كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

فإنّه لا يرتفع أثر الصحيح ؛ لأنّه مختار فيه وإن كان مكرهاً في جنس البيع (١) ، لكنّه (٢) لا يترتّب على الجنس أثرٌ يرتفع بالإكراه.

ومن هنا يعلم أنّه لو اكره على بيع مالٍ أو إيفاء مالٍ مستحقّ لم يكن إكراهاً ؛ لأنّ القدر المشترك بين الحقّ وغيره إذا أُكره عليه لم يقع باطلاً ، وإلاّ لوقع الإيفاء أيضاً باطلاً ، فإذا اختار البيع صحّ ؛ لأنّ الخصوصية غير مكره عليها ، والمكره عليه و (٣) هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر.

ولو أكرهه على بيع مالٍ أو أداء مالٍ غير مستحقّ ، كان إكراهاً ؛ لأنّه لا يفعل البيع إلاّ فراراً من بدله أو وعيده المضرَّين ، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر ؛ فإنّ ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأُخروي ببدله أو التضرّر الدنيوي بوعيده.

لو أكره أحد الشخصين على فعل واحد

ثمّ إنّ إكراه أحد الشخصين على فعلٍ واحد بمعنى إلزامه عليهما كفايةً وإيعادهما على تركه كإكراه شخصٍ واحدٍ على أحد الفعلين ، في كون كلٍّ منهما مُكرَهاً.

صور تعلق الإكراه

واعلم أنّ الإكراه : قد يتعلّق بالمالك والعاقد ، كما تقدّم ، وقد يتعلّق بالمالك دون العاقد ، كما لو اكره على التوكيل في بيع ماله ؛ فإنّ العاقد قاصد مختار ، والمالك مجبور ، وهو داخل في عقد (٤) الفضولي بعد‌

__________________

(١) لم ترد «وكذا لو أكرهه إلى جنس البيع» في «ف».

(٢) في «ف» : لكن.

(٣) الواو» من «ف» و «خ» فقط.

(٤) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : العقد.

٣٢١

ملاحظة عدم تحقّق الوكالة مع الإكراه ، وقد ينعكس ، كما لو قال : «بِع مالي أو طلّق زوجتي وإلاّ قتلتك» ، والأقوى هنا الصحّة ؛ لأنّ العقد هنا (١) من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في (٢) المكره إذا كان عاقداً ، والرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض ، فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقاً.

واحتمل في المسالك عدم الصحّة ؛ نظراً إلى أنّ الإكراه يُسقِط حكم اللفظ ، كما لو أمر المجنونَ بالطلاق فطلّقها ، ثمّ قال : والفرق بينهما أنّ عبارة المجنون مسلوبة ، بخلاف المكرَه فإنّ عبارته مسلوبة لعارضِ تخلّفِ القصد ، فإذا كان الآمر قاصداً لم يقدح إكراه المأمور (٣) ، انتهى. وهو حسن.

وقال (٤) أيضاً : لو اكره الوكيل على الطلاق ، دون الموكّل ، ففي صحّته وجهان أيضاً (٥) : من تحقّق الاختيار في الموكّل المالك ، ومن سلب عبارة المباشر (٦) ، انتهى.

وربما يستدلّ على فساد العقد في هذين الفرعين بما دلّ على رفع حكم الإكراه.

__________________

(١) لم ترد «هنا» في «ف».

(٢) في غير «ش» زيادة : المالك ، إلاّ أنّه شطب عليها في «م».

(٣) المسالك ٩ : ٢٢.

(٤) لم ترد «قال» في «ف».

(٥) لم ترد «أيضاً» في «ف».

(٦) المسالك ٩ : ٢٣.

٣٢٢

وفيه : ما سيجي‌ء (١) من أنّه إنّما يرفع حكماً ثابتاً على المكره لولا الإكراه ، ولا أثر للعقد هنا بالنسبة إلى المتكلّم به لولا الإكراه.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا : حكم المشهور بصحّة بيع المكره بعد لحوق الرضا ، ومن المعلوم أنّه إنّما يتعلّق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمرّ ، وهو النقل والانتقال (٢) ، وأمّا التلفّظ بالكلام الذي صدر مكرهاً فلا معنى للحوق الرضا به ؛ لأنّ ما مضى وانقطع لا يتغيّر عمّا وقع عليه ولا ينقلب.

نعم (٣) ، ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور : بأنّ القصد إلى المعنى ولو على وجه الإكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد ، ولا يعرف إلاّ من قبل العاقد ، فإذا كان مختاراً أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية ، دون المكره عليها.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الكلام بعد إحراز القصد وعدم تكلّم العاقد لاغياً أو مُوَرّياً (٤) ولو كان مُكرَهاً ، مع أنّه يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضاً ، فتأمّل.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٣٣٢ عند قوله : «وثانياً».

(٢) في «ف» : مستمرّ بالنقل والانتقال.

(٣) في «ف» بدل «نعم» : ثمّ.

(٤) لم ترد «أو مورّياً» في «ف».

٣٢٣

«فروع» ‌(١)

الإكراه على بيع عبد من عبدين

لو (٢) أكرهه على بيع واحدٍ غير معيّن من عبدين فباعهما أو باع نصف أحدهما ، ففي التذكرة (٣) إشكال.

أقول : أمّا بيع العبدين ، فإن كان تدريجاً ، فالظاهر وقوع الأوّل مكرهاً دون الثاني ، مع احتمال الرجوع إليه في التعيين ، سواءً ادّعى العكس ، أم لا.

ولو باعهما دفعة ، احتمل صحّة الجميع ؛ لأنّه خلاف المكرَه عليه ، والظاهر أنّه لم يقع شي‌ء منهما عن إكراه ، وبطلان الجميع ؛ لوقوع أحدهما مكرَهاً عليه ولا ترجيح ، والأوّل أقوى.

الإكراه على معين فضم غيره إليه

ولو اكره على بيع معيّنٍ فضمّ إليه غيره وباعهما (٤) دفعة ، فالأقوى الصحّة في غير ما اكره عليه.

وأمّا مسألة النصف ، فإن باع النصف (٥) بقصد بيع (٦) النصف الآخر‌

__________________

(١) في «ش» : فرع.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ولو.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٤) في «ف» : فباعهما.

(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : «بعد الإكراه على الكلّ» ، إلاّ أنّه أُشير في «ن» إلى زيادتها.

(٦) كلمة «بيع» من «ف» و «ش» ومصحّحة «م» و «ن» ، ولم ترد في غيرها ، وفي «ص» بدلها : أن يبيع.

٣٢٤

امتثالاً للمُكرِه بناءً على شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين فلا إشكال في وقوعه مكرَهاً عليه ، وإن كان لرجاء أن يقنع المكرِه بالنصف كان أيضاً إكراهاً ، لكن في سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر.

الإكراه على الطلاق

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره (١) من الفرع المذكور في التحرير ، قال في التحرير : لو اكره على الطلاق فطلّق ناوياً ، فالأقرب وقوع الطلاق (٢) ، انتهى.

ونحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع ؛ لأنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ ، ومجرّد النيّة لا حكم لها (٣).

وحكي عن سبطه في نهاية المرام : أنّه نقله قولاً ، واستدلّ عليه بعموم ما دلّ من النصّ والإجماع على بطلان عقد المكرَه والإكراه يتحقّق (٤) هنا ؛ إذ المفروض أنّه لولاه لما فعله ثمّ قال : والمسألة محلّ إشكال (٥) ، انتهى.

وعن بعض الأجلّة : أنّه لو علم أنّه لا يلزمه إلاّ اللفظ وله تجريده عن القصد ، فلا شبهة في عدم الإكراه (٦) وإنّما يحتمل (٧) الإكراه مع‌

__________________

(١) في الصفحة ٣١١.

(٢) التحرير ٢ : ٥١.

(٣) المسالك ٩ : ٢٢.

(٤) في مصحّحة «ص» ومقابس الأنوار : متحقّق.

(٥) نهاية المرام ٢ : ١٢ ، وحكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٧.

(٦) إلى هنا تمّ ما أفاده بعض الأجلّة ، وهو الفاضل الأصبهاني قدس‌سره في كشف اللثام ٢ : ١١٩ ، وباقي الكلمات من الحاكي.

(٧) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «ف» : «تحمل على الإكراه» ، وفي مصحّحة «ن» : يحمل على الإكراه.

٣٢٥

عدم العلم بذلك ، سواء ظنّ لزوم القصد وإن لم يرده المكره ، أم لا (١) ، انتهى.

ثمّ إنّ بعض المعاصرين (٢) ذكر الفرع عن المسالك (٣) ، وبناه على أنّ المكرَه لا قصد له أصلاً ، فردّه بثبوت القصد للمكرَه ، وجزم بوقوع الطلاق المذكور مكرَهاً عليه.

وفيه : ما عرفت سابقاً : من أنّه لم يقل أحدٌ بخلوّ المُكرَه عن قصد معنى اللفظ ، وليس هذا مراداً من قولهم : إنّ المكره غير قاصدٍ إلى مدلول اللفظ ؛ ولذا شرّك الشهيد الثاني بين المُكرَه والفضولي في ذلك كما عرفت سابقاً (٤) ـ ، فبناء هذا الحكم في هذا الفرع على ما ذكر ضعيف جدّاً.

وكذا ما تقدّم عن بعض الأجلّة : من أنّه إن علم بكفاية مجرّد (٥) اللفظ المجرّد عن النيّة فنوى اختياراً صحّ ؛ لأنّ مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها المتفطّن لها ؛ إذ لا فرق بين التخلّص بالتورية وبين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلّم به لاغياً ، وقد عرفت أنّ ظاهر الأدلّة والأخبار الواردة في طلاق المكره وعتقه : عدم اعتبار العجز عن التورية (٦).

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٧.

(٢) هو صاحب الجواهر قدس‌سره في الجواهر ٣٢ : ١٥.

(٣) تقدّم الفرع عن المسالك في الصفحة السابقة.

(٤) راجع الصفحة ٣١٠.

(٥) لم ترد «مجرّد» في «ص» ، وشطب عليها في «ع».

(٦) راجع الصفحة ٣١٣ ، قوله : الذي يظهر من النصوص والفتاوى ..

٣٢٦

أقسام الإكراه على الطلاق ، وأحكامها

وتوضيح الأقسام المتصوّرة في الفرع المذكور :

أنّ الإكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصداً إليه راضياً به ، إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلاً ، بأن يوقع الطلاق قصداً إليه عن طيب النفس ، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه ؛ لبنائه على تحمّل الضرر المتوعّد به ، ولا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا ، وعدم جواز حمل الفرع المذكور (١) عليه ، فلا معنى لجعله في التحرير أقرب ، وذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك ، وجعله قولاً في نهاية المرام واستشكاله فيه ؛ لعموم النصّ والإجماع.

وكذا لا ينبغي التأمّل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلا في داعي الوقوع ، بل هو بضميمة شي‌ءٍ اختياريّ للفاعل.

وإن كان الداعي هو الإكراه ، فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلّص عن الضرر المتوعّد به ، بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكرِه بالكسر كمن قال له ولده : «طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك أو قتلت نفسي» فطلّق الوالد خوفاً من قتل الولد نفسه ، أو قتلِ الغير له إذا تعرّض لقتل والده ، أو كان الداعي على الفعل شفقةً دينيّة على المكرِه بالكسر أو على المطلّقة ، أو على غيرهما ممّن يريد نكاح الزوجة لئلاّ يقع الناس في محرّم.

والحكم في الصورتين لا يخلو عن إشكال.

وإن كان الفعل لداعي التخلّص من الضرر ، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكرَه أنّ الحذر لا يتحقّق إلاّ بإيقاع الطلاق حقيقةً ؛ لغفلته عن أنّ التخلّص غير متوقّف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق‌

__________________

(١) أي الفرع المنقول عن التحرير.

٣٢٧

وحصول البينونة ، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة والإعراض عنها ، فيوقع الطلاق قاصداً ، وهذا كثيراً ما يتّفق للعوامّ.

وقد يكون هذا التوطين والإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعيّ أو كونه رأى (١) مذهب بعض العامة (٢) فزعم أنّ الطلاق يقع مع (٣) الإكراه ، فإذا أُكره على الطلاق طلّق قاصداً لوقوعه ؛ لأنّ القصد إلى اللفظ المكرَه عليه بعد اعتقاد كونه سبباً مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد إلى وقوعها ، فيرضي نفسه (٤) بذلك ويوطّنها عليه ، وهذا أيضاً كثيراً ما يتّفق للعوام.

عقد المكره لو تعقبه الرضا

والحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال ، إلاّ أنّ تحقّق الإكراه أقرب.

الاستدلال على الصحّة

ثمّ (٥) المشهور بين المتأخّرين (٦) : أنّه لو رضي المُكرَه بما فعله صحّ العقد ، بل عن الرياض (٧) تبعاً للحدائق (٨) أنّ عليه اتّفاقهم ؛ لأنّه عقد‌

__________________

(١) قال الشهيدي في شرحه : (رأى) بصيغة الماضي ، لا المصدر ، هداية الطالب : ٢٦١.

(٢) مثل ما تقدّم عن أبي حنيفة وأصحابه في هامش الصفحة ٣١٠.

(٣) في «ف» : على.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : نفسها.

(٥) في «م» ، «ع» و «ص» زيادة : «إنّ» ، لكن شطب عليها في «م».

(٦) كالمحقّق في الشرائع ٢ : ١٤. والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٤ ، والتحرير ١ : ١٦٤ وغيرهما. والشهيد في الدروس ٣ : ١٩٢ ، واللمعة : ١١٠. والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٥ ١٥٦ ، والروضة البهية ٣ : ٢٢٦. وغيرهم.

(٧) الرياض ١ : ٥١١ ، وفيه : إنّ ظاهرهم الاتّفاق ..

(٨) الحدائق ١٨ : ٣٧٣ ، وفيه : وظاهرهم أيضاً الاتّفاق ..

٣٢٨

حقيقي ، فيؤثّر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع ، وهو طيب النفس.

ودعوى (١) اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد ، خاليةٌ عن الشاهد ، مدفوعةٌ بالإطلاقات.

وأضعف منها : دعوى اعتبارها في مفهوم العقد ، اللازم منه عدم كون عقد (٢) الفضولي عقداً حقيقة.

وأضعف من الكلّ : دعوى اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده ، اللازم منه عدم صحّة بيع المُكرَه بحقّ ، وكون إكراهه على العقد تعبّدياً لا لتأثير فيه (٣).

ويؤيّده : فحوى صحّة عقد الفضولي ؛ حيث إنّ المالك طيّب النفس بوقوع أثر العقد وغير منشئ للنقل بكلامه ، وإمضاء إنشاء الغير ليس إلاّ طيب النفس بمضمونه ، وليس إنشاءً مستأنفاً ، مع أنّه لو كان فهو موجود هنا ، فلم يصدر من المالك هنالك إلاّ طيب النفس بانتقاله متأخّراً عن إنشاء العقد ، وهذا موجود فيما نحن فيه مع زائد ، وهو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد ؛ لما عرفت (٤) من أنّ عقده إنشاء حقيقيّ.

وتوهّم : أنّ عقد الفضولي واجد لما هو (٥) مفقود هنا وهو طيب نفس العاقد بما ينشئه ـ ، مدفوع : بالقطع بأنّ طيب النفس لا اثر له ،

__________________

(١) ادّعى ذلك صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦٧ ٢٦٨.

(٢) في «ف» : العقد.

(٣) في «ف» : في عقده.

(٤) راجع الصفحة ٣٠٩ وما بعدها.

(٥) في «م» و «ش» زيادة : به.

٣٢٩

لا (١) في صدق العقدية ؛ إذ يكفي فيه مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه ، ولا في النقل والانتقال ؛ لعدم مدخليّة غير المالك فيه.

نعم ، لو صحّ ما ذكر سابقاً (٢) : من توهّم أنّ المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلاً ، وأنّه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت كما صرّح به بعض (٣) صحّ أنّه لا يجدي تعقّب الرضا ، إذ لا عقد حينئذٍ ، لكن عرفت سابقاً أنّه خلاف المقطوع من النصوص والفتاوى ، فراجع (٤).

مختار المؤلّف

ما استدلّ به على البطلان

فظهر ممّا ذكرنا ضعف وجه التأمّل في المسألة كما عن الكفاية (٥) ومجمع الفائدة (٦) تبعاً للمحقّق الثاني في جامع المقاصد (٧). وإن انتصر لهم بعض مَن تأخّر عنهم (٨) بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٩) الدالّ على اعتبار كون العقد عن التراضي مضافاً إلى النبويّ‌

__________________

(١) لم ترد «لا» في «ف».

(٢) راجع الصفحة ٣٠٨ وما بعدها.

(٣) لم ترد «كما صرّح به بعض» في «ف» ، والمصرّح بذلك هو صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦٧.

(٤) راجع الصفحة ٣٠٨ ٣٠٩.

(٥) الكفاية : ٨٩ ، وفيها : فالمسألة محلّ إشكال.

(٦) مجمع الفائدة ٨ : ١٥٦ ، وفيه بعد نقل الصحّة عن المشهور ـ : وما نعرف لها دليلاً.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٦٢ ، وفيه : فللنظر فيها مجال.

(٨) لم ترد «عنهم» في «ف» ، ولم نعثر على هذا البعض.

(٩) النساء : ٢٩.

٣٣٠

المشهور الدالّ على رفع حكم الإكراه (١) ، مؤيّداً بالنقض بالهازل ، مع أنّهم لم يقولوا بصحّته بعد لحوق الرضا.

المناقشة في أدلّة البطلان

والكلّ كما ترى ؛ لأنّ دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي إمّا بمفهوم الحصر وإمّا بمفهوم الوصف ، ولا حصر كما لا يخفى ؛ لأنّ الاستثناء منقطع غير مفرّغ ، ومفهوم الوصف على القول به مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في

(رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٢) ، ودعوى وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة ، وسيجي‌ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي (٣).

المناقشة في دلالة حديث الرفع على البطلان

وأمّا حديث الرفع ، ففيه :

أوّلاً : أنّ المرفوع فيه هي المؤاخذة والأحكام المتضمّنة لمؤاخذة المكره وإلزامه بشي‌ء ، والحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك ، وهذا حقّ له لا عليه.

نعم ، قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتّى يرضى المكرَه أو يفسخ ، وهذا إلزامٌ لغيره ، والحديث لا يرفع المؤاخذة والإلزام عن غير المكرَه كما تقدّم (٤) ، وأمّا إلزامه بعد طول المدّة باختيار البيع أو فسخه ، فهو من توابع الحقّ الثابت له بالإكراه ، لا من أحكام الفعل المتحقّق‌

__________________

(١) المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) ستأتي مسألة بيع الفضولي في الصفحة ٣٤٥.

(٤) لم نقف على التصريح به فيما تقدّم.

٣٣١

على وجه الإكراه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا واضح على القول بكون الرضا ناقلاً ، وكذلك على القول بالكشف بعد التأمّل.

وثانياً : أنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المُكرَه عليه لولا الإكراه يرتفع عنه إذا وقع مكرهاً عليه كما هو معنى رفع الخطأ والنسيان أيضاً وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه ؛ لأنّ أثر (١) العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم (٢) الإكراه ، السببيّة المستقلّة (٣) لنقل المال ، ومن المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه ، وهذا الأثر الناقص المترتّب عليه مع الإكراه حيث إنّه جزء العلّة التامّة للملكيّة ، لم يكن ثابتاً للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ليرتفع به ؛ إذ المفروض أنّ الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه ، فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه (٤)؟

وبعبارةٍ اخرى : اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار (٥) عدم (٦) الإكراه هو اللزوم المنفيّ بهذا الحديث ، والمدّعى ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه على رضا المالك ، وهذا غير مرتفع‌

__________________

(١) شطب في «ن» و «م» على كلمة «أثر».

(٢) شطب في «ن» على «اعتبار عدم» ، وشطب في «م» على كلمة «عدم».

(٣) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : سبب مستقلّ.

(٤) لم ترد عبارة «إذ المفروض إلى بالإكراه» في «ف».

(٥) شطب في «ن» على كلمة «اعتبار».

(٦) كلمة «عدم» من «ش» فقط.

٣٣٢

بالإكراه (١).

لكن يرد على هذا : أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقيّدها بالمسبوقية بطيب النفس ، فلا يجوز الاستناد إليها لصحّة بيع المكرَه ووقوفه على الرضا اللاحق ، فلا يبقى دليل على صحّة بيع المُكرَه ، فيرجع إلى أصالة الفساد.

وبعبارةٍ اخرى : أدلّة صحّة البيع تدلّ (٢) على سببيّة مستقلّة (٣) ، فإذا قيّدت بغير المُكرَه لم يبقَ لها دلالة على حكم المُكرَه ، بل لو كان هنا ما يدلّ على صحّة البيع بالمعنى الأعمّ من السببية المستقلّة كان دليل الإكراه حاكماً عليه مقيِّداً له فلا ينفع (٤).

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الإطلاقات المفيدة (٥) للسببيّة المستقلّة (٦) مقيّدةٌ بحكم الأدلّة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل ومع عدم طيب النفس بالبيع المرضيّ به ، سَبَقه الرضا أو لحقَه ، ومع ذلك فلا حكومة للحديث عليها ؛ إذ البيع المرضيّ به سابقاً لا يعقل عروض الإكراه له.

__________________

(١) لم ترد «وهذا غير مرتفع بالإكراه» في «ف».

(٢) في «ف» : إنّما يدلّ.

(٣) في «ف» و «ن» : سببيّته المستقلّة.

(٤) وردت عبارة «بل لو كان إلى فلا ينفع» في «ف» و «ش» ، وهامش «ن» تصحيحاً.

(٥) في «خ» ، «ع» و «ش» : المقيّدة.

(٦) لم ترد «المفيدة للسببيّة المستقلّة» في «ف».

٣٣٣

وأمّا المرضيّ به بالرضا اللاحق ، فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف ، وهو أصل البيع (١) ، ولا نقول بتأثيره ، بل مقتضى الأدلّة الأربعة مدخليّة الرضا (٢) في تأثيره ووجوب الوفاء به.

فالإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التامّ لمجموع العقد المكره عليه والرضا به لاحقاً ، ولازمه بحكم العقل كون العقد المُكرَه عليه (٣) بعض المؤثّر التام ، وهذا أمر عقلي غير مجعول (٤) لا يرتفع بالإكراه ؛ لأنّ الإكراه مأخوذ فيه بالفرض ، إلاّ أن يقال : إنّ أدلّة الإكراه كما ترفع السببيّة المستقلّة التي أفادتها الإطلاقات قبل التقييد ، ترفع مطلق الأثر عن العقد المُكرَه عليه ؛ لأنّ التأثير الناقص أيضاً استفيد من الإطلاقات بعد تقييدها بالرضا الأعمّ من اللاحق (٥) ، وهذا لا يفرق فيه أيضاً بين جعل الرضا ناقلاً أو كاشفاً ؛ إذ على الأوّل يكون تمام المؤثّر نفسه ، وعلى الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد وهو تعقّبه للرضا.

__________________

(١) في «ص» زيادة : «قبل الرضا» ، ووردت في «خ» و «ع» أيضاً استدراكاً.

(٢) كذا في «ش» والعبارة في «ف» هكذا : «بل مقتضى الأدلّة الأربعة بمدخليّته للرضا» ، وفي سائر النسخ : بل تقتضي الأدلّة الأربعة مدخليّةً للرضا.

(٣) لم ترد «المكره عليه» في «ف».

(٤) عبارة «أمر عقليّ غير مجعول» من «ف» ونسخة بدل «ش».

(٥) من قوله : لأنّ الإكراه .. إلى هنا لم يرد في «ف» ، ومن قوله : إلاّ أن يقال .. إلى هنا كتب عليه في «ن» : زائد ، وهذا المقدار لم يرد أيضاً في «ش» باستثناء عبارة «كما ترفع السببيّة المستقلّة».

٣٣٤

وكيف كان ، فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقّبه له لا يترتّب عليه إلاّ كونه جزء المؤثّر التامّ ، وهذا أمرٌ عقليّ قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثّر التام هو المجموع منه ومن الرضا أو وصف تعقّبه له ، فتأمّل.

الرضا المتأخّر ناقل أو كاشف؟

بقي الكلام في أنّ الرضا المتأخّر ناقلٌ أو كاشف؟

مقتضى الأصل وعدم حدوث حِلّ مال الغير إلاّ عن طيب نفسه هو الأوّل ، إلاّ أنّ الأقوى بحسب الأدلّة النقليّة هو الثاني ، كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي (١).

وربما يدّعى (٢) : أنّ مقتضى الأصل هنا وفي الفضولي هو (٣) الكشف ؛ لأنّ مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره ، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى وهو النقل من حين العقد وترتّب الآثار عليه لا يكون إلاّ بالحكم بحصول الملك في زمان النقل.

وفيه : أنّ مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه ، بل نفس النقل ، إلاّ أنّ إنشاءَه لما كان في زمان التكلّم ، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّراً في نظر الشارع في زمان التكلّم حدث الأثر فيه ، وإن كان مؤثّراً بعد حصول أمرٍ حدث الأثر بعده.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٤٠٨ ٤٠٩.

(٢) لم نعثر على من ادّعى ذلك صريحاً ، نعم في الرياض ١ : ٥١٣ بعد اختياره ذلك في الفضولي وجعله موافقاً للأشهر ، قال : عملاً بمقتضى الإجازة.

(٣) لم ترد «هو» في «ف».

٣٣٥

فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر في الحكم ؛ ولذلك كان الحكم بتحقّق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف والسلم والهبة ، أو بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ (١) غير منافٍ لمقتضى الإيجاب ، ولم يكن تبعيضاً في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة.

فإن قلت : حكم الشارع بثبوت الملك وإن كان بعد الرضا ، إلاّ أنّ حكمه بذلك لمّا كان من جهة إمضائه للرضا بما وقع فكأنّه (٢) حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله.

قلت : المراد هو الملك شرعاً ، ولا معنى لتخلّف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك ، وسيأتي توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء الله (٣).

وإن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضى فسخ العقد ؛ فإنّه وإن كان حَلاّ للعقد السابق وجعلَه كأن لم يكن ، إلاّ أنّه لا يرتفع به الملكيّة السابقة على الفسخ ؛ لأنّ العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلّقه.

ثمّ على القول بالكشف ، هل للطرف الغير المُكرَه أن يفسخ قبل رضا المُكرَه ، أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله (٤).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٩.

(٢) في «ف» : فكان.

(٣) يأتي في الصفحة ٣٩٩ في بحث «القول في الإجازة والردّ» ، و ٤١٢ ، في بحث الثمرة بين النقل والكشف.

(٤) يأتي في الصفحة ٣٩٩ في بحث «القول في الإجازة والردّ» ، و ٤١٢ ، في بحث الثمرة بين النقل والكشف.

٣٣٦

مسألة

اشتراط إذن السيّد لو كان العاقد عبداً

الدليل على هذا الشرط

ومن شروط المتعاقدين : إذن السيّد لو كان العاقد عبداً ، فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقداً إلاّ بإذن سيّده ، سواء كان لنفسه في ذمّته أو بما في يده ، أم لغيره ؛ لعموم أدلّة عدم استقلاله في أُموره ، قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١).

وعن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلاّ بإذن سيّده. قلت : فإن كان السيّد زوَّجه ، بيد مَن الطلاق؟ قال : بيد السيّد (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) ، أفشي‌ء (٢) الطلاق؟» (٣).

والظاهر من القدرة خصوصاً بقرينة الرواية هو الاستقلال ؛ إذ‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» كما في بعض نسخ الفقيه ـ ، وفي سائر النسخ : فشي‌ء.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٤١ ، الحديث ٤٨٦٠ ، والوسائل ١٥ : ٣٤٣ ، الباب ٤٥ من أبواب مقدّمات الطلاق.

٣٣٧

المحتاج إلى غيره في فعلٍ غير قادر عليه ، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنّه شي‌ء ، فكلّ ما صدر عنه من دون مدخليّة المولى فهو شرعاً (١) بمنزلة العدم ، لا يترتّب عليه الأثر المقصود منه ، لا أنّه لا يترتّب عليه حكم شرعي أصلاً ، كيف؟! وأفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار.

هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيد؟

وكيف كان ، فإنشاءات العبد لا يترتّب عليها آثارها من دون إذن المولى ، أمّا مع الإذن السابق فلا إشكال ، وأمّا مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع ؛ لأنّ المنع فيه ليس من جهة العوضين اللَّذَين يتعلّق بهما حقّ المجيز ، فله أن يرضى بما وقع على ماله (٢) من التصرّف في السابق وأن لا يرضى ، بل المنع من جهةٍ راجعةٍ إلى نفس الإنشاء الصادر ، وما صدر على وجهٍ لا يتغيّر منه بعده.

وبتقريرٍ آخر : إنّ الإجازة إنّما تتعلّق بمضمون العقد وحاصِلِه أعني : انتقال المال بعوض وهذا فيما نحن فيه ليس منوطاً برضا المولى قطعاً ؛ إذ المفروض أنّه أجنبيّ عن العوضين ، وإنّما له حقّ في كون إنشاء هذا المضمون قائماً بعبده ، فإذا وقع على وجهٍ يستقلّ به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعاً.

مختار المؤلف ودليله

إلاّ أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى ؛ لعموم أدلّة الوفاء بالعقود (٣) ، والمخصّص إنّما دلّ على عدم ترتّب الأثر على عقد العبد من‌

__________________

(١) في «ف» زيادة : لا شي‌ء.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : بما وقع له.

(٣) كما في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، المائدة : ١.

٣٣٨

دون مدخليّة المولى أصلاً سابقاً ولاحقاً لا مدخلية إذنه السابق ، ولو شكّ أيضاً وجب الأخذ بالعموم في مورد الشكّ.

ويؤيّد إرادة الأعمّ من الإجازة : الصحيحة السابقة ؛ فإنّ جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة ، فالمراد بالإذن هو الأعمّ ، إلاّ أنّه خرج الطلاق بالدليل ، ولا يلزم تأخير البيان ؛ لأنّ الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق بحيث لا يحتاج إلى رضا المولى أصلاً ، بل ومع كراهة المولى كما يرشد إليه (١) التعبير عن السؤال بقوله : «بيد من الطلاق؟» (٢).

ما يؤيد المختار

ويؤيّد المختار بل يدلّ عليه ـ : ما ورد في صحّة نكاح العبد الواقع بغير إذن المولى إذا أجازه ، معلّلاً ب : «أنّه لم يعصِ الله تعالى وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز جاز» (٣) ، بتقريب : أنّ الرواية تشمل (٤) ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه ، وحمله على ما إذا عقد الغير له منافٍ لترك الاستفصال ، مع أنّ تعليل الصحّة بأنّه : لم يعصِ الله تعالى .. إلخ ، في قوّة أن يقال : «إنّه إذا عصى الله بعقدٍ كالعقد على ما حرّم الله تعالى على ما مثّل به الإمام عليه‌السلام في رواياتٍ أُخر‌

__________________

(١) كلمة «إليه» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) المتقدّم في الصفحة ٣٣٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل ، ولفظه : «فإذا أجازه فهو له جائز».

(٤) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي «ع» و «ش» : «يشتمل» ، وفي سائر النسخ : تشتمل.

٣٣٩

واردة في هذه المسألة (١) كان العقد باطلاً» ؛ لعدم تصوّر رضا الله تعالى بما سبق من معصيته ، أمّا إذا لم يعصِ الله وعصى سيّده أمكن رضا سيّدهِ فيما بعد بما لم يرضَ به سابقاً ، فإذا رضي به وأجاز صحّ.

فيكون الحاصل : أنّ معيار الصحّة في معاملة العبد بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينهَ عنه الشارع هو رضا سيّده بوقوعه ، سابقاً أو لاحقاً ، وأنّه إذا عصى سيّده بمعاملة ثمّ رضي السيّد بها صحّ ، وأنّ ما قاله المخالف : من أنّ معصية السيّد لا يزول حكمها برضاه بعده ، وأنّه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامّة (٢) غير صحيح ، فافهم واغتنم.

ومن ذلك يعرف : أنّ استشهاد بعضٍ (٣) بهذه الروايات على صحّة عقد العبد وإن لم يسبقه إذن ولم يلحقه إجازة ، بل ومع سبق النهي أيضاً لأنّ غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه في إيقاع العقد والتصرّف في لسانه الذي هو ملك للمولى ، لكنّ النهي مطلقاً لا يوجب الفساد خصوصاً النهي الناشئ عن معصية السيّد كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا يقدح بصحّة العقد في غير محلّه ، بل الروايات ناطقة كما عرفت بأنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ٥٢٤ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل. وانظر أيضاً المغني ؛ لابن قدامة ٦ : ٥١٥ ، والمجموع ١٧ : ٢٤٩.

(٣) انظر الجواهر ٢٢ : ٢٧١ ، و ٢٥ : ٧٠.

٣٤٠