كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

وقوع المردود ، نظير إنكار الطلاق (١) الذي جعلوه رجوعاً ولو مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق ، على ما يقتضيه إطلاق كلامهم.

نعم ، لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفى هنا بطريق أولى ، كما عرفت (٢) ، لكن لم يثبت ذلك هناك (٣) ، فالمسألة محلّ إشكال ، بل الإشكال في كفاية سابقه أيضاً ؛ فإنّ بعض المعاصرين يظهر منهم دعوى الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة (٤) ؛ ولذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها جاهلاً بفساده (٥) ، وقرّره في الإيضاح (٦) وجامع المقاصد (٧) على الإشكال.

حاصل الكلام فيما يتحقّق به الردّ

والحاصل : أنّ المتيقّن من الردّ هو الفسخ القولي ، وفي حكمه تفويت محلّ الإجازة بحيث لا يصحّ وقوعها على وجه يؤثّر من حين العقد.

وأمّا الردّ الفعلي وهو الفعل المنشأ به مفهوم (٨) الردّ فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به.

__________________

(١) هذا مثال للمنفيّ ، لا النفي.

(٢) عرفت الأولوية في الصفحة السابقة.

(٣) في «م» و «ش» : هنا.

(٤) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٨.

(٥) القواعد ١ : ٢٥٩.

(٦) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٥٤.

(٧) جامع المقاصد ٨ : ٢٨٢.

(٨) كذا في «ش» ، وفي غيرها : المنشئ لمفهوم.

٤٨١

وأمّا مجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصدَ بقاء العقد من غير تحقّق مفهوم الردّ لعدم الالتفات إلى وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للأصل.

وفي حكم ما ذكرنا : الوكالة والوصاية ، ولكنّ الاكتفاء فيهما بالردّ الفعلي أوضح.

وأمّا الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار ، فهو منحصر باللفظ أو الردّ الفعلي.

وأمّا فعل ما لا يجامع صحّة العقد كالوطء والعتق والبيع (١) فالظاهر أنّ الفسخ بها من باب تحقّق القصد قبلها ، لا لمنافاتها لبقاء العقد ؛ لأنّ مقتضى المنافاة بطلانها ، لا انفساخ العقد ، عكس ما نحن فيه ، وتمام الكلام في محلّه.

ثمّ إنّ الردّ إنّما يثمر في عدم صحّة الإجازة بعده ، وأمّا انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضولي فلا يتوقّف على الردّ ، بل يكفي فيه عدم الإجازة ، والظاهر أنّ الانتزاع بنفسه ردّ مع القرائن الدالّة على إرادته منه ، لا مطلق الأخذ ؛ لأنّه أعمّ ، ولذا ذكروا أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقّق به.

__________________

(١) والبيع» من «ش» فقط.

٤٨٢

مسألة

حكم المالك مع المشتري لو لم يجز

لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، وإلاّ فله انتزاعه‌ ممّن وجده في يده مع بقائه ، ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها على الخلاف المتقدّم (١) في البيع الفاسد (٢) ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده بقيمته يوم التلف أو بأعلى القيم من زمانٍ وقع في يده.

ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر ، وفُرض زيادة القيمة عنده ، ثمّ نقصت عند الأخير ، اختصّ السابق بالرجوع بالزيادة عليه ، كما صرّح به جماعة في الأيدي المتعاقبة (٣).

حكم المشتري مع الفضولي

هذا كلّه حكم المالك مع المشتري ، وأمّا حكم المشتري مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه (٤) تارة في الثمن ، وأُخرى في ما يغرمه للمالك‌

__________________

(١) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المقدّم.

(٢) راجع الصفحة ٢٠١ ٢٠٨ (الثالث من الأُمور المتفرّعة على المقبوض بالعقد الفاسد).

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٢ والتذكرة ٢ : ٣٧٧ ، والشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٥ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٩.

(٤) لم ترد «فيه» في «ف».

٤٨٣

زائداً على الثمن ، فهنا مسألتان :

الاولى

رجوع المشتري إلى الفضولي بالثمن إن كان جاهلاً بكونه فضولياً

أنّه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلاً بكونه فضوليّاً ، سواء كان باقياً أو تالفاً ، ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكاً ؛ لأنّ اعترافه مبنيّ على ظاهر يده ، نعم لو اعترف به على وجهٍ يعلم عدم استناده إلى اليد كأن يكون اعترافه (١) بذلك بعد قيام البيّنة لم يرجع بشي‌ء. ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد أو إلى غيره ، ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد أو بظاهر لفظ «الإقرار» من دلالته على الواقع وجهان.

لو كان عالماً بكونه فضولياً وكان الثمن باقياً

وإن كان عالماً بالفضوليّة ، فإن كان الثمن باقياً استردّه وفاقاً للعلاّمة (٢) وولده (٣) والشهيدين (٤) والمحقّق الثاني (٥) رحمهم‌الله ؛ إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعاً ، ومجرّد تسليطه عليه لو كان موجباً لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد ؛ لتسليط كلٍّ من المتبايعين صاحبَه على ماله ، ولأنّ الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك كما هو المشهور ـ

__________________

(١) في «ف» : كأن اعترف.

(٢) القواعد ١ : ١٢٤ والتذكرة ١ : ٤٦٣.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٨ و ٤٢١.

(٤) الدروس ٣ : ١٩٣ ، واللمعة الدمشقية : ١١٠ ، والروضة البهية ٣ : ٢٣٤ ٢٣٥ ، والمسالك ٣ : ١٦٠ ١٦١.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٧٧.

٤٨٤

يستلزم تملّك المالك للثمن ، فإنّ تملّكه البائع قبله يلزم فوات محلّ الإجازة ؛ لأنّ الثمن إنّما ملكه الغير ، فيمتنع تحقّق الإجازة ، فتأمّل.

حكم ما لو كان الثمن تالفاً

وهل يجوز للبائع التصرّف فيه؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما العدم ؛ لأنّه أكل مالٍ بالباطل.

المشهور عدم الرجوع

هذا كلّه إذا كان باقياً ، وأمّا لو كان تالفاً ، فالمعروف عدم رجوع المشتري ، بل المحكي (١) عن العلاّمة (٢) وولده (٣) والمحقّق (٤) والشهيد (٥) الثانيين وغيرهم (٦) الاتّفاق عليه ، ووجهه كما صرّح به بعضهم كالحلي (٧) والعلاّمة (٨) وغيرهما (٩) ويظهر من آخرين (١٠) أيضاً (١١) ـ : أنّه سلّطه على

__________________

(١) لم نعثر على الحاكي بعينه ، نعم حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٩٣ ١٩٤) ما يظهر منه هذا ، وراجع الجواهر ٢٢ : ٣٠٥ ٣٠٦.

(٢) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ، والمختلف ٥ : ٥٥ ٥٦.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢١.

(٤) انظر جامع المقاصد ٤ : ٧٧ و ٦ : ٣٢٦.

(٥) انظر المسالك ٣ : ١٦٠ ، والروضة البهية ٣ : ٢٣٥.

(٦) مثل المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٩٢ ، وكاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٦٤ وغيرهما.

(٧) راجع السرائر ٢ : ٢٢٦ و ٣٢٥.

(٨) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ونهاية الإحكام ٢ : ٤٧٨.

(٩) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٦٠ والروضة البهيّة ٣ : ٢٣٥ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٣ ، وانظر الجواهر ٢٢ : ٣٠٥.

(١٠) في «ش» : من آخر.

(١١) كلمة «أيضاً» من «ش» ومصحّحة «ن».

٤٨٥

ماله بلا عوض.

توضيح ما استدلّ به المشهور

توضيح ذلك : أنّ الضمان إمّا لعموم «على اليد ما أخذت» (١) ، وإمّا لقاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ (٢) وغيره (٣) على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه.

والأوّل مخصَّص بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه إليه لحفظه كما في الوديعة (٤) ، أو الانتفاع به

كما في العارية (٥) (٦) ، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة (٧) ، فإنّ الدفع على هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط على التصرّف فيه وإتلافه له ممّا لا يوجب ذلك بطريق أولى.

ودعوى : أنّه إنّما سلّطه في مقابل العوض ، لا مجّاناً حتّى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدّم عدم الضمان فيها.

مندفعة : بأنّه إنّما سلّطه في مقابل ملك غيره ، فلم يُضمّنه في الحقيقة شيئاً من كيسه ، فهو يشبه الهبة الفاسدة والبيع بلا ثمن‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٢) راجع المبسوط ٣ : ٨٥ و ٨٩ ، وتقدّم في الصفحة ١٨٢ من هذا الكتاب.

(٣) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٦١ و ٦ : ٣٢٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٢٢٧ ، الباب ٤ من أبواب كتاب الوديعة.

(٥) في «ف» : كالعارية.

(٦) انظر الوسائل ١٣ : ٢٣٥ و ٢٣٩ ، الباب ١ و ٣ من أبواب كتاب العارية.

(٧) انظر الوسائل ١٣ : ٢٨١ ، الباب ٣٢ من أبواب الإجارة وغيره من الأبواب.

٤٨٦

والإجارة بلا أُجرة ، التي قد حكم الشهيد وغير واحد (١) بعدم الضمان فيها.

ومن ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان وهو الإقدام على الضمان هنا ؛ لأنّ البائع لم يُقدم على ضمان الثمن إلاّ بما علم المشتري أنّه ليس ملكاً له.

فإن قلت : تسلّطه (٢) على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه ولو عدواناً على كونه ملكاً له ، ولو لا هذا البناء لم يتحقّق مفهوم المعاوضة (٣) كما تقدّم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه (٤) فهو إنّما سلّطه على وجه يضمّنه بماله ، إلاّ أنّ كلاّ منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكيّة البائع للمثمن (٥) ، وتعاقدا مُعرِضَين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السرّاق والظلمة بل بنى المشتري على كون المثمن ملكاً للبائع ، فالتسليط ليس مجّاناً ، وتضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقيّ ، إلاّ أنّ كون المثمن مالاً له ادّعائيّ ،

__________________

(١) لم نعثر في الهبة الفاسدة على شي‌ء من الشهيد ولا من غيره ، وأمّا في البيع بلا ثمن وفي الإجارة بلا اجرة فقد تقدّم في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد عن الشهيدين والعلاّمة عدم الضمان ، راجع الصفحة ١٨٦.

(٢) في مصحّحة «م» : تسليطه.

(٣) في «ف» زيادة : «والمبادلة» ، وفي هامش «ن» : والمبادلة خ.

(٤) تقدّم في الصفحة ٣٨١ وما بعدها.

(٥) في غير «ص» و «ش» : «للثمن» ، لكن صحّح في «ن» بما أثبتناه ، واختلفت النسخ في هذه الكلمة في السطور الآتية أيضاً ، أعرضنا عن الإشارة إليها اعتماداً على صحّة ما أثبتناه.

٤٨٧

فهو كما لو ظهر المثمن المعيّن ملكاً للغير ، فإنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتّفاقاً ، مع أنّه إنّما ضمّنه الثمن بإزاء هذا الشي‌ء الذي هو مال الغير ، فكما أنّ التضمين هنا حقيقي ، وكون المثمن مالاً له اعتقاديّ لا يقدح تخلّفه في التضمين ، فكذلك بناء المشتري في ما نحن فيه على ملك المثمن عدواناً لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله.

قلت : الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن وخسارته عليه ، وإذا كان المضمون به ملكاً لغير الضامن واقعاً فلا يتحقّق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك.

وما ذكر : من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكاً للبائع الغاصب مع كونه مال الغير ، فهو إنّما يُصحّح وقوع عقد التمليك والتملّك منهما ادّعاءً مع عدم كون البائع أهلاً لذلك في الواقع ، وإلاّ فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما ؛ ولذا ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ويدخل في ضمانه بمجرّد الإجازة.

والحاصل : أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن ، وأمّا رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكيّة (١) البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ مع أنّه إنّما ضمّنه بمال الغير فلعدم طيب نفسه على تصرّف البائع فيه من دون ضمان ، وإن كان ما ضمنه به غير ملك له ولا يتحقّق به التضمين ؛ لأنّه إنّما طاب نفسه بتصرّف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكاً له وصيرورته مباحاً له بتسليطه عليه ، وهذا مفقود فيما‌

__________________

(١) كذا في «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : لملكيّة.

٤٨٨

نحن فيه ؛ لأنّ طيب النفس بالتصرّف والإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل.

لا ينتقض ما نحن فيه بالعلم بفساد البيع

وممّا ذكرنا يظهر أيضاً فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشتري بالفساد ، حيث إنّه ضمّن البائع بما يعلم أنّه لا يضمن الثمن به ، وكذا البائع مع علمه بالفساد ضمّن المشتري بما يعلم أنّ (١) المشتري لا يضمن به ، فكأنه لم يضمّنه بشي‌ء.

وجه الفساد : أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا ؛ لأنّ المضمون به مال الضامن ، غاية الأمر أنّ فساد العقد مانع عن مضيّ هذا الضمان والتضمين في نظر الشارع ؛ لأنّ المفروض فساده ، فإذا لم يمضِ الشارع الضمان الخاصّ صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقي ، أو قاعدة إثبات اليد على مال من دون تسليط مجاني أو استئمان عن مالكه ، موجباً لضمانه على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه (٢) وشي‌ء منهما غير موجود فيما نحن فيه ، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه (٣) ، وحاصله : أنّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلاّ كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكاً للمبيع وتسليطه على إتلافه ، في أنّ ردّ المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث (٤).

نعم ، لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك كالخمر‌

__________________

(١) في «ع» وظاهر «ن» بدل «أنّ» : «إذ» ، وفي مصحّحتي «م» و «ن» : أنّ.

(٢) راجع الصفحة ١٨٨ ١٩١.

(٣) راجع الصفحة ٤٨٦ ٤٨٧.

(٤) في «ف» زيادة : أو السلطنة على إتلافه.

٤٨٩

والخنزير والحرّ قوي اطّراد ما ذكرنا فيه : من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال ، كما صرّح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد (١).

مختار المؤلف ، والدليل عليه

هذا ، ولكن (٢) إطلاق قولهم : «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه وشبهه ؛ نظراً إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان ففاسده كذلك ، إلاّ أن يفسّر بما أبطلناه سابقاً : من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده (٣) ، ولا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه وفي مثل المبيع (٤) بلا ثمن والإجارة بلا اجرة إذا فرض صحيحاً لا يكون فيه (٥) ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد ، لكنّك عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقاً في توضيح هذه القضيّة ؛ فإنّ معناه : أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ، فيختصّ موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليّان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحاً وأُخرى فاسداً.

نعم ، يمكن تطبيق المعنى المختار فيما نحن فيه وشبهه ، بأن لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع والصلح بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها‌

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) : ٦٨.

(٢) في «ف» زيادة : مقتضى.

(٣) سبق إبطاله في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ، راجع الصفحة ١٨٦.

(٤) في مصحّحة «م» : البيع.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فيها.

٤٩٠

فردان صحيح وفاسد ، فيقال : إنّ ما نحن فيه والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر ، والفرد الصحيح من هذه المعاملة وهي الهبة الغير المعوّضة لا ضمان فيها ، ففاسدها كذلك ، فتأمّل.

المناقشة في مستند المشهور

وبالجملة ، فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض ؛ ولذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتّفاقهم عليه هنا (١) ، وصرّح بعضهم (٢) بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. نعم ، ذكر الشهيد رحمه‌الله وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة (٣).

ويؤيّد ما ذكرنا : ما دلّ من الأخبار على كون ثمن الكلب أو الخمر سحتاً (٤) ، وإن أمكن الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه في التحريم ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن : ثبوت‌

__________________

(١) لم ترد «هنا» في غير «ف» و «ش» ، واستُدركت في «ن».

(٢) صرّح به المحقّق في الشرائع ٤ : ٧٨ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٠٥ ، وفي المستند (٢ : ٥٢٧) هكذا : على المصرّح به في كلام الأصحاب بل نفي الخلاف بيننا عليه.

(٣) تقدّم عن الشهيدين في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد (راجع الصفحة ١٨٦) ، واستحسنه السيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٨ فيما لو اشترط عدم الأُجرة.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٦١ و ٨٣ ، الباب ٥ و ١٤ من أبواب ما يكتسب به ، وغيرهما من الأبواب.

٤٩١

ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي عن المالك وأخذ الثمن لكونه واسطة في الايصال

الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائعٍ لنفسه ، بل باع عن المالك ودفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلى المالك فتلف في يده ؛ إذ لم يسلّطه عليه ولا أذن له في التصرّف فيه ، فضلاً عن إتلافه ، ولعلّ كلماتهم ومعاقد اتّفاقهم تختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، وإن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة. وكذا يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري ، بل أخذه بناءً على العقد الواقع بينهما ؛ فإنّه لم يحصل هنا من المشتري تسليط (١) إلاّ بالعقد ، والتسليط العقدي مع فساده غير مؤثّر في دفع (٢) الضمان ، ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم (٣) بإباحة تصرّف البائع الغاصب (٤) فيه مع اتّفاقهم ظاهراً على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

ثبوت الرجوع ـ أيضاً ـ لو أخذ الثمن من دون إذن المشتري

وكذا يقوى الضمان لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العينَ صاحبها.

ولو كان الثمن كليّاً فدفع إليه المشتري بعض أفراده ، فالظاهر عدم الرجوع ؛ لأنّه كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّاناً.

__________________

(١) في غير «ص» و «ش» : «تسلّط» ، لكن صحّح في «ن» و «م» بما أثبتناه.

(٢) في «ص» : رفع.

(٣) لم نقف على المصرّح بهذا ، نعم نسبه في جامع المقاصد ٤ : ٧١ إلى الأصحاب ، وفي الجواهر ٢٢ : ٣٠٧ نسبة جواز التصرّف إلى ظاهر المحقّق الكركي وغيره.

(٤) كلمة «الغاصب» من «ش» ومصحّحة «ن».

٤٩٢

المسألة الثانية

حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن :

فإمّا أن يكون في (١) مقابل العين ، كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ، كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين والثمن عشرة.

وإمّا أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري ، كسكنى الدار ووطء الجارية واللبن والصوف والثمرة. وإمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع ، كالنفقة وما صرفه في العمارة ، وما تلف منه أو ضاع من الغرس والحفر ، أو إعطائه قيمةً للولد المنعقد حرّا ونحو ذلك ، أو نَقَص من الصفات والأجزاء.

لو كان عالماً بالفضولية

ثمّ المشتري ، إن كان عالماً فلا رجوع في شي‌ءٍ من هذه الموارد ؛ لعدم الدليل عليه.

لو كان جاهلاً بالفضولية

وإن كان جاهلاً ، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض (٢) وعن الكفاية (٣) ـ : رجوع المشتري الجاهل بها على البائع ، بل في كلام بعض (٤) تبعاً للمحكي عن فخر الإسلام في‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : من.

(٢) الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٣) الكفاية : ٢٦٠ ، وفيه : «وذكر الأصحاب .. إلخ» ، كما نقله عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.

(٤) مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.

٤٩٣

ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة

شرح الإرشاد (١) دعوى الإجماع على الرجوع بما (٢) لم يحصل في مقابله نفع.

وفي السرائر (٣) : أنّه يرجع قولاً واحداً (٤) ، و (٥) في كلام المحقّق (٦) والشهيد (٧) الثانيين في كتاب الضمان ـ : نفي الإشكال عن ضمان البائع لدرك ما يُحدثه المشتري إذا قلعه (٨) المالك.

وبالجملة ، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة ؛ للغرور فإنّ البائع مغرِّر للمشتري وموقِع إيّاه في خطرات الضمان ومتلِف عليه ما يغرمه ، فهو كشاهد الزور الذي يُرجع إليه إذا رجع عن (٩) شهادته ولقاعدة نفي الضرر ، مضافاً إلى ظاهر رواية جميل أو فحواها : «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمّ يجي‌ء مستحقّ الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أُخذت منه» (١٠) فإنّ حريّة ولد‌

__________________

(١) لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.

(٢) في غير «ف» و «ش» بدل «بما» : ما.

(٣) في «ش» : ير (رمز التحرير) ، وانظر التحرير ٢ : ١٤٢.

(٤) السرائر ٢ : ٤٩٣.

(٥) الواو» من «ف» و «ش».

(٦) جامع المقاصد ٥ : ٣٤٠.

(٧) المسالك ٤ : ٢٠٥.

(٨) في «خ» و «ع» كتب على «قلعه» : تلفه خ ، وفي «ص» : أتلفه خ.

(٩) كذا في «م» ، وفي سائر النسخ : من.

(١٠) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٥.

٤٩٤

المشتري إمّا أن يعدّ نفعاً عائداً إليه أو لا ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب ، مع أنّ في توصيف قيمة الولد بأنّها «أُخذت منه» نوع إشعار بعليّة (١) الحكم ، فيطّرد في سائر ما أُخذت (٢) منه.

توجيه بعض الروايات الساكتة عن رجوع المشتري إلى البائع

وأمّا السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار ، فهو لعدم كونه مسوقاً لذلك.

كرواية زرارة : «في رجلٍ اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه (٣) أولاداً ، ثمّ أتاها من يزعم أنّها له وأقام على ذلك البيّنة ، قال : يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» (٤).

ورواية زريق ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوماً إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : إنّه كان عليّ مالٌ لرجل من بني عمّار ، وله بذلك ذكر حقٍّ (٥) وشهود ، فأخذ المال ولم أسترجع عنه (٦) الذكر بالحقّ ، ولا كتبت عليه كتاباً ، ولا أخذت منه براءة بذلك ؛ وذلك لأني وثقت به ، وقلت له : مزّق الذكر بالحقّ الذي عندك ، فمات وتهاون‌

__________________

(١) كذا في «ن» ، واستظهر في «ص» ، وفي سائر النسخ : لعلّية.

(٢) كذا ، والمناسب : ما أخذ.

(٣) في «ف» : فولد منها.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٤.

(٥) ذكر الحقّ» : الوثيقة التي يُذكر فيها الدين ، انظر لسان العرب ٧ : ٣٧٩ ، والإفصاح : ١٢٠٨.

(٦) في الوسائل : منه.

٤٩٥

بذلك ولم يمزّقه ، وعقيب هذا طالبني بالمال ورّاثُه وحاكموني وأخرجوا بذلك ذكر الحقّ (١) ، وأقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم ، فأُخذت بالمال ، وكان المال كثيراً ، فتواريت عن الحاكم ، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشةً لي وقبض القوم المال ، وهذا رجل من إخواننا ابتُلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم قد قبض المال ، وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ويعطونه الثمن في أنجم معلومة ، فقال : إنّي أُحبّ أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذا.

فقال الرجل يعني المشتري ـ : كيف أصنع جعلت فداك؟ قال : تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها.

قال : فإذا فعلت ذلك ، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة من ثمن الثمار ، وكلّ ما كان مرسوماً في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن تردّ ذلك ، إلاّ ما كان من زرعٍ زرعته أنت ، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع ، وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ، فإن لم يفعل ذلك (٢) كان ذلك له ، وردّ عليك القيمة وكان الزرع له.

قلت : جعلت فداك! فإن كان هذا قد أحدث فيها بناءً أو غرساً (٣)؟

__________________

(١) في الوسائل : الذكر بالحقّ.

(٢) لم ترد «ذلك» في الوسائل ، وشطب عليها في «ص».

(٣) في الوسائل : قد أحدث فيها بناء وغرس.

٤٩٦

قال : له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث بعينه (١) يقلعه ويأخذه.

قلت : أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقُلع الغرس وهُدم البناء؟ فقال : يردّ (٢) ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض ، فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلاّتها على (٣) صاحبها وردّ البناء والغرس وكلَّ محدث إلى ما كان ، أو ردّ القيمة كذلك ، يجب على صاحب الأرض أن يردّ عليه (٤) كلّ ما خرج عنه (٥) في إصلاح المعيشة ، من قيمة غرسٍ أو بناءٍ أو نفقةٍ في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب عنها (٦) ، كلّ ذلك فهو (٧) مردود إليه» (٨).

وفيه مع أنّا نمنع ورودها (٩) إلاّ في مقام حكم المشتري مع المالك ـ : أنّ السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل ، مع أنّ (١٠)

__________________

(١) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ن» ، «م» ، «ع» و «ش» : نفسه.

(٢) في «ف» ، «م» و «ع» : ترد.

(٣) في الوسائل ومصحّحة «م» و «ص» : إلى.

(٤) عبارة «أن يردّ عليه» من الوسائل ، وقد استدركت في هامش «خ» ، «م» ، «ص» و «ش».

(٥) كذا في الوسائل ومصحّحة «ص» ، وفي النسخ : منه.

(٦) كلمة «عنها» من الوسائل ، واستدركت في «م» و «ص».

(٧) كلمة «فهو» من الوسائل ، واستدركت في «م» و «ص».

(٨) في النسخ زيادة : «إلخ» ، والظاهر أنّه لا وجه له ، لأنّ الحديث مذكور بتمامه ، انظر الوسائل ١٢ : ٢٥٣ ، الباب ٣ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٩) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : «ورودهما» كما في مصحّحة «ن».

(١٠) في «ش» : أنّه.

٤٩٧

رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع ، مع أنّ البائع في قضيّة زريق هو القاضي ، فإن كان قضاؤه صحيحاً لم يتوجّه إليه غرم ؛ لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّاً (١) من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها ، وإن كان قضاؤه باطلاً كما هو الظاهر فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه في أُمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة

وأمّا الثاني ، وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء ، ففي الرجوع بها خلاف ، أقواها (٢) الرجوع ؛ وفاقاً للمحكيّ عن المبسوط (٣) والمحقّق (٤) والعلاّمة في التجارة (٥) والشهيدين (٦) والمحقّق‌

__________________

(١) في «ع» و «ص» : غارماً.

(٢) كذا ، ولعلّ الأولى : أقواهما.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩ و ٦ : ٣٠١ عن موضع من المبسوط ، ولم نعثر عليه فيه ، وفي الإيضاح (٢ : ١٩١) والتنقيح (٤ : ٧٥) أنّ للشيخ قولين ، ولكنّ الشهيد الثاني في المسالك (٢ : ٢١٣) الطبعة الحجرية حكى عن الشيخ في المبسوط : العدم ، ومثله المحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٦٠ والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٤) حكاه الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٣ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٧ وغيرهما عن متاجر الشرائع ، انظر الشرائع ٢ : ١٤.

(٥) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٣٠١ ، عن ظاهر القواعد في المتاجر ، وانظر القواعد ١ : ١٢٤.

(٦) الدروس ٣ : ١١٥ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٣٨ ، والمسالك ٣ : ١٦٠.

٤٩٨

الثاني (١) وغيرهم (٢) ، وعن التنقيح : أنّ عليه الفتوى (٣) ؛ لقاعدة الغرور المتّفق عليها ظاهراً في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل فأكله.

ويؤيّده : قاعدة نفي الضرر ؛ فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من دون عوض مغروراً من آخر بأنّ له ذلك مجّاناً ، من دون الحكم برجوعه إلى من غرّه ، في ذلك ضرر عظيم ، ومجرّد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر.

وكيف كان ، فصدق الضرر وإضرار الغارّ به ممّا لا يخفى ، خصوصاً في بعض الموارد.

فما في الرياض : من أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام ؛ لوصول العوض إلى المشتري (٤) ، لا يخلو عن شي‌ء.

مضافاً إلى ما قيل عليه : من منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور ، بل هي مبنيّة على قوّة السبب على المباشر (٥).

لكنّه لا يخلو من نظر ؛ لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصّة والإجماع بصورة الضرر.

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٣٢٦.

(٢) كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٩١ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٦٤ ، وغيرهما.

(٣) التنقيح ٤ : ٧٥.

(٤) الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٥) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ١٨٣.

٤٩٩

وأمّا قوّة السبب على المباشر ، فليست بنفسها دليلاً على رجوع المغرور ، إلاّ إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفاً إليه ، كما في المُكْرَه وكما في الريح العاصف الموجب للإحراق ، والشمس الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها.

والمتّجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلاً ، كما نُسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره (١) ؛ لكون المباشر بمنزلة الآلة ، وأمّا في غير ذلك فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا بدّ من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر ، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى (٢) ، أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرّقة (٣) ، أو كون الغارّ سبباً في تغريم المغرور ، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ بشهادته (٤).

ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه ، أمّا الأخير فواضح ، وأمّا الأوّل فقد (٥) عرفته ، وأمّا الإجماع والأخبار فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة ، إلاّ أنّ تحقّقهما (٦) في نظائر المسألة كافٍ ، فإنّ‌

__________________

(١) نسبه صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٥٧.

(٢) الإيضاح ٢ : ١٩١.

(٣) منها ما تقدّم في الصفحة ٤٩٤ وما بعدها.

(٤) في غير «ف» و «ن» : «لشهادته» ، راجع الوسائل ١٨ : ٢٣٨ و ٢٤٢ ، الباب ١١ و ١٤ من أبواب الشهادات.

(٥) في «ف» ، «ن» و «خ» : قد.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «تحقّقها» ، لكن صحّحت في «ن» ، «م» و «ص» بما أثبتناه.

٥٠٠