كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

مسألة

في ولاية عدول (١) المؤمنين‌

حدود ولاية المؤمنين

اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه وهو ما كان تصرّفاً مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، فالظاهر جواز تولّيه (٢) لآحاد المؤمنين ؛ لأنّ المفروض كونه مطلوباً للشارع غير مضاف إلى شخص ، واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط (٣) بفرض التعذّر ، وكونه شرطاً مطلقاً له لا شرطاً اختيارياً مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط ؛ لكونه من المعروف الذي أُمر بإقامته في الشريعة (٤).

نعم ، لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو (٥) الإمام ، صحّ‌

__________________

(١) في غير «ش» و «ص» : العدول.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : توليته.

(٣) في غير «ش» زيادة : «له» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٤) كما في الآية : «وَلْتَكُنْ منْكُمْ امَّةٌ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ» آل عمران : ١٠٤ ، وغيرها من الآيات ، وراجع الوسائل ١١ : ٣٩٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأمر والنهي.

(٥) في «ف» : والإمام.

٥٦١

الرجوع إلى أصالة عدم المشروعيّة ، كبعض مراتب النهي عن المنكر ؛ حيث إنّ إطلاقاته لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح (١).

ما أفاده الشهيد في المقام

قال الشهيد قدس‌سره في قواعده : يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحِكَميّة على الأصحّ ، كدفع ضرورة اليتيم ، لعموم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٢) ، وقوله عليه (٣) السلام : «والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ معروف صدقة» (٥). وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس من الممتنع وتفريقها في أربابها ، وكذا بقيّة وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان : وجه الجواز ما ذكرنا ، ولأنه لو مُنع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ، وهي مطلوبة لله تعالى.

وقال بعض متأخّري العامّة : لا شكّ أنّ القيام بهذه المصالح أهمّ من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها ويصرفونها إلى غير مستحقّها. فإن تُوقِّع إمامٌ يصرف ذلك في وجهه ، حفظ المتمكّن تلك الأموال إلى حين تمكّنه من صرفها إليه ، وإن يئس من ذلك كما‌

__________________

(١) في «خ» ، «ع» و «ص» : الحَرَج.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٤٠٦ ، القاعدة ١٤٨ ، والآية من سورة المائدة : ٢.

(٣) في «ف» : عليه الصلاة والسلام.

(٤) المستدرك ١٢ : ٤٢٩ ، الباب ٣٤ من أبواب فعل المعروف ، الحديث ١٠ ، وانظر الوسائل ١١ : ٥٨٦ ، الباب ٢٩ من أبواب فعل المعروف ، الحديث ٢ ، وفيه : عون المؤمن .. عون أخيه.

(٥) الوسائل ١١ : ٥٢٢ ، الباب الأوّل من أبواب فعل المعروف ، الحديث ٥.

٥٦٢

في هذا الزمان تعيّن صرفه على الفور في مصارفه ؛ لما في إبقائه من التغرير وحرمان مستحقّيه (١) من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه. ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم ، ومع اليأس يتصدّق بها عنهم (٢) ، وعند العامّة تصرف في المصارف (٣) العامّة (٤). انتهى.

تأييد كلام الشهيد وتوجيهه

والظاهر أنّ قوله : «فإن توقّع .. إلى آخره» من كلام الشهيد قدس‌سره ، ولقد أجاد فيما أفاد إلاّ أنّه قدس‌سره لم يبيّن وجه عدم الجواز ، ولعلّ وجهه : أنّ مجرّد كون هذه الأُمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه كما في قطع الدعاوي وإقامة الحدود ، وكما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجدّ ؛ فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ.

نعم ، لو فُرض المعروف على وجه يستقلّ العقل بحسنه مطلقاً كحفظ اليتيم من الهلاك الذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه صحّ المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة ، أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحدٍ إلاّ أنّه خرج ما لو تُمُكِّن من الحاكم ، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأُمور إليه ، وهذا كتجهيز الميّت ، وإلاّ فمجرّد كون التصرّف معروفاً لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه ،

__________________

(١) في «ف» : مستحقّه.

(٢) في المصدر زيادة : «ويضمن» ، واستدركها مصحّح «ص».

(٣) في المصدر ونسخة بدل «ص» : المصالح.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٤٠٦ ، القاعدة ١٤٨.

٥٦٣

ولهذا لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرّد كونه معروفاً ومصلحة ، ولا يفهم من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه ؛ لأنّ المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل أو الشارع من غير جهة نفس أدلّة المعروف.

وبالجملة ، تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصٍّ عقلي ، أو عموم شرعي ، أو خصوصٍ في مورد جزئي ، فافهم.

اشتراط العدالة والدليل عليه

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ؛ حيث يعبّرون بعدول المؤمنين (١) ، وهو مقتضى الأصل ، ويمكن أن يستدلّ عليه ببعض الأخبار أيضاً :

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : «رجل مات من أصحابنا بغير وصيّة ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة ، فصيّر عبد الحميد القيّم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة ، وكان قيامه فيها (٢) بأمر القاضي ؛ لأنّهنّ فروج ، قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام ، وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ، ولا يوصي إلى أحد ، ويخلّف جواري (٣) ، فيقيم القاضي رجلاً منّا لبيعهنّ‌

__________________

(١) كما في المسالك ٦ : ٢٥٩ ، والحدائق ١٨ : ٣٢٣ و ٤٠٣ و ٤٤٤ ، والرياض ٢ : ٣١ و ٥٩ ، والجواهر ٢٢ : ٢٧٢.

(٢) في «ش» بدل «فيها» : بهذا.

(٣) في «ش» : الجواري.

٥٦٤

أو قال : يقوم بذلك رجلٌ منّا فيضعف قلبه ؛ لأنّهنّ فروج (١) ، فما ترى في ذلك؟ قال : إذا كان القيّم (٢) مثلك و (٣) مثل عبد الحميد فلا بأس» (٤).

بناء على أنّ المراد من المماثلة : أمّا المماثلة في التشيّع ، أو في الوثاقة وملاحظة مصلحة اليتيم وإن لم يكن شيعيّاً ، أو في الفقاهة بأن يكون من نوّاب الإمام عليه‌السلام عموماً في القضاء بين المسلمين أو في العدالة.

والاحتمال (٥) الثالث منافٍ لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ولو مع تعذّره. وهذا بخلاف الاحتمالات الأُخر ؛ فإنّ البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف وإن تعذّر غيرهم ، فتَعَيّن أحدها (٦) الدائر بينها ، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخصّ منها ، وهو العدل.

ظاهر بعض الروايات كفاية الأمانة

لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون مفسّراً للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة.

__________________

(١) عبارة «قال فذكرت إلى فروج» لم ترد في غير «ش» ، واستدركت في هامش «ص».

(٢) في «ص» و «ش» زيادة : به.

(٣) في «ص» : أو.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢ ، وفي غير «ش» زيادة : الخبر.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : واحتمال.

(٦) في «ف» : أحدهما.

٥٦٥

ففي صحيحة علي بن رئاب : «رجل مات وبيني وبينه قرابة وترك أولاداً صغاراً ومماليك غلماناً (١) وجواري ولم يوصِ ، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها (٢) أُمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟ قال (٣) : إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم و (٤) كان مأجوراً فيهم (٥). قلت : فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٦) أُمّ ولد؟ فقال : لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم أن يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» (٧).

وموثّقة زرعة ، عن سماعة : «في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من غير وصيّة ، وله خدم ومماليك وعقد (٨) كيف يصنع‌

__________________

(١) لم ترد «غلماناً» في غير «ش» و «ص».

(٢) في «ص» ومصحّحة «ن» : «ويتّخذها» ، وفي «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «ويجدها» ، وفي «ش» : يتخذها.

(٣) في «ص» و «ش» زيادة : فقال.

(٤) في «ن» شطب على الواو.

(٥) لم ترد «فيهم» في غير «ش» ، واستدركت في «ص».

(٦) في غير «ص» و «ش» : ويجدها ، ولكن صحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٧) في غير «ش» زيادة : الخبر ، وشطب عليها في «ص» ، ولا وجه لها إذ الحديث مذكور بتمامه ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٦٩ ، الباب ١٥ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٨) كذا استدركت في «ص» طبقاً للمصادر الحديثية ، وفي «ش» : وعقر ، ولم ترد الكلمة في سائر النسخ.

٥٦٦

الورثة بقسمة ذلك (١)؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس (٢) ؛ بناءً على أنّ المراد من يوثق به ويطمئنّ بفعله عرفاً وإن لم يكن فيه ملكة العدالة.

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة : «قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل يموت بغير وصيّة ، وله ولد صغار وكبار ، أيحلّ شراء شي‌ء من خدمه ومتاعه (٣) من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولاّه قاضٍ قد تراضوا به ولم يستخلفه (٤) الخليفة ، أيطيب الشراء منه أم لا؟ قال عليه‌السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك» (٥).

رأي المؤلّف في المسألة

هذا ، والذي ينبغي أن يقال : إنّك قد عرفت أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلاّ في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدلّ على رجحان التصدّي لذلك المعروف ، أو يكون هناك دليل خاصّ يدلّ عليه ، فما ورد فيه نصّ خاصّ على الولاية اتّبع ذلك النصّ عموماً أو (٦) خصوصاً فقد يشمل الفاسق وقد لا يشمل.

__________________

(١) في المصادر الحديثية زيادة : «الميراث» ، واستدركت في مصحّحة «ص».

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢.

(٣) في نسخة بدل «ن» و «م» و «ع» : متاعهم ، وفي نسخة بدل «ص» : خدمهم ومتاعهم.

(٤) في الكافي : «لم يستأمره» ، وفي التهذيب والوسائل : لم يستعمله.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٦٩ ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع ، الحديث الأوّل.

(٦) في «ف» بدل «أو» : «و».

٥٦٧

وأمّا ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وأنّه هل يكون مأذوناً من الشرع في المباشرة ، أم لا؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلاً.

الظاهر عدم اعتبار العدالة في المباشرة

أمّا الأوّل : فالظاهر جوازه ، وأنّ العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ؛ لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف ، ولو مثل قوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (١) ، وعموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) ونحو ذلك.

وصحيحة محمد بن إسماعيل السابقة ـ ، قد عرفت أنّها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة ـ ، بل وموثّقة زرعة (٣) وغير ذلك ممّا سيأتي. ولو ترتّب حكم الغير على الفعل الصحيح منه ، كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له ، فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشكّ في صحّته ، ولو شكّ في حدوث الفعل منه وأخبر به ، ففي قبوله إشكال.

الظاهر اشتراط العدالة فيما يتعلق بفعل الغير

وأمّا الثاني : فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وإن ادّعى كون البيع مصلحة ، بل يجب أخذ المال من يده.

ويدلّ عليه بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة ، بل وموثّقة زرعة ، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة ـ : أنّ عموم أدلّة القيام بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢ ، وفيه : «عونك للضعيف ..».

(٢) الأنعام : ١٥٢ ، والإسراء : ٣٤.

(٣) راجع الصفحة ٥٦٤ ٥٦٦.

٥٦٨

المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرّد تصرّف الفاسق ؛ فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم ومراعاة غبطته ، لا يرتفع (١) عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

ولا يجدي هنا حمل فعل المسلم على الصحيح ، كما في مثال الصلاة المتقدّم ؛ لأنّ الواجب هناك هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق ، وإذا شكّ في صحّتها أُحرزت بأصالة الصحّة. وأمّا الحكم فيما نحن فيه ، فلم يحمل على التصرّف الصحيح ، وإنّما حُمل على موضوعٍ هو «إصلاح المال ومراعاة الحال» والشكّ في أصل تحقّق ذلك ، فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشكّ فيها.

وإن شئت قلت : إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له ، ولا يحرز (٢) ذلك بأصالة صحّة البيع من البائع ، كما لو شكّ المشتري في بلوغ البائع ، فتأمّل.

نعم ، لو وجد في يد الفاسق ثمن من (٣) مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري وأخذ الثمن من الفاسق ؛ لأنّ مال اليتيم الذي يجب إصلاحه وحفظه من التلف لا يعلم أنّه الثمن أو المثمن ، وأصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل ، فتدبّر.

هل يجوز مزاحمة من تصدى من المؤمنين

ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين ، فالظاهر أنّه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع ، فضلاً عن كونه على وجه النصب من الإمام عليه‌السلام ، فمجرّد وضع العدل‌

__________________

(١) في غير «ص» : لا ترتفع.

(٢) كذا في «ف» ونسخة بدل «خ» ، واستظهره مصحّح «ص» أيضاً ، وفي سائر النسخ : ولا يجوز.

(٣) لم ترد «من» في «ف».

٥٦٩

يده على مال يتيم لا يوجب منعَ الآخر ومزاحمته بالبيع ونحوه.

ولو نقله بعقد جائز ، فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتاً بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله للصغير (١) أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد. وأمّا لو (٢) أراد بيعه من شخص (٣) وعرّضه لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة وإن كان في يد الأوّل.

وبالجملة ، فالظاهر أنّ حكم عدول (٤) المؤمنين لا يزيد عن (٥) حكم الأب والجدّ من حيث جواز التصرّف لكلٍّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

مزاحمة فقيه لفقيه آخر

وأمّا حكّام الشرع ، فهل هم كذلك؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له ، أو من يلي أمواله ، أو وضع اليد على مال يتيم ، فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا؟

الذي ينبغي أن يقال : إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (٦) ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم ؛ لأنّ المخاطب بوجوب إرجاع الأُمور إلى الحكّام هم العوامّ ، فالنهي عن المزاحمة‌

__________________

(١) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ص» ونسخة بدل «خ» : لليتيم ، وفي نسخة بدل «ع» : للصغير.

(٢) لم ترد «وأمّا» في «ش» ، وفي «ف» : «أمّا» ، وشطب على «أمّا» في «ن».

(٣) في غير «ف» و «ش» : شخصه ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٤) في غير «ش» : «العدول» ، وصحّحت في «ص» بما أثبتناه.

(٥) كذا ، والمناسب «على» ، كما في مصحّحة «ن».

(٦) تقدّم في الصفحة ٥٥٥.

٥٧٠

يختصّ بهم ، وأمّا الحكّام فكلّ منهم حجّة من الإمام عليه‌السلام ، فلا يجب على واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر ، فيجوز له مباشرته وإن كان الآخر دخل فيه ووضع يده عليه ، فحال كلّ منهم حال كلٍّ من الأب والجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدّمات ذلك وبنائه على ما يغاير تصرّف الآخر ، كما يجوز لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر وإن حضر المترافعان عنده وأحضر الشهود وبنى على الحكم.

وأمّا لو استندنا في ذلك إلى (١) عمومات النيابة (٢) ، وأنّ فعل الفقيه كفعل الإمام ، ونظره كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال حتّى يقال : إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (٣) ، بل من حيث وجوب إرجاع الأُمور الحادثة إليه ؛ المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجّة منه عليه‌السلام على الناس فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ووضع يده عليه وبنى فيه بحسب نظره على تصرّف وإن لم يفعل نفس ذلك التصرّف ؛ لأنّ دخوله فيه كدخول الإمام ، فدخول الثاني فيه وبناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (٤) له ، فهو (٥) كمزاحمة‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ن» و «خ» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : على.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ٥٥١ ٥٥٢.

(٣) راجع الصفحة ٥٥٣.

(٤) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : يزاحمه.

(٥) لم ترد «فهو» في «ف».

٥٧١

الإمام عليه‌السلام ، فأدلّة النيابة عن الإمام عليه‌السلام لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام (١) عليه‌السلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا : الفرق بين الحكّام ، وبين الأب والجدّ ؛ لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة وبين كون كلّ واحد منهم نائباً.

وربما يتوهّم : كونهم حينئذٍ كالوكلاء المتعدّدين ، في أنّ بناء واحد منهم على (٢) أمر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرّفٍ مغايرٍ لما بنى عليه الأوّل.

ويندفع بأنّ الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرّف لا في مقدّماته ، فما لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذوناً في تصرّفٍ مغايرٍ وإن بنى عليه الأوّل ودخل فيه ، أمّا إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله ، وفرضنا أيضاً عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عمّا بنى هو عليه مباشرةً أو استنابةً ، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة ولا نقيصة.

والوهم إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة بنفس ذي المقدّمة ، فتأمّل.

هذا كلّه مضافاً إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكّام سيّما في مثل هذا الزمان (٣) الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن‌

__________________

(١) في «ف» : للإمام.

(٢) في «ف» بدل «على» : في.

(٣) كذا في «ش» ، وفي «خ» و «ص» : «هذه الأزمان» ، وفي سائر النسخ : هذا الأزمان.

٥٧٢

يدّعي الحكومة.

وكيف كان ، فقد تبيّن ممّا ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيهٍ لمثله في كلّ إلزام قوليّ أو فعليّ يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ، فإذا قبض (١) مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصاً لقبضه أو جعله ناظراً عليه ، فليس لغيره من الحكّام مخالفة نظره ؛ لأنّ نظره كنظر الإمام.

وأمّا جواز (٢) تصدّي مجتهدٍ لمرافعةٍ تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها بل بنى على الحكم فيها ؛ فلأنّ وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم؟

ثمّ إنّه هل يشترط في ولاية (٣) غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم ، أم لا؟.

دعوى الاجماع على اشتراط المصلحة

ذكر الشهيد في قواعده : أنّ فيه وجهين (٤) ، ولكن ظاهر (٥) كثير (٦) من كلماتهم : أنّه لا يصحّ إلاّ مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة : أنّه إجماعي (٧) ، وأنّ الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتّفاقياً بين‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ش» : أقبض.

(٢) في «ف» : عدم جواز.

(٣) كذا ، وفي التعبير ما لا يخفى.

(٤) راجع القواعد والفوائد ١ : ٣٥٢ ، القاعدة ١٣٣ ، وسيأتي نصّ كلامه في الصفحة ٥٧٩.

(٥) في «خ» و «ص» : ظهر.

(٦) كلمة «كثير» وردت في «ف» و «ش» ، واستدركت في هامش «ن».

(٧) مفتاح الكرامة ٤ : ٢١٧.

٥٧٣

المسلمين (١) ، وعن شيخه في شرح القواعد : أنّه ظاهر الأصحاب (٢) ، وقد عرفت تصريح الشيخ والحلّي بذلك حتّى في الأب والجدّ (٣).

الاستدلال بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

ويدلّ عليه بعد ما عرفت من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ : عموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤) ، وحيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول : إنّ «القرب» في الآية يحتمل معاني (٥) أربعة :

الأوّل : مطلق التقليب (٦) والتحريك حتّى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل إبقائه (٧) على حال أو عند (٨) أحد.

محتملات معنى «القرب»

الثاني : وضع اليد عليه بعد أن كان بعيداً عنه ومجتنباً ، فالمعنى : تجنّبوا عنه ، ولا تقربوه إلاّ إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع (٩).

الثالث : ما يعدّ تصرّفاً عرفاً كالاقتراض والبيع والإجارة وما أشبه‌

__________________

(١) استظهره السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٦٠ ، وانظر التذكرة ٢ : ٨٠.

(٢) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٧١.

(٣) راجع الصفحة ٥٣٩.

(٤) الأنعام : ١٥٢ ، والإسراء : ٣٤.

(٥) في «ف» : معان.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : التقلّب.

(٧) في «ف» : البقاء.

(٨) في مصحّحة «ص» : على حاله وعند.

(٩) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ش» : بعد الارتكاب.

٥٧٤

ذلك فلا يدلّ على تحريم إبقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرّف فيه أحسن منه ، إلاّ بتنقيح المناط.

الرابع : مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم ، أعمّ من الفعل والترك ، والمعنى : لا تختاروا في مال اليتيم فعلاً أو تركاً إلاّ ما كان أحسن من غيره ، فيدلّ على حرمة الإبقاء في الفرض المذكور ؛ لأنّ إبقاءه قربٌ له بما ليس أحسن.

محتملات معنى «الأحسن»

وأمّا لفظ «الأحسن» في الآية ، فيحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل ، ويحتمل أن يراد به الحسن. وعلى الأوّل ، فيحتمل التصرّف الأحسن من تركه كما يظهر من بعض ويحتمل أن يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقاً من تركه ومن غيره من التصرّفات. وعلى الثاني ، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، على ما قيل : من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله (١).

الظاهر من احتمالات «القرب» و «الأحسن»

ثمّ إنّ الظاهر من احتمالات «القرب» هو الثالث ، ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني ، أعني التفضيل المطلق.

وحينئذٍ فإذا فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثمّ (٢) فرضنا أنّه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها ديناراً ، فأراد الوليّ جعلها ديناراً ، فلا يجوز ؛ لأنّ هذا التصرّف ليس أصلح من تركه ، وإن كان يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار ؛ لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقداً.

__________________

(١) لم نعثر على قائله.

(٢) في «ف» زيادة : لو.

٥٧٥

أمّا لو جعلنا «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه ، فيجوز.

وكذا لو جعلنا «القرب» بالمعنى الرابع ؛ لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع فيجوز التصرّف المذكور ؛ إذ بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقداً ، فكما أنّه مخيّر في الابتداء بين جعله دراهم أو ديناراً لأنّ القدر المشترك أحسن من غيره ، وأحد الفردين فيه لا مزيّة لأحدهما (١) على الآخر فيخيّر فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كلٌّ من إبقاء الدراهم على حالها وجعلها ديناراً قرباً ، والقدر المشترك أحسن من غيره ، وأحد (٢) الفردين لا مزيّة فيه على الآخر فهو مخيّر بينهما.

والحاصل : أنّه كلما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما أحسن (٣) ، وعدم مزيّة لأحد الفردين تحقّق التخيير لأجل ذلك استدامة ، فيجوز العدول من (٤) أحدهما بعد فعله إلى الآخر إذا كان العدول مساوياً للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم وإن كان فيه نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن الإنصاف : أنّ المعنى الرابع ل «القرب» مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وإن كان الذي يقتضيه التدبّر في‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، وكان الأولى الإتيان بكلمة «له» مكان «لأحدهما» ، كما أشار إليه مصحّح «ص».

(٢) في غير «ف» : فأحد.

(٣) في غير «ف» و «ش» : «حسن» ، وكتب في «ص» فوقه : حسناً.

(٤) في «ص» : عن.

٥٧٦

غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام : أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلاّ ما كان أحسن من غيره.

ظاهر بعض الروايات كفاية عدم المفسدة

نعم ، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر ، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة (١) الكاهلي : «قيل (٢) لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا ندخل (٣) على أخٍ لنا في بيت أيتام ومعهم (٤) خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا» (٥).

بناءً على أنّ المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرّفون (٦) من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل : أن لا يصل إلى الأيتام ما يوازي ذلك ، فلا تنافي بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (٧) : من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز‌

__________________

(١) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ع» و «ش» : رواية.

(٢) في غير «ف» و «خ» : «قال» ، وفي مصحّحة «ص» : «قال : قيل».

(٣) في غير «ف» : لندخل.

(٤) كذا في «ص» و «ش» ، وفي سائر النسخ : معه.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٨٣ ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٦) كذا ، والأولى : «يصرفون» ، كما نبّه عليه مصحّح «ص».

(٧) لم نعثر عليه.

٥٧٧

بالنفع ، والذيل دالّ على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع ولا مضرّ. وهذا منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه ، بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرّف (١) من مال اليتيم بما يتوصّل (٢) إليهم من ماله ، كأن يشرب ماءً فيعطي (٣) فلساً بإزائه ، وهكذا .. وأنت خبير بأنّه لا ظهور للرواية حتّى يحصل التنافي.

وفي رواية ابن المغيرة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدي لها الشي‌ء فآكل منه ثمّ أُطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربِّ هذا بهذا (٤)؟ قال : لا بأس» (٥).

فإنّ ترك الاستفصال عن (٦) مساواة العوض وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة ، إلاّ أن يحمل على الغالب : من كون التصرّف في الطعام المهدى إليها (٧) وإعطاء العوض بعد ذلك أصلح ؛ إذ الظاهر من (٨) «الطعام المهدى إليها» (٩) هو المطبوخ وشبهه.

__________________

(١) كذا ، والأولى : «ما يصرف» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) كذا ، والظاهر : «بما يوصل» ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٣) في «ف» : ويعطي.

(٤) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ن» و «م» و «ع» بدل «بهذا» : بذا.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٦) في «ش» : من.

(٧) في «ف» : المهدى إليه.

(٨) في «ش» بدل «من» : أنّ.

(٩) في «ف» ، «ن» و «م» : المهدى إليه.

٥٧٨

وهل يجب مراعاة الأصلح أم لا؟

وجهان (١). قال الشهيد رحمه‌الله في القواعد : هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه ، أو يكفي نفي المفسدة؟ يحتمل الأوّل ؛ لأنّه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك على حاله ، ولأنّ النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميات لا تكاد تقع غاية. وعلى هذا ، هل يتحرّى الأصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان : نعم ، لمثل ما قلنا ، لا ؛ لأنّ ذلك لا يتناهى.

وعلى كلّ تقدير : لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة ، لم يجز العدول عن الأصلح ، ويترتّب على ذلك : أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة ، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ؛ وغير ذلك (٢) ، انتهى.

الظاهر أنّ فعل الأصلح في مقابل ترك التصرّف رأساً غير لازم ؛ لعدم الدليل عليه ، فلو كان مال اليتيم موضوعاً عنده وكان الاتّجار به أصلح منه ، لم (٣) يجب إلاّ إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية ، بأن يراد : لا تختاروا في مال اليتيم أمراً من الأفعال أو التروك إلاّ أن يكون أحسن من غيره ، وقد عرفت الإشكال في استفادة هذا المعنى ، بل الظاهر التصرّفات الوجوديّة فهي المنهيّ عن جميعها ، إلاّ (٤)

__________________

(١) عبارة : «وهل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا؟ وجهان» ، لم ترد في «ف».

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٣٥٢ ، القاعدة ١٣٣.

(٣) حرف النفي لم يرد في غير «ش» ، وفي نسخة بدل «ش» ومصحّحة «ن» ، «خ» و «ص» : لا.

(٤) في «ش» بدل «إلاّ» : لا.

٥٧٩

ما كان أحسن من غيره ومن الترك ، فلا يشمل ما إذا كان (١) فعلٌ أحسن من الترك.

نعم ، ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة ، وأمّا إذا كان في الترك مفسدة ودار الأمر بين أفعالٍ بعضها أصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ، بل ربما يعدّ العدول في بعض المقامات إفساداً ، كما إذا اشتُري في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين ، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفساداً للمال ، لو (٢) ارتكبه عاقل عدّ سفيهاً ليس فيه ملكة إصلاح المال ، وهذا هو الذي أراده الشهيد بقوله : ولو ظهر في الحال .. إلخ (٣).

نعم ، قد لا يعدّ العدول من السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة ، وكان بيعه في بلد آخر أصلح (٤) مع إعطاء الأُجرة منه أن ينقله إليه والعلم بعدم الخسارة (٥) ؛ فإنّه قد (٦) لا يعدّ ذلك سفاهة ، لكن ظاهر الآية وجوبه.

__________________

(١) في «ف» و «ن» زيادة : «الترك» ، ولكن شطب عليها في «ن».

(٢) في «ش» ومصحّحة «خ» : ولو.

(٣) راجع الصفحة السابقة.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «خ» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : أو كان بيعه في بلد آخر مع إعطاء ..

(٥) في «ص» بعد كلمة «الخسارة» زيادة «أصلح» تصحيحاً.

(٦) لم ترد «قد» في «ص».

٥٨٠