضوع.

القول بالملك اللازم قول ثالث

نعم ، يمكن أن يقال بعد ثبوت الاتّفاق المذكور ـ : إنّ أصحابنا بين قائلٍ بالملك الجائز ، وبين قائلٍ بعدم الملك رأساً ، فالقول بالملك اللازم قولٌ ثالث ، فتأمّل.

وكيف كان ، فتحصيل الإجماع على وجه استكشاف قول الإمام عن قول غيره من العلماء كما هو طريق (٦) المتأخّرين مشكل ؛

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٢) المختلف ٥ : ٥١.

(٣) التحرير ١ : ١٦٤.

(٤) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٣٩ ، وغيره ، راجع الصفحة ٤٠ ، الهامش ٣.

(٥) في «ف» : منتفية.

(٦) في «ف» : طريقة.

٥٨

لما ذكرنا (١) وإن كان هذا لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء ، كما بُيِّن في الأُصول (٢).

وبالجملة ، فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من اعتبر (٣) مطلق اللفظ في اللزوم ـ : «ما أحسنه وأمتن (٤) دليله إن لم يكن إجماع (٥) على خلافه» (٦) في غاية الحسن والمتانة.

ما يدل على عدم لزوم المعاطاة

والإجماع وإن لم يكن محقّقاً على وجه يوجب القطع ، إلاّ أنّ المظنون قويّاً تحقّقه على عدم اللزوم ، مع عدم لفظٍ دالٍّ على إنشاء التمليك ، سواء لم يوجد لفظ أصلاً أم وجد ولكن لم ينشأ التمليك به (٧) ، بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض.

وقد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار (٨) ، بل يظهر (٩) منها أنّ إيجاب البيع باللفظ دون مجرّد التعاطي كان متعارفاً بين أهل السوق والتجّار.

__________________

(١) في الصفحة السابقة.

(٢) راجع فرائد الأُصول : ٧٩ ٨٣.

(٣) في «ش» : من لم يعتبر.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيره : وما أمتن.

(٥) في «ش» والمصدر : إن لم ينعقد الإجماع.

(٦) المسالك ٣ : ١٥٢.

(٧) في «ف» : به التمليك.

(٨) انظر الوسائل ١٢ : ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، والصفحة ٣٧٥ و ٣٨٥ ، الباب ٨ و ١٤ من أبواب أحكام العقود.

(٩) في «ف» : بل قد يظهر.

٥٩

بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع بمجرّد التراضي. نعم ، ربما يكتفون بالمصافقة ، فيقول البائع : بارك الله لك ، أو ما أدّى هذا المعنى بالفارسية (١). نعم ، يكتفون بالتعاطي في المحقّرات ولا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها ، بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين. نعم ، الاكتفاء في اللزوم (٢) بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد ؛ للسيرة ولغير واحدٍ من الأخبار ، كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في شروط الصيغة.

الاستدلال بحديث «إنّما يحلّل الكلام» على عدم الإباحة أو عدم اللزوم

بقي الكلام في الخبر الذي تُمُسِّك به في باب المعاطاة ، تارةً على عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرّف ، وأُخرى على عدم إفادتها اللزوم ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على صحّة مطلق البيع كما صنعه في الرياض (٣) وهو قوله عليه‌السلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام».

وتوضيح المراد منه يتوقّف على بيان تمام الخبر ، وهو ما رواه ثقة الإسلام في باب «بيع ما ليس عنده» ، والشيخ في باب «النقد والنسيئة» عن ابن أبي عمير ، عن يحيى بن الحجّاج ، عن خالد بن الحجّاج (٤) أو ابن نجيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل‌

__________________

(١) وردت عبارة : «نعم إلى بالفارسية» في أكثر النسخ في المتن وفي بعضها في الهامش ، لكن شطب عليها في «ف» ، وكُتب عليها في «ن» : زائد.

(٢) في «ف» : باللزوم.

(٣) الرياض ١ : ٥١١.

(٤) كما في التهذيب.

(٥) كما في الكافي.

٦٠