كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

الأوّل تستلزم كون المال ملكاً للمالك والمشتري في زمان» ممنوع (١) ، بل صحّته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي (٢).

نعم ، إنّما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادّعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد ، ولكن هذا أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث وقد تقدّم منعه (٣) ، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر ، كما لا يخفى.

نعم ، يبقى في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف ، وهو كون الملك حال الإجازة للمجيز والمشتري معاً ، وهذا إشكال آخر تعرّض لاندفاعه (٤) أخيراً ، غير الإشكال الذي استنتجه من المقدّمات المذكورة ، وهو لزوم كون الملك للمالك الأصلي وللمشتري (٥).

نعم ، يلزم من ضمّ هذا الإشكال العامّ إلى ما يلزم في المسألة على القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاّك ثلاثة على ملك واحد قبل العقد الثاني ؛ لوجوب التزام مالكيّة المالك الأصلي حتّى يصحّ العقد الثاني ، ومالكية (٦) المشتري له لأنّ الإجازة تكشف عن ذلك ، ومالكية (٧) العاقد له لأنّ ملك المشتري لا بدّ أن يكون عن ملكه ، وإلاّ لم ينفع‌

__________________

(١) في غير «ص» و «ش» : ممنوعة.

(٢) في مصحّحة «خ» : الفعلي.

(٣) تقدّم في الصفحة ٤٣٨.

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «لدفعه» ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٥) في «ف» : والمشتري.

(٦) في غير «ش» : ملكيّة.

(٧) في النسخ : ملكيّة.

٤٤١

إجازته في ملكه من حين العقد ؛ لأنّ إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير إلى غيره.

ثمّ إنّ ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يُسمن ولا يغني ؛ لأنّ الإجازة إذا وقعت ، فإن كشفت عن ملك (١) المشتري قبلها كشفت عمّا يبطلها ؛ لأنّ الإجازة لا تكون إلاّ من المالك الواقعي ، والمالك الظاهري إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكاً حين الإجازة ؛ ولذا لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته (٢) ؛ لأنّ المالكية من الشرائط الواقعيّة دون العلميّة.

ثمّ إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني من كفاية الملك الصوري (٣) في الأوّل دون الثاني تحكّمٌ صِرف ، خصوصاً مع تعليله بأنّ الإجازة رفع لليد وإسقاط للحقّ ، فليت شعري! أنّ إسقاط الحقّ كيف (٤) يجدي وينفع مع عدم الحقّ واقعاً؟! مع أنّ الإجازة رفع لليد (٥) عن (٦) الملك أيضاً بالبديهة.

والتحقيق : أنّ الإشكال إنّما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقاً في كاشفية الإجازة على الوجه المشهور (٧) من كونها شرطاً متأخّراً‌

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «ذلك» ، وصحّحت فيما عدا الأخير ب «ملك».

(٢) في «ف» : «لم ينفع» ، بدون كلمة «إجازته».

(٣) في «ش» : الظاهري.

(٤) كلمة «كيف» من «ش» وهامش «م».

(٥) في غير «ش» : اليد.

(٦) في غير «ف» : من.

(٧) راجع الصفحة ٤٠٨.

٤٤٢

يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدّم من زمانه.

الايراد الخامس ، وجوابه

الخامس (١) : أنّ الإجازة المتأخّرة لمّا كشفت عن صحّة العقد الأوّل وعن كون المال ملك المشتري الأوّل ، فقد وقع العقد الثاني على ماله ، فلا بدّ من إجازته له (٢) كما لو بيع المبيع من شخصٍ آخر فأجاز المالك البيعَ الأوّل ، فلا بدّ من إجازة المشتري البيع الثاني حتّى يصحّ ويلزم ، فعلى هذا يلزم توقّف إجازة كلٍّ من الشخصين على إجازة الآخر ، وتوقّف صحّة كلٍّ من العقدين (٣) على إجازة المشتري الغير الفضولي ، وهو من الأعاجيب! بل من المستحيل ؛ لاستلزام ذلك عدم تملّك المالك الأصلي (٤) شيئاً من الثمن والمثمن ، وتملّك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان ، ودون تمامه إن زاد الأوّل ، ومع زيادة إن نقص (٥) ؛ لانكشاف وقوعه في ملكه (٦) فالثمن له ، وقد كان المبيع له أيضاً بما بذله من الثمن ، وهو ظاهر.

والجواب عن ذلك : ما تقدّم في سابقه من ابتنائه على وجوب‌

__________________

(١) هذه تتمّة كلام المحقّق التستري في المقابس.

(٢) كلمة «له» من «ف».

(٣) كذا في «ش» والمصدر وهامش «ن» ، وفي «ف» : العقد ، وفي سائر النسخ : العقد والإجازة.

(٤) كذا في «ف» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : الأصيل.

(٥) العبارة في «ف» هكذا : أو زاد الأوّل مع زيادة ؛ لانكشاف ..

(٦) لم ترد «في ملكه» في غير «ش» ، إلاّ أنّها استدركت في «ن» ، «خ» و «م».

٤٤٣

كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد ، وهو ممنوع.

والحاصل : أنّ منشأ الوجوه الثلاثة (١) الأخيرة شي‌ء واحد ، والمحال على تقديره مسلّم بتقريرات مختلفة قد نبّه عليه في الإيضاح (٢) وجامع المقاصد (٣).

الايراد السادس ، وجوابه

السادس : أنّ من المعلوم أنّه يكفي في إجازة المالك وفسخه فعل (٤) ما هو من لوازمهما‌ (٥) ، ولمّا (٦) باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه وتملّك الثمن ، وهو لا يجامع صحّة العقد الأوّل ، فإنّها تقتضي تملّك (٧) المالك للثمن الأوّل ، وحيث وقع الثاني يكون فسخاً له وإن لم يعلم بوقوعه ، فلا يجدي الإجازة المتأخّرة.

وبالجملة ، حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة بل أولى منها ، فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها فكذلك (٨) عقد الفضولي.

والجواب : أنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه ، وأمّا الفعل‌

__________________

(١) لم ترد «الثلاثة» في «ش».

(٢) انظر إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٧٣ ٧٤.

(٤) في «ف» : نقل.

(٥) في «ف» و «ش» : لوازمها.

(٦) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «خ» و «ش» ونسخة بدل «ع» : «ولو» ، وفي «ص» : فلمّا.

(٧) في غير «ش» : ملك.

(٨) في غير «ف» : كذلك.

٤٤٤

المنافي لمضيّه كتزويج المعقودة فضولاً نفسها من آخر وبيع المالك ماله (١) المبيع فضولاً من آخر فليس فسخاً له ، خصوصاً مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضولي ، غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمضيّ العقد مفوِّت لمحلّ الإجازة ، فإذا فرض وقوعه صحيحاً فات محلّ الإجازة ويخرج العقد عن قابليّة الإجازة ، إمّا مطلقاً كما في مثال التزويج ، أو بالنسبة إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع ، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل ، فللمالك الثاني أن يجيز.

نعم ، لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعاً ، ولعموم تسلّط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها.

فالحاصل : أنّه إن أُريد من كون البيع الثاني فسخاً : أنّه إبطال لأثر العقد في الجملة ، فهو مسلّم ، ولا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلاً بالنسبة إلى المالك الثاني ، فيكون له الإجازة ، وإن أُريد أنّه إبطال للعقد رأساً ، فهو ممنوع ؛ إذ لا دليل على كونه كذلك ، وتسمية مثل ذلك الفعل ردّاً في بعض الأحيان ؛ من حيث إنّه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعله بحيث يكون الإجازة منه بعده لغواً.

نعم ، لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل (٢) فسخَ العقد بحيث يعدّ فسخاً فعليّاً ، لم يبعد كونه كالإنشاء بالقول ، لكنّ الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب ؛ إذ المقصود أنّ مجرّد بيع المالك لا يوجب بطلان‌

__________________

(١) في غير «ش» بدل «ماله» : «له» ، وشطب على «له» في «ص».

(٢) لم ترد «الفعل» في «ف».

٤٤٥

العقد ؛ ولذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد على حاله من قابليّة لحوق الإجازة.

وأمّا الالتزام في مثل الهبة والبيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرّد الفعل المنافي ؛ فلأنّ صحّة التصرّف المنافي يتوقّف على فسخ العقد ، وإلاّ وقع في ملك الغير ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ تصرّف المالك في ماله المبيع فضولاً صحيح في نفسه لوقوعه في ملكه ، فلا يتوقّف على فسخه ، غاية الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة.

ومن ذلك يظهر ما في قوله رحمه‌الله أخيراً : «وبالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة ، بل أولى» ؛ فإنّ قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث ، على المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق ، فضلاً عن دعوى الأولويّة ، وسيجي‌ء (١) مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقّق به الردّ.

الايراد السابع

السابع (٢) : الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس عندك‌ (٣) ، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقاً‌

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٤٧٧.

(٢) الوجوه التي ذكرها المحقّق التستري هي الستّة المتقدّمة ، وما نقله عنه المؤلف قدس‌سره بعنوان «السابع» ليس في عداد الوجوه المذكورة ، بل هو استدلال من المحقّق التستري قدس‌سره على ما اختاره ، راجع مقابس الأنوار : ١٣٤ ١٣٥.

ثمّ إنّ العبارات الآتية أيضاً تغاير عبارة صاحب المقابس بنحوٍ يشكل إطلاق النقل بالمعنى عليه أيضاً.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٤ ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢ و ٥.

٤٤٦

بالنسبة إلى المخاطب وإلى المالك ، فيكون دليلاً على فساد العقد الفضولي ، وإمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة كما استظهرناه سابقاً (١) فيكون دالاّ على عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقاً ولو ملكه فأجاز ، بل الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع ، وإلاّ فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

وخصوص رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (٢) ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لي : اشتر لي هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها ، أُربحك كذا وكذا. قال : لا بأس بذلك ، اشترها ولا تواجبه البيع (٣) قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (٤).

ورواية خالد بن الحجّاج ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ويقول : اشتر هذا الثوب وأُربحك كذا وكذا. قال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس به ، إنّما يحلّل‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٦٨.

(٢) قال المامقاني قدس‌سره : هذه العبارة من المصنّف ، وليست عبارة المقابس هكذا إلى أن قال : ولا يظهر وجه لتغيير المصنّف رحمه‌الله عبارته إلى قوله : «المصحّحة إليه» ، وليس بين يحيى بن الحجّاج وبين أبي عبد الله عليه‌السلام واسطة أصلاً فكيف بالواسطة الغير المعتبرة! وليس مؤدّاها إلاّ كون الواسطة بينهما ممّن لا يوصف روايته بالصحّة (غاية الآمال : ٣٩٣).

(٣) في غير «ش» بدل «ولا تواجبه البيع» : «ولا تواجبها» ، ولكن صحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.

٤٤٧

الكلام ويحرّم الكلام» (١) بناءً على أنّ المراد بالكلام عقد البيع ، فيحلّل نفياً ويحرّم إثباتاً ، كما فهمه في الوافي (٢) ، أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء ويحرّم إذا وقع قبله ، أو أنّ الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم ويحلّل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة.

وصحيحة ابن مسلم ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجل ، فقال له : ابتع لي متاعاً لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله ، قال : ليس به بأس إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (٣).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أمر رجلاً ليشتري له متاعاً فيشتريه منه ، قال : لا بأس بذلك إنّما البيع بعد ما يشتريه» (٤).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : يجيئني الرجل فيطلب (٥) بيع الحرير ، وليس عندي شي‌ء فيقاولني عليه وأُقاوله في الربح والأجل حتّى نجتمع (٦) على شي‌ء ، ثمّ أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه ، فقال : أرأيت إن وجد مبيعاً هو (٧) أحبّ إليه ممّا‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الوافي ١٨ : ٧٠٠ ، ذيل الحديث ١٨١٤٤ ٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

(٥) في «ش» زيادة : منّي.

(٦) كذا في «ن» و «ص» ، والظاهر أنّهما مصحّحتان ، وفي سائر النسخ : يجتمع.

(٧) في غير «ش» : «هو مبيعاً» ، وفي الوسائل : إن وجد بيعاً هو.

٤٤٨

عندك ، أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك؟ أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف عنه (١) وتدعه؟ قلت : نعم. قال : لا بأس» (٢) ، وغيرها من الروايات.

ولا يخفى ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها ومن حيث التعليل في بعضها الآخر ـ : في عدم صحّة البيع قبل الاشتراء ، وأنّه يشترط في البيع الثاني تملّك البائع له واستقلاله فيه ، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام والتزام سابق بذلك المال.

الجواب عن الايراد السابع

والجواب عن العمومات (٣) : أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من البيع ، وهو النقل والانتقال المنجّز على بيع ما ليس عنده ، فلا يجوز ترتّب الأثر على هذا البيع ، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن ، ولا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع.

ومنه يظهر الجواب عن الأخبار ؛ فإنّها لا تدلّ خصوصاً بملاحظة قوله عليه‌السلام : «ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (٤) إلاّ على أنّ الممنوع منه هو الإلزام والالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء ، فكذا بعده من دون حاجة إلى إجازة ، وهي المسألة الآتية ، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة إلى الإجازة ،

__________________

(١) العبارة من قوله : «أيستطيع» إلى هنا مختلفة في النسخ ، وما أثبتناه من مصحّحة «ن» ، طبقاً للوسائل.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٧.

(٣) المشار إليها في الصفحة ٤٤٦ وما بعدها.

(٤) في رواية يحيى بن الحجّاج ، المتقدّمة في الصفحة ٤٤٧.

٤٤٩

وسيأتي أنّ الأقوى فيها البطلان (١).

وما قيل : من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل مفروض في مورد الروايات (٢) وهي إجازة فعليّة (٣) ، مدفوع : بأنّ التسليم إذا وقع باعتقاد لزوم البيع السابق وكونه من مقتضيات لزوم العقد وأنّه ممّا لا اختيار للبائع فيه بل يجبَر عليه إذا امتنع ، فهذا لا يعدّ إجازة (٤) ولا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي ؛ لأنّ المعتبر في الإجازة قولاً وفعلاً ما يكون عن سلطنة واستقلال ؛ لأنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالاً لغيره ، يدلّ على عدم كفاية ذلك.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد المتقدّمة بأنّ المشتري إن شاء أخذ وإن شاء ترك (٥) : ثبوت البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل ، وهذا محقّق فيما نحن فيه ؛ بناءً على ما تقدّم : من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضولي فسخ المعاملة قبل‌

__________________

(١) يأتي في الصفحة ٤٥٣.

(٢) كما في مورد رواية ابن سنان : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتيني يريد مني طعاماً أو بيعاً نسياً وليس عندي ، أيصلح أن أبيعه إيّاه وأقطع له سعره ثمّ أشتريه من مكان آخر فأدفعه إليه؟ قال : لا بأس به» ، الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٣) لم نقف على القائل.

(٤) في «ص» : الإجازة.

(٥) تقدّمت في الصفحة ٤٤٧.

٤٥٠

إجازة المالك أو ردّه (١) ، لكنّ الظاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم (٢) إرادة اللزوم من الطرفين.

والحاصل : أنّ دلالة الروايات عموماً وخصوصاً على النهي عن البيع قبل الملك ممّا لا مساغ لإنكاره ، ودلالة النهي على الفساد أيضاً ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة ، إلاّ أنّا نقول : إنّ المراد بفساد البيع عدم ترتّب ما يقصد منه عرفاً من الآثار ، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفاً من إنشاء البيع ، مثلاً لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي‌ء قبل تملّكه على الوجه الذي يقصده أهل المعاملة ، كأن يترتّب عليه بعد البيع النقلُ والانتقال ، وجواز تصرّف البائع في الثمن ، وجواز مطالبة المشتري البائعَ بتحصيل المبيع من مالكه وتسليمه ، وعدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه ، ففساد البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك عليه ، وهو لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد.

ولا يجب على (٣) القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغواً غير مؤثّر أصلاً ، كما يستفاد من وجه دلالة النهي على الفساد ، فإنّ حاصله : دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب وبيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه وهو الملك والسلطنة من الطرفين لا يترتّب عليه ، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين ، لا أنّه لغوٌ من جميع الجهات ، فافهم.

__________________

(١) راجع الصفحة ٤١٣ ٤١٤.

(٢) وهو خبر يحيى بن الحجّاج ، المتقدّم في الصفحة ٤٤٧.

(٣) في «ف» بدل «على» : في.

٤٥١

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقدٍ بمجرّد إنشائه مع وقوع (١) مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّداً بانضمام بعض الأُمور اللاحقة كالقبض في الهبة ونحوها والإجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقولٍ مطلق ؛ إذ معنى صحّة المعاملة شرعاً أن يترتّب عليها شرعاً المدلول المقصود من إنشائه ولو مع شرط لاحق ، وعدم بناء المتعاملين على مراعاة ذلك الشرط لا يوجب النهي عنه إلاّ مقيّداً بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط ، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك بحيث يسلّمون الثمن ويطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد.

فالإنصاف : أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملّك للبائع وعدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه مطلقاً حتّى مع الإجازة ، وأمّا صحّته بالنسبة إلى المالك إذا أجاز ؛ فلأنّ النهي راجع إلى وقوع البيع المذكور للبائع ، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز ، فيرجع فيه إلى مسألة الفضولي.

نعم ، قد يخدش (٢) فيها (٣) : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة (٤) ، ورودها في بيع الكليّ ، وأنّه لا يجوز بيع الكليّ في الذمّة ثمّ اشتراء‌

__________________

(١) في «ف» : مع عدم وقوع.

(٢) لم نقف على الخدشة بعينها ، نعم في جامع الشتات ٢ : ٣٣١ وغنائم الأيام : ٥٥٨ ، ما يلي : والمراد من تلك الأخبار البيع في الذمّة ، وهو كليّ.

(٣) أي في دلالة الروايات على عدم وقوع البيع قبل التملّك للبائع.

(٤) أي الأخبار المتقدّمة في الصفحة ٤٤٦ ٤٤٩.

٤٥٢

بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري الأوّل ، والمذهب جواز ذلك وإن نسب الخلاف فيه إلى بعض العبائر (١) ، فيقوى في النفس : أنّها وما ورد في سياقها (٢) في بيع الشخصي أيضاً كروايتي يحيى وخالد المتقدّمتين (٣) أُريد بها الكراهة ، أو وردت في مقام التقيّة ؛ لأنّ المنع عن بيع الكلّي حالاّ مع عدم وجوده عند البائع (٤) حال البيع مذهب جماعة من العامّة كما صرّح به في بعض الأخبار (٥) مستندِين في ذلك إلى النهي النبوي عن بيع ما ليس عندك ، لكنّ الاعتماد على هذا التوهين في رفع اليد عن الروايتين المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي ، وعموم مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكليّ (٦) ، خلاف الإنصاف ؛ إذ غاية الأمر حمل الحكم في مورد تلك الأخبار وهو بيع الكليّ قبل التملّك على التقيّة ، وهو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأساً ، فتدبّر.

فالأقوى : العمل بالروايات والفتوى بالمنع عن البيع المذكور.

وممّا يؤيّد المنع مضافاً إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف‌

__________________

(١) انظر مقابس الأنوار : ١٣٥.

(٢) في «ف» : بسياقها.

(٣) تقدّمتا في الصفحة ٤٤٧.

(٤) في غير «ش» : المشتري.

(٥) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١ و ٣.

(٦) مثل قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن مسلم : «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : «إنّما البيع بعد ما يشتريه» ، راجع الصفحة ٤٤٨.

٤٥٣

من دعوى الاتّفاق ـ : رواية الحسن بن زياد الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت رجلاً مملوكاً فتزوّجت بغير إذن مولاي ثمّ أعتقني (١) بعد ، فأُجدّد النكاح؟ فقال : علموا أنّك تزوّجت؟ قلت : نعم ، قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئاً. قال : ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك .. الخبر» (٢) فإنّها ظاهرة بل صريحة في أنّ علّة البقاء بعد العتق على ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته ، فلو كان صيرورته حرّا مالكاً لنفسه مسوّغةً للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلى الاستفصال عن أنّ المولى سكت أم لا ؛ للزوم العقد حينئذٍ (٣) على كلّ تقدير.

مورد الروايات ما لو باع لنفسه غير مترقب للإجازة

ثمّ إنّ الواجب على كلّ تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات ، وهو ما لو باع البائع لنفسه واشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك ولا لإجازة البائع إذا صار مالكاً ، وهذا هو الذي ذكره العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة نافياً للخلاف في فساده ، قال : لا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» ولاشتمالها على الغرر ، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها ، أمّا لو اشترى موصوفاً في الذمّة سواء كان‌

__________________

(١) في المصدر : أعتقني الله.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٢٦ ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٣) لم ترد «حينئذ» في «ش».

٤٥٤

حالاّ أو مؤجلاً فإنّه جائز إجماعاً (١) ، انتهى ، وحكي عن المختلف أيضاً الإجماع على المنع (٢) أيضاً (٣) ، واستدلاله بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ، بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز ، بل وقع على وجهٍ يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه.

فحينئذٍ لو تبايعا على أن يكون العقد موقوفاً على الإجازة ، فاتّفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملّكه ، لم يدخل في مورد الأخبار ولا في معقد الاتّفاق.

ولو تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفاً على تملّك البائع دون إجازته ، فظاهر عبارة الدروس : أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة ؛ حيث قال : وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز ، ولو أراد (٤) لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده ، وقد نهي عنه (٥) ، انتهى.

لكنّ الإنصاف : ظهورها في الصورة الأُولى ، وهي ما لو تبايعا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣ ، وفيه : «.. سواء كان حالاً أو مؤجّلاً ؛ فإنّه جائز وكذا لو اشترى عيناً شخصية غائبة مملوكة للبائع موصوفة بما ترفع الجهالة فإنّه جائز إجماعاً».

(٢) لم نقف عليه بعينه ، نعم في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، بعد نقل عبارة التذكرة ، ونسبة البطلان إلى ظاهر التحرير هكذا : وهو الظاهر من المختلف.

(٣) كذا في النسخ ، لكن شطب في مصحّحة «ن» على كلمة «أيضاً».

(٤) في مصحّحة «ن» : أرادا.

(٥) الدروس ٣ : ١٩٣.

٤٥٥

قاصدين لتنجّز النقل والانتقال وعدم الوقوف على شي‌ء.

وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك ؛ حيث علّل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم. وأصرح منه كلامه المحكيّ عن المختلف في فصل النقد والنسية (١).

ولو باع عن (٢) المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع فأجازه (٣) فالظاهر أيضاً الصحّة ؛ لخروجه عن مورد الأخبار.

نعم ، قد يشكل فيه من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها (٤) ؛ لأنّ العقد السابق كان إنشاءً للبيع عن (٥) المالك الأصلي ، ولا معنى لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه.

ويمكن دفعه بما اندفع به سابقاً الإشكال في عكس المسألة وهي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه (٦) ، فتأمّل.

ولو باع لثالثٍ معتقداً لتملّكه أو بانياً عليه عدواناً ، فإن أجاز المالك فلا كلام في الصحّة ؛ بناءً على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك ، وإن ملكه الثالث وأجازه ، أو ملكه البائع فأجازه ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة.

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، وراجع المختلف ٥ : ١٣٢.

(٢) في «ف» : من.

(٣) في «ف» : فأجاز.

(٤) في «ف» : «لا تعلّق لها» ، وفي مصحّحة «ن» : لا يتعلّق بها.

(٥) في «ف» : من.

(٦) راجع الصفحات ٣٧٨ ٣٨٠.

٤٥٦

لو باع لنفسه ثم تملكه ولم يجز

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الأُخرى ، وهي : ما لو لم يجز البائع (١) بعد تملّكه ؛ فإنّ الظاهر بطلان البيع الأوّل لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقيناً ، مضافاً إلى قاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم صيرورتها حلالاً من دون طيب النفس ؛ فإنّ المفروض أنّ البائع بعد ما صار مالكاً لم تَطِب نفسه بكون ماله (٢) للمشتري الأوّل ، والتزامه قبل تملّكه بكون هذا المال المعيّن للمشتري ليس التزاماً إلاّ بكون مال غيره له.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كلّ عاقد وشارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه وإن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه ونقضه ، ولعلّه لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح بناءً على صحّة الفضولي صحّة العقد المذكور بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة (٣).

قيل (٤) : ويلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك (٥) ، وقد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (٦).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المالك.

(٢) في «ف» بدل «بكون ماله» : بكونه.

(٣) انظر إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٤) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤.

(٥) انظر المسالك ٦ : ٤٩.

(٦) راجع الصفحة ٤٣٦.

٤٥٧

لكن يضعّفه : أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب ، والمقام مقام استصحاب حكم الخاصّ ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ ، فتأمّل. مضافاً إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلّها لغيرهم إلاّ عن طيب النفس ، وفحوى الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدّمة (١) في نكاح العبد بدون إذن مولاه (٢) وأنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لولا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ لو سُلّم عدم التوقّف على الإجازة فإنّما هو فيما إذا باع الفضولي لنفسه ، أمّا لو باع فضولاً للمالك أو لثالثٍ ثمّ ملك هو ، فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع أشكل.

ولو باع وكالةً عن المالك (٣) فبان انعزاله بموت الموكِّل ، فلا إشكال في عدم وقوع البيع له بدون الإجازة ولا معها ، نعم يقع للوارث مع إجازته.

المسألة الثالثة

لو باع معتقداً لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف

ما لو باع معتقداً لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف.

وعدم جواز التصرّف المُنكشَف خلافه ، إمّا لعدم الولاية فانكشف‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٤٥٤.

(٢) في «ف» : المولى.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «خ» ، وفي غيرها : عن البائع.

٤٥٨

كونه وليّاً ، وإمّا لعدم الملك فانكشف كونه مالكاً.

صور المسألة أربع :

وعلى كلّ منهما ، فإمّا أن يبيع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع :

١ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه وليّاً

الاولى : أن يبيع عن المالك فانكشف (١) كونه وليّاً على البيع.

فلا ينبغي الإشكال في اللّزوم حتّى على القول ببطلان الفضولي. لكنّ الظاهر من المحكي عن القاضي : أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة فباع واشترى وهو لا يعلم بإذن سيّده ولا علم به أحد ، لم يكن مأذوناً في التجارة ، ولا يجوز شي‌ء ممّا فعله ، فإن علم بعد ذلك واشترى وباع جاز ما فعله بعد الإذن ، ولم يجز ما فعله قبل ذلك ، فإن أمر السيّد قوماً أن يبايعوا العبد والعبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه وشراؤه منهم جائزاً ، وجرى ذلك مجرى الإذن الظاهر ، فإن اشترى العبد بعد ذلك من غيرهم وباع جاز (٢) ، انتهى.

وعن المختلف الإيراد عليه : بأنّه لو أذن المولى (٣) ولا يعلم العبد ، ثمّ باع العبد صحّ ؛ لأنّه صادف الإذن ، ولا يؤثّر فيه إعلام المولى بعض المعاملين (٤) ، انتهى.

وهو حسن.

__________________

(١) في «ف» : وانكشف.

(٢) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٤٣٥ ، ولم نعثر عليه في المهذّب وغيره من كتب القاضي.

(٣) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : الولي.

(٤) المختلف ٥ : ٤٣٧.

٤٥٩

٢ ـ لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّاً

الثانية : أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليّاً.

فالظاهر أيضاً صحّة العقد ، لما عرفت من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع ولا يقدح (١) ، وفي توقّفه على إجازته للمولّى عليه وجه ؛ لأنّ قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، فتأمّل.

٣ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه مالكاً

الثالثة : أن يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكاً.

وقد مثّله الأكثر بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتاً ، والمشهور الصحّة ، بل ربما استفيد من كلام العلاّمة في القواعد (٢) والإرشاد (٣) في باب الهبة الإجماع ، ولم نعثر على مخالف صريح ، إلاّ أنّ الشهيد رحمه‌الله ذكر في قواعده : أنّه لو قيل بالبطلان أمكن (٤) ، وقد سبقه في احتمال ذلك العلاّمة وولده في النهاية (٥) والإيضاح ؛ لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب ، لا عنه ، ولأنه وإن كان منجّزاً في الصورة إلاّ أنّه معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك ، ولأنه كالعابث عند مباشرة العقد ؛ لاعتقاده أنّ المبيع لغيره (٦) ، انتهى.

أقول : أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه ؛ لأنّه إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده ، ففي الحقيقة‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٧٧ ٣٨٣.

(٢) القواعد ١ : ٢٧٥.

(٣) الإرشاد ١ : ٤٥٠.

(٤) القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٨ ، ذيل القاعدة : ٢٣٨.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٧.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٠.

٤٦٠