كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

٣ ـ رواية ابن أشيم

وربما يؤيّد المطلب أيضاً ـ : برواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة ويعتقها ، ويُحِجَّه عن أبيه (١) ، فاشترى أباه وأعتقه ، ثمّ تنازع مولى المأذون ومولى الأب وورثة الدافع ، وادّعى كلّ منهم أنّه اشتراه بماله ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يُردّ المملوك رِقّاً لمولاه ، وأيّ الفريقين أقاموا البيّنة بعد ذلك على أنّه اشتراه بماله كان رقّاً له .. الخبر» (٢) ؛ بناءً على أنّه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبته المتضمّنة لإجازة البيع ، لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البيّنة عليها كافية في تملّك المبيع.

٤ ـ صحيحة الحلبي

وممّا يؤيّد المطلب أيضاً : صحيحة الحلبي عن الرجل يشتري ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً ، فكرهه ثمّ ردّه على صاحبه ، فأبى أن يقبله إلاّ بوضيعة ، قال : لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ، ردّ (٣) على صاحبه الأوّل ما زاد» (٤) ؛

__________________

(١) كذا في النسخ ، لكنّ الموجود في الرواية وهي عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ : «عن عبدٍ لقومٍ ، مأذون له في التجارة ، دفع إليه رجل ألف درهم ، فقال : اشترِ بها نسمة وأعتقها عنّي وحجّ عنّي بالباقي ، ثمّ مات صاحب الألف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميّت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت ، فحجّ عنه ، فبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميّت ، فاختصموا جميعاً في الألف ..».

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٣ ، الباب ٢٥ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) في «ص» و «ش» : يردّ.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩٢ ، الباب ١٧ من أبواب أحكام العقود.

٣٦١

فإنّ الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق بظاهره إلاّ على صحّة بيع الفضولي لنفسه.

٥ ـ موثقة عبد الله

ويمكن التأييد له أيضاً ـ : بموثّقة عبد الله (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الوَرِق ، فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته ، فيذهب فيشتري ثمّ يأتي بالمتاع (٢) ، فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت. قال : لا بأس .. الخبر» (٣).

بناء على أنّ الاشتراء من السمسار (٤) يحتمل أن يكون لنفسه ، ليكون الوَرِق عليه قرضاً فيبيع على صاحب الوَرِق ما رضيه من الأمتعة ، ويوفّيه (٥) دينه.

ولا ينافي هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممّن يشتري بالأجر ؛ لأنّ توصيفه بذلك باعتبار أصل حرفته وشغله ، لا بملاحظة هذه القضيّة الشخصيّة.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الموثّقة بابن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) كذا في «ص» والمصدر ، وفي «ش» بدل «فيشتري» : ليشتري ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «فذهب ليشتري المتاع» ، وصحّحت في بعضها بما أثبتناه.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٤ ، الباب ٢٠ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٤) أي : الاشتراء الصادر من السمسار ، وصحّحت في «ن» ب : اشتراء السمسار.

(٥) في «ف» : فيوفّيه.

٣٦٢

ويحتمل أن يكون لصاحب الوَرِق بإذنه مع جعل خيار له على بائع الأمتعة ، فيلتزم بالبيع فيما رضي ويفسخه فيما كره.

ويحتمل أن يكون فضوليّاً عن صاحب الوَرِق ، فيتخيّر ما يريد ويردّ ما يكره.

وليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الوَرِق للسمسار على وجه ينافي كونه فضوليّاً ، كما لا يخفى ، فإذا احتمل

مورد السؤال لهذه الوجوه ، وحكم الإمام عليه‌السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات.

٦ ـ أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه

وربما يؤيَّد المطلب بالأخبار الدالّة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه ، معلّلاً بأنّه لم يعصِ الله وإنّما عصى سيّده (١).

وحاصله : أنّ المانع من صحّة العقد إذا كان لا يرجى زواله (٢) فهو الموجب لوقوع العقد باطلاً ، وهو عصيان الله تعالى ، وأمّا المانع الذي يرجى زواله كعصيان السيّد فبزواله يصحّ العقد ، ورضا المالك من هذا القبيل ، فإنّه لا يرضى أوّلاً ويرضى ثانياً ، بخلاف سخط الله عزّ وجلّ بفعلٍ ؛ فإنّه يستحيل رضاه.

مختار المؤلف الصحة

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ ويستشهد به للقول بالصحّة ، وبعضها وإن كان ممّا يمكن الخدشة فيه ، إلاّ أنّ في بعضها الآخر غنى وكفاية.

__________________

(١) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ٥٢٤ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢.

(٢) العبارة في «ف» هكذا : إنّ المانع الذي لا يرجى زواله.

٣٦٣

ما استدلّ به لبطلان بيع الفضولي

واحتجّ للبطلان بالأدلّة الأربعة :

أمّا الكتاب ، فقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١).

الاستدلال بآية التجارة عن تراض

دلّ بمفهوم الحصر (٢) أو سياق التحديد على أنّ غير التجارة عن تراضٍ أو التجارة لا عن تراضٍ غير مبيح لأكل مال الغير وإن لحقها الرضا ، ومن المعلوم أنّ الفضولي غير داخل في المستثنى.

المناقشة في الاستدلال بآية التجارة عن تراض

وفيه : أنّ دلالته على الحصر ممنوعة ؛ لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ وصريح المحكي عن جماعة من المفسّرين (٣) ضرورة عدم كون التجارة عن تراضٍ فرداً من الباطل خارجاً عن حكمه.

وأمّا سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد ، فهو مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة أُخرى ، ككونه (٤) وارداً مورد الغالب ، كما فيما نحن فيه وفي قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٥) ، مع احتمال أن يكون «عن تراضٍ» خبراً بعد خبر ل «تكون» (٦) على قراءة نصب «التجارة» لا قيداً لها وإن كان غلبة توصيف النكرة تؤيّد التقييد فيكون المعنى : إلاّ أن يكون سبب الأكل‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) لم ترد «الحصر» في «ف».

(٣) راجع التبيان ٣ : ١٧٨ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٦ ، والكشّاف ١ : ٥٠٢.

(٤) كذا في «ف» و «م» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : لكونه.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) في غير «ص» : ليكون ، وهو سهو.

٣٦٤

«تجارة» ، وتكون (١) «عن تراضٍ».

ومن المعلوم : أنّ السبب الموجب لحِلِّ الأكل في الفضولي إنّما نشأ عن التراضي ، مع أنّ الخطاب لمُلاّك الأموال ، والتجارة في الفضولي إنّما تصير (٢) تجارة المالك بعد الإجازة ، فتجارته عن تراضٍ.

وقد حكي عن المجمع : أنّ مذهب الإماميّة والشافعيّة وغيرهم أنّ معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتفرّق (٣) أو التخاير بعد العقد (٤). ولعلّه يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبراً بعد خبر.

الاستدلال بالروايات على البطلان

وأمّا السنّة ، فهي أخبار :

منها : النبوي المستفيض ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحكيم بن حزام : «لا تبع ما ليس عندك» (٥) فإنّ عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلّطه على تسليمه ؛ لعدم تملّكه ، فيكون مساوقاً للنبويّ الآخر : «لا بيع إلاّ في ما يملك» بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلاّ في ما يملك ، ولا عتق إلاّ في ما يملك» (٦) ، ولِما ورد في توقيع العسكري صلوات الله عليه إلى الصفّار : «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (٧).

__________________

(١) في غير «ف» : يكون.

(٢) في غير «ص» : يصير.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بالتصرّف.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٣٧.

(٥) راجع سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، ٣١٧ و ٣٣٩.

(٦) كنز العمال ٩ : ٦٤١ ، الحديث ٢٧٧٧٩ ، وراجع المستدرك ١٣ : ٢٣٠ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣ و ٤.

(٧) الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٣٦٥

وما عن الحميري أنّ مولانا عجّل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله : «أنّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ عن مالكها أو بأمره أو رضاً منه» (١).

وما في الصحيح عن محمّد بن مسلم الوارد في أرضٍ بفم النيل (٢) اشتراها رجل ، وأهل الأرض يقولون : هي أرضنا (٣) ، وأهل [الأسياف] (٤) يقولون : هي من أرضنا. فقال : «لا تشترها إلاّ برضا أهلها» (٥).

وما في الصحيح عن محمّد بن القاسم بن الفضل (٦) في رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم ، فكتب عليها (٧) كتاباً‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٥١ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٨.

(٢) النيل» بليدة في سواد الكوفة يخترقها خليج كبير يتخلّج من الفرات الكبير ، حفره الحجّاج بن يوسف وسمّاه بنيل مصر ، معجم البلدان ٥ : ٣٣٤ «نيل».

(٣) في مصحّحة «ن» والمصدر : أرضهم.

(٤) في النسخ : «الأسناف» ، وفي الكافي والتهذيب ومصحّحة بعض النسخ : «الأستان» ، وما أثبتناه مطابق لما نقله الشهيد عن بعض النسخ المصحّحة في شرحه (هداية الطالب : ٢٧٤) ، ولعلّ ما نقله الشهيدي أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ الأسياف كما في القاموس جمع سِيف بالكسر وهو ساحل البحر وساحل الوادي ، أو كلّ ساحل ، فأصحاب السيف هم أصحاب ساحل النيل الذي تقدّم تفسيره ويؤيّده قول السائل : «أرض بفم النيل» أي فم الخليج.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣ بتفاوت يسير.

(٦) في مصحّحة «ص» والمصادر الحديثية : الفضيل.

(٧) كذا في «ف» و «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «إليها» ، إلاّ أنّه صحّح في بعضها بما أثبتناه.

٣٦٦

أنّها (١) قد قبضت المال ولم تقبضه (٢) ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : قل له (٣) : يمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعت ما لم تملكه» (٤).

المناقشة في الاستدلال بالروايات

والجواب عن النبوي :

أوّلاً : أنّ الظاهر من الموصول هي العين الشخصيّة ؛ للإجماع والنصّ على جواز بيع الكليّ (٥) ، ومن البيع البيع لنفسه ، لا عن مالك العين ، وحينئذٍ فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد الإنشاء ، فيكون دليلاً على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه ، فلا يقع له ولا للمالك بعد إجازته. وإمّا أن يراد ما عن التذكرة من أن يبيع عن نفسه ثمّ يمضي ليشتريه من مالكه ، قال : لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره جواباً لحكيم بن حزام ، حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي ويشتريه ويسلّمه ، فإنّ هذا البيع غير جائز ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للنهي المذكور وللغرر ؛ لأنّ صاحبها قد لا يبيعها (٦) ، انتهى.

وهذا المعنى يرجع إلى المراد من روايتي خالد ويحيى الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه (٧) ، ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرّد انتقاله إليه بالشراء ، فلا ينافي أهليّته لتعقّب الإجازة من المالك.

__________________

(١) لم ترد «أنّها» في غير «ف» ، لكنّها استدركت في «م» و «ص» بلفظ : «بأنّها» ، وفي «ن» كما أثبتناه.

(٢) في «ف» : قد قضت المال ولم تقضه.

(٣) كلمة «له» من «ن» ، «م» و «ص» والمصدر.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

(٥) انظر الوسائل ١٣ : ٦٠ ، الباب ٥ من أبواب السلف.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٣ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٦.

(٧) تأتيان في الصفحة ٤٤٧.

٣٦٧

وبعبارة اخرى : نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّراً في حقّه ، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك حتّى لا تنفعه إجازة (١) المالك في وقوعه له ، وهذا المعنى أظهر من الأوّل ونحن نقول به ، كما سيجي‌ء (٢).

وثانياً : سلّمنا دلالة النبوي على المنع ، لكنّها بالعموم ، فيجب تخصيصه بما تقدّم (٣) من الأدلّة الدالّة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز.

وبما ذكرناه من الجوابين يظهر الجواب عن دلالة قوله : «لا بيع إلاّ في ملك» ؛ فإنّ الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه ، وأنّ النفي راجع إلى نفي الصحّة في حقّه لا في حقّ المالك ، مع أنّ العموم لو سلّم وجب تخصيصه بما دلّ على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

وأمّا الروايتان (٤) ، فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقين (٥) أوضح ،

__________________

(١) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : بإجازة.

(٢) سيجي‌ء في الصفحة ٤٤٧ و ٤٥٢.

(٣) راجع الصفحة ٣٥٠ وما بعدها.

(٤) قال المامقاني قدس‌سره : الروايتان عبارة عن توقيع العسكري عليه‌السلام إلى الصفّار ، وما عن الحميري. (غاية الآمال : ٣٦٤) واستظهر السيّد اليزدي قدس‌سره أنّ المراد بهما روايتا خالد ويحيى الآتيتان في بيع الفضولي لنفسه ، ثمّ قال : وأمّا دعوى أنّ المراد بهما التوقيعان ، فهي كما ترى. (حاشية المكاسب : ١٤٠) وقال الشهيدي قدس‌سره أيضاً : يعني بهما روايتي خالد ويحيى الآتيتين. (هداية الطالب : ٢٧٥).

(٥) المراد بهما : النبويّان السابقان ، كما قاله المامقاني قدس‌سره في غاية الآمال : ٣٦٤.

٣٦٨

وليس فيهما ما يدلّ ولو بالعموم على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز.

وأمّا الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع ، فإنّما هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض والضيعة رأساً ، على ما يقتضيه السؤال فيهما.

وتوضيحه : أنّ النهي في مثل المقام وإن كان يقتضي الفساد ، إلاّ أنّه بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة عليه.

ومن المعلوم : أنّ عقد الفضولي لا يترتّب عليه بنفسه (١) الملك المقصود منه ؛ ولذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيراً ، ولذا عدّ في الشرائع (٢) والقواعد (٣) من شروط المتعاقدين أعني شروط الصحّة ـ : كون العاقد مالكاً أو قائماً مقامه ، وإن أبيت إلاّ عن ظهور الروايتين في لغويّة عقد الفضولي رأساً ، وجب تخصيصهما (٤) بما تقدّم من أدلّة الصحّة.

وأمّا رواية القاسم بن فضل (٥) ، فلا دلالة فيها إلاّ على عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي ؛ لأنّه باع ما لا يملك ، وهذا حقّ لا ينافي صحّة الفضولي.

وأمّا توقيع الصفّار ، فالظاهر منه نفي جواز البيع في ما لا يملك بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب واللزوم ، ويؤيّده (٦) تصريحه عليه‌السلام

__________________

(١) لم ترد «بنفسه» في «ف».

(٢) الشرائع ٢ : ١٤.

(٣) القواعد ١ : ١٢٤.

(٤) كذا في ظاهر «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : تخصيصها.

(٥) تقدّم أنّه في المصادر الحديثية : الفضيل.

(٦) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : يؤيّد.

٣٦٩

بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك (١) ، فلا دلالة على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز.

وبالجملة ، فالإنصاف أنّه لا دلالة في تلك الأخبار بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز ، ولا تعرّض فيها إلاّ لنفي وقوعه للعاقد.

الاستدلال بالاجماع على البطلان

الثالث : الإجماع على البطلان ، ادّعاه الشيخ في الخلاف معترفاً بأنّ الصحّة مذهب قوم من أصحابنا ، معتذراً عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم (٢) ، وادّعاه ابن زهرة أيضاً في الغنية (٣) ، وادّعى الحلّي في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب (٤).

المناقشة في الاجماع

والجواب : عدم الظنّ بالإجماع ، بل الظنّ بعدمه ، بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين والمفيد والمرتضى والشيخ بنفسه في النهاية التي هي آخر مصنّفاته على ما قيل وأتباعهم على الصحّة ، وإطباق (٥) المتأخّرين عليه ، عدا فخر الدين وبعض متأخّري المتأخّرين (٦).

__________________

(١) وهو قوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٧٥.

(٣) الغنية : ٢٠٧.

(٤) السرائر ٢ : ٤١٥.

(٥) كذا في «ف» ونسخة بدل «خ» و «ع» ، وفي سائر النسخ : «أتباع» ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٦) تقدّم التخريج عنهم جميعاً في الصفحة ٣٤٩ ٣٥٠.

٣٧٠

الاستدلال بدليل العقل على البطلان

الرابع : ما دلّ من العقل والنقل‌ على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنه ، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرّف ، ففي التوقيع المرويّ في الاحتجاج : «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه» (١) ، ولا ريب أنّ بيع مال الغير تصرّف فيه عرفاً.

المناقشة في دليل العقل

والجواب : أنّ العقد على مال الغير متوقّعاً لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرّفاً فيه.

نعم ، لو فرض كون العقد علّة تامّة ولو عرفاً لحصول الآثار كما في بيع المالك أو الغاصب المستقلّ كان حكم العقد جوازاً ومنعاً حكم معلوله المترتّب عليه.

ثمّ لو فرض كونه تصرّفاً ، فممّا استقلّ العقل بجوازه مثل الاستضاءة والاصطلاء بنور الغير وناره ، مع أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال ؛ بناءً على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي ، مع أنّ تحريمه لا يدلّ على الفساد ، مع أنّه لو دلّ لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم ترتّب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك ، ولا ينكره القائل بالصحّة ، خصوصاً إذا كانت الإجازة ناقلة.

وممّا ذكرنا ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولي قاصداً لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري ؛ بناءً على أنّ العقد المقرون بهذا القصد قبيح محرّم ، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٩٩ ، وانظر الوسائل ٦ : ٣٧٧ ، الباب ٣ من أبواب الأنفال ، الحديث ٦ وذيل الحديث ٧.

٣٧١

الاستدلال بوجوهٍ اُخر على البطلان

وقد يستدلّ للمنع بوجوه أُخر ضعيفة ، أقواها : أنّ القدرة على التسليم معتبرة في صحّة البيع ، والفضولي غير قادر (١) ، وأنّ الفضولي غير قاصد حقيقةً إلى مدلول اللفظ كالمكره ، كما صرّح في المسالك (٢).

المناقشة في هذه الوجوه

ويضعّف الأوّل مضافاً إلى أنّ الفضولي قد يكون قادراً على إرضاء المالك (٣) بأنّ (٤) هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعاً ، بل يكفي تحقّقه في المالك ، فحينئذٍ يشترط في صحّة العقد مع الإجازة قدرة المجيز على تسليمه أو (٥) قدرة المشتري على تسلّمه على ما سيجي‌ء (٦).

ويضعّف الثاني بأنّ (٧) المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي والمكره ، لا أزيد منه ، بدليل الإجماع على صحّة نكاح الفضولي وبيع المكره بحقّ ؛ فإنّ دعوى عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع ، كما ترى!

__________________

(١) انظر الإيضاح ١ : ٤١٧ ، والمناهل : ٢٨٨ ، ومقابس الأنوار : ١٢٨.

(٢) المسالك ٣ : ١٥٦.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : رضا المالك.

(٤) في «ف» : أنّ.

(٥) في «م» و «ش» بدل «أو» : و.

(٦) يجي‌ء إن شاء الله في الجزء الرابع من طبعتنا هذه عند قول المؤلف قدس‌سره : «الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم».

(٧) في «ف» : أنّ.

٣٧٢

المسألة الثانية

بع الفضول للمالک مع سبق المنع

المشهور الصحّة

أن يسبقه منع المالك ، والمشهور أيضاً صحّته ، وحكي عن فخر الدين : أنّ بعض المجوّزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك (١). ويلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبويّ : «أيّما عبدٍ تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (٢) بعد تضعيف السند على أنّه (٣) نكح بعد منع مولاه وكراهته ؛ فإنّه يقع باطلاً (٤). والظاهر أنّه لا يفرق بين النكاح وغيره (٥) ، ويظهر من المحقّق الثاني ، حيث احتمل (٦) فساد بيع الغاصب ؛ نظراً إلى القرينة الدالّة (٧) على عدم الرضا وهي الغصب (٨).

وكيف كان ، فهذا القول لا وجه له ظاهراً ، عدا تخيّل : أنّ المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة (٩) المختصّة بغير المقام ، وأنّ العقد إذا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٧.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٢٧.

(٣) في غير «ف» زيادة «إن» ، وشطب عليها في «م».

(٤) التذكرة ٢ : ٥٨٨.

(٥) انظر مقابس الأنوار : ١٢١.

(٦) في النسخ : «حمل» ، والصواب ما أثبتناه ، كما في مصحّحة «ن».

(٧) لم ترد «الدالّة» في «ص».

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٦٩.

(٩) تقدّمت في الصفحة ٣٥١.

٣٧٣

وقع منهيّاً عنه فالمنع الموجود بعد العقد ولو آناً ما كافٍ في الردّ ، فلا ينفع الإجازة اللاحقة ؛ بناءً على أنّه لا يعتبر في الردّ سوى عدم الرضا الباطني بالعقد على ما يقتضيه حكم بعضهم (١) بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد ؛ لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا.

مختار المؤلف ودليله

هذا ، ولكنّ الأقوى عدم الفرق ؛ لعدم انحصار المستند حينئذٍ (٢) في رواية عروة ، وكفاية العمومات ، مضافاً إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (٣) ، وجريان فحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه (٤) ، مع ظهور المنع فيها ولو بشاهد الحال بين الموالي والعبيد ، مع أنّ رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيّد (٥) ، مع جريان المؤيّدات المتقدّمة له : من بيع مال اليتيم (٦) والمغصوب (٧) ، ومخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال (٨) ، الصريح في منعه عمّا عداه.

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٨ : ٢٩٣ ، والمسالك ٥ : ٣٠٠ ، ومفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٢.

(٢) لم ترد «حينئذ» في «ف».

(٣) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٤) انظر الوسائل ١٤ : ٥٢٣ و ٥٢٥ ، الباب ٢٤ و ٢٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء وغيرهما.

(٥) في «م» ، «ص» و «ش» زيادة : حينئذٍ.

(٦) المتقدّمة في الصفحة ٣٦٠.

(٧) راجع الصفحة ٣٥٨ ٣٦٠.

(٨) كما في موثّقة جميل المتقدّمة في الصفحة ٣٥٨.

٣٧٤

وأمّا ما ذكر (١) من المنع الباقي بعد العقد ولو آناً ما ، فلم يدلّ دليل على كونه فسخاً لا ينفع بعده الإجازة.

وما ذكره في حلف الموكّل غير مسلّم ، ولو سُلّم فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف على ما أنكره في ردّ البيع وعدم تسليمه له.

وممّا ذكرنا يظهر وجه صحّة عقد المكره بعد الرضا ، وأنّ كراهة المالك حال العقد وبعد العقد لا تقدح في صحّته إذا لحقه الإجازة.

__________________

(١) في «م» و «ش» : ما ذكره.

٣٧٥

المسألة الثالثة

بيع الفضولي لنفسه

أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالباً يكون في بيع الغاصب ، وقد يتّفق من غيره بزعم ملكيّة المبيع ، كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدّمة في الإقالة بوضيعة (١).

الأقوى الصحة والدليل عليه

والأقوى فيه : الصحّة وفاقاً للمشهور ؛ للعمومات المتقدّمة (٢) بالتقريب المتقدّم ، وفحوى الصحّة في النكاح (٣) ، وأكثر ما تقدّم من المؤيّدات (٤) ، مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدّمة (٥).

الإشكال على صحة هذا البيع من وجوه

ولا وجه للفرق بينه وبين ما تقدّم من بيع الفضولي للمالك إلاّ وجوه تظهر من كلمات جماعة ، بعضها مختصّ ببيع (٦) الغاصب ، وبعضها مشترك بين جميع صور المسألة :

الوجه الأول وجوابه

منها : إطلاق ما تقدّم من النبويين (٧) : «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلاّ في ملك» [وغيرهما (٨)] ؛ بناءً على اختصاص مورد الجميع‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٣٦١.

(٢) تقدّمت في المسألة الأُولى والثانية.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٣٥٦.

(٤) راجع الصفحة ٣٥٨ ٣٦٣.

(٥) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٦) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : على بيع.

(٧) تقدّمتا في الصفحة ٣٦٥.

(٨) كلمة «وغيرهما» من مصحّحة «ن» ، وقد أثبتها المامقاني قدس‌سره في متن شرحه (غاية الآمال : ٣٦٧) ويقتضيها السياق أيضاً.

٣٧٦

ببيع الفضولي لنفسه.

والجواب عنها يعرف ممّا تقدّم ، من أنّ مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه الغير المالك ، بلا تعرّضٍ فيها لوقوعه وعدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز.

الوجه الثاني وجوابه

ومنها : بناء المسألة على ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك ، وهذا غالباً مفقود في المغصوب ، وقد تقدّم عن المحقّق الكركي أنّ الغصب قرينة عدم الرضا (١).

وفيه :

أوّلاً : أنّ الكلام في الأعمّ من بيع الغاصب.

وثانياً : أنّ الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقاً ، فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة وتملّك الثمن ، فليس في الغصب دلالة على عدم الرضا بأصل البيع ، بل الغاصب وغيره من هذه الجهة سواء.

وثالثاً : قد عرفت أنّ سبق منع المالك غير مؤثّر.

الوجه الثالث وجوابه

ومنها : أنّ الفضولي إذا قصد إلى بيع مال الغير لنفسه ، لم (٢) يقصد حقيقة المعاوضة ؛ إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر ، فالمعاوضة الحقيقيّة غير متصوّرة ، فحقيقته يرجع إلى إعطاء المبيع وأخذ الثمن لنفسه ، وهذا ليس بيعاً.

والجواب من ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب ـ : أنّ قصد‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٧٣.

(٢) كذا في «ص» ، وفي غيرها : فلم.

٣٧٧

المعاوضة الحقيقيّة مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقيّا وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له ، لكنّ المعاوضة المبنيّة على هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقيّة ، نظير المجاز الادّعائي في الأُصول.

نعم ، لو باع لنفسه من دون بناء على ملكيّة المثمن ولا اعتقاد له ، كانت المعاملة باطلة غير واقعة له ولا للمالك ؛ لعدم تحقّق معنى المعاوضة ؛ ولذا ذكروا أنّه لو اشترى بماله لغيره شيئاً بطل ، ولم يقع له ولا لغيره ، والمراد ما لو قصد تملّك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه.

وقد تخيّل بعض المحقّقين (١) : أنّ البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام ، وهو ما لو باع مال غيره لنفسه ؛ لأنّه عكسه ، وقد عرفت أنّ عكسه هو ما إذا قصد تملّك الثمن من دون بناءٍ ولا اعتقادٍ لتملّك المثمن ؛ لأنّ المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز.

الوجه الرابع

ومنها : أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه ، فإن تعلّقت إجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافياً لصحّة العقد ؛ لأنّ معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته ، وإن تعلّقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف ، لا إمضاءً لنقل الفضولي ، فيكون النقل من المنشئ غير مجاز ، والمجاز غير مُنشَأ.

جواب المحقّق القمي عن وجه الرابع

وقد أجاب المحقّق القمّي رحمه‌الله عن هذا (٢) في بعض أجوبة مسائله بأنّ الإجازة في هذه الصورة مصحّحة للبيع ، لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود بل بمعنى تبديل رضا‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) كذا في «ف» ، والعبارة في غيرها هكذا : وقد أجاب عن هذا المحقّق القمّي رحمه‌الله.

٣٧٨

الغاصب وبيعه لنفسه برضا المالك ووقوع البيع عنه (١) ، وقال نظير ذلك فيما لو باع شيئاً ثمّ ملكه (٢).

وقد صرّح في موضع آخر : بأنّ حاصل الإجازة يرجع إلى أنّ العقد الذي قُصد إلى كونه واقعاً على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب والمشتري العالم قد بدّلتُه على كونه (٣) على هذا الملك بعينه لنفسي ، فيكون عقداً جديداً ، كما هو أحد الأقوال في الإجازة (٤).

المناقشة في جواب المحقّق القمي

وفيه : أنّ الإجازة على هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز والمشتري ؛ لأنّ المفروض عدم رضا المشتري ثانياً بالتبديل المذكور ؛ لأنّ قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز ، فالمشتري إنّما رضي (٥) بذلك الإيجاب المغاير لمؤدّى الإجازة ، فإذا التزم بكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد ، وبعدم الحاجة إلى قبول (٦) المشتري ثانياً ، فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه وقبول المشتري ، وهذا خلاف الإجماع والعقل.

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ٣١٩ ، وغنائم الأيام : ٥٥٤.

(٢) انظر جامع الشتات ٢ : ٣٢٠ وما بعدها ، وغنائم الأيام : ٥٥٥.

(٣) في «ش» : بكونه.

(٤) راجع جامع الشتات ٢ : ٢٧٦ ، وفي الصفحة ٣١٨ منه نقل هذا القول عن صاحب كشف الرموز وفاقاً لشيخه المحقّق ، وانظر أيضاً غنائم الأيام : ٥٤١ و ٥٥٤ أيضاً.

(٥) في مصحّحة «ن» زيادة : في قبوله.

(٦) في غير «ش» و «ص» : «قول» ، وصحّح في هامش «ن» بما أثبتناه.

٣٧٩

وأمّا القول بكون الإجازة عقداً مستأنفاً ، فلم يعهد من أحد من العلماء وغيرهم ، وإنّما حكى كاشف الرموز عن شيخه (١) : أنّ الإجازة من مالك المبيع بيع مستقلّ فهو بيع بغير لفظ البيع قائم (٢) مقام إيجاب البائع ، وينضمّ إليه القبول المتقدّم (٣) من المشتري (٤).

وهذا لا يجري فيما نحن فيه ؛ لأنّه إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع وتملّك المبيع منه ، فإذا بني على كون وقوع البيع للمالك مغايراً لما وقع ، فلا بدّ له (٥) من قبول آخر ، فالاكتفاء عنه بمجرّد إجازة البائع الراجعة إلى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه ، التزام بكفاية رضا البائع وإنشائه عن رضا المشتري وإنشائه ، وهذا ما ذكرنا أنّه خلاف الإجماع والعقل.

جواب المؤلف عن وجه الرابع

فالأولى في الجواب : منع مغايرة ما وقع لما أُجيز ، وتوضيحه :

أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن ، وأمّا كون الثمن مالاً له أو لغيره ، فإيجاب البيع ساكت عنه ، فيرجع فيه‌

__________________

(١) لم يحكِ ذلك عن شيخه وهو المحقّق الحلّي قدس‌سره بل حكم نفسه بالملازمة بين القول بعدم لزوم اللفظ في البيع وكون الإجازة بمثابة عقد ثانٍ فقط.

(٢) العبارة في «ش» هكذا : «بيع مستقلّ بغير لفظ البيع وهو قائم ..» ، وهكذا في مصحّحة «ن» إلاّ أنّها بلفظ «فهو قائم».

(٣) في غير «ف» : المقدّم.

(٤) انظر كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٥) كذا في «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ بدل «فلا بدّ له» : «فكذا بدله» ، وفي مصحّحة «م» : فكذا لا بدّ من.

٣٨٠